البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 48  49  50  51  52 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مداخلة سريعة    كن أول من يقيّم
 
بالتأكيد كانت مفاجأة بكل معنى الكلمة وقنبلة الموسم كما وصفها زهير بحق أن أكتشف أن الشيخ طه هو شاب يافع في ريعان الشباب. قلما التقيت مع الأستاذ زهير دون أن يأتي على ذكر اعجابه وتقديره للشيخ المراكشي ولكن لم يخطر ببال أي منا أن نتساءل عن عمره. ولكن من قال أن العمر يهم حينما تتوائم الأرواح وتلتقي دون سابق موعد او انذار.
 
ولأستاذتنا ضياء خانم تحية عطرة على حسن ادارتها لهذه الدوحة الغناء.
 
أما موضوع تعدد الآراء الفقهية فلا أملك أن أزيد حرفا على ما قالته وخاصة تلخيصها الرائع بكلمات قليلة للحالة التي تعيشها الأمة وما تواجهه من تحديات ومشاكل.
 
*بسام
12 - أبريل - 2007
شجرة الكرز    كن أول من يقيّم
 
معذرة لمولانا عن التأخر في الرد، وبصراحة لم تتضح لي الصورة بعد.
كان اهتمامي بشجرة البطم لحديث الأستاذة عنه ليس إلا، وها هي نفسها تعجب من هديتكم وأنكم جمعتموها من على أغصان شجرة البطم.
ولما رجعت للموقع الذي أحلتموني إليه، رأيت خمسة أنواع من البطم، ورأيت قائمة مطولة من أشجار الأحراج لأول مرة أقرأ أسماءها، كالعذر والزرود والقطلب والاصطرك والبقص والزنزريق والصلع والغبيراء والرميميم والقبقب بأنواعه والدردار والمحلب، وحتى السويد والشوح فإنني رأيت خشبهما عند النجارين في دمشق، ولم أر شجرتيهما. ولما وقعت عيني على هديتكم إلى الأستاذة تساءلت: هل للبطم هذا رائحة زكية، وكان الجواب افتراضيا: لو لم يكن كذلك لما قدمه مولانا هدية للأستاذة، وهذا السؤال سرقني من نفسي وقتا طويلا وأدخلني في نفق من الأسئلة، وكان السؤال الهاجس، الفرق بين البطم والكرز، فقد قضيت طفولتي وكبرت أنا وشجرة الكرز في بيتنا، أتذكر لما زرعها والدي رحمه الله، وكنت في الخامسة من العمر، وكانت هي أيضا شتلة أطول مني، وبعد أربع سنوات صارت شجرة سامقة تنظر إليها في آذار فلا تشبع من جمال زهورها التي لم يكن لها من منافس إلا شجرة المشمش. وبالرغم من كل هذه الأواصر التي أسست لصداقتي مع الكرز فقد كان الحدث الأكبر يوم أن ضعفت أمام شهوة المغامرة ورحت أطبق عليها الدرس الذي قرأته في كتاب القراءة (في الصف الثالث الابتدائي) ويحكي قصة طفل حطم بالفأس شجرة كرز في بستان أهله، ولما سأل أبوه : من فعل بشجرة الكرز كل هذا ? قال أنا (بكل شجاعة وصدقوكانت آثار الفأس الذي هويت به في تلك اللحظات على صديقتي شجرة الكرز تكبر معنا لنصبح ثلاثة: أنا وشجرة الكرز وآثار الفأس، ويوما بعد يوم كانت ذكرياتي تتراكم في تلك الندوب، وأمرر يدي عليها ملتمسا منها الغفران والرضوان، وكلما تذكرت بيتنا الذي هجرناه منذ عام 1974م فإن أول ما أتذكره  شجرة الكرز بكل غصونها وأزهارها وثمارها وندوبها وأيامي معها.
ولما قرأت مشاركات ضياء خانم الأولى كانت تراودني ذات الأحاسيس التي عشتها تحت ظلال شجرة الكرز، أقرأ عذابات الأستاذة فأشعر وكأنني أنا السبب في كل ما تقول، وأنظر في يدي فيزداد شكي بنفسي وإيماني بأنني أنا المعني بكل هذا التمرد والتقريع، فهذه هي قصة شجرة الكرز وكان مولاي لحسن بنلفقيه حاضرا في كل فصولها منذ أن صارت شجرة الكرز ضياء خانم.
*زهير
12 - أبريل - 2007
بخط اليد..    كن أول من يقيّم
 
 
 
