البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 73  74  75  76  77 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
صباح الخير..    كن أول من يقيّم
 
 
 
 صباح الخير ..
وتحية طيبة من العقل والقلب أ. ضياء وأ. وحيد .
بداية أعتذر عن هذا الغياب طيلة الأسبوع الفائت
بسبب المرض ... وأتأسف لكوني لم أستطع مشاركتكما
تحاوركما الماتع والهادئ والهادف ، الحافل بالجدة والجودة..
شكرا لكما على تشجيعاتكما وكل الكلام الطيب في
حقي شخصي المتواضع...
 
 
img501/103/685mj4.jpg  
 
 
عيد ميلاد سعيد ، والله يحفظك أ. ضياء من كل مكروه .آمين .
(ندى / عبد الحفيظ )
 
img521/9831/image026wq7.gif
 
( حرب تطوان لـ دالي ) مهداة للأستاذ وحيد .
*المصدر : ش. العنكبوتية .
*abdelhafid
14 - يوليو - 2008
الحوار...وقضية عبدالحفيظ    كن أول من يقيّم
 
أكيد أن الحوار ضرورة ووسيلة وقيمة أخلاقية وحضارية...قد تشوبه أحيانا ـ بل وغالبا ـ شوائب الإيديولوجيا ورواسب النفس وخبايا اللاعقل...ولكنه يظل مع ذلك خاضعا لتوجيه قصدي ومحدد ...وهذا هو المهم هنا...أي كيف يمكن توجيه حواراتنا ونقاشاتنا نحو الأفق الذي يؤسس ويرسخ الفكر الحداثي والعقلاني؟
 
وما أشارك به حاليا في مجلس (الفسلفة والدين) مجرد مساهمة أحاول من خلالها إبراز ما يميز نمط التفكير الفلسفي في نشأته وتطوره...حتى أتمكن فيما بعد من تحديد نوع من المقارنة بين نمط التفكير الفلسفي كما أسسه الفلاسفة ـ كنتاج فكري وكآليات عقلية  ـ ونمط التفكير الديني كما ترسخ لدى مفكرينا في الثقافة العربية الإسلامية...لاشك أنه عمل طموح يفوق إمكانياتي...لكني أؤكد أني أساهم فقط بوجهة نظر ستكون بالأكيد محدودة من حيث التأطير التاريخي والكفاية المعرفية والأدوات المنهجية...ولذلك يحتاج الأمر إلى نوع من الحوار الذي يمكن أن يعكس حدود وجهة نظري...أنا أفترض أن اطروحتي لن تكون صحيحة إلا إذا كانت قابلة للتكذيب والدحض والتفنيد...
 
أما فيما يخص خيارات عزيزنا عبدالحفيظ...فقط طرحنا تفسيرين: تفسيري يقول بالمرجعية التي يستلهمها الأستاذ حفيظ، وتفسير الأستاذة ضياء يقول بتميز الفكر الفلسفي المغربي وانتشاره الواسع في فضاء الوطن العربي...وننتظر من أستاذنا عبدالحفيظ أن يحسم في الأمر... لماذا هذا التركيز على الأسماء المغربية؟ علما أن الأمر كما أرى يتطلب نوعا من حوار الأطروحات بين مفكرينا من هنا وهناك...
 وبالمناسبة الصورة التي نشرتها وأحالتني عليها الأستاذة ضياء تنم فعلا عن براعة فنية متميزة...ولو أني كنت أتمنى أن تكون الصورة أشمل لتضم وجوها عزيزة كان لها باع في مجلس الفلسفة...
                       
                                               لكم مني كل الاحترام والتقدير
 
*وحيد
15 - يوليو - 2008
على أجنحة دالي....شكرا عبدالحفيظ    كن أول من يقيّم
 
     عافاك الله... العزيز عبدالحفيظ ...
     التفاتة رائعة ومتميزة من طرف الصديق عبدالحفيظ...وهو يستأذن دالي كي يتحفنا بإحدى أجمل لوحاته حول حرب تطوان....
      وبالمناسبة فإن أغلب الفنانين رسموا لوحات في غاية الجمال حول ظواهر في غاية البؤس والقبح والفضيحة كالحروب والتعذيب والجوع والشيخوخة والتجاعيد والجفاف...لذلك فليس الفن إبداعا للأشياء الجميلة، بل الفن إبداع جميل للأشياء. 
                                                                        شكرا لك
 
*وحيد
15 - يوليو - 2008
روح العصر    كن أول من يقيّم
 
حفظك الله يا استاذ عبد الحفيظ وحمداً لله على سلامتك ، وتحياتي لك يا ندى الغالية ! شكراً لكما هذه المعايدة اللطيفة وكل الحفاوة والصداقة التي أحطتماني بها وتمنياتي لكما ولجميع العائلة بالصحة الوفيرة والعمر المديد .

