 | الأستاذة ضياء خانم كن أول من يقيّم
مساء الخير أستاذتي ضياء , لا أعرف كيف أعبر عن تشتتي , هل فعلاً التاريخ لا يُعلم ؟ أم أننا نحن لا نتعلم ؟؟ ..... مسكين هذا التاريخ نحنُ نلبسه الأثواب التي نحب , ثم نجرده منها , لنلبسه غيرها , ثم نشوه وجهه ونغير ملامحه , ونشتمه كلما عجزنا عن مواجهة الواقع , ونرمي عليه ذنوبنا وعجزنا وقلة حيلتنا , أما هو فيقف فاتحاً لنا صدره لنكتب مانشاء فيه , ولنجد أولادنا ( وربما قبلهم إخواننا ) قد غيروا ما كتبنا , كما غيرنا ما كتب آباؤنا , مسكين هذا التاريخ , , , صدقتِ , , التاريخ لايعلمنا , والعيبُ فينا , وفي أجدادنا , وفي أجداد أجدادنا .. وفي أجداد أجدادهم ... حتى لو وصلنا التاريخ كما هو , ودون تحريف أوتحوير فإننا نكتشف أننا أميون لانعرف كيف نفك الحروف , وإن بعث القدرُ لنا من يقرأ لنا اكتشفنا حينها أننا صمٌ لانسمع , , , لا أمل , فلنتابع الأخبار , أو برامج المسابقات , علنا نعثر عن من يفهم عنا , , , | *محمد هشام | 17 - فبراير - 2009 |
 | نساء ونساء.. كن أول من يقيّم
قبل أن تنشر كوثر الأعرج غسيلها بوقاحة استثنائية على شاشة «المستقبل» اللبناني، كنت التقيتُ، قبل شهرين، عالمة الفلك المغربية مريم شديد، على هامش الملتقى الأول لمغربيات العالم، بمراكش. سألتها عن أحوالها وجديدها، فقالت إنها تعمل ضمن فريق علمي لإرسال قمر صناعي إلى الفضاء. ابتسمتُ وأنا أحاول انتشال مرافقي من الحيرة التي انتابته، بعد أن عجز عن فك رموز الجواب والتعرف على صاحبته. لم يكن المرور، عبر سنوات التحصيل والمعرفة، والانتقال من المغرب إلى فرنسا لمتابعة الدراسة والحصول على أعلى الشهادات الجامعية والعلمية مفروشاً بالورود أمام هذه العالمة المغربية التي وُلدت قبل أقل من أربعين عاماً بمدينة الدار البيضاء. في فرنسا، كان على مريم شديد أن تصارع على أكثر من واجهة لتأكيد ذاتها وتحقيق طموحها. فهي امرأة أولاً، ومغربية ثانياً، وتنحدر من أسرة متوسطة الحال لم تتوفر لها الإمكانات الكافية لكي تمكن الإبنة من أفضل الظروف لمتابعة الدراسة، بعد أن اختارت مساراً تكوينياً غير مألوف بالنسبة لكثير من بنات وأبناء جيلها وبلدها. حضّـرت مريم شديد أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بأكبر مرصد فلكي في فرنسا، ليتم لاحقاً اختيارها من قبل المنظمة الأوروبية لعلماء الفلك لتكون ضمن أول فريق دولي يذهب إلى الشيلي لتركيب وتشغيل أكبر تليسكوب في العالم. ستقضي مريم شديد أربع سنوات في صحراء أتاكاما، حيث عاشت قساوة الظروف المناخية : جفاف منقطع النظير، ولا وجود للنباتات والحيوانات والأمطار. بعد ذلك، سيتم اختيارها من قبل مؤسسة بول إيميل فيكتور لكي تكون ضمن الفريق العامل في مشروع تنمية مستقبل القطب الجنوبي، للذهاب في مهمة علمية تهدف إلى وضع تلسكوب فضائي لقياس إشعاع النجوم في القطب الجنوبي المتجمد، في عزلة تامة عن العالم، مع 8400 متر من الارتفاع عن سطح الأرض، ونقص في الأوكسجين، ودرجات حرارة تقل عن 80 درجة تحت الصفر، وليل يدوم ستة أشهر دون انقطاع. هناك في أقصى الأرض، وفضلا عن مهامها العلمية، ستطبخ مريم شديد لأفراد الفريق العلمي الكسكس المغربي بلحم الكنغورو، وستغرس العلم المغربي في البياض اللامتناهي للقطب الجنوبي. تتوقف مريم شديد كثيراً عند