البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 56  57  58  59  60 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
آخر أيام الكواكبي    كن أول من يقيّم
 
قال المرحوم العقاد في كتابه (عبد الرحمن الكواكبي الرحالة : ك) (ص 100) : (وقد تعددت الروايات عن أخباره الأخيرة ليلة وفاته رحمه الله، فمنها ما تقدم (وهو قول كرد علي في الجزء الثاني من مذكراته: وجائني ذات ليلة يسمر معي في داري مع الحبيب رفيق بك العظم يستشيرني في أمر عظيم، قال: إن الخديوي عباس عرض عليه أن يصحبه إلى الأستانة، ليقدمه إلى السلطان العثماني ويستجلب رضاه عنه، وبذلك تنحل المشادة ويطمئن خليفة الترك إليه. فصعب علي وعلى رفيق بك إبداء رأي في موضوع جد خطير كهذا، لأن ابن عثمان لا تأخذه هوادة فيمن خرجوا على سلطانه، وخشينا أن تكون هناك دسيسة يذهب الرجل ضحيتها. ومما قال لنا: أنه حائر في أمره بين القبول والرفض، وأنه شعر بالأمس بوجع في ذراعه وما عرف له تعليلا، وتقوض المجلس، وذهب السيد الكواكبي إلى داره. فما هي إلا ساعة وبعض ساعة حتى سمعت ابنه السيد كاظم في الباب يبكي وينوح ويقول قم يا كرد علي فإن صديقك أبي مات)
ومنه ما رواه أحد أصدقائه: الشيخ صالح عيسى وكان مقيما في مصر إذ يقول كما جاء في عدد يناير سنة 1943 من مجلة الكتاب: (وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الأول سنة 1320 هجرية ورد على السيد عبد الرحمن من قبل حضرة الخديوي (وكان مصطافا في الإسكندرية) بطاقة يدعوه فيها لحضور ضيافة يقيمها هذا اليوم في إحدى سراياته في الإسكندرية، فأجاب السيد الدعوة، وركب قطار السرعة، وسار إلى الإسكندرية، وقابل الحضرة الخديوية، وحضر جماعة من أدباء مصر وأفاضلها يزيد عددهم على العشرة، وكنت جالسا جانب السيد عبد الرحمن، ولما صارت الساعة الرابعة عربية من تلك الليلة هممت بالقيام لأن النوم غلبني، فاستدعاني إليه، وكنت جالسا في قربه، وقال لي: أحس بوجع شديد في خاصرتي اليسرى، وهو إذا دام معي ساعة أخرى فلا شك أنه قاتلي. فقلت له: لا بأس عليك إن شاء الله، ثم انصرفت إلى منزلي ورقدت في فراشي، وما كاد شفق الفجر يلهب فحمة الليل إلا والباب يطرق علي، فنهضت من فراشي مسرعا، وقلت: من بالباب ? فأجابني الطارق بقوله: انا كاظم، إن أخاك والدي قد مات، فدهشت من هذا الخبر المفاجئ)
ونقل الدكتور سامي الدهان عن مجلة الحديث (1940) رواية أخرى فقال: (وفي مساء يوم الخميس 14 يونيو سنة 1902 الموافق 5 ربيع الأول سنة 1320 هجرية جلس في مقهى يلدز قرب حديقة الأزبكية إلى أصحابه وأصدقائه، وفيهم السيد رشيد رضا والأستاذ محمد كرد علي وإبراهيم سليم النجار، وشرب قهوة مرة، وبعد نصف ساعة أحس بألم في أمعائه فقام للحال وقصد مع ابنه كاظم في عربة حنطور إلى الدار، وظل يقيء حتى قارب الليل منتصفه، فأصيب بنوبة قلبية ضعيفة فأحس ابنه بالخطر، وهب يستدعي أقرب طبيب من المحلة، ولما عاد صحبة الطبيب وجد أباه قد فارق الحياة، وسرى الخبر صباح الجمعة في مدينة القاهرة فأمر الخديوي بدفن الكواكبي على نفقته الخاصة، وأن يعجل بدفنه، وأرسل مندوبا عنه لتشييعه، ودفن في قرافة باب الوزير في سفح المقطم، واحتفل له السيد علي يوسف صاحب جريدة المؤيد بثلاث ليال حضر فيها القراء)
قال العقاد: ويكاد أصحاب هذه الرويات المختلفة عن وفاته رحمه الله يتفقون على ظن واحد سبق إلى الكثيرين ممن سمعوا بنعيه في حينه، فقد خطر لهم جميعا أنه ذهب ضحية الغدر والدسيسة بتدبير من ابي الهدى، او من جواسيس السلطان عبد الحميد، وقال الأستاذ الغزي في مجلة الحديث: (كأن وفاته كانت منتظرة، لنها لم يمض عليها يوم أو بعض يوم إلا وقد اتصلت بمسامع السلطان عبد الحميد، وعلى الفور أصدر إدارته إلى السيد عبد القادر القباني صاحب جريدة ثمرات الفنون التي كانت تصدر في بيروت لأن يهبط سريعا ويقصد محلة إقامة السيد، ويحرز جميع ما يجده من الأوراق ويرسلها إلى المابين) وما كان أحد في ذلك العصر ليستبعد هذه الفعلة وامثالها على المهتمين بها، ولكن تحقيق الخبر التاريخي لا تكفي فيه مظنة السوء، وأرجح الأقوال في هذا النبأ ما كتبه الأستاذ محمد لطفي جمعة في مجلة الحديث (1937) إذ يقول: إنه ذهب ضحية ذبحة صدرية.
*زهير
16 - يوليو - 2007
نسب الكواكبي    كن أول من يقيّم
 
