 | قصة العامية في الشام (2) كن أول من يقيّم
وأعجب مما تقدم محاولة قام بها المرحوم أمين آل ناصر الدين لإصدار جريدته كلها نظمًا، وقد جاءت الأخبار فيها منظومة نظما فيه رشاقة وإصابة محزّ، وخفة روح أحيانًا: اجتاحت عاصفة ناحية ( جِزِّين ) وسببت خسائر قدرت بمليون قرش فقالت الجريدة تصف حوادث العاصفة: عصفت بجزين العواصف حيث اقـ | تلعت بها الأشجار من جوف الثرى | ولقد غـدا شجر الصنوبـر مالئًا | تلك الربوع، وبالألـوف تقـدرا | والجوز والزيتون خـرّ كذا الأجـ | ـرُّ عــن المنـــازل طُيِّـرا | أما الخسائـر فهـي بالغـة بهـا | مليون قرش ، إن ذا قـدر جرى | وديار (تيما) لم يعــد لسقوفها | أثر وقد أوت الوحوش إلى القرى | والثلج قـد غطـى الديار جميعها | وانسدت الطرقات حتى لا تـرى | وقضى مكار في الطريق لعظم ما | قاسى ، وآخر في الثلـوج تعفرا | وزارت مدرعة ميناء بيروت فورد خبرها هكذا: أرست بميناء بيـروت مدرعـة لها لواء على ( توفنل ) معقود ومذ رست أطلقت حالاً مدافعها تحية، إن هذا الأمـر معهـود وقلعة الثغر قــد ردت تحيتها إن السلام لمن أداه مـردود وكلنا يذكر انتفاضات شعب ( البوير ) على الاستعمار البريطاني في جنوب أفريقيا، والحرب التي شنها في الترنسفال فكانت الخاتمة الحزينة لعهد الملكة فيكتوريا، إذا كانت عواطف الجماهير مع شعب ( البوير ). وتموت الملكة فيكتوريا سنة 1901 ويؤبنها رئيس مجلس النواب النمسوي بكلمة مجاملة مثنيًا عليها، فيثور المعارضون في المجلس وتقوم الضجة، وهذا نص الخبر في الجريدة: جرى في مجلس النواب شيء يدل على التعصب في الأمور فـإن رئيسه أسـدى مديحاً إلى فيكتوريـا ذات السريـر ترحـم فـي مقالتـه عليها وأتبع ذاك بالأســف الكثير فحزب (الرادكال) استاء منه وأصبح منـه فـي غيظ كبير فصاحوا كلهم غيظًا وحقدًا ليحيا مظفرًا شعب (البوير) نشرت الافتتاحية المسجعة سنة 1877م قبل مائة عام كاملة، وكانت الأخبار المنظومة شعرًا سنة 1909م أي قبل ثمانين عامًا، في عنفوان عهد التتريك الذي مارسه حزب الاتحاد والترقي بعد خلع السلطان عبد الحميد، وأظن هذا كافيًا في الدلالة على روح الشام الأصيلة في تشرب الفصحى وجريان حبها في أهله مجرى الدم من العروق، وعلى أن كل نزعة مخالفة هي نزعة مزورة أجنبية، وستبقى مهما يطل الزمن بها ومهما يطل إلف محترفيها لها، أجنبية عن الشام وسائر الأقطار العربية . * * * هذا قبل مئة عام، واستمرت الجهود في بعث الفصحى تترى، ومن كثرة ما كنا نسمع في صبانا من تنفير من العامية وتحبيب بالفصحى، انتقل التشاؤم بالعامية إلى القرويين وتحفظ ذاكرتي نزهة ربيعية قمت بها مع أبي - رحمه الله - في غوطة دمشق يوم جمعة، فلما حانت الصلاة قصدنا مسجد قرية قريبة، وكان الخطيب يقرأ من كتاب، شأن أكثر خطباء القرى يومئذ، إلا أنه قبل أن يجلس بين الخطبتين توجه إلى القرويين يحذرهم بلهجتهم الدارجة من أمر فشا بينهم، فلما قضيت الصلاة واتجهنا نحو الباب إذا أحدهم يسأل جاره بصوت مسموع: ( ألم تفسد صلاة الجمعة بقطع الخطيب الخطبة والتكلم بالعامية؟ ) فكان الجواب: ( إنا للـه! نعيد الصلاة واللـه يعفو ويسامح )! | *ضياء | 10 - ديسمبر - 2007 |
 | قصة العامية في الشام (3) كن أول من يقيّم
