البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 80  81  82  83  84 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الشيء بالشيء يذكر    كن أول من يقيّم
 
صباح الخير أستاذنا الجليل الدكتور يحيى وتحياتي القلبية للوالدة الصابرة وكل من أفراد عائلتكم الكريمة :
نعم يا أخي يا دكتور يحيى ، هناك آهات في كل بيت ، رحم الله موتاكم ، وتقبل منا ومنكم الدعاء للأمهات الصابرات اليوم في غزة ، وأعزَّ المجاهدين والمرابطين من الرجال الذين يذودون عن شرف هذه الأمة . المقاومة بدأت عروبية ، ثم تحولت إلى اليسار ، وهي اليوم إسلامية ، إنما القلب واحد .
كنت أشاهد التلفزيون ، كما تشاهدونه جميعاً ، وأشعر بما يشعره كل عربي ، بل بما يشعره كل إنسان من روح ودم ، من غضب وثورة وإحساس بالعجز حيال هذه المشاهد المؤلمة ، لأن الظلم واقع وهو ليس بحاجة لحجة أو دليل لكي نراه ونشعر به . وكنت أرى ضمن المشاهد الكثيرة التي تمر من أمامنا في وقت واحد ، صبياً ، في العاشرة ربما من عمره ، ممدداً على سرير المستشفى ، عيناه في الفضاء تنظران إلى البعيد بهدوء غريب ، بينما هو ينزف ويحاولون إسعافه . قلت في نفسي بأنه لم يعد معهم وأنه أصبح في مكان آخر ، وبأنه يرى النجوم التي رأيتها يوماً . نظرته الهادئة كانت تدل على أنه قد فارق الحياة وأنه لم يكن يشعر بأي ألم . ثم رأيته بعد لحظات ، جثة هامدة ملقاة على الأرض ، ولا بد أنهم قد احتاجوا السرير ليسعفوا فيه جريحاً آخر ، وللضرورة طبعاً أحكامها في هذه الظروف .
تحياتي لكم مجدداً ولكم الشكر الجزيل .
 
*ضياء
6 - يناير - 2009
ورقة من غزة : غسان كنفاني    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
ورقــة مــن غــزة
 
 غسان كنفاني :