يجتمع الكواكبي في نسبه إلى علي بن أبي طالب (ر) بشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية في إيران. عند جدهما صفي الدين الأردبيلي ويتضمن عمود النسب أسماء مشاهير، من أبرزهم جد الكواكبي الرابع محمد بن الحسن الكواكبي مفتي حلب (ت 1090هـ) الذي ترجم له المحبي في نفحة الريحانة فقال: وقد ختمت به الفتوة والبسالة كما ختمت بمحمد (ص) النبوة والرسالة. ومن مشاهير هذه الأسرة أيضا شقيق عبد الرحمن الكواكبي (أبو السعود مسعود بن أحمد الكواكبي، وله ترجمة في كتاب الأعلام في الوراق)
وأما عبد الرحمن فهو: عبد الرحمن بن أحمد ابن أبي السعود بن أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن محمد بن أبي يحيى المعروف بالكواكبي قدس سره ابن شيخ المشايخ والعارفين صدر الدين موسى الأردبيلي قدس سره ابن الشيخ الرباني المسلك الصمداني صفي الدين إسحاق الأردبيلي ابن الشيخ الزاهد أمين الدين ابن الشيخ السالك جبريل بن الشيخ المقتدي صالح ابن الشيخ قطب الدين أبي بكر ابن الشيخ صلاح الدين رشيد ابن الشيخ المرشد الزاهد محمد الحافظ ابن الشيخ الصالح الناسك عوض الخواص ابن سلطان المشايخ فيروز شاه البخاري ابن مهدي ابن بدر الدين حسن بن أبي القاسم محمد بن ثابت بن حسين بن أحمد ابن الأمير داود بن علي ابن الإمام موسى الثاني ابن الإمام إبراهيم المرتضى ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين) نقل العقاد هذا النسب مستعينا بكتاب (النفائح واللوائح) الذي ألفه السيد حسن بن أحمد بن أبي السعود الكواكبي.
*زهير
16 - يوليو - 2007
حب واحترام    كن أول من يقيّم
 
شكر الله لك حضرة شاعرنا الأمجد هذه النقول الفاخرة عن خبر وفاة السيد الكواكبي (قدس الله روحه), وإذا كان المجد هو إحراز مقام حب واحترام في القلوب كما عرَّفه الكواكبي, فلقد أحرزت هذا المقام في قلوبنا بلا مدافع بدماثة الخلق, ونفاسة المعلومة, ونوادر النصوص, واعتذر إليكم سيدي في عدم قدرتي على إجابة طلبكم الكريم في نقل ترجمة السيد الكواكبي من المنار العريقة لأنني لا أملكها والله المستعان.
 
*طه أحمد
20 - يوليو - 2007
بطاقة شكر..    كن أول من يقيّم
 
Image hosted by allyoucanupload.com
 
البطاقة من إنجازي..
*abdelhafid
21 - يوليو - 2007
زهور معتقلة..    كن أول من يقيّم
 
هل يكفي دفء معطف
لأطرد زكام الخريف
من المزهرية !

