البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 84  85  86  87 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
غيوم وأمواج (2 )    كن أول من يقيّم
 
 
غيوم وأمواج

دعاني سكان الغيوم ، يا أماه ، قالوا : " هنا نلعب منذ نفيق ، وحتى يزول النهار ، نلعب مع الفجر الذهبي ، نلعب مع القمر الفضي "
قلت : «  ومتى أبلغ ذراكم ؟ "
قالوا : «  تعال حتى حافة الأرض وارفع ذراعيك نحو السماء ، تُخطف إلى قلب الغيم "
قلت : " وأمي ؟ إنها تنتظرني في البيت ؟ فكيف أتركها وأذهب ؟ "
حينئذ ، ابتسموا ، ومادوا ، ومضوا ،
على أني أعرف لعبة أجمل من لعبهم ، يا أماه : " سأكون الغيم ، وتكونين القمر ، سألفك بذراعي وتأوينا السماء الزرقاء " .

******
ودعاني سكان الأمواج ، يا أماه ، قالوا : " هنا نحن نغني ، من الصبح حتى المساء ، إنا نسير ونسير ، ولا ندري أين نمر «  .
قلت : «  وكيف أنضم إليكم . " .
قالوا : «  تعال حتى حافة الشط قف ، واغمض عينيك ، تحمل إلى سطح الموج ،
 قلت : " وأمي ؟ إنها تريدني في البيت كل مساء ، فكيف أتركها وأذهب ؟ "
حينئد ، ابتسموا ، ورقصوا ، وغابوا .
على أني أعرف لعبة ألذ من لعبهم ، يا أماه : " سأكون الموج ، وتكونين الشط البعيد ، سأجري وأجري وأنذثر ضاحكاً على حضنك ونكون معاً ، أنا وأنت لا يدري في الدنيا بنا بشر

طاغور : من ديوان ( الهلال ) ترجمة يوحنا قمير
 
*ضياء
20 - يناير - 2010
يا بن سيدي ويا خويا...    كن أول من يقيّم
 
أغنية جميلة أهديها لكم جميعا أساتذتي وأصدقائي ، كان يدندن بها أبي أحيانا عندما كنت صغيرا ..
أرجو أن تنال إعجابكم ..
وتحية تقدير وإكبار للعائدين الكبار، أ.ضياء و أ.السعدي و أ.بلفقيه دون أن أنسى أ.زهير  و أ.زين الدين ..
 
 
*abdelhafid
21 - يناير - 2010
من التداول اليومي الى الفلسفي.. : «الواعر» * دراسة     كن أول من يقيّم
 
