البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 52  53  54  55  56 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
وردة البيداغوجيا ..    كن أول من يقيّم
 
أحلم بتلميذات أكثر أناقة وجمالا
وتلاميذ
أقل سماجة ولؤماً
ليس من أجل راحتي
(وإلا فإني أناني)
ولكن لكي تتفتح
وردة البيداغوجيا
جنوب
السبورة.
*abdelhafid
10 - مايو - 2007
وجدت خبز العسل    كن أول من يقيّم
 
  
شغلي هذه الأيام هو البحث و الكتابة عن النحل و النحالة و مصطلحاتها و تقنياتها ... و خلال تنقلاتي اليومية بين مواقع النحالة في الشبكة العنكبوتية ، و جدت هذه الوصفات عن كعكة العسل ، فتذكرت قصة الأستاذة ضياء مع وصفة صديقتها عن خبز العسل ... و لم  يتيسر لي  بعد تطبيق إحدى هذه الوصفات في بيتي ، لسبب السفر ... و أرجو أن تجد الأستاذة ضالتها في هذه المجموعة الدولية عن صناعة خبز العسل ... و ذلك  في الرابط التالي :
 
 
مع سلامي و تحياتي و تقديري .
*لحسن بنلفقيه
14 - مايو - 2007
الانتماء إلى الأرض (1)    كن أول من يقيّم
 
بِكَثِيرٍ مِنَ الْهَيْبَةِ أَقْتَرِبُ مِنْ مَلَفِّ أُسْتَاذَتِنَا الْمُوَقَّرَةِ ، قَدْ لا يَبْدُو التَّوَاءُمُ كَبِيرًا بَيْنَ هَذَا الْمَوْضُوعِ وَبَيْنَ هَذَا الْمَلَفِّ ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ الْمُشَارَكَةَ بِهِ ، فَعُذْرًا عَلَى التَّطَفُّلِ .
****************************************************
الانْتِمَاءُ إِلَى الأَرْضِ ...
 
=- شَاهَدتُّ مُسَلْسَلاً لُبْنَانِيًّا قَبْلَ سَنَوَاتٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مَلامِحَهُ لا تَزَالُ مَحْفُورَةً فِي الذَّاكِرَةِ بِقُوَّةٍ ، لَمْ يَكُنْ إِنْتَاجًا ضَخْمًا ، وَلَمْ يَكُنْ مُعَقَّدَ الْقِصَّةِ ، وَلا مُتَشَعِّبَ الأَحْدَاثِ ، بَلْ كَانَ عَلَى دَرَجَةٍ مِنَ الْبَسَاطَةِ وَالْبِدَائِيَّةِ قَد تُّوحِي لِلْوَهْلَةِ الأُولَى بِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ ، أَوَّلَ مَا تَلْقَاهَا فِي صُورَةِ الرِّيفِ اللُّبْنَانِيِّ قَبْلَ مِئَةِ عَامٍ ، الَّذِي تَمَثَّلَ فِي صُورَةِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الْجَبَلِيَّةِ بِأَكْوَاخِهَا الْمُتَوَاضِعَةِ وَأَهْلِهَا الْكَادِحِينَ ، اسْمُ الْمُسَلْسَلِ : ((حِكَايَةُ أَمَلَ)) ، هِي تِلْكَ الْفَتَاةُ الَّتِي قُدِّرَ لِشَبَابِهَا أَنْ يَذْوِيَ سَرِيعًا عَلَى وَطْأَةِ الْكِفَاحِ الْمُرِّ فِي سَبِيلِ حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مَغْمُوسَةً بالشَّظَفِ ، فَقَدَتْ زَوْجَهَا الْحَبِيبَ الَّذِي غَادِرَهَا لَمَّا شَعَرَ أَنَّهُ سَيُصْبِحُ عِبْئًا زَائِدًا عَلَيْهَا بِعَجْزِهِ وَإِعَاقَتِهِ ، لَمْ تَتَسَخَّطْ وَلَمْ تَتَبَرَّمْ ، وَلَمْ تُحَاوِلْ أَنْ تُسْلُكَ سَبِيلاً لَمْ يَكُنْ بِالْعَسِيِر ، بِلْ بَقِيَتْ عَلَى شَفَتَيْهَا بَسْمَةٌ عَرِيضَةٌ ، وَبَقِيَ فِي عَيْنَيْهَا بَرِيقُ أَمَلٍ ، يَلُوحَانِ كُلَّمَا رَأَتْ أَبْنَاءَهَا الَّذِينَ تُعِدُّهُمْ لِغَدٍ أَفْضَلَ ، وَبَعْدَ السَّنَوَاتِ الطَّوِيلَةِ مِنَ الْجِهَادِ وَالتَّضْحِيَةِ ، حَيْثُ تَنْتَظِرُ حَصَادَ الشَّعْرِ الأَبْيَضِ وَالأَسَارِيرِ الْمُتَغَضِّنَةِ وَالذِّرَاعَيْنِ الْوَاهِيَتَيْنِ ؛ كَانَتِ الثَّمَرَةُ الْمُرَّةُ ، وَكَانَتِ النِّهَايَةُ الْحَزِينَةُ ؛ ابْنٌ حَائِرٌ مَائِقٌ لا يَعْبَؤُ بِكُلِّ مَا بَذَلَتْهُ مِنْ أَجْلِهِ ، وَتَسْتَفِزُّهُ آمَالُ الثَّرَاءِ بِأَنَانِيَّةٍ مَقِيتَةٍ ، لِيَنْتَهِيَ بِهِ الأَمْرُ مَقْتُولاً عَلَى شَفْرَةِ سَادِيَّةٍ بَشِعَةٍ ، وَابْنَةٌ ضَعِيفَةٌ ضَرِيرَةٌ تَمُوتُ ضَحِيَّةَ حَيَوَانَاتٍ آدَمِيَّةٍ نَزَعَ اللهُ مِنْ قُلُوبِهَا الرَّحْمَةَ ، وَابْنٌ كَانَت تَّرَى فِيهِ مَثَل الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَعِرْفَانِ الْجَمِيلِ ، هُوَ مَعْقِدُ آمَالِهَا ، وَالثَّمَرَةُ الَّتِي تَرْجُوهَا مِنْ حَيَاتِهَا ، فَمَا كَانَ - بَعْدَ أَنْ بَلَّغَتْهُ غَايَتَهَا وَغَايَتَهُ - إِلا الْجَاحِدَ الْعَاقَّ ، وَانْقَلَبَ مَلاكُهُ شَيْطَانًا أَسْوَدَ الْقَلْبِ حَجَرِيَّ الشُّعُورِ مَيِّتَ الضَّمِيرِ ، لِيُخَيِّبَ آمَالَهَا فِي عِلاجِ أُخْتِهِ ، وَلِيَجْبَهَ أُمَّهُ - وَهِيَ اللَّهِيفَةُ الْمُتَحَرِّقَةُ عَلَيْهِ - بِأَقْبَحِ مَا وَعَتْهُ أُذُنٌ ، وَلِيَتَبَرَّأَ مِنْهَا فِي دَنَاءَةٍ وَقَمَاءَةٍ أَمَامَ ابْنَةِ الْوَجِيهِ الَّذِي صَاهَرَهُ ، أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ لَهَا فِي الْحَيَاةِ - بَعْدَ كُلِّ مَا فَقَدَتْهُ - لِتَعِيشَ مِنْ أَجْلِهِ ?! ؛ بَل لِّتَعِيشَ بِهِ ?! ، لَقَدِ انْسَدَّتِ الْجِهَاتُ الأَرْبَعُ الَّتِي كَانَ يَفِدُ مِنْهَا النُّورُ وَالسَّعَادَةُ وَالأَمَلُ وَالصَّبْرُ ، فَمَا الَّذِي سَتَفْعَلُهُ بِنْتُ لُبْنَانَ الَّتِي دَرَجَتْ عَلَى مِهَادِ صُخُورِهِ وَبيْنَ أَحْضَانِ جِبَالِهِ ?! ؛ حَمَلَتْ فَأْسَهَا ، وَمَضَتْ فِي عَزِيمَةٍ حَذَّاءَ ، لِتَهْوِيَ بِهِ وَتَشُقَّ الطِّينَ ، فَيَرَاهَا مَنْ حَوْلَهَا مِنْ أَوْلادِ الْفِطْرَةِ ... مِنْ أَبْنَاءِ الطَّبِيعَةِ ... مِنْ إِخْوَانِ الدِّفْلَى وَالأَرْزِ وَاللِّيطَانِيِّ وَالشَّمْسِ وَالْهَوَاءِ ... ، فَيَحْمِلُونَ فُؤُوسَهَمْ جَمِيعًا ، وَيَقِفُونَ بِجَانِبِهَا فِي سُطُورٍ كَأَنَّهَا نُوتَةُ لَحْنٍ أَبَدِيٍّ ، تَعْلُو سَوَاعِدُهُم مَّعًا ، وَتَهْوِي مَعًا ، مَشْهَدٌ مُبْكٍ ، أَيُّ عِشْقٍ لِلْحَيَاةِ هَذَا ?! ، أَيُّ قُوَّةٍ جَبَّارَةٍ لا يَعْتَرِضُ طَرِيقَهَا يَأْسٌ وَلا خَوْفٌ وَلا يَلْوِي ذِرَاعَهَا الْقَدَرُ ?! ، إِنَّهُ الانْتِمَاءُ لِلأَرْضِ ! ... ، نَعَمِ ؛ الأَرْضُ ! ... ، بَعْدَ الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ ، وَقَبْلَ الْمَالِ وَالشَّبَابِ ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ؛ هِيَ الَّتِي تَبْقَى ، هِيَ الَّتِي تَخْلُدُ ، نَحْنُ أَيَّامٌ وَلَيَالٍ تَطْلُعُ بِهَا شَمْسٌ وَيَأْفُلُ بِهَا قَمَرٌ ، سَنَرْوِيهَا بِالْعَرَقِ ، سَنَرْوِيهَا بِالدِّمَاءِ ، لا بُدَّ أَنْ تَبْقَى مِعْطَاءَةً ، هَذِهُ الأُمُّ الَّتِي نَرْتَمِي فِي أَحْضَانِهَا ، الَّتِي تَمْنَحُنَا الْحَيَاةَ ، لَقَدْ أَعْطَتْنَا كَثِيرًا ، وَلا نُرِيدُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلا أَن نَّبْقَى بِجَانِبَها إِلَى ... ؛ لَيْسَ إِلَى الْمَوْتِ ... ؛ وَلِكِنْ إِلَى مَوْعِدِ الْوِصَالِ ، نَحْنُ أَبْنَاءُ الأَرْضِ فَنَحْنُ مِثْلُهَا لا نَعْرِفُ إِلا الْعَطَاءَ وَلا يَهُمُّنَا الأَخْذُ ، وَإِنَّ السَّعَادَةَ الَّتِي تَغْمُرُنَا عِنْدَمَا نَتَمَرَّغُ فِي طِينِهَا هِيَ السَّعَادَةُ الَّتِي لا يُمْكِنُ لِقُوَّةٍ أَنْ تَغْتَصِبَهَا مِنَّا ، وَإِنَّ الْبَسْمَةَ الَّتِي تَرْتَسِمُ عَلَى شِفَاهِنَا عِنْدَ عِنَاقِهَا هِيَ الْبَسْمَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَمْتَدُّ جُذُورُهَا فِي أَعْمَاقِ النَّفْسِ وَرَاءَ الْمَحْسُوسِ وَالْمَلْمُوسِ مِنْ كُلِّ نَاعِمٍ وَخَشِنٍ ، لَوْ لَمْ يَكُنْ أَمَامَنَا إِلا أَن نَّفْتَدِيَهَا مِنَ الْبَاغِي بِأَعْضَائِنَا نَبْتُرُهَا فَسَنَفْعَلُ ؛ وَلَكِنْ لا يَذْهَبُ شِبْرٌ مِنْهَا ، خُذُوا مِنَّا كُلَّ شَيْءٍ ، لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ آدَمُ شَيْئًا سِوَى الأَرْضِ ، لَمْ يُعْطِهِ اللهُ شَيْئًا سِوَاهَا ، فَأَوْحَتْ إِلَيْهِ مَا أَوْحَتِ ، خُذُوا مِنَّا كُلَّ شَيْءٍ ، سَتُعَلِّمُنَا مِنْ جَدِيدٍ كَيْفَ نُشْعِلُ النَّارَ ، وكَيْفَ نُمْسِكُ بِالْقَلَمِ ،  وَسَتَنْطِقُ لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ .
****************************************************
*محمود العسكري
15 - مايو - 2007
الانتماء إلى الأرض (2)    كن أول من يقيّم
 