هل تكفي ...
رقصة صامتة في حانة
لأعلن عن ?عشقي
للزعتر البري !?
للوطن الهارب مني
كبطاقات بريدية ?
لم تصل !?

هل يكفيني حبكم ?
لأطرد حزني المشرد ?
بين الأرخبيلات
خرائط تبحث عن بقايا لوطن
كنس من الذاكرة.
وطن يأتيني صداه ?
? كأنين ?
مزلاج لباب مهترئ
?فما فائدة المزاريب لبيت بلا سقف!

شكرا ....
للرياح العابرة
التي ?
دمرت حدائق المدن
وتركت العصافير ?
على أسلاك الكهرباء !
تتأمل خراب الوقت. ?

شكرا ....?
هذا القلب وحده
? شاهد على ?
اغتيال الكلمة ?
و سقوط الجسد في الروح
فكيف لي أن أحتمي بظل نخلة?
تشتهيني ?
عاصفة ?
أو زوبعة في فنجان قهوة !?
تشتهيني موت فراشة على حافة بئر يابس! ?

معذرة....
سأعطل المنبه والمؤذن ?
لأدخل مملكة الصمت
? بحداء مبتل?
وبقلب فارغ ?
أحمل ...?
خريطة لذاكرة ?
علمتني
كيف ?
أقرأ ?
تجاعيد ?
? جسدي المتعب بالسفر?
بالحب العذري
وبرحلات أعشق فيها غربة الأشياء !?
                  *
*abdelhafid
23 - يوليو - 2007
الشقراوات الثلاثة    كن أول من يقيّم
 
كنت قد دُعيت لحضور حفل خطبة ابنة عمى فى إحدى الفنادق الفاخرة المطلة على النيل مباشرة وكان الحفل فى مجمله ذا طابع لذيذ غلب عليه الهدوء وكان الحفل طبيعيا جدا ، وعند انتهاء الحفل خرجنا من القاعة وقد لفت نظرى وجود الكازينو بجوار القاعة مباشرةً ، وما إن ذهبت لألقى نظرة عليه حتى وقع عينى عليهن ، هن ثلاث شقراوات يتصدرن مكان الدخول وقد أردت أن أصفهن لكم ،
هن ثلاث شقراوات يقفن فى حزم وجرأة وثبات ، ينتظرن وفود المليونيرات ليغدقن عليهن الجنيهات وإن شئت قلت الدولارات ، يُخيل لك أنهن ساحرات من شدة جمالهن وهن فاتنات ، هن كانجوم زاهرات ، تختزى من ريحهن الخزيمات فيا لهذا المعشر معشر البنات !!!!!!
 
أنا الآن أمام إحدى الشقراوات ، أكلمها : عسى أن نلتقى مرة حتى لو عند الفرات ، فرمقتنى بنظرة من تلك النظرات  وقالت لى
 
أترانى ألملم من الفضلات !
 
انتهى
*يوسف الزيات
24 - يوليو - 2007
المختار من الطبائع 2    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
المُستبدُّ والعلم
 