الأستاذ وحيد : لا شك عندي بأن" الزمن اليوناني " هو لحظة ولادة الفلسفة بالمعنى الذي نعرفه واتفقنا على انه " إخضاع الظواهر الكونية للنظر العقلي " وهو ما رأيت فيه من محاولة " العقل في الاستيلاء على المعرفة " كما جاء في المقدمة التي كتبتها لموضوع " بين الدين والفلسفة " وسنعود لنناقش هناك هذه المسألة بالتحديد لأنني لا زلت أعتقد ، ومنذ اللحظة الأولى والمقالة الأولى التي كتبتها بأن جوهر الخلاف يكمن في تحديد مصدر المعرفة .
أقدر كثيراً ما تقوله ولا أتعارض معه أبداً . المسألة بالنسبة لي في جوهرها هي موقف أخلاقي يشكك في غائية الحداثة ولا يشكك في ضرورتها ، لأنها تريد أن تسير لوحدها تاركة وراءها الملايين من البؤساء والمشردين الذين أشعر بالانتماء إليهم . غير اني اعلم علم اليقين بأنه لا يوجد لدينا عملياً خيارات أخرى تغنينا عن الفكر الحداثي والعقلاني حالياً ، ولا اتجاهات أخرى تحدد لنا مسار الطريق .وذلك لأن الأفكار ضرورات حياتية لأصحابها ولعصرها لها مهمات ووظائف محددة ، وأن لكل مرحلة تاريخية فكرها الذي يعبر عن قمة ما توصل إليه العقل الإنساني في اكتشافاته العلمية وكيفية إدارته للطاقة الحيوية للفرد والمجتمع الإنساني . وكل التحية لك والتقدير لجهودك النبيلة .
*ضياء
15 - يوليو - 2008
" في حضرة الغياب "    كن أول من يقيّم
 
محمود درويش "في حضرة الغياب"

جمانة حداد


يعود الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الى وكر النسور في الجليل، لينضمّ الى الأرض التي جعلها أرضاً ليس للبطولة فحسب ولكن خصوصاً لكل شعر حقيقي عظيم.
قبل ساعات قليلة كان محمود لا يزال في قلب المحنة الخطيرة، يواجه وضعا صحياً بالغ الحرج، ويخضع للتنفس الاصطناعي في أحد مستشفيات هيوستن، تكساس، بعدما أخضع في 6 آب الجاري لعملية جراحية معقدة في القلب تولاها الجراح العراقي حازم صافي، وتضمنت اصلاح ما يقارب 26 سنتيمترا من الشريان الابهر الذي تعرّض أخيراً لتوسع شديد وخطر.
وقد سبق ان اجريت وهي التي كتب على أثرها "جداريته" الشهيرة. لكن القلب الذي ظل وفياً للشاعر، على رغم عطبه الجليل، حاملاً معه أعباء الشعر والأرض والتاريخ، لم يستطع أن يكمل المسيرة، فدخل في عطب الغيبوبة العظيمة، تاركاً الشاعر وحيداً "في حضرة الغياب".


