البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 71  72  73  74  75 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رأي غير متخصص    كن أول من يقيّم
 
صباح الخير أستاذي ، صباح الخير أستاذ عبد الحفيظ :
 
لم أتمكن من رؤية الصورة وقد أسفت لذلك ، ربما تمكنت من إعادة إرسالها فيما بعد . أشكرك على أية حال وكنت تمنيت لو رأيت الصورة .
كتبت  "حوافر جواد " منذ زمن طويل ، في العام 2001 وهي أبسط بكثير من " أنا مثلك أستاذي " التي كانت ردة فعل لقصيدتك الرائعة " كيف الحال " والتي هزتني في الصميم وكان لا بد من أن أعقب عليها . لي رأي ، هو مجرد إحساس لا اعرف مدى صحته ، هو أن تعليم العروض يجب ان يرتبط بتعليم الموسيقى لكي نتمكن من المحافظة على هذا الإرث الثقافي العظيم وإلا ضاع . لن يستطيع الشعر العمودي مقاومة مدَّ " الحداثة " لو لم نعيد إلى موسيقى الشعر العربي اعتبارها ، فالأذن المعاصرة لم تعد معتادة على استقبال موسيقى الشعر القديم التي أصبحت بحاجة إلى تجديد لكي تتلائم مع عصرها . لا يمكن ان نتعلم العروض كالحساب ، هذا قاتل للعروض ولن يتعلمه بهذه الطريقة إلا الندرة . وملاحظتي الأخيرة هي أنني عرفت أهمية علم العروض بعد أن عرفت موقع الوراق وأساتذة العروض فيه وشعر الأستاذ زهير ظاظا ، كنت قد حكمت على الموضوع بأنه منته وبأنه لا مستقبل للشعر العمودي . ثم بدأت أغير رأيي شيئاً فشيئاً بقدر ما كنت كانت ثقافتي ومستوى وعيي بجمال الصوت واللفظ يسمح لي بالتقاط الجمال الكامن في موسيقاه . لا يمكن أن نسمع موسيقى كلمات في مواضيع تخطاها الدهر ولم تعد تهمنا . ولا يمكن ان نسمع موسيقى كلمات خطابية متسلطة تسعى إلى قولبة فكرنا وعقلنا . وظيفة الفن الأولى هي أن يحدث انفعالاً حقيقياً لدى المتلقي ، ولا يمكن لنا أن ننفعل اليوم ( خصوصاً بعد " تمسحنا " على المصائب ) لمواضيع لم تعد تنتمي إلى دائرة اهتمامنا الحاضرة .
*ضياء
21 - يونيو - 2008
الإنشاد    كن أول من يقيّم
 
نعم استاذتي، كنت مشغولا بكتابة قصيدة (كيف الحال) للأستاذ ياسين، ولم أنتبه لتعليقك حتى هذه اللحظة.
نعم : الموسيقى أساس الشعر العربي، وإنشاد الشعر هو الموسيقى بعينها، وكانت لكل بحر طرق إنشاد متوارثة، في كل قطر من أقطار الإسلام، ولما قل إقبال أهل الغناء على البحر المنسرح، (الذي لم أتحرر من وحشته بالكامل) كان لذلك أكبر الأثر على عزوف الشعراء عنه، إلا القليل النادر، انظري مثلا إلى القطعة الأخيرة التي كتبتها عن الناعورة، هي من مجزوء الرمل، وهذا يعني أن النشيد الشهير (طلع البدر علينا) يمكن أن يغنى على وزن (سمعت عنين الناعوره)  وإن كان وزن الأغنية في الأصل يبعد بعدا طفيفا عن (مجزوء الرمل) ولكن الموسيقى قادرة أن تخترق قوانين العروض، اختراقا متفاوت الصور وأكبر مثال على ذلك أغنية فيروز: (يا من حوى زهر الرياض بخده) فالقصيدة من بحر الكامل، ولحنها أبعد ما يكون عن بحر الكامل، فهي من ألحان البسيط، وبإمكانك أن تستبدلي كلمات الأغنية بأي قصيدة مكتوبة على البحر البسيط، (قافية المتراكب) مثل قصيدة (ريم على القاع بين البان والعلم) ولكن لو أردت أن تستبدلي كلمات القصيدة بقصيدة من بحر الكامل تطلب ذلك مراسا وخبرة، سيما إذا كان الكامل من (قافية المتواتر) مثل (يا جارة الوادي).
*زهير
21 - يونيو - 2008
قراءة في تجربة مؤلفة هاري بوتر     كن أول من يقيّم
 
لا حاجة الى السحر لتغيير العالم
 
سحر بعاصيري :

