حكاية للصغار ... (2)     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
صارت أم عامر تتمشى داخل البيت جيئة وذهاباً وهي تفكر بما ستقوله قبل أن تتوقف فجأة أمام الديك لتعلن له موقفها : ــ ابن عمي ، يا ابن عمي ، اعذرني يا ابن عمي لأنني مضطرة ، لكني سوف آكلك . ــ ولماذا يا بنت عمي ؟ وماذا فعلت لتأكليني ؟ أجاب الديك مرتبكاً ومرعوباً ــ أنت ذنبك أكبر الذنوب ! ــ وما هو ذنبي ؟ ــ أنت في صباح كل يوم تصيح ، فيستيقظ الفلاح باكراً ، بعد أن يناديه رب عمله ، ويخرج من بيته دون إفطارليذهب إلى العمل والفلاحة ، فيقطع الحطب ويحرث الأرض ، ويظل يعمل طوال النهار دون أن يأكل شيئاً وحتى مغيب الشمس . عندما يعود إلى بيته ، بعد أن يكون قد هده التعب ، يكون بالكاد قد تناول لقمة من الطعام ، يشعر بعدها بالنعاس ، فيرتمي كالقتيل فوق فراشه . وما إن يضع رأسه فوق المخدة ، حتى يكون الصباح قد أطل من جديد ، وتكون أنت قد بدأت بالصياح قبل بزوغ الفجر ودون أن تأخذك به شفقة ولا رحمة : كوكوكوكو ، كوكوكوكو … عندها يعود إليه معلمه ليسوقه إلى الحقل مرة أخرى . وقبل أن يحتج الديك أو يبدي اعتراضاً على ما تقوله كانت قد التهمته ، ففرح الباقون وضحكوا في سريرتهم ظناً منهم بأن الحظ العاثر قد وقع على الديك المغرور ، وبأنها اختارته من المجموعة لتسكت به جوعها ، وبأنها ستكتفي به ، ولم يعلموا بأنها كانت قد بدأت تفكر للحال بذاك الذي ستأكله من بعده . راحت الضبعة ثم جاءت داخل البيت مرتين ، ثم ثلاث مرات ، توقفت بعدها ، في عودتها الرابعة ، أمام الدجاجة وقالت لها : ــ بنت عمي ، يا بنت عمي ، لا تؤاخذيني يا بنت عمي لكني مضطرة وسوف آكلك . صارت الدجاجة ترتجف من الخوف وهي تقول : ــ وماذا فعلت أنا لكي تأكليني يا بنت عمي ــ أنت ذنبك أكبر الذنوب ! ــ وما هو ذنبي ؟ ــ ذنبك أنك تعيشين لدى المرأة العجوز التي تحبك وترعاك ، فإذا كان لديها القليل من الحنطة قالت " الحنطة لدجاجتي " ، وإذا وجدت عندها بعض الشعير قالت " الشعير لدجاجتي " ، وكلما تبقى لديها القليل من البرغل عن عشاء الليلة الماضية قالت " البرغل لدجاجتي " ، حتى أنها إذا وجدت كسرة من الخبز مرمية على الطريق ، أو في أي مكان ، التقطتها ، ثم حملتها إليك قائلة " وهذه لدجاجتي" ... وأنت عندما تحملين بالبيض ، وتشعرين بأنك على وشك وضع بيضة ، تذهبين إلى بيت الجارة وتضعينها عندها ، ولا تفكرين بأن المرأة العجوز تنتظرك وهي جائعة وبحاجة للغذاء، وأنت تعلمين بأنه لا يوجد عندها بيض ولا هم يحزنون . وهكذا أكلتها قبل أن تعترض أو حتى تبدي رأيها فيما تقوله . مع هذا لم تشبع ! ظلت ام عامر حائرة مدة قليلة دون أن تعرف من ذا الذي ستأكله في هذه المرة ، لأن الحمامة والحجل ، المغريين كلاهما ، كانا بنفس الحجم ، لذلك صارت تروح ثم تعود داخل البيت وهي تفكر حتى توقفت أخيراً أمام الحمامة ،لأنها أكثر طراوة من الحجل ، وقالت لها : ــ بنت عمي ، يا بنت عمي ، لا تؤاخذيني يا بنت عمي ولكني مضطرة وسآكلك ــ وماذا فعلت أنا يا بنت عمي ؟ أجابت الحمامة باستسلام ظاهر ــ أنت ذنبك أكبر الذنوب ! ــ وما هو ذنبي الذي اقترفته وأنا حمامة ؟ ــ أنت في كل سنة ، تكون المرأة المسكينة قد أجهدت عينيها بتنقية الحنطة ، ثم سلقتها ، ثم طحنتها ، ثم غربلتها ، ثم فرشتها فوق سطح البيت لكي تجففها قبل قدوم الشتاء ، فتأتين أنت ورفيقاتك ، وتبدأن بنقد الحب وسرقته من على السطح ، ومن ثم تزرقن فوقه ، فيتسخ ، ويتوجب عليها تنقيته أو غسله من جديد ، ويضيع جهد المسكينة التي شقيت وتعبت لعمل المؤونة ، وتخسر بسببكن نتيجة تعبها والطعام الذي تعده لأولادها في أيام الشتاء . ولهذا السبب ، أكلت أم عامر الحمامة ، بل ابتلعتها بلقمة واحدة ، مع هذا شعرت وكأنها لم تأكل شيئاً ، لذلك صارت تفكرحالاً بأمر الحجل الذي توقفت أمامه دون إطالة أو إضاعة للوقت قائلة : ــ ابن عمي ، يا ابن عمي ــ نعم يا بنت عمي ، قال الحجل وهو يبكي مودعاً حياته ــ لا تزعل مني او تؤاخذني يا ابن عمي ، لكني مضطرة وسوف آكلك ــ وماذا فعلت أنا يا بنت عمي ، فأنا أعيش وحيداً في البراري ولا أقترب من الناس ولا أِِؤذي منهم أحداً ــ آه لو كنت تعلم ذنبك ، لأنه عظيم جداً ، فأنت ذنبك أكبر الذنوب ! ــ وما هو ذنبي أنا ؟ ــ أنت تكون دائماً في البرية حيث لا يجب أن تكون ، تتلطى وراء الصخور وتعشعش داخل الأشواك ، وعندما يمر الصياد في الأحراش فهو لا يراك ولا ينتبه إليك لأنك تختبىء دائماً حيث لا يتوقع . ويكون هذا الصياد المسكين قد وقع على طير سمن أو ترغل بعد طول عناء ، وتعب ومشى وتسلق الحفافي والصخور حتى وجده ، وفي اللحظة التي يكون فيها موجهاً بندقيته لاصطياده ، تفرُّ أنت فجأة من بين الأشواك فتفزعه ، وتسقط البندقية من يده ، وتطير منه الطريدة التي كان قد بحث عنها وقتاً طويلاً ، فيضيع عليه تعبه ، ويعود خائباً إلى بيته . وقبل ان يتحرك الحجل من مكانه أو يتململ فيه ، كانت أم عامر قد افترسته على عجل ، ولم يبق عندها من المجموعة إلا أبو الحن الصغير جداً ، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع . إنما ، وقبل أن تبدأ بالكلام معه بادرها بنفسه قائلاً : ــ أعرف يا بنت عمي بأنك جائعة وسوف تأكليني ــ صحيح ! وكيف عرفت يا ابن العم ؟ ــ لقد عرفت بأنك لن تشبعي أبداً لأنك لا تعرفين الطريقة التي يجب عليك أن تأكلينا بها ، فأنت قد أكلت حتى الآن الديك والدجاجة والحمامة والحجل ولم تشبعي . انظري إلي كم أنا صغير ، وماذا يكون أبو الحن أمام كل هؤلاء ؟ مع هذا فلو سمعت مني ، وطبقت الطريقة التي سوف أدلك عليها ، فستشبعين مني انا " أبو الحن " الصغير الضئيل ، ولن تجوعي بعدي لمدة أسبوع كامل أو أكثر . ــ وكيف أفعل ؟ سألته أم عامر بلهفة ــ ما عليك إلا أن تغمضي عينيك وتفتحي فمك وأنت تقرأين الفاتحة . في ذات اللحظة ، أطير انا لأحط في فمك . عندها تبلعيني ، وستشعرين بعدها بالشبع لمدة اسبوع . اقتنعت الضبعة بكلامه لأنه يبدو عالماً رغم صغر حجمه ، كما أن الطريقة التي يعرضها عليها تبدو لها سهلة ومقنعة ولن تخسر شيئاً لو جربتها . لذلك ، أغمضت أم عامر عينيها وفتحت فمها وراحت تقرأ الفاتحة التي لم تكن تحفظها جيداً ، والتي لم تأخذ منها الكثير من الوقت لأنها نسيت أكثرها ،ثم أنتظرت وانتظرت لكي يأتي أبو الحن ويحط في فمها ، لكن العصفور كان قد طار وخرج من الشباك وحط على الشجرة العالية القريبة من البيت . عندما يئست من الانتظار ، فتحت ام عامر عيونها فرأت العصفور على الشجرة . طار صوابها لرؤيته هناك ، لأنها خسرته ،وغضبت أكثر لأنها علمت بأنه قد سخر منها ، فراحت تصرخ له قائلة " لقد غششتني يا ملعون ويا كذاب؟ " ، " وهل أتركك تأكليني ؟ " أجاب أبو الحن ، ثم راح يغني لها قائلاً : أنا أبو الحن حَنـْنـَّنـِّي دعبول الكشك أحسن مني يا صدري صدر العروس يا فخذي فخذ الجاموس سبع سكاكين ما بتذبحني وسبع جعايل ما بتطبخني وطقي وموتي يا شّحَّارك وظل ابو الحن يغني لها ويسخر منها حتى طقت الضبعة وماتت من القهر ، فخرج من بطنها الديك والدجاجة والحمامة والحجل، ليعودوا ويركبوا جميعهم على حصانهم الأشقر ،و ليتابعوا رحلتهم إلى عرس بنت السلطان ، ليأكلوا الأرز واللحم والهريسة ، حيث تركناهم هناك ثم عدنا لنحكي لكم هذه الحكاية . |