أجل، توجد الكلمات العادية قبل الفكرة. توجد قبل مجهودنا لتجديدها، لذا يجب استعمال هذه الكلمات كما هي. لكن أليست مهمة الفيلسوف هي تحوير معنى هذه الكلمات لاستخراج معناها المجرد من معناها الملموس والسماح للفكر بالانسلاخ من براثن الأشياء والكلمات. ألا يجوز له مثلما هو جائز للشاعر أن يمنح لكلمات القبيلة معنى خالصا؟ (مالارمي). غ. باشلار. » L?entendement vulgaire ne voit pas le monde à force d?étant «.1
M. Heidegger.
في شرحه لهذه العبارة الاستهــلال الثانية يوضــح الفيلســوف الألماني Peter Sloterdijk2 بيتير صلوتيردايك أن الأمر لا يتعلق فقط بوعورة العبارة المشهورة «الاختلاف الأنطولوجي»؛ بقدر ما يتصل ب «الحرب الأهلية» التي لم تتوقف منذ أفلاطون بين الفلسفة والفكراليومي العادي، بعبارة أخرى، إذا كان التأمل الفلسفي غير ممكن إلا في تعارضه مع الاستعمال التبسيطي للعقل، فإنه ملزم أيضا بأخذ الموجود Etant في كليته لا في جزئيته و بأخذه مع نوع من التراجع أو «الإبوخي» كما يقول هوسرل، عن التدبير الروتيني للأشياء والأفكار. في هذا التراجع، لا يتحقق التأمل الفلسفي إلا بالانتقال من الاستعمال السوقي للعقل إلى «حالة الاستثناء» الفلسفية. ولا يمكن لهذا الاستثناء أن ينقل عبر التعليم والتربية بله اللغة، إنما هو خاضع للمزاج. ربما لهذا السبب بدأ هايدجر فلسفته في «الوجود والزمن» بالخوف والملل.الأول يشير إلى الدهشة التي تزحزح الإنسان العادي في لغته العادية والثاني يحقق نفس النتيجة لأنه يشكل المدخل الرئيسي لوحشية Monstruosité الوجود.
لكن ما فائدة وذريعة الخطاب الفلسفي في أن يعادي الخطاب العادي وعكسيا؟ هل هناك استعمال سوقي وتبسيطي للعقل وآخر علمي وفلسفي؟ وحتى إذا سلمنا بهذه التمايزات الأخيرة، بقوة الأشياء، فما هي حدود العقل وما هي حدود نوره Aufklarung؟
ألا يؤدي هذا التميز البارز في استعمال العقل، والمتميز في الاستعمال الفريد للغة، إلى نوع من العزلة والنخبة والانكماش، وإلى تهم متعددة.. وإلى تهيب من القول الفلسفي ووعورة ووتوحة صورة الفيلسوف؟
«الاختلاف الأنطولوجي» و»تدقيق المنطق» وشمولية رؤية «الموجود في الوجود» والتراجع أو «الإبوخي».. كلها وقبل اصطلاحيتها كلمات في كلمات.. فلماذا يتم رفعها إلى «حالة الاستثناء» سياسيا ويتم إقصاؤها من ديداكتيك التعليم تربويا؟
العقل «أعدل» قسمة بين الناس. وفي استعماله وتوظيفه تتم الفوارق. لكن العقل اللغوي سواء كان في اللغة الفصحى أو في الدارجة؟ هو عقل تدبيري.. ?يبحث عن المفردة والصيغة التي تلائم الوضع الغفل من كل وصف أو صفة. في هذا السياق؛ تبدو الدارجة المغربية أكثر تطورا وتكيفا مع الأوضاع الجديدة، وأكثر سرعة من اللغة العربية الفصحى. فكل الأحداث العالمية وكل الأوضاع الطارئة تجد لها في الدارجة مقابلا لغويا. وفي كل المجالات تنحت ما يعوزها للتواصل والتعبير، فهي لا تنتظر مجمعا لغويا ولا معهدا ولا قرارا. فالحريك والنايضة والفاكانس والزماكرية والتوس نيكوس والطوراخي وغيرها من الأفاظ كالواعر استجابات لغوية تواصلية تدعو إلى التأمل والتساؤل. فما دلالة لفظة «واعر» حين نقول «فلان واعر» وما معنى أن نقول «الويسكي واعر» و»الامتحان واعر» وهذا «الفيلسوف واعر» وهذه «الفتاة واعرة» ؟..
للكلمة أصل في اللغة العربية الفصحى3. الوعر: المكان الحزن ذو الوعورة، ضد السهل، يقال طريق وعر ووعر ووعير وأوعر، جمع أوعر. قال يصف البحر: وتارة يسند في أوعر. والكثير وعور. وجمع الوعر والوعير أوعار. رمل وعير مكان وعر وقد توعر. وعر عليه الطريق أفضى به إلى وعر من الأرض. أوعر القوم وقعوا في الوعر. الوعورة تكون غلظا في الجبل، وتكون وعوثة في الرمل، استوعروا طريقهم رأوه وعرا. توعر علي: تعسر. والوعورة القلة أيضا.
قال الفرزدق: وفت ثم أدت لا قليلا ولا وعرا. (يصف أم تميم لأنها ولدت فأنجبت وأكثرت) وهناك مطلب وعر.
يقال: قليل شقن ووقح ووعر وهي الشقونة والوقوحة والوعورة. بمعنى واحد. ويقال: شعر معر وعر زمر بمعنى واحد. إن كانت لفظة «الواعر» تعود إلى هذه الجذور التشقيقية فإن مصطلح «الواعر» كما يستعمل الآن يفارقها. ذلك أن الاستعمال قد جرد الكلمة من معناها الحقيقي الذي ينطلق من «الصعب» ومن «الغلظة» ومن «الرعوثة» ومن «القسوة» و»عدم التسامح» و»الجدة المفرطة»... إلى معناها الاستعاري الذي يفيد- وكلما ارتفعت الكلمة كلما اتسع معناها-. الاعتراف بقيمة الشيء أو الشخص، والمبالغة في ذلك، «نيتشه فيلسوف واعر أي عبقري، كفء، ... من جهة وصعب حرن من جهة أخرى. «فتاة واعرة» أي جميلة مفرطة في جمالها وصعبة جدية في تعاملها. يمكن إذن اعتبار كلمة «واعر» شخصية مفهومية، انفصمت عن تسميتها الأولى لقول تسمية ثانية. ويمكن مقابلتها في اللسان الفرنسي ب. Dur و rigoureux, difficile, vigoureux, sévère, rude, austère وأيضا savant, compétent, intelligent ... إلا أنها لا تقابلها بكل الامتلاء المطلوب علما بأن الترجمة لا امتلاء دلالي لها دوما، أو الأصح تعاني دوما أبدا من نقصان الامتلاء. ومع ذلك فتقريب الشقة السيميائية أمر ضروري إن نحن أردنا حوارا وتواصلا ثقافيا اختلافيا.(...)
ترى من هو «الواعر» على المستوى الإيتيقي؟ وما هي الملابسات الفلسفية التي تجعل الوعورة أمرا قائما أنطولوجيا ووجوديا؟ الجواب عن السؤالين يكمن في السؤال «من هو الإنسان؟ منظورا إليه أنثربولوجيا وأنطولوجيا. (أنطو- أنتروبولوجيا). علة الإنسان التأسيسية (البومسهولي ) ليست هي الإنسان. فالإنسان قبل أن يكون إنسانا لم يكن إنسانا4 بل كان شيئا آخر فالتطور ليس هو السبب العلي إنما هو التفسير البعدي حيث أن الإنسان وجد بعد خلقه، فــي «فسحــة» وجوديــة ((clairière الفسحة التي يصفها هايدجر كما يلي5: «إن الإنسان «قد ألقي به» قبل كل شيء في حقيقة الوجود من طرف الوجود نفسه، حتى يحرص بانوجاده على هذا النحو على تلك الحقيقة، وينجلي له الموجود في نور الوجود باعتباره الموجود الذي يوجد [...] إن قدوم الموجود إلى نور الوجود يكمن في قدر الوجود أي «أن هذا النور والانفتاح هو الوجود نفسه» في هذه الفسحة هو راع الوجود. واللغة هي مسكنه قرب الوجود في فسحة الهناك. شبيه بمكان أفلاطون khôra والذي يقترح له صلوتيرديك اسم (sphère)6 كالغلاف الجوي الحيوي.
هذه الفسحة سمحت للإنسان أن ينتقل من وضعية ما قبل الإنسان إلى وحشية الوجود. Monstruosité)) فسحة يشبهها صلوتيردايك ظاهريا بدمار هيروشيما ونكازاكي (ص34). لكن لماذا بدا الوجود للإنسان متوحشا مخيفا؟ هل صدمة رميه في الوجود هي السبب؟ (L?individu jeté dans le dasein).( هل هذا هو «الألم الأصلي»؟
الإنسان حسب تأويل هايدجر... الثلاثي الأبعاد7 للتراجيديا اليونانية. (أنتيغون، صوفوكليس) هو أكثر الكائنات قلقا. هذه الصفة تقدم لنا الحدود القصية والهاوية العظمى لوجوده. وهي صفة لا تدرك بسهولة إلا عبر القول الشعري والفكري، إنه قلق مقلق. أو قلق ملتبس. فهو يشير إلى المخيف (effrayant) وإلى العنيف الذي يثير الهلع والرعب والضجر الحقيقي والخوف المحترم المتوازن والخفي والخاشع. كما يشير إلى العنف أو العنيف والقادر على ممارسته العنف. والقلق مأخوذ هنا بمعنى ما يخرجنا من الطمأنينة in/quiétude ما يبعدنا عنها ومن الحميمي والمألوف والعائلي، والأمني.. بكلمة ما هو أجنبي غريب. الإنسان أكثر الكائنات قلقا لأنه هو الذي يتوجه هذه الوجهة أو هو الذي يدفع نفسه خارج هذه الوجهة بعنفه ووعورته فيلاقي المقلق في الدمار والشقاء.. في موقع الانبثاق الذي ينبعث منه كل انبعاث؛ فيغدو انبثاق البحر والأرض كتآلف للماء الخالص والتراب الأترب، ثم أسراب الطيور في السماء وحشد الحيوانات في البحار والجبال... لا تحكي التراجيديا هنا تطور الإنسان وتكيفه مع محيطه بقدر ما تصف البداية العظمى والمقلقة للوجود والتي لا يمكن للعلم أن يدركها ولكن تدركها الأسطورة وتحكيها. فهي تعتبر العنف والقيام ?الأصلي ضربا من الآلية والمكننة، الموصولة بالتقنية مفهومة هنا كمعرفة معرفة وحكمة تقود الإنسان المبدع وسط ما لم يقال بعد، وما لم يفكر فيه بعد وما لم يحصل بعد وما لم يظهر بعد. (ص167 نفسه).
إنه الإنسان الواعر إذن الواقف أمام بدء الأشياء إما ككاهن للعدم أو حارس للوجود. هذا الإنسان قادر على تحقيق الخلاص الذي لا يتم إلا في فترة الخطر الأعظم. وقادر على تجاوز الميتافيزيقا الذي لا يتم إلا في لحظة الكارثة. بعد ذلك يستطيع هذا الشجاع البطل أن يستمر في المساءلة. ربما القلق والخوف والضجر والملل هي علامات من علامة هذه الوحشية. وربما أيضا الوعورة؛ ذلك أن رد الفعل الأنطولوجي يمكنه أن يكون إيجابا أو سلبا، أن يكون قربا أو بعدا، أن يكون خوفا أو شجاعة، أن يكون قلقا أو اطمئنانا... فالمكان الحزن وعورة، والطريق وعر، والبحر أوعر، والجبل والرمل... والوجود وعير. توعر علينا الوجود أي تعثر. فمن يفكر في الوجود بدون سند مسبق، وبدون اطمئنان تييولوجي سيلف أمام وجهه دهشة لا تقل عن دهشة الدراما من حيث التشخيص ولا تقل اضطرابا من التراجيديا من حيث البؤس واليأس. أمامنا دوما مشهد أصله أنطولوجي وأشكاله متعددة، أنتروبولوجية سيكولوجية سوسيولوجية... فكل بؤس ووحشية واستلاب... مبدؤه الوجود المتوحش ومنتهاه ما وصلنا إليه من يتم وقرف وحكرة وحريك... إن الفسحة تلك المساحة التي وجد الإنسان نفسه فيها لأول مرة، هي فسحة وعرة لا تطؤها إلا قدم وعرة ولا يدركها إلا إنسان «واعر».
هل كان هايدجر «واعر» مثلما كنا نتصور نيتشه؟ ما هي حقيقة «وعورة» نيتشه؟ ألم تخر وعورته يوم عانق الحصان؟ من هو الفيلسوف الواعر؟ هل الوعورة والوعيرة صفة ثابتة في الشخص أم هي صفة عرضية؟
لقد ظل هايدجر «واعر» في أعين الفرنسيين لمدة طويلة لدى ج. بوفريــه J. Beaufret ولدى روني شار R. Char وديريدا ودولوز وغيرهم فقد هيئوا له لقاءات مباشرة بالجمهور الفرنسي ومناظرات وكتابات فلسفية عدة.. كانت ومازالت هي منفذنا إلى معرفة فلسفته (هايدجر) بعد أن أضيفت إليها المعرفة المباشرة عبر اللغة الألمانية..
لكن متى زالت وعورته؟ هل لها من صلة بذلك الخطاب سنة 1933 المسمى بخطاب رئاسة الجامعة؟ لقد كان هايدجر يتصور ذاته كمفكر تربطه بالحقيقة علاقة متميزة وكان له وعي بأنه أوكلت إليه مهمة خاصة به شخصيا8 ولا يعود هذا الاعتقاد وهذا الوعي إلى الرؤية النخبوية التي كانت تحملها الهيئة الجامعية عن ذاتها في ألمانيا، بل يعود حسب هابرماس إلى عقلية ما بعد الحرب المنتشرة جدا والتي كانت شخصية هايدجر تجسدها أحسن تجسيد. ميزة هذه الشخصية وصفها كارل ياسبر صديقه ومعاصره في إطار إجابته كمختص على سؤال طرحته عليه «لجنة التطهير «السياسي» بجامعة فريبورغ في نهاية سنة 1945 بان «عقلية» هايدجر ديكتاتورية، ذات طبيعة غير ميالة للحرية وتجهل التواصل».9 بعبارة أخرى كان هايدجر «واعر» وهذه الوعورة اللازمة لشخصيته لابد لها أن تتراءى في أعماله ومؤلفاته. فهو الذي بعد أن أطاح بالتعالي جعل الإنسان أو (الدازاين) في عالم مخيف مقلق وسط ليل غابت فيه الآلهة ووضعه على «دروب وعرة» لا مسالك فيها، تائها إلى أن وجد نفسه في فسحة أو فرجة أونطية فباللغة والمساءلة التي تعني عدم الخضوع للخوف أمام غير المتحكم فيه وعدم الخضوع لتشويش الظلمات10 «يستطيع الفرد البطل الذي يعيش داخل المخاطرة [أن] يمار العنف وهو المبدع الذي يضبط الوجود عبر خطابه الذي يشق الطريق أمام الذي لا يمكن تسميته وينظر إلى اللامرئي ويقوم بفعل ما لم يقع بعد..» 11 إنسان بهذه المواصفات ووسط هذه الملابسات لا يمكنه إلا أن يكون واعرا.
وعليه فوعورة هايدجر الشخصية والأنطولوجية هي التي أسقطته في براثن الفاشية وليس العكس. وتحمل في ضوئها مسؤولية رسمية لمدة بضعة أشهر، بعد ذلك أدرك بأن تطبيقات مفهوم «الروح» و»الشعب» وتطابق «التقنية» وحقيقة الإنسان الألماني لم تكن في عهد الفاشية إلا كليشيات و ظلال » simulacres «. فاستقل منها دون أن يستقل من وعورته فما النازية إلا الصورة الخاطئة والمخاثلة لتلك الوعورة..
أما الإنسان حسب نيتشه فهو فرد يعاني من الألم الأصلي، والفردانية هي أم الآلام. إذا كانت الحقيقة هي الألم الأصلي الذي يعاني منه الفرد «الملقى» به في الوجود، فإن مواجهة الحقيقة يعد شجاعة وبطولة وحكمة ورجولة ووعورة. بهذا الألم الأصلي كأساس للحقيقة يوجد نيتشه على خشبة المسرح الدرامي والمأساوي كفيلسوف «واعر» ستزداد وعورته حين ينتقل من الرومانسية إلى العلسان مع زرادشت ثم من هذا الأخير إلى إرادة القوة. زرادشت صاحب الإيتيقا المخلصة من كل القيم القديمة إلى الحق فيما يريد بنوع من الوعورة والقساوة يقول: و»كل مفكر عميق يخشى أن يفهم قصده أكثر مما يخشى سوء الفهم من طرف قراءة في الحالة الثانية كبرياؤه هو الذي يتألم ربما. أما في الأولـــى فقلبــه، ووده sympathie يقــولان دون هــوادة» لمـــاذا تريــدون العيش الوعيــر أكثـــر ممـــا أعيــش أنا». إن نظرية نيتشه شبيهة بحرب عصابات شفاهية. ذلك أن كتاباته الفلسفية والسيكو- نقدية تقدم نفسها في إطار نشر أبو لوني براق، نثر لا يظهر في بساطته الوعرة إلا الاحتقار لكل تعقيد نظري محض.
ومع ذلك «فإرادة القوة»12 تقوم على كونها فلسفة جديدة، طموحها هو اقتلاع الإنسان من المظاهر أو «مما يظهر» أي اقتلاعه من الاصطناعي والعبثي والفارغ. فهي إذن إرادة تتنافى والقيم الفارغة السائدة. (نفسه ص23). وتتلاءم وما هو أكثر تطورا في الإنسان بدءا من الغرائز إلى أحكامنا القيمية إلى مشاعرنا وعقلنا، (intellect) (ص223)، علما بأن عقلنا ما هو إلا أداة لهذه الإرادة. إرادة القوة هي الحياة. علما بأن هذه الأخيرة ما هي إلا حالة خاصة لإرادة القوة (ص225).
لا يجوز تشقيق «إرادة القوة» إلى «إرادة» و»قوة». فالصيغة ليست تجميعا للرغبة بما هي حاجة إلى التحكم. وليست هي باطن الأشياء (l?en- soi) كما تصورها شوبنهاور.. كما أن القوة ليست هي صراع من أجل البقاء، إنما هي طموح لما هو أحسن وإلى الأكثر بسرعة وفي غالب الأحيان (ص229)، «إرادة القوة».. أنطولوجيا تبدو في أن القوة هي مبدأ الحركة والأحداث والتغيير، وفي أن الإرادة هي إرادة تراكم القوة في الظاهرة الحياتية: كالغداء، والتكاثر، والوراثة والمجتمع والدولة.. أليست الإرادة سببا محركا (motrice) حتى في الكيمياء؟ وفي النظام الكوني؟.. (ص230). العالم وحش من القوى (ص235) والوجود في ماهيته (Etre) إرادة قوة (ص237).
ترى كيف تتمظهر «إرادة القوة» لدى الإنسان؟ إنها تتجسد في ما يسميه نيتشه بالفرد الرواقي المتحكم في ذاته، القوي الصلب، الهادئ العميق في هدوئه، المبدئي الصارم في مبادئه. بكلمة الشبيه بذي القرن الواحد في سكونه (Rhinocéros) (ص162 ج.1). هذه القيم تنتمي إلى الأخلاق التي تناهض الانحطاط معتمدة على الغرائز التي مازالت صافية أو أولية، قيم الوعورة والترعة الحربية.
إن المبدأ السادس (ص.6ج.1)... يقر بأن الفحولة لا تقاس بالاهتمام بالجانب الإنساني في وجهة نظرنا بقدر ما تقاس بقدرتنا على السيطرة على الأشياء. هذه القدرة ليست موقوفة على أي إنسان. بل هي من شيم ذلك الذي يعد من أعز الأحرار. أي الذي يتحكم في ذاته بمعرفتها جيدا، وبتنظيم نزاعات قوتها.. (ص276) ذلك القاسي تجاه نفسه بالصفاء والشجاعة وبالإرادة المطلقة التي تقول «لا» حين يكون الرفض خطرا. (ص16 ج.1).
إن الواعر حسب نيتشه إنسان عدمي (nihiliste) قادر على أن يستمر في الحياة في غياب الآلهة وفي غياب المعنى، وفي سيادة العبث والاتفاق. ورغم أن للعدمية وجهان سلبي وفعال (ص109 ج.2) فهذا الأخير يتشكل من وعورة ثقافية وكبرياء للعقل «لابد من وعورة vigueur أخرى، ومن حركية أخرى لكي يستقر [الواعر] داخل نسق لم يكتمل بعد وطي آفاق حرة لا محددة، بدل المقبوع في عالم دوغمائي» (ص139 ج.2).
في نهاية المشهد يبدو نيتشه كرجل يريد أن يبوح بفشله. لهذا السبب كل ما نراه يؤلم. نرى رجلا يتحرك في خلفية دماره في شكل عدمية لا يمكن تحملها. «وحيدا لا أحد يشاركه مفارقته. حريته تبدو كعقاب ميتافيزيقي».13
… l?effondrement physique qu?il subit au janvier 1889. t.1900.
الإنسان حسب صلوتيردايك14 منتوج بلا منتج أو آلة بلا مهندس. ومعنى ذلك أنه نتيجة لصيرورة تطلبت عدة شروط.. ففسحة الوجود الهايدجرية والتي من داخلها تمت المناداة على الدازاين من طرف الوجود ليست حدثا أنطولوجيا محضا لا يمكن تفسيره؛ بل هي أيضا حدث أنثربولوجي. فالإنسان في البدء كان كزرع بدون مزارع. وصورة منتوج هذه العملية ليست مفترضة بشكل مسبق. «أمام هذه الإمكانيات، يؤكد التحليل الأنطو/أنثريولوجي على ضرورة توجيه النظر صوب الميكانزمات الأنتربوتكوينية والتي انطلاقا منها يتم تفسير انبثاق الإنسان للسكن في العالم: التحرر من الوجود ?في- المحيط ومكابدة الوجود- في- العالم» (ص111 نفسه). هذه الميكانزمات الأربعة هي:
1- ميكانيزم الانعزال (insolation): وهو مناقض لفكرة الانتخاب أو الانتقاء الدارويني. بحيث يؤكد على تكيف جزء من المحيط مع متطلبات الإنسان/الحيوان وتهيئ ظروف ملائمة للعيش، أي للحياة.
2- ميكانيزم «عزل الجسد»: وهو ميكانيزم يؤكد على عزل جسد الإنسان عن الطبيعة، أي التحرر من التلاقي المباشر مع الطبيعة واستعمال أدوات وسيطة لذلك. أهمية هذه الوسيطة هي قدرة الإنسان على تقرير أفعاله: أصابت لم تصب، نفعت لم تنفع... الأمر الذي ساهم في ازدياد الهوة بين الإنسان والطبيعة.
3- ميكانيزم النيوتين: ومعناه الولادة الهشة وفترة النضج الطويلة، من الرحم الأمومي إلى الرحم الاجتماعي المعتمد على التقنية كأداة للراحة والاطمئنان.
4- ميكانيزم النقل: وهو المسؤول عن خروج الإنسان من محيطه إلى سكنى العالم وفي هذا النقل هناك تهديد دائم نحو العودة إلى العدم. ولمواجهة هذه الكارثة تلعب اللغة والديانات والأسطورة دور تقريب الغريب والمتوحش... هكذا كانت الفسحة ممكنة لكن ليس بدون ألم.
يطلق على تفسير وتأويل الوجود من خلال الألم مصطلح Algodicée، Algi تشير إلى الألم في المصطلحات العلمية. وdice تعني القول باللاتينية يخص Peter Sloterdijk في كتابه15 «نقد العقل الكلبي» فصلا كاملا لهذا التأويل وهذه الميتافيزيقا، ويعنونه أيضا بمنطق الألم. يضع هذا الفيلسوف الألم في سياق سياسي يهم ألمانيا جمهورية (فايمر) بعد النكسة. وينطلق من وعـورة (hyper virils) الرياضيين النازين وقدرتهم على مواجهة الألم بنكرانه. إلا أنهم لم يستطيعوا الهروب من مساءلته. لأن لا شيء يثير العقل الميتافيزيقي أكثر من الألم وترقب إعلان الموت.. هذا العقل يريد الآن معرفة آلام هذا القرن؟..
1/22/2010
دراسة .. من التداول اليومي الى الفلسفي.. : «الواعر» .. معنى وجود مغربي!!
إدريس كثير
*abdelhafid
30 - يناير - 2010
يا سادتي ..    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
هذه قصة   " شارب لخمر"
 