صار من دأب المتعلمين والطلبة عيب من يسبق لسانه بكلمة عامية، وكنت قد ظفرت قبل سنوات ببعض قصيدة تعكس الروح السائدة قبل سبعين سنة لم تنشر واحتفظ بها أحد معارفي، نظمها صاحبها الشيخ أبو السعود مراد سنة 1908 أيام العهد العثماني منفرًا من العاميات الدارجة، وضاربًا على قبحها الأمثلة، ومن أبياتها: أسفًا لغـة العرب الفصحى | قـد ضاعت منـا بالعمد | واليـوم تـداولنـا لغـة | عوجـاء مذبـذبـة القصد | ملئت ألفـاظًا موحشـة | ما فيها مـن معنى يجـدي | والعـالم لا يتحـاشاهـا | فضلاً عـن ذي الجهل الضد | فاسمع بعضًـا منهـا فيما | ألقيـه إليك ومـا أبـدي | زعوط نطنط أه يا مبطبط | حاجة تعطعط احفظ عهدي | إيوا إيوا، لك لك هي هي | أه أه شوشو؟ دس دس خدي | وطلع من طيز الصبح ومن | علبكـرا فـي وأت البرد | أرجينى، يا روح ، يصطفلو | ضهرك بالك، أوعا، دي دي | مأمـأ مأمـأ ، سفـأ لحأ | بلأشـلأ فايت يحدي ... | وبعض هذه الكلمات لم أسمعه ولا عرفت معناه فقد مات، وعلى هذا تكون الصرخة في تنقية اللغة من العامية قديمة في الشام. ثم وقع الاحتلال، وبرزت مراكز أجنبية تغذي الدعوة إلى العاميات المحلية، وتهيئ لها المال والمنابر والعملاء والنشرات، وعمل لها المحتلون في الخفاء. وأذكر أن أحد رؤساء بلدية دمشق أيام الاحتلال – وكان على مجاملته للمحتلين صادق الوطنية – جاء على لسانه خطأ من حيث لا يشعر كلمة ( اللغة السورية والشعب السوري ) من كثرة ما سمعها من هؤلاء العملاء ، فأوسعته الصحف الفكاهية المصورة تهكمًا وتنكيتًا، وتصدت له الصحف اليومية، فلم تنبس شفتاه بعدها بـ ( السورية ) ألبتة. ظهر للمحتلين تجاه هذه الوطنية العنيفة عقم محاولتهم، فطووها من داخل الشام ( حكومة سورية حينئذ ) بعد أن ضُحك عليها، وركزوا جهودهم في الساحل ( حكومة لبنان الكبير يومئذ ) حيث كانت لهم فيه قبل الاحتلال بأكثر من ثمانين سنة مراكز وجهود سابقة في خلق تكتلات ونزعات طائفية، وأذكوا بين الطوائف العداوة حتى عمَّ الجو الكراهية يتعامل بها بعض الطوائف، والتزموا من بينها طائفة واحدة يقوونها في مجتمع الكراهية هذا، ويوجهون عملاءها وإمعانها في كل دعوة إلى تفرقة أو تمييز أو انفصال، ومن ذلك التشكيك في أصلهم العربي وصلاح لغتهم الفصحى والحرف العربي والثقافة العربية جملة مما عرضت له في غير هذه الكلمة. ثم استرحنا من ذلك كله في داخل الشام، وخفت مع الزمن – بعد الجلاء – دعاية الشر هذه في ساحل الشام، وإن كانت تطل من جحورها الباقية بين الفينة والفينة تزعج الآمنين المطمئنين على أوطانهم ولغتهم ومقوماتهم واستقلالهم. وقد انبرى لهؤلاء الكارهين المكروهين، أفاضل من كرام اللبنانيين ذوي الأصالة ، أوضحوا للناس زيف دعاواهم، فاضحين ما وراءها من سموم التبشير والاستعمار. وكنت أحب ألا يعرضوا لهم، فإن ما يقطر من دعايتهم من لوم الطائفية وخبث الأجنبية كاف لتزييفها حتى في أعين العوام. إني لا أرى لأحد من أهل الفضل والغيرة أن يشتغل بالرد على كل ناعق، فإن ذلك يثبت لهم وجوداً وهذا كل ما يبتغونه؛ إذ هو المسوغ الوحيد لإدرار الأموال الأجنبية عليهم، فلندعهم وما اختاروا من معاش، ولنمض قدمًا في محجتنا البيضاء النقية لا يلهينا عنها معوقون نصبوا ذات اليمين أو ذات الشمال، نبني متممين ما بدأته الأجيال الصالحة من قبلنا، وممهدين لأجيال بعدنا نرجو أن تكون أصلح بعون اللـه . | *ضياء | 10 - ديسمبر - 2007 |
 | أصول ألفاظ اللهجة العراقية (1) كن أول من يقيّم
وهذا بحث يتناول اللهجة العراقية كتبه الأستاذ : محمد رضا الشيبي وورد في نص كلمته إلى المؤتمر الخاص بالمجمع اللغوي الملكي في دورته الثالثة والعشرين في العام 1957 ونشرته مجلة المجمع في الجزء الثالث عشر فيه مقدمة هامة تتناول ما كان قد حصل في العام الذي سبقه من عدوان على مصر ( العدوان الثلاثي ) وتعيدنا إلى أجواء تلك الفترة وما رافقها من المشاعر وردود الفعل ، وكأن شيئاً لم يتغير : أصول ألفاظ اللهجة العراقية للأستاذ محمد رضا الشبيبي عضو المجمع حضرات السادة الأجلاء، يشهد مؤتمر المجمع اللغوي في دورته الثالثة والعشرين دورة فذة في بابها. حامت الأوهام والظنون حول انعقادها بعد حوادث العدوان الأخير، ومن يدري لو استمر هذا العدوان الغادر الأثيم، أكان من الميسور لنا عقد هذا الاجتماع وشهود هذا الاحتفال ومزاولة الأعمال التي تداول هنا في خدمة اللغة والآداب؟ ولكن الله تعالى خيب فأل المعتدين. كانت مصر إلى عهد قريب ربة القلم والبيان، فأصبحت الآن بعد استبسال أبنائها البررة وتفانيهم في الدفاع عن حوزتها والذود عن حياضها ربة السيف والسنان وربة القلم والبيان. فحيا الله أرواح شهدائها الأبرار الذين أرخصوا مهجهم الغالية حتى سقطوا في ميدان الشرف. وأمتع هذه البلاد بالأحياء من أبنائها الواقفين بالمرصاد لكل من تحدثه نفسه بالعدوان. حضرات السادة الأجلاء، إني أنتهز هذه الفرصة لأبلغ إخواني المصريين تحية الشعب العراقي وإكباره أيما إكبار لبطولة أبطالكم المجاهدين. فما إن ذاع على ضفاف الرافدين نبأ العدوان على " بور سعيد " أقول برسعيد لا بور سعيد نزولاً على رأي الزميل الكريم الدكتور ( أحمد زكي )، حتى هب الشعب العراقي بأجمعه من هضاب الموصل شمالاً حتى خليج البصرة جنوبًا ومن السليمانية شرقًا حتى الرمادي والنجف والسماوة غربًا مستنكرين ذلك العدوان المبيت على مصر والبلاد الشرقية. وتداعوا للتضامن والتعاون مع إخوانهم هذه نفثة مصدور جاشت بها النفس في هذا الموقف، والآن حان أن أنتقل بكم إلى موضوع كلمتي في برنامج هذه الحفلة والكلمة عبارة عن بحث تاريخي أدبي أو لغوي في أصول ألفاظ اللهجة العراقية وفي علم اللهجات ووسائل النهوض باللغة، ويلي ذلك معجم موجز في أصول بعض الألفاظ الشائعة في لهجة التخاطب العراقية والمقارنة التأريخية بين الماضي والحاضر في ألفاظ هذه اللهجة تيسر لي تأليف رسالة في الموضوع المذكور نشرت قبل أسبوع فقط في العراق. وهذه الرسالة خلاصة تعليقات وتقييدات ومطالعات وقراءات بعيدة العهد، بيد أنها كانت مبعثرة يعوزها التنسيق. وقد عن لي الآن أن أجمع شتاتها وأضعها بين يدي المعنيين بأمثال هذه الدراسات خصوصًا زملاءنا الكرام في المجمع اللغوي ومستشاريه وخبراءه الأفاضل – وهذا حين أشرع بالمقصود. اللهجة العراقية: استولى المغول على العراق في أوائل النصف الثاني من المائة السابعة ودخلوا بغداد، فانقرضت الخلافة العباسية سنة 656هـ وظهرت الدولة الإلخانية التي حكمت فيما حكمت فارس والعراق ثمانين سنة أو نحو ذلك. وفي عصر الانقلاب المغولي هذا تغيرت أشياء كثيرة. تغيرت العادات والرسوم والآداب واللغات. وكان نصيب لغة العراقيين من التغير والتأثر في الانقلاب المذكور نصيبًا موفورًا فقد تسرب إليها كثير من المفردات والمركبات والمواد والأساليب الإنشائية الفارسية والتركية والمغولية بالإضافة إلى ما كان قد تسرب إليها من قبل ذلك من اللغات الهندية والآرامية والسريانية وغيرها من اللغات. ولنا أن نقول استنادًا إلى الأساليب التي اتبعها بعض مؤرخي العصر المذكور وأدبائه وغيرهم في التأليف: إن لهجة جديدة أو غريبة ولدت في العراق وهي اللهجة الشائعة الآن على ألسنة العراقيين، أو شبيهة بها. وقد نقرأ صفحة أو صفحتين من بعض الكتب التي وضعت في عصر المغول فيخيل إلينا أنها كتبت باللهجة الشائعة في عصرنا هذا. والأمثلة على ذلك كثيرة في تلك المصنفات. ومن ذلك يستفاد أن لهجتنا الشائعة اليوم أو لهجة جمهور العراقيين المحكية الآن كانت دائرة على ألسنة أسلافهم القدماء نحوًا من سبعمائة سنة، خلافًا لما يظنه كثير من الناس الذين يتوهمون أن هذه اللهجة اللغوية الشائعة الآن في العراق ليست لهجة قديمة وما أكثر الشواهد على ذلك كما سنراه. العادات: ما يقال عن تاريخ اللهجات في هذا الصدد يقال عن تاريخ بعض العادات والأوضاع الاجتماعية والأخلاقية الشائعة اليوم في العراق فإنها وليدة أواخر العصور العباسية ثم العصور المغولية. وما أكثر العادات والأوضاع الاجتماعية واللغوية التي انتقلت إلينا من تلك العصور، فكثير من هذه العادات المألوفة في العراق وكثير من الأوضاع