البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 79  80  81  82  83 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بيروت في مذكرات طالب يمني    كن أول من يقيّم
 
الـدرس اللبنانـي
نزار غانم :

أعادتني دعوة كريمة جاءتني، مؤخراً من بيروت، وتحديداً من السفير اليمني بلبنان، لملف وجداني ساخن دفنته في أعماقي منذ عقود، وتراكمت عليه منذ ذلك الزمن الجميل في السبعينيات ملفات أخرى عديدة مختلفة في المكان والزمان. والدعوة من الزميل العزيز فيصل تعنى بإلقاء محاضرات في مواقع ثقافية لبنانية أقدم من خلالها عدداً من تجاربي الإبداعية والاجتماعية ليحس اللبنانيون ان اليمنيين يتواصلون معهم في الضراء والسراء. وهآنذا أتصفح مع القارئ ذلك الملف الوجداني الأثير.

عندما غادر والدي وكره الهادئ في عدن مطلع السبعينيات ليحصل على العلاج الجراحي المتواصل في الخارج والذي لم يكن متوفراً في عدن. رأى مع والدتي ان أسافر الى لبنان للدراسة الاعدادية، بينما يذهب هو ووالدتي الى جيبوتي للعمل هناك مع أخيه في تجارة ساعات (السيكو). وكان هذا يعني ان أقطن في داخلية المدرسة التي كانت في منطقة (عاليه) وهي من المصايف التي يفد اليها السياح العرب في لبنان ودائماً ما يحيي الفنان الخالد فريد الأطرش حفلة له فيها في منطقة (البيسين) أي المسبح. ولأن السفر من عدن يومئذ كان لا يسمح فيه للمسافر الا بدراهم معدودة يحملها معه الى الخارج، فقد خاطت لي والدتي بطناً داخلياً في الكوت وضعت لي فيه بعض المال ليعينني على تكاليف الغربة. سافرت عبر الخطوط الجوية اللبنانية التي كان وكيلها في عدن صديق لنا من آل باهارون الذين انشأوا اول شركة طيران خاصة تحت اسم (باسكو). غير ان الأسرة الغانمية اطمأنت الى هذا القرار على صغر سني وتجربتي في الحياة، لأن على الطرف الآخر في بيروت كانت تنتظرني يد حانية هي يد زميل والدي في الدراسة بالجامعة الاميركية ببيروت في الثلاثينيات السياسي والشاعر السعودي ـ الحضرمي الجذور ـ عبد الله بلخير رحمة الله عليه. نعم لقد كان في انتظاري في مطار بيروت ومن هناك نقلني بسيارته الى مدينة عاليه، حيث التحقت بداخلية المدرسة، على ان أزوره في عطلة نهاية الاسبوع. ومنذ تلك الليلة أدركت أنني وصلت متأخراً عن بدء الدراسة، وكان عليّ أن أبذل جهداً خرافياً لألحق بالآخرين في مواد لم يكن لي عليها سلطان، فهناك الرياضيات الحديثة وهناك اللغة الفرنسية وهناك عائق اللهجة التي لم أكن أعرفها، وبدا لي ان النحس يلاحقني في مراحل الدراسة المختلفة، ويكفي أن أقول إنني خلال مرافقتي لوالدي إلى لندن حيث ناقش أطروحته في شعر الغناء الصنعاني تنقلت بين ثلاث مدارس مختلفة أدرس فيها السنة السادسة الابتدائية وكنت ما إن أستقر في مدرسة الا واضطر الى التحويل لمدرسة أخرى مجاراة لتنقل والدي في السكن هنا وهناك.

هنا في هذه المحطة وجدت أن فيصل امين أبو راس كان قد سبقني الى هذه المدرسة الداخلية نفسها فتبرع بتعليمي قواعد الرياضيات الحديثة، بينما تبرع الزميل اليمني الآخر محسن شانف شعفل، ابن أمير الضالع سابقاً، بتعريفي على أسس قواعد لغة أبناء السين أي الفرنسية. وأقولها بملء الفم انه لولا عون هذين الزميلين لما كان لي ان الحق بالزملاء اللبنانيين بل ولم أكمل السنة الا وأسمي على لائحة الشرف. وبعد ذلك لحق بنا الزميل رجل الأعمال الآن عبد الله بن علي السنيدار، وبقينا جميعا هناك حتى كشرت الحرب الأهلية اللبنانية عن أنيابها فتفرقنا أيدي سبأ.

عبقرية المكان في لبنان تختزل كل حضارات العالم في ذلك البلد الصغير مساحة والعملاق ثقافة وإنساناً.