=- ((لِمَاذَا كُلُّ هَذِهِ الْعُيُونِ مُعَلَّقَةٌ بِي ، وَكَأَنَّهَا تُفَتِّشُ فِيَّ عَنْ شَيْءٍ ضَائِعٍ ?!)) : سُؤَالٌ طَرَحَتْهُ نَفْسِي وَأَجَابَتْ عَنْهُ سَرِيعًا عِنْدَمَا كُنْتُ أَجُوبُ طُرَقَاتِ الْقَرْيَةِ ، إِذْ لَمْ أَكُنْ - فِي وَاقِعِ الأَمْرِ - مُسْتَغْرِبًا لِهَذِهِ الْحَالِ ؛ لأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الطَّارِئِ غَيْرِ الْمَأْلُوفِ أَنْ يَكُونَ مَحَطَّ الْفُضُولِ مِن نَّظَرَاتِ النَّاسِ وَأَحَادِيثِهِمْ ، مَعَ أَنِّي - فِي وَاقِعِ الأَمْرِ أَيْضًا - فَرْعٌ مُمْتَدٌّ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، وَلَكِنَّهُ فَرْعٌ قَصِيٌّ ، فَهُوَ لَمْ يَنْشَأْ بِهَا ، وَلا قَضَى الشَّطْرَ الأَكْبَرَ مِنْ عُمُرِهِ فِيهَا ، كَانَ يَشِي بِهَذَا - فِي جَلاءٍ -  زِيُّ الْبَنْدَرِ وَهَيْأَةُ الْمَدِينَةِ .
وَصَلْتُ إِلَى بَيْتِي ، فَتَحْتُهُ ، كَانَ الأَثَاثُ مُغَطًى بِغُبَارٍ كَثِيفٍ ، فَبَدَأْتُ بِمَسْحِهِ ، وَبَدَأَ لَمَعَانُهُ وَبَرِيقُهُ فِي الظُّهُورِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا ، كَذَلِكَ أَخَذْتُ أَنْفُضُ غُبَارَ الأَيَّامِ الْمُتَلاحِقَةِ عَنِ الذِّكْرَيَاتِ الْبَعِيدَةِ ، فَأَخَذَت تُّطِلُّ بِرَأْسِهَا مِنْ وَرَاءِ سُجُفِ الْمَاضِي ، وَتُثِيرُ كَثِيرًا مِنَ الْمَشَاعِرِ وَالْخَوَاطِرِ .
فِي غَابِرٍ مِنَ الأَيَّامِ ؛ كَانَتْ جَمِيعُ بُيُوتَاتِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَجَمِيعُ مَا حَوْلَهَا مِنْ أَرَاضٍ زِرَاعِيَّةٍ تَبْلُغُ آلافَ الأَفْدِنَةِ = مِلْكًا لِلْعَائِلَةِ ، الْعَائِلَةِ الشَّرِيفَةِ النَّسَبِ ، الرَّفِيعَةِ الْحَسَبِ ، الطَّائِلَةِ الثَّرْوَةِ ، فِيهَا الْبَاشَوَاتُ وَالْبَكَوَاتُ ، مِنْ ذَوِي الطَّرَابِيشِ الْحُمْرِ ، وَذَوِي الْعَمَائِمِ الْبِيضِ ، أَمَّا هَؤُلاءِ ((الأَنْفَارُ)) فَلا يَمْلِكُونَ شَيْئًا ، هُمْ يَسْكُنُونَ بُيُوتَنَا وَيَزْرَعُونَ أَرْضَنَا ، مُقَابِلَ رَمَقٍ مِنَ الْقُوتِ .
نَتَخَيَّلُ أَحْيَانًا أَنَّ لِلنَّسَبِ وَالْحَسَبِ بَرِيقًا سَاطِعًا يَمْنَحُنَا الْوَجَاهَةَ وَالْعَظَمَةَ فِي أَعْيُنِ الرَّائِينَ ، وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّ مَانِحَ هَذِهِ الْوَجَاهَةِ وَالْعَظَمَةِ هُوَ الْمَالُ فَقَطْ ، وَقَدَّرَ اللهُ لِهَذَا الْمَالِ أَنْ يَذْهَبَ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَافِظٌ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَالتَّقْوَى ، فَبَعَدَ الْقِمَارِ ، وَبُورْصَاتِ الْقُطْنِ ، وَالإِصْلاحِ الزِّرَاعِيِّ ؛ حَيْثُ تَمَلَّكَ ((الأَنْفَارُ)) الْبُيُوتَ الَّتِي يَسْكُنُونَ فِيهَا وَتَمَلَّكُوا الأَرْضَ ، = ذَهَبَ الْمَالُ ، وَذَهَبَتْ مَعَهُ الْوَجَاهَةُ وَالْعَظَمَةُ ، وَأَصْبَحَ ذِكْرُ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ مَبْعَثًا لِلتَّنَدُّرِ وَالسُّخْرِيَةِ ظَاهِرَةً أَوْ مَكْتُومَةً ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَنَاصٍ عَنِ الرَّحِيلِ ، حَتَّى تَذُوبَ هَذِهِ الْعَائِلَةُ الْكَبِيرَةُ وَيَذُوبَ مَعَهَا مَاضِيهَا فِي أَعْمَاقِ الْمَدِينَةِ بِضَجِيجِهَا وَحَيَاتِهَا اللاهِثَةِ الَّتِي لا تَقِفُ عِنْدَ هُمُومِ فَرْدٍ  .
عَائِلَتِي الآنَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَشْبَهُ مَا تَكُونُ بِالْجَالِيَةِ الصَّغِيرَةِ مِنَ الأَجَانِبِ فِي بَلِدٍ مَّا ، إِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبْنَاءِ الْوَطَنِ مِنْ رَابِطَةٍ فَهِيَ خَيْطٌ ضَعِيفٌ وَاهِنٌ ، وَهَذَا الْخَيْطُ فِيمَا بَيْنَ عَائِلَتِي وَهَذِهِ الْقَرْيَةِ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ تَحْصِيلِ إِيجَارِ بَعْضِ الأَفْدِنَةِ لِمَنْ بَقِيَ مُحْتَفِظًا مِنَ الْعَائِلَةِ بِأَرْضِهِ الَّتِي وَرِثَهَا ، وَلَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ تَلاقٍ - تَضْطَرُّهُمْ إِلَيْهِ الْمُجَامَلَةُ - فِي بَعْضِ مُنَاسَبَاتِ الْمِيلادِ وَالْمَوْتِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، عَلَى أَنَّ الْمُمْسِكِينَ بِطَرَفَيِ الْخَيْطِ هُم مِّمَّنْ عَلَى مَدْرَجَةِ الزَّوَالِ مِنَ الْكُهُولِ وَالطَّاعِنِينَ فِي السِّنِّ ، أَمَّا الشَّبَابُ فَلَمْ تَعُدْ بَيْنَهُمْ وَشِيجَةٌ إِلا أَمْرٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ ، فَنَحْنُ طَارِؤُونَ وَافِدُونَ إِلَيْهَا ، وَمَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِنَا فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ شَأْنِ عَابِرِ السَّبِيلِ : يُلِمُّ كَمَا يُلِمُّ النَّسِيمُ بِالرَّوْضِ وَيَمْضِي .
إِنَّهُمْ يُبَادِلُونَنَا الْبَسَمَاتِ بِالْبَسَمَاتِ ، وَيَنْتَحِلُونَ الْوُدَّ الْمَنْخُولَ ، وَلَكِنَّهُمْ يُضْمِرُونَ لَنَا الْكَرَاهِيَةَ ، وَتَعْتَمِلُ فِي صُدُورِهِم مَّشَاعِرُ الْحِقْدِ ، رُبَّمَا يَعْرِفُ كِبَارُ السِّنِّ مِنْهُم مَّنْ كَانَ مِنْ أََجْدَادِنَا عَادِلاً مَّعَهُمْ رَحِيمًا بِهِمْ ، وَمَنْ كَانَ قَاسِيًا ظَالِمًا يَرْكَبُ ظُهُورَهُمْ كَالدَّوَابِّ ، وَيَصْفَعُ الشَّيْخَ أَمَامَ أَبْنَائِهِ - ذَوِي الشَّنَبَاتِ - وَقَدْ جَلَّلَهُمُ الْخُنُوعُ وَالْمَهَانَةُ وَالْكَرَامَةُ الْمَهْدُورَةُ ، وَلَكِنَّ شَبَابَهُمْ لا يَعْرِفُونَ وَلا يُفَرِّقُونَ ، كُلُّنَا عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ ، لأَنَّنَا نُمَثِّلُ - بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ - بَقَايَا مَاضٍ بَشِعٍ لا يَقْبَلُ الازْدِرَادَ .
كَمْ كُنْتُ أَوَدُّ تَحْسِينَ هَذِهِ الصُّورَةِ ! ، وَكَمْ كُنْتُ أُحَاوِلُ تَلْطِيفَ هَذَا الْجَوِّ الْمُكَهْرَبِ الْمُتَوَتِّرِ ! ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ ! ، إِنَّهُ إِرْثُ الْمَاضِي الَّذِي لا بُدَّ أَن نَّحْمِلَ تَبِعَاتِهِ ؛ مَهْمَا حَاوَلْنَا الْفِرَارَ مِنْهُ ، لَنْ يَشْفَعَ لِي حُسْنُ النِّيَّةِ وَنَبَالَةُ الْقَصْدِ وَسَلامَةُ الطَّوِيَّةِ ؛ لأَنَّ الطَّرَفَ الآخَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ ، كَيْفَ ذَلِكَ ?! ...
لَمْ يَعُدِ الرِّيفُ كَمَا كَانَ مَهْدَ الْفِطْرَةِ ، أَيْنَ الْفَلاحُونَ ?! ؛ أُولِئَكَ النَّاسُ الْبُسَطَاءُ السُّعَدَاءُ ، الَّذِينَ يُقَابِلُونَ الْحَيَاةَ بِابْتِسَامَةٍ رَاضِيَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ ، أَيْنَ الْفَلاحُونَ ?! ، الَّذِينَ لا تَسْرِي إِلَى قُلُوبِهِمْ سُمُومُ الضَّغِينَةِ وَالْحِقْدِ ، الَّذِينَ لا يَلْمَعُ فِي أَعْيُنِهِمْ بَرِيقُ الْمَالِ ، الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلاةِ ، الَّذِينَ لا يَأْكُلُونَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ ، الَّذِينَ تَلْمَحُ فِي وُجُوهِهِمْ طِيبَةَ النِّيلِ ، وَسَذَاجَةَ الطَّبِيعَةِ الْبَرِيئَةِ ، أَيْنَ الشَّبَابُ الْمُكَافِحُ الَّذِي تَقْرَأُ فِي أَسَارِيرِهِ سِيمَا الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ ?! ، أَنَا لا أَرَى إِلا عُيُونًا مِلْؤُهَا الْمَكْرُ ، وَقُلُوبًا تَتَعَبَّدُهَا الْمَادَّةُ ، وَضَمَائِرَ مَدْخُولَةً ، وَذِمَمًا ((أَوْسَعْ مِنْ رَحْمِتْ رَبَِّنَا)) ، وَأَصْبَحَ مِنَ الأَوْصَافِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُهُمْ : (( خَبَاثْةِ الْفَلاحِينْ )) .
عَلَى أَيَّةِ حَالٍ ؛ مُعْظَمُنَا لا يَأْتِي إِلَى الْقَرْيَةِ إِلا مَرَّةً فِي الشَّهْرِ ، وَرُبَّمَا مَرَّةً فِي السَّنَةِ ، فَسُيُرَحِّبُونَ بِنَا - عَلَى امْتِعَاضٍ - تَرْحِيبِ الْمُتَكَلِّفِ الْمُتَجَمِّلِ ، أَمَّا الْمَعْدُودُونَ عَلَى الأَصَابِعِ مِمَّنْ بَقِيَ سَاكِنًا فِيهَا ؛ فَهُمْ أَوْرَامٌ خَبِيثَةٌ ، وَلِسَانُ الْحَالِ يَقُولُ : إِنَّ فِي الْعَيْنِ لَقَذًى ، وَإِنَّ فِي الْحَلْقِ لَشَجًا .
عَلَى أَنِّي لا أَغْمِطُهُمُ الْحَقَّ فِي فَضِيلَةٍ وَحِيدَةٍ مِنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مَفْقُودَةٍ ؛ فَمَعَ أَنَّ الْبَعْضَ - مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا أَطْفَالاً يَتَمَرَّغُونَ فِي الطِّينِ بِشَعْرِهِمُ الْمَنْفُوشِ وَأَعْيُنِهِمُ الْمَِعَمَّصَهْ - قَدْ حَمَلَ مِنَ الشَّهَادَاتِ الْعَالِيَةِ مَا لَمْ يَحْمِلْهُ أَبْنَاءُ الْعَائِلَةِ الْعَرِيقَةِ ؛= إِلا أَنَّ حُلُمًا بَعِيدًا لا يَزَالُ يُرَاوِدُهُمْ ، وَرَغْبَةً عَارِمَةً تُلِحُّ عَلَيْهِمْ ، كُلُّ شَيْءٍ أَصْبَحُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ بِعَيْنٍ مَادِّيَّةٍ تَحْسِبُ الأَرْقَامَ بِالْجَمْعِ وَالطَّرْحِ ؛ = إِلا فِي هَذَا الْحُلُمِ وَفِي سِوَى هَذِهِ الرَّغْبَةِ فِي امْتِلاكِ جَمِيعِ الأَرْضِ ؛ لَقَدْ قَفَزَ سِعْرُ الْفَدَّانِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَضْعَافٍ فِي غُضُونِ أَرْبَعَةِ سَنَوَاتٍ لا أَكْثَرَ ، وَالرِّيعُ الْعَائِدُ مِنْهُ - مَهْمَا يَكُنْ -  يَحْتَاجُ عِشْرِينَ سَنَةً لِتَغْطِيَةِ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ فِيهِ ؛ وَمَعَ ذَلِكَ ؛ فَهُمْ يَتَرَبَّصُونَ وَيَتَحَيَّنُونَ فُرْصَةَ عَرْضِ أَحَدِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ رَغْبَتَهُ فِي أَنْ يَبِيعَ وَلَوْ قِيرَاطًا وَاحِدًا ، أَمَّا نَحْنُ ؛ فلا مَانِعَ عِنْدَنَا ؛ لأَنَّنَا لَمْ نُمْسِكْ طِينَهَا بِأَيْدِينَا ، أَمَّا هُمْ ؛ فَمَعَ أَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَعُد تُّوحِي لَهُمْ بِتَلْكَ الْمَعَانِي وَالْمَشَاعِرِ ؛= إِلا أَنَّ ثَمَّةَ سِرٌّ أَوْ قُوَّةٌ خَفِيَّةٌ وَرَاءَ حِسَابَاتِ الْعَقْلِ تَدْفَعُهُمْ إِلَى هَذَا ؛ لأَنَّهُمْ أَمْسَكُوا طِينَهَا بِأَيْدِيهِمْ .
=- هَمَسَتْ إِلَيَّ جَدَّةٌ عَجُوزٌ عَنْ أَحَدِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ وَالْفَلاحِيَن : (( دَا مْوَالِسْ مَعَاهُمْ ! )) ...
=- سَأَلَ أَحَدُهُمْ ((نَفَرًا)) عَنِ الْفَرِيقِ الَّذِي أَنْجَبَهُ : ((اِنْتَ مْجَهِّزْهُمْ لِلْحَرْبْ ?!)) ، فَرَدَّ عَلَيْهِ : ((اُسْكُتْ ! ؛ دَا انَا شُفْتْ أَيَّامْ صَعْبَهْ)) ...
=- مَا الَّذِي حَدَثَ عِنْدَمَا بَاعَ ((عَوَّادٌ)) أَرْضَهُ ?! ؛ ...
قَبْلَ أَسَابِيعَ : ضَرَبَ الْعَبِيدُ أَسْيَادَهُمْ ...
[بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي أَقُولُ : ضَرَبَ الأَسْيَادُ عَبِيدَهُمْ ...]
يَبْدُو أَنَّ الْغُبَارَ سَيُكَوِّنُ تِلالاً صَغِيرَةً رَيْثَمَا تَتِمُّ الْمُفَاوَضَاتُ وَيَنْعَقِدُ الصُّلْحُ ...
****************************************************
*محمود العسكري
15 - مايو - 2007
كلمات سريعة    كن أول من يقيّم
 