 
 
 
*abdelhafid
9 - فبراير - 2010
..رأس الشاعر يسقط     كن أول من يقيّم
 
أحمد الجوماري


فيروز شاه، مالك الرقاب،
حاكم الأمصار، قدوة الرجال،
أتاه الحاجب الرعديد يوماً، راكعاً، وقال:
مولاي شاعر، مشرّد، بالباب
لعلّه مجنون
يقول أيضاً إنه عرّاف
يستنبئ الحظوظ، والسعود،
فهل يرَ سيدي، ومولاي
أن يسلّي نفسه الممجدة
هنيهة بهذا الشاعر المشرد الفقير؟
إشارةٌ بالسيف
وغمزةٌ بالعين
مولاي أعطني الأمان
*****
رأيتُ نجمكَ السعيدَ في المنام
وكان يا مولاي في يمناك صولجان
بين ملوك الأرض كنتَ يا مولاي
شمس هذا العصر، نور مهرجان، قاهر الزمان
تضرب ضربة بالسيف
فتسقط الوجوه، والرؤوس،
وهي بالعظيم تستغيث
وفجأة رأيت يا مولاي طائراَ كأنه تنين، أو جبل
يحوم حول الخيمة المقدسة
ومن جناحيه الخرافيين، كانت تسقط الأشجار
والخيول، والسيول، والبروق،
ويا لدهشتي -مولاي- واغفر لي
رأيت تاجَكَ العظيم
تقدفه الرياح
يلهو به الصغار
*****
لم يكملِ المشرّدُ الفقير قصّته
إشارةٌ بالسيف
وغمزةٌ بالطرف
وبعدها سقط
على زليج القصر
رأس الشاعر المجنون
!!
2/27/2010
الاتحاد الاشتراكي
*abdelhafid
28 - فبراير - 2010
محمد-كريستوف ..    كن أول من يقيّم
 
أو 
 
        

«فيفتي فيفتي»


المعطي قبال -عن ج. المساء المغربية
«لمسمي من عند ربي». قامت، منذ غابر الأزمان، القاعدة اللاهوتية على المبدأ القاضي بأن يكون الأب، ومن ورائه الرب، سيدا لتسمية البنين والبنات. في بلاد المهجر الفرنسي، على الرغم من انبثاق الأسماء المستعارة وطفرة الأسماء التلفزيونية، من نوع نسرين وسوسن ومهند وإنعام... في مشهد الأسامي، فإن اسم محمد لا يزال يتربع على رأس قائمة الأسماء الأكثر شيوعا في فرنسا. لكن، ولدواع تاريخية وثقافية، ثمة حالات شاذة لأسماء مخضرمة يقع عليها اختيار الأبوين في محاولة لإعطاء البرهان على الرغبة في الاندماج والتفرنس داخل المجتمع الفرنسي. وتخص هذه الظاهرة، على وجه التحديد، المواطنين الحاركيين المنحدرين من الجزائر. ولذلك لم تتردد بعض العائلات في إطلاق أسماء شخصية مزدوجة على أبنائها وبناتها من نوع فرانسوا العربي أو جينيفير خدوج، وهي أسماء يعتقدون أنها تشكل الدرجة الصفر في سلم الارتقاء والاندماج، والتي لا تلبث في المجتمعات الأوربية، القائمة على هوية الدم وليس الأرض، أن تصبح علة وعالة تثقل، بل تسحق هوية حامليها. وحالة محمد-كريستوف الشنتوفي شاهد على هذا التشرذم. بعد ثلاث سنوات على وصول والده إلى جانفيلليه بالضاحية الشمالية من باريس، تزوج من فرنسية تكبره بسنتين. لم تلف كريستين طويلا من حول أحلامها. وهي في الثانية والأربعين، شعرت بأن انقطاع الحيض و«قليب الوالدة» على الأبواب. وعليه «لصقات به فيه» للجيلالي ابن. حرص الأب على أن يولد ابنه في المغرب، وتحديدا في جمعة سحايم! ما إن رأى الطفل النور حتى دخل الزوجان في «شد لي نقطع ليك» حول الاسم الذي سيطلقانه عليه. بررت كريستين تسميته باسم فرنسي بالصعوبات التي قد تعترضه في سوق الشغل وفي الحياة اليومية، قبل أن تضيف: «ثم لا تنسى أننا نعيش في فرنسا»! أما الجيلالي الشنتوفي فدافع عن اسم محمد إسوة بغالبية الأطفال، ثم حفاظا على ماء الوجه أمام العائلة. «تصوري رد فعل العائلة، الجيران بل جمعة سحايم برمتها لما يعلمون باسم كريستوف؟ تبهديلة وخلاص!». في الأخير، وبعد أخذ ورد، اتفقا على اسم «فيفتي-فيفتي»: محمد- كريستوف، لكن شريطة ألا يذاع الاسم وهم في جمعة سحايم! بعد العودة، قامت كريستين بالإجراءات الإدارية لتسجيل الطفل وكانت الظرفية السياسية لفرنسا آنذاك فترة تسامح وانفتاح. لكن ما إن دخل محمد-كريستوف طور الثانوي حتى بدأت المشاكل مع رفاق الصف، أطفال الحي ومع الأساتذة... إذ تحول إلى نكتة متنقلة تحت لقب «فيفتي-فيفتي»! بعد الباكلوريا، عقد محمد-كريستوف العزم على إعداد ديبلوم في التجارة. لكنه اضطر إلى تغيير خطته على إثر إصابة والدته بشلل نصفي، الشيء الذي دفعه إلى البحث عن عمل، خصوصا وأن والده «عيط اجبد» ليستقر مع شابة تصغره بعشر سنوات! وهو بصدد إعداد ملفات ترشيحه لمباراة ساعي بريد، اكتشف نفاد مدة صلاحية بطاقة الهوية. في الغد، وقف في مكتب الحالة المدنية أمام سكرتيرة «سرحت طرفها عليه من الفوق إلى التحت» قبل أن تهز كتفيها في ازدراء. لامست بسرعة مفاتيح الكمبيوتر قبل أن تخاطبه «محمد-كريستوف.. ابتكار بديع وأصيل. لكن تبعا للقوانين الجديدة عليك أن تثبت هويتك الفرنسية، ومن جهة الأبوين. وبما أنك ولدت في المغرب، فأعتقد أنك ستجد صعوبة كبرى في تجديد وثائقك الشخصية. ولست حالة شاذة، فهناك العشرات من أمثالك سيطردون من فرنسا. لا أدري إلى أين؟». «أمي فرنسية، أما والدي فيحمل الجنسية المغربية...». «أين ولدت؟»، «بالمغرب، في منطقة تسمى جمعة سحايم»، «إذن عليك أن تدلي بجميع الوثائق العائلية، وبخاصة وثائق الأم التي تثبت أنها فرنسية مائة في المائة وإلا رفض طلبك». تذكر محمد-كريستوف أنه نصف مغربي، وقال في قرارته إنه ربما كانت القنصلية ملاذا للحصول على وثائق أو أوراق هوية. تقدم إلى مكتب الاستقبال وعرض قضيته على موظف استمع إلى حكايته باهتمام قبل أن يقهقه من دون حرج: «آصحيبي راك صكع! لكن لا تحزن على ما فاتك، فلست الوحيد من بين هذه الجماعة التي يطلق عليها «فيفتي-فيفتي». المهم، للحصول على الجنسية المغربية عليك أن تبدأ من الصفر، أي أن تغير اسمك، واخا حتى لمسمي من عند ربي، ثم ثانيا أن تسجل نفسك في الحالة المدنية التابعة لجمعة سحايم، ثم.. وزيد وزيد...». 
 
*abdelhafid
8 - أكتوبر - 2010
الإيديولوجيات العربية وطوباوية البدائل ..    كن أول من يقيّم
 