عزيزي
استلمت رسالتك الآن، وفيها تخبرني أنك أتممت لي كل ما أحتاجه ليدعم إقامتي في ساكرمنتو، وكذلك وصلني ما يشعرني أنني قُبلت في فرع الهندسة المدنية في جامعة كاليفورنيا، لا بد لي يا صديقي من شكرك على كل شيء، لكن سيبدو لك غريبا بعض الشيء، أن أزف لك هذا النبأ، وثق تماما يا مصطفى انني لا أشعر بالتردد قط، بل أكاد اجزم انني لم أر الامور بهذا الوضوح اكثر من الساعة، لا يا صديقي .... لقد غيرت رأيي، فأنا لن أتبعك إلى حيث »الخضرة والماء والوجه الحسن« كما كتبت، بل سأبقى هنا، ولن أبرح أبداً.
انه لشيء يزعجني حقيقة، يا مصطفى، ان لا نكمل ذلك الجريان لحياتينا في خط واحد، فإني أكاد اسمعك تذكرني بعهدنا على الاستمرار معا، وكيف كنا نهتف: »سنصير أغنياء«، ولكن يا صديقي ليس في يدي حيلة، نعم، إنني لا زلت أذكر تماما يوم وقفت في ساحة المطار في القاهرة، اشد على يدك واحدق بالمحرك المجنون، كان كل شيء ساعتئذ يدور مع المحرك ذلك الدوران الصاخب، وكنت انت تقف امامي، بوجهك المليء الصامت، لم يتغير وجهك عن الوجه الذي نشأت به في حي »الشجعية« في غزة، لولا هذه الغضون المسطحة، لقد نشأنا معا، وكان واحدنا يفهم الآخر تمام الفهم، وتعاهدنا على الاستمرار معاً إلى النهاية..
ولكن:
ـ »بقي ربع ساعة وستقلع الطائرة، لا تحدق هكذا باللاشيء، اسمعني، ستذهب في العام القادم الى الكويت، وستوفر من راتبك ما يقتلعك من غزة الى كاليفورنيا، لقد بدأنا معا، ويجب ان نستمر..«.
وكنت لحظتذاك ارقب شفتيك وهما تتحركان بسرعة، هكذا كانت طريقتك في الكلام: لا فواصل ولا نقط، لكنني كنت أحس إحساساً غامضاً انك غير راض تماما عن هروبك، لم تكن تستطيع ان تعد ثلاثة اسباب وجيهة لهذا الهروب، وكنت أعاني انا ايضا من هذا التمزق، ولكن الشعور الاوضح كان: لماذا لا نترك هذه الغزة ونهرب.. لماذا؟ الا ان وضعك كان قد اخذ يتحسن: فلقد تعاقدت معك معارف الكويت دون ان تتعاقد معي، وفي غمرة من البؤس الذي كنت اعيش فيه، كانت تصلني منك في بعض الاحيان مبالغ صغيرة، كنت تريدني ان اعتبرها ديناً، خوف ان اشعر بالصغار، لقد كنت تعرف ظروفي العائلية تماماً، وكنت تعرف ان راتبي الضئيل في مدارس وكالة الغوث الدولية لم يكن يكفي لإعالة امي، وزوجة اخي الارملة واولادها الاربعة.
ـ »اسمعني جيدا، اكتب لي كل يوم.. كل ساعة.. كل دقيقة، لقد اوشكت الطائرة ان تطير، استودعك الله، بل اقول الى اللقاء.. الى اللقاء«.
ومست شفاهك الباردة وجنتي، وادرت عني وجهك ميمماً شطر الطائرة، وعندما التفت الي مرة ثانية كنت أرى دموعك..
وبعدها تعاقدت معي معارف الكويت، لا داعي لان أكرر عليك كيف كانت تجري تفاصيل حياتي هناك، فلقد كنت اكتب لك دائما عن كل شيء، كانت حياتي دبقة، فارغة، كمحارة صغيرة: ضياع في الوحدة الثقيلة، وتنازع بطيء مع مستقبل غامض كأول الليل، وروتين عفن، ونضال ممجوج مع الزمن، كل شيء كان لزجاً حاراً، كانت حياتي كلها زلقة، كلها توق الى آخر الشهر!
وفي منتصف العام، ضرب اليهود مركز الصبحة و قذفوا غزة، بالقنابل واللهب، كان يمكن ان يغير لي هذا الحدث شيئاً من الروتين، لكنه لم يكن لي أن آبه كثيرا: فأنا سأخلف هذه الغزة ورائي، وسأمضي إلى كاليفورنيا أعيش لذاتي التي تعذبت طويلاً، إنني أكره غزة، ومن في غزة، كل شيء في البلد المقطوع يذكرني بلوحات فاشلة رسمها بالدهان الرمادي إنسان مريض، نعم، لقد كنت ارسل لامي، ولأرملة أخي وأولادها، مبالغ ضئيلة تعينهم على الحياة، لكنني ـ أيضا ـ سأتحرر من هذا الخيط الاخير، هناك، في كاليفورنيا الخضراء البعيدة عن رائحة الهزيمة التي تزكم انفي منذ سبع سنوات.. ان الشفقة التي تربطني بأولاد اخي وامهم وامي، لا تكفي ابدا لتبرير جريان مأساتي هذا الجريان الشاقولي.. لا يمكن ان تشدني الى تحت.. اكثر مما شدتني.. يجب ان اهرب!
انت تعرف يا مصطفى هذه الأحاسيس، لانك عشتها فعلاً: ما هذا الشيء الغامض الذي كان يربطنا الى غزة فيحد من حماسنا الى الهروب؟ لماذا لا نشرح الأمر تشريحاً يعطيه معنى واضحاً، لماذا لا نترك هذه الهزيمة، بجراحها، ونمضي الى حياة أكثر ألواناً وأعمق سلوى... لماذا؟ لم نكن ندري بالضبط!