حوار حضارة :
الحياة في الداخلية تصبح ممتعة إذا تمكّنت من عقد صداقات وطوعت نفسك على ان لا استراحة سوى في عطلة نهاية الأسبوع وهي يوما السبت والأحد هناك. ويبدو لي أنني كنت نهماً في القراءة حتى أنني كنت أقتني كتب جبران خليل جبران وقصص مارون عبود وأتلذذ بقراءتها، إضافة الى المنهج الدراسي المتنوع باللغات العربية والانكليزية والفرنسية. أما التلفزيون فلم يكن يسمح لنا بمشاهدته إلا ليلة السبت، وكان البرنامج المقدم من بطولة دريد لحام واسمه (غوار الطوشه). ومثلما كان المدرسون من مختلف الطوائف اللبنانية بل وبعض الأفغان، فقد كان الطلبة من كل الفسيفساء اللبنانية والعربية لا سيما الخليجية. مدرسة الجامعة الوطنية بعاليه كانت أشبه بكوكتيل من الأديان والأعراق، وهكذا يتعلم المرء الدرس اللبناني الاول ألا وهو »عش ودع غيرك يعش«. ويعزز هذا الشعور أنه لا تكاد تجد لبنانيا ليس له بعض من أسرته تعيش في المهجر الافريقي والاسترالي والأميركي وهلم جراً. واللبنانيون مارسوا العولمة والحوار الحضاري قبل باقي العرب بكثير، ولذا ينسب الأدب المهجري اليهم. وأذكر أنني فيما بعد زرت مدينة بوسطن الاميركية وكنت أتساءل ان كان بالإمكان ان أرى مقر الرابطة القلمية التي كان جبران من أهم اعضائها ذات يوم هناك. وهذا الوله برومانسية جبران دفعني الى زيارة قبره في بشري في المرتفعات الشمالية من لبنان ذات يوم غطى فيه الثلج وجه الأرض. وفي فترة قياسية انطلق لساني باللهجة اللبنانية وصرت محل تشجيع معظم أساتذتي كعامر صعب وأنطوان عاصي وعكيف السبع ووليد أبو شقرا، لا سيما مدرس اللغة الفرنسية الذي كان على مسيحيته يتردد على المساجد الإسلامية والأضرحة الدرزية ربما تحقيقاً لمقولة ابن عربي) ـ: ادين بدين الحب. (...).
وقيض الله لي صديقين الأول سعيد فرحات الذي لم يكن يسكن معنا في الداخلية، إلا أنه كان يبقى ليقضي معي عطلة نهاية الأسبوع فنتناقش في كل شيء بما فيه المعتقد الدرزي الباطني ومعتقدات اخرى كالبهائية وشهود يهوه، وكنا نستمع بالكاسيت لأغنيات المطرب الايرلندي توم جونز الذي يغني بإحساس شرقي، وطبعاً نفاضل بين جمال الزميلة فلانة والزميلة علانة وينتهي بنا الأمر الى سوق عاليه لمشاهدة أفلام الكراتيه الشائعة يومئذ، وكذا أكل الكنافة بالجبنة، هروباً من مائدة الداخلية الروتينية!

وكان تفوقي في الدراسة سبباً لكثير من الغيرة المهنية اذا صح القول بين الزملاء الذكور ومنهم ريمون طوق وعبد الكريم حدرج أما الزميلات ومنهن ريما نطفجي وندى قشوع، فقد كنت ايضاً فاقد الشعبية بينهن، وكن يعقدن المقارنة بيني وبين الزميل السنيدار الذي كان أنيق الملبس لبق الحديث مع الجنس الآخر، ويصرف الكثير على تسريحة شعره، لكن الحقيقة بقيت أن اسمي واسم زميلي فيصل لم يغادر لائحة الشرف منذ أن دخلها، وهذا تحديداً ما فرض وجودي.

الصديق الآخر كان محمد خير، وكان يأنس لرفقتي كما كنت أساعده في الدراسة، وظل محمد هذا يراسلني حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية ويقول لي إنني نسيت العشرة وتركتهم يواجهون حرباً ضروساً. وكنا جميعا نعرف ما معنى الحرب على الأقل في الجو، اذ ان الصراع بين الطائرات السورية والإسرائيلية خلال حرب اكتوبر ١٩٧٣ م كان يجري أمامنا في السماء وكنا نرى الصواريخ المضادة للطائرات التي زودت أميركا بها الجيش الإسرائيلي فغيرت من موازين القوى.

الحمرا
كنت أقضي عطلة نهاية الأسبوع في بيروت، وكانت المنطقة المفضلة لي هي شارع الحمراء، حيث أتجوّل بين السينمات والمكتبات وهناك مثلاً قرأت كتباً كان دخولها إلى عدن ممنوعاً مثل (تحطمت الطائرات عند الفجر) للجاسوس الإسرائيلي باروخ نادل وكتاب (لعبة الأمم) وكتاب (العرب ظاهرة صوتية) للسعودي عبد الله القصيمي الذي تزوّج شاعرنا محمد أنعم غالب بكريمته، ولا أنسى ان أستمتع بوجبة الدجاج البروست مع الثوم في مطعم مروش كما أتذكر، ثم أتجول ماشياً بين صخرة الروشة وساحة الشهداء وتسمى البرج او البلد، لأنها قلب بيروت وكركون الدروز وشارع المكحول قرب الجامعة الاميركية، حيث يدرس أقربائي زهير شهاب وعصام لقمان، وحيث انظر بحنين الى الحجرة التي كان يتقاسمها والدي مع المرحوم عبد الله بلخير في الثلاثينيات داخل حرم الجامعة، وفي هذا يقول:
يذكرنا بعهد قد تولى   بأثواب الشباب وبالشباب
ببيروت الجميلة حيث كنا   رفاق العلم ندأب في الطلاب
وبعض الناس قد أفنى الليالي   هياماً بالمدامة والكعاب