 
شكّل إسم "هاري بوتر" ظاهرة منذ بداية إنتشاره عام 1997. من لم يقرأ إحدى الروايات التي تحمل هذا الإسم أو كلها، لا بد أن يكون سمع بها أو سمع عنها أو عايش أشخاصاً، كباراً أو صغاراً، أوقع هذا الولد سحره عليهم فسلبهم قلوبهم وعقولهم الى حد أنهم متى أمسكوا بالكتاب لا يتوقفون عن القراءة الى ان ينهوه، ومتى علموا بموعد صدور رواية جديدة عنه تجمعوا امام المكتبات صفوفا طويلة في أي ساعة من اليوم ينتظرون لحظة شرائها ليدخلوا مجددا الى عالمه الغرائبي.
الهوس بهاري بوتر اجتاح العالم كله. صار ظاهرة روائية معولمة. ظاهرة نشر معولمة. ونعم، ظاهرة قراءة معولمة. نطق الانكليزية البريطانية أولاً ولكن سرعان ما "أتقن"- عبر الترجمة طبعاً- 65 لغة وصار بطلاً للكبار كما للصغار من أولاد جيله وإنتشر بالملايين، رواية تلو الاخرى، صدرت السابعة الاخيرة منها في تموز 2007، وظل ينتشر حتى أظهرت الارقام في نيسان 2008 ان مبيعات الروايات السبع كسرت رقم 375 مليون نسخة واليوم تقارب 400 مليون. ويواصل انتشاره ليس بالكتب فحسب بل بالافلام السينمائية التي تحقق أعلى المداخيل وبالالعاب والمشاريع الخاصة به. فما السر؟
الارقام لا تكفي لمحاولة فهم هذه الظاهرة، ذلك ان هاري بوتر يبقى في النهاية شخصية روائية. أما هاري بوتر الحقيقي فهو جزء عميق من تلك المخيلة الاستثنائية التي انجبته وحملت بذور الظاهرة: جوان كاثلين رولينغ، المعروفة أكثر بتوقيعها ج. ك. رولينغ، التي شكّلت مخيّلة جيل من أولاد صاروا شباباً وعبثت بمخيّلة كثيرين آخرين ولا تزال، باصطحابهم الى عالم خاص يتحقق فيه ما لا يتحقق في الواقع. وهذا ما فعلته مجددا في احتفال تخريج صف 2008 من جامعة هارفرد بعدما اختارتها الجامعة أولاً لتمنحها دكتوراه فخرية في الآداب لما حققته على المستوى العالمي وخصوصاً "ايقاع الملايين في سحر القراءة" وثانيا لتكون خطيبة الاحتفال.
 
ظننت وانا انتظر مع نحو 20 الفاً حضروا في باحة الجامعة ان رولينغ ستطل علينا بعصاها السحرية محاطة بكل السحرة الصغار ومكانسهم الطائرة لتأخذنا في رحلة الى عالم غير مألوف. والواقع انها فعلت ذلك ولكن من دون ادوات السحر هذه. اختارت موضوعا غير مألوف تخاطب به المتخرجين: "الفوائد الجانبية للفشل وأهمية المخيلة". لماذا الفشل وليس النجاح مثلاً في لحظة يحتفل فيها شباب من جيل هاري بوتر بنجاحهم؟ رولينغ روت قصتها للاختيار. لم تتكلم عن هاري بوتر بل استحضرت تجارب فتحت عينها على معنى الحياة وقيمة الانسان وجعلتها ما هي عليه. تجارب ليست استثنائية بل يعيشها كثيرون كل يوم، لكن إستفادتها منها أعطتها بعدها الإنساني الأعمق.
قالت الكاتبة التي وضعت اولى قصصها وهي في السادسة من العمر انها امضت النصف الاول من حياتها الى ان تخرجت من الجامعة وعمرها 21 عاماً تحاول ان تجد توازناً بين طموحها وما يتوقعه منها الاخرون، واليوم وقد بلغت الـ42 تعتبر تلك التجربة غير مريحة. "كنت مقتنعة بأن الشيء الوحيد الذي أردته دوماً هو أن أكتب روايات. لكن والديّ، وكلاهما جاء من خلفية فقر ولم يدخل الجامعة، كانا مقتنعين بأن مخيّلتي الواسعة جداً هي ميزة مسلّية ولكن لا يمكن أن تسدد قرضاً أو تضمن تقاعداً. كانا يأملان في أن أحصل على شهادة تؤمن لي مهنة وأنا أردت أن أدرس الأدب الانكليزي. توصلنا الى تسوية لا اعتقد اليوم انها أرضت أحداً. ذهبت الى الجامعة لادرس اللغات الحديثة ولكن ما أن ذهب والدي حتى تخلّيت عن الالمانية لأدرس الأدب الكلاسيكي. ولا أذكر انني أخبرتهما بذلك. ربما علما بالأمر للمرة الاولى يوم تخرجي (...)
أحب أن أوضح هنا، بين قوسين، أنني لا الوم والديّ على وجهة نظرهما. هناك تاريخ لانتهاء صلاحية لوم أهلكم لدفعكم في الاتجاه الخاطئ. ثم لا أستطيع ان أنتقدهما لأنهما تمنيا ألاّ اختبرالفقر. كانا فقيرين واتفق معهما على ان الفقر ليس تجربة مشرّفة. الفقر يستتبع الخوف والضغط وأحيانا الكآبة.
الفقر يعني آلاف المذلات
الصغيرة والضيق. الخروج من الفقر بجهودكم الشخصية هو بالتأكيد أمر يمكنكم أن تفخروا به، ولكن لا يمجّد الفقر الا الحمقى".
 