وعندما أخذت إجازتي في حزيران، وجمعت كل ما أملك توقاً الى الانطلاقة الحلوة، الى هذه الاشياء الصغيرة التي تعطي الحياة معنى لطيفاً ملوناً، وجدت غزة كما تعهدها تماماً: انغلاقاً كأنه غلاف داخلي، ملتف على نفسه، لقوقعة صدئة قذفها الموج الى الشاطئ الرملي اللزج قرب المسلخ، غزة هذه، أضيق من نفس نائم اصابه كابوس مريع، بأزقتها الضيقة، ذات الرائحة الخاصة، رائحة الهزيمة والفقر، وبيوتها ذوات المشارف الناتئة.. هذه غزة، لكن ما هي هذه الأمور الغامضة، غير المحددة، التي تجذب الإنسان لأهله، لبيته، لذكرياته، كما تجذب النبعة قطيعاً ضالاً من الوعول، لا اعرف! وكل الذي اعرف انني ذهبت لأمي في دارنا ذلك الصباح، وهناك قابلتني زوجة أخي المرحوم ساعة وصولي، وطلبت مني، وهي تبكي، أن ألبي رغبة ناديا، ابنتها الجريحة في مستشفى غزة، فأزورها ذلك المساء. أنت تعرف ناديا ابنة أخي الجميلة ذات الأعوام الثلاثة عشر؟
في ذلك المساء اشتريت رطلاً من التفاح ويممت شطر المستشفى أزور ناديا.. كنت اعرف ان في الأمر شيئاً أخفته عني امي وزوجة اخي، شيئا لم تستطيعا ان تقولانه بألسنتهما.. شيئا عجيبا لم استطع ان احدد أطرافه البتة! لقد اعتدت ان احب ناديا، اعتدت ان احب كل ذلك الجيل الذي رضع الهزيمة والتشرد، الى حد حسب فيه ان الحياة السعيدة ضرب من الشذوذ الاجتماعي.
ماذا حدث في تلك الساعة؟ لا أدري!
لقد دخلت الغرفة البيضاء بهدوء جم، ان الطفل المريض يكتسب شيئاً من القداسة فكيف إذا كان الطفل مريضا اثر جراح قاسية مؤلمة؟ كانت ناديا مستلقية على فراشها، وظهرها معتمد على مسند ابيض انتثر عليه شعرها، كفروة ثمينة، كان في عينيها الواسعتين صمت عميق، ودمعة هي أبداً في قاع بؤبؤها الأسود البعيد، ووجهها كان هادئاً ساكناً، لكنه موح كوجه نبي معذب، لا زالت ناديا طفلة، لكنها كانت تبدو أكثر من طفلة، أكثر بكثير، وأكبر من طفلة، أكبر بكثير..
ـ ناديا..
لا أدري، هل انا الذي قلتها أم إنسان آخر خلفي، لكنها رفعت عينيها نحوي، وشعرت بهما تذيبانني كقطعة من السكر سقطت في كوب شاي ساخن، ومع بسمتها الخفيفة، سمعت صوتها:
ـ عمي.. وصلت من الكويت؟
وتكسر صوتها في حنجرتها، ورفعت نفسها متكئة على كفيها ومدت عنقها نحوي فربت على ظهرها، وجلست قربها:
ـ ناديا، لقد أحضرت لك هدايا من الكويت، هدايا كثيرة سأنتظرك الى حين تنهضين من فراشك سالمة معافاة، وتأتين لداري فأسلمك إياها، ولقد اشتريت لك البنطال الأحمر الذي أرسلت تطلبينه مني.. نعم.. لقد اشتريته.
كانت كذبة ولدها الموقف المتوتر، وشعرت وأنا ألفظها كأنني أتكلم الحقيقة لأول مرة، اما ناديا فقد ارتعشت كمن مسه تيار صاعق، وطأطأت رأسها بهدوء رهيب، وأحسست بدمعها يبلل ظاهر كفي:
ـ قولي يا ناديا.. الا تحبين البنطال الاحمر؟
ورفعت بصرها نحوي، وهمت أن تتكلم، لكنها كفت، وشدت على أسنانها، وسمعت صوتها مرة أخرى من بعيد:
ـ يا عمي!
ومدت كفها، فرفعت بأصابعها الغطاء الابيض، واشارت الى ساق مبتورة من أعلى الفخذ..
يا صديقي..
أبداً لن أنسى ساق ناديا المبتورة من أعلى الفخذ، لا، ولن أنسى الحزن الذي هيكل وجهها واندمج في تقاطيعه الحلوة إلى الأبد.. لقد خرجت يومها من المستشفى إلى شوارع غزة، وأنا أشد باحتقار صارخ على الجنيهين اللذين أحضرتهما معي لأعطيهما لناديا، كانت الشمس الساطعة تملأ الشوارع بلون الدم.. كانت غزة، يا مصطفى، جديدة كل الجدة، أبداً لم نرها هكذا انا وانت: الحجارة المركومة على اول حي الشجعية، حيث كنا نسكن، كان لها معنى كأنما وضعت هناك لتشرحه فقط، غزة هذه، التي عشنا فيها ومع رجالها الطيبين سبع سنوات في النكبة كانت شيئاً جديداً، كانت تلوح لي انها.. انها بداية فقط، لا ادري لماذا كنت أشعر أنها بداية فقط، كنت أتخيل أن الشارع الرئيسي، وأنا أسير فيه عائداً إلى داري، لم يكن الا بداية صغيرة لشارع طويل طويل يصل الى صفد، كل شيء كان في غزة هذه ينتفض حزنا على ساق ناديا المبتورة من أعلى الفخذ، حزناً لا يقف على حدود البكاء، انه التحدي، بل وأكثر من ذلك، انه شيء يشبه استرداد الساق المبتورة!..
لقد خرجت إلى شوارع غزة، شوارع يملؤها ضوء الشمس الساطع، لقد قالوا لي إن ناديا فقدت ساقها عندما ألقت بنفسها فوق أخوتها الصغار تحميهم من القنابل واللهب وقد انشبا اظفارهما في الدار، كان يمكن لناديا أن تنجو بنفسها، ان تهرب.. ان تنقذ ساقها، لكنها لم تفعل..
لماذا؟