 
شكري وامتناني لأستاذي ومولاي لحسن على الرابط الذي استوحيت منه وصفة جديدة ( أقول استوحيت لأنني لا أطبق أبداً وصفة ما بحذافيرها ولا بد أن أتدخل بتعديل أو إضافة ) هي العسلية ، وأعطت نوعاً من الحلوى لذيذة ، يشبه الكاتوه ، لكنه لا يشبه خبز العسل .
 
الأستاذ الدمنهوري ، الأديب والشاعر الفذ : أرى في كتابتك جمالاً وحذاقة تبعث على الدهشة . ما كتبته في هذا الملف هو عين المطلوب . أتأخر بالتعليق وأطير من فوق الكلام لأنني لا أجد الوقت الكافي للتبصر والتفكير ، لكن الموضوع عميق وذو دلالات قوية ، علينا التفكر في التحولات التي طرأت على المجتمع المصري منذ بداية القرن الفائت وأبرزها ثورة 23 يوليو التي غيرت البنية الإقتصادية التقليدية للمجتمع المصري وتبعاتها من تحولات طالت الإجتماعي والفكري والنفسي والأخلاقي ..... " إنه الإقتصاد يا عزيزي " كما يقول الإنكليز .
 
أتمنى أن لا تبخل علينا بكتابات أخرى ، وشكراً لك .
 
*ضياء
18 - مايو - 2007
تلك الرائحة    كن أول من يقيّم
 
كلما فتحتُ هذا الموقع ولو لدقائق معدودات أجدني وبشكل آلي أفتح هذا المجلس لأقرأ جديده أو قديمه , فكأن هذا المجلس هو مركز المجالس كلها ..
انشغلتُ خلال الأيام الماضية بمجلس الأستاذ النويهي حول كتاب طه حسين (( في الأدب الجاهلي )) , وقد أخذ هذا من وقتي الكثير حتى أصبحتُ مقصراً مع الجميع ( حسب تعبير أحد أصدقائي ) ..
في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مُنع كتابان هما الكتاب المذكور سابقاً وقصة الكاتب المبدع صنع الله إبراهيم : ( تلك الرائحة ) , فإن كان كتاب طه حسين قد تناول مواضيع كبيرة أثارت المثقفين , ورجال الدين , فالسؤال لماذا تم منع هذه القصة الأقرب إلى القصة القصيرة  ?? , والتي هي العمل الأول لهذا الكاتب ??
والجواب أن هذه القصة أثارت زوبعة ثقافية كبيرة , فلا يكاد يوجد كاتب أو أديب إلا وأدلى برأيه في هذه القصة , وانقسم المثقفون حول هذه القصة فالذين هاجموها كانت حجتهم اللغة الأدبية , والأسلوب التعبيري الذي اعتبروه أحياناً سوقياً , أما مؤيدوها ( وهم أيضاً كثيرون ) , فقد اعتبروها فتحاً جديداً وجريئاً في الأدب العربي ..
كُتبت هذه القصة عام 1966 , وهي سيرة ذاتية لكاتبها الذي خرج من السجن بعد خمس سنوات قضاها بتهمة سياسية , والقصة تعبر عن خيبة أمله بالواقع فهي تشم رائحة الفساد والقمع والجهل , وهي نبوءة بهزيمة حزيران التي أتت بعدها بأقل من سنة , وقد تصدت ( مجلة شعر ) التي كانت تصدر ببيروت لنشر هذه القصة مع معظم ما كُتب عنها , وكان هذا بعد منع القصة بأشهر معدودة , (( ومجلة شعر التي صدرت لبضع سنين فقط كانت تسبق عصرها بقرون !! )) , ثم سُمح بنشر القصة بعد عشرين عاماً (!) ,
وصنع الله إبراهيم الفريد في إسلوبه , الصارم في مبادئه , رفض جائزة الرواية من الجامعة الأمريكية , ثم رفض من سنين قليلة جائزة الرواية العربية , وقد صرح عن سبب رفضه للجائزة الأخيرة :
( لقد ظنوا أنهم يستطيعون شرائي !! )
ومن أجمل قصص هذا الأديب قصة ( اللجنة ) , والتي يتحدث فيها عن نظم الإستبداد في الوطن العربي
*محمد هشام
20 - مايو - 2007
نجوى ضياء    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم
 
لا أدري لماذا وجدتُ نفسي غارقا هذا الصباح في ترجمة الأستاذة لقصيدة (لا تتركيني)  وأنا أدندن بمعاني هذه النجوى، ويبدو أنني تأثرت فيها بمختارات الأستاذة من قصيدة (يا جارة الوادي) فكتبتها على عروضها، والأستاذة ضياء خانم مشغولة هذا الأسبوع كما أخبرتني في رسالة خاصة، وأتمنى أن تكون هذه النجوى رفيقتها مدة انقطاعها عن هذه المجالس
زعـم الـعـواذل أنـني iiأهواكِ وأخـاف تـرجعني إلى iiأحلاكي
ذكـرى  الـنساء أساورٌ iiوخواتمٌ والـشـمسُ  حين تكلمت ذكراك
فـي  قـلـب كل مطالع iiكلماتها مـا في فؤادي من شريف iiهواك
فـتـانـة ركض الخيول iiولونها رنـانـة بـصـهـيلها iiوصداك
أدب الـحـيـاة وإنـمـا iiشلاله بـصـدورنـا مـا فجّرته iiيداك
تـسـقيه  من كفيك عذب iiفراتها وأرق  مـا فـاضـت به iiعيناك
أهديك في عبد الرؤوف iiصداقتي مـجـروحـة  بجميع ما iiأهداك
وأعـز مـا رعشت إليه iiطويتي وأجـل مـا نصبت عليه iiشباكي
وكـنيستي سحرَ الحسيمة والندى مـمـلـوءة أجراسها iiبنداك
وطـيـور حـب بنلفقيه iiجميعها وقـنـاع  طـه فـي يد الأفلاك
لا  تـحـسبي أني بموتي iiينتهي مـطري وتطوى صفحتي iiبرباك
فـأنـا ستمطر بعد موتي iiقصتي ذهـبـا  ويـمـلأ نهرها iiدنياك
نـيـسان  شهرٌ في الزمان وإنما نـيـسـان  عمري عندما iiألقاك
نيسان وجهك حين يضحك مشرقا وأشــم مـن أزهـاره iiريـاك
غـنيتِ  أمس مع الورود iiوحيدة ورقـصـتِ :  يا  الله ما iiأحلاك
قـد  كنتُ مختفيا وراء iiغصونها ورأيـت رقـصـك كله iiوغناك
 