الاجتماعية والآداب وجملة من الخرافات والخزعبلات ليست بحديثة العهد، بل هي أوضاع وعادات وآداب وخرافات كانت معروفة في المائتين السابعة والثامنة أي في أواخر عصور الدولة العباسية وأوائل عصور الدولة الإلخانية خذ مثلاً: إقامة مجالس العزاء والهناء كما تقام اليوم وإنشاد الشعر في المجالس المذكورة فإن ذلك كان معروفًا في العراق. وهكذا التصديق بضروب من الخرافات والأباطيل والأحلام وألوان من الدجل والشعوذة، كان شائعًا في العصور المذكورة كما يستفاد من النظر في كتب التاريخ والأدب التي وضعت في تلك العصور. لقد استدرجني البحث في تاريخ العراق على عهد المغول ودارسة شؤونه، إلى النظر في أصول اللهجة العراقية المعروفة الآن، وصلتها بلهجة أبناء المائتين السابعة والثامنة من العراقيين، فظفرت بمجموعة من المواد اللغوية مفردة ومركبة ونبذة من الأساليب التي كانت شائعة في عصر المغول، وقارنت بينها وبين أمثالها من المفردات والمركبات الشائعة على ألسنتنا اليوم، فخرجت من ذلك بأن لهجتنا الحاضرة لا تختلف كثيرًا عن لهجة العراقيين القدماء في عصر مؤلف كتاب ( الحوادث الجامعة ) وعصر مؤرخ العراق ابن القوطي وأمثالهما من مؤرخي عصر المغول. | *ضياء | 12 - ديسمبر - 2007 |
 | أصول ألفاظ اللهجة العراقية (2) كن أول من يقيّم
( تابع دراسة الأستاذ محمد رضا الشيبي عن اللهجة العراقية ) إن هذه الدراسة وإن لم تبلغ حد الكمال ولم تصلح أن تكون بحثًا علميًّا تحليليًّا في تكون اللهجة الشائعة بين أبناء البلاد على وجه يتضح فيه تطورها وخصائصها ومقارنتها بغيرها من اللهجات المألوفة في بقية الأقطار العربية وإيراد الأمثلة والشواهد على ذلك بمواد هذه اللهجات والأمثال المضروبة الدائرة على ألسنة المتكلمين بها نقول: إن هذه الدراسة وإن لم تبلغ تلك الغاية الفنية التي نصبو إليها إلا أن بحثنا في منشأ اللهجة العراقية الشائعة الآن وفي تاريخ تطورها وتأثرها بالأحداث والانقلابات التاريخية لا يخلو على كل حال من فائدة هذا من جهة، كما أنه بحث يستفيد منه من يعنى بأحوال الشعب ومظاهر حياته والمستوى الذي بلغه من الحضارة من جهة ثانية . والخلاصة: لا يخلو هذا البحث من فائدة لمن يعنى بعلم اللهجات أو علم اللغات المقارن، فهذه اللهجة المحكية الآن قديمة، وهي تخالف أمها الفصحى في كثير من أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها ونغمتها وجرسها وما إلى ذلك . تبدلت بعض الألفاظ العربية الشائعة في اللهجة العراقية كما نراه في هذه الدراسة تبدلاً جوهريًّا حتى ليخيل إلينا أنهـا مـن لغـة أخرى غير العربية، ومع ذلك يلاحظ أن العراقيين حافظوا على النطق بها على طول الزمان وتطاول العصور . عولنا في هذا البحث على بعض المصنفات التاريخية واللغوية والأدبية التي وضعت في عصر المغول أو في أواخر عصور الدولة العباسية، ومن بين تلك الكتب والمراجع ذلك الجزء التاريخي الذي نشر في بغداد سنة 1352هـ ( 1932م) منسوبًا لابن الفوطي واختير لـه اسم ( الحوادث الجامعة )، وهـو اسم كتاب ورد في قائمة مؤلفات المؤرخ المذكور . على أننا وافقنا على هذه التسمية المختارة لهذا الجزء التاريخي في هذه الدراسة وغيرها من الدراسات . عنيت بدرس الكتاب المذكور الذي نجهل اسمه واسم مؤلفه في الواقع فوجدته كتابًا يصح الاستناد إليه في البحث عن تاريخ اللهجة العراقية، وكيفية انتقالها خلال العصور إلينا، ومقارنتها باللهجة المحكية في العراق هذا اليوم . مواد اللهجة العراقية : نظرة في تقسيمها تنقسم مواد اللهجة العراقية كما نجدها في ( كتاب الحوادث الجامعة ) وفي كتب أخرى وضعت في العصر الذي وضع فيه هذا الكتاب إلى أقسام : 1- ألفاظ دخيلة من اللهجات الفارسية والمغولية والتركية التي عرفت في العراق بعد استيلاء