البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 81  82  83  84  85 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الأستاذة ضياء خانم    كن أول من يقيّم
 
    مساء الخير أستاذتي ضياء , لا أعرف كيف أعبر عن تشتتي , هل فعلاً التاريخ لا يُعلم  ؟  أم أننا نحن لا نتعلم ؟؟
..... مسكين هذا التاريخ نحنُ نلبسه الأثواب التي نحب , ثم نجرده منها , لنلبسه غيرها , ثم نشوه وجهه ونغير ملامحه , ونشتمه كلما عجزنا عن مواجهة الواقع , ونرمي عليه ذنوبنا وعجزنا وقلة حيلتنا , أما هو فيقف فاتحاً لنا صدره لنكتب مانشاء فيه , ولنجد أولادنا ( وربما قبلهم إخواننا ) قد غيروا ما كتبنا , كما غيرنا ما كتب آباؤنا , مسكين هذا التاريخ , , ,
    صدقتِ , , التاريخ لايعلمنا , والعيبُ فينا , وفي أجدادنا , وفي أجداد أجدادنا .. وفي أجداد أجدادهم ... حتى لو وصلنا التاريخ كما هو , ودون تحريف أوتحوير فإننا نكتشف أننا أميون لانعرف كيف نفك الحروف , وإن بعث القدرُ لنا من يقرأ لنا اكتشفنا حينها أننا صمٌ لانسمع  , , ,
  لا أمل , فلنتابع الأخبار , أو برامج المسابقات , علنا نعثر عن من يفهم عنا , , ,
 
 
*محمد هشام
17 - فبراير - 2009
التاريخ ... هذا " الغريب " بين ظهرانينا ...    كن أول من يقيّم
 
إستقيظت إحدى صباحات العدوان على غزة ، فعثرت على هاتفي الجوال على رسالة قصيرة ... كان الرقم مجهولا ، فقلت هذه إحدى الرسائل التي تنغّص صباحاتك بأن تعدك بالمال الوفير ، على إقتاره أيام هذه الأزمة ، أو بزوجة جميلة ، في غفلة من أعين زوجتي ... غير أنّ مفاجأتي كانت كبيرة ، حين قرأت " من فضلك قاطع منتجات Aldi و Lidl (إجدى أكبر محلي توزيع المواد الاستهلاكية) باعتبار أنّهما قرّرا توزيع أرباح نهاية الأسبوع إلى إسرائيل ...

بغض النظر عن صحة الخبر من خطئه ، سعدت كثيرا
بهذه الرسالة ، ربّما لأنها كانت تعني لي أنّ " أضعف الإيمان " قد جاء يحرك ماء ضحالتنا و سلبيتينا ... غير أنّه كان يعني أمور أخرى أهمها أنني شهدت للمرة الأولى منذ إقامتي في ألمانيا أول حركة احتجاج منظمة انتصارا لغزة (مع بعض الاستثناء إبّان موجة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للأمة في تشويهها لصورة النبي الكريم ، صلوات الله عليه ...)

... قرأت
تعليقي العزيز محمد هشام ، وشاهدت أفكاري تتجول بين أحرفه وأسطره ، عن ثقافة المقاومة وفكرة الانتصار ، ومكانة التاريخ بين هذا وذاك... وكنت أردد أنّ أسوأ ما يمكن أن يحيق بأمّة ، هو أن لا يصبح لها التاريخ معلما (بسكون العين)  ومعلما (بفتح العين) ، وما ذكرى قمّة الكويت عنا ببعيدة (كان مقال الأستاذة ضياء حولها من أجمل ما بمكن أن يخطّه قلم) ...
هل انتصرنا حقا ... أقولها ، وكلي ثقة ، أي والله ... وإلا كيف نقرأ تلك الشهادات التي كانت ترد على لسان الأطفال (معلّمونا الأوائل) ... ؟ كيف نقرأ ارتباط النخبة بأهلها وبالعامة في حادثة استشهاد القائد نزار ريان ؟ كيف نقرأ عودة أهالي غزة إليها من مصر ، نقضا لدعاوى توطين غزة التي أصمّت الآذان بنبرتها العفنة ؟ كيف نقرأ تحوّل الخطاب الإعلامي الغربي ، الذي لا يتزحزح مقدار أنملة ، ليدندن بانتهاك اسرائيل للقانون الانساني الدولي ؟ على الرغم من أسهم معاداة السامية المتوثبة بين كل آن وحين ...
إذا لم تعلمنا هذه الأحداث وهي تجول بيننا ، كيف يمكن للتاريخ أن يحرك فينا بعضا من فهم لسننه ؟
مع التحيــة
*زين الدين
18 - فبراير - 2009
ذكريات مع السياب    كن أول من يقيّم
 
ذكريات مع السيَّاب
 
  
في عام 1960، كنت عاطلاً عن العمل. وكانت العروبة نفسها عاطلة عن العمل، ويا ليتها ظلت كذلك.. وكنت حينذاك ضيفاً على مجلة “شعر” وأسرة التحرير كلها ضيفة على صاحبها يوسف الخال. ويوسف الخال ضيفا على شارع السادات في رأس بيروت. في هذه الأثناء حلَّ بدر شاكر السياب (بأناقته المعروفة) ضيفاً على الجميع، وهو يمشي قدماً في الشرق وقدماً في الغرب بسبب تباشير الروماتيزم في ركبته. ولما كان بريئاً وساذجاً ولا يعرف أن يتحرك بمفرده فقد كلفني يوسف الخال بمرافقته طوال إقامته هناك، وأوصاني وهو يسلمني إياه: لا تعذبه، إنه شاعر كبير.