المصطفى مرادا
كل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكن لم تتمخض عن كل الثورات لحظات كبرى. كل الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لا يعرفون حتى جدوى ما سيقومون به،
لكنْ لم تكنْ كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط.. ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد الطغاة... كان هذا في غابر الأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكون متناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعة مع ما قبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل، لم يترك صدى، منها أيضا ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا، فمن «ثورة العبيد» على الإمبراطورية الرومانية، بزعامة سبارتاكيس في القرن الأول قبل الميلاد، و«ثورة الزنوج» على خلفاء بني العباس، مرورا بـ«ثورات الأحرار» في عصر الأنوار، وصولا إلى «الثورات الرقمية» المعاصرة، التي «يكتبها» الشباب العربي اليوم، تتعدد أساليب الثورة والمنطق واحد: الرغبة في إرساء واقع جديد، الرغبة في التحرر والانعتاق. صحيح أن الثورات قد تعد ولا تفي، وصحيح أن الطريق للثورة ليس هو منتهاها، وصحيح أن الثورة يحدث كثيرا أن «تأكل أبناءها» وتلفظهم، بعد أن تمتص منهم رحيق شعاراتهم، كل هذا صحيح، لكنّ ما يقع اليوم في العالم العربي مثير للدهشة والاستغراب، ليس فقط لأننا كنا «نتوهم» أن زمن الثورات ولى، ولكنْ لأن الشعوب العربية، والمصنفة عالميا في آخر الأمم المستعملة للتكنولوجيات الحديثة، هي نفسُها التي تعطي دروسا جديدة، تكون فيها الثورة بدون إيديولوجيا والثوار بدون مؤسسات حزبية ولا تكون فيها البدائل، بالضرورة، كبيرة وطنانة، بل مجرد رغبة في العيش بكرامة.
بعد صدمة الاستعمار، والتي أيقظتنا، بلغة كانط، من سباتنا الدوغمائي وأظهرت لنا أن صورتنا عن «الروم» القدامى ليست هي واقع حالهم اليوم، فالبارحة هزمناهم بموجب مَنٍّ رباني كريم، أولا، ولأننا أعددنا أسباب الغلبة، وها هم، بعد قرون، يهزموننا ويستعمروننا ويستهدفون ليس فقط خيراتنا، بل وثقافتنا، التي تشكل أخر «قلاع» ذواتنا، ويجعلوننا من ضمن تركتهم التي يجب أن ينال كل منهم نصيبه منها، ليظهر لنا «الروم» السابقون أقوياء ومنظمين ومتحضرين، وعندما زار الشيخ محمد عبده فرنسا ورأى بأم عينيه قيما لطالما كنا نعتقد أنها تميزنا وحدنا دون غيرنا، (رآها) متجسدة وكثيرة على أرض الواقع ، ثبت لديه بالدليل أنهم أقوياء، فكانت هذه الصدمة بداية اندلاع ما سيسميه الأستاذ العروي «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، والتي تنقسم -حسب أطرها الثقافية المنخرطة في سؤال النهضة- إلى ثلاث إيديولوجيات مختلفة في قراءاتها للواقع العربي آنذاك، ومختلفة أساسا في الحلول التي تقترحها لحل مسألة «لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ّ»...
يعتبر السلفي أن المشكلة في ابتعاد الأمة عن دينها، ويرى أن الحل يكمن في العودة إلى نهج السلف الصالح، ويعتبر التقني أن المشكلة في ضعف التصنيع، والحل هو إقامة دولة المهندسين. أما الليبرالي فيأخذ التجربة الغربية كمثال ونموذج مكتمل للحل الذي يصلح للعرب، إنه القطيعة مع الماضي وعلمنة الدولة، وهنا لا بد للقارئ الفاضل للإلمام بتفاصيل وسلبيات الإيديولوجيا العربية من قراءة الأستاذ العروي، لفهم السؤال الذي طرحه كتابه «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، وهو سؤال ناتج، حسب العروي، عن أمرين: الأول هو اطلاعه على ما كُتب في مصر، خاصة، بين 0391 و0591 عن المسألة الاجتماعية، إذ كان ينوي تحرير رسالة دكتوراه في هذا الموضوع، والثاني هو ما لاحظه في مصر من تقهقر ثقافي سنة 1691، عندما كان مستشاراً ثقافياً في سفارة المغرب في القاهرة.
وهذا الانحطاط كان يعترف به كبار المثقفين المصريين، من طه حسين إلى محمد مندور إلى نعمان عاشور، فقد كان العروي متشبّعا، وهو طالب في معهد العلوم السياسية في باريس، بالتحليلات الاقتصادية والاجتماعية حول مشكلة التخلّف، وعندما عاين المسألة في بلد كنا نعتبره متقدماً نسبياً، اتضح له أن المسألة ثقافية وإيديولوجية في الأساس، خاصة أن السلطة في مصر كانت آنذاك بين أيدي عناصر وطنية تقدمية.
لاحظ الأستاذ العروي، عن كثب، أنه لا يكفي أن تكون السلطة بين أيدي جماعة تريد الصلاح والإصلاح تحارب الاستغلال وتستهدف التقدم والرقي، إذا كانت ذات ثقافة ضعيفة، غير مستوعبة للأفكار المؤسسة للمجتمع العصري، ومن هنا جاءت الدعوة إلى الانفتاح على العالم العصري، المتمثل في العالم الغربي، حيث كان البعض آنذاك يظنون أن العالم الشرقي الشيوعي يمثل، بدوره، الحداثة، وربما بكيفية أقوى، ليتضح الآن للجميع أن ذلك لم يكن صحيحاً، هذه حقيقة سجلها في كتابه الذي كتبه في بداية ستينيات القرن الماضي، وقال صراحة إن العالم الشيوعي يستطيع أن يستدرك، لا أن يسبق، مواطن الحداثة، أي الغرب.
هكذا انتقد الأستاذ العروي الإيديولوجيا العربية في مختلف تجلياتها، لكن السؤال المطروح، والذي ما زلنا ننتظر الإجابة عنه من طرف الأستاذ العروي، اليوم، بشكل متلهف، هو: أين ينبغي تصنيف الثائرين عبر «فايسبوك» و»تويتر» وغيرهما من المواقع الاجتماعية، ضمن خريطة الإيديولوجيا العربية المعاصرة؟!...
الإيديولوجيا الماركسية عربيا.. والأفق المسدود
بالإضافة إلى هذه الإيديولوجيات الثلاث، ظهرت إيديولوجيا رابعة لا تقل قوة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا عندما كنا بصدد الحديث عن الأستاذ العروي، وهي إيديولوجيا استطاعت، هي أيضا، أن تنال من إعجاب قطاعات واسعة من الجمهور العربي، وخاصة الشباب منها، ونقصد الإيديولوجيا الماركسية، والتي جاءت نتيجة انقسام عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى معسكرَين: شيوعي، بقيادة الاتحاد السوفياتي، وغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ما يهمنا في تبنّي المثقف العربي الإيديولوجيا الماركسية هو أنه اعتبرها إيديولوجيا تحررية، تحررية للشعوب من الحكام «الرجعيين» وتحررية من الاستعمار وتبعاته، الاقتصادية والاجتماعية، وهنا ظهرت عشرات التنظيرات الإيديولوجية التي يعتقد أصحابها أنهم وجدوا الآلية العلمية والمنهجية الصلبة لفهم كل التاريخ العربي الإسلامي وأيضا لفهم واقعه، بل ولرسم مستقبله، هكذا بكل شمولية، فظهر حسين مروة وطيب تزيني ومحمود إسماعيل، والذين اشتهروا بقراءتهم التراثَ العربي الإسلامي قراءة مادية تاريخية، مع ما رافق ذلك من تأويلات وتخريجات تبيَّن في ما بعد أنها أقرب إلى التلفيق المتسرع منها إلى التنظيرات والقراءات العلمية الرصينة، وظهرت أيضا مجموعة من الكتابات ذات الطابع التنظيري التعبوي الجماهيري، والتي تبشر بالثورة الشعبية العربية، والتي ستقضي على الرجعية الداخلية للأنظمة وعلى التبعية الخارجية للاقتصاد وأنماط الإنتاج، وهنا ظهر مفكرون مشهورون، كمهدي عامل وياسين الحافظ ومحمود أمين العالم وآخرون، وإن كانوا لم يحظوا بنفس الشهرة، كسهيل طويلة وصبحي الصالح وعبد القادر علولة.
ولنضع القارئ غير المتخصص في الأفق المفاهيمي للإيديولوجيا الماركسية، نقول إن هذه الإيديولوجيا تنطلق مما يعتبره ماركس وأتباعه من الإيمان المطلق بمنهج يعتبرونه علميا هو المادية الجدلية، والتي انطلق فيها الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس في دراسته التحليلية النقدية للنظام الرأسمالي الأوربي خلال القرن الـ91، من كتابه «الرأسمال»، الذي عنوانه الأساس «نقد الاقتصاد السياسي»، ومن هذه الدراسة، بدأ تكون الفكر الماركسي، وتبعه لينين في فترة لاحقة، في مواصلة التحليل والنقد للنظام الاقتصادي السياسي، فتكوَّن بذلك الفكر الماركسي -اللينيني، الذي تبنته أغلب الأحزاب الشيوعية في العالم. ولتظهر، بعد ذلك، تنظيرات أخرى داخل الفكر الماركسي، جاء بأهمها تروتسكي وماو تسي تونغ، والتي كانت تأثيراتها كبيرة على مثقفي العالم العربي، من الناحية الإيديولوجية...
فالحزب الشيوعي الصيني، بقيادة ماو تسي تونغ، انطلق من دراسة وتحليل ونقد الواقع الاقتصادي السياسي الصيني، فتكون فكر الماركسية الماوية الصينية، أما الأحزاب الشيوعية العربية فقد تعثرت في مسيرتها النضالية والتحررية، وسبب ذلك أنها تبنّت مفاهيم وأفكار الماركسية اللينينية كقوالب جاهزة وألبستها للواقع بطريقة تعسفية منفرة، ولأنها ليست من إنتاج هذا الواقع، أصيبت هذه الأحزاب بالعرج والتعثر خلال أعمالها النضالية في حركات التحرر العربية. لذلك، ومن أجل إنتاج ما سيسميه المهدي عامل، وهو أحد كبار المنظرين العرب للإيديولوجيا الماركسية، إنتاج فكر ماركسي عربي، ضرورة الانطلاق من دراسة تحليلية نقدية للواقع العربي الذي هو نظام الإنتاج الكولونيالي، القائم على بنية التخلف العربي، ونقد هذا التخلف كما يجده الأدب الاقتصادي السياسي المعاصر، فعند المعالجة العلمية الواقعَ، لا يوضع الفكر مع الواقع في مواجه مباشرة، لأن الفكر لا يصل إلى الواقع إلا بإنتاجه مفاهيمَه النظرية، عن طريق نقده المفاهيمَ المتكونة عن الواقع، فمن خلال عملية النقد هذه، ينكشف الواقع في بنيته للفكر النظري. إذن، فالمعرفة العلمية ليست عملية مشاهدة، بل عملية إنتاج تتحقق في حركة نقد للفكر المتكون، تجد ضرورتها النظرية في التطور العلمي المحدد للواقع التاريخي. هذه الحركة هي، في الحقيقة، حركة تحويل للأدوات النظرية لهذا الفكر، وفي هذا التحول النظري، شرط إمكان المعرفة العلمية.
ما يهم في هذه الإيديولوجيا، ونقصد الماركسية، هو أن المثقف والسياسي العربيين لم ينتقلا من مستوى الانفعال إلى مستوى الفعل، إذ لم تتعدَّ اجتهاداتهم شرح وتلخيص ومحاولة تبيئة الفكر الماركسي، ذي الأصول الأوربية، مع واقع عربي لا يظهر فيه أي مقوم من المقومات التاريخية التي أنتجت الفكر الماركسي في منبته الألماني في القرن الـ91. ورغم المجهودات الكبيرة التي بُذِلت على مستوى التنظيرات، لم تستطع الإيديولوجيا الماركسية، على مستوى العالم العربي، أن تقود ثورة، إلا إذا استثنينا لجوء بعض القادة العرب، الذين آتوا إلى السلطة على ظهور الدبابات، إلى انتقاء بعض مفاهيم الفكر الاشتراكي ومزجها بمفاهيم قومية، كجمال عبد الناصر والقذافي وبومدين وصدام حسين وحافظ الأسد، لكن ما تبيّن هو أن الإيديولوجيا الاشتراكية، حتى في صيغتها الإصلاحية التوفيقية، لا تقل انتهاكا لحقوق الإنسان من الأنظمة الشمولية الماركسية، فإذا ما صدقنا ما ذكره مايليز كوبلاند في كتابه «لعبة الأمم» -الذي وصفه هيكل بالآفاق- حيث يروي وقائع تعامل البطل القومي عبد الناصر مع الأمريكيين للإطاحة بالملك فاروق، فإن ما سمي المشروع القومي العربي أو الإيديولوجيا القومية، بما رافقها من قمع وسحق للقوى السياسية الأخرى وإلغاء دور المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني ورفع الشعار السياسي المعروف «كل شي من أجل المعركة»، على أنقاض سلطة توليتارية متوجسة بعد هزيمة 5 حزيران -يونيو 7691، والتي كشفت حقيقة هذا المشروع القومي في المواجهة الخارجية مع المتحدي والمحفز، وهو تل أبيب..
الإيديولوجية  الماركسية عالميا وإعادة «إنتاج»  الاستبداد
بدأت الإرهاصات الأولى لبداية النهاية في الفكر الماركسي مباشرة بعد الموت المفاجئ لجوزيف ستالين، حيث تحدث المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي عن الفظائع والأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام الشيوعي الستاليني، فقد أقر المؤتمرون بخطورة ما تم ارتكابه، والتي جعلت كل الشعب السوفياتي «يعبُد» شخصا واحدا، بتعبير المؤتمرين، كما ندد بجرائم ستالين وغروره وبمساوئ بوليسه السري وبأخطائه يوم شن الألمان هجومهم على الاتحاد السوفياتى وديكتاتوريته، بعد الحرب العالمية الثانية، في الداخل والخارج. وقد أحدث التقرير ضجة في العالم الشيوعي. ومع أن النص الكامل للتقرير ظل سراً، فإن ملخصه كان في متناول قادة الحزب الشيوعي وبعض قادة بلدان المعسكر الاشتراكي، حتى أصبح السر معلوماً وانتشرت روح التنديد بستالين.
فعلى مدى الخمس والعشرين سنة التي حكم فيها ستالين، كشفت تجارب الناس -مرارا وتكرارا- عن قسوة النظام الشيوعي الذي لا يعرف حدا لجرائم القتل والمذابح والتعذيب. لقد أصبح «المشروع الشيوعي» الخاص بستالين تجربة حقيقية لاستبداد الظلم بالناس، فقد عانت الملايين من المجاعة والبؤس وأجبر القرويون على العمل الإلزامي وتعرض الناس لقمع شديد... وفي غضون ذلك، حرم القانون كل أشكال الممارسات الدينية وشرع ستالين في مصادرة حقول القرويين، الذي شكلوا 08% من إجمالي السكان الروس. وكجزء من سياسة التأميم، جمع الضباط كل محاصيل القرويين وجوّعوا ملايين النساء والأطفال، والمسنين. وفي كازاخستان وحدها، مات 02% من السكان جوعا، وفي القوقاز، وصلت أعداد الموتى إلى أكثر من مليون شخص واعتقل آلاف الأشخاص الذين حاولوا أن يقاوموا هذه السياسات في معسكرات العمل الإلزامي في سيبيريا،. ونتيجة العمل الإلزامي الشاق في تلك المعسكرات، لم ينج غالبية المعتقلين من الموت. كما أعدم آلاف الأشخاص على يد الشرطة السرية التابعة لستالين. وأصبح التهجير جزءا من سياسة ستالين، فقد رُحِّل ملايين الأشخاص من أوطانهم واتجهوا إلى أماكن نائية في روسيا.  وكان ستالين مسؤولا عن مقتل عشرين مليون شخص على الأقل في كل أنحاء روسيا. وطبقا لما يرويه المؤرخون، فقد كان ستالين يتلذذ بممارسة مثل هذه الأعمال الوحشية وكان يستمتع كثيرا في مكتبه في الكرملين، وهو يراجع التقارير الواردة من معسكرات العمل الإلزامي عن أعداد الموتى.
ولم يكن الإرهاب في عهد ستالين موجها لمعارضي النظام أو المفكرين فحسب، ففي ظل هجمات المقاتلين الشيوعيين، كان الجميع مهددين وكانت الجماهير تُعتقَل دون تمييز في «الغولاغ» (Gulag) وهي شبكة من معسكرات العمل الإلزامي، تم فيها إعدام الكثيرين. ومن خلال الإرهاب، تحققت لستالين السيطرة المطلقة على الجماهير. ولم تُخلّف 52 سنة من الحكم الديكتاتوري سوى جماهير معدمة...
إن الصمت الذي كان سائداً حيال الحقائق الجارية، فضلاً على الدعاية السياسية التي لا تهدأ، يساعدان على تفسير غياب المعارضة بين جماهير المدن لأعمال ستالين الوحشية في الأرياف. لقد كانت هناك ثمة شكوك لدى زعماء الحزب ولكن ستالين ما برح يحكم قبضته على الأمور.
تمت سلسلة كبيرة من عمليات التطهير والمحــــــــاكمة بين عامي 4391 -8391 وراح العالم ينظر، مذهولاً، إلى البلاشفة السابقين وهم يعترفون أمام المحاكم بجرائم غير معقولة، ثم يطلق عليهم النار أو يختفون في السجون ومعسكرات الأشغال الشاقة التابعة للشرطة السرية،. ولم تكن محاكمات الأشخاص المعروفين إلا غيضاً من فيض، فقد اختفى مئات الألوف من الموظفين المدنيين ومسؤولي الحزب وأزيح نصف ضباط الجيش وأُعدِم تسعة أعشار قادته، وفي عام 9391، كان أكثر من نصف المندوبين الذين حضروا مؤتمر الحزب لعام 4391 قد اعتُقِلوا.. لتنطلق مجموعة من المراجعات الفكرية التي خضعت لها الإيديولوجيا الماركسية، وكذا مجموعة من الانتقادات الحادة لوهم التحرر الذي وعدت به شعاراتها، ومنها أطروحة الفيلسوف النمساوي كارل بوبّر في كتابه «االمجتمع المفتوح وأعداؤه»، حيث يبيِّن أن ثمة قاسماً مشتركاً أساسياً بين الإيديولوجيات التوتاليتارية، من نحو الشيوعية والنازية: إنها تطرح نفسها كمحتكرة لمِلكية الحقيقة المطلقة. فلما كانت الحقيقة المطلقة أبعد من متناول البشرية، فإن هذه الإيديولوجيات تلجأ بالضرورة إلى الاستبداد لكي تفرض رؤيتها الخاصة للمجتمع المثالي. لقد عرَّف بوبّر، أمام هذه الإيديولوجيات التوتاليتارية، برؤية أخرى للمجتمع، رؤية ليست الحقيقة وفقاً لها حكراً على أحد، إذ تختلف الآراء والمصالح باختلاف الأفراد، الأمر الذي يُحتِّم ضرورة وجود مؤسسات تمكِّن هؤلاء الأفراد من أن يتعايشوا بسلام. إن من شأن هذه المؤسسات أن تصون حقوق المواطنين وتضمن حرية الاختيار وإبداء الرأي.
نهاية الايديولوجية الماركسية وبداية الأحادية القطبية
في 52 دجنبر ،1991، حينما كان العالم الغربي منشغلا بالاحتفالات بـ«أعياد الميلاد»، ظهر الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، فجأة، على شاشات التلفزيون وقد لاحت على قسمات وجهه أمارات الحزن وتلا، بصوت تشوبه البحة، على أمم الاتحاد السوفياتي كلمة كانت بمثابة قرار حكم بالموت على الاتحاد السوفياتي، القرار الذي نجمت عنه تداعيات ألحقت الكوارث، ليس بروسيا والجمهوريات الملحقة بها فقط، بل بالعالم ككل. أعلن غورباتشوف أنه يرحل بطواعية عن منصبه كرئيس لثاني أعظم دولة في العالم حينها، كان اسمها الاتحاد السوفياتي، ليعطي الضوء الأخضر لشطبها من على خارطة العالم وعلنا النهاية الفعلية للإيديولوجيا الماركسية. وقد سبق ذلك الحدث اجتماع زعماء روسيا وبيلا روسيا وأوكرانيا، ليعلنوا حل الاتحاد السوفياتي، وفي الليلة ذاتها، ودون مراسيم أو ضجة، وتحت جنح الظلام، تم، بسرعة، إنزال علم الاتحاد السوفياتي من على قصر الكرملين: رمز السلطة في روسيا، ليرتفع مكانه علم الدولة الجديدة التي ستسمى روسيا الاتحادية. في تلك الليلة البعيدة، لم يدافع أحد عن الإمبراطورية «عرّابة» الإيديولوجيا الماركسية، وخرجت الجماهير المقموعة مؤيدة انهيار الدولة العظمى. ما نريد بلوغه مع القارئ من خلال هذا الجرد للكيفية التي انتهت بها الإيديولوجيا الماركسية، عربيا وعالميا، هو أن الإيديولوجيات تموت، فيما الثورات ينسُخ بعضها بعضا...
لقد كان لسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام الاشتراكي -كنظام اقتصادي واجتماعي تتخذه كثير من الدول كمذهب اقتصادي لها- الدور الأكبر في ظهور النظام الرأسمالي كمذهب اقتصادي واجتماعي وحيد يتربع على عرش العالم. إن أبرز الأساسيات التي يقوم عليها هذا النظام هي تحقيق الحد الأقصى من الربح في ظل المنافسة التامة، بغضّ النظر عن الوسائل المستخدَمة لتحقيق ذلك، كان لها الدور الأكبر في تقسيم دول العالم إلى قسمين دول غنية -دول الشمال- تمتلك كل المقومات الاقتصادية وتهيمن على اقتصاد العالم من خلال الأدوات المالية العالمية التي هي رهينة بيدها، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك من خلال الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، والتي أغلب مقراتها ومراكزها في هذه الدول، ولكنها تستنزف خيرات الدول النامية من خلال فروعها المنتشرة هناك، والقسم الآخر هو دول فقيرة معدمة لا تملك شيئا، رغم امتلاكها الثروات الهائلة والموارد الأولية الضخمة والتي تفتقد القرار السيادي المستقل للتحكم فيها والاستفادة من عوائدها.
فبغض النظر عن مساوئ هذا العالم الجديد، فإنن المستفاد هو أن تلك الليلة أعادت إلى الذهن البشري حقائق بسيطة وساطعة يجري تناسيها من حقبة إلى أخرى، مفادها أن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تقام إلا في مملكة الحرية واحترام الإنسان وكرامته. ومن العبث وقف حركة الوعي الاجتماعي وبلوغ المشارف الجديدة للحياة والفكر والبحث عن الأفضل، بوسائل العنف والقمع. ومن المستحيل رسم صورة جاهزة للعالم وبناء حياة المجتمع وفقا لها ورفض كل ما يخرج عن إطارها. وكما سيردد أحد العظماء نقلا عن غوته: «الحياة خضراء، أما النظرية فرمادية»...
 