●●●


ها قلبكَ، يا محمود، كان، قبل قليل، يرفرف فوق الحافة المهيبة من جديد، وكنا نسأل أن لا تأخذه الحافة الى الأبعد منها.
فقد علّمنا قلبكَ، يا محمود، أنه لم يكن غريباً على أطوار الحافة وأمزجتها. فهي، كالأقدار، كالأرض، كالشعر، كانت ملعبه الأثير. حفظ قلبكَ فخاخها وفجواتها ومطباتها، غيباً، وعن ظهر قلب، كما تُحفَظ القصائد، وكما تُحفَظ الأرض، فلم يخطئ حدودها يوماً، ولم تدوّخه يوماً سكرة هوتها العظيمة. وقد ظل قلبك يتلاعب بالحافة، وتتلاعب به الحافة، الى أن أخذته، أمس، اليها.
قبل قليل، كنا نقول إن القلب إذا كان مثل قلبكَ، لا بدّ يعرفها، هذه الحافة، جيداً. وكنا نقول، ودائماً قبل قليل، إن القلب الذي مثل قلبكَ، يعرف جيداً، أنها الحافة الصعبة، الحرون، الكاسرة، المغوية، والتي ليس من حافات بعدها. وكنا نقول، إن قلبكَ، شأنكَ، شأن شعركَ، وشعبكَ، مرصودٌ لمثل هذه المناطق المحفوفة التي تشبه طعم المستحيل. لكنكَ، كالنسور المحلّقات، كالقصائد المحلّقة، كالفينيق، كنتَ، حتى قبل قليل، إذا نزلتَ في وادٍ، فشأنكَ أن لا تتحطم، أو تحترق، أو تسقط في عدم. وكنا نقول، شأنكَ فقط أن تعرف طريق الرجوع. وكنا نقول، أنتَ لا بدّ راجعٌ الى شعركَ، على طريق الراجعين. وكنا نقول سترجع. لا مفرّ.
كنا نقول إن القلب، قلبكَ، يعرف هذا كلّه. ويعرف قَدَره جيداً. وكان قَدَره يقول له أن يكمل الطريق، لا أن يخون.
لكن القلب الذي اختبرك طويلاً أيها الشاعر الكبير، عاد لا يستطيع أن يظل يختبر. كنتَ، أيها الشاعر، حتى قبل القليل القليل من الوقت، لا تبخل على القلب بالاختبار. كنتَ تداويه بما يليق بكَ وبه، ليعود اليكَ والى شعركَ وشعبك. وكنتَ تنده هذا القلب، بأسراره بألغازه بكلماته، فيعرف حدوده معك، ويصعد دائماً من هاوية الى حيث تقيم النسور. وقبل قليل كنا نسألك أن تنادي قلبكَ هذا على الفور. وقبل قليل كنا نلحّ عليكَ أن تناديه الآن، وأن لا ترجئ الى غد. وأن تزجره، وأن تزلزله، وأن تهزّه من تعب، وأن تبلسمه بشعرك، ليعرف القلب حينئذ ماذا ينبغي له أن يفعل. وكنا نقول: هو لا بدّ فاعلٌ. وكنا نقول: سيفعل.
لبنان منذ ساعات قليلة كان كلّه يناديكَ، يا محمود، لا أنا وحدي. شعراؤه، كتّابه، أهله، كانوا يسألونكَ أن تخاطب القلب الجريح باللغة التي يفهمها هذا القلب الجريح. وكنا نقول حتى قبل قليل، إن الوقت هو الآن وقت اللغة، أيها الشاعر، لا وقت الأطباء فقط. وكنا نسألك أن تنادي قلبكَ باللهجة التي لا يتقنها سوى الشعر. ومَن مثلكَ، كان يعرف ما به هذا القلب. وكيف يعود ليخفق في صدركَ، في شعركَ، مثلما يخفق ضمير الأرض في شعب فلسطين.
شعراء لبنان، كتّابه، وأهله، كانوا حتى قبل القليل القليل من الوقت، يسألون قلبكَ الشفاء، وكنا نسألك أن ترسل الى قلبكَ نداءنا اليه، مشفوعاً بالرجاء، بل بالحب الكبير.
لكننا، مثلك الآن، نفهم ماذا يعني أن يخرج القلب على الحافة ولا يعود يعرف الطريق اليك.
لا بدّ أن القلب طار، كما العصافير، كما النسور، لينضمّ الى وكر النسور في أرض الجليل.

*abdelhafid
11 - أغسطس - 2008
محمود درويش... قصيدتنا الأخيرة .    كن أول من يقيّم
 
 محمود درويش... قصيدتنا الأخيرة
حسن طارق

-1-
يقول على حافة الموت:
لم يبق بي موطىء للخسارة،
حُرٌّ أنا قرب حريتي
وغدى في يدي...
سوف أدخل، عما قليل، حياتي
وأولد حراً بلا أبوين،
وأختار لإسمي حروفاً من اللاّزورد...