ومن أول المشوار توطدت عرى الصداقة فيما بيننا، خاصة بعد أن أهداني في لحظة انفعال كرافيت من نوع سيلكا أو سمكا، لم أعد أذكر، عربوناً على صداقتنا الأبدية، وبدأت مهمتي في إطلاعه على الحياة الثقافية في بيروت فأخذته من ذراعه وقلت له: هذا هو الشارع الفلاني، وهذه هي السينما الفلانية. في هذا المطعم يجلس أركان الناصريين ليهاجموا القوميين. وفي هذا المطعم يجلس أركان القوميين ليهاجموا الناصريين والشيوعيين. وفي هذا المقهى يجلس أركان مجلة “شعر” ليهاجموا الجميع، متخذا كل واحد منهم أفضل طاولة وأفضل واجهة من الصباح إلى المساء على فنجان قهوة وخمسين كأس ماء بنصف ليرة. وعند هذه الزاوية بالذات سحبني صاحب المقهى من يدي وقال لي: إما أن تخلصني منهم، وأما أهدم المقهى وأحوله إلى محل لبيع الشاورما، كرمى ليوسف الخال وشعره الحديث.

وكان بدر يضحك كالأطفال من هذه المعلومات، وكنت بدوري أكثر سعادة منه وأنا أقوم بمهمتي خير قيام لصالح الشعر والحرية حسب مفهومي. ولكن ما أن انتهينا من الشوارع العريضة والمناطق السكنية، وبلغنا منطقة الأسواق التجارية والشوارع المزدحمة، حتى أخذت بعض المتاعب تواجهني في مرافقته. فقد اكتشفت ان المسكين لا يستطيع التسكع كالمراهقين أكثر من عشر دقائق أو ربع ساعة. بعدها يأخذ في الترنح والدوران حول نفسه وحول مرافقه، ولذلك كنت أجده في لحظة على يميني وفي اللحظة التالية على يساري. وعندما لا يجد مرافقه إلى جواره، يدور حول أي شيء، حول عمود كهرباء أو شرطي سير، أو حول نفسه. ويتابع طريقه وحديثه عن الشعر الحديث والشعر القديم. وفي باب ادريس حيث رافقته لشراء بعض الهدايا “لأم غيلان” أتعبني أكثر من ثلاثة صفوف في سن الحضانة، إذ ما أن يمر بزقاق أو زاروب فرعي حتى يترك طريقه الأصلي ويسلكه، وما أن يرى أي باب مفتوح حتى يدخله. باب دكان أو باب مستودع، ويتابع حديثه عن صلاح عبدالصبور وعمر أبو ريشة.

مثلا، فيما نحن نهم بدخول نوفوتيه، يدخل هو صيدلية أو مكتب طيران أو فرن كاتو. وعندما زادها بعض الشيء قلت له أمام المارة، أما أن تظل ملازماً لي في كل خطوة وفي كل اتجاه، وأما أن أمسك بيدك أو أربطك بخيط وأعرف قراءك عليك وأنت في هذا الوضع.

لكن في الأمسية الشعرية التي أحياها مساء في بيروت، انقلب إلى شخص آخر لم أعرفه ولم أرافقه خطوة واحدة من قبل. حتى إنني عندما رأيته يحدق بالحضور فردا فردا بكل ثقة وثبات، خفت منه، وانتقلت من الصف الأول إلى الصف الثامن أو التاسع, ومن هناك أخذت أراقبه، كل ما فيه كان كبيرا. قلبه، موهبته، رأسه، أذناه، ما عدا جسمه. كان المسكين، رأس.

وعندما تقدم من الميكروفون تحت الإضاءة نصف الخافتة، أمحت ملامحه كلها، ولم يبق بارزا منها أمام الجمهور سوى أسنانه، كانت جاحظة من خلال شفتيه بوضوح فيزيولوجيا وايديولوجيا حتى كادت تغطي الصف الأول من الحضور. وسط الصمت المطبق، صرح بقصيدته الجزائرية الشهيرة “من قاع قبري أصيح حتى تضج القبور”.

وما أن انتهت الأمسية حتى كنت في الصف الأخير بسبب تدافع المعجبين والمعجبات للوصول إلى الشاعر الكبير، شاعر الحرية والثورة الجزائرية مقرظين مهنئين. ولكن ما أن سلمت عليه أول معجبة وهي تتنهد حتى ارتخى، وأخذ يصرفني من بعيد بإشارات متلاحقة من يده. وكلما ازداد عدد المتحلقات من حوله بثيابهن الفاخرة وعطورهن المثيرة، ركبه الغرور أكثر وأكثر، وراح يحلق في أجواء من المواعيد الوهمية والأجواء الكاذبة. إذ قال لي ما معناه، بأنه يعتذر عن مرافقتي تلك الليلة وربما لا يستطيع أن يراني أو يرى غيري حتى بعد يومين أو أسبوعين. وعاد لتبادل كلمات الإعجاب والاطراء مع المتحلقين من حوله. ولما كانت السماء ممطرة، وأعرف جيدا هذا النوع من الانبهار وتبادل العواطف والمجاملات أثناء ارتداء المعاطف والتهيؤ للانصراف على أبواب النوادي والمراكز الثقافية، فقد أشفقت على بدر.