 
ثورات عربية بدون إيديولوجيات
من «ثورة الأرز» في لبنان، إلى «ثورة الفل» في مصر، مروراً بـ«الثورة الخضراء» في إيران و«ثورة الياسمين» في تونس، فالعالم يحبس أنفاسه، منتظراً ما ستسفر عنه هذه الثورات الشعبية، التي تطالب بالديمقراطية والحرية.
لقد حفزت تونس، تلك الدولة الصغيرة نسبياً والمستقرة المطلة على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، الموجة الحالية من الاحتجاجات المناهضة للحكومات في منطقة الشرق الأوسط. الرئيس المخلوع، زين العابدين بن عابدين، ظل يحكم تونس طيلة 32 عاماً، وكان ينظر إليها بوصفها دولة بوليسية «راسخة»...
وبعد أن أشعل بائع فاكهة يدعى محمد البوعزيزي (62 عاماً) النار في نفسه، احتجاجاً على قيام الشرطة بمصادرة عربة الفاكهة التي كان يبيع بواسطتها في الشارع لتوفير لقمة عيشه، أيقظ هذا التصرف الرمزي غضباً مكبوتاً لدى سكان البلاد في ما بات يعرف لاحقاً بين التونسيين بـ«ثورة الياسمين».
وقام زين العابدين بن علي بزيارة البوعزيزي في المستشفى وعاش خريج الكلية لمدة ثلاثة أسابيع، قبل أن يقضي متأثراً بالحروق التي أصيب بها في الرابع من يناير، غير أن هذه الزيارة لم تتمكن من تهدئة الغضب في البلاد بعد عقود من الفساد وتدني مستويات المعيشة والقمع، وبعد أسابيع من الاحتجاجات، التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 001 شخص. وفقاً للأمم المتحدة، فرّ زين العابدين بن علي من البلاد في الـ 41 من يناير.
لقد استطاعت الثورة التونسية العظيمة أن تتعدى كل الحدود والحواجز وأن تصل إلى عمق القلوب وتخلف لها صدى في كل  أصقاع الدنيا وقد تحققت بَصمتُها الأولى بعد التخلص من الديكتاتور بن علي. تفجرت شرارتها في مصر العظيمة وتم إسقاط «الفرعون» مبارك وتخلص جزء من الشعب العربي، بقيادة  تونس ومصر، من نظامين مستبدين في المنطقة العربية جلبت للأمة العار والدمار وتبنّت العمالة  للإدارة الأمريكية وخدمت البيت الأبيض  ثلاثة عقود متوالية على حساب الأمة العربية. إن التطورات العاصفة في تونس ومصر وليبيا هي ناقوس خطر للنظام السياسي العربي القائم في أكثر من دولة من دول المنطقة، النظام الذي يجعل من الاستئثار بالحكم ورفض مشاركة مكونات المجتمع أسلوبا مستديما له، وبرهنت من جديد على أن الكثير من الأنظمة هي في حاجة إلى مراجعة النفس، لبناء دولة عصرية تقوم على المؤسسات وتراعي مصالح كافة شرائح ومكونات المجتمع وتكف عن الاستئثار بالسلطة، من دون أسس قانونية وشرعية. ولم تكن الأحداث في تونس منقطعة عن الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط، عموما، فمثَّلت هذه الميولَ تيارات تحت سطح مياه الحياة السياسية والاجتماعية، فهناك قلاقل وأعمال عنف وصمت مشحون بالاستياء والاحتجاج وقابل للتفجُّر، أيضا.
لقد أكدت التجربة التونسية أن الدولة البوليسية، ومهما كانت الأهداف التي تبرر بها وجودها ومنهجها القمعي، ليست الوسيلة الناجعة لإدارة الأمور وبناء المجتمع المدني وخلق الأجواء للتطوير المستديم وإشاعة الديمقراطية... إن وسائل المنع وملاحقة الرأي الآخر وتجاهل ميول وأمزجة المجتمع والتيارات والنزعات التي تنمو داخله وتطلعاته نحو حياة كريمة أفضل، والنظر إليه كخصم متربص بالدولة، «أسلوب» لم يعد مقبولا في عصر العولمة والانفتاح الدولي والتعددية. وهذا ما برهنت عليه نهاية حكم الرئيس التونسي ومن قبله النظام الدكتاتوري في العراق. لقد سقط «صنم» جديد، فهل ثمة صنم تال؟...
لقد تعامل النظام التونسي بقسوة وبشدة مع كافة التيارات التي لم تنضو تحت خيمته! وعادة ما تخلق هذه الأنظمة بطانات وجماعات موالية تستأثر بخيرات الدولة ومواردها وتبسط سيطرتها على مرافق الحياة، فتنشأ حالة الاغتراب بين الدولة والمجتمع  وتدخل الدولة في الباب الضيق وتجعل تجنب التفجر فقط بإحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي. إن هزيمة النظام التونسي جاءت بسبب تجاهله إصلاح المؤسسات الفاسدة وإنعاش النظام السياسي الراكد...
 