(محمود درويش، حالة حصار، صفحة 14)

قال في آخر الليل: خدني إلى البيت،
بيت المجاز الأخير...
فإني غريب هنا يا غريبُ،
قلت: وماذا عن الروح؟
قال: ستجلس قرب حياتي
فلاشيء يثبت أني ميت
ولاشيء يثبت أني حي

(محمود درويش، لا تعتذر عما فعلت، صفحة 146)

وقال: إذا مت قبلك
أوصيك بالمستحيل!
سألت: هل المستحيل بعيد؟
فقال: على بُعد جيل
سألت: وإن مت قبلك؟
قال: أعزّي جبال الجليل

(محمود درويش، قصيدة مهداة الى إدوارد سعيد من ديوان كزهر اللوز أو أبعد. صفحة 195)

« الموت لا يعني لنا شيئا. نكون فلا يكون. الموت لا يعني لنا شيئا. يكون فلا نكون»
.
(محمود درويش، لا تعتذر عما فعلت، صفحة 60)

جاءت القصاصات الأولى وجيزة ومقتصدة في التفاصيل. «مات محمود درويش». يا أ الله! كم كان الخبر قاسيا تلك الظهيرة القائضة. كما كان النبأ موجعاً. كم كان هذا الموت البليد غادراً.
مات الشاعر. كما لو كان يكتب إحدى قصائده الحديثة، بلا مقدمات تقريبا. بإيجاز فاتن. بكثافة قصوى. بمسحة غموض ضروري. بحرص على الانتباه للمفارقة دائما (الموت في أمريكا)، فقط بلا تفاصيل تحتفي باليومي، كما يفعل عادة في نصوصه الأخيرة.
يقول الخبر القصير: «مات محمود درويش» هكذا بحياد ماكر وجفاء غريب تأبن اللغة أحد ساحريها الكبار. هكذا إذن لا مجال للمجاز ولا للقراءات ولا للتأويل ولا مكان للعب بالكلمات.
هو الموت بطعم الفجيعة، هو الغياب بفداحة الخسارات. آن للكلمات الآن أن تخجل قليلاً وهي تدرك أنها منقادة لمرثية الشاعر الكبير.
آن لفلسطين أن تشعر بيتم مضاعف وهي تفقد صوت وحدتها، في زمن لم تختر البندقية الفلسطينية من هدف سوى صدراً فلسطينياً آخر، ولم يستبح الدم الفلسطيني سوى دماً من «فصيل» آخر لنفس السلالة.
آن للشعر أن يتدثر بالسواد وللقافية أن تعلن حداداً مستحقاً. وللإنسانية أن تحزن ملياً وأن تتحسس أن ثمة شيئا قد انكسر جنوب روحها.
ولشعب محمود درويش أن يستشعر هول الغياب، وأن يختبر عالما خاليا من استعارات قصيدته، حيث البرتقال ليس وطنا طازجا في ذاكرة الطفولة، وحيث الزيتون ليس دليلا على هوية جريحة، حيث الخبز ليس حنينا لرائحة الأم، حيث الأندلس ليست عنوانا آخر للفقدان.
ولمحمود درويش الآن فقط أن يجرب حلمه الأقصى بأن تعيش قصيدته حياة ثانية، حياة أخرى، بقراء يهتمون بالشعر لا بشرطه التاريخي، له الآن أن يتحول من شرطية التاريخ وأن يتأمل قصيدته تحلق بعيدا في سماء الخلود، له الآن أن يتحرر من «الحب القاسي» ومن القراء الذين يبحثون وسط القصيدة عن جدوة «البيان»، ومن القراء الذين يصرون على أن «الحبيبة» هي بالضرورة فلسطين.
له الآن أن يجاور صديقه الحميم أبو الطبيب المتنبي، وأن يطلا معا على عبور الشعر لتعاقب الأزمنة، وعلى انتصار المعنى وسحر الكلمات وحقيقة الحداثة».
بإمكاننا الآن أن نستعيده كل من زاويته الخاصة، السياسيون منا سيستعيدون محمود درويش رمز الثورة وأيقونة النضال الفلسطيني، أحد قادة الحركة الوطنية ومدبج إعلان الدولة الفلسطينية. المثقفون منا سيستعيدون محمود درويش الذي يدبر المسافة الضرورية للشاعر مع القيادة السياسية: وهو يستقيل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عام 1993 ملوحا بتلك الجملة الصغيرة الماكرة «دفاعا عن الثقافة، وليس ضد السياسة»، وهو يعتذر لصديقه الكبير أبو عمار عن قبول منصب رسمي في السلطة. العشاق يستعيدونه في قصائده «درس من كاماسوطرا» ، «ليتني كنت أصفر» و«في الانتظار» وفي الكثير من شعره الجديد المليء بالحب والحياة...
ثم بإمكاننا أن نتفق جميعا على أن ثمة أسطورة تحمل هذا الإسم الخالد، أسهمت في صياغة الوجدان الجماعي لأجيال وأجيال من الباحثين عن الحرية والجمال.. وفي بناء مخيالهم المشترك.
عزاؤنا أن في هذا المرور الرائع لشاعرنا الكبير، في عالمنا، الكثير من النكاية بسطوة «الموت» نفسه. ألم يهزم محمود درويش «الموت» شر هزيمة في «الجدارية» التي كتبها على فراش عملية القلب التي أجراها بفرنسا عام 1999، و التي تعد منازلة شرسة بين شاعر خدله قلبه في منتصف الطريق الى القصيدة، وبين موت جبان متربص به
«هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد
الرافدين، مسلة المصري، مقبرة الفراعنة
النقوش على حجارة معبد هزمتك
وانتصرت، وأخلت من كمائنك
الخلود..
فاصنع بنا واصنع بنفسك ماتريد»
محمود درويش، الجدارية، صفحة 55-54
من قال إذن أن الموت قد انتصر على الشاعر؟
حسن طارق .http://www.alittihad.press.ma/affdetail.asp?codelangue=6&info=77772
 