غدر الزمان نهار غبت بروضنا وأحـلّ  سـاحـة حربه مغناك
فـإذا  رجعتِ رأيتِ في iiأنحائه فـوضـى غيابك وافتقاد iiهداك
سـتـرين فيها كلّ عمرك iiمرة أخـرى تجسد في هموم iiصباك
وتـريـن لبنان الجريح iiوطفلة تـمشى  على الألغام iiوالأشواك
ما  ضاع أكبر من صباح حديقة ومـن  الـورود تدوسها iiقدماك
بـدمي  حرير يديك حين iiيلمها أشلاء  أعزل في القتال iiوشاكي
خـرجـوا وكل سيوفهم iiمثلومة وخـرجت من ألمي إلى iiنجواك
أسـتاذتي قد كنت أمس iiأميرتي والـيـوم أنت أميرتي iiوملاكي

*زهير
21 - مايو - 2007
ما بعد القصيدة..    كن أول من يقيّم
 
* إلى  جميع الأصدقاء ، في انتظار العودة..
 
نزهة على الآقدام في بحر الظلمات
محمد بنطلحة
" لَا شَيْءَ عَلـَى الْأَرْضِ أَوْهَـنُ مِـنَ الْمـَاءِ ثُمَّ إِنَّكَ لاَ تَجِدُ شَيْئاً أَنْفَذَ فِي الْحَجَرِ الصّلْدِ مِنَ الْمَاءِ"

لا مناص، أرمش. وأسأل نفسي للتو : منذ متى شرعت في كتابة الشعر ? بدون تردد : منذ بدء الخليقة. أجل، ما من شاعر يولد وهو صفحة بيضاء. ناهيك عن أن طبيعة الشعر مزدوجة : مغناطيسية وزئبقية في آن واحد. كدت ألمس حجر الفلاسفة. وفي آخر لحظة اقشعر الفلز تحت أصابعي. أنا السبب. دخلت إلى منطقة الضغط العالي وليس فوق رأسي أي قبعة، لا عادية ولا رقمية. ليتني- على الأقل- كنت مهندسا.. إذن كنت دخلت إلى أكاديمية أفلاطون من غير أدنى مشقة. أما وعلّتي الأولى هي الشعر فتلك هي المشقة بعينها. هل من اقتراح عملي ? ربما على الأنترنيت.. نقرة. نقرتان. ثم "بحث متقدم" : ما هو الشعر ? نتيجة البحث : لا شيء. أغير اللغة• مرة أخرى : لا شيء. كيف بي إذن ? أليس الشعر اشتغالا على اللغة ? طبعا. ولكن، أي لغة : اللغة- الحضن أم اللغة- السجن ? بلغة أخرى ثمة مأزق ما. الأفق، عند الظهيرة : ثعلب. وفي وقت الغروب : قاعة انتظار. بينما الشعر : مرة كشتبان. ومرة متاهة. أيها الخراز الأعمى ! كفى مناورة. اسبق الإشفى وقل : الشعر حقل شاسع من الفرضيات. فرضيتي الأولى : فضاء الشعر فضاء ذري. كالرذاذ، متناه في الصغـر وكثيف. كيف نمسـك بـه إذن ? أفكر قليلا. ثم أحرك أهدابي. ومن وراء سياج، كالزغب حول سرة اللغة، أمعن النظر في سلوك القردة وهي تسعى-تحت عيني- للإمساك بحبات الجوز الهندي. آخذ صورة. وبعد التحميض : كلمات ليس غير. بعضها من غير أسارير. وبعضها كأنه عائد في حينه من قاعة للرشاقة وكمال الأجسام : حذاء رياضي، قميص بدون كم، وعطر طبيعي. أرأيت ? إن هي إلا عدسة ترتعشوتهرع الإشارات والدوال، كالموانئ الغريقة، خلف شمس لا أثر لها.هاهنا، عند حاجز من سديم.هلامي ومكتوب فوقه : خفف السير. أرأيت ? في الواقع : وصل الماء إلى أكتافنا. وفي الحلم : هاهي القوارب من حولنا كالفطر. أنا في قارب. وعيني على قاربين آخرين. أيهما أختار : قارب دانتي أم قارب ميدوزا ? سؤالي بسيط. ولكن، صبرا علي. من الذي يحلم : أنا أم شخص آخر ? دانتي ? دولاكروا ? جيريكو ? ..........? من يدري ? في الأصل، المعنى ممتد.وبالتالي فالشعر مبثوث في جميع أرجاء الكون. صفة ملازمة للكينونة. حتى في الرياضيات : المسألة الواحدة قد يكون لها حلان• والمفارقة أن أحدهما يكون أكثر شعرية من الآخر. القانون نفسه يسري على الجميع. تستوي في هذا "شرائع حمورابي" و"الشرائع السماوية". ألم يجئ في "سفر الجامعة" : "بالكسل الكثير يهبط السقف" ? هذا كسل شعري، وظيفته هنا كسر القانون. أي خلق مناخ مختلف، طازج، وغير رتيب• هنا أيضا، وفي مهب كيمياء هذه هي عناصرها، سأعترف : أنا شاعر كسول.ولكن، على طريقتي. أي في سياق فكرة هذه هي تتمتها : بالجهد تبرز أكثر فأكثر شعرية الكسل. والمقصود أن العرق الغزير من علامات الشعر. هذه استعارة ليس غير.
 وإلا فإن الترجمة القصوى لهذه الفكرة سبق أن صاغها مالارمي (Mallarmé) هكذا : حيث يكون هناك جهد في الأسلوب يكون هناك إيقاع. بحسب هذا، هناك فقط : الأبجدية والإيقاع. إذن لا وجود للنثر. إلى هذا الحد مالارمي ذهب بعيداً. من حيث المبدأ، ثمة ما يغري. ولكن على مضض• في العمق، إذا كان شرط وجود اللغة هو الإيقاع فإنه من المنطقي جدا أن يكون النثر، ولو من جهة الاشتقاق، مكونا أساسيا وليس حادثا عرضيا. المحك هو اللغة وقد تجسدت في "نص" (texte) أي في "نسيج." هذه عتبة. تليها نوافذ متقابلة. مثلا، قبل أن يعني فعل "السرد" في صيغته العربية " تتابع وحدات الإخبار، كاد أن يجيء على وزن مصدر "صناعي". بدليل أن من معانيه أيضا : "نسج" الدروع، و"خرز" الجلد.أما في الصيغة اللاتينية فإن الجذر "gnarus" ( "narare" يعني حرفيا : "الذي يعرف". ثم تطور المعنى إلى ما يدل عليه فعلان متجانسان صوتيـا : "conter" )حكى، قص( و "compter" )عدَّ، أحصى(. إذن، وبقوة الأشياء : "السارد" هو "الذي يعرف" كيف يعد ويحصى، في وقت واحد : الأفعال )حدث، حبكة، وقائع( والتفاعيل )نبور، مقاطع، تصاديات(• في ضوء هذه الأجرومية النصية، وخارج أي تقسيم طبقي للغةـ، ليس النثر خنصراً مقطوعا إلى النصف، ولا هو مجرد مستودع احتياطي للشعر. غير بعيد عن هذا : منذ البدء واللغة سكن يتسع ?على الأقل لاثنين. بمقتضى التعريف : "سكن اقتصادي". ولكن من مدخل أنطولوجي آخر، عتبة كل "قصـ"ـــيدة : "قص" هل أجازف أكثر وأسأل : أيهما أسبق : الشعر أم النثر ? الإنسان الصانع (homo-faber) أم الإنسان العارف (homo-Sapien) ? أنا، لا أعرف. حسبي أن أقول، استطراداً : حتى تباشير الرواية )في أوروبا( كانت شعراً.? بحق : الأجناس غصون واللغة جذع مشترك. هنا مربط آخر : اللغة خلية نحل. بينما الشاعر يعسوب، لا يمل من التنقل بين مختلف الجداول والحقول والأزمنة. بالتجربة كذلك : جراب الشاعر وقارب نوح من "نسيج" واحد. معا، فيهما من كل "جنس" زوجان، على الأقل. لهذا، في الشعر أيضا يمر التناسل عبر قناتين : الكولاج كتقنية )وليس على غرار : (copier/coller والتناص كإجراء. هكذا هو الشاعر : قبل أن يسرق، يصلي. أنا، على الهامش، أتلاعب-مثلما شئت- بكل ما لدي من "طروس" وزعتها هكذا بين هذه الـ"سطور" : "عتبات"، عتمات، عقبات. وهات ما عندك. شيء من كرة القدم، لعبتي المفضلة، هاهنا : تسلل، مراوغة، ضربة مقص، ثم تسديد. ما هم، نحو الشبكة أو نحو المنصة. وضع اعتباري مثل هذا توفره للشاعر كذلك صفة لا تتقادم : الشاعر الجوال. من هذه الناحية جميع العناصر متوفرة : لغويا : "العرب" و"الإعراب" والعبارة و "العبور" كلها تقوم على فكرة "التجوال" وما سار في ركابهـا : الرحيل، الحركة، الهجرة، الصعلكة، والضرب في الآفاق... شعريا : فكرة الانتقال حاضرة أيضا. من طلل إلى طلل. من امرأة إلى امرأة. ومن سيد إلى سيد. من غرض إلى غرض. ومن بيت إلى بيت. آنذاك، بيت التخلص كان بمثابة تأشيرة. الآن، كل هذا تشتت. أيها الشاعر المعاصر ! كم يلزمك من وقت ? ليس للوقوف أمام باب الأمير، ولكن أمام باب القنصلية. من حسن الحظ، فوق الورقة جميع الأبواب "مشرعة" عن آخرها. أنا، عند الضرورة، لا أستكين. وألجأ إلى المنفى أو إلى الصمت. أحيانا، إليهما معاً• ثمة شعرية ما أيضا. ولربما أعمق. كيف لا والشعر كالعزلة، فن تدبير الفراغ ? حتى في التقليد الغربي هناك شيء من هذا القبيل، إذ مثلما انتقل حرفا الخاء والثاء من العربية إلى بعض اللغات اللاتينية انتقل كذلك، عبر ظاهرة التروبادور، طقسٌ بأسره. حيوي. ومن أجمل ما فيه، ليس فقط هذا الاحتفاء الباذخ بقيمتي : الحب والفروسية، بل أيضا هذا الذهاب- شعريا- نحو الآخر. وهو الذهاب