لا يا صديقي! لن آتي لسكرمنتو، وانا لست آسفاً البتة، ولا ولن أكمل ما بدأناه معاً منذ طفولتنا: هذا الشعور الغامض الذي أحسسته وأنت تغادر غزة.. هذا الشعور الصغير يجب أن ينهض عملاقاً في اعماقك.. يجب أن يتضاخم، يجب أن تبحث عنه كي تجد نفسك.. هنا بين انقاض الهزيمة البشعة..
لن آتي اليك.. بل عد أنت لنا.. عد.. لتتعلم من ساق ناديا المبتورة من أعلى الفخذ، ما هي الحياة.. وما قيمة الوجود.
عد يا صديقي.. فكلنا ننتظرك..

الكويت ـ ١٩٥٦
من مجموعة »أرض البرتقال الحزين
«
 
* عن السفير بتاريخ 16 كانون الثاني 2009
*ضياء
16 - يناير - 2009
وجه بين حذائين : محمد الماغوط    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
 
نـُشرت هذه القصيدة في مجلة حوار التي كان يصدرها توفيق صايغ في بيروت في العدد الثاني من السنة الأولى ( كانون الثاني ) من العام 1963  
 
وجه بين حذائين 
 
محمد الماغوط
 
 
القلوب الوحيدة تقذف من النوافذ
النهود المهجورة تقذف من الحافلات
تمد رأسها من النافذة وتبكي
كلمات أرددها كالمجنون
في المقاهي والحوانيت
تحت النجوم وتحت بصاق الملايين
دون أن يفهمني أحد
لا طفل ولا طائر
لا وحش ولا إنسان
من الصباح إلى المساء وذقني ترتجف
وأنا أغني :
لقد ضاع زمن النبوغ والانزلاق على السلالم الطويلة
القمل على الأزهار
القمل على حطام الطائرات
 
 
يخيل إلي أنني أتهاوى على الأرصفة
سأموت عند المنعطف ذات ليلة
وأصابعي تتلوى على المحارة كديدان التفاح
إنني أرى نهايتي
ألمح خنجراً ما في الظلام مصوباً إلى قلبي
عربة مطفأة
تنقل أوراقي وطاولتي إلى عرض الصحراء
 
 
ستهب ريح قوية حينذاك
تداعب أظافري القصيرة
وتكنس قصائدي كقشور الخضراوات
ستنبت من لحمي آذان طويلة
أسمع من خلالها الضربات الأخيرة لشعبي
أسمع موسيقى الأبواب المخلعة
وهي تُغلق بالحراب
بالأصابع المجمدة على أطراف الشوارب
سأتأمل قدم الشرطي الغائصة في الوحل
وهي تقلب وجهي على الجانبين
ليعرف من أنا
من هذا الغريب الميت في شوارعنا ؟
 
 
وعندما تهدأ رئتاي
وتغمضان كعينين جميلتين
ويمتلىء صدري برائحة المطر والجدران الوحيدة كالأنياب
وما من جديلة تبعثرها الريح فوق وجهي
وما من حلمة تسقط كالدمعة فوق الصفحات
سأبكي بمرارة
سأعض الأرض التي أهانتني
سأغرس أسناني حتى اللثة في الأرض التي شردتني
وأتذكر الأمشاط القذرة
والنهود المتشابكة كالأغصان في المنفى
وأمي التي تنتظر أوبتي من النافذة
كأنني فراشة أو ذبابة
 
 
سأمرر يدي على خطوط الحافلات
وهي تبكي تحت ورق الخريف
على الأرصفة التي تسكعت عليها
والأعمدة العديدة التي اتكأت عليها
وأسمع قلبي وهو يهتف من أعماق الأرض المذنبة :
انتقم لبأسك وكفاحك
تذكَّر دموعك في باحة المدرسة
وأصابعك التي اهترأت على قبضات الحقائب
تذكَّر شقيقاتك النحيلات
وآذانهن المثقوبة بالخيطان
ومت هكذا بين البحر والصحراء
بين الوحل وقمامات الأشعار
أيها الفلاح الذي له عجرفة الملوك
 
 
آه أيها المطر
يا غباراً من الحبر والدموع
يخيل لي أنني أكثر الأموات أنيناً وكلاماً
لقد جئت متأخراً إلى هذا العالم
كزائر غريب بعد منتصف الليل
كان يجب أن أحلِّق مع أولئك الرومانسيين القدامى
ذوي اللحى المتهدلة
والياقات التي يأكلها العثّ
أن أعيش تلك الأيام الغابرة
سمكة أو ملاَّحاً أو صولجاناً
أقطن عند أولئك المرابيات الشقراوات
في غرفة من القرميد الأحمر
جواريرها من الأزهار
وجدرانها من مناقير البلابل وعيون الأطفال
أحمل دواتي وكتبي خلف ظهري
وهراوة في حزامي
وأمضي داخل الغابات الخضراء
في الضباب والأوحال والمستنقعات
أحتسي الخمر
وآكل الحشائش والطيور النائمة
وأُقذف مع زجاجتي ومحبرتي
كل ليلة خارج الحانات
 
 
 
