البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 64  65  66  67  68 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
من وحي "الصورة التي تتكلم "    كن أول من يقيّم
 
* من إنجاز "سفير الورد"
باستعمال "ب. فوطو فيلتر"
*abdelhafid
22 - ديسمبر - 2007
عساها تكبر بكرامة !    كن أول من يقيّم
 
 
صحيح أستاذ هشام ، قلقك وقلق الأستاذ عبد الحفيظ في محله وكلماتي لا تعبر عن واقع الحال بقدر ما تعبر عن رغبة دفينة في نفسي أشعر بها في كل مرة أقف فيها أمام مشهد كهذا المشهد ، وما أكثر المناسبات ، وكانت قد عصفت بي في الصيف الماضي خلال زيارتي للبنان ولمدينتي طرابلس مشاعر مماثلة لشدة ما راعني من مشاهد البؤس الذي يزحف إليها من شارع لشارع ، ومن حارة لحارة ، حتى خيل لي بأن الزمن يمشي بها إلى الوراء . لن أتمكن من أن أصف لك معاناة البشر بدءاً من نقص الماء والكهرباء وانعدام النظافة وأبسط شروط العيش الكريم ، مع أن بعض المناطق لا تزال واجهة سياحية ، لكنت لو توغلت في الأحياء والأزقة الداخلية لظننت بأنك في بنغلادش أو في إحدى ضواهي نيو دلهي ، وكل ما لم تنجح الحرب في تدميره فلسوف يقضي عليه الفقر والحرمان ، ولسوف يخضع إرادة البشر ويحطم عزمها وقدرتها على المواجهة ، هذا هو العدو الأكبر ، وهذا هو الخوف الأكبر .
 
رأيت الكثير من الأولاد أمام بسطة كهذه يضعونها أمامهم أو يتجولون بها ، بعضهم يمسح زجاج السيارات ، والبعض يمسح الأحذية ، والبعض الآخر يفتش في القاذورات عن قناني بلاستيكية فارغة يجمعها في كيس كبير ليبيعها : صبي منهم شاهدته كان قد وجد في الزبالة قطعة " كرواسان " فجلس ليأكلها على جانب الرصيف . كان يتناولها برفق شديد بيديه الملطختين بالسواد ، ثم يقضم منها بتلذذ ، وهو يحرص على نفض الفتات التي كانت تقع منها ، أو إلتقاطها بأناقة ، برؤوس أصابعه ، كيلا تتسخ منها ثيابه .
 
رؤية هذه البنت أعادت الأمل إلى نفسي ، هي في الشارع نعم ، وعرضة لكل الأخطار ، لكنها تحاول بأن تمسك بمصيرها ، تقاوم بعزمها الصغير ، تتمرد على واقعها وتحاول الخروج منه بطريقة سليمة ، تواجه واقعها بشجاعة وتتحمل معاناته وهي تفكر وتعمل لتغييره ، فمن ذا الذي سيمنعها أو يوقف تقدمها ؟ ..... نعم الطريق شاق وصعب ، ومليء بالمطبات كما قلت ، لكن من ذا الذي سوف يتجرأ على الوقوف أمام هذا العزم ، هذه الإرادة وهذا التصميم ؟؟؟ إنها مسألة كرامة وليست فقط مسألة بطن جائعة !
 
*ضياء
22 - ديسمبر - 2007
من ضيَّع حمار خالته ؟    كن أول من يقيّم
 
 
نودع عاماً أنصرم وصادف أن كانت نهايته حافلة بالمناسبات : لا بهجة للأعياد ، ولا سعادة تظلل أجواءها التي نتكلف بتزيينها وتعطيرها وإنارة شموعها الحزينة . صور المآسي تجتاح شاشات التلفزيون الذي يتربع في صالاتنا ويسكن منازلنا ويشاركنا في حياتنا اليومية . مصرع هذه السيدة الجميلة ، بنظير بوتو ، كان مؤثراً ! الصور التي تأتينا من العراق تنكأ فينا جراحات ما اندملت ، ومشاهد الطائرات التي تغير ، والدبابات التي تزحف وتعاود الزحف يومياً كأنها تريد بأن تصفي آخر قطرة متبقية من الدم الفلسطيني تهيج في دواخلنا غضباً يطفىء فينا آخر جذوة للأمل . وفي لبناننا " المباع على الرصيف " ، وكلما نظرت في وجوه سياسييه رأيت صورة ذلك الذي " ضيَّع حمار خالته " ، كل واحد فيهم يغني على ليلاه .
 
 كان عاماً مكلفاً وحزيناً . كان عاماً قدمت فيه الكثير من قرابين الحرب ، وكانت حصتنا فيها كبيرة . كيف السبيل للخروج من دوامة العنف هذه ؟ ولماذا نمنى بكل هذه الخسارات الجسيمة ؟ وكيف وصل بنا الآمر لكي تصبح بلادنا مفتوحة ومشرعة الأبواب هكذا أمام كل طامع ؟ هل من سبيل لإيقاف هذه الكوارث أم أن هذه الغولة التي تزحف مكشرة عن أنيابها لم تشبع من الدم بعد ؟ وهل من المعقول أن يستمر هذا الجنون طويلاً بعد ؟ ........
 