وأقضي الليل في شقة قريبي قيصر عبد المجيد لقمان. أحياناً كنت أغامر فأذهب الى زحلة لأكل المازة اللبنانية او الى صيدا حيث أزور رجل الأعمال اللبناني الذي عاش طويلاً في عدن المرحوم عدنان هيماني والذي حللت ضيفا على ابنته الدكتورة ميادة هيماني في محطة أم بي سي بلندن فيما بعد.
لكن التغيير الاجتماعي الأكبر كان حينما لحق بي شقيقي المهندس الشاعر شهاب غانم ليعمل مديراً هندسياً بمصنع أترنيت للأسبست في مدينة شكا شمال لبنان، وكان هذا مدعاة لي لأزوره هناك وخاصة في القرية التي سكنها واسمها أنفة، وكان حضور الحزب القومي السوري قوياً فيها وقد كتب شقيقي شهاب بعضاً من أجمل شعره عن لبنان في تلك الحقبة.

ويكاد لا يوجد لبناني لا يفهم في الفن، وأذكر أن نقاشاً حاداً جرى بيني وبين المعلم او سائق التاكسي ذات يوم كنت متجهاً فيه الى طرابلس حول من هي مطربة لبنان الاولى صباح ام فيروز، وكنت كما هو الحال مع الدكتور عبد العزيز المقالح أرى ان فيروز هي الأفضل عربيا، فاستل المعلم مسدساً وهددني بالقتل اذا عدت وبخست صباح امام فيروز. لقد كانت تجربة مرعبة.

كانت صلتي باليمن لا تنقطع فهناك الصحف التي تتشيّع للجنوب ومنها (المحرر) وهناك الصحف التي تبايع الشمال ومنها (الحياة). والصحف والمجلات اللبنانية أحد أهم المنتجات الفكرية لذلك البلد. كذلك سمح لي التجول المستمر أن أشاهد الممثلة مريم فخر الدين والممثل نهاد قلعي والسيدة فيروز في شارع الحمراء ثم أحضر مسرحيتها (المحطة) التي غنت فيها لأول مرة دون أن يكون الى جوارها زوجها عاصي الرحباني الذي غادر للعلاج من جلطة دماغية، وهي تذكر ذلك في أغنيتها (سألوني الناس عنك يا حبيبي)، ومن الافلام التي أتيحت لي مشاهدتها هناك الفيلم الكويتي (بس يا بحر)، وفيلم (خلي بالك من زوزو) الذي غنت فيه الممثلة سعاد حسني وفيلم (حبيبتي) الذي يحكي قصة حب بين فاتن حمامة ومحمود يس في لبنان وقد وضع موسيقاه منصور الرحباني، والفيلمان الأخيران لفريد الأطرش (زمان يا حب) و(نغم في حياتي). وكان لفريد كازينو يحمل اسمه في بيروت في فترة لم يكن فيها على وفاق مع البعض في مصر ففضل أن يستقر بلبنان وفيها لحن أغنية (يا حلوة لبنان) و(كلمة عتاب يا حب) التي لم يكملها، وإنما غنتها بعده وردة الجزائرية فشوّهتها. وفريد هو الفنان العربي الوحيد الذي كان يحمل أربع جنسيات عربية هي المصرية والسورية واللبنانية والسودانية.