*ضياء
4 - فبراير - 2009
مزامير الماغوط    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لم أتمالك بريق  الإغراء الذي تعج به نبوءة محمد الماغوط هذه، قصيدة كأنها نافذة على مزامير داود ونشيد الإنشاد، التقطت أنفاسي ونظرت في الأفق لأرى السماء تمطر بصور الماغوط وفراشاته اللازوردية وشهواته السريالية والتكعيبية إلى حد السكر:
انصبوا مشقنتي عالية عند الغروب ...
عندما يكون قلبي هادئا كالحمامة ...
 جميلا كوردة زرقاء على رابية...
أود أن أموت ملطخا، وعيناي مليئتان بالدموع..
لترتفع إلي الأعناق ولو مرة في العمر..
في طفولتي كنت أحلم بجلباب خطط بالذهب، وجواد ينهب في الكروم والتلال الحجرية..
أما الآن وأنا أتسكع تحت نور المصابيح..
أنتقل كالعواهر من شارع إلى شارع...
أشتهي جريمة واسعة وسفينة بيضاء تلفني بين نهديها المالحين إلى بلاد بعيدة، حيث في كل خطوة حانة وشجرة خضراء وفتاة خلاسية تسهر وحيدة مع نهدها العطشان...
أظنها من الوطن هذه السحابة المقبلة كعينين مسيحيتين... اظنها من دمشق هذه الطفلة المقرونة الحواجب،،، هذه العيون الأكثر صفاء من نيران زرقاء بين السفن...
أيها الحزن،، يا سيفي الطويل المجعد،، الرصيف الحامل طفله الأشقر يسأل عن وردة أو أسير، عن سفنية وغيمة من الوطن، والكلمات الحرة تكتسحني كالطاعون،،،لا امرأة لي ولا عقيدة،،، لا مقهى ولا شتاء،، ضمني بقوة يا لبنان..
أحبك أكثر من جندي عاري الفخذين يشعل لفافته بين الأنقاض ...ليتني وردة ورية في حديقة ما، يقطفني شاعر كئيب في اواخر النهار،،، أو حانة من الخشب الأحمر يرتادها المطر والغرباء، ومن شبابيكي الملطخة بالخمر والذباب تخرج الضوضاء الكسولة إلى زقاقنا الذي ينتج الكآبة والعيون الخضر ،،، أشتهي أن أكون صفصافة خضراء قرب كنيسة، أو صليبا من الذهب على صدر عذراء تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى، وفي عينيها الجميلتين ترفرف حمامتان من بنفسج، أشتهي أن أقبل طفلا صغيرا في باب توما ومن شفتيه الورديتين تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه،،، من قديم الزمان وأنا أرضع التبغ والعار، وأحب الخمر والشتائم والشفاه التي تقبل ماري: ماري التي كان اسمها أمي حارة كالجرب،، سمراء كيوم طويل غائم، أحبها ، اكره لحمها المشبع بالهمجية والمطر، أربض عند عتبتها كالغلام وفي صدري رغبة مزمنة تشتهي ماري كجثة زرقاء تختلج بالحلي والذكريات،،، انا من الشرق،، من تلك السهول المغطاة بالشمس والمقابر،، احب التسكع والثياب الجميلة ويدي تتلمس عنق المرأة الباردة وبين أهدابها العمياء ألمح دموعا قديمة تذكرني بالمطر،،،،أنا لم أجع صدفة ولم أتشرد ترفا أو اعتباطا،،، ما من سنبلة في التاريخ إلا وعليها قطرة من لعابي،، أعرف أن مستقبلي ظلام وانيابي شموع، وأعرف أن حد الرغيف سيغدو بصلابة الحجر وأن نهر الجائعين سوف يهدر ذات يوم بأشرعته الدامية وفرائصه الغبراء... أنا نبي لا ينقصني إلا اللحية والعكاز والصحراء، ولكنني سأظل شاكي السلاح في "قادسية العجين" في "واترو الحساء" التي يخوضها العالم،، هكذا خلقني الله ،، في دمي رقصة الفالس، وفي عظامي عويل كربلاء، وما من قوة في العالم ترغمني على محبة ما لا أحب وكراهية ما لا أكره، ما دام هناك تبغ وثقاب وشوارع .. محال محال ان أتخيل نفسي إلا نهرا في صحراء، أو سفينة في بحر، أو قردا في غابة يقطف الثمار الفجة ويلقي بها على رؤوس المارة وهو يقفز ضاحكا مصفقا من غصن إلى غصن