المغول على البلاد، وربما كانت بعض هذه الكلمات الدخيلة أو العامية العراقية والمولدة مما لم نعرفه بين الألفاظ الدخيلة أو المعرفة أو المولدة المعروفة. بل وردت على لهجتنا في أواخر عصور العباسيين وعصور المغول من بعد ذلك. فأذكر بعض المراجع التي وردت فيها وتاريخ ورودها إذا أمكن، وأقارن بينها وبين ما يراد منها في لهجات الأقطار العربية الأخرى أحيانًا. وأذكر الكلمة الفصيحة التي تدل على معناها واستعملها الفصحاء على قدر الإمكان . ولا علاقة لهذا البحث بالكلمات العراقية المولدة في أواخر عصور العباسيين، فإن ذلك موضوع جدير بدراسة مستقلة؛ إذ جرت كما لا تخفى على ألسن أولئك المولدين العراقيين القدامى ألفاظ خاصة بلهجتهم لا تعرف في غيرها. فكم قال لنا اللغويون: هذه لفظة سوادية، وهذه كلمة بغدادية، وتلك لغة بصرية وهو كثير. من ذلك مثلاً كلمة " ربعة " لصندوق أجزاء المصحف الكريم قالوا هي " بغدادية "، وكلمة " قراح " لبستان البقول خاصة بغدادية كذلك . وكلمة " جوخان " قال اللغويون الجوخان للثمر بلغة أهل البصرة كالكدس للحبوب، وكلمة "سابل" للغرارة التي تعمل من أغصان الشجر أو الخوص قالوا إنها سوادية، وكلمة " وفر " بمعنى الثلج عراقية لا يعرف بهذا المعنى في لهجة أخرى ولا في المعجمات . 2-ألفاظ عربية مولدة، استعملت في موارد لم يرد عن العرب استعمالهم لها فيها، إذ إن الضرورة دعت إلى استعمال كثير من الموارد أو الألفاظ الجديدة بين أفعال وأسماء إلى صيغ ومشتقات أخرى، فإذا نحن أحصينا هذه المواد ودرسنا ما استعمل منها في العراق وحده فقط. أو فيه وفي غيره من الأقطار العربية انتهينا إلى معرفة النوعين الآتيين من تلك المواد: أ-الألفاظ التي تستعملها الشعوب العربية كلها أو جلها في لهجاتها ولا ذكر لها في المعجمات، وهذه تدعو الضرورة إلى النظر في قبولها؛ لأن اتفاق أبناء الأقطار العربية على استعمالها دليل على أنها عربية الأصل، وإن أغفلتها كتب اللغة، وكم فات المعجمات العربية من مواد وألفاظ تعثر عليها في كتب الأدب والتاريخ وفي مصطلحات العلوم والفنون، وفي وسعنا أن نقول إن كثيرًا من المواد اللغوية المستعملة في اللهجات العربية لم يهتد الأئمة من أصحاب المعجمات إليها. ففي إجماع الناطقين بالعربية على استعمال لفظة ما حجة قاطعة على عروبتها أقوى من أهل المعجمات . ب-ألفاظ لا تستعمل إلا في قطر واحد، كالعراق مثلاً. فإذا كانت هذه الألفاظ تدل على معان ولم يوجد في اللغة ما يحل محلها نظر في إدماجها بمتن اللغة. أما إذا وجد في الفصحى بديل عنها أخذ به وأذيع على ألسنة المتكلمين وأقلام المترسلين . | *ضياء | 16 - ديسمبر - 2007 |
 | أصول ألفاظ اللهجة العراقية (3) كن أول من يقيّم
صلة البحث وَعَدْتُ في البحث الذي ألقيته في حفلة افتتاح دورة المؤتمر الحالية منذ أيام وكان موضوعه "أصول ألفاظ اللهجة العراقية" أن أعود. وقلت إن للبحث صلة ولا يخفى أني نظمت معجمًا ببعض ألفاظ اللهجة المذكورة. وهأنذا أختار لهذه الجلسة نموذجين من مواد المعجم ليكونا بمثابة دليل على المنهج الذي نهجته في معالجة هذا الموضوع. وهما كلمتا: " الإنهاء، التسقيم": 1- الإنهاء بمعنى العريضة الإنهاء بمعنى العريضة اصطلاح عرف في أواخر العصور العباسية وأوائل عصور المغول . والإنهاء هو الإبلاغ في أصل اللغة مصدر أنهى الشيء أي أبلغه، ولكنهم جعلوه اسمًا لما يعرض وينهى إلى المقامات العليا في الدولة. تصرفوا في هذه الكلمة كما تصرفوا بكلمة "تقدم" وهى مصدر من تقدم. فقالوا ورد "تقدم إلى صاحب الديوان" أي أمر، قال صاحب الحوادث الجامعة: " جلس فيه أي في الديوان وكتب إنهاء على جاري العادة" فالمقصود بالإنهاء " الاستدعاء" أو "عريضة" ترفع إلى الخليفة مصدرة بكلمة " ينهى"، ومثل كلمة إنهاء " رفيعة " و " رفع " بصيغة المصدر بهذا المعنى، ففي أخبار سنة 657 من كتاب الحوادث الجامعة " رفع نجم الدين بن عمران عليَّ بن الواقعاني ونسب إليه. وفي عصور الطبقة الأولى من العباسيين شاع استعمال لفظة " القصة" بهذا المعنى فكانوا يقولون: رفعت إلى الخليفة أو إلى الوزير " قصة" يذكر فيها كيت وكيت ويراد بكلمة قصة هنا ما يراد وما نريده بكلمة إنهاء أو استدعاء .. وأصل معنى القصة الحديث والخبر، وقد تستعمل كلمة "رقعة" وتجمع على "رقاع" بالمعنى المذكور. ومن ذلك قولهم: " خذ رقاع الناس للحوائج واستجعل عليها " يعني بكلمة رقاعهم استدعاء المتهم. وتعني كلمة "استجعل" أخذ الجعل أي الأجرة. ومن الألفاظ التي شاع استعمالها بهذا المعنى في العصر العباسي الأول والعصر الأوسط كلمة "رفيعة" وتجمع على "رفائع" بمعنى القصة والبلاغ ورفع الشكوى. جاء في أخبار سنة 328 من كتاب الأوراق للصولي " كثرت الوقائع إليّ بحكم عن ظلم أصحابه" وفي كتاب الوزراء والكتاب للجشهياري: " أحضر رزام كتابًا يوهم أنه فيه رفايع " واستعمل " الرفع " بصيغة المصدر اسمًا لعريضة الشكوى بعد ذلك فقد جاء في رحلة ابن بطوطة: " أن أخذ الحاجب الأول الرفع من الشاكي فحسن " وقال أيضًا " كتب رفعًا " وهم يسمونه "عرض داشت" هذا ما جاء في رحلة ابن بطوطة. وكلمة " عرض داشت" بالفارسية يعني كلمة "عرض حال" الشائعة في لهجة العراقيين اليوم. وفي مصطلحات المنشئين وأرباب الدواوين بهذا المعنى كلمة " مشروح " وتجمع على مشاريح. وقد وردت في ذيل كتاب تجارب الأمم لمسكويه، وفي أخبار سنة 590 من تاريخ الدبيتي " كتب بذلك مشرح وضع فيه الحاضرون من أرباب الدولة والفقهاء خطوطهم ". وجاءت كلمة المشاريح في كتاب نهاية الأرب للنواوي وكتاب المواعظ والاعتبار للمقريزي أكثر من مرة، والظاهر من سياق كلام المقريزي والنواوي وغيرهما أن كلمة " مشاريح" تعني ما يراد بكلمة " تقارير" الشائعة في الوقت الحاضر على لسان أصحاب الدواوين في العراق، ولا تعرف غيرها في لهجة العراقيين الشائعة بهذا المعنى، وقد قامت مقام كلمة "رابور" الفرنسية التي كانت شائعة في لهجة العراقيين في أواخر عصور الدولة العثمانية. التسقيم التسقيم والتسقام في لهجة العراقيين هذا اليوم تعني إعداد العدة لفلاحة الأرض وتهيئة آلاتها، وليس للكلمة أصل في الفصحى بالمعنى المذكور، ولكنها من مصطلحات المعنيين بشؤون الزراعة منذ عصور المغول إلى هذا اليوم، وقد وردت أكثر من مرة في " معجم مؤرخ العراق ابن الفوطي " عندما ترجم لكبار الزراع فتراه يقول في ترجمته لأحد حكام ذلك العصر: " قدم بغداد سنة (702) لأخذ معاونة النواحي بنهر الملك ولتطهير النهر وتسقيم الأعمال " وقال في ترجمة القوساني الناظر ما يأتي: " صدر جليل ولي الأعمال السلطانية وهو عالم بأمور السواد وعمارة الأراضي وتسقيم الأعمال واختيار العمال" هذا ما قاله ابن القوطي ، ويقول بعض الباحثين في المقارنة بين العربية والآرامية إن أصل كلمة "التسقيم" العامية الشائعة في العامية العراقية من اللغة الآرامية فإن الفعل من هذه المادة في الآرامية يعني " رتب نظم مسح " ولا تزال الكلمة شائعة في اللهجة العراقية العامية. ويقال أيضًا في اللهجة المذكورة " تسقم على هذا الشيء بكذا أي كلفني كذا ". هذا ومن المصطلحات الفقهية التي تقابل كلمة "تسقيم" قولهم "كردر" ورد في بعض كتب الفقه أنها تعني إصلاح الأرض وإعدادها للزراعة. هذا ومن رأينا أنها كلمة دخيلة مركبة من قولهم (كار) أي العمل و "در" مخففة من "دار" بمعنى صاحب أو ذو فهي تعني " صاحب العمل " بالفارسية . واستعملت أيضًا كلمة "مسكة" بهذا المعنى الاصطلاحي في بعض كتب الفقه، وقد يراد بها ما يراد بكلمة "لزمة" أو حيازة، ومن الكلمات المعربة الشائعة بهذا المعنى منذ العصور