الذي تترجمه في مدخل "troubadoures" حذلقة لغوية إلى "فرقة طرب" أو "فرقة تدور"، أي فرقة متجولة. بالمقابل، وتوخيا لشيء من الدقة، فإن تأثيل الكلمة يعود بها إلى جذر إغريقي "Trover" "Trouver" بمعنى :عثر على" و"ابتكر". ومنه : "Tropos" "Trope" بمعنى : "طريقة في التعبير" أو " وجه بلاغي". آنذاك، وقبل أن تتحول البلاغة إلى مخزن تتكدس فيه على شكل سلع استهلاكية كثير من المطابقات والمقتضيات، وفوقها : "ماركة مسجلة" كانت- على الأقل بحسب الاشتقاق- "مصنعا" ضخما يتكون من كثير من الوحدات الإنتاجية. كل وحدة ( (trope(tropos) فريدة من نوعها، بكر، وغير مستهلكة. ليس للطهرانية كبير معنى ها هنا. التهجين إمكانية. والعبرة بالعلاقات التي بين العناصر، أي بزاوية النظر. لا أقصد أي زاوية قائمة. هذا لا يليق بالشعر، يليق به أكثر الزاوية المنحرفة، أول الشعر : الانحراف. طبعا، سؤال الأخلاق مؤجل. وإلا فهذه هي أخلاق الشعر : مطر يسفه تكهنات النشرة الجوية. يفاجئ. يتحرش. يشير• ويسمي. يا إلاهي ? أين قرأت هذا ? ليتنا كالأسماء لا يغيرها الزمن ! أجل، الشعر فن التسمية• بصيغة أخرى : خربشة فوق أديم معتم. لا فرق : لجة غامقة للغاية أو كتلة شمعية سوداء. هل هذا ممكن ? لم لا ? الشعر، يا بودلير، هو الذي أيضا يجعل حتى من علم قاحل كالنحو سحراً موحيا• ثم إن البعض يأكل في الظلام أو يحلق فيه ذقنه. أنا أمارس فيه هوايتي المفضلة : المشي. تعلمت هذا فوق الورق. طبعاً، كم تعثرت. وكم قلت : ما أصعب أن يمشي المرء منذ بدء الخليقة، حافيا فوق مضمار كله فجوات وأسنان ناتئة. ثم عدت للتو إلى تماريني. دائما، هاهنا : فوق الورق. لا غرابة، فالطريق- مثلما هو متفق عليه في جميع الترجمات التي تطرقت إلى "الطاو"- ليس ممشى فقط. ولكن عبادة. هو كذلك فلسفة. الآن والعولمة "مسمار كيف"، لا مناص. بين الفلسفة والشعر جسر أورطي لا غنى لنا عن استعماله. إنه السؤال. أي ما يضمن للكينونة، باستمرار صفتها المتجددة. تلك صفة أولى. وما عداها، سيان : بناء المعنى أو هدم الدليل. لديَّ : القلق إكسير• والإيقاع نبض اللغة. شعر أو نثر، لا فرق. مع ذلك، لنمعن النظر : في الفرنسية أسرة لغوية صغيرة أفرادها، حسب الظهور : "Poète" (1155) "Poème" (1213)، "Poésie" (1511). إذن التعارض، عند هذا المستوى ولو من شرفة إلى شرفة، ممكن بين أسرة مثل هذه وأسرة أخرى اسمها العائلي : "Prose". كل هذا ليس بدون تحفظات. إذ لعل التعارض ينبغي أن يكون بين "Vers" )نظم، بيت شعري( الذي يفيد الرجوع " "versus" (Retour) و"Prose" الذي يفيد الخطية والذهاب إلى الأمام (Processus). في هذه الحالة حتى في العربية ينبغي أن يقوم التعارض بين "بيت" الذي بانتهائه بـ "قافية" يحقق- كأي محراث خشبي- معنى الاقتفاء وبالتالي معنى الرجوع )إلى السطر(، وبين "أسلوب" الذي من معانيه "الطريق الممتد" و"السطر من النخيل"، غير أن "الأسلوب" يتضمن أيضا معنى " السلب" وما يتفرع عنه من دلالات متقاربة : نزع. أخذ بالقوة. نهب. سرقة. حذف. نفي...إلخ. وهذه كلها من مقومات كل كتابة لا تقف، في تعاملها مع اللغة عند عتبتها الأدواتية. عموما، اللغة سلبية : لباس مقلوب. مصدر التباس. وأيضا مصدر خطورة. عند العرب : اللسان سيف. وفي الإيطالية : "stilo" يعني : "خنجر". أما عند الإغريق فإن "stylos" يعني "عمود" (colonne). هل هي الصدفة مرة أخرى ? إن لدينا في الشعرية العربية هذا الأورغانون الذي نعرفه تحت عنوان كبير هو "عمود الشعر" والذي خرج من صلبه عنوان آخر هو : "الشعر العمودي"، بينما في مكان غير هذا، مثلا : تجربة الشاعر الأرجنتيني روبرتوا خواروث (Roberto Juarroz) كلها تحت عنوان واحد : "شعر عمودي" (Poesia Vertical) (1958). وهو العنوان نفسه الذي تحمله سائر مجموعاته الفرعية. ليس للقصائد عناوين. الظل له الكلمة الأخيرة. والباقي : شذرات عمودية، ملابس عمودية، طبيعة عمودية. حتى الأفق، هاهنا، عمودي. في وسع المرء أيضا أن يعزو هذا القدر أو ذاك من الشعرية في أي هايكو، فقط إلى شكله ما دام يكتب من فوق إلى تحت. بالمقابل لدى المكسيكيين مقلب آخر : هم يكتبون من تحت إلى فوق. هل هو مكر اللغة ? أم هو مكر الهندسـة ? للوهلة الأولى وكأن زهرة الشعر تنمو، دائما وفي جميع الأصقاع، عموديا فقط وليس أفقيا كذلك. أو أن الشعراء ينبغي أن يكونوا- بالضرورة- من ذوي "السحنات السوداء" : عمال مناجم، غطاسين، ومرتادي أعماق. لا يضاهيهم في هذا سوى "الرجال الزرق". هؤلاء الذين يغلب على الظن أنهم - لا محالة- هم الرواد الحقيقيون لما بعد الحداثة. ليس فقط لأن الأبجدية، هاهنا، متاه. أو لأن من شأن عمل الحواس- مدمِّرة ومدمَّرة- أن يجعل من لؤلؤة أرخميدس مجرد حرف في تلك الأبجدية. بل كذلك لأنهم منذ نعومة أظافر الزمن وهم يراهنون على شعرية السطوح. أي على كل ما يشي به أفق التجربة من خربشات وثآليل وندوب. كل جرة قدم، هاهنا، بصمة. وكل جرة كمنجة لطخة أو غرافيتي. ربما. ولكن بجد عن أي أفق أتحدث : عن أفق الشعر ? أم عن أفق القصيدة ? حذار ؛ ففي العربية، هنالك منذ الأول، وعي-ولو لغوي محض-بالمسافة الضرورية بين الاثنين. بحسب هذا الوعي : الشعر أوسع من القصيدة. إنها أحد ممكناته، أحد مسالكه، وإحدى قنواته. قد تمشي في خطه أو في جواره أو في موازاته. أحيانا درجة في سلم تطوره، وأحيانا أحد أشكاله : "مقطعة" "أرجوزة"، "قصيدة"، "موشح..
 كل شيء يتوقف على عملية الترهين، أي على مسلسل استدراج الراهن إلى فخ اللغة. بالملموس إذن، ليس كل شعر قصيدة. وليست كل قصيدة شعرا. وفي صياغة أقل صرامة : القصيدة بالنسبة للشعر، كالحلم بالنسبة للريح. معاً قد يتجسدان في سبنية من العصر المريني، أو فقط في جناح فراشة بين قارتين. من حارس الفنار ? أستدرك. موضوعيا : في عبارة مثل "قصيدة النثر" تعارض ما، ولكنه نسبي. بمعنى أنه يخص الشكل وليس النوع. ثم إنه بين "قصيدة" و "نثر" وليس بين "شعر" و "نثر".