الفلسفة والشعر : التضايف بين العقل والقلب كن أول من يقيّم
ليست الفلسفة تلك الحكمة المتعالية عن كثير من البشر، والمخصوصة لخاصة الخاصة ، بل الفلسفة من حيث هي تأمل في كل ماهو موجود تصبح مرتبطة بكل كائن مُتعقل لوجوده ، إن التأمل طريقة للتفكير وليس تعبيرا وتنسيقا للمعاني ، هو إدراك وفهم ، هو قبول صورة ما في الذهن قبول تفرد وتوحد كما يقول ابن باجة. ومنه تصبح الفلسفة هي الموضوع الذي يثير في النفس البشرية: 1- المعاناة 2- الدهشة 3- السؤال 4- الحيرة 5- الحرقة 5- الاستشراف 6- الحقيقة الضائعة. غير أن الفيلسوف غالبا ما يصطدم باللغة كعائق ، لإن المدركات قد لا نستطيع أن نعبر عنها كما هي ، فنشعر أن اللغة تخون الإنسان ( محي الدين ابن عربي) ، وبالتالي نبحث عن المُخلص الذي يضيف لمدركاتنا العقلية فيضا جديدا من المدركات القلبية، عندئذ يتجاور المنطوق العقلي بالمنطوق القلبي ، أو بمعنى آخر يتضايف العقل مع القلب، ونقصد بلغة أفلاطون أن يحدث تناغم بين اللوغس والحدس ، بالرغم من أن أفلاطون يرفض ارتباط الفكر الفلسفي بالشعر، بل أقر ضرورة طرد الشعراء من مملكة الفكر. غير أن ابن سينا في عينيته المشهورة استطاع أن يُقوض الطرح الأفلاطوني، فلقد انسجم التأمل الماورائي مع الترانيم الشعرية ، وأصبحت قصيدته أكثر مقروئية من كتبه الضخمة ، ولنستمع لبن سينا وهو يحاور الروح : هبطت إليك من المحل الأرفع *** ورقاء ذات تعزز وتمنع . والفيلسوف ابن الفارض لم يجد غير الشعر لكي يعبر عن مراتب العقل الثلاث: العرفان، البرهان ، البيان . فالعرفان متعالي يتطلب منا البرهان ولتقديميهما نحتاج إلى البيان. لقد تحدث هيدجر عن الشعر والفلسفة ، وربطه بالميتافيزقا ارتباطا ضروريا وأنطولوجيا ، لأنه اعتقد أن الكلمة هي مسكن الإنسان ، وليس هناك أبدع بيت من الشعر. ومن ناحية اخرى ليس الشعر نظما للقوافي وسبكا للأوزان ، بل الشعر شعور وفكر لذا فالشاعر الموصوف هو الفيلسوف ، أما إذا كان خلاف ذلك فهو مجرد ناظم وقارض . ولقد أحس إيليا أبو ماضي بتلك الفجوة الموجودة بين الشعراء والفلسفة فقال : لست من أن حسبت الشعر لفظا ووزنا *** خالف دربك دربي وانقضى ما كنا منا. وملك الشعراء أبو الطيب المتنبي رأى في ذاته الشاعر وليس القارض والناظم لأنه ضايف بين العقل والقلب : ذو العقل يشقي في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم. والفلسفة علاقتها مع الشعر كعلاقة الفكرة بالنغم ، أو اللحن بالوتر ، أو الصورة باللون / فالشعر هو الذي يعطي للفلسفة ذلك الرونق العجييب الذي يُحبب التأمل ويجذب إليه. بالرغم من كون أفلاطون يرفض الشعر ويبغض الشعراء إلا أن خطابه مقارنة مع أرسطو طاليس أكثر شاعرية، لأن خطاب أرسطو توقف ضمن لغة الحدود المنطقية فكان جافا تقنينا بيد أن أفلاطون في محاوراته يحضر المجاز والتشبيه وكأنك تقرأ قصيدة نثرية . لا نريد أن نكثر الحديث في موضوع كثر الحديث عنه أصلا ، فلحد الساعة أشرفت على ثلاث رسائل ( دكتوراه) ستناقش في حدود 2009 . الأولى من إعداد الطالب الباحث : قوزى مصطفى حول ( الشعر والرمز في الخطاب الصوفي /ابن الفارض نموذجا) والثانية ،للباحثة مقدم مختارية :( الشعر الفلسفي عند الخيام) والثالثة للباحثة درغام نادية : ( البعد الجمالي للشعر الفلسفي عند جلال الدين الرومي). كما نوقشت رسالة ماجستار بجامعة وهران تحت عنوان ( الشعر والميتافيزيقا بين أفلاطون وهيدجر) للطالب كرد محمد علي. وختاما أقول أن الشعر وسيلة لغوية بيانية يُعبر به الفكر الفلسفي عن مدركاته تعبيرا يعطي للقول الفلسفي أكثر مصداقية وشاهدية ، لأن الحرف يحمل الدلالات وليس كالحرف الشعري قبةلا في النفس. وإن من الشعر لحكمة. د. عبد القادر بوعرفة - جامعة وهران. |