العباسية الأولى كلمة " دهقنة "، بمعنى النظر في الشؤون الزراعية، والناظر يقال له " دهقان" ويعنون بها رئيس القرية المعني بإعدادها للفلاحة، وأصل الكلمة في الفارسية مركب من " ده" بكسر الدال بمعنى القرية و"قان" بمعنى الرئيس أو الأمير في اللغة المذكورة. قال السمعاني في الأنساب " الدهقان" بكسر الدال المهملة وسكون الهاء وفتح القاف وفي آخرها نون هذه لمن كان مقدم ناحية من القرى أو من يكون صاحب الضيعة والكروم، واشتهر بها جماعة في خراسان والعراق. وقال أيضًا في مادة " التاني" هذه النسبة إلى تناية وهي" الدهقنة". ويقال لصاحب المال والعقار "التاني" قال في التاج: التناوة بالكسر أهمله الجوهري، وفي حديث قتادة كان حميد بن هلال من العلماء فأضرت به " التناوة ". قال ابن الأثير: هي الفلاحة والزراعة، ومثل التناوة بالواو الثناية بالياء حكاه الأصمعي ، وفي ضبط هذه الكلمة روايات نجدها في بعض معجمات اللغة، جمع مصنف الحوادث الجامعة كلمة التناية على تنايات فقال في أخبار سنة 676: " واستعمل مع الناس والمتصرفين و أهل التناءات والمروءة " وفي أخبار سنة 313 في كتاب الوزراء للصابي: " ورد الحضرة جماعة من التناء والمزارعين من ديار ربيعة متظلمين ". بهاتين الكلمتين نكتفي للدلالة على المنهج المتبع في هذا البحث والله ولي التوفيق. | *ضياء | 16 - ديسمبر - 2007 |
 | يوم في بغداد كن أول من يقيّم
بغداد تموت كل لحظة ... لتحيا كل لحظة
شوقي عبد الأمير : الحياة - 14/12/2007
عبرنا الكرّادة متّجهين إلى منطقة الباب الشرقي، وبالطبع لا بد من المرور بـ «ساحة القهرمانة» النصب الذي أنجزه الفنان العراقي محمد غني حكمت الذي يصور حكاية من «ألف ليلة وليلة» عندما صبّت القهرمانة الزيت على «البساتيج» كما تسمى بالعراقي وهي الزيرات (جمع زير) التي اختبأ فيها «الأربعون حرامي» لتخرجهم منها كالنحل من خلايا الشمع وأنا أقول في نفسي كم طنّاً من الزيت المحترق وكم قهرمانة نحتاج اليوم لنخرج كلّ «حرامية» بغداد من ثغورهم و «بساتيجهم» التي يختبئون فيها؟!
على أي حال النصبُ في غاية الجمال والهارمونيا بين جسد القهرمانة والزيرات والحكاية و «ألف ليلة وليلة»... وألف مفخخة ومفخخة.. وكل شيء ما زال يجري، الدم والتاريخ والزيت والحراميّة، الغائبة الوحيدة هي القهرمانة التي أعاد محمد غني حكمت شبحها إلى شوارع بغداد لتبقى من بين كل الأشباح الراحلة وحدها تَتَمثلُ في جسدٍ رخامي وفي حديث منذ أكثر من ألف عام لم يصمت بعد ولم تتوقف شهرازدُهُ عن الكلام المباح.
أُبيحَ الكلام اليوم في بغداد ومعه أُبيح الموتُ والظلامُ والدمُ والنهبُ والغياب والتــشردُ والنعيُ. أُبيحَ الكلامُ في بغداد ولَن تســكت بغداد عن كلامــها المـــباحِ المســتباح مــن بــعد.
يا لها من مفارقة، في حكاية «ألف ليلة وليلة» كانت شهرزاد تُدافع عن حياتها وتدفع ساعة موتها بالكلام المباح، كان الكلام هو هواؤها الذي تتنفسه وجسدُها الذي يلوذ ويحتمي بنفسه من سيف شهريار وبغداد اليوم تموت ألف مرّة كل يوم من أجل أن تدافع عن كلامها عن صوتها وحريّتها. إنها تموت ليبقى صوتُها، تقدم آلاف القرابين لتكسر أسوار الصمت التي كبّلتها عقوداً طويلة دامية. بغداد تموت كل لحظة لتقول كل لحظة أنا أحيا... لقد قَلَبَتْ معادلة شهرزاد التي كانت لا تكف عن القول والكلام كل لحظة لتبقى ولتدفع الموت عنها.
تُرى أي معادلة هذه بين الكلمة والموت، بين الجسد والماوراء بين الدم والكلمات؟
إذا كانت «ألف ليلة وليلة» قبل ألف عام وعام رمزاً لانتصار الكلمة فإن بـــغداد اليوم بألف قتيل وقـــتيل تـــعيد صوغ مفردات هذا الرمز تُعيدُ تأســـيس كيانها بين المــوت والكلام بين الصوت والجـــسد تلــك هي خـــارطتُها الأعمـــق وتلك هي مــسيرتُها غايتها.