على هذه الخلفية قالت إن أكثر ما كانت تخشاه يوم كانت في عمر المتخرجين لم يكن الفقر بل الفشل. وإذ ذكّرتهم بحقيقة أن تخرّجهم من هارفرد يفترض أنهم لا يعرفون الفشل جيدا، أضافت أن الخوف من الفشل قد يحركهم بقدر رغبتهم في النجاح وأن مفهومهم للفشل قد لا يكون بعيدا عن مفهوم الانسان العادي للنجاح. و"في النهاية علينا أن نقرر ما هو الفشل بالنسبة الينا، لكن العالم أيضا جاهز ليعطيكم مجموعة من المقاييس اذا سمحتم له بذلك".
بدأت القصة. قالت رولينغ إنها بكل المقاييس التقليدية فشلت فشلاً ذريعاً في السنوات السبع التي تلت تخرجها، "زواج قصير على نحو استثنائي. كنت عاطلة عن العمل وأم وحيدة وفقيرة الى حد ما يمكن أن يعنيه الفقر في بريطانيا الحديثة من غير أن أكون بلا مأوى. مخاوف والدي تحققّت، وكنت بأي مقياس عادي أجسّد أكبر فشل عرفته. لن أقف أمامكم لاقول إن الفقر أمر مسلّ. تلك الفترة من حياتي كانت مظلمة ولم تكن لدي أدنى فكرة عن أنه سيكون هناك ما تسميه الصحافة نوع من الحل السحري. لم تكن لدي أدنى فكرة كم سيمتد النفق والى متى. أي ضوء في آخره كان أملا أكثر منه واقعاً.
اذاً، لماذا أتكلم عن فوائد الفشل؟ ببساطة لان الفشل يعني التخلص من كل ما هو غير جوهري. توقفت عن الادعاء لنفسي انني أي شيء غير ما أنا فعلاً، وبدأت أركّز كل طاقتي على انجاز العمل الذي يعنيني. وربما لو كنت نجحت في أي شيء آخر، لما وجدت عندي التصميم على النجاح في المجال الذي آمنت أنني أنتمي اليه. تحررت لأن خوفي الاكبر تحقق وكنت لا أزال حية ولا تزال عندي ابنة أحبها كثيراً ولدي آلة كاتبة قديمة ولدي فكرة كبيرة. هكذا تحول القعر الصلب أساساً أعيد بناء حياتي عليه.
قد لا تفشلون على النطاق الذي فشلت فيه لكن بعض الفشل في الحياة حتمي. يستحيل العيش من دون فشل في شيء الا اذا كنتم تعيشون بحذر الى درجة كأنكم لا تعيشون. وفي مثل هذه الحال تكونون فشلتم أيضاً.
الفشل منحني أماناً داخليا لم أحققه بنجاحي في الامتحانات. الفشل علمني أشياء عن نفسي لم أكن لاتعلمها بطريقة أخرى. اكتشفت أن لدي ارادة قوية وإنضباطاً أكثر مما توقّعت، واكتشفت أيضاً أن لدي أصدقاء لا يقدّرون بثمن. وعندما تدركون أنكم خرجتم من النكسات أقوى وأكثر حكمة فهذا يعني انكم ستكونون بعد ذلك اكثر اطمئنانا الى قدرتكم على الاستمرار. لن تعرفوا أنفسكم حقا أو قوة علاقاتكم إلا في المحن. هذه المعرفة نعمة حقيقية بكل الالام والمرارات التي ترافق اكتسابها. وهذه تعني لي أكثر من اي شهادة نلتها. ولو كان هناك ما يعيد الزمن الى الوراء لاخبرت نفسي، ابنة الـ 21، أن السعادة الشخصية تكمن في إدراك أن الحياة ليست جردة بممتلكات أو انجازات. الحياة صعبة ومعقدة وخارجة عن السيطرة الكاملة لقدرة أي انسان. والتواضع في معرفة ذلك يمكّنكم من اجتياز تقلّباتها”.
هذا في فوائد الفشل. فماذا عن أهمية المخيلة؟ قالت رولينغ: "قد تظنون أنني اخترت موضوعي الثاني، أهمية المخيلة، للدور الذي لعبته في إعادة بناء حياتي، لكن الواقع ليس كذلك تماما. فمع أنني سأظل أدافع عن أهمية قصص الخيال حتى اللحظة الاخيرة، فقد تعلّمت أن أقدّر المخيّلة على نحو أكبر بكثير. المخيّلة لا تعني فقط تلك القدرة البشرية الفريدة على تصوّر ما ليس موجوداً وتكون تالياً منبع كل الاختراعات والاكتشافات. المخيّلة، بقدرتها على التغيير والإلهام، هي القوة التي تمكّننا من التعاطف مع البشر الذين لم نعش تجاربهم.