 
ما أشبه المستبد في نسبته إلى رعيته بالوصي الخائن القوي, يتصرف في أموال الأيتام وأنفسهم كما يهوى ما داموا ضعافا قاصرين, فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم, كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم.
لا يخفى على المستبد, مهما كان غبيا, أن لا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء, فلو كان المستبد طيراً لكان خفاشا يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل, ولو كان وحشاً لكان ابن آوى يتلقف دواجن الحواضر في غشاء الليل, ولكنه هو الإنسان يصيد عالمَهُ جاهلُه.
العلم قبسة من نور الله وقد خلق الله النور كشافا مبصراً, ولاّداً للحرارة والقوة, وحعل العلم مثله وضَّاحاً للخير فضَّاحاً للشر, يولِّد في النفوس حرارة وفي الرؤوس شهامة, العلم نور والظلم ظلام ومن طبيعة النور تبديد الظلام, والمتأمل في حالة كل رئيس ومرؤوس يرى كل سلطة الرئاسة تقوى وتضعف بنسبة نقصان علم المرؤوس وزيادته.
المستبد لا يخشى علوم اللغة, تلك العلوم التي بعضها يقوّم اللسان وأكثرها هزل وهذيان يضيع به الزمان, نعم لا يخاف علم اللغة إذا لم يكمن وراء اللسان حكمة حماس تعقد الألوية, وأو سحر بيان يحل عقد الجيوش, لأنه يعرف أن الزمان ضنين بأن تلد الأمهات كثيراً من أمثال الكميت وحسان أو مونتيسكيو وشيللارا.
وكذلك لا يخاف المستبد من العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد المختصة ما بين الإنسان وربه, لاعتقاده أن لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة, وإنما يتلهى بها المتهوسون للعلم حتى إذا ضاع فيها عمرهم وامتلأتها أدمغتهم, وأخذ منهم الغرور ما أخذ, فصاروا لا يرون علما غير علمهم, فحينئذ يأمن المستبد منهم كما يؤمن شر السكران إذا خمر. على أنه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبد وسيلة لاستخدامهم في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنه يضحك عليهم بشيء من التعظيم, ويسدُّ أفواههم بلقيمات من فتات مائدة الاستبداد, وكذلك لا يخاف من العلوم الصناعية محضاً لأن أهلها يكونون مسالمين صغار النفوس, صغار الهمم, يشتريهم المستبد بقليل من المال والإعزاز, ولا يخاف من الماديين لأن أكثرهم مبتلون بإيثار النفس, ولا من الرياضيين لأن أغلبهم قصار النظر.
ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية, والفلسفة العقلية, وحقوق الأمم, وطبائع الاجتماع, والسياسة المدنية, والتاريخ المفصل, والخطابة الأدبية, ونحو ذلك من العلوم التي تكبّر النفوس وتوسع العقول وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها, وكيف الطلب, وكيف النوال, وكيف الحفظ. وأخوف ما يخاف المستبد من أصحاب هذه العلوم المندفعين منهم لتعليم الناس بالخطابة أو الكتابة وهم المعبّر عنهم في القرآن بالصالحين والمصلحين في نحو قوله تعالى: أن الارض يرثها عبادي الصالحون), وفي قوله: وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون), وإن كان علماء الاستبداد يفسرون مادة الصلاح والإصلاح بكثرة التعبد, كما حوّلوا معنى مادة الفساد والإفساد: من تخريب نظام الله إلى التشويش على المستبدّين.
والخلاصة أن المستبد يخاف من هؤلاء العلماء العاملين الراشدين المرشدين, لا من العلماء المنافقين أو الذين حفر رؤوسَهم محفوظاتٌ كثيرة كأنها مكتبات مقفلة.
*طه أحمد
1 - أغسطس - 2007
لوحـة ..    كن أول من يقيّم
 
 
 للفنان التشكيلي عبد القادر السكاكي
عن موقع المرساة .
 
*abdelhafid
11 - أغسطس - 2007
المختار من الطبائع3    كن أول من يقيّم
 
 
الاستبداد والإنسان
 
 
عاش الإنسان دهرا طويلاً يتلذذ بلحم الإنسان ويتلمظ بدمائه, إلى أن تمكن الحكماء في الصين ثم الهند من إبطال أكل اللحم كلياً سداً للباب, كما هو دأبهم إلى الآن. ثم جاءت الشرائع الدينية الأولى في غربي آسيا بتخصيص ما يؤكل من الإنسان بأسير الحرب ثم بالقربان ينذر للمعبود ويذبح على يد الكهان. ثم أبطل أكل لحم القربان وجعل طعمة للنيران, وهكذا تدرج الإنسان إلى نسيان لذة لحم إخوانه, وما كان لينسى عبادة إهراق الدماء لولا أن إبراهيم, شيخ الأنبياء, استبدل قربان البشر بالحيوان واتبعه موسى عليه السلام وبه جاء الإسلام.
وهكذا بطل هذا العدوان بهذا الشكل إلا في أواسط أفريقيا عند (النامنام).
 
الاستبداد المشؤوم لم يرضَ أن يقتل الإنسان الإنسان ذبحاً ليأكل لحمه, أكلاً كما كان يفعل الهمج الأوّلون, بل تفنّن في الظلم, ويمتصون دماء حياتهم بغصب أموالهم, ويقصرون أعمارهم باستخدامهم سخرة في أعمالهم, أو بغصب ثمرات أتعابهم. وهكذا لا فرق بين الأولين والآخرين في نهب الأعمار وإزهاق الأرواح إلا في الشكل.
 
إن بحث الاستبداد والمال بحث قوي العلاقة بالظلم القائم في فطرة الإنسان, ولهذا رأيتُ أن لا بأس في الاستطراد لمقدمات تتعلّق نتائجها بالاستبداد الاجتماعي المحميِّ بقلاع الاستبداد السياسي, فمن ذلك:
 
إن البشر المقدّر مجموعهم بألف وخمسمائة مليون (لعهد الكواكبي) نصفهم كَلٌّ على النصف الآخر, ويشكل أكثرية هذا النصف الكَلِّ نساء المدن.
ومَن النساء? النساء هنَّ النوع الذي عرف مقامه في الطبيعة بأنه هو الحافظ لبقاء الجنس, وأنه يكفي للألف منه ملقح واحد, وأن باقي الذكور حظهم أن يساقوا للمخاطر والمشاق أو هم يستحقون ما يستحقه ذكر النحل, وبهذا النظر اقتسمت النساء مع الذكور أعمال الحياة قسمة ضيزى, وتحكمن بسن قانون عام به جعلن نصيبهن هين الأشغال  بدعوى الضعف, وجعلن نوعهن مطلوباً عزيزاً بإيهام العفة, وجعلن الشجاعة والكرم سيئتين فيهن مَحمدتين في الرجال, وجعلن نوعهن يهين ولا يهان ويظلم أو يظلم فيعان, وعلى هذا القانون يربين البنات والبنين, ويتلاعبن بعقول الرجال كما يشأن حتى أنهن جعلن الذكور يتوهمون أنهن أجمل منهم صورة. والحاصل أنه قد أصاب من سماهن بالنصف المضر, ومن المشاهد أن ضرر النساء بالرجال يترقى مع الحضارة والمدنية على نسبة الترقي المضاعف. فالبدوية تشارك الرجل مناصفة في الأعمال والثمرات فتعيش كما يعيش, والحضرية تسلب الرجل لأجل معيشتها وزينتها اثنين من ثلاث وتعينه في أعمال البيت, والمدنية تسلب ثلاثة من أربعة وتود أن لا تخرج من الفراش, وهكذا تترقى بنات العواصم في أسر الرجال. وما أصدق بالمدنية الحاضرة في أوروبا أن تسمى المدنية النسائية لأن الرجال فيها صاروا أنعاما للنساء.
 
ثم إن الرجال تقاسموا مشاق الحياة قسمة ظالمة أيضا, فإن أهل السياسة والأديان ومن يلتحق بهم وعددهم لا يبلغ الخمسة في المائة, يتمتعون بنصف ما يتجمد من دم البشر أو زيادة, ينفقون ذلك في الرفه والإسراف, مثال ذلك أنهم يزينون الشوارع بملايين من المصابيح لمرورهم فيها أحياناً متراوحين بين الملاهي والمواخير, ولا يفكرون في ملايين من الفقراء يعيشون في بيوتهم في ظلام.
 
ثم أهل الصنائع النفيسة والكمالية والتجار الشرهون والمحتكرون وأمثال هذه الطبقة, ويقدرون كذلك بخمسة في المائة, يعيش أحدهم بمثل ما يعيش به العشرات أو المئات أو الألوف من الصناع والزراع.
وجرثومة هذه القسمة المتفاوتة المتباعدة الظالمة هي الاستبداد لا غيره. وهناك أصناف من الناس لا يعملون إلا قليلاً, إنما يعيشون بالحيلة كالسماسرة و المشعوذين باسم الأدب أو الدين, وهؤلاء يقدرون بخمسة عشر في المائة أو يزيدون على أولئك.
 
نعم لا يقتضي أن يتساوى العالمُ الذي صرف زهرة حياته في تحصيل العلم النافع أو الصنعة المفيدة بذاك الجاهل النائم في ظل الحائط, ولا ذاك التاجر المجتهد المخاطر بالكسول الخامل, ولكن العدالة تقتضي غير ذلك التفاوت, بل تقتضي الإنسانية أن يأخذ الراقي بيد السافل فيقربه من منزلته ويقاربه في معيشته ويعينه على الاستقلال في حياته.
 