ولهذا يمكننا القول إن العلاقةَ بين الكلام والحياة كمعادلة وجودٍ وموتٍ، موتٍ ووجود، ابتكارٌ بغداديٌّ بمعنىً ما. هي براءة اختراعها حَمَلها نصٌّ عجيبٌ ساحر إلى العالم «ألف ليلة وليلة». ماتت هي مرّات عدّة، ماتت بغداد العبّاسية بكل شيء فيها وبقي النص. مات شهريار والامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وظلّت شهرزاد وظلّت الكلمة الحكاية. مات سيفٌ وجاءت سيوفٌ وسالت دماءٌ ولم تزل شهرزاد... لم تزل الحكاية التي خرجنا من رحمها لا تَرثُ إلاّ أصقاعَ الحلم والرؤى. وعلى أي حال لم ترث بغداد من بغداد المنصور إلاّ الكلام، أقصد، بكل بساطة، الحياة بمعنى ألف ليلة وليلة... لم ترث بغداد قصوراً وأعمدة من الرخام ولا نصباً أو تماثيل بل ورثت شهرزاد والمتنبئ وأبا نؤاس والجاحظ وأبا حيان، هؤلاء هم أعمدةُ معابدها وجُدرانُ مساجدها وأسوارها. لقد عبرت القرون على صفحات كتبهم وفي حناجر قصائدهم. أُحرقتْ مراراً وأُغرقتْ أخرى ودُمّرتْ وابتُليتْ بالطاعون والكوارث وظلّت تحمل سرَّها «اللوغوس» الخالق والحامي لكيانها، وهو الكلام منثوراً وقصيداً. أيّة علاقة بين الجسد – الكينونة - الخلود من ناحية وبين الصوت – الزمن - الميتافيزيقيا من ناحية أخرى؟ وهل هي أَنسغٌ متعاقبةٌ تتوالى في صعود وهبوط بين الانسان والهيولى، بين الماضي والحاضر، بين السماء والأرض في غابة معمّرة اسمها بغداد؟
*
النص من كتاب لشوقي عبد الأمير بعنوان : " يوم في بغداد " يصدر عن المؤسسة العربية .
| *ضياء | 18 - ديسمبر - 2007 |
 | التكافل الإجتماعي في دمشق كن أول من يقيّم
أرقني تساؤلك أستاذة ضياء : (( من ذا الذي سيمنعها أو سيوقف تقدمها ؟؟ )) , الطريق شاق , وصعب , ومليء بالمطبات , وهي صغيرة وبريئة ,, أتساءل تُرى كم ستقاوم هذه الطفلة ؟ وكم ستصمد ؟ كلما زرتُ مدينتي دمشق ( التي منها هذه الصورة ) أشعر بفخر شديد للتكافل الإجتماعي الفريد فيها , وللجمعيات الأهلية النشيطة , والتي تحاول بمجهودات رجال من المخلصين والطيبين من سد حاجات الفقراء ما استطاعتْ , في البناء الذي كنتُ أسكنه في دمشق , اشترت إحدى الجمعيات الطابق الأرضي وجعلته مستودعاً للمواد الغذائية , وكنتُ أراهم يوزعون أطناناً من المواد الغذائية للمحتاجين , ولكل طالب دون حتى أن يعرفوه أو يسألوه من أنت , والجمعيات كثيرة ويمولها المقتدرون , ومعظم تجار دمشق يساهمون في هذه الجمعيات , وكلما زرتُ حيي في دمشق ( حي الميدان ) , يصادفني جارنا أبو مازن ليشرح لي أولاً عن أحوال الفقراء وأُسرهم , ويعطيني الأولويات ومن يحتاج أكثر , ورغم أن هذه الجمعيات وهذا التكافل لا يُلغي الفقر , بل ولا يقلل من عدد الفقراء المتزايد , رغم ذلك فهو يساعد في سد بعض احتياجاتهم , ويقوم بدور لاتستطيع مؤسسات الدول في العالم الثالث أن تقوم به . عملتُ في دمشق بعد تخرجي في معمل ميكانيكي في القطاع الخاص , والحقيقة أنني كنتُ مذهولاً من صاحب المعمل ( أبو النور ) , ومن إحساسه بكل عماله , شيء لا يُصدق , من يصل إلى سن الزواج يُعطيه مهراً ومعظم تكلفة الزواج , من يحتاج شراء بيت يُعطيه الحد الأدنى الذي يؤمن له شراء بيت , كل من يواجه صعوبات مالية من عماله , يقدم له المساعدة دون تردد , ودون مقابل ولا أنسى أبي رحمه الله , والذي كان في أواخر حياته يحمل هموم فقراء الحي , وكان بمعارفه يؤمن للجمعية القريبة من بيتنا ما يكفيها لمساعدة الفقراء , فكان يذهب إلى الأردن ليجمع من التجار السوريين هناك , المساعدات لفقراء الحي , وفي مرضه الأخير , وكان عمره 85 عاماً تفاجأتُ عندما عرفتُ أنه غادر السرير عازماً على السفر لعمان , اتصلتُ به مرعوباً قلتُ له يا أبي كيف ستسافر وأنت بهذا الوضع الصحي ؟ أجابني : أبو هاشم هناك فقراء ينتظرونني فهل تريدني أن أتركهم , , , الله يعينني , وكانت هذه سفرته الأخيرةلا التكافل الإجتماعي في دمشق بلغ درجةً لا يُمكن أن يُصدقها أحد , وهناك أمثلة عندي لاتُحصى ولا تُعد , ورُغم هذا نجد مثل هذه الطفلة مرمية على طرف الشارع , في مواجهة مصير مجهول . فهل ياتُرى اكتفى المُصور بأخذ هذه اللقطة ( كما المُتفرج ) أم أنه فعل شيئاً طيباً لهذه الطفلة ؟؟ | *محمد هشام | 21 - ديسمبر - 2007 |