احدى أهم التجارب في حياتي سبقت هاري بوتر وأثّرت كثيراً على ما كتبت لاحقا. هذا الاكتشاف جاء في شكل واحدة من أولى الوظائف التي عملت فيها. مع أنني كنت أهرب لكتابة القصص في فرصة الغداء، فإنني دفعت إيجار منزلي مطلع
عشريناتي من عملي في دائرة الابحاث في منظمة العفو الدولية في مقرها الرئيسي بلندن.
هناك في مكتبي الصغير قرأت حروفا كُتبت على عجل وهُرّبت من أنظمة توتاليتارية. رجال ونساء كانوا يعانون خطر السجن أو الإعتقال يريدون إخبار العالم الخارجي بما يحصل لهم. شاهدت صوراً لأشخاص اختفوا من دون اي أثر أرسلتها عائلاتهم وأصدقاؤهم. قرأت شهادات من ضحايا تعذيب ورأيت صورا لاصاباتهم. فتحت رسائل مكتوبة باليد لشهود عيان عن محاكمات عسكرية واعدامات وعن خطف واغتصابات.
العديد من زملائي كانوا معتقلين سياسيين سابقين. أشخاص اُجبروا على مغادرة بلادهم أو هربوا الى المنفى لأنه كانت لديهم "وقاحة" التفكير بالاستقلال عن حكومتهم. أما زائرو المكتب فبينهم من جاء ليعطي معلومات او ليحاول معرفة ما حصل لبعض من اضطر الى تركهم وراءه.
لن أنسى الإفريقي ضحية التعذيب. شاب في مثل عمري أنذاك صار مريضاً ذهنياً بسبب ما تحمّله في بلده. كان يرتجف عندما تكلم أمام كاميرا الفيديو عن الوحشية التي تعرّض لها. كان أطول مني بنحو قدم وبدا هشاً ضعيفاً مثل ولد. كُلّفت أن أرافقه الى محطة القطار لاحقا. هذا الرجل الذي دمّر الإجرام حياته أخذ يدي بلطف وتمنّى لي مستقبلاً من السعادة.
وما حييت سأذكر انني كنت أمشي في ممر خال عندما سمعت من خلف باب مقفل صرخة وجع ورعب لم أسمع مثلها مذذاك. فُتح الباب ومدّت الباحثة رأسها وطلبت مني أن أُسرع في تحضير شراب ساخن للشاب الجالس في الغرفة معها. كانت قد أعلمته للتو بأنه ردا على معارضته المعلنة لنظام بلاده اعتقلت والدته واُعدِمت.
كل يوم من ايام عملي مطلع عشريناتي كنت أتذكر كم انا محظوظة لان أعيش في دولة لها حكومة منتخبة ديموقراطياً حيث التمثيل القانوني والمحاكمات العلنية
حق للجميع. كل يوم رايت دليلاً اضافياً على الشرور التي يوقعها الانسان بالانسان ليستحوذ على السلطة او يحافظ عليها. بدأت أعيش كوابيس، كوابيس حقيقية عن بعض ما أشاهده أو أسمعه أو أقرأه.
ومع هذا تعلمت أيضاً عن الخير في منظمة العفو الدولية أكثر مما تعلمت من قبل. منظمة العفو الدولية تعبئ ألوفاً من اشخاص لم يسبق لهم أن عانوا التعذيب او الإعتقال بسبب معتقداتهم للعمل من أجل الذين عانوه. قوة التعاطف الانساني التي تؤدي الى عمل جماعي وتنقذ أرواحا وتحرر معتقلين. أشخاص عاديون ممن يتمتعون بعيش آمن يتضامنون بأعداد كبيرة لانقاذ أشخاص لا يعرفونهم ولن يلتقوهم. مساهمتي الصغيرة في هذه العملية كانت من اكثر التجارب التي الهمتني واشعرتني بالتواضع. فعلى عكس اي مخلوق آخر على هذه الارض، يمكن الانسان أن يتعلم ويفهم من غير أن يختبر. يمكنه أن يضع نفسه في أذهان الاخرين ويتخيّل نفسه مكانهم. طبعا هذه قدرة حيادية من نوع السحر الذي أتخيّله. يمكن المرء أن يستخدمها للسيطرة على الاخرين والتلاعب بهم بقدر ما يمكنه أن يستخدمها لتفهّم الآخرين والتعاطف معهم".

