مرحلة بين المرحلتين: وداع موقوت كن أول من يقيّم
سيدتي الأستاذة ضياء سليم أدام الله أيامك, إخواني إخوان الصفا سراة الوراق وأهله, سلام عليكم وبعد: كنت أيام طلبي علم مصطلح الحديث قرأت فصلا ًللعالم الحجة الخطيب البغدادي في صدر كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) ترجمه بإيثار العزوبة للطالب وتركه التزويج, أوقع فيه سبعة عشر أثراً, وهذه بعضها محذوفة الأسانيد استخفافاً: - عن حذيفة يرفعه: خيركم في المائتين كل خفيف الحاذ, قالوا: يا رسول الله, وما خفيف الحاذ? قال: الذي لا أهل له ولا ولد. - عن بشر بن الحارث ( عابد بغداد) موقوفا عليه: لا تؤثروا على حذف العلائق شيئا, فإني لو كلفت أن أعول دجاجة لخفت أن أصير شُرَطيا في الجسر. ومن لم يحتج إلى النساء فليتق الله (..)'. - عن ابن نمير قال: قال لي سفيان: تزوجت? قلت: لا. قال: ما تدري ما أنت فيه من العافية. -وعن سفيان الثوري أيضا: إذا تزوج الرجل ركب البحر, فإذا ولد له كسر به. - وقيل لأعرابي: لم لم تزوج? قال: إني وجدت مداراة العفة أيسر من الاحتيال لمصلحة النساء. - وعن مولانا الإمام الشافعي: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس. - ولمحمد بن هارون الدمشقي هذه الأبيات: لمحبرة تجالسني نهــــاري أحب إلي من أنس الصـديق ورزمة كاغد في البيت عندي أحب إلي من عدل الدقـيق ولطمة عالم في الخد مــني ألذ لدي من شرب الرحيق اهـــــــــــــــــــــــــ وكنت أريد النفس على هذا المذهب, لكن ما منا من أحد إلا تنسخ التقادير أمانيه و رغائبه, ولا يزال صرير القلم الأول يمحو تدبير النفس ويثبت عليها مصادقه ووقائعه, وما أقربني إلى الجبر وإن كنت من شأنه لا في العير ولا في النفير, وما أقدمت إلا عن تخيير وأعلم أن الله على ما يشاء قدير. إخواني سراة الوراق جمل الله الوجود بوجودكم: أقفلت أمسِ من خطبة شابة من بلاد فلسطين من أرض الخليل, وهذا يدفع بي إلى زيادة في العمل والجهد, وبذل الطاقة واستفراغ الوسع واستغراق عظم الوقت للاحتراف والتكسب, فيتضايق الزمن على المرء وتقل فسحته, وتطوى منحة العزوبة وتنشر للإملاك رايته ومحنته, وقد لبتث فيكم أياما ًوليالي ليس همي إلا منظوم زهير ومناقلات النويهي, وشهد الحسن ومباحثات الهرغي, وأشجان ضياء وأمالي الرفاعي, وبيادق هشامِ وتذكارات السعدي, وتعليقات حفيظ ونشر الميداني, والدمنهوري بالمثالث والمثاني, ومصكوكات زياد ودرر الغواص في الخلجان. وكان في نيتي قبل اليوم فتح ملف للمدنية الاسلامية وقد اجتمعت لدي مادة عظيمة من المقالات والردود لكبار علماء الاسلام في شأن التمدن الذي قام مع الشريعة الاسلامية, والحضارة التي رفع الدين أوتادها وأعمادها, فإذا غلبت الزواج كان لي ما أملت من هذه الأمنيات, وإذا غلبني فحسبي أن الأعمال بالنيات. إخوان الصفا: هذا ما كان من أمري أطلعتكم عليه, وجعلتكم شركاء فيه, وذي أحدوثتي أدرجها في أحاديث الوطن و الزمن المتحول, فإن طالت غيبتي وتباطأت مقالتي, فاعذروني والعذر عند الكرام مقبول, فمؤنة الزواج تكسر القلم وتستنزف الفكر أمدا من الدهر يطول. وإني أكتب إليكم وفي عقلي قامت معارك استحر في أهلها القتل, لكنني أمضيت العزيمة ولا أريد أن أكون كالغوازل ينقضن من بعد قوة الغزل, والله يعوضنا ما يفوت من العلم في عهد الحداثة, وثنائي عليكم جميعا أهل الأخلاق الواسعة والدماثة. وأقول لحبيبنا وأستاذنا أبي الفداء زهير: إني والله أحبك في الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |