حكاية للصغار ... ( 1) كن أول من يقيّم كنا نسمع هذه الحكاية من جدتي عندما كنا صغاراً فكنا نضحك لها ونستعذبها ونفرح في آخرها وننشد خاتمتها دون أن نفقه معانيها وما تنطوي عليه من مفاهيم هي ، بدون شك ، حصيلة تجارب البيئة التي نبتت فيها الحكاية . وها نحن اليوم قد كبرنا وتقلبت بنا الأيام والظروف ، وتغير المشهد من حولنا وتغيرت اللغة والمفردات ، لكن الذاكرة تأبى نسيان هذه الحكايا البسيطة بمظهرها ، الغنية بالدلالات والمعاني ، بل وتستعين بها لقراءة ما يجري من حولنا لأن علاقات البشر، التي جرى الترميز لها بالحيوانات كما في كليلة ودمنة ، لم ولن تتغير مهما اختلفت الأمكنة والعصور : كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، كان هناك دجاجة وديك يعيشان بوئام وسلام ، حتى سمع الديك ذات يوم بأن السلطان سيزوج ابنته الوحيدة ، ويقيم لها احتفالاً عظيماً ، يدعو إليه كل من شاء الحضور ، وبأنهم سيأكلون فيه من كل ما لذ وطاب . نادى الديك على الدجاجة وقال لها : " ما رأيك يا امرأة في أن نذهب إلى عرس بنت السلطان لنأكل أرزاً ولحماً وهريسة ؟ " . وافقت الدجاجة قائلة : " على شرط بأن لا أذهب راجلة لأنني أتعب من المشي الطويل "، فقال لها الديك : " وكيف يكون هذا وأنتي زوجتي ؟ بل ستذهبين راكبة على ظهر حصاني الأشقر " ثم قام بإحضار عود من القصب، من السياج القريب ، ركب عليه هو وزوجته ، ثم انطلقا إلى عرس بنت السلطان . على الطريق ، صادفتهما الحمامة فاستوقفتهما وقالت لهما : " إلى أين يذهب الديك والدجاجة ؟ " ، نهرها الديك قائلاً : " الدم يدلق من لسانك ، ما أقل أدبك وإحسانك ، لماذا لا تقولين : الملك رختوم وامرأته الست روم ؟ " . اعتذرت الحمامة للحال وصححت قائلة : " عفواً ، إلى أين يمضي الملك رختوم وامرأته الست روم ؟ " ، " إلى عرس بنت السلطان لنأكل الأرز واللحم والهريسة " قال الديك . "وهل بإمكاني الذهاب معكما ؟ " قالت الحمامة . "لم لا فالطريق تتسع لنا ولك " . حطت الحمامة وراءهما على العود ثم تابعوا سيرهم جميعا . بعد مسافة قصيرة التقوا بحجل سألهم : " إلى أين يمضي الديك والدجاجة والحمامة ؟" . نهره الديك قائلاً : " الدم يدلق من لسانك ، ما أقل أدبك وإحسانك ، لماذا لا تقول الملك رختوم وامرأته الست روم ؟ " . عفواً ، قال الحجل ، " إلى أين يمضي الملك رختوم وامرأته الست روم ؟ " " إلى عرس بنت السلطان لنأكل الأرز واللحم والهريسة " أجاب الديك. وهل تأخذوني معكم ؟ " " لم لا فالطريق تتسع لنا ولك " قفز الحجل فوق الجواد الأشقر المزعوم متخذاً لنفسه مكاناً وراء الحمامة ، ثم تابع الركب سيره . بعد قليل ، صادفهم عصفور صغير يدعى " أبو الحن" فقال لهم : " إلى أين يذهب الديك والدجاجة والحمامة والحجل ؟ " . غضب الديك مرة أخرى وعنفه قائلاً : " الدم يدلق من لسانك ، ما أقل أدبك وإحسانك ، لماذا لا تقول الملك رختوم وامرأته الست روم ؟ " ، " عفواً لقد أخطأت فعذراً منك : إلى أين يذهب الملك رختوم وامرأته الست روم ؟ " . « إلى عرس بنت السلطان لنأكل الأرز واللحم والهريسة " ، " وهل تأخذوني معكم ؟ " قال أبو الحن ، " لم لا فالطريق تتسع لنا ولك " أجاب الديك . حط أبو الحن وراء الحجل على عود القصب ثم تابعوا جميعهم سيرهم حتى غروب الشمس ، عندها جاء وقت المبيت ، ولسوء حظهم ، وجد أصدقاء الطريق أنفسهم بالقرب من شجرة محاذية لبيت الضبعة " أم عامر " ، فتحاوروا وتشاوروا بهمس فيما بينهم ، ثم قرروا النوم بين أغصانها حتى طلوع الفجر ، على شرط أن يتوخوا أقصى الحذر فلا يثيرون ضجة من حولهم كيلا تستفيق الضبعة وتسعى لالتهامهم . لكن ، ما إن أطل الصباح ، حتى استيقظ الديك مبكراً كعادته وبدأ بالصياح : كوكوكوكو .... تنبه رفاقه من النوم ونهروه بقوة قائلين له : " أسكت ولا تصيح هكذا بالصوت العالي وإلا استيقظت أم عامر وأكلتنا جميعاً " . " وهل تريدون مني ، لأجل أم عامر الضبعة ، بأن أقطع صلاتي ؟ " أجابهم الديك المغرور بكل تعنت متابعاً صياحه : كوكوكوكو … كوكوكوكو .... كوكوكو.... وقبل أن يتم الصوت الثالث ، كانت الضبعة التي استفاقت على صياحه قد أصبحت تحت الشجرة ، وهي لا تزال تفرك عينيها اللتين أخذت تغلقهما وتفتحهما بقوة كأنها غير مصدقة لما تراه أمامها، ثم تعود لتنظر مرة بعد مرة إلى هذا الصيد الثمين الذي لم تحلم به في نومها ، بل هو حقيقة واقعة تراها بعيونها التي ما زالت نصف مغمضة بسبب النعاس، وذلك قبل أن تصحو حواسها كلها ، ويستيقظ فيها مكرها وشهيتها ، فتبدأ بعدهم ، لكي لا تنسى أحداً منهم بين الأغصان ، وهي تقول لهم مرحبة وبالصوت المعسول : ــ أهلاً وسهلاً بأولاد عمي ، يا مرحباً و يا أهلاً بكم في ديارنا ، منذ متى وأنتم هنا ؟ وأين كنتم طوال هذه المدة ؟ لقد مضى علي زمن طويل لم أركم فيه فلماذا غبتم عني يا أحبابي ؟ وكيف تبيتون ليلتكم بالقرب من بيتي دون أن تنزلوا بضيافتي فأمتع نفسي بحضوركم وتشرفوني بزيارتكم ؟ ــ لم نشأ إزعاجك يا بنت العم ، قالوا لها على خجل . ــ لا ، لا ، هذا لا يصح ولا يجوز ، فكيف يأتي أولاد عمي إلى هنا بعد أن قطعوا كل هذه المسافة الطويلة ليمروا بالقرب من عتبة بيتي دون أن يدخلوه ؟ وهل تظنون بأنني سأدعكم تمرون هكذا كأي غريب أو عابر طريق لا يخصني ؟ وبأنني سأترككم تغادرون المكان دون أن أستضيفكم وأحتفي بكم كما يليق ؟ لا ، هذا لا يجوز أبداً . تفضلوا إلى الداخل . هيا تفضلوا ، تفضلوا وادخلوا …. وظلت أم عامر ترحب بهم وتحثهم على الدخول إلى بيتها ، وتشعرهم بأنهم قد أساؤوا التصرف معها ، وهي تلتهمتهم ، في نفس الوقت ، بعيونها الجائعة ،إنما تلح وتلح عليهم وتحاصرهم بكلامها المنافق حتى خجلوا منها ، وخضعوا لإرادتها ، ودخلوا بيتها . عندها أقفلت عليهم الباب بإحكام وأخذت تمني نفسها بفطور دسم . |