أعلام كبار
أما عندما كان والدي يحضر من جيبوتي لزيارتي في عطلة الصيف في لبنان فقد كانت تتاح لي الفرصة لأن أقابل بمعيته أعلاماً كباراً مثل منير او زهير البعلبكي والبير أديب صاحب مجلة (الأديب) وسهيل ادريس صاحب مجلة (الآداب) ويوسف ابش ومحمود الغول وإحسان عباس في الجامعة الأميركية. وقد قامت مجلة (الأبحاث) الصادرة عن الجامعة الأميركية بنشر النص الانكليزي لأطروحة شعر الغناء الصنعائي ثم قام الوالد بترجمته إلى العربية، حيث قام بنشره الفقيد النعمان الابن وكذا الشاعر الكويتي ـ الوهطي الأصل ـ أحمد السقاف، ومن اليمنيين السفير الشاعر احمد محمد الشامي الذي تكرم بمنحنا جوازات سفر للجمهورية العربية اليمنية، والمفكر الأديب زيد الوزير ونجله طارق وعرفت أنهم يمتّون بالقرابة إلى الزميل فيصل امين، والصحافي الفقيد محمد ناصر محمد صاحب جريدة (الطريق) العدنية وكان حينها يصدر مجلة ملونة في بيروت اسمها (اليمن الديموقراطية) ثم قضى في حادثة طائرة الموت بحضرموت، وكذا قابلت مع والدي الفقيد محمد احمد محمد نعمان وفيما بعد ذهبت الى مأتمه عند اغتياله في بيروت، ولا شك في أن سماعي باقتناص اليمنيين المعارضين للحكم بدءاً بمحمد علي الشعيبي صاحب كتاب (اليمن الجنوبية خلف الستار الحديدي) ثم رجل الأعمال الحروي والنعمان الابن ومحاولة اغتيال الشاعر الشامي جميعها أساء الى العلاقات اللبنانية ـ اليمنية. فحتى الصحفي اللبناني ميشيل ابو جودة الذي كتب محذراً من الغرباء القادمين من عدن ما لبثت قوى الظلام ان اختطفته لعدة أيام، وأذكر عند مقابلتي المرحوم احمد محمد نعمان والذي كان يحب أن يتكلم العربية الفصحى انه قال: (الموت شيء طبيعي، لكن طريقة الموت هي التي تهم)!
 
ومن الطريف أن أذكر أن والدتي، رعاها الله، منيرة محمد علي ابراهيم لقمان كتبت الشعر للمرة الأولى، في مفارقتي لها حيث تقول:
(عاليه) يحميك العزيز العالي   فلقد أقام بك الحبيب الغالي
لولا طموح العلم ما فارقته   والنفس قد ضاقت بذي الأحوال
لم يبق لي من بعده أمل سوى   لقيا أبيه محقق الآمال
.
وإذا كتب لي أن أزور لبنان وهو يخرج من محنته الحالية فلا شك في أن (عاليه) ستكون محطتي، ولم لا فان حاجتي الى البكاء لا تضاهيها حاجة الشاعر الجميل احمد العواضي، لكنه الدمع يستعصي عليّ او كما قال الشاعر الطبيب ابراهيم ناجي في قصيدته (ختام الليالي) التي لحنها الفنان اليمني الراحل احمد قاسم:
غير أني أني/استنجد الدمع لا لا/ألقى مكان الدموع الا نحيــبا/جــفّ دمعـي دمعي فلست أبكي حبيبا/وبحبك يا لبنان!
* عن السفير اللبنانية 28تشرين الثاني 2008
*ضياء
28 - نوفمبر - 2008
شهاب غانم    كن أول من يقيّم
 
كل الشكر لك أستاذتي الغالية على هذه المقالة الرائعة، والتي تعرفنا من خلالها على قامة شامخة، من قامات الأدب الرفيع الأستاذ نزار غانم. وهو شقيق الشاعر الكبير شهاب غانم، وقد قرأت ديوان شهاب غانم في غضون الأشهر الفائتة، كما تعلمين، وكنت أحدثك عما يمتاز به شعره من رقة الخواطر وعذوبة الألفاظ، وندرة الصورة. وكنت في كل قصيدة من قصائده ألمس شاعرا نبيلا، وإنسانا مرهفا، يمسك به المشهد الإنساني فلا يفلته حتى يكتب عنه، ويجسده في قصيدة هي أشبه ما يكون بذكريات أخيه نزار غانم. وقد رأيته في قصيدته (سباق الجرذان) يلخص حياته مع الشعر والألم، وأتركك مع رائعته هذه وقد كتبها في دبي عام 1979:
تعبت تعبت وكلت خطاي
 وزاغت عيوني وضاعت رؤاي
ومازلت اعدو بغير انقطاع
تحركني قوة الإندفاع
تعبت وما كنت أحسب يوما بأني أكلُّ
بشرخ الشباب
وان الفؤاد يملّ
حروف الكتاب
وسحر الكعاب
وكاسا تراقص فيها الحباب
تعبت وما عدت أحسن حسما لأمري
وأصبح كل قرار صغير يدوخ فكري
تعبت فمعركتي خاسرة
انازل طاحونة ماكرة
أقاتل اشباحها الغادرة
أصاول أصواتها الساخرة
تعبت وكلت نواعير روحي
وأصبح اقصى طموحيَ ان أستريح
تعبت وخارت قواي
فكم ركضت قدماي
من مستهل صباي
وكم قد حملت السلالم بالعرض جهلا
ورحت اقود السفينة ضد الرياح
صباح مساء
مساء صباح
فما قال لي صاحب او صديق
ولا ناصح في خضم الطريق
ترفق بنفسك مهلا
ترفق بنفسك إنك وسط سباق طويل
لجرذان هذا الزمان العليل
سباق مرير مع المستحيل
تعبت وخارت قواي
ولكنني سوف أعدو وأعدو
وبعض خطاي
ما فتئت خطوات سراع
تحركني قوة الإندفاع
وإدمان ساقي لدرب الصراع
إلى أن تشق الزوابع مني الشراع
*زهير
30 - نوفمبر - 2008
طائر اليمن    كن أول من يقيّم
 