كان المطر ينهمر، والرؤية معدومة فوق البحر وفي الشوارع، عندما أخذت مصافحات الوداع والتمنيات باللقاءات في مناسبة أخرى تتوالى على مسامع الشاعر الكبير مع انغلاق أبواب السيارات وانطلاقا بمعجبيها ومعجباتها في ظلمات بيروت الضاجة الساهرة. وبقي بدر خارج القاعة وحيدا كالميكروفون في داخلها. وفجأة نسي كل شيء. وأقبل عليّ يدور حول نفسه كعادته، ووضع ذراعه في ذراعي وانطلقنا باتجاه منطقة البارات ضاحكين ساخرين.

وفي الطريق، أخذ يحدثني عن زيارته الأخيرة لايطاليا، وعن شغفه الجديد بالمعكرونة، ثم انتقل من المعكرونة للحديث عن شعر عبد الوهاب البياتي. ومن ثم عاد للحديث مرة أخرى عن ايطاليا ثم انتقل إلى ثرثرة المضيفات، وعن ولعه بالبحر، وتصميمه على تعلم السباحة بالمايوه. ثم انتقل من الحديث عن السباحة إلى الحديث عن ثورة الشواف في الموصل. وعندما قلت له: وما علاقة هذا الموضوع بحديثنا؟ نظر إلي عابساً وقال: هات الكرافيت.

وفي البار تولى بدر شؤون السهرة. فأوقعنا بين يدي غانية ايطالية دوختنا قبل أن تحضر كؤوسنا دون أن نأخذ منها حقا أو باطلا، وخاصة وأن “بدر” من أول كأس لم يعد يعرف روما من بورما. حتى إذا جاء آخر الليل لم يكن معنا قرش واحد إلا ودفعناه على مائدتها. ثم انصرفت مع بدر وهي تدعي الوقوع في غرامه من أول نظرة والإخلاص له إلى الأبد.

وغادرت البار ولحقت بهما متباطئا دون أن يغيبا عن ناظري. وبينما كان بدر يرقص ويدور حولها كعادته ويغني لها الأغاني العراقية بصخب الأطفال، وإذ به يصمت فجأة ويختفي، وعلى الرصيف المقابل فوجئت به يجلس القرفصاء وحيدا على عتبة فندق، فسألته، ماذا تفعل هنا؟
- أنتظرها.
- وأين ذهبت؟
- صعدت إلى غرفتها لتغير ثيابها.
- وإلى أين ستذهبان بعد ذلك؟
- لا أعرف.
فسحبته من يده وقلت له منفعلا، قم وكفاك جنونا، إمرأة على هذا القدر من السكر والنعاس، أتظنها قادرة على تبديل ثيابها والتبرج لجنابك في هذه الساعة من الليل. أؤكد لك أنها لن تصل إلى غرفتها حتى تنام على لحافها وحقيبتها في ذراعها. فقال بدهشة، غير معقول، لقد وعدتني.

فقلت له: ومن هي التي وعدتك؟ سهير القلماوي، أنديرا غاندي؟ قم ولا تشرشحنا أمام الناس لقد طلع الفجر.
ونهض، ومر بنا حارس ليلي فقال: ماذا تفعلان هنا؟ فقلنا له: لا علاقة لك بهذا الأمر. نحن من رواد حركة الشعر الحديث.

وانطلقنا في أول تاكسي باتجاه الفندق، ولكن في اللحظة التي وصلنا فيها وصل ترامواي وتوقف فترة هناك لجمع الركاب. وبعد ان ودعته، مضيت على أساس أن هذه الليلة انتهت على خير، ولكنه، وبدلا من دخول الفندق، دخل الترامواي وانطلق به وأظن أنه بهذه الطريقة دخل الحزب الشيوعي من قبل.
 