 
Image hosted by allyoucanupload.com
 
 
*abdelhafid
13 - أبريل - 2007
واحة الوراق    كن أول من يقيّم
 
 
 
السلام عليكم في واحة الوراق  الشمس الساطعة و السماء الخاشعة و مهد الكتاب و منبر الشعراء ، من جواهر أفكاركم تصقلت أفكاري و من مواضيعكم توسعت معرفتي و من خيراتكم إمتلأ مطبخ زوجتي بالأعشابِ البرية ذوات الروائح الشهية و الفوائد الطبية و لقد كان جدي و هو الآن في رحمة الله طبيباً عربياً يقصده القاصي و الداني و يعرضون عليه أمراضهم الجلدية التي عصيت على خبرة الحكيم الفرنجي في المدينة ، فكان يزاوج الأعشاب و يخلطها و يصنع منها المعاجين  ليمرح بها الجلد الملتهب كنار جهنم فيكون وقعها عليه بَرَداً و سلاماً و بقدرة قادر يسترجع الجلد المشقق وحدته و تلتئم الجروح و ينضب سيل القيء و تختفي الروائح الكريهة و يعود المصاب بعد بضعة أيام فرحاً و مبتهجاً في يده سطلاً  مليئاً من خيرات عنزته و صرة تحوي ما أبدعته أصابع زوجته أو خبرة والدته ، فيقبل يد جدي و يقدمها له عربوناً عن شدة إمتنانه و تقديراً لشطارته و قدرته و ثمناً لأتعابه.
 معجون النب و يسمى أيضاً البابونج(camomile) ، كان من أفضل المعاجين عندي و أنا صغير و رائحته لم تترك منخري حتى اليوم .. و قد علمني جدي كيفية صناعة هذا المعجون سأنشره لاحقاً في هذا الباب الكريم بعطاء صاحبته "ضياء" و قدرتها على سلب القلوب من جليدها. لك أيتها الأستاذة العظيمة سلام المشرق و سلام المغرب من زوجتي و مني و مزيد الشكر لعقلك الواسع الذي إنما هو دليل العبقرية و التميز . و سلامنا أيضاً إلى الأستاذ شاعر الشعراء و موسوعة الأدباء "زهير" الذي لا تفتأ عائلتي عن قراءة أشعاره بنهم الجائع المتصوف.
jamal
13 - أبريل - 2007
حياك الله وبياك    كن أول من يقيّم
 
أهلا بك ضيفا كريما في مجالسنا يا أستاذ جمال، وشكرا على كلماتك الطيبة، ونحن بانتظار مشاركاتك التي وعدت بها، ولكن إذا كانت تتعلق بمنافع الأعشاب والنباتات، فحبذا نشرها في موضوع (نباتات من بلادي) في مجلس العلم والتكنولوجيا، وللأستاذة ضياء خانم هناك مشاركات جمة، أكرر شكري وامتناني، راجيا أن تتفضلوا بكتابة نبذة عن حياتكم العلمية في صفحة اشتراككم، وهذا الطلب أيضا موجه إلى كافة الأصدقاء المشاركين في مجالسنا، وفي مقدمتهم سراة الوراق
*زهير
13 - أبريل - 2007
إلى اللقاء .....    كن أول من يقيّم
 
 
صباح الخير عليكم جميعاً .
 
كنت أردت الكلام عن جبران اليوم ، جواباً على ما كتبه الأستاذ طه والأستاذ عبد الحفيظ . أجدني منساقة للحديث عن شيء أخر : شجرة الكرز .
 
عندما قرأت تعليق الأستاذ زهير عن شجرة الكرز ، عاودتني تلك الرهبة التي عشتها أول مرة في مجلس الفلسفة ، وفي لحظة معينة من النقاش ، دفعتني يومها للتصريح عن هويتي ، لأنني كنت بدأت أشعر بثقل مسؤولية ما أكتبه ، وبأن الكلام بدأ يأخذ منحى جدياً وطابعاً مؤثراً لم أكن أتوقعه ، أمدني بإحساس مخيف ، فقررت أن أضع نفسي بمواجهة نفسي لكي لا تجبن ، وكأنني بهذا التصريح أردت تحمل عواقب كل كلمة أقولها أو كأنني قلت لنفسي : ما تكتبينه هو أنت ، وهذه مرآتك التي تنظرين بها إلى صورتك ، وهكذا سيراك الناس ، فكيف ستكونين ? ........
 