على النقيض من هذا : الشعر، ليس شكلا وليس نوعا. أما إذا كان لا مهرب فإنه شكل فارغ. عبء وانزاح. إذن "ما الذي بقي كي نكتب عنه ?". شعريا، بقي كل شيء. على الأقل، الهيكل العظمي. أي ما يبقى بعد كل تجربة معيشة. تبقى أيضا ثقوب الناي. ولكن، أين الأصابع ? وأين الشهيق ? بنصف كلمة : في هذه الدنيا، ليس من طريق آمن إلى الشاطئ الآخر• لا عبر قارب من ورق، ولا عبر قارب من دخان. أليس لهذا السبب قال أبو الطيب المتنبي : ما لي وللدنيا ? قالها بأسنان تصطك ومشى. أنا، من وراء ظهره، كم قلت : " مالي وللشعر ? كم قلت أيضا: الدنيا والشعر خطان متوازيان. إذن لا يلتقيان. ثم ما لبثت أن اكتشفت أنهما-بالعكس-يلتقيان، عند الأفق. هنالك حيث تؤول جميع الأشجار الضخمة والمترامية على جانبي الطريق إلى شجرة وحيدة، عارية، وفي غاية الدقة والصغر. تكاد تتلاشى. صبرا علي. وراء كل غصن غابة• وتحت كل قدم رقية أو ديوان شعر أو ربابة. كن شاعرا وانتسب إلى أي شئت : إلى غصن، إلى شجرة، أو إلى ميناء غريق. أنا، حين أنهيت قاربي جف البحر. ما حيلتي ? تأسلب الماء. ليتني بجعة. (Cygne) إذن كنت قد استوعبت في رمشة أذن : الصورة السمعية للعين والمدلول البعيد للإشارة (Signe). غير أن "كل خطاب حجاب". ثم إن الإنسان لغة قبل كل شيء. أي مقاربة مؤلمة لليومي. حضور صاعق. وشنآن سرمدي بين الممكن والمستحيل. لا مناص "الطبيعة" ذاتها منذ البدء وهي من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. "الطبع" و "العطب" شقيقان. والطامة الكبرى أن الشاعر لا يقنع. حتى رماد العنقاء لا يملأ عينيه. يمشي ووسواسـه : ما وراء الأفق. طبعا كل ومشيته : شاعر إغريقي، فيلوطاس (Philotas) كان يحشو حذاءه )كما لو كان قلماً( بالرصاص، كي لا تهزه الريح. رامبو مشى بنعال من ريح. أبو الطيب المتنبي : دائما، كأن الريح تحته. بدر شاكر السياب : شبنا يا ريح فخلينا. شاعر مجهول : إذا لم تستطع أن تحرك الريح، إذن حرك الشراع. دنيا الشعر واسعة إذن، ولكن، ما فائدة الدنيا الواسعة إذا كان حذاؤك ضيقا ? الوجه الآخر للمسألة : حين تضيق الدنيا ما فائدة أن يكون الحذاء واسعاً ? لابد من حل. أنا، جزء من الحل وجدته، غير ما مرة، في سوق المتلاشيات. ثمة حيث تتكدس أكثر قطع الغيار صدأ : علامات الترقيم. في "سدوم" أساسا، أحد رهاناتي كان كتابة الزائل، كتابته وليس الكتابة عنه، كل هذا حاشية. والأهم، طبيعة المتن : التركيب، المورفولوجيا، والسلم الموسيقي. هذا هو المعمار، عالقا في الهواء. أما فوق الورق فكيف للآجر أن يعثر- مفردة مفردة- على أي نقطة، سيان كي يقوم عليها توازنه الافتراضي أو كي يتداعى ? هذا من عمل الفيزياء. وهذا ما أتصور أن تكون علامات الترقيم قد نهضت ببعض وظائفه. طبعا، ليس الشعر مجرد نقطة هندسية، ولا مجرد دائرة عروضية. والراجح أيضا أنه ليس مجرد خط مستقيم يمر بين نقطتين. من هذه الزاوية، حتى مبدأ التوازي في الشعر قابل للنقاش. ثم إن الزمن نفسه لا يتقدم، في كل مرة، خطيا ولو بين السطور• أحيانا يتقدم في اتجاهين متعاكسين في وقت واحد، وأحيانا بدون اتجاه بالمرة. أيها النحاة لا تبلعوا ريقكم، وقولوا لي أولا : كم علامة ترقيم في الحياة كما في الشعر، منذ بدء الخليقة ?  لم أحسب• ولكن تسبقني شفاهي إلى اثنتين : الاستفهام والتعجب. معا : الدهشة والسؤال.   هما للشعر قدماه• النقطة عثرته. والفاصلة عكازه. أنا، هكذا راقبت السحب. وهكذا مضى الحصاد : أدنى علامة كالقابلة، تساعد الطبيعة. اللغة تتوجع. والمعنى يقول للحجر : "أنت ولدتني". ثم صار المتن حاشية• وصار للتجربة أسماء أخرى : الشاعر إسكافي. النص حذاء. الخطى ثقوب. وأكثر علامات الترقيم إما مسامير وإما مطارق. عندي : دائما، كائنات من لحم ودم. أوسع الاستعارة وإذا بالنص مدينة، بينما علامات الترقيم : شرطة مرور، أطفال شوارع، معطوبو حرب، متسولون، عشاق، وحتى مومسات. لم لا ? إن المدينة التي لا تصطف المومسات فوق طرقها تموت. "قفوا على الطرق وانظروا". في أثينا ليس بين "المومس" و"الفراشة" سوى فارق صوتي طفيف. أحدهم ثمة، في ساحة كولوكوتروني (kolokotroni) جذبني من ذراعي وقال لي : هذا هو الواقع، مرآة بالحجم الطبيعي. قلت، ولكن في نفسي : إذن إذا انكسرت بأي جسم آخر سوف ترتطم الفراشات ? قلت ما قلت. ومشيت، أنا الآخر. للحقيقة، ثمة : في طريق الشعر كم مشيت حتى بدون قدمين. أحيانا على يديَّ. وفي غالب الأحيان بعينين مغمضتين. ربما لأنني لا أقدر على المشي بين الجثث، أي بين الكلمات وهي مجندلة فوق مقبرة لغوية اسمها القاموس، أو فقط لأن الموتى لا يكذبون. إنهم يقولون الحقيقة. كل الحقيقة. وليس غير الحقيقة. بينما أنا مازلت لا أعرف إلى حد الآن ما هي الحقيقة• هل هي مشكلة أم حل ? ثم إن طبعي هكذا : دائما أكذب، ولا سيما على نفسي، بغير هذا كيف للهواء أن يحرك القصب ? وكيف للدورة الدموية أن تضخ الشعر في شرايين اللغة ? هذه هي الحقيقة : في الشعر، الكذب رئة ثالثة. طوبى للحيوانات ! هي الأخرى، إذا كانت لا تتكلم فإنما كي لا تكذب. ليس بالضرورة لأن أعذب الشعر أكذبه. ولكن لأن العذاب والعذوبة من معين واحد• ربما. ولكن، متى كان الطوفان ? وكيف كان مذاق الماء ثمـة : في عباب اللغة ? ثمة، المذاق مختلف. كما أن لسان المؤرخ ليس هو لسان الشاعر. هذا يقرأ المؤشرات. وذاك يقرأ الإشارات• فرق دقيق مثل هذا هو الذي جعل، بدون شك، حتى علامات الترقيم تغير سلوكها معي.فجأة تشققت. ثم ما لبثت أن ذابت، مثل أكياس من ملح، عن آخرها. تغيرت الاستراتيجية إذن. حل العمى. ردم فوق ردم. شهب على هواها. براكين تحت. وأخرى فوق. أقدام خفية تبعثر العتبات• صمت يتأتئ. وناعورة تدور"بعكس الماء". أيضا، بين الضفتين : جيئة وذهابا. ليس لأن الماء ?هاهنا- مادة لليأس. أو لأن خرير الأكورديون متقطع، وطالما حرم عيون الإمبراطور من النوم فأمر، في جنح الليل، بمحو النافورة التي كان الفنان قد رسم من قبل، في قاعة العرش. لربما لا• ولكن، على الأرجح، لأن فعل التموج صار لازماً. صار يتشكل من تلقاء نفسه. لا روزنامة ولا نفير. ما حاجتي إذن للقوارب ? ما حاجتي للمجاذيف ? حاجتي هي حاجة النص : تهوية جيدة• تحكم في التنفس. وحرية مطلقة في الحركة والتنقل. إلى هذا الحد، سعيد من كان مثل أوليس : يخسر الوقت ويربح التفاصيل. أرأيت ? إيثاكا لا أثر لها، بينما الأفق يكتظ بالفنارات وبالموانئ• إذن، ثمة ميناء آخر ما زال ينبغي تحديد موقعه في عتمات النشيد الموالي. أقصد النشيد الخامس والعشرين من الأوديسا. لم العجب ? هكذا هي كوريغرافيا النص : منصة متحركة. أنفاس تتشظى• وإيقاعات كلها منذورة للإحاطة بالشكل الموسيقي للرماد. حاليا، في الواقع : ما أكثر غابات الجوز الهندي. ولكن، هاهنا : في غياهب الورق، رهان الإستطيقا صار أكثر فأكثر على القليل. أو، بالأحرى، على الأقل..
 ملحوظة: (?) مداخلة ألقيت في ختام اليوم الدراسي الذي نظمته في كلية الأدب والعلوم الإنسانية بالمحمدية شعبة اللغة العربية وآدابها، يوم 25 أبريل 2007 تحت عنوان محمد بنطلحة، ما بعد القصيدة•
*abdelhafid
26 - مايو - 2007
الشاعر الأخير    كن أول من يقيّم
 