سلمية: الدمعة التي ذرفها الرومان،، على أول أسير فك قيوده بأسنانه، ومات حنيناً إليها،،، سلمية: الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا وهي تلهو بأقراطها الفاطمية وشعرها الذهبي ،وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين ، دميتها في البحر وأصابعها في الصحراء،، يحدها من الشمال الرعب، ومن الجنوب الحزن ومن الشرق الغبار، ومن الغرب الأطلال والغربان،، كعيون حزينة في قطار نوافذها مفتوحة أبداً
كأفواه تنادي ...أفواه تلبي النداء
في كل حفنة من ترابها جناح فراشة أو قيد أسير ،حرف للمتنبي أو سوط للحجاج
أسنان خليفة أو دمعة يتيم ،،،زهورها لا تتفتح في الرمال لأن الأشرعة مطوية في براعمها ،،،لسنابلها أطواق من النمل ولكنها لاتعرف الجوع أبداً ،لأن أطفالها بعدد غيومها لكل مصباح فراشة ،ولكل خروف جرس ،ولكل عجوز موقد وعباءة
ولكنها حزينة أبداً ،لأن طيورها بلا مأوى....
أقسم بليالي الشتاء الطويلة أني مع أول عاصفة تهب على الوطن سأصعد أحد التلال القريبة من التاريخ،وأقذف سيفي إلى قبضة طارق ورأسي إلى صدر الخنساء وقلمي إلى أصابع المتنبي،وأجلس عارياً كالشجرة في الشتاء ، حتى أعرف متى تنبت لنا أهداب جديدة، ودموع جديدة)
تذكرت مزامير الماغوط هذه التي قرأتها منذ أكثر من ثلاثين عاما.
 وتذكرت كلمات زوجته المرحومة الشاعرة الثائرة سنية صالح التي كان فراقها قاصمة الظهر بالنسبة له، وأقتبس هنا قولها في تقديمها لديوان زوجها:
(مأساة محمد الماغوط أنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط، ومنذ مجموعته الأولى (حزن في ضوء القمر) وهو يحاول إيجاد بعض الكوى، او توسيع ما بين قضبان النوافذ ... وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير الواقع وحيدا لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر .... وعندما قدمه أدونيس في إحدى اجتماعات مجلة (شعر) المكتظة بالوافدين، وقرأ بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم دون أن يعلن عن اسمه، وترك المستمعين يتخبطون (بودلير ... رامبو ؟) لكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول، غير أنيق، أشعث الشعر وقال: (هو الشاعر محمد الماغوط) ... يعتبر محمد الماغوط من أبرز الثوار الذين حرروا الشعر من عبودية الشكل، ودخل ساحة المعركة حاملا في مخيلته ودفاتره الأنيقة بوادر قصيدة النثر كشكل مبتكر وجديد، وحركة رافدة لحركة الشعر الحديث، كانت الرياح تهب حارة في ساحة الصراع والصحف غارقة بدموع الباكين على مصير الشعر حين نشر قلوعه البيضاء الخفاقة فوق أعلى الصواري) 
*زهير
9 - فبراير - 2009
و قمح    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
كنتَ قد طلبتَ مني اليوم أستاذي أن أتابع في بناء ملف الفلسفة والموسيقى ، لكني عندما دخلت لأقرأ هذه القصيدة الأخيرة لمحمد الماغوط التي نقلتها لنا مشكوراً ، شعرت بأن الموسيقى تنبعث منها ، وراح  إيقاعها ونغماتها يتصعدان داخل روحي بما يشبه حركة البحر ، كأنها ألحان أعرفها ، دفينة في أعماق نفسي صارت تترجع في صدري آتية من البعيد البعيد الذي يراه ويسمعه الماغوط ، دون أن أعرف إذا ما كان ذلك البعيد خلفي أم أمامي ، فكأنني أنا هو وكأنني امتداد لتلك الأصوات التي أسمعها وهي تخترق مساماتي ، كأنني أنا النهر والرمل والصحراء وعواء الذئاب وسنابك الخيل وغارات البدو الجياع وخوذات الرومان وسنابل القمح وانحناءة الحصادين وقد هدهم التعب يضربون الوقت بمناجلهم بحركة رتيبة وهم يشدون بقبضاتهم على ما حوته أيديهم ويتقدمون ببطء في ذلك الامتداد الشاسع الذي يتكرر موسماً بعد موسم ولا نرى نهايته ، إيقاعاً أزلياً بعمر العذاب والشقاء والخيبة والمرارة التي يعانيها ابن الإنسان على الأرض . سمعت لحناً رتيباً يتردد يشبه تلك المقطوعة التي كتبها زياد الرحباني ، أو الكنعاني لو شئت ، وسمَّاها " و قمح " وهي لا بد الموسيقى عينها :
 