.......... مع هذا ، نتمنى لكم عاماً سعيداً ، ونتمنى للأولاد بأن يكبروا ، ونتمنى بأن يتبدل هذا الحال ، وسنظل نتفاءل بالخير حتى نجده لأن " دوام الحال من المحال " إنما ما نرجوه للعام الجديد هو : أن نتبدل نحو الأفضل .
 
*ضياء
31 - ديسمبر - 2007
القلب لا ينسى..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
* الأسـتاذ زهـير، عيد ميـلاد سـعيد ..
وسنة جـديدة أتمناها لك ولجميع الـسراة
حافلة بالمسرات ، مفروشة بورود بيضاء
وفوانيس مضاءة... وقلب لا ينسى
أن يحب .
 
My birthday
 
*abdelhafid
1 - يناير - 2008
العامية فصحى محرفة (1)    كن أول من يقيّم
 
 
 
وهذه محاضرة في أصل اللهجة المصرية للمرحوم الدكتور شوقي ضيف ، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة ( ألقاها في الجلسة الثانية من مؤتمر المجمع في دورته السادسة والستين بتاريخ 28 ذي الحجة 1420 الموافق للعام 2000 م  ) ندرجها استكمالاً للفائدة التي كنا قد بدأناها في المقالات السابقة حول أصل اللهجات المحكية في الوطن العربي . لا بد من الإشارة إلى أن هذه المقالات التي أقوم بنقلها إلى هنا كونها من علامات الزمن المتحول والأوطان التي تشكلت بتحوله ، ربما تبدو للبعض باهتة أو قد تجاوزها الزمن مقارنة بالدراسات الحديثة التي تطورت تقنياتها وتفرعت بشكل هائل حالياً حتى صار من الصعب الإلمام بها لغير المتخصص ، غير أنني وجدت في هذه المقالات فائدة كبيرة لأنها عود إلى بدء ، ولأنها تأسيسية وبإمكانها ان تكون مدخلاً لإثارة اهتمام الدارسين من طلاب الجامعات بهذا الموضوع الهام والمترامي الأبعاد .
 

العامية فصحى محرفة

للأستاذ الدكتور شوقي ضيف رئيس المجمع
 
ا
الزملاء المجمعيون من المصريين والعرب والمستعربين
السيدات والسادة:
        للعامية أنصار كثيرون وخاصة في مصر، يقولون: دعونا نتخذ العامية لغة لأدبنا لأنها لغة بسيطة تمتلئ بها الأفواه في حياتنا اليومية بينما الفصحى لغة نزيلة في ديارنا، وقواعدها معقدة وتحتاج منا جهدًا في تعلمها. ومن يقولون هذا القول عن الفصحى لا يعرفون تاريخها، ولا أنها حين خرجت من الجزيرة العربية مع الفتوح الإسلامية قهرت بعذوبة لسانها وبيانها جميع اللغات التي التقت بها من أواسط آسيا إلى المحيط الأطلنطي: قهرت الفارسية في إيران، والآرامية والنبطية في العراق، والسريانية واليونانية في عليها نهائيا واستحالت بلدانا عربية دون تدخل حاكم عربي وإدارته الحاكمة في أي بلد بقوة الفصحى الذاتية وقوة القرآن الكريم. وأعدها ذلك لأن تصبح لغة عالمية، مما لم يتح لأية لغة قديمة سواها.
 
       ولم تصبح الفصحى عالمية لغويا فحسب، بل أصبحت أيضا عالمية ثقافيا فقد استوعبت الثقافات التي سبقتها جميعا: استوعبت الثقافة الهندية وما كان بها من فلك ورياضة، واستوعبت الفارسية وما كان بها من نُظم في السياسة والإدارة والحكم، واستوعبت اليونانية وما كان بها من علوم وفلسفة وطب وغير طب، واستوعبت كل ما كان لدى الأمم القديمة من فكر وعلوم بفضل اشتقاقاتها الكثيرة وقدراتها على تمثل الأفكار والمعارف، وقد مضت تضيف إليها إضافات كبيرة، وظلت الشام، والقبطية واليونانية في مصر، واليونانية واللاتينية والبربرية في المغرب، واللاتينية والرومانثية في الأندلس بإسبانيا. استعلت على كل هذه اللغات ونحَّتْها عن ألسنة الشعوب في كل هذه الديار وحلت محلها في الألسنة.
 
