شفرة دافنشى الثانية عمرو على بركات عبر قصة روائية بوليسية تعيد أصداء رواية أمبيرتو ايكو" اسم الوردة" يخرج علينا "دان براون" بقصة أثارت الضجة بعد تحولها الى عمل سينمائي، باسم "شفرة دافينشى" بطولة "توم هانكس"، ومن إخراج" رون هاورد" صاحب جوائز أوسكار، وملخص الرواية من الناحية النظرية أن "السيد المسيح" تزوج سراً من "مريم المجدلية"، وبقى هذا السر مرموزاً فى لوحة العشاء الأخير للفنان الايطالى "ليوناردو دافنشى"، والذى عرف السر، وأخفاه، لاشك أن "دان براون" مولعاً بالتأويل والرموز، مما جعله يخلق شخصيتين فى الرواية، هما "صوفى" الاخصائية فى علم الشفرة، و"روبرت" أخصائى علم الرموز الشهير، وينسج حولهما البناء البوليسي فى الرواية، ويطرح الفيلم، ومن قبله الرواية سؤال حول هل تزوج "السيد المسيح" من "مريم المجدلية"? وأنجب منها? وعليه يكون هناك أبناء ل"السيد المسيح" مجهولين لنا، معلومين لذواتهم، أوحت الرواية أنهم أصل سلالة ملوك فرنسا، ولكن السيدة التى رسمها "دافينشى" وقع عليها إسقاط من المؤلف إنها "مريم المجدلية"، من المحتمل أن تكون هى أمه "السيدة العذراء مريم"، والتى اختفى ذكرها من كل الأناجيل، بعد قيامة "السيد المسيح"،لماذا لم تطرح الشفرة شفرة أخرى، وهى أن التى تزوجت هى "مريم العذراء" أم "السيد المسيح" بالجسد من "يوسف النجار" ، ويصبح البحث ليس عن أبناء "السيد المسيح" وإنما عن أشقاء "السيد المسيح"!! يعقوب أخو الرب هناك شخصية لها تراث فى تاريخ المسيحية يدور حولها الشبهات لتكون هى المقصودة بشفرة دافينشى الثانية، هى شخصية "يعقوب بن حلفى" أحد الرسل الأثنى عشر، والذى عرف باسم"يعقوب أخى الرب"، يذكر "ترتليانوس"(ت:240م) قسيس قرطاج، أن "يوسف النجار" قد تزوج السيدة" مريم" بعد ميلاد "السيد المسيح"، وإنجابا "يعقوب" البار أخا "السيد المسيح" من الأم، تلك هى الشفرة الثانية ل"دافينشى"، ولكن التراث المسيحى طمس تلك الشفرة بادعاء وجود شقيقة أخرى ل"السيدة مريم العذراء"، اسمها "مريم" أيضاً !! هى الأخرى، وهى الحالة الوحيدة التى تسمى فيها أسرة بنتين لها بنفس الاسم، وانه ابن خالة "السيد المسيح"،أمه هى، مريم الثانية، ليصبح مجموع من أسمائهن "مريم" عند تلك اللحظة من التاريخ ثلاثة بإضافة "مريم المجدلية" بطلة الشفرة الأولى، وأبوه هو "كلوبا" وهو اسمه اليوناني، وترجمته بالآرامية"حلفى" ليصبح "يعقوب حلفى"، أسقف أورشليم، فيما بعد. شفرة أشقاء السيد المسيح حاول البعض دمج وتمييع فكرة وجود أشقاء للمسيح، بادعاء أن"يوسف النجار" كان له أبناء من زوجة سابقة توفيت قبل خطبته ل"مريم العذراء"، ولم تستطع الكنيسة اليونانية، ولا الكنيسة السريانية دحض هذا الرأى، فأخذا به، وترجم تلك الشفر احد القساوسة باسم" ميمر الابن الوحيد" عام 1962م نقلا عن "انجيل يعقوب" من اللغة السريانية، إلا أن هذا الرأى فى فك شفرة "دافينشى" الثانية، لا يتمكن من فك شفرة وراثة عرش "داود" حيث يصبح للمسيح أشقاء أكبر منه سناً، ومن ثم يستحقون العرش بدلاً منه، إلا أنهم بهذا الدفع يكونوا قد أقروا ضمنياً بزواج "يوسف النجار" من السيدة العذراء بعد ميلاد "السيد المسيح"، ليصبح "يوسف النجار" زوج أم "المسيح"، وأبنائه هم أشقاء "المسيح" من الأم فقط، و بالطبع أصغر منه سناً، فنعود بذلك الى التأويل الأول للشفرة، حيث يكون "يعقوب" ابن "مريم" العذراء، من زواجها من "يوسف النجار" وهنا تقوم الشفرة الثانية من وجود أشقاء ل"السيد المسيح"، ولم يجد التقليد الكنسي حلاً لتلك الشفرة إلا بدمج "يعقوب بن حلفى" و"يعقوب أخا الرب" شخصاً واحداً، عبر شفرة مركبة، وفى سبيل فك الشفرة، والتى طلسمتها أيسر من حلها، ادعى فريق من علماء التاريخ المسيحى بأن "يعقوب" هذا لم يكن من الرسل الاثنى عشر، بل لم يؤمن بالسيد المسيح أصلاً، ولما وجدوا أن حرق الشفرة على هذا النحو يمس ثوابت أخرى فى شخصية "يعقوب" المشفرة، أقروا له بالإيمان ب"السيد المسيح" ولكن بعد قيامته، وتمادوا فى صناعة أسطورة، لتجنب الإجابة على سر الشفرة، بأن السيد المسيح ظهر له خصوصياً، وهو ما ورد فى انجيل يوحنا(5: 7)" لأن أخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به"، فهل "يوحنا" يقصد معنى إخوة "المسيح"? أم أحالنا الى شفرة أخرى للبحث عن تأويلها? من شفرة لشفرة يرى "أميرتو إيكو" تصوراً عميقاً جداً لتأويل الشفرات، تصوراً يرى فيه أن التأويل هو صياغات جديدة لقضايا فلسفية ومعرفية موغلة فى القدم، فما نعرفه من التاويلات المعاصرة لا نفسرها إلا من خلال معرفتنا للواقع الذى نحياه، ولذا نجد "إيكو" يبحر فى دهاليز التاريخ والأساطير والفلسفة، والمنطق، وحركات الصوفية، بحثاً عن جذور خفية لكل أشكال التأويل التى تمارس على النصوص، واللوحات الديفانشية على سبيل المثال، فى شفرته الأولى التى يبحث فيها عامل فك الشفرات عن أبناء للسيد "المسيح"، قد أحالتنا الى شفرة ثانية، نبحث فيها عن أشقاء للسيد"المسيح"، هنا يرى "ايكو" أن التأويل محكوماً بمرجعياته وحدوده وقوانينه، وعليه فهو وفقاً لهذه الصورة يتشكل من سلسلة قد تبدو من خلال المنطق الظاهرى للإحالات، أنها لا متناهية، فكل علامة تحيل على علامة أخرى، وفق مبدأ المتصل الذى يحكم الكون الانسانى، إن شفرة "دافينشى" هى الإعلان عن "زمن القارىء"للإبداع المكتوب، وزمن المشاهد، للإبداع المرئى، انه زمن المتلقى عموماً، الذى لا تحده حدود لتأويلاته، ويظل منتجاً لشفراته، ما دام الإنسان هو حيوان ناطق، ويؤول. عمرو على بركات |