المشكلة؟

"كثيرون يفضلون ألاّ يشغّلوا مخيّلتهم على الاطلاق. يختارون البقاء في حدود تجاربهم غير آبهين بالتفكير في ما كانوا سيشعرون به لو ولدوا غير ما هم. يمكنهم رفض سماع صراخ أو النظر الى داخل الاقفاص. يمكنهم ايضا اقفال اذهانهم وقلوبهم في وجه اية معاناة لا تمسهم شخصيا. يمكنهم رفض أن يعرفوا.
قد يستهويني أن أحسد أناسا يعيشون كذلك، إلا انني لا أعتقد أن لديهم كوابيس أقل من كوابيسي. فاختيار العيش في مساحات ضيقة يمكن أن يؤدي الى رهاب الأمكنة وهذا يولّد رعبه الخاص. أعتقد أن الذين يرفضون تشغيل مخيّلتهم يرون وحوشا أكثر. وهم في غالب الاحيان أكثر خوفا. ثم ان من يختار ألاّ يُظهر تعاطفا، قد يساهم في تمكين الوحوش الحقيقية، لأنه حتى من غير ان نرتكب عملاً شريراً بأنفسنا فاننا من خلال لامبالاتنا نتواطأ مع الوحوش".
وخلاصتها اننا "لا نحتاج الى السحر لكي نُغيّر العالم. اننا نحمل كل القوة التي نحتاج اليها، لذلك في داخلنا: لدينا القدرة على ان نتخيل بشكل افضل".
اذاً، هذه هي الخلطة السحرية التي أوجدت "الفكرة الكبيرة": ادراك جوهر الحياة واستخدام المخيّلة للتغيير. من هنا يبدأ الحديث عن الظاهرة التي اسمها هاري بوتر. هاري هو الخلطة وسحره هو القدرة على التغيير بطريقة خلاّقة. ولا عجب ان تكون الرواية وصلت الى قلوب الكبار كما الصغار. رولينغ خاطبت الاولاد بمخيلتهم كي تماثل كل ولد مع هاري. لكنها خاطبت ايضا الولد في داخل الكبار الذين غالبا ما يرفضون الاقرار بالفشل بل غالبا ما يقاومون التغيير لئلا يخاطروا بإمكان الوقوع في الفشل، فأحيت فيهم او ربما في مخيلتهم وحدها انهم قادرون على التغيّر والتغيير.
ومن هنا ايضا يبدأ الحديث عن "الفوائد الجانبية" لهذه الخلطة السحرية.
رولينغ التي حصلت على ثلاثة الاف استرلينية عام 1995 في مقابل العقد الذي وقّعته لنشر الكتاب الأول "هاري بوتر وحجر الفلاسفة"، تحوّلت في عشر سنين من انسانة فاشلة فقيرة الى انسانة ناجحة صارت الأولى تملك ثروة تجاوزت مليار دولار من تأليف روايات. وهي تخصص مبالغ كبيرة جدا من هذه الثروة لخدمة قضايا اجتماعية وطبية من اجل تخفيف المعاناة.
الا ان هناك كثيرين غيرها جنوا ثمار سحرها. فبالنسبة الى الناشر البريطاني "بلومزبري" والناشر الاميركي "سكولاستيك" لا يزال هاري بوتر هو العملة النادرة. كانت اولا الترجمة من الانكليزية البريطانية الى الانكليزية الاميركية نظرا الى اختلاف بعض الكلمات والعبارات، ثم الى عشرات اللغات من الفرنسية الى العربية ومن البنغالية الى الصينية والكورية والتركية والاوكرانية والافريكانية والالبانية وغيرها. بل حتى الى اللاتينية واليونانية القديمة. وتاليا كان الإنتشار العالمي الى حد أن الكتاب الأخير نزل في أسواق 90 دولة في وقت واحد وحطّم الرقم
القياسي لهاري بوتر السادس فباع في اليوم الاول 11 مليون نسخة في اميركا (3،8) وفي بريطانيا (7،2) فقط وسط اجواء وصفت بالهستيرية وخصوصا في أميركا حيث قيل إن انتظار الكتاب السابع كان أشبه بالزيارة الاولى التي قام بها فريق البيتلز لأميركا في الستينات. وحتى قبل حلول موعد عرضه في المكتبات اعلنت المكتبة الالكترونية "أمازون" انها باعت اكثر من نصف مليون نسخة متقدمة منه مما جعله الكتاب الاكثر مبيعا لديها قبل صدوره. وفي دول مختلفة من العالم كان الهوس مماثلاً. ففي الصين مثلاً ارتفعت المبيعات بنسبة 226% مقارنة بالكتاب السادس. كل هذا إنما يدل ليس على الولع بالرواية فحسب، بل على أهمية هاري بوتر للناشر نفسه. ففي عام 2006 الذي لم يصدر فيه كتاب جديد لهاري بوتر انخفضت أرباح بلومزبري بنسبة 74%.
وانتقلت الفوائد أيضاً الى صناعة السينما. في 1999 باعت رولينغ حقوق الكتاب الاول بنحو مليوني دولار وحتى الان أنجزت خمسة افلام فيما السادس سيعرض في الصالات في تشرين الثاني من هذه السنة. أما السابع فاعلنت شركة "وورنر بروس" انه سيكون في جزءين الاول يعرض في الصالات في تشرين الثاني 2010 والثاني في أيار 2011. وحققت الأفلام الخمسة حتى الان أعلى المداخيل ولا تزال الافلام الاكثر ربحا في بريطانيا.
وانتقلت الى الالعاب الالكترونية. فهناك حتى الان سبع العاب فيديو عن هاري بوتر تبيع بالملايين. وتكفي الاشارة الى انه في ذروة الظاهرة عام 2002 بلغت المبيعات من هذه الالعاب في بريطانيا وحدها 24 مليون استرلينية لتنخفض قليلا بعدها.
وقريبا سينتقل هاري بوتر رسميا الى اورلاندو في ولاية فلوريدا الاميركية حيث ستفتتح شركة "وورنر" أواخر 2009 حديقة باسمه تكون امتداداً لعالمه السحري.