*abdelhafid
28 - فبراير - 2011
زعماء و قادة ومراجع دينية دفنوا في قبور مجهولة..    كن أول من يقيّم
 
لطمس الحقيقة أو محوهم من التاريخ أو لكي لا تتحول القبور إلى مزارات
توفيق ناديري
هم قادة وزعماء ورموز دينية وعرقية شغلوا العالم  في حياتهم، إلا أن رحيلهم حمل  الكثير من الغموض،  واحد ألقي به في البحر، وآخر دفن في صحراء قاحلة
دون أن يعرف عارفوه في الحياة مكان دفنه بعد الممات، وثالث قيل إن جثته أحرقت لكي لا تظل ذكرى  للنازيين، و أسماء أخرى ضاعت جثتها بين حمض «الأسيد» و«الإسمنت»، وكثيرون ظل  الغموض يلف مكان وفاتهم أو اغتيالهم و يلف أسلوب و صيغ التخلص من الرفات.
 المهدي بنبركة
أذيبت جثته في الأسيد أو أحرقت
يعد المهدى بنبركة أحد أهم وأشهر الزعماء الاشتراكيين بالمغرب، عرف بثقافته الواسعة وعلاقاته السياسية المتعددة والمتنوعة، كما اشتهر بتاريخه النضالي الحافل والمناهض للاستعمار الفرنسي.
لا تزال قضية اختفاء المهدي بنبركة لغزا محيرا، إذ كشف الكاتب الفرنسي، والكومندوز السابق بسلاح البحرية، جورج فلوري عن معطيات مثيرة، تشكل رواية جديدة للغز اختطاف المعارض المغربي المهدي بن بركة في 29 أكتوبر سنة 1965، وتفيد هذه الرواية، التي قدم فلوري تفاصيلها في حديث صحفي مع جريدة «لوجورنال دي ديمنش» بأن جثة الزعيم المغربي تم إحراقها في منطقة إسون بفرنسا.
وأكد جورج فلوري، الذي سبق أن أصدر عدة كتب عن حرب فرنسا في الجزائر، أن بحوزته تقريرا من تسعين صفحة، يتضمن وثائق سرية للدرك الفرنسي، تثبت أن جثة المهدي بنبركة تم إحراقها في منطقة إسون بفرنسا مباشرة بعد اختطافه من أمام مطعم ليب بباريس.
وتشكل هذه المعطيات الجديدة التي كشف عنها الكومندوز السابق في الدرك الفرنسي، رواية أخرى تضاف إلى روايات متعددة عن اختطاف الزعيم المغربي ومصير جثته، حيث سبق أن اعترف شرطيان فرنسيان أنهما خطفا بن بركة، وأنهما أخذاه إلى فيلا تقع في ضواحي باريس حيث شاهدا الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية المغربية آنذاك، ومعه أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية وآخرين من رجاله، وأن بنبركة توفي أثناء التحقيق معه وتعذيبه.
وروي عن مشاركين في الجريمة أنهم قالوا إن الجثمان دفن على نهر السين بالقرب من الفيلا التي كان محتجزا بها، لكن أحمد البخاري العميل السابق للمخابرات المغربية قال سنة 2001، إن الجثمان نقل بعد الاغتيال إلى الرباط على متن طائرة عسكرية مغربية وتمت إذابته في حوض من حمض الأسيد في أحد المقرات السرية للمخابرات المغربية، لكن معطيات جورج فلوري تفند الروايات السابقة وتثبت أن الجثة لم تنقل إلى المغرب بل تم التخلص منها في فرنسا عن طريق إحراقها في إسون، ليبقى سر اختطاف وقتل المهدي بنبركة ومكان جثته غير مكتمل المعطيات.
معمّر القذافي
 ملك ملوك إفريقيا
في قبر مجهول بالصحراء
 بدأ حكم القذافي لليبيا قبل 42 عامًا، حينما قاد انقلابًا عسكريًا ضد الملك إدريس السنوسي، وبدأ الحس التوسعي لديه عبر مرور السنوات في التعاظم، فأطلق مشروع الوحدة مع تونس، إلا أنه لم ينل المراد، ودعا إلى الوحدة العربية، قبل أن ينقلب مرة أخرى ليدعو إلى الوحدة الإفريقية، وأطلق على نفسه ألقابا عدة، من بينها زعيم الزعماء العرب، والقائد العالمي وأكثرها شهرة «ملك ملوك أفريقيا».
شخصيته كانت دائما مثارًا للجدل، نظامه كان مزيجًا بين أنظمة قديمة وحديثة، وألّف كتابًا أسماه «الكتاب الأخضر»، عرض فيه أفكاره وتعليقاته، وعدّه كتابًا مقدسًا بالنسبة إليه، ولم تكن شخصيته مثارًا للجدل فقط، بل حتى أزياؤه لفتت الأنظار، وأبرزها كانت عندما ذهب في أول زيارة رسمية له إلى إيطاليا، وهو يرتدي بذلة عسكرية عليها صورة عمر المختار المقاوم الليبي الذي أعدمته القوات الإيطالية، مما أثار نقاشا حادا داخل إيطاليا، وعلى الرغم من نزوعه العدواني، إلا أنه أبقى على علاقته الكبيرة مع الدول الاستعمارية إلى آخر لحظة من وفاته، حسب ما أكدت وثائق ويكيليكس.
 وبعد 42 سنة من الحكم الحديدي، وإفراغ الدولة الليبية من المؤسسات، قامت ثورة ليبية داخلية ضده في العام الجاري، استمرت قرابة تسعة أشهر حتى أطاحت بحكمه ومات على أيدي الثوار وقصف الناتو بعدما أذاقوه كل أنواع العذاب والتعنيف والتنكيل إلى درجة أثارت كثيرا من الاستياء في العالم.
 وبحكم تأثيره النفسي على عدد مهم من الليبيين، احتار الثائرون في مكان دفنه، حتى قرروا  دفنه في مكان سرّي في الصحراء هو ونجله المعتصم ووزير دفاعه أبو بكر يونس، وذلك كي لا يصبح قبره محجًا حسب أقوالهم، وأشارت تقارير إلى دفنه في المناطق الصحراوية لمدينة مصراتة دون أن يتأكد المكان الحقيقي لجثته.
أسامة بن لادن
من باكستان إلى البحر
 يعد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ومؤسسها، هو الرجل العدو الأول لأمريكا، وكثيرا ما كان يرسل الوعيد للقوات العظمى باستهدافها، وطالبها بالانسحاب من المناطق العربية والإسلامية ودعا إلى تحرير فلسطين، مقابل ذلك، لم تتردد أمريكا في ملاحقته وقتله، وهو الشيء الذي سوغ حربًها في أفغانستان وحروبًا جانبية، وأنفقت المليارات، إلى أن قتلته بعد عقد من الزمان.
كانت قضية بن لادن الجهاد، حسب ما أورد موقع «إيلاف» وبدأ جهاده بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان، وصار يموّل الجهاد الأفغاني، وساعد في تنظيم المشاركة العربية في الجهاد الأفغاني، من خلال تأسيسه مكتب الخدمات لتنظيم المشاركة العربية في الجهاد الأفغاني، وكان من أعماله أنه في العام 1986 أسّس قاعدة للتدريب على فنون الحرب والعمليات المسلحة في «قلعة جاجي»، وبعد عام تقريبًا، خاض العرب أول معركة مع السوفيات في جلال آباد.
 ونسبت إليه أمريكا تفجيرات عدة، منها نيروبي ودار السلام والمدمّرة كول وأحداث 11سبتمبر، وأصبح على قائمة المطلوبين في العالم.
بعد اختفائه، بعد الحرب التي خاضتها أمريكا على أفغانستان، ظهر في شريط مرئي في العام 2004، برر من خلاله سبب إقدام القاعدة على تفجيرات سبتمبر، وقال: «بعدما طفح الكيل بالمسلمين من إقدام إسرائيل على اجتياح لبنان سنة 1982، وما تفعله من أعمال إرهابية ضد المدنيين الأبرياء في فلسطين وما تشهده الساحة الإسلامية من انتهاكات إسرائيلية حيال الشعب الفلسطيني، وما  يراه كل العالم بأن أمريكا تساند وتبارك إسرائيل بما تفعله باحتلالها أراض ليست حقًّا لها لا في تاريخ أو حضارة».
 وبعد عشر سنوات من البحث والوعيد المتبادل، انتهت مطاردة أمريكا لابن لادن بقتله في العام الحالي، من خلال مداهمة قصر كان يختبئ فيه في أبيت آباد في باكستان، واستغرقت عملية المداهمة التي استخدمت فيها الولايات المتحدة مروحيات الشبح، 40 دقيقة، ولم يكن يحمل سلاحًا حينها، فقتل برصاصة في رأسه، وإن كان البعض ما زال يشكك في صحة نبأ مقتل بن لادن، وخصوصًا في الأوساط الباكستانية، إلا أن أمريكا أعلنت عن نبأ مقتله، ثم دفنته في البحر، وفق الشعائر الإسلامية على حد قولها.  وفي تبريرها الدفن في البحر، قالت أمريكا إن دفن « بن لادن على أي يابسة يعني اعتراف دولة به، وفق التصريحات التي ذكرت حينها، هذا إضافة إلى أن قبره قد يصبح ضريحًا يزوره موالوه، فباختيار بن لادن أن يجعل أمريكا عدوة له خسر جنسية ووطنًا ينتمي إليه، وأرضًا تعترف به حيًا وميتًا حتى، وقبرًا يؤوي رفاته، وأصبح بحر العرب قبرًا مائيًا لابن لادن.» حسب ما جاء في موقع إيلاف.
موسى الصدر
قبر ضاع مع القذافي
 يعد موت موسى الصدر إحدى أكثر القضايا التباسا، فهو عالم دين ومفكر مسلم شيعي توفي في ظروف غامضة، اشتهر بتأسيسه حركة أمل، ولد موسى الصدر في إيران في العام 1928، وكانت لديه أعمال عدة، منها إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وتفعيل عمل جمعية البر والإحسان في مدينة صور، وتأسيس حركة أمل اللبنانية، عرف بهدوئه وسعة علمه ومواقفه المعتدلة.
 وفي أوج شهرته، قرر العالم الشيعي بعد تردد كبير، أن يتجه إلى ليبيا في زيارة رسمية قبل نحو 33 عامًا، إلا أنه اختفى هناك، وحينها أعلنت السلطة الليبية أنه سافر إلى إيطاليا مع رفيقيه، في الوقت الذي نفت إيطاليا صحة الخبر.
 وبعد مدة، حمل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مسؤولية إخفاء الصدر ورفيقيه للقذافي، وصرّح الرائد عبد المنعم الهوني، شريك القذافي، قبل أشهر أن الصدر قتل خلال زيارته ليبيا، وأنه دُفن في منطقة سبها في جنوب ليبيا، دون أن يكشف عن حقيقة اختفاء جثة العالم الشيعي موسى الصدر.
 وبعد الإطاحة بنظام القذافي، صرّح مسؤول قريب من مجلس النواب اللبناني «أن وفدًا لبنانيًا ذهب إلى ليبيا لإجراء لقاءات مع مسؤولين في المجلس الانتقالي الليبي من أجل العمل على كشف مصير الإمام الشيعي موسى الصدر»، حسب الموقع ذاته.
أدولف هتلر
أحرقت جثته ودفنت في مكان سري
يعد أدولف هتلر أشهر شخصية في القرن العشرين، وحملته الدول الغربية مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة مئات الملايين من الأوربيين والآسيويين، ولد هتلر في النمسا، وأصبح وحيد أبويه، بعدما توفي كل أشقائه الستة، ثم مات أبوه ولحقته أمه، فصار هتلر بلا أم أو أب أو إخوة، بدأ حياته رسامًا في فيينا.
بدأ مساره السياسي الحافل، بعد انضمامه إلى الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى كساعي بريد عسكري، في الوقت الذي كان الجميع يتهرّب من هذه المهمة الخطرة، ثم تزعّم الحزب النازي بعد سنوات، وأصبح حزبه من أكبر الأحزاب في البرلمان، وذلك بعدما تدهور الاقتصاد الألماني، فصوّت الكثير لمصلحة هتلر.
وبعد مرور عام، انتخب هتلر مستشارًا على ألمانيا، فقام بتصفية معارضيه، وعيّن نفسه قائدًا على دولة بوليسية، ودفع بلاده إلى الحرب العالمية الثانية، وسيطر على معظم أوروبا، واتهم بقتل ستة ملايين يهودي في محاولة لإبادتهم، وانتهت الحرب بهزيمة هتلر، وكان محصورًا في مركز قيادته تحت الأرض، وانتحر هو وعشيقته الشهيرة إيفا برون في حصنه.
أشارت مصادر، حسب موقع إيلاف، إلى» أن أدولف هتلر تناول السيانيد هو وعشيقته إيفا برون، التي تزوجها قبل وفاته بـ 40 ساعة، وبعد تناول وجبة عشاء خفيفة، أطلق النار على نفسه، وقيل إنه تم حمل الجثتين فوق أرض خارج مستقره، وتم حرق الجثتين، إلا أنهما لم تحترقا تمامًا، وبعد تشريح الجثتين وإخراجهما أكثر من مرة، تم دفنهما في مكان سرّي، وبعد الاتفاق على تسليم منشأة المخابرات المضادة إلى حكومة ألمانيا الشرقية أمر مدير الكي جي بي بتدمير بقايا الجثتين، فأخرجوا جثمانه سرًا، وأحرقوه، ورموا الرماد في نهر ألبه،  كي لا يتحول قبره إلى مزار للنازيين الجدد».
جيمي هوفا
خلطت جثته بالإسمنت
 لم تخل حياة جيمي هوفا من الإلتباس، فهو سائق ورئيس اتحاد سائقي الشاحنات في أمريكا وزعيم اتحاد العمال، اشتهر بتعاملاته مع المافيا والغوغاء.
وفي أحد أيام يوليوز من سنة 1975، كان من المقرر أن يجتمع مع اثنين من المافيا، إلا أنه اختفى قبل عقد هذا الاجتماع، وبالنظر إلى سجله التاريخي الذي يشير إلى تعاملاته مع عالم الجريمة والمافيا، ذهبت غالبية التوقعات إلى أنه اغتيل، ولكن أحدًا لا يعلم أين دفن، وانتشرت الشائعات والأساطير حول مكان دفنه، وكانت أكثرها شهرة قولهم إنه دفن تحت منطقة الطرف الغربي في ملعب جاينتس في إيست روثرفورد في نيوجيرسي. جاءت هذه الشائعة من مقابلة أجرتها مجلة «بلاي بوي» مع أحد الأشخاص الذين يسمّون أنفسهم مافيا، وقال حينها إن جسمه خلط بالخرسانة التي استخدمت لبناء ملعب كرة القدم، وقيل أيضًا إنه سحق في مكان سحق السيارات، وفي العام 1982 تم الإعلان عن مقتله، ولا تزال قضيته مفتوحة حتى الآن.
جنكيز خان
حكم العالم ودفن في مزرعة
 جنكيز خان يعد أحد أشهر الشخصيات في العالم، ولد في سنة 1155، في منغوليا، وكان أبوه زعيم قبيلة منغولية تسمّى «قيات»، وكانت القبائل تهابه لبطشه الشديد، وعندما انتصر على إحدى القبائل قام بتسمية ابنه بهذا الاسم تيمنًا باسم زعيم القبيلة التي انتصر عليها، وعندما توفي كان تيموجين، الاسم الحقيقي لجنكيز في الثالثة عشر من عمره، ولصغر عمره، انفضّ حلفاء أبيه من حوله، فأعادهم إليه، فبعضهم عاد بسبب شجاعته، وبعضهم عاد بعدما أجبرهم على ذلك.
 بفضل بطشه وشجاعته، استطاع جنكيز في مدة قصيرة، أن يخضع كل مناطق منغوليا تحت سيطرته، امتدت فتوحات تيموجين الملقب بجنكيز خان، وهي تعني «الحاكم الأعظم» إلى جنوب الصين وشمالها، وأواسط آسيا وشرق أوروبا، حيث زحف جنوده على سيول روسيا واقتربت من فارس والقسطنطينية.
وتباينت الروايات حول شخصية جنكيز خان، فبعضهم قال من إنه عاث فسادًا في البلاد سفكًا وإبادة وانتهاكًا للحرمات، فسحق مملكة خوارزم (أوزبكستان وتركستان) ودمّر مدينة نيسابور في إيران، ومنهم من قال إنه كان قائدًا عظيمًا شجاعًا وسديد الرأي، صنع من القبائل المغولية والتركية قوة متحمسة، واهتم بالأديان والعلوم والفنون والآداب، وفرض قوانين ساهمت في تطور حركة التجارة، وربطها ببعضها بعضًا، واشتهر بالتسامح الديني مع كل الديانات، سواء السماوية أو غير السماوية، واهتم بالمساواة بين الأجناس والأعراق.
 وعلى الرغم من الاختلاف حول شخصيته الحقيقية، إلا أن الكل أجمع على أن قبره بقي مجهولا، وتقول الأسطورة إنه «رأى أرضًا واسعة في «مرعى أوردوس»، وهو في طريقه إلى مملكة شيشيا عليها قطعان من الحيوانات، فأسرت قلبه، وأسقط سوطه فجأة، وأراد أحد أتباعه أن يلتقطه فقال «لا تلتقطه، فهذا المكان هو مأواي الأخير، سوف تدفن جثتي فيه»، وعندما مات جنكيز خان، نقل أتباعه جثته إلى مغوليا، ولكن ناقلة جثمانه وقعت في حفرة داخل مرعى أورودوس، ولم تعد تتحرك، وجعلوا مكان الحفرة ضريحًا له» حسب ما جاء في تقارير صحفية..
علي بن أبي طالب
 قبر في العراق وآخر في أفغانستان
 اختلفت الروايات حول قبر علي بن أبي طالب أحد الصحابة والخلفاء الراشدين، لقّبه المسلمون بولي الله وباب مدينة العلم وشهيد المحراب، ولد في العام 599م، هو ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصهره، شارك في كل الغزوات، وعرف بالشجاعة والفصاحة ووفرة العلم، حكم أكثر من 5 سنوات بقليل، وعرفت فترة حكمه بعدم الاستقرار السياسي.
اغتاله عبد الرحمن بن ملجم بينما كان يؤمّ المسلمين في صلاة الفجر ضربًا على رأسه بسيف مسموم، وفي رواية أخرى قيل إنه ضربه بالسيف وهو في طريقه إلى المسجد، وقال مقولته المعروفة «فزت ورب الكعبة» عندما ضربه بن الملجم على رأسه.
أما قبره «فقد اختلف فيه العلماء والمؤرخون، فمنهم من يقول إنه دفن في قصر الإمارة في الكوفة، ولا تعلم البقعة التي دفن فيها، وأخفي مكان قبره كي لا تنبشه الخوارج ويعرضونه للمهانة، ومنهم من يقول إنه دفن في مكان غير معروف. ويقال إنه دفن في الكوفة، ثم نقله ابنه الحسن إلى المدينة، ويقال إنه في مدينة النجف، إلا أن الغالبية يقولون إنه ليس قبره، وإنما قبر الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة، ومنهم من يقول إنه في أفغانستان، ولكن يبقى مكان دفنه سرًا لا يعرفه أحد حتى الآن، كحال معظم الصحابة والأولياء» حسب ما أورد تقرير لموقع إيلاف .
الإسكندر الأكبر
سم وحيرة في الجثة
 