 
 
أتمنى على الأستاذ هشام أن يشارك بالتعليق لأنني أتمنى معرفة رأيه ولأنه أدرى منا جميعاً بالماغوط ولأنه يسمع جيداً جداً ما لا نسمعه أحياناً .
 
*ضياء
9 - فبراير - 2009
راوول .. فيروز..والعربية..    كن أول من يقيّم
 
 
 
 
 
 
* مقتطف من حوارمنشور بجريدة الصباح المغربية لهذا اليوم .
من إخراج ندى عبد الحفيظ .
 
*abdelhafid
13 - فبراير - 2009
من الحسيمة إلى كفر حالا    كن أول من يقيّم
 
صباح الخير :
شكراً لسفير الورود وندى بسكور هذه الإضافة الجديدة وتحياتي لكم مع زكرياء والسيدة نجاة . تجدين يا ندى في الرابط الموجود في التعليق السابق ( و قمح ) على يمين الصفحة لائحة بأسماء المسرحيات والألبومات الغنائية ، وستجدين أغنية " يا رايح ع كفر حالا " في مسرحية " يعيش يعيش " ، حبذا لو استمعت إليها فأنا أجد الشبه كبيراً بينك وبينها .
*ضياء
14 - فبراير - 2009
تاريخ يتكرر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أسكتني الألم كما أسكت غيري , فجلستُ عاجزاً أتابع الأخبار , وأحياناً أهرب منها , وأحياناً يجافيني النوم في التفكر في واقعٍ سقطتْ الأمة فيه من ضعف حكامها , واهتمامهم بكراسيهم ومصالحهم , وجعل مصلحة الأمة أو( مصلحة الوطن ) من النوافل , فلماذا ابتُلينا على مر التاريخ بهؤلاء الذين يجروننا للخلف , ويكتمون على أنفاسنا ؟؟
هي دائرة فعلاً ؟  , , ,  وقد علقنا بها دون إرادةٍ منا , ودون قدرةٍ على الخلاص ؟ أم أن محاولاتٍ ناجحة نراها تارةً في جنوب لبنان , وتارةً في غزة تجعلنا أكثر تفاؤلاً في القادم من الأيام  ؟
  أما أنا فغيرُ متفائلٍ , فكلما رأينا رايةً تُرفعُ لكسر الواقع , وإنقاذ الأمة , نرى عشر راياتٍ بيض تُرفعُ خانعةً عاجزةً تستجدي المفاوضات والتسويات لضمان مصالح آنية , , ,
  التاريخُ يُعيد نفسه إذاً , والشعوبُ هي الضحية الدائمة .
عندما حشدتْ أوروبا جيوشها للقيام بالحملة الصليبية الأولى كيف كان حال بلاد المسلمين ؟
كانت البلاد مهيأة للهزيمة , فقد كانت عبارة عن مجموعة إقطاعيات وإمارات متنافرة متقاتلة تتنافس فيما بينها , وتتنافس على التحكم بالناس ففي أنطاكية الأمير سيان , وفي مملكة حلب الملك رضوان , وفي مملكة دمشق أخوه دقاق , وفي حمص شمس الدولة جناح بن ملاعب و وفي حماة الأمير سلمان وفي الموصل الأمير كربوغا , والدولة العباسية ببغداد , والدولة الفاطمية في القاهرة ,,,,,
وبدأ الصليبيون بأنطاكية  وكانت حلب أقرب الإمارات إليها لكنها لم تنجدها , ذلك أن رضوان ملك حلب كان مشغولاً بحربه مع أخيه دقاق ملك دمشق , والذي بدوره راسل الصليبيين الذين وعدوه بعدم خلعه , فقد كان رضوان يطمع في زيادة ملكه وانتزاع دمشق من أخيه , أما ملك أنطاكية الفاجر فلم يفعل شيئاً وترك الأمر للسكان الذين قاوموا إلى آخر رمق قبل أن تنزل فيهم المذبحة الكبرى بعد دخول الصليبيين للمدينة , ومضى الصليبيون في طريقهم إلى بيت المقدس , وما كان أمامهم من كيان واحد متماسك , بل قليل من المقاومة الشعبية التي حاولت عرقلتهم , وكانوا في طريقهم للقدس يعقدون بعض الإتفاقيات مع الحكام , ويقيمون المذابح للسكان المقاومين , حتى أنهم قتلوا مايزيد على سبعين ألفاً بالمسجد الأقصى وحده , , ,
وكان الحكام في تلك الفترة إما متعاونين مع الصليبيين لضمان بقائهم على كراسيهم , أوأنهم أضعفوا المحكومين بطغيانهم فمهدوا لسقوط البلاد بأيدي الصليبيين , , ,
    فهل واقعنا الآن مختلف ؟؟؟؟؟؟؟؟   لا أظن
*محمد هشام
15 - فبراير - 2009
غزة ... وغزوة الخندق !    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
السؤال الهام الذي ناقشه الكثيرون في الصحف , وفي محطات التلفزة : هل انتصرنا بغزة ؟؟ أم أن إسرائيل هي التي انتصرتْ ؟؟
.... ومن اللافت حقاً أننا لم نتفق على انتصاراتنا وعلى هزائمنا , ودوماً هنالك من يرغب بتحريف التاريخ كما يريد  , اختلاف الرأي نوع من الديموقراطية والحرية , أما ما حصل خلال معركة غزة الأخيرة وبعدها , فهو أمرٌ آخر , , ,