       ولقد نزلت اليونانية الشام ومصر منذ عهد الإسكندر وظلت لغة حكامهما ولغة الإدارة فيهما قروناً، وبالمثل نزلت اللاتينية واليونانية البلاد المغربية ولم تستطع إحدى اللغتين أن تنقل إحدى البلدان التي سيطرت عليها إلى لسانها إذ بقيت لغة للحاكم وحاشيتـه، وظلت الشعوب في الشـام ومصر والمغرب تتحدث بلغتها المحلية أمـا الفصحى فبمجرد أن نزلت فيهاأخذتْ لغاتُ كل هذه البلدان تُزَايلها وتحل محلها تدريجياً، حتى قضت تقود العالم علميا طوال ستة قرون متعاقبة، وقامت أوربا منها منذ القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن السادس عشر مقام التلامذة من أساتذتهم، إذ ترجموا إلى لغاتهم كل مالها من علم وفكر وفلسفة متخذين منها منارات تهديهم إلى مسالكهم في حضارتهم الحديثة.
 
       ويردِّدُ أنصار العامية أن الفصحى لغة تراثية لا تلائم العصر، وفاتتهم معرفة أن الفصحى الآن إنما هي لغة عصرية حديثة أخذت في الظهور منذ أواسط القرن الماضي ببواعث مختلفة، منها رؤية الأدباء وخاصة المترجمين أساليب النثر الأدبي والعلمي الغربية وأنها تخلو من قيود السجع والبديع، وكانت قد طُبعت حينئذ كتب ابن المقفع والجاحظ، فعمدوا إلى استخدام لغة تعتمد على الأسلوب المرسل الخالي من كل قيد، ولم تلبث الصحف أن ظهرت واتجهت إلى الجمهور، فكان طبيعيا أن تتخذ هذا الأسلوب المرسل الجديد حتى يفهم الشعب ما تريد أن تخاطبه به من أمورالسياسة والاجتماع والاقتصاد، وأخذ الصحفيون يحاولون تبسيط لغتهم حتى تفهم ما يقولونه طبقات الشعب المختلفة، وأعد ذلك لفصحى عصرية حديثة مبسطة غاية التبسيط، وأخذت الأجيال التالية من الصحفيين والأدباء تبسطها صورا مختلفة من التبسيط. ونلتقي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بأول جيل صحفي مهم عمل على إشاعة هذه الفصحى الحديثة: جيل الشيخ محمد عبده، وأحمد لطفي السيد، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وكانوا يكتبون مقالاتهم الصحفية بلغة مبسطة سهلة تمتع القارئ، وخلفهم منذ العشرينيات في هذا القرن جيل من أدباء الفصحى الحديثة البارعين من أمثال عباس العقاد، وإبراهيم المازني، وطه حسين ومحمد حسين هيكل، وبلغوا بهذه الفصحى الحديثة الغاية في جمال الصياغة وروعة الأسلوب، وعاونهم في الأداء بها للفنون المستحدثة من القصص والمسرحيات غيرُ أديب من الشباب الجامعي وغيرهم مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ. وصِيغ بهذه الفصحى الحديثة في القرن العشرين كل ما ترجمه الأدباء المصريون الأفذاذ وكل ما كتبه علماء مصر من اقتصاد وعلم اجتماع أو علم نفس أو تربية أو علوم طبيعةٍ وغير طبيعة أو فلسفة. وكل ذلك كتبه أدباؤنا وعلماؤنا بالفصحى الحديثة، ووضعوا له معاجمه التي تضعها مجامع اللغة العربية وعلماء الأمة الأعلام. وليس لنا كتاب في علم أو فكر أو قانون أو سياسة أو تاريخ قديم أو حديث أو في أي فن من الفنون إلا كتب بهذه الفصحى الحديثة، وكُتِبَ بها أدبنا بقصصه وأقاصيصه ومسرحياته البارعة، أما المقالات فتنشر يومياً في الصحف التي تحملها الملايين من الشعب صباح مساء.
       والفصحى الحديثة لم تؤدِّ لنا في القرن العشرين فقط كل معارفنا وثقافتنا وعلومنا وآدابنا وفكرنا فقد أدت لنا أيضاً الآداب الغربية كاملة وما خلَّفه شعراء الغرب المبدعون وكتَّابه وفلاسفته. ومر بنا زمن كنا نأخذ عن الغرب أعماله الأدبية ولا نعطيه شيئاً. وخَلَفَتْ هذه المرحلة في القرن العشرين مرحلة جديدة نقلت إلى الغرب فيها مسرحيات لتوفيق الحكيم وغيره، ومثلت على مسارحهم، كما نقلت إليهم قصص بديعة لنجيب محفوظ وغيره وأعجبوا بها. وبذلك أصبحت الفصحى الحديثة تتبادل مع اللغات الأوربية أعمالها الأدبية. أصبح أدبنا عالميًّا كما أصبحت الفصحى لغة عالمية في الأمم المتحدة.
 