لا, لا, لا يطلب الفقير معاونة الغني, إنما يرجوه أن لا يظلمه, ولا يلتمس منه الرحمة, إنما يلتمس العدالة, لا يؤمّل منه الإنصاف, إنما يسأله أن لا يميته في ميدان مزاحمة الحياة.
بسط المولى, جلّت حكمته, سلطان الإنسان على الأكوان فطغى وبغى ونسي ربه وعبد المال والجمال وجعلهما منيته ومبتغاه, كأنه خُلق خادماً لبطنه وعضوه فقط, لا شأن له غير الغذاء والتحاكّ, وبالنظر إلى أن المال هو الوسيلة الموصلة للجمال كاد ينحصر أكبر همّ للإنسان في جمع المال, ولهذا يُكنى عنه بمعبود الأمم وبسرِّ الوجود, وروى (كريسكوا), المؤرخ الروسي, أن كاترينا شكت كسل رعيتها فأرشدها شيطانها إلى حمل النساء على الخلاعة ففعلت وأحدثت كسوة المراقص, فهب الشبان للعمل وكسب المال لصرفه على ربات الجمال, وفي ظرف خمس سنين تضاعف دخل خزينتها فاتسع لها مجال الإسراف. وهكذا المستبدون لا تهمهم الأخلاق إنما يهمهم المال.
 
*طه أحمد
15 - أغسطس - 2007
كل التحية لكم والسلام    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
أستغل وجودي اليوم بالقرب من الكومبيوتر لأكتب كلمات قليلة أتوجه بها إليكم من لبنان الحبيب . لا زلت في العطلة الصيفية التي شارفت على الإنتهاء وسيكون لي عودة قريبة ، إن شاء الله ، إلى مجالس الوراق فلقد استبد بي الحنين للعودة والكتابة والتواصل معكم  من جديد .
 
ستكون عودتي إلى ملف الوطن والزمن المتحول من خلال مذكرات الكاتب الفرنسي شاتوبريان التي تحمل عنوان : " مذكرات ما وراء اللحد " وهو الكتاب الذي رافقني أثناء عطلتي في أوقات الفراغ ، وأجد فيه مناسبة فريدة لإعادة طرح السؤال الأساسي  الذي كان قد طرحه يوماً الأستاذ صادق السعدي عن كيفية حصول التقاطع في السرد بين ما ترويه السيرة الذاتية والتاريخ العام من قضايا وحوادث مشتركة وكان  شاتوبريان قد طرحه على نفسه على الشكل التالي : كيف نكتب " بالأنا " توجهاً تاريخياً وتوجهاً حميماً يتوج ذلك المظهر الفوضوي ( للمذكرات التي كتبها ) الذي ليس هو في الحقيقة سوى التجلي لصورة المعاناة ... ثم يضيف : " في هذا المشروع ، كنت أرسم نفسي . كنت أنسى عائلتي ، طفولتي ، شبابي ، رحلاتي ،  منفاي . كان سردي لها هو الزمن الذي كنت فيه الأكثر إعجاباً بنفسي .... " 
 
هذه المذكرات " التاريخية " و " الشعرية " التي رمى من خلال سرده لها إلى : " تفسير قلبه الغير مفهوم " وإلى  " محاولة شرح نفسه لنفسه " ودون أن يقول سوى : " ما هو لائق وجدير بكرامة الإنسان " وما هو جدير : " بسمو قلبه " كانت مرآة لعصره المضطرب والملىء بالتحولات والانقلابات السياسية فكان شاهداً عليها ، ضحية لها ، ومؤثراً فيها .
 
وبالمناسبة ، اتوجه بالشكر للأستاذ طه المراكشي على الإضافات القيمة التي أغنى بها هذا الملف وأعني بها موضوع الكواكبي " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " وأسأل الله أن يسدد خطاه دائماً إلى وجهة الصواب ويرعاه بفضله ، وإلى شاعرنا وأستاذنا  زهير ظاظا الذي لم يبخل على هذا الملف أيضاً ، وكما عودنا دائماً ، بالإضافات السديدة والرشيدة . وسلامي أيضاً للأستاذ يوسف الزيات والدمنهوري والأستاذ زياد متمنية له عودة ميمونة والأستاذ سعيد الهرغي الذي صرنا نبحث عنه بين الصور وخلف السطور ، وشكري للأستاذ عبد الحفيظ حفظه الله بشاعريته ووفائه النادر وسلامي لندى ، وتحياتي الخاصة والخالصة لعميد المجالس ودرتها مولانا لحسن بنلفقيه راجية له ولنا أن يحظى بحل سريع لمشكلة الشبكة المعطلة في منطقته والتي تسببت بانقطاعه النسبي عن التواصل الدائم .  
 
تحياتي لكل أصدقاء الوراق وسراته وتمنياتي لكم جميعاً بكل الخير وإلى اللقاء
 
*ضياء
19 - أغسطس - 2007
 56  57  58  59  60