 

 
*abdelhafid
12 - أغسطس - 2008
آثار    كن أول من يقيّم
 
إخوتي وأخواتي وأحبتي وأصدقائي اسعد الله مساءكم جميعاً بكل الخير :
 
آلمني نبأ موت محمود درويش الذي لم يسعفه قلبه الشاعر على العيش لمدة اطول ، فكان أن عبر إلى الجهة الأخرى مخلفاً وراءه عالمنا المتداعي والمتهافت من حولنا كقصر من الرمال . عافاك الله يا عبد الحفيظ ، يا من نذرتك أمك للحياة بقلب مرهف ، وإحساس متوقد .
 
عدت منذ أيام قليلة ولم أجد الوقت بعد إلا للحزن . طاردتني أنباء الموت المعبأ في أكياس وحقائب فتملكني منها ذلك الاحساس المدمر الذي أعاد إلى ذاكرتي صورة هذا الكابوس :
 
امرأة مستلقية على جانبها الأيسر ، تنثني مطوقة كالحمامة وهي تغمض عينيها باستسلام ظاهر . تغلقهما وكأنها تحاول ان تخفي بداخلهما ما يشي بتلك المرارة التي قرضت روحها . تلك المرأة كانت ميتة منذ زمن طويل لكن وجهها كان مسترخياً وكأنها غارقة في النوم . رؤية تلك المرأة صعقتني : كانت تشبهني تماماً !
على يمين المرأة الميتة في تلك الغرفة التي انخفض سقفها وضاقت جدرانها ، كان هناك فراش صغير يجلس فيه شاب في مقتبل العمر ماداً رجليه باتجاه الباب ومن خلفه كوة صغيرة ، وبقربه شمعة تفصل بينه وبين المرأة الميتة . كان يحمل بيديه أوراقاً يكتب عليها دون أن ينشغل بسواها . كان يعتمر عمامة خضراء .
الساحة التي توجد في الخارج ، كانت غبراء تحيط بها جدران قد خاب لونها . والرجل البدين المتوسط القامة الذي كان يجوب الساحة وهو يرتدي بذلة عسكرية تضيق عليه خصوصاً عند البطن، كان شيئاً من العسكر. كان يتكلم بصوت مرتفع ، وكان شارباه السوداوان يتحركان باستمرار وهو يردد كلمات جوفاء ذات رنين أجوف ، وكان لا يكف عن الإيماء بيده دالاً على معالم المكان . كانت الكلمات تتساقط في أذني فوق سابقاتها ودون أن توقظني من غفلتي قرقعة تلك الكلمات .
دفة الباب التي كانت تفصل الساحة عن جدران الغرفة الواطئة ، حيث المرأة الميتة والشاب المعتمر ، كان قد كتب عليها رموز وإشارات . ألتفت إلى دليلي العسكري الذي أخذ يستعرضها لي فخوراً ، ويشرح لي دلالاتها . كنت أقرأ : " يعيش ... يحيا ... " وأنا أنقل بصري بين الغرفة الضيقة ، والساحة الغبراء . وميض عينيه الحاد كان يقول لي بأنني متفرجة في معرض للآثار .
 