       ومع ما للفصحى الحديثة من هذا الكيان الأدبي والعلمي والفكري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني يقول أنصار العامية: إنها لغة تراثية وهي لغتنا العصرية، ولغة قوميتنا وعروبتنا الخالدة، ولغة كياننا ووجودنا على صفحات التاريخ. بينما العامية التي ينتصرون لها ليست لغة، وهي لا تحمل شيئاً مما ذكرت ولا تتمثله، إنها لهجة يومية مؤقتة، ولا تحمل لنا دينًا ولا علمًا ولا فكرًا ولا ثقافة ولا تاريخاً، مثلها في ذلك مثل اللهجات اليومية المتولدة من اللغات الحية الكبرى مثل الإنجليزية، لهجات لأداء الحاجات اليومية في الشارع والسوق والمصنع ولا تحمل أدب الأمة وفكرها ولم يقل أحد هناك: دعونا نتخذ لهجة السوق أو الشارع لغة أَدبنا، ولم يقل أحد عندهم: دعونا نتخذها للتعبير عن أدبنا الرفيع وفكرنا العميق.
 
       ومع أن الكثرة الغالبة من ألفاظ العامية ذات أصل فصيح نراها تهمل إعراب الألفاظ، وهو تغيير حركاتها في أواخر الأفعال والأسماء المعربة، وهو من أهم خصائص الفصحى، ويقف المتحدثون بالعامية على أواخر الكلمات بالسكون، ولم يذكر عن قبيلة عربية قديمة أنها أهملت إعراب الكلمات، وكل ما ذكر عن الشعراء القدماء أنهم قد يسكنون كلمة معربة في بيت من أبياتهم لضرورة الوزن في الشعر كقول امرئ القيس:
فاليومَ أشربْ غير مُسْتَحْقبٍ    إثما من الله ولا واغل
 
مستحقب: مكتسب. وسكَّن امرؤ القيس الفعل: "أشربْ" وحقه الرفع لضرورة الشعر، وهو بيت وحيد في شعره. وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: إن قبيلة تميم تجيز حذف الحركة الإعرابية أحيانا، ونظن أنها كانت تجيز ذلك إذا توالت الحركات في مثل قوله تعالى في سورة البقرة: (ويعلِّمُهم الكتاب) بتسكين الميم وبذلك كان يقرأ أبو عمرو بن العلاء وهو تميمي، ويعلق ابن مجاهد في كتابه: القرَّاء السبعة على قراءته بقوله: " إن أبا عمرو كان يسكن لام الفعل في مثل ذلك للتخفيف في النطق أي لا لطرح الإعراب. وقُرئت آية سورة (المنافقون): (فأصَّدَّقَ وأكَونَ من الصالحين) بتسكين النون في (وأكون) لتصبح ( فأَصَّدَّقَ وأكنْ من الصالحين ) دون جازم، وبذلك قرأ ستة من القراء السبعة المشهورين هم: نافع وابن كثير وعاصم وحمزة وابن عامر والكسائي، وهو مثال وحيد في قراءات القرآن الكريم، وكأنما أريد بالتسكين وجوب الصلاح على المتكلم. وقرأ أبو عمرو ابن العلاء لفظ: ( وأكن ) بالتسكين ( وأكون ) بفتح النون عطفا على ( فأصدق ) السابقة لها .
 
  وإعراب الكلام في الفصحى وتغير الحركات في آخر الكلمات حسب مواقعها من الإعراب جزء لا يتجزأ من النطق بالعربية، سواء في القرآن الكريم أو في الحديث النبوي الشريف أو في الشعر أو في الخطابة أو في الكتابة. ورُويَ أن قبائل ربيعة كانت تقف بالسكون على آخر المفعول به، واستشهدوا لها بقول أحد شعرائها:
أَلا حـبذا غُنْمٌ وحسنُ iiحديثها
 
لقد تركتْ قلبي بها هائماً دَنِفْ
ودنف: سقيم، وسكن الشاعر لفظ " دنف " وحقه النصب مثل " هائماً " قبله. وربما سكنه الشاعر لضرورة القافية في القصيدة. على أن البيت لا يصلح شاهدًا على تسكين ربيعة للمفعول به، لأن " دنف " فيه تقع موقع الحال لا موقع المفعول به.
 
  والعامية المصرية لا تختص وحدها بإهمال الإعراب في الكلام بل تشترك معها في هذه الظاهرة جميع العاميات العربية من الخليج العربي إلى المحيط الأطلنطي، إذ كانت لغاتها المحلية تسكن أواخر الكلم، فلما تعربت أخذت تحاول إهمال الإعراب بصور مختلفة حتى تم لها ذلك بعد قرون تتفاوت بتفاوت الشعوب.
 