* نقلاً عن موقع الحافة 
 
*ضياء
25 - فبراير - 2009
نساء ونساء..    كن أول من يقيّم
 
 
قبل أن تنشر كوثر الأعرج غسيلها بوقاحة استثنائية على شاشة «المستقبل» اللبناني، كنت التقيتُ، قبل شهرين، عالمة الفلك المغربية
مريم شديد، على هامش الملتقى الأول لمغربيات العالم، بمراكش.
سألتها عن أحوالها وجديدها، فقالت إنها تعمل ضمن فريق علمي لإرسال قمر صناعي إلى الفضاء. ابتسمتُ وأنا أحاول انتشال مرافقي من الحيرة التي انتابته، بعد أن عجز عن فك رموز الجواب والتعرف على صاحبته.
لم يكن المرور، عبر سنوات التحصيل والمعرفة، والانتقال من المغرب إلى فرنسا لمتابعة الدراسة والحصول على أعلى الشهادات الجامعية والعلمية مفروشاً بالورود أمام هذه العالمة المغربية التي وُلدت قبل أقل من أربعين عاماً بمدينة الدار البيضاء.
في فرنسا، كان على مريم شديد أن تصارع على أكثر من واجهة لتأكيد ذاتها وتحقيق طموحها. فهي امرأة أولاً، ومغربية ثانياً، وتنحدر من أسرة متوسطة الحال لم تتوفر لها الإمكانات الكافية لكي تمكن الإبنة من أفضل الظروف لمتابعة الدراسة، بعد أن اختارت مساراً تكوينياً غير مألوف بالنسبة لكثير من بنات وأبناء جيلها وبلدها.
حضّـرت مريم شديد أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بأكبر مرصد فلكي في فرنسا، ليتم لاحقاً اختيارها من قبل المنظمة الأوروبية لعلماء الفلك لتكون ضمن أول فريق دولي يذهب إلى الشيلي لتركيب وتشغيل أكبر تليسكوب في العالم.
ستقضي مريم شديد أربع سنوات في صحراء أتاكاما، حيث عاشت قساوة الظروف المناخية : جفاف منقطع النظير، ولا وجود للنباتات والحيوانات والأمطار.
بعد ذلك، سيتم اختيارها من قبل مؤسسة بول إيميل فيكتور لكي تكون ضمن الفريق العامل في مشروع تنمية مستقبل القطب الجنوبي، للذهاب في مهمة علمية تهدف إلى وضع تلسكوب فضائي لقياس إشعاع النجوم في القطب الجنوبي المتجمد، في عزلة تامة عن العالم، مع 8400 متر من الارتفاع عن سطح الأرض، ونقص في الأوكسجين، ودرجات حرارة تقل عن 80 درجة تحت الصفر، وليل يدوم ستة أشهر دون انقطاع.
هناك في أقصى الأرض، وفضلا عن مهامها العلمية، ستطبخ مريم شديد لأفراد الفريق العلمي الكسكس المغربي بلحم الكنغورو، وستغرس العلم المغربي في البياض اللامتناهي للقطب الجنوبي.
تتوقف مريم شديد كثيراً عند دلالات رفعها للعلم المغربي، وتقول «إن رفع العلم المغربي كان عنواناً على القدرات التي تختزنها المرأة المغربية وإصرارها على تغيير وضعيتها نحو الأفضل. كان ذلك خطوة نحو المستقبل، لكن من دون التفريط في الهوية ومقوماتها».
خلال حديثها معك، تتخلى مريم شديد، بين وقت وآخر، عن صنافة المفاهيم التي تؤثث لحقل علم الفلك لتتحدث عمَّا يشغل بالها كأنثى نجحت بإصرارها وتعلقها بحلمها في أن تعطي مثالاً جميلاً ونموذجاً فريداً من نوعه لما يمكن للمرأة المغربية والعربية أن تقدمه لبلدها وللعالم.
أقرأ الانتقادات الموجهة لتلفزيون «المستقبل»، فأتعجب كيف يترك بعض إخواننا العرب قصص من تـُـربي أبناءها أو ترفع العـَـلم وتتسلح بالعـِـلم، من بين نساء المغرب، ويلتفتون إلى من تتعلق بهز البطن والرقص تحت الأرض، مقدمين صورة سيئة عن فتيات ونساء المغرب، محولين الاستثناء إلى ما يشبه القاعدة العامة ........................................................
.................................
، ..................................................................
سيرة وانفضحت
عبد الكبير الميناوي * يومية المساء المغربية (مع بعض التصرف )
 
 
 
عن موقع هسبريس .
                                                    
 
                                                                                        

*abdelhafid
6 - مارس - 2009
وجعلنا من الماء كل شيء حي    كن أول من يقيّم
 
الرسائل الكامنة في الماء: حامل الوعي والتكوين الأول
 
 
مهى الدمشقي علم الدين

تملكتني الدهشة وأنا أقرأ كتاب «الرسائل الكامنة في الماء» «The hidden messages in water« للباحث الياباني الشهير مازارو إيموتو Masaro Emoto، وتقاطع في فكري معنى القولين العظيمين «وجعلنا من الماء كل شي حي» و»في البدء كانت الكلمة»، وتذكرت ان أوّل ما طلب منا هو ان «نقرأ باسم ربنا الذي خلق..».
 
ماذا طلب منا أن نقرأ؟ وكيف؟ وبأي لغة تحديداً؟

إيموتو المغرم بالماء «قرأها» طوال عشرين سنة في بحث علمي متأن وحثيث وتابع عملية تشكل وتجمد بلورات الماء وسط متغيرات كثيرة منها:

ـ تنوع مصادر الماء المستعمل في الأبحاث.

ـ تعريض الماء لكلام مقروء أو مكتوب، سلبي أو إيجابي، بلغة الأمر أو التحبب، ثم بمرافقة موسيقى متنوعة وبمواجهة صور متعددة المواضيع وكذلك بحضور مشاركين مختلقي الروحية.

وقد صوّر ايموتو آلاف البلورات بتقنيات متطورة ومعقدة، أثناء تحولها وتشكلها فإذا هي تدهشك بدقة تغيراتها وتذهلك برقة تأثراتها إذ أجمل البلورات التي تشكلت هي تلك التي أُخذت لها مياه جارية وعذبة من الينابيع، وتلك التي رافقتها كلمات الحمد والشكر والمحبة، مهما كانت اللغة المرفقة ولا فرق ان كانت مقروءة أو مكتوبة في أي مكان من العالم.