شكراً لك أستاذي تعقيبك على مقالة الأستاذ نزار غانم التي أعادتنا إلى أجواء الوطن الذي نفتقده بحسرة ، وشكراً لك تعريفنا بقصيدة الشاعر شهاب غانم التي تلخص حالنا جميعاً ، وهي من نسق شعر عبد العزيز المقالح الذي رافقت أشعاره منعطفات كثيرة في تحولات حياتنا ولا زلت أجد متعة كبيرة في قراءته لما فيه من نقاء وصدق . أما الأبيات التي سوف أنقلها فهي من شعر حافظ الشيرازي وكما عرَّبها شاعر آخر وافر الصفاء والنقاء هو محمد علي شمس الدين مهداة لأرض اليمن :
 
                            طـائـرُ الـيـمـن
هـلاَّ حَـمَـلتَ لنا يا طائرَ iiالَيَمَن
 
ياقوتَةَ الرُّوح من أرض بلا فِتَنِ ii؟
حـمراء تلمع في أعصاب iiشاربها
 
كـالـبرق  يَلمَعُ تَيَّاهاً على iiالدِمَنِ
حـتَّـى يعودَ لنا ما كان من iiزمنٍ
 
تبكي الخيول بِهِ في مصرَعِ الزمنِ
*ضياء
1 - ديسمبر - 2008
نداء الحيرة : حافظ الشيرازي    كن أول من يقيّم
 
من أجمل ما قاله الشاعر شمس الدين محمد الشيرازي المعروف ب " حافظ " من " غزل " وعرَّبه الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين ، أنقله عن كتابه الصادر في بيروت العام 2005  بعنوان " شيرازيات " :
 
الحـَيـْرة
عشقي لجمالـِكَ أصلُ الحَيـْرَةِ
ووصالـُكَ أصلُ كمالِ الحيرة
ما أكثـَرَ غرقى حالِ الوصل الواصل فيكَ لحال الحيرة
أرِني قلباً لم يأخـُذهُ الحالُ بـِحالِ الحيرة
لا الواصلُ يبقى لا الوصلُ يدومُ ولا يـَشفى منكَ مريضُ الحيرة
وأصـَخـْتُ بـِسـَمـْعي لمْ أسـْمـَع في الأرض سوى ما يتلوهُ نداء الحيرة
جاءَ صدى أسئلة تسألـُني عنكَ وعن معنى معنى الحيرة
وأنا من قـِمـَّةِ رأسي حتى أدنى قدَمـَيَّ أسيرُ أسيراً فيكَ
وفي أسرِ شـِباكِ الحيرة .
*ضياء
3 - ديسمبر - 2008
حذاء منتظر    ( من قبل 9 أعضاء )    قيّم
 
خـبرٌ تخلّد في العبرْ وبطولةٌ  لمح iiالبصرْ
نزلتْ  ببوش iiورأسه ليصير سخرية البشر
مـرأى  الخليقة iiكلها وأمـام  كل iiالمؤتمر
في يوم حفل iiوداعه في قلب بغداد الأغر
مـا  كـان يعلم في iiكتا ب الدهر ما يخفي iiالقدر
قـد  كان يخطب iiعندما نـهض المراسل منتظر
ورمـى عـلـيه حذاءه بـيـن العساكر iiوالخفر
وسـمـعتُ قهقة iiالحرا ئر في البوادي والحضر
وخـشيت  تسألني iiوليـ سَ  لـهـا بديواني iiأثر
عـمـل  يفوق براعتي مهما  كتبت من iiالصور
لـو كـنت نحاتا iiنحت تُ  له قصيدا من iiحجر
كـم فـيـه لـون آسر كـم  فـيه معنى iiمبتكر
كـم فـيه من لحن iiوكم دق الـحـذاء على وتر
سـتـظل  تذكر iiلطخة ما  مر ذكرك في iiالسير
وتـقـولـهـا iiأبناؤنا حـتى القيامة في السمر
فـاحـمل لأوباما iiالعلى وارجـع  بخفي iiمنتظر
*زهير
15 - ديسمبر - 2008
زيدان والزيدي     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
لم أر أبلغ من نطحة زيدان سوى حذاء الزيدي . سيسال الكثير من الحبر لكتابة المقالات والتعليقات ، لشرح  الموقف وتحليله ، معه أو ضده ، لكن الذي سيبقى منه محفوراً في الذاكرة ، هو الصورة التي هي أبلغ من أي كلام . إنها كلمة وداع من الشعب العراقي إلى " الكاوبوي الأخير " ممثل حضارة اليانكي والبترودولار . لا جواب يعلو على هذا الجواب ، والأنكى أنه جواب " ديموقراطي " جداً ، جداً . وكل الشكر للأستاذ زهير مرة أخرى قصيدته الجميلة والمعبرة تضاف إلى ملف الوطن والزمن المتحول .
*ضياء
16 - ديسمبر - 2008
فأما الزيد فيذهب جفاء    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
سنديانة عين تراز
جهاد الخازن :
 