      (تابع )
 
*ضياء
2 - يناير - 2008
العامية فصحى محرفة (2)    كن أول من يقيّم
 
                                                         العامية فصحى محرفة
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
 
بدء شيوع العامية في مصر
 
  لا يعرف بالضبط بدء التاريخ الذي ظهرت فيه العامية بمصر. والمظنون أنها أخذت في التكون بالقرون الأولى من فتح العرب لمصر، إذ أخذت في التعرب بعامل دخول كثرة من أهلها في الإسلام، حتى ليبلغوا في عهد معاوية نحو نصف سكانها الأصليين من القبط، إذ اعتنقوا الإسلام، وأخذوا يتعلمون لغته الفصحى. وعامل ثانٍ كان أثره في تعرب مصر أكبر، وهو نزول كثرة من القبائل العربية مصر وخاصة من القبائل القيسية حين سمعت بخيراتها وطيباتها من الرزق، وظلت هذه القبائل العربية تنزل بمصر حتى عصر الدولة الفاطمية وهجرة القبائل الهلالية إلى مصر، ثم إلى تونس والبلاد المغربية.
 
والعامية المصرية إنما تمت بالتقاء العربية الفصحى فيها باللغة القبطية وما حدث من امتزاج بين العرب والمصريين في المسكن والمعيشة والمصاهرة وأخذت تسود عامية كانت الغلبة في أفعالها وأسمائها وضمائرها للفصحى وهي لذلك عامية عربية، وكان أول ما حرَّفته من عروبتها التزامها بإهمال الإعراب في أواخر كلامها منذ العصر الفاطمي إذ نجد أكبر علماء مصر اللغويين في القرن السادس الهجري: ابن بري المتوفى سنة 582 للهجرة يهمل الإعراب في كلامه، يقول ابن خلكان إنه كان لا يتقيد في حديثه بالإعراب ويسترسل في كلامه كيفما اتفق، وقال يوما لأحد تلامذته ممن يشتغل عليه بالنحو: اشتر لي هندبا بعُروقو، فقال له التلميذ مصححا عبارته: بعروقه، فعزَّ عليه تصحيح التلميذ للفظه، فقال له: لا تأخذه إلا بعروقو، وإن لم يكن بعروقو فلا تأخذه، يقول ابن خلكان: وكانت له كلمات من هذا الجنس، لا يكترث بما يقوله، ولا يتوقف على إعرابها، فإذا قلنا إن العامية المصرية أخذت تشيع في أحاديث المصريين منذ القرن السادس الهجري حتى في ألسنة أعلام الفصحى من أمثال ابن بري لم نكن مغالين ولا مبالغين.
 
       ولابن سناء الملك المصري شاعر صلاح الدين المعاصر لـه إذ توفي سنة 608 للهجرة كتاب في موشحات الأندلسيين وموشحاته سمَّاه: " دار الطراز " ونجده يهمل الإعراب في موشحاته مرارًا في بعض عباراته، ونذكر من ذلك بعض الشواهد. ففي الموشح السادس: " فرجعت خايب .. حين فر هارب " ويقول في الموشح الثامن عشر : " غزالا فاتر الأجفان فاتن". وفي الموشح الحادي والعشرين: " قولا صحيح ". وفي الموشح الثالث والعشرين " طرفا فاتر .. سيفاً باتر " وفي الموشح الرابع والعشرين: " ما أراني راضي". وفي الموشح الخامس والثلاثين: " لم أكن ذاهل .. لم أكن غافل " وجميع الكلمات الساكنة في هذه الموشحات وهي على الترتيب:" خايب. هارب. فاتن. صحيح. فاتر. باتر. راضي. ذاهل غافل. " ساكنة، وحقها النصب. وفي ذلك ما يدل على أن إهمال الإعراب في العامية أخذ يدخل في الموشحات الفصيحة: عدوى جاءتها من شيوعه في العامية المصرية.
(تابع)
*ضياء
2 - يناير - 2008
العامية فصحى محرفة (3)    كن أول من يقيّم
 
                                                العامية فصحى محرفة
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
 
تحريفات كثيرة في العامية
 
       الكثرة الغالبة في ألفاظ العامية المصرية ألفاظ فصيحة أو ذات أصل فصيح، إذ أغلب ما فيها من أفعال أو أسماء أو حروف أو حركات أصله فصيح وعمت فيه تحريفات سجلها العالم الجليل المرحوم أحمد تيمور في معجمه الكبير وسجلها مؤلفو كتب الألفاظ العامية في مؤلفاتهم، والتحريفات كثيرة. بحيث يمكن أن يقال إن العامية فصحى محرفة ونضرب لذلك بعض الأمثلة:
 
