 | عندما تعني فيروز ما تغنيه كن أول من يقيّم
تكثر في هذه الفترة في الصحف العربية المقالات التي تتناول موضوع ذهاب فيروز إلى سوريا ، وذلك بمناسبة افتتاح احتفالية دمشق كعاصمة للثقافة العربية ، لتقدم هناك مسرحية " صح النوم " والتي كان قد سبق لها أن قدمتها في معرض دمشق الدولي في العام 1968 . إخترت قسماً من هذه المقالة التي نشرت في جريدة الحياة لتأريخ هذا الحدث في ملف الوطن والزمن المتحول ولأنها تحكي جزءاً من تاريخ هذه العلاقة التي تشعبت أواصرها لتأخذ وجوهاً متعددة لا تقتصر على العلاقة الفنية والمهنية فقط . بين فيروز ودمشق أواصر عائلية حميمة لا تقف عند نقاط التفتيش الحدودية ، وحكايتها معها حكاية قديمة جداً أبعد من ذاكرة البشر ، وهي قصة ولاء ووفاء جمعتهما في السراء والضراء ودامت عمراً كاملاً ولم تنته بعد . علاقة فيروز بالشام... حكاية حب لا تتوقّف أحمد بوبس الحياة - 17/01/2008 حكاية فيروز مع دمشق بدأت عام 1953. ففي أحد أيام ذاك العام كان الأمير يحيى الشهابي كبير مذيعي إذاعة دمشق ومدير البرامج فيها آنذاك، يتناول طعامه في مطعم العجمي في بيروت. وكــان مذياع المطـــعم يبث برامج الإذاعة اللبــنانية. وقدم المذيع مطربة اسمها فــيروز، فغنّت في شــكل جميل أدهــش الأمير الــشهابي. فتوجه فوراً إلى مقر إذاعة بيروت، وسأل حليم الرومي (رئيس الدائرة الموسيقية في الإذاعة آنذاك) عن المطربة. استدعاها الرومي. وإذ بها تدخل مرتدية مريولاً مدرسياً، ومعها عاصي الرحباني متأبطاً كمانه وبرفقته شقيقه منصور يرتدي بزة الشرطة ومتأبطاً بزقه. وعرض عليهم الأمير الشهابي العمل في إذاعة دمشق، فوافقوا فوراً، لأن إذاعة دمشق كانت من أقوى الإذاعات العربية. وأصبحت فيروز تحضر كل أحد مع الأخوين الرحباني إلى دمشق، لتسجيل أعمالهم لمصلحة الإذاعة السورية. لكن كيف بدأت حكاية فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي؟ كان ذلك أواخر عام 1955. وكان الفضل في ذلك لجهود الصحافي اللبناني هشام أبو ظهر الذي كان يعرف فيروز والأخوين الرحباني. فقدّمهم الى المدير العام لمعرض دمشق الدولي آنذاك فيصل دالاتي الذي عرض عليهم المشاركة في مهرجان فني جديد، يجري الاعداد له على مسرح المعرض. وبالفعل وقّع عقداً معهما في هذا الشأن، وبدأت مشاركة فيروز في مهرجان معرض دمشق الدولي منذ دورته الأولى عام 1956، فقدمت مجموعة من الموشــحات والأغــنيات الأخرى بمرافقة الــفرقة الشــعبية اللبنانية. بدأت بموشحي «جادك الغيث» و «لما بدا يتثنى»، ثم غنت مجموعة من ألحان الرحابنة مثل «يا قمر أنا وياك» و «ما في حدا». وكان في مقدم الحضور الزعيم الوطني فخري الــبارودي. واســتمرت بعد ذلك في مــشاركتها ســنوياً من دون انــقطــاع حتى عام 1977، عــندما حالت الحرب الأهــلية اللبــنانية دون اســتمرار تلك المــشاركة. وكانت مشاركاتها حتى عام 1961 بحفلات منوعة. بعدها بدأت بتقديم المسرحيات مع الرحابنة. والمسرحيات التي قدمتها على مسرح المعرض حسب تسلسلها الزمني هي: «جسر القمر» عام 1962 و «الليل والقنديل» عام 1963 و «بياع الخواتم» 1964 و «هالة والملك» 1967، و «الشخص» 1968 و «صح النوم» 1971 و «ناطورة المفاتيح» 1972 و «لولو» 1974 و «ميس الريم» 1975، و «بترا» 1977. وفي الأعوام التي لم تشارك فيها فيروز في مسرحيات، أقامت حفلات غنائية. هذا الحب الكبير الذي أعطته دمشق لفيروز، قابلته الأخيرة بحب أكبر من خلال مجموعة من الأغنيات غنّت بها دمشق. وشاميات فيروز من أجمل ما لحّن الرحابنة. وجميعها قدمتها فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي الذي ارتبط باسمها في ذاكرة الدمشقيين. ومن أهم حفلاتها في أيلول (سبتمبر) 1961، حيث شدت بأجمل أغنياتها عن الشام «سائليني يا شام» رائعة سعيد عقل الشعرية. والأغنية تتحدث عن دمشق عاصمة الأمويين وجنة الدنيا بنهرها بردى. ويقول مطلع الأغنية: «سائليني يا شام، حين عطرت الغمام، كيف غار الورد، واعتل الخزام، وأنا لو رحت أسترضي، لانثنى لبنان عطراً يا شام». ومن شعر وتلحين الرحابنة غنّت أغنيات