ذات يوم دعاني أصدقاء لبنانيون الى غداء في مطعم على هامش كرنفال ريو دي جانيرو. كان هناك بناء ومطعم مسقوف، إلا أننا جلسنا في حديقة قدرت مساحتها بحوالى ألف متر مربع في وسطها شجرة هائلة تنتشر أغصانها في كل اتجاه، على امتداد المكان، وتظلل طاولات طعام حولها ما لا يقل عن 300 شخص.

شجر الأرز أنبل وأجمل، وشجر سيكويا في كاليفورنيا أعلى وأقوى، غير أن شجرة ريو كانت فريدة من نوعها، فالغصن الواحد أكثر عرضاً من جذع شجرة ضخمة. ورجحت انها شجرة من نوع محلي «أمازوني» لا نعرفه، لولا أن ورقها بدا مألوفاً لي، وسألت صاحب الدعوة عن الشجرة، فقال انها شجرة تين عمرها 350 سنة تملكها بلدية ريو دي جانيرو، وأرجح أنها تحمل ثمراً الآن، بسبب انقلاب الفصول بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها.
المطعم حمل اسم «لا فيغيرا»، أي التينة بالبرتغالي، وشغلت عن الطعام بالنظر الى فوق، وقد سرح بي الفكر الى شيء مماثل لم أره منذ سنوات المراهقة، وبقيت بعد ذلك أذهب وأعود اليه، وأكتب اليوم عنه.

هل سمع القارئ بسنديانة عين تراز؟ أعذر القارئ العربي إذا كان لم يسمع بها لأنني أرجح أن أكثر اللبنانيين لا يعرفونها، مع انها من معالم بلدهم، «أصلها ثابت وفرعها في السماء». هي شجرة مباركة وإن لم تؤتِ ثمراً، وحملني شعور غامض اليها عبر محيط وبحر، وقررت أنني أجلس تحت سنديانة عين تراز، لا تينة ريو، صغيراً لا همّ له في الدنيا غير البكالوريا المقبلة، وغابت عني أصوات الأصدقاء والناس كلهم حولي، ودخلت في حلم يقظة.
كيف هي عين تراز اليوم؟ أخشى إذا زرتها أن أخسر حلماً آخر، ليس فيه ثراء أو جاه أو شهرة، وإنما محبة قديمة باقية ونسمات من هواء الجبل.
كانت البلدة تضم عدداً قليلاً من البيوت، بعضها رحل أصحابه، وبعضها آيل للسقوط، وهو سقط فعلاً في الحرب المجنونة وهاجر كثيرون. وقبل ذلك قيل لي إن قصر حبيب باشا السعد تهدم وسرقت حجارته.
حبيب باشا السعد (الخوري، فقد كان ابن عم بشارة الخوري) كان الرئيس الثاني بعد شارل دباس الذي أصر على أن تكون ولاية الرئيس ست سنوات غير قابلة للتمديد حتى لا يفسد الرئيس وبطانته في طلب التمديد. وكان النواب المسيحيون والمسلمون اتفقوا على انتخاب الشيخ محمد الجسر رئيساً، فاستبقهم المفوض الفرنسي بتعيين السعد رئيساً، وأجريت انتخابات سنة 1934 وفاز بها إميل إده وأصبح رئيساً، وتبعه أيوب ثابت وألفرد نقاش ثم بشارة الخوري رئيساً بعد فوزه بانتخابات 1943، وهو الذي كان رئيس وزراء أيام إميل إده، وانتهى مع رفيق الاستقلال رياض الصلح والأبطال الآخرين معتقلين في قلعة راشيا.
كل ما سبق سبق سنوات وعيي، باستثناء بشارة الخوري ورياض الصلح، وما أذكر من أواخر الخمسينات أن الهواء كان لا يزال أنقى. هل أجرؤ على القول ان السياسية أيام الانتداب كانت أنقى، وكذلك السياسيون، أو انني أحلم؟
سنديانة عين تراز هي لبنان. أرز الرب في الغيوم، أو هو فوق الشمس لا ينافسه أحد، إلا أنه كثير. سنديانة عين تراز، مثل لبنان، واحدة، عمرها 1800 سنة بحسب قول أهل الضيعة، ويمكن وضع ألفي كرسي تحتها.
في عين تراز تهدمت بيوت، وهاجر من هاجر، وبقيت بيوت صمد أهلها معها. وبقيت السنديانة.
هكذا لبنان يُهدم ويُبنى ويَغترب ويَعود، ويختلف بعضه مع بعضه، ويختلف مع جيرانه، ولا يخرج البلد من نفق حتى يدخل نفقاً آخر، ولا يفيق من كابوس حتى يغفو على كابوس آخر.
لكن... وسط الدمار والبناء، وسط الحياة والموت، هناك دائماً يوم آخر، وهناك معه سنديانة عين تراز.
كل الناس خير وبركة. كل الشعوب. كل الدول.
لكن مرة أخرى... لبنان مذكور في الكتاب المقدس 71 مرة وأرزه 70 مرة. الولايات المتحدة لم تُذكر مرة واحدة. روسيا لم تُذكر مرة واحدة. وقد قيل لنا «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».
أو تطلع شجرة مباركة تحتضن بظلها الناس، لبنان هو سنديانة عين تراز.
 