وكذلك البلورات التي رافقتها موسيقى غذبة متناغمة، لا فرق معاصرة أو كلاسيكية ومثلها تلك التي واجهتها مواضيع أو عناوين محبة أو إيجابية أو مطمئنة، ومثلها أيضاً التي تمت بحضور أطفال أو كبار، سلوكهم ومنحاهم إيجابي.

أما عند تعريضها لعكس هذه الشروط، فإن البلورات لم تتشكل، أو ما تشكل منها فقد تشوه! وأكثرها تشويها كانت التي رافقتها مشاعر عدم الاكتراث!

ألا تستوجب القراءة الفهم؟ ألا يثري الفهم؟ يثري العلم؟ أوليس العلم ما يعمق الوعي؟

«
غرام» إيموتو للماء تحول إلى «احترام» للماء، إذ أتت خلاصة عمله وعلمه لتثبت بالبرهان الحسي والمصور الحقيقة الكونية بأن الماء يحمل الوعي والتكوين الأول، أي الطاقة الكونية الأساسية لبدء كل حياة وبأنه يسجل الذاكرة الكونية لحظة بلحظة، وبأنه ينقل هذه الذاكرة تباعاً بين البشر والأحياء على أنواعها ويبثها في أقطاب الأرض وربما الكون.

إذا عدنا إلى حقيقة وجودنا الفيزيائية فإننا سبعون في المئة ماء، وإذا عدنا إلى حقيقة وجودنا الفكرية فإننا مئة في المئة كلمة. والروح طاقة تحرك كل ما تبغيه بالإرادة و»بفعل» الماء والكلمة، وتتحرك نحو ما تبغيه «بردة فعل» الماء والكلمة.

وبمعنى آخر، الطاقة الصافية تعني فعلا إيجابيا على مستوى الماء والجسد، وفعلا إيجابيا على مستوى الكلمة والعمل، ويلي كل فعل إيجابي رد فعل إيجابي مثله، هذا من حيث المبدأ، وعكس ذلك يُحدث العكس تماماً.

هذا أهم ما بيّنته عينياً صور البلورات في البحث الطويل، وما أكدته أصوات تموجاتها وأرقام ذبذباتها، وهي نتائج تفسّر وتترجم مضامين أقوال خالدة يحفل بها تراثنا الشفهي والمكتوب العربي، مثل: «إزرع خيراًً، خيراً تلق»، «كما تراني يا جميلاً أراك»، «كن جميلاً تر الوجود جميلاً»، «كلمة بتحنن وكلمة بتجنن»، «إنما الأعمال بالنيات»، العقل السليم في الجسم السليم.

بين تلوث الأرض وتلوث الكلام

أبرز ما نقرأ في الكــتاب، هو أن مــا تتأثر به أرواحنا وتؤثر به إراداتنا وشـعورنا هو نفس ما تتأثر بـه البــلورات عند تشــكلها. ما ينعشنا ينعــشها وما يشعّ فيـنا يشعّ فيها!

كما نقرأ ان للكلام فعلاً وفعالية، إذ برهنت البلورات عن فعالية الكلام الايجابي المحفّز والملهم، وعن المفعول المحيط للكلام السلبي ومدى تشويهه العميق فينا وفي الماء على السواء وتباعا.

يلفت الكتاب إلى تفرّدنا كبشر في «تملّك الوعي للكلمة، وفي تملّك القدرة على استعمالها في تعبيــرنا عن أفــكارنا وشعورنا وحاجاتنا وأحلامنا وذكرياتنا ومخططاتنا، وذلك على أي مستوى كان: وجدانيا أو إيمانيا أو عاطفياً أو عقائديا سياسياً»...

وهنا يحضرني التساؤل الملح: هلاّ فهمنا، نحن من أوتينا نعمة النطق بعد التفكير، ما علينا فهمه من عبارة «لا نقول إلا ما نعني وإلا نعني إلا ما نقول؟».

يتطرق الكتاب في نقطة خامسة مهمة، إلى طاقة الكلمة الكامنة وهي طاقة تغييرية حقيقية: ان وُجّهت ايجاباً كانت إبداعية خلاّقة، أما ان وجهت سلباً فتكون تدميرية تخريبية.. ثم ان طاقة الماء لم تزل تعكس طاقة الكلمة منذ الأزل، وتتأثر بها وتنشرها في الأرض، أي في مجمل المحيط البيئي الذي يتوقف على سلامته شرط بقائنا واستمرار ذريتنا!

وهنا يجد الكتاب صلة واضحة بين أمرين، إذ يربط بين كيفية وسبب تلوّث الأرض واستنزاف مواردها وكيفية تلوث مياه الأرض السطحية والدفينة. ثم سبب وكيفية تلوث كلامنا بكل مفردات العنف والقسوة والكره واللامبالاة.

سابع ما نقرأ، عن روح الإنـسان الحرة، والتي تم أسرها تحت كل مسمــيات الطمع وحب السيطرة. فسخّر تباعا الضــمير الحي، أو سوء الفهم وتم استغلال عــدم اكـتراث الفرد بما حوله من مقـومات الحــياة الأساسية على سطح الأرض كما في باطنها. وبالنتيجة، سُلب الإنســان رويداً رويداً سجيته فحُرم من فطــرته تــماما مثلما أُسرت الماء، ماء الينبوع مع التصنيع والمتاجرة! يريد الماء، مثلنا، أن يعود الى حريته وفطرته، لأن الحرية مسألة وعي تكويني فطري، وهي في الوقت نفسه مسؤولية يترجمها هذا الوعي فكراً أي كلمة وسلوكا أي عملاً.