لم يكن الموضوع نقاشاً موضوعياً المراد منه الوصول للحقيقة , بل كان غالباً ما يُرادُ منه كسر عزيمة المقاومين , وكسر فكر المقاومة , وإظهار المقاومين الذين يضحون بأرواحهم , وأولادهم , وممتلكاتهم .. إظهارهم كالمقامرين والمغامرين والسذج , وأما من يبيع , ويتآمر , ويتاجر بالقضية فهم وحدهم الحكماء العاقلون , السياسيون البارعون , والمخططون العلميون , القادرون على رد العدو بالسياسة , واسترجاع الأرض بالاستجداء , حتى إن أحد قادة المنظمة حزن عندما وقف إطلاق النار فقد كان يأمل بنصر لإسرائيل يُظهر أن نهجه السياسي هو الصحيح , ولو أن هذا القائد صمت واكتفى بتجميع أملاكه ( بدبي وباريس و .. )  لكان أفضل لأعصابنا , وأفضل له , لأن التاريخ سيذكر كلماته ولن ينساها , , ,
   ونعود للسؤال الهام : من انتصر في غزة ؟
الخسائر البشرية للإسرائيليين هي أقل بكثير فهل انتصروا ؟  والجواب لا بالتأكيد الأمر لايُقاس بالخسائر البشرية فخسائر الألمان في الحرب العالمية الثانية أقل بكثير من خسائر الحلفاء , لكن الألمان خسروا الحرب ,  , و
في العلم العسكري ( كما قرأتْ في كتاب خالد بن الوليد سيف الله المسلول ) نصر المهاجم يُقاس باحتلاله الأرض وبقائه بها  , وهذا مؤشر أن إسرائيل لم تنتصر في هذه الحرب , , ,
والمؤشر الآخر هو إنجاز أسباب الحرب , وإسرائيل لم تستطع بحربها إنجاز شيء فلا كسرت شوكة المقاومة , ولا أوقفتْ الصواريخ ( التي وصفها البعض بالعبثية , وهذا الوصف الغبي يدل على شيئين لا ثالث لهما: إما عن قلة الفهم , أو أن هذه الصواريخ تُؤلمه أكثر مما تُؤلم الصهاينة )  , ولم تستطع إسرائيل تحرير أسيرها شاليط , , ,
   عامل آخر مهم وهو أن إسرائيل قد خسرتْ في هذه الحرب الكثير من سمعتها في العالم , وفُضحت بين شعوب الأرض , وأظهرتْ وجهها الحقيقي للعالم , , ,
 أقول لهذه العوامل كلها فإن إسرائيل خسرتْ الحرب
ولو عُدنا بالذاكرة مرة ثانية , لوجدنا شبيهاً لهذه الحرب , وهو غزوة الخندق , والتي انتصر فيها المسلمون على جيش الأحزاب الذي تشكل من كثير من القبائل التي جيشها وحرضها اليهود , لتأتي للمدينة وتحاصرها , وترميها ليل نهار بنبالها ورماحها , وتحاول اقتحامها و ثم تعود منخذلة مهزومة لم تحقق شيئاً من الذي أتتْ من أجله , وكيف كان حال المسلمين أثناء هذه الغزوة ؟ العدو يحاصرهم , ويهود بني قريظة من خلف المسلمين قد نقضوا العهد , ومن بين المسلمين ظهر المنافقون , حتى إن أحد المنافقين كان يقول : (( كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر , وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ! ))
وقد استطاع بعضُ المشركين اقتحام الخندق , وكانوا من المقاتلين الشجعان أمثال عمرو بن عبد ود , وعكرمة بن أبي جهل , وكان قتلى المسلمين أكثر من قتلى الأحزاب , ولكن النصر التاريخي كان للمسلمين الذين صمدوا  وردوا العدوان , فقال الرسول (ص) بعد انتهاء الحرب  : (( لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم )) , , ,
   أخيراً ألا من تشابه بين المعركتين ؟؟
  
*محمد هشام
16 - فبراير - 2009
شكراً للأستاذ محمد هشام    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
سرني أستاذ هشام أنك خرجت عن صمتك واستجبت للنداء ولأنك ناقشت الأسئلة التي تدور بخلد أي منا . نعم ، ما فتأ التاريخ يتكرر ويعيد إنتاج نفسه ، فهل تعلمنا منه شيئاً ؟ لا أظن ! فالتاريخ لا يعلمنا شيئاً ، إنه إخبار ، مجرد رواية وإخبار وإعادة إنتاج للذاكرة الجماعية ، فهل علمتنا شيئاً كثرة مشاهدتنا للتلفزيون وتسقط المعلومات ومتابعة الأحداث ؟ وهل هناك من غير موقفه أو موقعه بسبب أنه قد شاهد أو قرأ الأخبار ؟ وهل تغير شعورنا الضمني حيال ما جرى أو ما يجري بسبب معرفتنا بالأحداث ؟ لا أظن أبداً ، أظن بأننا نقف دائماً ، كل منا ، في نفس المكان وأن شيئاً لم يتغير !
 تحياتي لك وللعائلة الكريمة ودمتم جميعاً بخير .
*ضياء
17 - فبراير - 2009
 80  81  82  83  84