 
*ضياء
14 - أغسطس - 2008
الشاعر الأروع    كن أول من يقيّم
 
العزيزة ضياء
حمدا لله على سلامتك، وكنت آمل أن تعودي من اجازتك بين الأهل والأحبة وقد انتعشت آمالك، لكن رائحة الموت التي تنبعث من كلماتك، ولهجة الأسة والحرقة التي بثتها كلماتك، بددت هذه الفكرة من بالي.
شاعرنا الأروع، محمود درويش يمضي بلا عودة، ويترك في القلب جرحا، وفي الروح فراغا، احتله منذ وعينا على الحياة، وعرفنا ما هو الشعر، وما هي الكلمة الحلوة، شاعر المقازمة، والوطن، والأرض، والحب، واللغة مضى، قبل اسابيع قليلة كان في عمان يوقع أثر الفراشة، ولم أتمكن من حضور حفل توقيعه، فقد منعني المرض حينها.
 
 
 
*khawla
14 - أغسطس - 2008
قلب ينبض بالخير وتعمره المحبة    كن أول من يقيّم
 
أستاذتي الفاضلة ضياء خانم حفظها الله ورعاها ،
أرجو أن تغفري لي ، مولاتي ، غفلتي عن هذه الصفحة المباركة فما انتبهت لتجددها باستمرار إلا في هذه الساعة ، هذا ، وإنني أحمد الله ربي على عودتك المباركة ، وأضرع إليه جل شأنه أن يبدل الأحزان سرورا ، وأن يثيبك جزيل الثواب على هذا القلب النابض بالخير العامر بالمحبة ، والحاني على كل محزون .
أما الأستاذ الفاضل عبد الحفيظ فله مني الود الصادق ، والدعاء لحضرته بالصحة والعافية ، وحمدا لله على سلامته .
*ياسين الشيخ سليمان
15 - أغسطس - 2008
المرسى وحلق الواد    كن أول من يقيّم
 

لا أفهم سبب اعتذارك لكني أشكرك جزيل الشكر أستاذ ياسين على كلماتك الطيبة الودودة ، وعلى تفضلك بالحضور إلى هذا المكان العزيز على قلبي والحافل بالذكريات الجميلة احياناً ، والمضنية احياناً اخرى . تدين ولادة هذا الملف لتساؤل طرحه يوماً الأستاذ الشاعر صادق السعدي ، الذي أكن له ، هو أيضاً ، مودة خاصة تصعب ترجمتها ، والذي شعرت أمامه دائماً ، هو أيضاً ، وكأنني أمام اللجنة الفاحصة ، وهذه ربما تفسر تلك . عرف هذا الملف حكايات كثيرة ، وشهد مرور الكثير من الأصدقاء الذين تركوا بصماتهم عليه وحفروا لهم مكاناً في الذاكرة حتى اصبح وجودهم جزءاً من حياتي . وها أنت تنضم مع الأستاذة خولة إلى كوكبة الأحباء الذين ساهموا بتجديد صفحات هذا الملف وشرفوه بوجودهم . وإذا كان وجود هذه الصفحات التي تؤرخ لحياتنا بشكل من الأشكال يدين للأستاذ السعدي ، فإنها تجددها واستمرارها يدينان للأستاذ زهير والأستاذ عبد الحفيظ الأكوح وابنته ندى لأنهم أحاطوها دائماً بعنايتهم ورعايتهم . شكراً لكم جميعاً .
وللأستاذ خولة مني أطيب التمنيات : عافاك الله وسلمك من كل مكروه . لم نكن في زيارة لبنان هذه السنة عزيزتي إنما كنا في تونس ، وربوعها الجميلة التي تشبه ربوع لبنان في بعض نواحيها ، خصوصاً منطقة قرطاج وسيدي بوسعيد الجبلية والقريبة من البحر . ولقد اكتشفت هناك ولأول مرة ( ولسوف تتعجبين ) معنى قول فريد الأطرش في أغنية بساط الريح التي يبدأ مقطعها بقوله : " بساط الريح يا بو الجناحين / مراكش فين ؟ وتونس فين ؟ " ثم يضيف : " تونس أيا خضرا / يا حارقة الأكباد / غزلانك البيضا / تصعب على الصياد / غزلان في المرسى / ولاّ في حلق الواد / على الشطوط تعود / ما تخاف صيد المي / ولا تزيد يا خي / ولا تزيد يا خي ... " بأن المرسى ( يعني المرفأ ) وحلق الواد هي تسميات جميلة لمناطق تحيط بالعاصمة تونس رغم أنني أستمعت إلى هذه الأغنية طوال حياتي .

*ضياء
15 - أغسطس - 2008
 73  74  75  76  77