ولكن يبقى الأهم بحسب الخلطة السحرية لرولينغ مما لا يحسب بالارقام، وهو دفع الملايين الى القراءة وخصوصا الاولاد وتغيير عادات القراءة لديهم. لا يشكك احد، حتى منتقدو هاري بوتر، في أن انطلاقته احدثت تغييراً كبيراً عند الاولاد فوق سن التاسعة. بدأوا يقرأون للمتعة في عالم كان يسرقهم سريعاً الى التلفزيون والكومبيوتر والعاب الفيديو. لكن الاراء بدأت تتفاوت لاحقا عندما اظهرت الاحصاءات الفيديرالية في أميركا مثلاً حيث استهلك القراء نحو ثلث المبيعات العالمية للرواية أن نسبة الشباب الذين يقرأون للمتعة تُواصِل تراجعها اللافت.
اذاً، هاري بوتر قد لا يكون غّير اتجاهات القراءة لدى الاولاد لكنه بالتأكيد أغرى نسبة كبيرة من جيل معين لقراءته حتى أولاد لا يقرأون عادة، مثلما ساهم في ايجاد طفرة في انتاج كتب الخيال. فقبل هاري بوتر مثلا لم تكن اختبرت المكتبات وجود صفوف طويلة من الأولاد امامها لشراء رواية. لم يكن مسموعا بهذا الامر من قبل أصلا. وقبل هاري بوتر مثلا كان الاولاد يقرأون كتبا سهلة من فصل واحد او فصلين، لكنه جعلهم فجأة يحملون كتابا معقدا نسبيا من مئات الصفحات مصممين على قراءته. وهذا اضافة الى الاحصاءات الفيديرالية دفع خبراء التعليم الى الاستنتاج أن بعض الاولاد ممن يقرأون انتقلوا من هاري بوتر الى روايات اخرى، اما الذين لا يقرأون عادة فإما أتعبهم حجمه وتخلَوا عن القراءة وإما فعلوا ذلك ما ان انتهت سلسلة الروايات. على أن المشكلة، في رأي هؤلاء، لا تكمن في هاري بوتر بل في النقص في روايات جذابة مثله للاولاد مما يزيد التحديات على المؤلفين والمكتبات معا.
بمعزل عن الانتقادات الكثيرة التي اعتبرت شعبية هاري بوتر نتيجة للترويج فقط ورفضته على أساس انه المرادف الادبي لفقدان التنوع في العالم بحيث يقرأ الجميع الكتاب عينه، يبقى الكتاب بل فكرة مؤلفته أعمق من هذه الانتقادات وقد قدمت به نموذجا عن خلطتها "السحرية" لفهم معنى الحياة. وكان النموذج ظاهرة كأنها تعبير عن جوع مثل جوع رولينغ الى عالم افضل يتحقق فيه بخلطة سحرية ما يعجز الانسان عن تحقيقه في الواقع لانه لا يبالي.

الواقع ان ما قالته رولينغ ليس بجديد، لكن فهمها لتجربتها وما تختزنه منها وما حققته من تغييرات بمجرد التعبير عنه في رواياتها، يستحق التفكير فيه مليا. فمن قال إن الفشل قدر؟

* عن النهار اللبنانية : حزيران 2008

 

*ضياء
26 - يونيو - 2008
صباح الخيرات..    كن أول من يقيّم
 
الأستاذة ضياء ، إليك هذا الرابط    http://maps.google.fr/ وأرجو أن تستفيدي من الخدمات الممتازة التي
يقدمها " الحاج غوغل " على حد قول أ. يحيى الرفاعي ذات تعليق ..
أنا حاولت فكانت النتيجة كما يلي : 
 
img300/3448/mlkkkmw6.png
 
      * هذه التلال ليست قندهار ! هي تلال مقدمة جبال الريف ..
       والدائرة في الوسط تشير بالتحديد إلى " الدوار " مقر سكنى والدي .. آيت لحسن ، زاوية سيدي يوسف ..
       قضيت مرحلة من طفولتي هنا  ، من بداية السيتنيات  إلى 1967 ( + فترات الإجازات المدرسية   )
      - من أجمل الذكريات التحاقي بالمدرسة الابتدائية  ، ويوم أن أخبرني أبي،  وهو يحلق لي شعر رأسي
       بشفرة الحلاقة  تحت شجرة تين على شط الوادي - واد غيس - بأنه وافق على أن " يهبني" لعمي عمر
      الذي كان يعمل معلما بمدينة الدار البيضاء ..
      