هكذا ، ومنذ عام أو أكثر ، وأنا أحاول رسم هذه الصورة بأمانة وبما يقترب من الحقيقة ، أحاول نبشها ومسح الغبار عنها ، ولم أحاول تزويقها أبداً . لم أكن أعلم بأنها تحمل كل تلك الندوب ، ولم أكن أظن بأن ما بي من ندوب سيكون ظاهراً ومرئياً بهذا الشكل ، ولم أكن أدرك بأن ندوبنا تتشابه لدرجة أن يصبح ما أقول مصارحة ومراجعة عامة ، أو كأنني أتكلم باسم الجميع . كنت أظن بأنني أكتب عن الفروع والغصون ، الصيف والشتاء ، طنين الذباب وشقاوة الأولاد من حولي ..........غير أن للشجر ذاكرة ، كما لاحظ الأستاذ زهير بحسه الشاعر ، وأن ذاكرته حاضرة في جذعه ، وفي لبه ، وانبساط فروعه . شكراً لك أستاذي هذه الشهادة المخيفة .
 
وشكري لكم جميعاً ، صديقنا الجديد ، جمال وزوجته الكريمة (مع الامتنان الكبير لكلماتك الطيبة والمشجعة ) ، ومولانا الوارف بالعطاء ، والأساتذة : طه وعبد الحفيظ وبسام وزياد وتنباب تود والنويهي والسعدي .... ، وأستاذنا الغائب هشام ( يبدو أنه لم يدفع إشتراك الإنترنت بعد ) وكل الذين شاركونا في هذا الملف أو تابعوه قراءة ، أعلم اليوم بأنني لست وحدي ، وبأن لي أصدقاء يشبهونني في مشرق هذا الوطن الكبير ومغربه و ........... إلى اللقاء .
 
 
*ضياء
14 - أبريل - 2007
أيام العيد    كن أول من يقيّم
 
 
صباح الخير و السعادة و الشمس المشرقة و مساء الخير و الحنان و القمر الولهان و لقد أسرني و الله حسن إستقبالكم لشخصي البسيط في هذا الموقع الجليل و المجلس المهيب و أن أرى  مقولتي منشورة بهذا الشكل الجميل و أن أرى الكلمات مطلية بهذه الألوان الفتانة إنما بعث الدموع إلى الوثوب فرحاً إلي مقلتيا مما ذكرني بأيام الطفولة حين أفقت في فجر يوم طال إنتظاره بعد شهر من طول الصيام لأجد جلابية العيد تبصبص بالألوان و الخيوط الذهبية البراقة و نظراً لقلة السنين في عمري فرحت بها فرحاً كبيراً أعمى بصيرتي عن سبب فرحة أختي بجلابيتها الراقصة تحت بصيص الألوان و الخيوط الذهبية البراقة. و لعل ما جعل الألوان لقلقةً و مبصبصةً هو رجرجة اللآليء المالحة في جفنيا.  خرجنا نحتفل بالعيد أختي و أنا ، طفلين صغيرين ،لا نختلف بشيء و لا نتمايز بشيء و لو من العقال الذي توج رأسي و المنديل الذي كَنَّرَ وجهها لمضينا في  فرحنا كتوأمين في جلابيتين مزركشتين بألوان الزهر. ألم أخبركم بأن الفرح أغاب ببصيرتي و خلط فيها  الألوان????
و للبابونج خلجات و خفقات أكثر طراوة من خيوط الذهب المتلوف بالزهر ، و أوسع حكاية من فرحة الطفولة في يوم العيد.
 

                                               جمال سعيد

_________________

وشكرا لك يا أستاذ جمال، هذه الكلمات المشرقات  بأفراح العيد وبهجة الطفولة، وأهلا بك في سراة الوراق، أتمنى المزيد من المشاركات، راجيا أن تكون قد اطلعت على موضوع منشور سابقا بعنوان (مشروع سراة الوراق) ويمكنك الوصول إليه عن طريق نافذة البحث، وتقبلوا فائق الاحترام والود (المشرف)

jamal
15 - أبريل - 2007
الذاكرة وابن المجنونة ..........    كن أول من يقيّم
 
 
 
الفداء
 
 
وسار زارا يوماً على الجسر فاحاط به رهط من اهل العاهات والمتسولين وتقدم إليه احدب يقول له :
 
ـــ التفتْ إلى الشعب يا زارا فهو أيضاً يستفيد من تعاليمك وقد بدأ يؤمن بسنتك . ولكن الشعب بحاجة إلى أمر واحد ليتوطد إيمانه بك : عليك يا زارا ان تتوصل إلى إقناعنا نحن أهل العاهات . وامامك الآن نخبة منهم وما لك بعد مثل هذه الفرصة تنتهزها لتقوم لاختبارك على مثل هذا العدد من الرؤوس . بوسعك الان ان تشفي العميان والمقعدين فتخفف الأثقال ، وتريح المتعبين . تلك هي الطريقة المثلى لهداية هؤلاء القوم إلى الإيمان بزارا .
 