ثامن ما يشدد عليه الكتاب، هو ضرورة عودتنا إلى قراءة المحبة وفهمها في التكوين، لنعود إلى العيش في كنف النعمة الحقيقية ونحدّث عنها، ولنعود الى العيش في كنف الشكر والكفاية.

الطاقة التكوينية

تاسع ما تقرأ، اننا مثل الماء وكل شــيء حيّ. أي لســنا سوى أحد تجلــيات الطاقة التكوينية الخلاّقة واللامتـناهية وجوهرها وعي ينكشف عمقه وأبعاده مع حال الماء والكلمة!

أما آخـر وأهــم ما يمكــننا أن نقــرأ فهو اننا قـادرون دومـا على التـغيير نحـو الأفضل.

نغير العالم بمـجرد ان نبدأ بتغـيير أنفسنا، وما ذلك إلا بدافع من هذه المحبة التكوينية الفطـرية، بدءا بأصــغر الأمور حتى أكبرها. عندها يتــحول كل منا من لا مبال إلى مهتم، من لائم الى متــفهم، من مساير الى صــادق، من متــطلب الى مجد، ومن كـاره أو حــاقد الى محــبّ، المهـم والأهـم ألا نكون غير مبــالين، وغــير مكترثين. عدم الاكتراث هو قمة السلبية التدميرية!

فما قيمة ما «نقرأ» ان لم تزد «القراءة» في وعينا لأنفســنا ولما ننوي عليه وما نفكر به ونعمل له؟ ان كل زيادة فرديـة في «الوعي» هي زيادة جمــاعية ضــرورية له. وهذه أجمل هدية نقدمها للعالم! لأن الحياة في النهاية هي أكبر بكثير من أن تكون تجربة تحصل لنا، إنها في الحــقيقة تجــربة تحصل من خلالنا. فهل نقرأ بسنة جديدة وزمن آتٍ
 
 
*ضياء
8 - مارس - 2009
استدراك..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تحية مجددة الأستناذة ضـياء .
 
*يبدو أنني لم أفلح في إدراج الفيديو 1لذلك أطلب حذف المشاركة السابقة .
 
 
شاهد على العصر - أحمد المرزوقي - الجزء الرابع يرجى النقر على الصورة
 
 
 
*أرجو أن تتابعي ما دارفي هذه الحلقة من برنامج شاهد على العصر، فهي مثيرة حقا..
 
 
 