 
 img168/2043/53127076ct9.png
1- منزلنا القديم  ......... 2- المنزل الجديد الذي بنيناه بعد زلزال 2004 لعله يتوفر على بعض شروط المقاومة ..
* كما نلاحظ وفرف أشجار اللوز الرفيع الذي تشتهر به المنطقة........ ونبات الصبارالذي بالإضافة إل فاكهته
لنا فيه مآرب أخرى...................................................................... والسلام .
*abdelhafid
27 - يونيو - 2008
بكل الشكر المودة    كن أول من يقيّم
 
مساء الخيرات على وادي غيس ودار آيت لحسن ودار عبد الحفيظ الأكوح وآله الكرام :
 
طالعت هذا التعليق منذ قليل ، وطالعت بعده أبياتاً من الشعر الزلال كتبتها لمياء في ملف البحر الدكالي فزال عني تعب هذا النهار الذي كنت أراه مضنياً . لا تلوموني لو لم يكن ردي اليوم بمثل عذوبة الموسيقى التي أسمعها الآن ، لأنني مستعجلة ، فأنا لم أحضر العشاء بعد . 
سأعود لأقول غداً ، إن شاء الله ، وبكل الشكر والمودة . 
*ضياء
27 - يونيو - 2008
سطوة اللون    كن أول من يقيّم
 
 
شكراً لك مرة أخرى أستاذ عبد الحفيظ موقع " الحج غوغول " . هذا اللون الأمغر المسيطر على المشهد ذكرني بإحدى الرحلات التي قمت بها إلى لبنان عبر مطار دمشق لأن مطارنا كان مغلقاً في حينها . وأذكر حين كانت الطائرة تحوم على ارتفاع منخفض فوق الصحراء السورية بأننا كنا نرى كثباناً من الرمل بمثل هذا اللون الأحمر الحار . كان ذلك المشهد كثير الهيبة بالنسبة لي ، ومدعاة لانفعالي الشديد ، لأن سطوة الألوان عندما تطغي على الصورة ، فإنها تولد عندي دائماً انطباعات غريزة أجهل تفسيرها ، وأظن بأنها ترتبط بذاكرة بعيدة لا نعرف تحديداً واضحاً لها . ثم فهمت فيما بعد بأن وسائل الدعاية كثيراً ما تستخدم هذا الأسلوب في الإيحاء النفسي ، وفي إبراز لون معين يرتبط بالسلعة المنوي الترويج لها ، وتستخدم الأسلوب نفسه مناهج تعليم الأطفال في روضات الأطفال ، لأن رؤية اللون المهيمن مثيرة للذاكرة بشكل غريزي .
 
كنت قد كتبت يوماً ، كما تذكرون ربما ، " رسالة حب إلى الأزرق " تضمنتها بعضاً من مشاعري حيال ما يثيره في نفسي مرأى اللون الأزرق . وكانت المفارقة بأن الطائرة التي تقلنا عادة إلى بيروت ، كثيراً ما كانت تحوم فوق مياه البحر قبل أن يؤذن لها بالهبوط في مطار بيروت الذي تحيط به كثبان من الرمل بذات اللون الأحمر المسيطر في المنطقة التي نعيش فيها . لكن نفسي كانت معتادة على الاحتفاظ بمشهد تلك الزرقة الطاغية كبداية لكل الأشياء، وكان ظهورها أمام ناظري في كل مرة بمثابة مقدمة وإيذاناً بعودتي إلى البيت .
 
وفي رحلة مختلفة هذه المرة ، إلى ميونخ في ألمانيا ، ورغم أن الطقس كان شتوياً ، لكن انقشاع الجو في ذلك اليوم كان يسمح برؤية معالم المكان . اقتربت بنا الطائرة من تلك المنطقة ، ثم صارت تحوم أيضاً على ارتفاع شديد الانخفاض فوق مساحات شاسعة من الغابات الخضراء الداكنة ، الموغلة في الخضرة ، وبحيث أن كثافة الرؤية كانت تتماوج بحسب ارتفاع قمم الأشجار وكأننا نعوم في بحر من اللون . كان الأخضر الذي شاهدته هناك مختلفاً تماماً عما أعرفه ، بعمقه السحيق ، وكان فيه ما يشبه المغناطيس ، لأنني شعرت يومها بانجذاب كبير استولى على إحساسي في تلك اللحظة ، وترك في نفسي أثراً لا يمحى ، ومع أنه يوجد في فرنسا الكثير من المساحات الخضراء ، إلا أن ذلك المشهد كان فريداً ومؤثراً وفيه جاذبية غريبة لم أشعر بها تجاه أي مكان آخر .
 