أ- كسر أحرف المضارعة
 
شاع كسر أحرف المضارعة في العاميات العربية وتجاريها العامية المصرية فيما عدا همزة المتكلم، وكأنها استثقلت كسرها لخروجها من الحلق واشتهرت قبيلة بهراء القضاعية التي كانت تنزل شمالي ينبع في الحجاز وتمتد عشائرها إلى خليج العقبة بأنها كانت تكسر أحرف المضارعة، ويسمى اللغويون هذه الظاهرة باسم تَلْتَله بهراء ويبدو أن أكثر القبائل العربية في نجد وغيرها كانت تشرك قبيلة بهراء في هذه الظاهرة، إذ يقول أبو حيان في تفسيره " البحر المحيط " تعليقاً على قراءة ( نعبد نستعين ) في سورة الفاتحة بكسر النون: إن كسر أحرف المضارعة لغة قيس وتميم وأسد وربيعة، وكأن قبائل كثيرة كانت   تكسر أحرف المضارعة مع بهراء. ويقول سيبويه في الجزء الثاني من كتابه: "إن جميع العرب كانت تكسرها إلا قريشاً وأهل الحجاز". ويعني ذلك أن الفصحى لغة قريش لم تكن تعرفها، وينبغي أن تبرأ منها العامية المصرية وتتمسك مثل الفصحى بفتح أحرف المضارعة فيما عدا المضارع الرباعي فإنه يضم في مثل يُكرم يُنْعم.
 
ب زيادة الباء قبل أحرف المضارعة
 
       تدخل العامية حرف الباء قبل أحرف المضارعة لتأكيد حدوث الفعل في زمن التكلم، وتظل مكسورة في جميع صور المضارع إلا مع همزة المتكلم، فإنها تفتح وتسهَّل همزة المضارع بعدها دائما، فيقال مثلا: " باكتب " للمتكلم بفتح الباء وتسهيل الهمزة، وتقول العامة: "بِنكتب" بكسر الباء، وبالمثل " بتكتب بيكتب بتِكتبوا بحذف النون كما سيأتي ومثلها بيكتبوا مع حذف النون. فالباء فيها جميعا دائما مكسورة.
 
       وليست هذه الباء التي تزيدها العامة في أول المضارع هي الباء الجارة، لأن حروف الجر لا تدخل على الأفعال ، ولم يسمع عن أي قبيلة عربية إدخال أي حرف من حروف الجر على الفعل المضارع. وذكر الدكتور أحمد عيسى في كتابه:
( المحكم في أصول الكلمات العامية ) أن الباء تزاد في أول الأسماء باللغتين السريانية والعبرية مختزلة من كلمة بيت فيقال مثلا بزمار أي بيت زمار. وذكر أيضا أن الفرس يزيدون باء في أول الكلمة للدلالة على معنى "ذو" العربية فيقولون" با اسب أي ذو فرس.
       وإذا سلمنا بأن الباء الداخلة على الفعل المضارع في العامية زائدة، وهي لابد زائدة فلا داعي لأن نذهب بعيدا في تعليلها، لأنها تزاد في العربية مع الصيغ لتأكيد الكلام، تزاد مع المبتدأ في مثل: " بحسبك ما قلت " ومع الخبر في مثل: "ما زيد بفاهم" مع الفاعل في مثل: " كفى بعلي شاهدًا " ومع المفعول به في مثل: " صبَّ بماء " ومع النفس في مثل جاء زيد بنفسه، ومع العين في مثل: " حضر زيد بعينه" وكأن العامية زادت الباء مع المضارع شعورًا منها بأنها تزاد في الصيغ للتأكيد، فزادتها مع المضارع لتأكيد وقوعه في الحال. وهي لحن شديد، وينبغي أن تتخلص منه العامية.
 
جـ إدخال الحاء على المضارع للدلالة على الاستقبال
 
       تزيد العربية في أول المضارع حرفي السين وسوف في مثل: " سأكتب سوف أكتب " . ولا تستعمل العامية أحد الحرفين للدلالة على وقوع المضارع في المستقبل، بل تستعمل مكانهما حرف الحاء، فيقال: حاكتب مع تسهيل همزة المتكلم كما يقال: "حنكتب حتكتب حيكتب" وليست هذه الحاء مبدلة من السين للبعد بين مخرجيهما، ولم يرد هذا الإبدال عن أي قبيلة عربية، وهو خاص بالعامية مثل الباء السالفة. وأكبر الظن أن العامية اختزلت الحاء من كلمة "رايح" إذ يقال فيها:     " راح اكتب" بتسهيل همزة "أكتب" واختزلت العامية كلمة: " راح اكتب " فقالت " ح اكتب " وأصبحت: " حاكتب حيكتب " وهلم جرا.
       وشاع ذلك بين عامة مصر في كل مكان، يقولون: "حنمشي حنكتب حنسافر" إلى غير ذلك. وهو لحن أو تحريف شديد، وينبغي أن تبرأ العامية من دخول الحاء على المضارع وتستخدم معه السين للدلالة على وقوعه في المستقبل.
 