شامية أخرى مثل «يا شام عاد الصيف» و «شام يا ذا السيف» التي تتحدث عن دمشق عاصمة المجد وصانعة اشراق التاريخ العربي. والمعاني نفسها حملتها قصيدة «قرأت مجدك». ومن أجمل ما غنت فيروز للشام «طالت نوى وبكت». وهذه الأغنية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمعرض دمشق الدولي أواخر فصل الصيف حيث الموعد السنوي لفيروز مع دمشق. وفي الأغنية إشارة واضحة إلى ذلك في المقطع الذي يقول: «شام أهلك أحبابي، وموعدنا أواخر الصيف، آن الكرم يعتصر، نعتق النغمات البيض نرشفها، يوم الأماسي لا خمر ولا سهر». وتعود فيروز إلى سعيد عقل فتغني قصيدة «نسمت من صوب سورية الجنوب». والأغنية الوحيدة التي قدمتها فيروز عن الشام وليست من تلحين الرحابنة، هي قصيدة «مرّ بي يا واعداً وعدا» التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب من شعر سعيد عقل. وآخر أغنيات سفيرتنا إلى النجوم عن الشام «بالغار كلّلت أم بالنار يا شام» نظم وتلحين الرحابنة بعد الانتصارات التي حققها المــقاتلون الســوريون فـــي معارك «حرب تشرين» (1973). * عن جريدة الحياة الصادرة اليوم | *ضياء | 17 - يناير - 2008 |
 | ذكريات من زيارتي الأخيرة لدمشق     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
عدت إلى دمشق , إلى عيون الحب , إلى ذكرياتي وأيامي الماضية , وإلى حي الميدان , وزقاق الحطاب , وحارتي .. إلى ياسمينة بيتنا التي لم تزل توزع عبقها المجبول بروح أمي وأنفاسها , ورغم البرد الشديد قضيت معظم وقتي في الدروب التي مررتها , كنتُ أحس بخطواتي نفسها , وبدقات قلبي نفسها , لم أتغير ولكن أين تراهم ذهبوا ؟ في روحي أرى أصدقائي , وجيراني , وأغراضي , وكتبي , وأشجار بيتنا , وجاراتنا , وأحجار حارتنا , وزواياها , وملاعبنا , وعينيها , في روحي لم تزل ضحكات أصحابي , ودفاتر مدرستي , ومائدة نتجمع عليها يطوف من جنباتها الحب والصدق , هنا كنا نتمشى في انتظار صوت المؤذن الحنون من جامع التينبية ليحين موعد الإفطار في رمضان , ومن هنا كنا نذهب إلى بستان الأرمان وبستان الحلاجة , وهنا واصلنا نقاشاتنا البريئة , وهنا دفنوا أبي وأمي وكثير من الأحبة الأحياء في ذاكرتي , هذه السماء هي نفسها لم تتغير , وشجرة الليمون ببيتنا لم تزل نفسها , وتحت الياسمينة الصفراء في زاوية البيت كانت تجلس أمي تتمتع بمراقبتنا نلعب قرب البحرة , ونتسلق شجرة الجانرك الكبيرة التي كانت معنا من نفس العائلة , لا أنسى هذا السرير , وهذه الطاولة , والدرج الخشبي , وعينيها , وكتاباتنا على الحيطان والأثاث , وألحاننا , ومذياعنا الكبير , وقطط المنزل ( بقجة , وحربوء , وشيبة , وأصيل .. ) , كيف أنسى صوت المطر أو منظره من شباك غرفتنا , أو تجمعنا حول المدفأة , وجامع منجك , والشيخ أحمد الذي كان يحفظنا القرآن , آه لو قضيت عمري أستمع صوتك الحنون , وجيراني لم أرهم , محمد ومروان وفواز وفتحي ومحمود .... , هنا على هذه المصطبة كنا نجلس , وكنت أخترع القصص الحربية لهم , وهناك كنت وأخي جمال نتمرجح على شجرة التين القديمة , وكانت أشجار الزيتون والجوز هنا في مكان هذا الجسر الكريه , وتحته أيضاً كانت مدرستي , وهنا سألتني ( -. ليش بتحبني ؟ ) , عرفت أن هذا أصعب الأسئلة , ولم يخطر في بالي من قبل ( -. لأني حمار ! ) , في مكان هذه البناية كانت بقالية أبوياسين , وطعمة البوظة التي كان يعملها لنا مازالت في فمي , ولا أحد كان يجرؤ على الذهاب إلى بساتين الوادي حيث الضباع والمجهول , أين هذه البساتين ؟ , وأين هذه الذكريات ؟ , وأين هؤلاء الأحبة ؟ وكيف مضوا ومازلتُ طفلاً يتمشى وحيداً بين الحارات ؟ ... استمتعت كثيرا حين سمعت من يناديني ( أبو هاشم ؟؟ ) أو من يلاقيني قائلا ( رحم الله أبوك ) , ولكن هذا العجوز الذي قابلته كان زميلي في المدرسة !! , هل أنا مثله أصبحتُ عجوزاً ولا أدري ؟؟ , وهل نسيني الزمن مثل هذه الطرقات التي نسيتني ؟؟ , أم أنني بوهمي أعيش ؟؟ مرت السنين يا شام , وما زلت نفس الصبي الحالم , الذي كان يسير دون هدف في حاراتك المقدسة . | *محمد هشام | 25 - يناير - 2008 |