 تعد شخصية الإسكندر الأكبر أو إسكندر المقدوني، الملقب بحاكم الإمبراطورية المقدونية وقاهر الإمبراطورية الفارسية، من أشهر الشخصيات وأهمها في التاريخ الإنساني، ووصلت روايته وأساطيره إلى كل الحضارات، اشتهر بقوله «إلى الأقوى»، وهو سليل ابن فيليبوس الثاني المقدوني ملك مقدونيا القديمة، كان الأب يحلم بإخراج الفرس من آسيا الصغرى، ونجح سياسيًا وعسكريًا في بلاد اليونان، وقبل أن يستكمل حلمه مات مقتولاً في العام 538 قبل الميلاد، فسعى ابنه إلى تحقيق حلم أبيه، وأسقط الإمبراطورية الفارسية، واستطاع أن يدخل كل المدن الفينيقية بعدما هزم جيش الفرس، الذي كان يفوق جيش الإسكندر بثلاث مرات، وكان كل سكان آسيا وقتها متأكدين بأن الإسكندر لن يقوى على الإنتصار على الجيش الفارسي.
 قام الفارس المقدوني بفتح مدينة أرواد وبيبلوس وصيدا وصور وغزة، ثم وصل إلى مصر، وبنى مدينة سميت «الإسكندرية» على رأس نهر النيل، فاستولى على بلاد الشام ومصر وآسيا الصغرى، وانتزعها من الفرس، ودخل إلى مدينة بابل، التي كانت مقر الحكومة الفارسية من دون مقاومة من الفرس، حيث اعتبروه ملكهم الجديد، وذلك بعدما عبر الفرات ونهر دجلة.
وصل طموح الإسكندر عنان السماء، فقد وصلت حملاته العسكرية حتى المناطق الشمالية الغربية من الهند، إلا أنه أصيب بحمى شديدة، مات على إثرها، وهو في الثلاثينات من عمره في العام 323 ق.م، وقالت بعض الروايات إنه مات مسمومًا بسمّ دسّه له طبيبه الخاص، إلا أن البعض أشار إلى زوجته الأخيرة.
 وتناسلت الروايات حول دفنه، فـ»بعض المصادر تقول إنه طلب من قادته أن يدفنوه بحرًا، ولكنهم لم يحققوا له مطلبه بعد وفاته، وذكرت مصادر أخرى أن قادته اختلفوا حول مكان دفنه. فكل منهم أراد أن يدفنه في المنطقة التي يحكمها، وقيل إن حاكم مقدونيا بيرديكاس شنّ معركة بالتعاون مع قوات بطليموس الأول للاستيلاء على ناووس الإسكندر، ونقله إلى مقره، ليدفن هناك، وأن الأخير خشي لاحقًا من أن يدفن الإسكندر في سيوة، فيأتي أحدهم من الصحراء ويسرقها، وذكرت روايات أخرى أن قبر الإسكندر موجود في العراق «،حسب ما