*عن الحياة بتاريخ 24 كانون الأول 2008
*ضياء
24 - ديسمبر - 2008
غيم عبد العزيز المقالح    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

غيم

عبدالعزيز المقالح   

هل شاهدتم غيماً أخضر
يهبط،
يعلو
فوق جبالٍ في لون الفضةِ؟

هذا الغيم الأخضر
يخطف أثوابَ البحر
وينشر ألويةَ الفرح الغامض
فوق جدارِ القلب
وحول ضفاف الكلماتْ
.


غيمٌ شتويٌّ
يخرج من أعطافِ الشمس
ويلعب بين يديها الحانيتين
كطفلٍ يحبو
ويداعبُ ماءَ أشعتها
من أين أتى
كيف تماهى في زرقةِ بحرٍ
نشوانِ الموج
وفي صحوِ سماءٍ عاشقةٍ للدفء؟
 
غيمٌ صنعائي اللون
يرفُّ على شُرفات الروح
ويغسل نافذةَ القلب
من الصدأ العالق في الآجُرِّ
وفي الأحجار
وفي وجه مدينتنا البيضاءِ
.
سلامٌ يا غيمَ البحر
الهاطل من حيث تجيء الشمس
ومن نكهة أغنيةٍ طازجة
حالمةِ الإيقاعْ.

غيمٌ من مطرٍ
لا ماءَ بهِ
ينشر في الأفق بهاءً
يشتاقُ إليه العشب
ويشتاقُ إليه الأطفال
وتشتاقُ إليه الشمس
ويشتاق إليه الشعر
وتشتاق إليه الموسيقى
وعصافيرُ نهارٍ بارعةُ العزف
ورائعةُ الألحان.

ذاتَ نهارٍ
أخرجتُ يدي من نافذة الصبح
لعل أصابَعها تمسك إيقاعاتِ الغيم
وكانت شاردةً
تتناثر فوق سطوح بيوتٍ
تغمرها شمسٌ ناعمةٌ
وهديلُ أغانٍ هاطلةٍ
من زمنٍ مبتلٍّ بالدفءِ
وموشومٍ بظلال طيورٍ
سابحةٍ في ماءِ الضوء
وراكضةٍ في أوديةِ الأحلام.
 
غيمٌ يتجمعُ
يتناثر
يرسم أشجاراً
ونجوماً
وحدائقَ
يشرب ماءَ أصابعهِ
ويظـــلل غــابــات الأســواق الــمزروعة بالناس
وغابات الكلمات المسكونة بينابيع مياهٍ
صافيةٍ
ومعانٍ في لون سماوات الروح.
 
غيمٌ يخرج للنـزهة
من ظمأ الأرض

ومن أعماق وهادٍ وشعابٍ
محفوفاً بفراشات الوديان
ونايات حقول البن

إلى أين سيمضي؟
ها هوذا يتسلق قمةَ «غيمان»
يجوس خلال شوارع صنعاء
ويركض حيث يشاء
على كتفيه رسومٌ فاتنةٌ
لبيوتٍ وحقولٍ ريفيةْ .
 