 
*abdelhafid
18 - مارس - 2009
شكراً لك    كن أول من يقيّم
 
نعم أستاذ عبد الحفيظ : تملكتني الدهشة وأنا أستمع إلى هذه التفاصيل ! الحقيقة تبدو أحياناً أغرب من الخيال . المرزوقي قاص ماهر ولا بد أنه بروايته هذه يمارس نوعاً من الاستشفاء النفسي ويحرر نفسه من أعباء هذه التفاصيل التي راجعها في باله مئات المرات حتى استولى عليها وتمكن أخيراً من النطق بها والدفع بها خارجاً . يا لمرارة الأقدار ! حيوات ضائعة ... كلها حيوات ضائعة والأجيال تتعاقب ونحن ننتقل من " تحت الدلفة لتحت المزراب " . تحياتي لك وسلامي للعائلة ودمتم جميعاً .
*ضياء
20 - مارس - 2009
أنا والغربة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
قد تكون علاقتنا بالمنفى مؤقتة، ولكن هذا في مظهرها، المنفى كسر لا يجبر، حالة شفافة مثل البلور الذي إذا انكسر تبدد في شكل نقاط صغيرة يصعب رتقها. لم أكن مهيأ للمنفى ولهذا كان الكسر صعباً، كنت دائماً أرى نفسي ابن أرض أحبها ولا يمكنها إلا أن تحبني. المثالية القاتلة. ولكن كان عليَّ أن أنسى ذلك كله لأتمكن من الكتابة عن شيء آخر غير الاندثار، الحب، والمقاومة.
يكفيني أحياناً شروق الشمس وسقوط المطر والمشي على أقدامي والنظر بعيني وامتلاك الحواس مجتمعة لأدرك أن الدنيا ما تزال بخير، لكن للأسف إننا نرتبط أحياناً بمصائر أكبر من ذواتنا ولهذا نشعر بالألم والخيبة التي تغلف حياتنا ولغتنا. المنفى قسوة تمارس في صمت.
قد نسخر من ذلك ولكننا نكف ونتأمل الوضع عندما ندرك أن وراء تلك الكلمة الصغيرة التي اسمها منفى يختبئ إرث بشري ثقيل ومر، مخترق بالأشواق والفقدان ومؤثث بالسعادات الصغيرة غير المرئية. ولهذا، فكلما سمعت كلمة منفى ينتابني إحساس غريب بالبياض، وهذا السؤال المرتبك والهش: ما معنى المنفى بالنسبة لفنان منفاه الأول هو عتاده ولغته التي يكتب بها كما يقول رولان بارث؟ هو في المنفى من حيث هو كاتب؟ اللغة تصنع عالماً موازياً يعج بتفاصيل الحياة التي نحس بانتماءاتها لنا ولكنها لا تنتمي في نهاية المطاف إلا إلى اللغة ونظامها الصارم. إذن أين يتجلى هذا المعنى العميق الذي تتبطنه هذه الكلمة المولدة للخوف ولمختلف الاهتزازات الداخلية؟ هل المنفى هو افتقاد الأرض التي شيد عليها الفنان ذاكرته وأشواقه؟ فكم من أرض يملك الكاتب إذاً: أرض الطفولة التي يفقدها في سن مبكر ولا تستعيدها إلا الكتابة بشهواتها المختلفة وخيالها الذي يهزنا بمتعته كلما توغلنا فيه؟ أليس فعل الكتابة عن المكان هو اعتراف ضمني بالفقدان؟.
هل هي أرض الشباب، التي سرعان ما تنطفئ داخل مجتمعات تحاسبك في مشاعرك وفي تنفسك لأنه لا يشبه تنفس الآخرين وخرج عن نظام المجموعة الذي يجب أن لا تخترق، إذ ليس لك، في نظام الهيمنة والسيطرة أن تحب، أن تتحرك كما تشتهي، أي أن لا تكون أنت ولكنك تكون الآخر الذي يشتهي أن يرى صورته المقهورة والمتخلفة فيك مما يضطرك إلى ترك أرضك والذهاب بعيداً نحو أرض أخرى، وربما كانت الكتابة والفن هي وطنك الموازي؟ هل المنفى إذاً هو الارتحال عن أرضك، التي ليست هي أرضك الأولى، باتجاه أرض أخرى يفترض أن تمنحك الأمان والمحبة وبعضاً من الراحة والحرية خصوصاً، لأن التنقل لو اختزل في الرغبة في العيش والاستمرار في الحياة، يفقد معانيه العميقة والحية، فالمشكلة ليست في الحفاظ على النوع لأنه آيل إلى الزوال ويحمل موته ضمن رصيده الجيني الثابت؟ عن أي شيء يبحث الكاتب إذاً وهو يغسل يديه من وطن ورثته له التربة وخطابات الأهل والساسة المحنكون؟ عن وطن الحياة الكريمة؟ عن وطن العيش الحر، حيث يمشي ولا يلتفت وراءه كلما سمع وقعاً خشناً لأحذية لم يتعود سماعها؟ عن وطن الكتابة الذي ينشئ فيه كل حياته الموازية الجميلة؟ وإذاً ما هي الخسارات اللاحقة المتولدة عن هذا الترحيل القسري من أرضه الصغيرة التي نبت في حدائقها كأية زهرة باتجاه توطين ليس دائماً فعلاً هيناً؟
وماذا يمنح له هذا التنقل من اكتشافات جديدة يحافظ بها على الاستمرارية بمعناها الوجودي وليس البيولوجي فقط؟ منفاي كذلك في تعقد الأسئلة الوجودية التي أشعر بنفسي معنياً بها بقوة، لأن بها كلها رائحة ما من حياتي الصغيرة التي لا أراني بدونها. المنفى كالمرض، لا يأتي دفعة واحدة، يتربى في الأعماق إلى أن يصير قنبلة موقوتة تنفجر حين تشاء، ربما كان أقرب مرض له هو السرطان الذي يدمر الداخل بلا ضجيج.
 
المصدر: (واسيني الأعرج/ باريس) مجلة المعرفة
*أحمد عزو
20 - أبريل - 2009
عن الغربة    كن أول من يقيّم
 
صباح الخير أستاذ أحمد :
 
يسعدني توقيعك في هذا الملف كما تسعدني دائماً قراءة ما تكتبه في المجالس . موضوع الغربة والاغتراب بمعانيه المختلفة كنا قد أثرناه أكثر من مرة وهو لا يزال كثير الغموض  ، والنص الذي اخترته عميق المعنى والدلالة ، وهي ليست المرة الأولى التي نستضيف فيها واسيني الأعرج وفي موضوع الغربة بالذات . كنت قد كتبت تعليقاً بعنوان : " حب الوطن " نشرته بتاريخ 29 نيسان ( أبريل ) 2006 في ملف البنت التي تبلبلت ، في الصفحة العاشرة منه ، فيه نص استلهمته من كتابات واسيني الأعرج .
 شكراً لك هذه الإضافة الجميلة وتحياتي إلى صفاء .
*ضياء
21 - أبريل - 2009
اليوم الذي ضاعت فيه كلوديا شيفر    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
كنا في آخر النهار ، وكنت أجدّ في السير عائدة إلى البيت وأنا أحسب خطواتي لأنني كنت على موعد مع طبيب العيون ، إنما كان يتوجب عليّ أن أمر على البيت أولاً لاصطحاب ابنتي بعد عودتها من المدرسة فالزيارة كانت بخصوصها ، حين استوقفتني امرأة بمتوسط العمر وهي تبكي بكاءاً حاراً ، ثم توسلت إلي بأن أساعدها . كانت تبدو عليها معالم النكبة والإحباط وهي ترسل دموعها مدرارة فوق وجهها كأنها الأم المفجوعة . راعني المشهد ، وتسمرت في مكاني ، فأنا لم أر في حياتي كلها فرنسية تبكي بهذا الشكل . للحال ، ودون أن أعرف السبب ، شعرت بالتضامن معها ، وكان بإمكانها أن تطلب مني أي شيء في تلك اللحظة ، أي شيء مهما كان ثمنه غالياً بنظري لأن مشهد بكائها أثار في نفسي من العواطف ما هو كفيل بأن يجعل مني إنسانة بغاية الشجاعة والاندفاع والرغبة في التضحية من أجل الآخرين  .  في ذات اللحظة ، تملكتني رغبة لا تقاوم لمعرفة سبب نحيبها ، فهي تبدو امرأة غنية ولن تطلب مني مساعدة مادية ، لذلك رحت أتوقع منها حكاية تشبه الكوارث التي أعرفها وسبق لي معاينتها ، كأن تكون قد أضاعت ولدها ، أو خسرت عزيزاً غالياً ، أو يكون بيتها قد احترق ، أو يكون زوجها قد ألقى بها إلى الطريق ولا يوجد معها نقود لتتصل بالتلفون ... لكن ، وقبل أن أسترسل في تخيلاتي المأساوية ، إذا بها  تسألني عن أقرب عيادة طب بيطري في الحي ، لأنها لا تعرفه ، ولأنها قد أضاعت كلبة ابنها وتبحث عنها !
 