 
صباح الخير وتحياتي لكم جميعاً وأخص منها بالذكر الأستاذ عبد الحفيظ ونداه .
 
شكري الكبير لأستاذنا وشاعرنا الذي أخشى بأن يكون الشاعر الأخير . قرأت هذه القصيدة مرات ومرات ، وفي كل مرة كان يصيبني فيها شرر كلماتها ، كان يضيء في نفسي ركناً من المعنى ، وطيفاً من جمال . في زمن الجنون والخراب الذي نعيشه في حاضرنا ، لم يبق لنا من ملاذ غير الشعر ، وأخشى أن يكون الملاذ الأخير :
 
وتـريـن لبنان الجريح iiوطفلة
 
تـمشى  على الألغام iiوالأشواك
ما  ضاع أكبر من صباح حديقة
 
ومـن  الـورود تدوسها iiقدماك
بـدمي  حرير يديك حين iiيلمها
 
أشلاء  أعزل في القتال iiوشاكي
خـرجـوا وكل سيوفهم iiمثلومة
 
وخـرجت من ألمي إلى iiنجواك
 
عدت وفي جعبتي ترجمة قمت بها لإحدى " مشاهدات " فيكتور هوغو ( Choses vues ) . وكان هوغو قد كتب مشاهداته تلك على شكل يوميات لم تنشر إلا بعد موته بزمن طويل يقارب على الخمسة عشر عاماً . لا أدري ما هو السبب الذي جعلني أشعر اليوم بأن هذه الحكاية تناديني ، لأنها لمعت في رأسي ربما عند قراءتي لها وكأنها المصباح ، أو ربما لأنني لا أريد أن أصدق ما يجري وما يقال وأشعر دائماً بأن الآتي أعظم ???
 
كان فيكتور هوغو (1802 _ 1885 ) قد عاش في فترة تاريخية شديدة الإضطراب ، كالتي نعيشها اليوم ، تقلبت فيها فرنسا بين النظام الجمهوري والنظام والملكي والأمبراطوري مرات عديدة ، وكان المجتمع الفرنسي لا يزال يعيش إرهاصات الثورة فكان منقسماً على نفسه وشديد التقلب . وكان فيكتور هيغو إبن هذه الإرهاصات وشاهداً عليها لما تضمنه أدبه من حس إنساني ومن تحليل وتصوير العين الثاقبة التي يمتلكها لأحوال ووقائع ذلك العصر ، فكان قريباً من تلك الأحداث ، فاعلاً ومنفعلاً بها ، خصوصاً وأنه تقلب في مناصب سياسية عديدة فكان نائباً وسفيراً أكثر من مرة ، ولدى كتابته لهذه الحكاية التي سوف أوردها ، كان عضواً في ما يسمى ( Chambre de pairs ) التي أنشأها الملك لويس الثامن عشر على مثال مجلس اللوردات في إنكلترا ........ كان هوغو ملكياً بأفكار إنسانية تقربه من الجمهوريين ، وكان معادياً شرساً للإمبراطورية وخصوصاً نابليون الثالث مع أنه إبن أحد جنرالات إمبراطورية نابليون الأول . لكن الثابت عنده هو أنه وقف دائماً ضد الظلم وغياب العدل ، وعرف كيف ينصت للضعفاء والمحرومين فكان كل أدبه الذي تركه شاهداً عليه .
 
*ضياء
26 - مايو - 2007
Victor Hugo : Choses vues    كن أول من يقيّم
 
هذا هو النص ، بالفرنسية ، الذي سترد ترجمته في الفقرة اللاحقة وهو لفيكتور هوغو من كتاب " مشاهدات " 
 
Hier,22 février, j'allais à la Chambre des pairs. Il faisait beau et très froid, malgré le soleil de midi. Je vis venir rue de Tournon un homme que deux soldats emmenaient. Cet homme était blond, pâle, maigre, hagard; trente ans à peu près, un pantalon de grosse toile, les pieds nus et écorchés dans des sabots avec des linges sanglants roulés autour des chevilles pour tenir lieu de bas; une blouse courte, souillée de boue derrière le dos, ce qui indiquait qu'il couchait habituellement sur le pavé; la tète nue et hérissée. Il avait sous le bras un pain. Le peuple disait autour de lui qu'il avait volé ce pain et que c'était à cause de cela qu'on l'emmenait. En passant devant la caserne de gendarmerie, un des soldats y entre, et l'homme resta à la porte, gardé par l'autre soldat.
Une voiture était arrêtée devant la porte de la caserne. C'était une berline armoriée portant aux lanternes une couronne ducale, attelée de deux chevaux gris, deux laquais en guêtres derrière. Les glaces étaient levées, mais on distinguait l'intérieur tapissé de damas bouton d'or. Le regard de l'homme fixé sur cette voiture attira le mien. Il y avait dans la voiture une femme en chapeau rose, en robe de velours noir, fraÎche, blanche, belle, éblouissante, qui riait et jouait avec un charmant petit enfant de seize mois enfoui sous les rubans, les dentelles et les fourrures. Cette femme ne voyait pas l'homme terrible qui la regardait. Je demeurai pensif.
Cet homme n'était plus pour moi un homme, c'était le spectre de la misère, c'était l'apparition, difforme, lugubre, en plein jour, en plein soleil, d'une révolution encore plongée dans les ténèbres, mais qui vient. Autrefois le pauvre coudoyait le riche, ce spectre rencontrait cette gloire: mais on ne se regardait pas. On passait. Cela pouvait durer ainsi longtemps. Du moment où cet homme s'aperçoit que cette femme existe, tandis que cette femme ne s'aperçoit pas que cet homme est là, la catastrophe est inévitable.
 
 
*ضياء
26 - مايو - 2007
 52  53  54  55  56