د دخول "ما" على المضارع حثًّا عليه
 
       تدخل العامية " ما " على المضارع للحث عليه، فيقال: " ما تجلس ما تسمع، ما تنصت " إلى غير ذلك من استعمالات للحرف " ما " مع المضارع. و "ما" هذه تحريف لـ "أَمَا" التي تدل على الحث على أداء الفعل والحض عليه وقد حَذَفت منها العامية الهمزة تسهيلا، وحذفها في العامية كثير. وينبغي أن ترد " ما " هذه إلى أصلها: " أما " حتى تصبح تعبيراتها عربية فصيحة، فيقال: " أما تجلس أما تسمع أما تنصت إلى غير ذلك مما تحرفه .
 
(تابع ) 
 
*ضياء
2 - يناير - 2008
العامية فصحى محرفة (4)    كن أول من يقيّم
 
 العامية فصحى محرفة
 
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
 
هـ حذف نون الرفع في المضارع المقترن بواو الجماعة وياء المخاطبة
 
       حين يقترن الفعل المضارع بواو الجماعة في العربية مثل تجلسون وبياء المخاطبة في مثل تجلسين تظل معه النون، لأنها علامة رفعه إلا إذا دخل عليه جازم أو ناصب فإنها تحذف معهما، فيقال مثلا: " لم لن تجلسوا، وبالمثل لم لن تجلسي " هذه هي قاعدة الفصحى، وقال ابن مالك في كتابه التسهيل: " نَدَرَ حذفها مفردة في الرفع نظما ونثرا" والندرة في رأيي تعني الشذوذ، ويؤكد ذلك أنه لم يعرف لقبيلة عربية حذف هذه النون، ويستشهد النحاة له بقول شاعر:
 
كلٌّ له نيَّةٌ في بغض صاحبه بـنـعمة  الله نَقْليكم وتقلونا
وأصل " تقلونا " تقلوننا فحذف الشاعر نون الرفع دون ناصب أو جازم، وقد يكون حذفها لضرورة الوزن في البيت، وبذلك لا يكون  شاهدًا للنحاة على حذف نون الرفع مع المضارع المقترن بواو الجماعة. واستشهد النحاة لحذف نون الرفع مع المضارع المقترن بياء المخاطبة بقول أحد الشعراء لزوجته:
 
أبـيت أسْرى وتبيتي iiتدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي
 
فقد حذف الشاعر النون مع ياء المخاطبة في الفعلين " تبيتي تدلكي ". ويمكن أن يقال إنه صنع ذلك لضرورة الشعر. وبيت واحد شاذ لا ينقض قاعدة، ولا يلغيها.
 
       وروى النحاة حديثًا نبويًّا جاء فيه حذف نون الرفع من المضارع المقترن بواو الجماعة، إذ جاء فيه: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا " وقد حَذف في الحديث مع الفعلين " تدخلوا تؤمنوا " نونُ الرفع دون وجود ناصب أوجازم يقتضي هذا الحذف. والنحاة المتقدمون لا يستشهدون بالحديث في قواعد النحاة، خشيةأن يكون دخله تحريف على ألسنة الرواة ، وكثير منهم كانوا من الأعاجم الذين لا تؤخذ عنهم اللغة. ولا ريب في أن حذف  نون الرفع مع المضارع المقترن بواو الجماعة وياء المخاطبة دون موجب له من ناصب أو جازم يعد لحنا وتحريفا شديدا وينبغي أن تتخلص منه العامية.
 
و لا تلحق العامية بالمضارع ألف التثنية ونون النسوة
 
       العامية لا تلحق ألف التثنية بالمضارع وتستخدم مكانها واو  جماعة الذكور وتعممها مع جماعة الإناث، فتقول عن : " تلميذين وتلميذتين وتلميذات " يجلسوا دون أي تمييز بين الذكور والإناث في حالتي التثنية وجمع الإناث.
 
       وكأن العامية لا تعترف بحالة التثنية، وخاصة في عود الضمير عليهما ذكورا وإناثا، وقد ألغيت التثنية نهائيا في الأفعال جميعا، وقد يقال إن العرب تعامل الاثنين أحيانا معاملة الجمع، كما في قوله تعالى : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) وقوله جل شأنه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)، وأجيب عن ذلك بأن الواحد في الخصمين والواحدة في الطائفتين يتكونان من أفراد، أي أن اللفظين مثنيان في الظاهر، وهما جمعان في الواقع، ولا يقال زيد وعمرو جاءوني، بل يقال جاءاني لوجوب المطابقة بين الضمير وما يعود عليه مفردا ومثنى ومجموعا. والعامية بذلك تضع فاصلا شديدا بينها وبين الفصحى في استخدامها واو الجماعة في التثنية وبالمثل وضعُها في الإناث مكان نون النسوة الملحقة بالمضارع، وينبغي أن ترفع هذا الفاصل نهائيا، فلا تقول في جماعة الإناث "يسمعوا" بل تقول "يسمعن" ولا تقول في تلميذين إنهما  " يقرءوا " بل تقول "يقرآن" وبالمثل الفتاتان "تقرآن"، وبذلك يسقط هذا الفاصل أو الحاجز بين العامية وبين الفصحى.
 