*ضياء
28 - يونيو - 2008
شوق العودة    كن أول من يقيّم
 
     تحياتي وأشواقي إليكم جميعا ياسراة الوراق...وتحية خاصة إلى أصدقائي الذين فتحت معهم صفحات من الحوار والنقاش والجدال والمناظرة...كنت بين الفينة والأخرى أطل خفية على الوراق....لكني لم أجرؤ على التعليق خوفا من قطائع غير متوقعة...لكني هذه المرة لم أقاوم نفسي ووجدتني أنساق وراء لهفة لم أستطع كبح جماحها....أغبطكم على هذا النفس الطويل...اكتشفت من خلال إصراركم ـ ياأساتذتي ـ أني تلميذ متهاون وكسول....قد لا أعدكم بالمواظبة...لكني سأطل عليكم كلما سنحت الفرصة إما قراءة أو كتابة أو شغبا...أتذكر فعلا زمن الشغب الفلسفي مع يحيى وضياء وعبدالحفيظ وعبدالرؤوف وزهير وفادي....والإخوة الاخرين. ومع هذه الذكريات أقول لكم بأنكم أصدقاء رائعين...مع أطيب تحياتي...
*وحيد
29 - يونيو - 2008
وقعت في الفخ    كن أول من يقيّم
 
هكذا في اللحظات الأخيرة وبعدما نشرت قصيدة (البحر الدكالي) وقعت في هذا الفخ، لم أشعر بنفسي إلا وقد التطمت في قاع الحفرة، وما أحلاه من فخ يكون الوقوع فيه على الأستاذ وحيد، لم أجد بدا من الترحيب بعودة صديق أعيان السراة القدماء الأستاذ وحيد الفقيهي، لابد أنني سوف أتابع الحديث معك في المنام يا أستاذ فأنا أكتب هذه الكلمات بعدما قطعت كيلومترات من سرداب النوم، تصبح على خير، وإلى اللقاء مع ترحيب الأستاذة ضياء في الغد
*زهير
29 - يونيو - 2008
الشاعرة ضياء    كن أول من يقيّم
 
اعتدتُ كلما فتحتُ موقع الوراق أن أفتح هذا المجلس , واليوم صدمتني صورة الغالي إحسان , كما أشعرتني قصيدتك المنشورة بتاريخ 19|6  بالمفاجأة الكبيرة , فأنت حقا ودون مجاملة شاعرة حقيقية , وأما الموسيقى الداخلية في القصيدة ففيها من الحرفية والشاعرية ما يجعلها أغنية كاملة
أتمنى قراءة المزيد لك أستاذتي , ودمت
*محمد هشام
30 - يونيو - 2008
وحيد الكلمة الواعية والمسؤولة    كن أول من يقيّم
 
تحيتي وسلامي للأستاذ وحيد : أسعدتني جداً رسالتك الدافئة ، وكلماتك الودودة ، وأنا اعتذر عن عدم تمكني من الرد على تعليقك حتى هذه اللحظة ، لكني كنت قد دخلت في سرداب الذكريات التي أثرتها بمداخلتك كما دخل الأستاذ زهير في سرداب النوم .
أسفت كثيراً يا أستاذ وحيد ، وأنا لن أكرر هذا الكلام بما فيه كفايتي حتى ولو اعدته ملايين المرات ، أسفت للنتيجة التي وصلنا إليها ، رغم أنني كنت اتوقعها تماماً ، لأنني على قناعة تامة وراسخة بأن ما كان قد جمعنا ويجمعنا هو اهم وأكبر بكثير مما قد فرقنا . لكني لا زلت حتى اليوم متفائلة ، يحدوني الأمل بأن هناك جولة أخرى قادمة ، لا أدري متى ، ولا كيف سيكون شكلها ، لكن محبتي لكم جميعاً وتقديري لكل الآراء ووجهات النظر التي طرحت ( مع التحفظ على مشاركات فادي الغريبة أحياناً ) تجعلني أظن وأعتقد بأن بيننا قواسم مشتركة أكبر وأهم بكثير من كل تلك الأفكار التي تبدو لنا اليوم بضخامة الجبال . أنت أستاذ في علم النفس ، وتعلم إلى مدى خضعنا ونخضع للتعبئة الإيديولوجية التي تمارسها علينا وسائل الإعلام ، وخضعنا ونخضع كل بمفرده ، لتأثير البيئة والعالم الذي ينتمي إليه اجتماعياً وثقافياً ، شاء من شاء ، وأبى من أبى . لكن هذا لن يمنعنا ، لو كنا أحراراً ، وصادقين ، من رؤية حقيقتنا الداخلية ، السجينة داخل جدران هذه الخلافات العقائدية التي يزداد فورانها وتتأجج نيرانها في كل يوم ، والتي لا تمثل إلا وجهات نظر ومصالح مؤقتة مرتبطة بزماننا الراهن والمتحول . 
 فرحتي كبيرة في كل مرة ألتقي فيها صديقاً أو صديقة جمعتني به أو بها يوماً لحظات ثمينة كالتي جمعتنا في ملف الفلسفة ، وفرحتي بك اليوم كبيرة لأنك صديق رائع ، صديق الدماثة والنبالة ورحابة الصدر ، والكلمة الواعية المسؤولة التي تبني ولا تهدم .
 
   
*ضياء
30 - يونيو - 2008
 71  72  73  74  75