نبذة عن الشاعر اليمني عبداللة البردوني ومهرجان ابي تمام بمدينة الموصل 1972
عبد الله البردوني .. عاش ضريرا وحزينا ويائسا من الحياة العربية المفعمة بالقساوة والهزال في القرن العشرين،
ولد عبد الله البردوني في قرية بردون باليمن العام 1929 ، ولذلك كني بالبردوني ، ونشأ طفلا لعوبا علي غرار اترابه ، ولكنه أصيب بالعمي وهو في سن الخامسة من عمره . تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب والمدارس الدينية المحلية ، وبدأ قراءة الشعر والتاريخ في كل من الثلاثينيات والاربعينيات من العمر . وصدر له أول ديوان شعري العام 1961 وكان بعنوان : " من أرض بلقيس " ، ثم توالت مؤلفاته ودواوينه الشعرية وكتاباته العامة ، ومنها دواوين شعرية ، هي : " في طريق الفجر " ، و " مدينة الغد " و " لعيني بلقيس " ، و " السفر الي الايام الخضر " ، و " وجوه دخانية في مرايا الليل " ، و " زمان بلا نوعية " و " جواب العصور " و " رجعة الي الحكيم بن زايد " .. ومن مؤلفاته العامة الاخري : " اليمن الجمهوري " ، و " في اول قصيدة .. في آخر طلقة " ، و " الثقافة والثورة في اليمن " .. الخ شارك البردوني في العديد من الندوات والمهرجانات الشعرية العربية والعالمية ، وفاز بالجائزة الاولي بمهرجان ابي تمام الذي انعقد بمدينة الموصل العام 1972 ، وفيه قال قصيدته الشهيرة العصماء التي وجهها الي الشاعر الموصلي العباسي الشهير ابي تمام الطائي ، وقد نظمها علي منوال قصيدة ابي تمام الشهيرة : " السيف اصدق انباء من الكتب " .. وقد أحدث البردوني في قصيدته ضجة كبري نظرا لقوتها وهيبتها ، وقد وصل البردوني فيها الي قمة الشعر فجعلته القصيدة شاعرا مشهورا منذ تلك اللحظة التاريخية الفاصلة . توفي البردوني في اليمن يوم الاثنين الموافق 30 آب / اغسطس 1999 ، ولم يكتمل القرن العشرون بعد .. ، قام المجمع الثقافي في أبو ظبي باصدار كتاب مسموع بعنوان : " عاشق بلقيس وداعا " تخليدا لذكري عبد الله البردوني ..
صورة حية عن وقفة شاعرية رائعة للبردوني : مهرجان ابي تمام في الموصل
بمناسبة مرور ذكري الف سنة علي ولادة الشاعر حبيب بن اوس الطائي أبي تمام في مطلع السبعينيات .
وحل من اليمن الشاعر الضرير عبد الله البردوني لقد توضح ان اغلب الناس لم تعر هذا الضيف اي اهتمام
كان هناك ادباء عرب كبار واساتذة متخصصون من مصر ولبنان وسوريا والمغرب واليمن والسودان وفلسطين وغيرها
من ابرز تناقضات ما حدث فيه : ما كان يلقيه البعض من القصائد التقليدية المنظومة التي تنام القاعة علي وقع سمعها المعهود .. أو ما كان يلقيه البعض الاخر من النقيض وكانوا من الشباب فاعتلي المسرح بعد برهة شاعرنا عبداللة البردوني وفجأة يهدر صوت يهز من اول بيت هو قائله القاعة ويرجها رجا عنيفا من اقصاها الي اقصاها !! وفجأة يتنبه الناس الي صوت هذا القادم من اليمن