دلالات رفعها للعلم المغربي، وتقول «إن رفع العلم المغربي كان عنواناً على القدرات التي تختزنها المرأة المغربية وإصرارها على تغيير وضعيتها نحو الأفضل. كان ذلك خطوة نحو المستقبل، لكن من دون التفريط في الهوية ومقوماتها». خلال حديثها معك، تتخلى مريم شديد، بين وقت وآخر، عن صنافة المفاهيم التي تؤثث لحقل علم الفلك لتتحدث عمَّا يشغل بالها كأنثى نجحت بإصرارها وتعلقها بحلمها في أن تعطي مثالاً جميلاً ونموذجاً فريداً من نوعه لما يمكن للمرأة المغربية والعربية أن تقدمه لبلدها وللعالم. أقرأ الانتقادات الموجهة لتلفزيون «المستقبل»، فأتعجب كيف يترك بعض إخواننا العرب قصص من تـُـربي أبناءها أو ترفع العـَـلم وتتسلح بالعـِـلم، من بين نساء المغرب، ويلتفتون إلى من تتعلق بهز البطن والرقص تحت الأرض، مقدمين صورة سيئة عن فتيات ونساء المغرب، محولين الاستثناء إلى ما يشبه القاعدة العامة ........................................................ ................................. ، .................................................................. عبد الكبير الميناوي * يومية المساء المغربية (مع بعض التصرف ) عن موقع هسبريس . | *abdelhafid | 6 - مارس - 2009 |
 | أنا والغربة     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
قد تكون علاقتنا بالمنفى مؤقتة، ولكن هذا في مظهرها، المنفى كسر لا يجبر، حالة شفافة مثل البلور الذي إذا انكسر تبدد في شكل نقاط صغيرة يصعب رتقها. لم أكن مهيأ للمنفى ولهذا كان الكسر صعباً، كنت دائماً أرى نفسي ابن أرض أحبها ولا يمكنها إلا أن تحبني. المثالية القاتلة. ولكن كان عليَّ أن أنسى ذلك كله لأتمكن من الكتابة عن شيء آخر غير الاندثار، الحب، والمقاومة. يكفيني أحياناً شروق الشمس وسقوط المطر والمشي على أقدامي والنظر بعيني وامتلاك الحواس مجتمعة لأدرك أن الدنيا ما تزال بخير، لكن للأسف إننا نرتبط أحياناً بمصائر أكبر من ذواتنا ولهذا نشعر بالألم والخيبة التي تغلف حياتنا ولغتنا. المنفى قسوة تمارس في صمت. قد نسخر من ذلك ولكننا نكف ونتأمل الوضع عندما ندرك أن وراء تلك الكلمة الصغيرة التي اسمها منفى يختبئ إرث بشري ثقيل ومر، مخترق بالأشواق والفقدان ومؤثث بالسعادات الصغيرة غير المرئية. ولهذا، فكلما سمعت كلمة منفى ينتابني إحساس غريب بالبياض، وهذا السؤال المرتبك والهش: ما معنى المنفى بالنسبة لفنان منفاه الأول هو عتاده ولغته التي يكتب بها كما يقول رولان بارث؟ هو في المنفى من حيث هو كاتب؟ اللغة تصنع عالماً موازياً يعج بتفاصيل الحياة التي نحس بانتماءاتها لنا ولكنها لا تنتمي في نهاية المطاف إلا إلى اللغة ونظامها الصارم. إذن أين يتجلى هذا المعنى العميق الذي تتبطنه هذه الكلمة المولدة للخوف ولمختلف الاهتزازات الداخلية؟ هل المنفى هو افتقاد الأرض التي شيد عليها الفنان ذاكرته وأشواقه؟ فكم من أرض يملك الكاتب إذاً: أرض الطفولة التي يفقدها في سن مبكر ولا تستعيدها إلا الكتابة بشهواتها المختلفة وخيالها الذي يهزنا بمتعته كلما توغلنا فيه؟ أليس فعل الكتابة عن المكان هو اعتراف ضمني بالفقدان؟. هل هي أرض الشباب، التي سرعان ما تنطفئ داخل مجتمعات تحاسبك في مشاعرك وفي تنفسك لأنه لا يشبه تنفس الآخرين وخرج عن نظام المجموعة الذي يجب أن لا تخترق، إذ ليس لك، في نظام الهيمنة والسيطرة أن تحب، أن تتحرك كما تشتهي، أي أن لا تكون أنت ولكنك تكون الآخر الذي يشتهي أن يرى صورته المقهورة والمتخلفة فيك مما يضطرك إلى ترك أرضك والذهاب بعيداً نحو أرض أخرى، وربما كانت الكتابة والفن هي وطنك الموازي؟ هل المنفى إذاً هو الارتحال عن أرضك، التي ليست هي أرضك الأولى، باتجاه أرض أخرى يفترض أن تمنحك الأمان والمحبة وبعضاً من الراحة والحرية خصوصاً، لأن التنقل لو اختزل في الرغبة في العيش والاستمرار في الحياة، يفقد معانيه العميقة والحية، فالمشكلة ليست في الحفاظ على النوع لأنه آيل إلى الزوال ويحمل موته ضمن رصيده الجيني الثابت؟ عن أي شيء يبحث الكاتب إذاً وهو يغسل يديه من وطن ورثته له التربة وخطابات الأهل والساسة المحنكون؟ عن وطن الحياة الكريمة؟ عن وطن العيش الحر، حيث يمشي ولا يلتفت وراءه كلما سمع وقعاً خشناً لأحذية لم يتعود سماعها؟ عن وطن الكتابة الذي ينشئ فيه كل حياته الموازية الجميلة؟ وإذاً ما هي الخسارات اللاحقة المتولدة عن هذا الترحيل القسري من أرضه الصغيرة التي نبت في حدائقها كأية زهرة باتجاه توطين ليس دائماً فعلاً هيناً؟ وماذا يمنح له هذا التنقل من اكتشافات جديدة يحافظ بها على الاستمرارية بمعناها الوجودي وليس البيولوجي فقط؟ منفاي كذلك في تعقد الأسئلة الوجودية التي أشعر بنفسي معنياً بها بقوة، لأن بها كلها رائحة ما من حياتي الصغيرة التي لا أراني بدونها. المنفى كالمرض، لا يأتي دفعة واحدة، يتربى في الأعماق إلى أن يصير قنبلة موقوتة تنفجر حين تشاء، ربما كان أقرب مرض له هو السرطان الذي يدمر الداخل بلا ضجيج. المصدر: (واسيني الأعرج/ باريس) مجلة المعرفة | *أحمد عزو | 20 - أبريل - 2009 |
 | اليوم الذي ضاعت فيه كلوديا شيفر     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
كنا في آخر النهار ، وكنت أجدّ في السير عائدة إلى البيت وأنا أحسب خطواتي لأنني كنت على موعد مع طبيب العيون ، إنما كان يتوجب عليّ أن أمر على البيت أولاً لاصطحاب ابنتي بعد عودتها من المدرسة فالزيارة كانت بخصوصها ، حين استوقفتني امرأة بمتوسط العمر وهي تبكي بكاءاً حاراً ، ثم توسلت إلي بأن أساعدها . كانت تبدو عليها معالم النكبة والإحباط وهي ترسل دموعها مدرارة فوق وجهها كأنها الأم المفجوعة . راعني المشهد ، وتسمرت في مكاني ، فأنا لم أر في حياتي كلها فرنسية تبكي بهذا الشكل . للحال ، ودون أن أعرف السبب ، شعرت بالتضامن معها ، وكان بإمكانها أن تطلب مني أي شيء في تلك اللحظة ، أي شيء مهما كان ثمنه غالياً بنظري لأن مشهد بكائها أثار في نفسي من العواطف ما هو كفيل بأن يجعل مني إنسانة بغاية الشجاعة والاندفاع والرغبة في التضحية من أجل الآخرين . في ذات اللحظة ، تملكتني رغبة لا تقاوم لمعرفة سبب نحيبها ، فهي تبدو امرأة غنية ولن تطلب مني مساعدة مادية ، لذلك رحت أتوقع منها حكاية تشبه الكوارث التي أعرفها وسبق لي معاينتها ، كأن تكون قد أضاعت ولدها ، أو خسرت عزيزاً غالياً ، أو يكون بيتها قد احترق ، أو يكون زوجها قد ألقى بها إلى الطريق ولا يوجد معها نقود لتتصل بالتلفون ... لكن ، وقبل أن أسترسل في تخيلاتي المأساوية ، إذا بها تسألني عن أقرب عيادة طب بيطري في الحي ، لأنها لا تعرفه ، ولأنها قد أضاعت كلبة ابنها وتبحث عنها !