ثم أخذت تشرح لي الحكاية ، وكيف أن ابنها اضطر لأن يسافر في رحلة قصيرة ، وكيف اضطرت للحضور إلى هنا للاعتناء بكلبته بعد أن أصر على أن تأتي بنفسها إلى البيت ، قالت ، لأنه لا يريد لمدللته أن تعاني من الغربة عن منزلها إلى جانب غيابه عنها . لكن ، وبسبب أنها لا زالت صغيرة السن ومراهقة حرونة ، أفلتت من يدها أثناء النزهة وهربت .
 
أرشدتها إلى عيادة الطبيب البيطري الذي أعرفه في حينا ، وأنا أتحسر على حماستي الضائعة ، وأبكي على لهفتي الحمقاء ، وأعلم بأنه متخصص بالعصافير والببغاءات ، لكن المتعارف عليه هنا هو أن من يجد حيواناً ضالاً عليه أن يوصله إلى أقرب عيادة طب بيطري ، لذلك كان من الممكن أن تجدها عنده ، ثم تركتها وانصرفت .
 
عندما دخلت إلى البيت ، كانت آثار الدهشة والخيبة لا تزال بادية على وجهي فسألني زوجي : " ما بك ؟ " ، قلت له بأنني التقيت بفرنسية تبكي بكاءاً مراً لم أر واحدة غيرها تفعل مثله في هذا البلد " فتخـَيـَّل لماذا ؟ " سألته ، " لأن كلبها قد مات ! " أجابني ببرود .
 
صعقت من كلامه الذي زاد من حنقي على نفسي ، ورحت أتساءل : " إلى متى سوف أظل بهذه السذاجة ؟ ومتى سأشفى منها ؟ " بل شعرت بأنني مغفلة بكل معنى الكلمة ، فقررت أن أسارع بتجهيز ابنتي وأنا أحاول التركيز على ما هو ضروري ومفيد بدلاً من تلك الهلوسات الفارغة التي لا طائل منها ، وقررت بأن أنسى تلك الحكاية السمجة والسخيفة التي عكرت مزاجي .
 
استغرقت زيارتنا للطبيب حوالى الساعة أو أكثر بقليل ، بالإضافة إلى الوقت الذي أمضيناه في البيت ورحلة الطريق التي تتطلب ربع ساعة مشياً على الأقدام . وعند خروجنا من العيادة ، كانت المفاجأة التي أعادتني رغماً عني إلى أجواء هذه القصة لأنها كانت قد اجتاحت الحي كله : الطريق من العيادة إلى البيت ، وعلى جانبي الرصيف ، كانت حيطانها مزروعة بملصقات تحمل صورة الكلبة الضائعة ! أعمدة الكهرباء ، كشك الهاتف ، موقف الباص ، كلها كانت تحمل تلك الصورة ، مع أن هذا ممنوع قانوناً ! والمارة الذين كانوا يروحون ويغدون على الرصيف ، كان بعضهم يتوقف أمام ذلك الإعلان ليقرأه . كيف استطاعت خلال ذلك الوقت الضيق إنجاز هذا الإعلان ولصقه في كل مكان ؟ سألت نفسي .
 
الإعلان كان يحمل صورة الكلبة بحيث يظهر منها وجهها وأذناها اللتان تتدليان على جانبيه وهي تميل برأسها بدلال . ومن لم ير تلك الصورة فلن يفهم قطعاً مشاعري حيالها ، لأن وضعية التصوير ، والالتفاتة الساحرة ، والنظرة الفاتنة التي كانت تنظر من خلالها إلى عدسة المصور لا تليق إلا بأحلى عارضات الأزياء ، حتى أنني قلت في نفسي " لو أن كلوديا شيفر رأت هذه الصورة لغارت منها حتماً " . كان الإعلان يحمل أيضاً رقم الهاتف ووعداً بمكافأة مالية كبيرة لمن يعثر على الكلبة الضالة ، لكني للأسف ، لم أر تلك النجمة الساطعة إلا على الحائط فقط .
 
 
 
*ضياء
5 - مايو - 2009
 81  82  83  84  85