وهو يلقي من فمه من دون اي ورقة ..أعذب الشعر واحلي الكلمات واروع الصور يناظر ذاك الشاعر القديم ابن الموصل حبيب بن أوس الطائي أبو تمام في اعز واجود ما تركه لنا ابو تمام من درر الشعر العربي وجواهره .. وعندما انتهي البردوني من القاء رائعته التي كانت قد قوبلت مقاطعها جمعاء بالتصفيق وطلب الاعادة .. استند الشاعر على مساعده كي ينزله من المنصة ، وعندما نزل عن المسرح قام من مكانه كل الضيوف بوجهه تحية واكبارا لقصيدته العصماء التي هزت جوانب المهرجان في ذلك اليوم البهي والتي تعتبر من امهات ما قيل من شعر عند العرب المحدثين .. لابد من القول ان شهرة البردوني قد انطلقت منذ تلك اللحظة التاريخية ، وبدا الرجل في ما تبقي له من ايام المهرجان نجما ساطعا يسعي اليه الناس للتعرف عليه والدخول في عالمه الشعري الرحيب اثر الضجة التي احدثتها قصيدته العصماء التي يتحدث فيها عن اوضاع الامة العربية ويرويها لشيخه ابو تمام ممثلا ذلك كله في مدينته صنعاء وفي نفسه هو ويخاطبه بكل جرأة ووضوح قائلا :
مقتطفات من القصيدة العصماء :
تـنسي الرؤوس العوالي نار iiنخوتها |
|
اذا امـتـطـاهـا الي اسياده الذنب |
حـبيب وافيت من صنعاء iiيحملني |
|
نـسر وخلف ضلوعي يلهث iiالعرب |
مـاذا أحـدث عـن صنعاء يا iiأبتي |
|
مـلـيـحة عاشقاها السل والجرب |
مـاتـت بصندوق وضّاح بلا iiثمن |
|
ولم يمت في حشاها العشق iiوالطرب |
كـانت تراقب صبح البعث iiفانبعثت |
|
في الحلم .. ثم ارتمت تغفو iiوترتقب |
لـكـنها رغم بخل الغيث ما iiبرحت |
|
حـبلي وفي بطنها قحطان او كرب |
وفـي أسـي مـقـلتيها يغتلي iiيمن |
|
ثـان كـحـلم الصبا ينأي iiويقترب |
حـبـيب تسأل عن حالي وكيف iiأنا |
|
شـبـابـة فـي شفاه الريح iiتنتحب |
كـانـت بلادك رحلا ، ظهر iiناجية |
|
أمـا بـلادي فـلا ظهر ولا iiغبب |
أرعـيـت كـل جديب لحم iiراحلة |
|
كـانت رعته وماء الروض iiينسكب |
ورحـت مـن سفر مضن الي iiسفر |
|
أضـنـي لأن طريق الراحة iiالتعب |
لـكـن أنـا راحل في غيرما iiسفر |
|
رحلي دمي وطريقي الجمر والحطب |
اذا امـتـطـيـت ركابا للنوي iiفأنا |
|
فـي داخلي أمتطي ناري iiوأغترب |
قـبـري ومأساة ميلادي علي iiكتفي |
|
وحـولـي العدم المنفوخ والصخب |
رحم الله الشاعر عبد الله البردوني الذي ستبقي قصيدته العصماء هذه شهادة حية ووثيقة دامغة علي عصر كامل كواحدة من عيون الشعر العربي التي انجبها القرن العشرون بكل مآسيه وخطاياه .. كما ان قصيدته اعطت درسا قاسيا لكل المتطفلين علي الشعر والادب من تابعي السلطة وقت ذاك بأن مكانهم هو بعيد جدا عن روح الفن والادب.. وستذكر الاجيال القادمة البردوني باحرف من نور ، وبرغم تشاؤمة، الا ان الليل سينجلي عاجلا ام آجلا في أمة اذا ما عرفت بأن طريق الراحة التعب !
وفيما اذكر ان المرحوم عمر الجاوي كان حاضرا ممثلا للشطر الجنوب انذاك ومستعرضا النثرالعربي مماجعل مجلة العربي تنشر
الاعجاب الكبيرالتي نالتة قصيدة عبداللة البردوني فاوقفتها سلطات الحزب الاشتراكي في المطار حتى تم طباعة رد على المجلة
وافرج عن مجلة العربي وبيعة مع الرد المطبوع حوالي 10 صفحات متهما المجلة وادارتها انها تفتعل معركة
علي السقاف جدة