*abdelhafid
16 - نوفمبر - 2011
معنى الوطن..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
عندما تطلب وجبة في مطعم تركي فعليك أن تـُفهم النادل بالإشارة ما تريده، أو تقول له إنك تريد سمكا وتتوقع أن يأتيك باللحم، فالأتراك لا يهمهم إطلاقا أن يتحدث الآخرون بأكثر من لغة، ما يهمهم أكثر هو أن تكون لغتهم فوق كل اعتبار، وعلى الآخرين أن يبحثوا عن وسائل التفاهم.
تسأل تاجرا تركيا عن سعر البضاعة فيجيبك بالتركية، وحين لا يبدو عليك الفهم يمسك بهاتف نقال ويكتب عليه السعر، وعليك أن تختار.. إما أن تشتري أو تبتعد.
عندما تسأل الأتراك عن لغتهم الثانية تبدو عليهم الحيرة، فكلمة «اللغة الثانية» تبدو بلا معنى إذا كانت هناك لغة وطنية. وعموما، يبدو فهمهم منطقيا، لأنه إذا كانت القوانين العلمانية تمنع تعدد الزوجات، فلماذا تسمح بتعدد اللغات؟
الأتراك محبون لوطنهم بشكل مبهر، واعتزازهم بلغتهم يدخل في هذا الإطار، وإن كان يبدو أحيانا مبالغا فيه، لكنهم يتفتحون أكثر على العربية، واللغة التركية تضم آلاف الكلمات ذات الأصل العربي. وفي مسجد السلطان أحمد، أكبر مساجد إسطنبول، كان الإمام يتلو الأدعية بكلمات هي خليط من العربية والتركية.. كانت عربيته رائعة وتلاوته مدهشة. الأتراك جعلوا تاريخهم ينام معهم جنبا إلى جنب لأنهم يهشون به على العملة الصعبة، ولهم فيه مآرب أخرى. كثير من الأجانب جاؤوا إلى تركيا سياحا ثم انتهوا معجبين بالإسلام وبالثقافة التركية.
الآثار في تركيا مقدسة، والماضي غير موجود لأنهم جعلوا منه رفيقهم اليومي في حاضرهم، لذلك فإن من يزور متاحف هذا البلد يعرف قيمة أن يحافظ شعب على تاريخه بكل هذه القوة والإصرار. وفي متحف «بانوراما»، يمكن للمرء أن يشاهد بشكل مباشر عملية فتح القسطنطينية. إنه متحف مذهل ويعتمد آخر الصرعات التكنولوجية لكي يعيش الزائر عملية فتح القسطنطينية وكأنه في قلبها.
أكثر الناس الذين يدخلون إلى هذا المتحف ويصابون بالخيبة والإحباط هم المغاربة. كل مغربي يسأل نفسه آنذاك: ونحن، كيف خلدنا معاركنا الكبرى وماذا فعلنا من أجل أبطالنا؟ أكيد أننا لسنا محتاجين إلى الانبهار بأحد، ويكفي أن نعيد الاعتبار إلى أنفسنا لكي نصبح أمة حقيقية عوض شعب مغبون في وطن من ورق.
قبل ثمانمائة عام من فتح محمد الفاتح للقسطنطينية، كان القائد المغربي طارق بن زياد قد قام بعمل لا يقل أهمية عندما فتح الأندلس. اسألوا، إذن، الأطفال والشباب المغاربة عن اسم ابن زياد وسيقولون إنهم متأكدون من أنه مطرب شاب شارك في مسابقة «آراب آيْدول».
رجل آخر رميناه إلى مزبلة التاريخ فعليا، إنه يوسف بن تاشفين، الذي يتبول السكارى على قبره. الأتراك جعلوا محمد الفاتح حيا على الدوام، ونحن لم  نكتف بدفن ونسيان أبطالنا ورموزنا الحقيقيين، بل نتبول على قبورهم.
رمينا الكثير من أبطالنا حيث لا يجب أن يتذكرهم أحد. رمينا أبطال الأطلس الأشاوس، ونفينا ابن عبد الكريم الخطابي، ولا نزال نخاف من رفاته. تبدو سخرية الأقدار مرة حين نرى تركيا تـُخرج أبطالها من قبورهم حتى يعيشوا جنبا إلى جنب مع الشعب لكي يحس بقوة الانتماء إلى الوطن، ونحن إما نتبول على أبطالنا أو نبقي قبورهم بعيدة.
في إسطنبول، يقولون إنهم لا يزالون يحتفظون بقطع أثرية وملابس تعود إلى عهد النبوة، ولا تزال المدافع والرماح وبراميل البارود التي استعملها محمد الفاتح موجودة، وفي المغرب سقط نيزك حجري من الفضاء فباعوه قبل أن يبرد في أقل من أربع وعشرين ساعة. اسألوا، إذن، عن آثار المغرب وقطعه الثمينة ووثائقه وكنوزه التاريخية أين ذهبت؟ أكيد أن بلدا يبيع نفسه بالتقسيط لا يستحق أن ينظر إلى المستقبل.
تركيا فتحت تاريخها وثقافتها أمام العالم وتجني من وراء ذلك ملايير الدولارات؛ وفي المغرب، يقول لنا عباقرة السياحة إن السياح لا يأتون لزيارة المواقع التاريخية، بل للتسلية واللهو، لذلك فتحنا لهم فنادق ورياضات خاصة لكي يستمتعوا فيها على هواهم، ومن يضبط منهم متلبسا باغتصاب طفل أو طفلة نكتفي بإعادته إلى بلده أو لملمة الفضيحة.
في تركيا، لم يصل أردوغان إلى رئاسة الحكومة إلا بعد أن حقق المعجزة الاقتصادية في إسطنبول وحولها إلى مدينة مبهرة؛ وفي المغرب، يمكن لأي سياسي بلا معنى أن يصبح مسؤولا كبيرا في أي وقت رغم أنه لا يعرف كيف يسير محلبة.
عندما يصبح السياسيون بلا معنى، يصبح الوطن أيضا بلا معنى.
 
صورة anonymous

معنى الوطن


عبد الله الدامون**   عن ج. المساء المغربية
*abdelhafid
7 - مارس - 2012
أصابعـهــم فــي آذانــهـــم...     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
طلبت من الأطفال في حصة الكتابة الإبداعية أن يحكوا قصصا من واقعهم، وقفت طفلة وقالت لي إن صديقتها (نسرين) لا تسمعها عندما تتحدث، لم أفهم قصد الطفلة وطلبت توضيحا،
فقالت لي.. أليس من المفروض عندما تتحدث أن يسمعك صديقك؟ قلت بلى! فقالت إن نسرين تضع أصبعيها في أذنيها وترفض أن تسمعها.
قلت للطفلة إن هذا حق نسرين ألا تسمع بأذنيها، ومثلما نحن أحرار بجميع أعضاء جسدنا ولا نسمح لغيرنا بأن يستعملها أو يتدخل في شؤونها بدون موافقتنا، هكذا الأمر بالنسبة إلى أذني نسرين ممنوع أن نفرض على الآخرين سماعنا، ولهذا فإن نسرين حرّة في أن تسمع أو لا تسمع كلامك، فردت الطفلة بمرارة وغضب... ولكنها صديقتي ويجب أن تسمعني، وإلا فلن نبقى أصدقاء! تأثرت كثيرا من غضب الطفلة وقلت: «هذا صحيح، وإذا لم يسمعك صديقك فإنه ليس صديقا، بل وهذه قلة أدب من جانب نسرين أن تغلق أذنيها عندما تتحدثين معها».
ناديت الطفلة نسرين لأسألها مستغربا عن تصرفها، فأسرعت ووضعت أصبعيها في أذنيها ولم ترد أن تسمعني، صرت أرجوها: نسرين يا عزيزتي عيب... ولك عيب أنزلي أصابعك، أنزلي أصابعك من أذنيك واسمعيني، ولكنها أصرت وبقيت واقفة وأصابعها في أذنيها لا تريد أن تسمعني. نسرين ما الذي جرى لك! ألا تريدين أن تسمعي صديقتك التي تحبك! ألا تريدين أن تسمعيني! لم تردّ نسرين وبقيت واقفة وأصبعاها في أذنيها.. قلت لها: إسمعي يا نسرين إذا رفضت سماعنا فنحن أيضا لن نسمعك عندما يأتي دورك في الكلام... فلم ترد.. قلت لها وأنا منزعج... قرد يحملك أقعدي في مكانك..
تضايقتُ من الطفلة التي لا تريد أن تسمع صديقتها (روعة) ولا أن تسمعني، رغم أن الأمر بدا لي مزحة في البداية، ولكنها نجحت في إثارة حفيظتي، يا لهذه الطفلة الوقحة التي لا تريد سماع أحد، إنه تصرف يثير الغضب بالفعل، وإن كان قد بدا مسليا في البداية، وقررت أن أنتقم منها، عندما يصل دورها في الكلام قررت أن أطلب من كل الطلاب أن يسدّوا آذانهم ولا يسمعوها كي ألقنها درسا...
فجأة خطر في بالي هاجس يقول: إذا كانت هذه الطفلة شعرت بكل هذه المرارة، فأي مرارة تختزنها الشعوب التي يرفض حكامها سماعها!
ثم كيف يريد الحاكم للملايين أن تسمعه وأن تطيعه بينما هو واضع أصابعه في أذنيه ولا يريد سماع شيء سوى تلك الأصوات الكاذبة التي تهتف بحياته، والتي تصفه بأوصاف الأنبياء، بل وترفعه درجة عنهم عندما تهتف له ذلك الهتاف الوضيع الذي يضعه مباشرة بعد الله.. الحاكم وبس.. شو يعني.. بسّ! يعني كل ما عدا الحاكم لا يساوي شيئا، يعني لا مفكرون ولا علماء ولا قادة ولا جيش ولا طلبة جامعات ولا أدباء ولا أي شيء، الله والحاكم وبس، ومن الواضح هنا أن كلمة (الله) توضع من باب الحيطة فقط لأن الحاكم لا يهمه أن يؤمن الناس أو لا يؤمنوا بالله... فالمهم أنهم يؤمنون بقدرته هو على قمعهم إذا ما رفعوا رؤوسهم...
عندما صرخ الشعب غضبا، مثل تلك الصرخة التي يصرخها من يكون غارقا تحت الماء في اللحظة الأخيرة، لم يضع الحاكم العربي أصابعه في أذنيه فقط بل أطلق النار والحقد على كل صوت لا يشبه صوت تلك الأشباح التي تهتف ذلك الهتاف الوضيع، رد على الناس بأنه لا يريد منهم سوى صمت القبور أو الهتاف الذي أدمنه، ولهذا يتغير عشرات الرؤساء في مختلف أقطار الأرض بدون جريح واحد، بينما حاكمنا يخيّر شعبه بين الصمت أو الموت، وبعد دماء غزيرة ومقابر جماعية يتنازل ويغيّر بندا تافها في الدستور يضمن له استمرار ركوب الشعب...
ولكن مشكلة الحاكم الذي لا يريد سماع شعبه أنه لم يعد قادرا على إخراس هذا الصوت، لأن الشعب لم يعد يقبل بالعودة إلى صمت النعاج، ولأن تقنيات الاتصال والتواصل تقدمت بصورة لا يمكن معها مصادرة أي صوت!
تغيرت الدنيا كثيرا أيها الحكام، كنا نكتب رسالة حب ونمزّقها مرات حتى الوصول إلى صيغة نهائية، ثم ننتظر الفرصة لنقلها إلى الحبيبة، تمر ساعات وأيام ونحن محتفظون بالرسالة ولا تسنح الفرصة لتوصيلها، وقد تبقى الرسالة متنقلة من قميص إلى سروال إلى جورب ولا يكتب لها الحظ في الوصول إلى الحبيبة.. الآن بكبسة زر توزّع رسائل الحب إلى من تشاء ومتى تشاء في اللحظة التي تشاء، حتى إلى غرفة نوم الحبيبة فلا حرس ولا رقباء ولا خصوصيات، بل حتى وهي جالسة مع أشد الرجال بأسا، فالرسالة النصية قد تصلها بهدوء، تقرؤها وترد عليها ولا من شاف ولا من دري، لم تعد حبيبتك بحاجة إلى التظاهر بأنها خرجت لتأخذ رداء من على حبل الغسيل لتلقي عليها نظرة عابرة، لم تعد بحاجة إلى منظار والوقوف على سطح البيت كي تلاحق تحرّكها عسى ولعل أن توصل إليها رسالتك! رسائل الحب صارت تكتب وتصل عناوينها في البث المباشر مع الصورة والصوت، ومثل رسائل الحب هي رسائل الثوار...
وعلى فكرة، الطفلة (نسرين) التي أغلقت أذنيها انفجرت ضاحكة فيما بعد.. فهي أذكى من أن تواصل رفض سماع الآخرين...

 
 
 سهيل كيوان
ج .المساء المغربية
*abdelhafid
14 - مايو - 2012
 84  85  86  87