لماذا نيتشه?     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
كان المتنبي قد أعادني إلى نيتشه ، أجد تشابهاً كبيراً بينهما رغم اختلاف العصر والظروف وثقافة المنشأ .
نيتشه كما أراه هو ضمير الحداثة ، والضمير هنا من المضمر أيضاً . لم يوجه نيتشه ضربات معوله إلى البنية الاجتماعية ولا إلى الأنظمة السياسية السائدة في عصره ، بل انتقد الإنسان كمحصلة لمراحل طويلة من التحولات التاريخية التي طرأت في أوروبا وسلبته حريته واستعبدت غريزته وفطرته الأولى . يعتقد نيتشه بأن الخلفية النفسية الموروثة من الثقافة الدينية ( المسيحية واليهودية ) هي التي تتحكم بأفكار العقلانية والحداثة . المشكلة هي في الإنسان المستعبد نتيجة خضوعه الطويل لمؤسسة أخلاقية زائفة ( أخلاق العبيد ) أدت به للخضوع إلى هذا الاستلاب النفسي .
في الواقع: مؤسس علم النفسي الحقيقي هو نيتشه وليس فرويد ، وما فرويد إلا مهندس لهذه الأفكار بعد أن أعاد صياغتها وشرحها وبوبها ، وجعلها علماً نفعياً ممنهجاً .
لو أردنا الحديث عن نيتشه فسيطول بنا الشرح ويتشعب ، سأكتفي اليوم بإجمال موقفي منه لأن حديث الأستاذ هشام أعادني إليه كما أعادني المتنبي . قبل هذا أقول للأستاذ هشام : أهلاً بك في نادي الحداثة !
لماذا نيتشه ? : لأنه يرفض سياسة القطيع ، ولأنه يعيد الاعتبار لدوافع الإنسان الفطرية ، ولأنه يحرر العقل من الحتميات الأخلاقية المتوارثة بغباء ، ومن سطوة التاريخ الهيغلي وتسلط أفكار الصراع الطبقي وفكرة المساواة . ومع أنه يسيء الظن بالإنسان ، إلا انه يمنحه فرصة ! ومع أنه يعترف بفرديته إلا أنه يدرك أهمية الدور الإجتماعي وضرورة الإلتزام ........ ثم لأنه شاعر ، ولأنه صادق !
هذا لا يعني بأنني أؤمن ب " الإنسان المتفوق " الذي ينادي به . هذه رغبة أمتنع عنها بالكثير الكثير من التواضع . هنا وقع نيتشه في شطحات الفلسفة التي هي غالباً غاياتها . أؤمن بأننا نستطيع اكتساب الوعي بالجهد والإرادة ، وأن التحرر من الضعف سيريح الإنسان من سوء الطوية القاتل ، وسيوحد عناصره ربما ويوجهها إلى هدف أسمى .
هناك انتقادات كثيرة من الممكن توجيهها إلى أفكاره ، ولقد أوردت الفصل السابق كاملاً رغم تحفظي على ما قاله بخصوص المرأة ، وهو غالباً ما كان شديد القسوة في الحكم عليها ، لكنه أسلوبه الخاص في الحكم على كل البشر . ربما يكون من المفيد للمرأة بأن تسمع هذا الرأي المتطرف الذي لا يقال لها علانية في كل يوم ، لكن الكثير من البشر يعتقدونه ، لا يزال ، وحتى اليوم .
|