( يتبع )
 
*ضياء
2 - يناير - 2008
شكرا بطاقتك الغالية    كن أول من يقيّم
 
كل الشكر لك أستاذنا عبد الحفيظ على هذه البطاقة التي لم أنتبه إليها حتى الآن، وتحية طيبة للأصدقاء أجمع، كل عام وأنتم بخير
*زهير
2 - يناير - 2008
العامية فصحى محرفة (5)    كن أول من يقيّم
 
                                                    العامية فصحى محرفة
 
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
 
ز- إلحاق علامة الجمع بالمضارع مع ذكر الفاعل المجموع
 
 اشتهرت قبيلتا طيِّئ وأزد شنوءة بأنهما تلحقان علامتي التثنية والجمع بالفعل مع ذكر الفاعل، فيقولان: " يجلسان زيد وعمر تحضران هند وزينب يقومون الرجال يحضرن الفتيات ". والفصحى تمنع ذلك منعا باتا فلا تلحق علامة التثنية بالفعل مع   ذكر الفاعل، وضمير التثنية لا يوجد في العامية، وأيضا لا تلحق الفصحى علامة الجمع بالفعل مع ذكر الفاعل المجموع بينما تصنع العامية ذلك أسوة بقبيلتي طيئ وأزد شنوءة، ومما جاء منه قول أُحَيْحة بن الجلاح:
يلومونني في اشتراء النخي لِ  أهـلـي فـكـلهمُ ألوم
 
فقد ألحق أحيحة بالفعل: "يلوم" واو الجماعة، مع ذكر الفاعل المجموع وهو: "أهلي" . وشاعت هذه الصيغة في العامية المصرية لنزول كثير من الطائيين فيها. وينبغي أن تتخلص منها العامية في مصر لمخالفتها الشديدة للفصحى.
 
ح قلب واو الفعل المضارع الناقص ياء
 
       تقلب العامية واو الفعل المضارع الناقص ياء باطراد، آخذة  في ذلك بلهجة طيئ، فتقول في  أدعوه الفصيحة أدعيه، وفي أشكوه: أشكيه، وفي أكسوه: أكسيه، وفي أمحوه: أمحيه، وفي أجلوه: أجليه. وينبغي أن تعود العامية بكل هذه الأفعال إلى نطقها الفصيح بالواو في الأفعال السالفة وما يماثلها. وبذلك تلغى الصورة اليائية في هذه الأفعال وأمثالها وتصبح أفعالا مضارعة واوية.
 
ط إلحاق الشين بالمضارع المنفي
 
       تلحق العامية المصرية بالمضارع المنفي الشين تأكيدا للنفي، فتقول في الأفعال التالية ما يحضر ما يغيب ما يذاكر ما ينتبه هكذا: ما بيحضرش ما بيغيبش ما بيذاكرش ما ينتبهش. بزيادة الباء في أول المضارع لتأكيد حدوث الفعل كما مر بنا. والمظنون أن العامية المصرية اختزلت الشين الملحقة بالأفعال السالفة من كلمة شيء، وكأن أصل " ما بيحضرش " مثلا: ما يحضر شىء. ومع الزمن أصبحت الشين في هذه الأفعال وما يماثلها لا تدل على كلمة شيء وإنما تدل على تأكيد النفي، ومما يدل على ذلك أننا نرى العامية تلحقها بما النافية لتأكيد النفي فيها مع كسر ميمها، فتقول مثلا: " مش كاتب " بحذف ألف " ما " وكسر ميمها، وقد تأتي مع الظرف، فيقال مثلا: " ما عنديش وقت " ومع الجار والمجرور في مثل: " ما ليش حاجة " وإنما عرضت هذه التحريفات الكثيرة في المضارع للعامية، لأصور مدى ما تلحق به أو تدخل عليه من مغايرات لأصله في الفصحى. ولن أستطيع في وقت هذه المحاضرة المحدود أن أعرض بالتفصيل تحريفاتها في الصيغ الأخرى.
       والأسماء المشتقة دَخَلَ صيغها كثير من التحريف، ونكتفي بإيجاز ما حدث لاسم المفعول، من ذلك اشتقاقه من الفعل الثلاثي الأجوف اليائي، إذ نقول:معيوب، مديون.وهما في الفصيح: معيب مدين، ولا يشفع لهذا اللحن كون قبيلة تميم كانت تنطق به ومن ذلك أن العامية تكسر ميم اسم المفعول المشتق من غير الفعل الثلاثي فتقول: محمد مكهرب. وتقول العامية هذا الثوب مباع  والصواب مبيع، وهذا العقد مَلْغِي والصواب مُلْغَى. والمال مودوع والصواب مودع وفرس ملجَّم والصواب مُلْجم، ومنظر مهول والصواب هائل.
   ( تابع )   
*ضياء
3 - يناير - 2008
 64  65  66  67  68