ثم أخذت تشرح لي الحكاية ، وكيف أن ابنها اضطر لأن يسافر في رحلة قصيرة ، وكيف اضطرت للحضور إلى هنا للاعتناء بكلبته بعد أن أصر على أن تأتي بنفسها إلى البيت ، قالت ، لأنه لا يريد لمدللته أن تعاني من الغربة عن منزلها إلى جانب غيابه عنها . لكن ، وبسبب أنها لا زالت صغيرة السن ومراهقة حرونة ، أفلتت من يدها أثناء النزهة وهربت .
أرشدتها إلى عيادة الطبيب البيطري الذي أعرفه في حينا ، وأنا أتحسر على حماستي الضائعة ، وأبكي على لهفتي الحمقاء ، وأعلم بأنه متخصص بالعصافير والببغاءات ، لكن المتعارف عليه هنا هو أن من يجد حيواناً ضالاً عليه أن يوصله إلى أقرب عيادة طب بيطري ، لذلك كان من الممكن أن تجدها عنده ، ثم تركتها وانصرفت .
عندما دخلت إلى البيت ، كانت آثار الدهشة والخيبة لا تزال بادية على وجهي فسألني زوجي : " ما بك ؟ " ، قلت له بأنني التقيت بفرنسية تبكي بكاءاً مراً لم أر واحدة غيرها تفعل مثله في هذا البلد " فتخـَيـَّل لماذا ؟ " سألته ، " لأن كلبها قد مات ! " أجابني ببرود .
صعقت من كلامه الذي زاد من حنقي على نفسي ، ورحت أتساءل : " إلى متى سوف أظل بهذه السذاجة ؟ ومتى سأشفى منها ؟ " بل شعرت بأنني مغفلة بكل معنى الكلمة ، فقررت أن أسارع بتجهيز ابنتي وأنا أحاول التركيز على ما هو ضروري ومفيد بدلاً من تلك الهلوسات الفارغة التي لا طائل منها ، وقررت بأن أنسى تلك الحكاية السمجة والسخيفة التي عكرت مزاجي .
استغرقت زيارتنا للطبيب حوالى الساعة أو أكثر بقليل ، بالإضافة إلى الوقت الذي أمضيناه في البيت ورحلة الطريق التي تتطلب ربع ساعة مشياً على الأقدام . وعند خروجنا من العيادة ، كانت المفاجأة التي أعادتني رغماً عني إلى أجواء هذه القصة لأنها كانت قد اجتاحت الحي كله : الطريق من العيادة إلى البيت ، وعلى جانبي الرصيف ، كانت حيطانها مزروعة بملصقات تحمل صورة الكلبة الضائعة ! أعمدة الكهرباء ، كشك الهاتف ، موقف الباص ، كلها كانت تحمل تلك الصورة ، مع أن هذا ممنوع قانوناً ! والمارة الذين كانوا يروحون ويغدون على الرصيف ، كان بعضهم يتوقف أمام ذلك الإعلان ليقرأه . كيف استطاعت خلال ذلك الوقت الضيق إنجاز هذا الإعلان ولصقه في كل مكان ؟ سألت نفسي .
الإعلان كان يحمل صورة الكلبة بحيث يظهر منها وجهها وأذناها اللتان تتدليان على جانبيه وهي تميل برأسها بدلال . ومن لم ير تلك الصورة فلن يفهم قطعاً مشاعري حيالها ، لأن وضعية التصوير ، والالتفاتة الساحرة ، والنظرة الفاتنة التي كانت تنظر من خلالها إلى عدسة المصور لا تليق إلا بأحلى عارضات الأزياء ، حتى أنني قلت في نفسي " لو أن كلوديا شيفر رأت هذه الصورة لغارت منها حتماً " . كان الإعلان يحمل أيضاً رقم الهاتف ووعداً بمكافأة مالية كبيرة لمن يعثر على الكلبة الضالة ، لكني للأسف ، لم أر تلك النجمة الساطعة إلا على الحائط فقط .
| *ضياء | 5 - مايو - 2009 |