* عن الحياة بتاريخ 24 كانون الأول 2008
 
*ضياء
24 - ديسمبر - 2008
في الحياة والموت    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
كنت على طاولة الولادة ، وكنت أشعر بألم عظيم لم أشعر بمثله في حياتي وضيق يجثو فوق صدري ويكتم أنفاسي . كانت الممرضة المكلفة بتجهيزي قد ربطت حول ذراعي آلة قياس الضغط الأوتوماتيكية ثم ذهبت للاتصال بالطبيب . في كل مرة كانت الوسادة الهوائية الملفوفة فوق ذراعي تنتفخ فيها ، كنت أشعر بالاختناق وبأن ضربات قلبي أخذت تتسارع وتقوى بشكل مخيف . كنت في قمة الضيق والألم ، والغمامة الهائلة التي كانت تجثو فوق صدري كانت أكبر من قدرتي على الاحتمال . فجأة ، توقف كل شيء . ووجدتني أهوي في فضاء فسيح مظلم . لا شعور عندي بشدة أو ضيق . لا شعور عندي بجسمي الثقيل وبطني المنفوخة والألم الذي كان يمزق أحشائي . لاخوف ، لا ألم ، ولا جسد لي أشعر به . كنت نقطة ضوء تسبح في ذلك الفضاء الشاسع اللامحدود الذي يحتضنني ويحيط بي من كل جانب والذي كنت أشعر بأنني جزء منه ... شيء من السعادة الغامضة التي لا أستطيع تفسيرها كانت تلفني بما يشبه إحساس من يطير على سجادة من الهواء . ثم تذكرت : أولادي وابني الذي لم ألده بعد ! فعاد الحزن إلى قلبي ! وشعرت بحرقة شديدة وعطف لا مثيل له يشدني إليهم . وعاد إلي إحساسي بالضيق لشعوري بأنني اتخلى عنهم فندهت ربي وقلت له : " يا الله ، من سيعتني بأولادي من بعدي ؟ ومن سيربيهم عني ؟ وكيف سيعيشون من دوني ؟ " . كان خوفي عليهم عظيماً . ورغبتي في حمايتهم كبيرة . وتمنيت العودة إلى الحياة لكي أسهر عليهم وأرعاهم بنفسي مهما كانت الحياة صعبة ومؤلمة . ووجدتني أستفيق على وقع كفوف تلطم وجهي . كانت الممرضة قد قلبتني إلى جانبي الأيسر وأخذت تصفعني بقوة وهي تنادي بصوت مرتجف ملؤه الرعب : " مدام استفيقي ... " كانت على حافة البكاء عندما فتحت عيوني لآراها ، وفي الوقت الذي دخل فيه الطبيب إلى الغرفة مع طبيب البنج وآخرين لا أعرفهم وأخذوا يضطربون من حولي بحركة غير اعتيادية وهم يتكلمون بنبرة عالية ودون أن أسمع ما كانوا يقولونه . كنت أستعيد وعيي رويداً رويداً وأنا أشعر بطمأنينية عجيبة ويقين لا يتزعزع بأنني قد عدت لكي ألد ابني وأعتني بأخيه وأخته ، وبأن كل شيء سيسير على ما يرام منذ اليوم فصاعداً .
 
*ضياء
5 - يناير - 2009
تذكرت    كن أول من يقيّم
 
آ هات وآهات وآهات يا أختي العزيزة ضياء : لقد ( فتّقت جروحاتي) ، أمامي الآن صورة أمي الغالية وهي  تكشف الكفن عن أخي عدنان وتقبّل قدميه ويديه ثم جبهته وخدوده : كان مضى على عرسه أربعة أشهر ..... وبعد سبعة أعوام تاقت نفس أخي إبراهيم لأخيه عدنان ، ولكن هذه المرة لم تكشف أمي عن كفنه ؛ لأنني دفنته بملابسه العسكرية ، وطار عقلي عندما تسلمت  جثمانه ( نصف رأ س).... استقبلتني أمي وقالت : يا ابني ! وجهك هذا ذكّرني بوجهك أيام عدنان ! وقالت : الحمد لله رب العالمين....رأيته في منامي ليلة أمس مع عدنان ، يضحكان ، وهما في منتهى السعادة وغاية السرور...... وهكذا قام كاتبكم وأمه على تربية يتيمين ، عمر الأول سنتان ونصف ، والآخَر ابن سنة وشهر....الأول الآن عنده طفل ، اسمه إبراهيم ، والآخر انتهى من الخدمة الإلزامية ، ونبحث له عن عروس  أصيلة ، وكريمة ، وجميلة ، وذات دِين .... وهكذا... مات أخي أحمد ، ثم لحقه أخي مصطفى ، ( سكتة قلبية ) ؛ بسبب [ التدخين وأكل اللحوم ذات الدهون ، فضلاً عن الحَلْوَيات -" مال " المستت ، أو الطرقجي- التي ينبعث منها السمن العربي...ضاربين عرض جدار برلين من أن العمر بيد الله : سَمّ بالله وتوكل على الله ] .
هذه هي الأمهات ..... أمي أم أحمد تقول لك يا ست ضياء خانم: الله يحفظك ويحفظ أولادك ، وتقول لكِ : أنا أموت وأحيى ما بين الصلاة إلى الصلاة التي أنتظرها بفارغ الصبر،
وهنيئاً لهؤلاء الأمهات الغزاويات اللائي سمحن لمهج أكبادهنّ أن يدخلوا الجنة ( قبلهنّ) خالدين فيها أبداً .
 اللهم اجز الجزاء الأوفى كل أم مسلمة ، وأفرِغ الصبر على أمهاتنا وأخواتنا في غزة ، وانصر إخواننا المقاومين ....
 يا غارة الله جدّي السير مسرعةً في النصر ، يا إله العالمين ، يا مجيب السائلين نسألك بأسمائك وصفاتك وبحبك لسيدنا محمد أن ترينا عجائب قدرتك بالنصر ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
*د يحيى
5 - يناير - 2009
 79  80  81  82  83