فأجاب زارا :
 
من يرفع عن ظهر الأحدب حدبته فقد نزع منه ذكاءه . هذه هي تعاليم الشعب . وإذا أعيد النور إلى عيني الأعمى فإنه ليرى على الأرض كثيراً من قبيح الأشياء فيلعن من سبب شفاءه . ومن يطلق رجل الأعرج من قيدها فإنه يورثه أذية كبرى إذ لا يكاد يسير ركضاً حتى تتحكم فيه رذائله فتدفعه إلى غايتها . هذه هي التعاليم التي ينشرها الشعب . وهل على زارا أن يأخذ عن الشعب ما اخذه الشعب عنه ?
 
غير أنني منذ نزلت بين الناس سهل علي ان أرى منهم من تنقصه عين ، ومن تنقصه أذن ، وآخر فقد رجليه ، وهنالك من فقدوا لسانهم أو أنفهم أو رأسهم ، وهكذا رأيت أقبح الأمور ، وهنالك أشياء أشد قبحاً إن اعرضت عن ذكرها فلا يسعني السكوت عن أكثرها .
 
رأيت رجالاً فقدوا كل شيء ، غير أنهم يملكون شيئاً يسوده الإفراط ، فهم رجال كأنهم عين عظيمة أو فم واسع أو بطن كبير أو عضو كبير آخر لا غير ، وما هؤلاء الناس إلا اهل العاهات المعكوسة .
 
وعندما عدت من عزلتي لأجتاز هذا الجسر للمرة الأولى وقفت مندهشاً لا أصدق ماأرى فقلت : هذه أذن ، أذن وسيعة كانها قامة رجل ، وتقدمت إليها فلاح لي وراءها شيء صغير لم يزل يتحرك وهو ناحل ضعيف يستدعي الإشفاق ، فإن الأذن الكبرى كانت قائمة على ساق دقيقة ، وما كانت هذه الساق إلا إنساناً ، ولو أنك تفرست في هذا الشيء بنظارة لرأيت فوقه وجهاً يتقطب بالحسد وينم عن روح صغيرة تريد الانتفاخ وترتجف على قاعدتها .
 
وقال لي الشعب : إن هذه الأذن ليست رجلاً فحسب ، بل هي أيضاً رجل عظيم بل عبقري من عباقرة هذا الزمان . غير أنني ما صدقت الشعب يوماً إذ هو تكلم عن عظماء الرجال ، فاحتفظت بعقيدتي وهي: (إن هذا الرجل ذو عاهة معكوسة إذ ليس له إلا القليل من كل شيء والكثير من شيء واحد) .
 
وبعد أن وجه زارا هذا الخطاب إلى الأحدب ومن تكلم بالوكالة عنهم اتجه نحو أتباعه وقد تحكم الكدر فيه فقال :
 
والحق أنني أسير بين الناس كأنني أمشي بين أنقاض وأعضاء منثورة عن أجسادها . وذلك أفظع ما تقع عليه عيناي ، فإنني أرى أشلاء مقطعة كأنها بقايا مجزرة هائلة . وإذا ما لجأت عيني إلى الماضي  هاربة من الحاضر فإنها لتصدم بالمشهد نفسه ، فهناك أيضاً أنقاض وأعضاء وحادثات مروعة ، ولكنني لا أرى رجالاً ..........
 
إن أشد ما يقع علي أيها الصحاب إنما هو الحاضر والماضي ، وما كنت لأطيق الحياة لو لم اكن مستكشفاً ما لا بد من وقوعه في آتي الزمان ، وما زارا إلا باصرة تخترق الغيب ، فهو رجل العزم وهو المبدع ، هو المستقبل والمعبر المؤدي إلى المستقبل ، وهو وا آسفاه ذو عاهة ينتصب على هذا المعبر .
 
وأنتم أيضاً تتساءلون مراراً : من هو زارا ? وبماذا نسميه ? فلا تتلقون غير السؤال جواباً كما اتلقاه انا .
 
أهو من يعد أم من ينفذ الوعد ? أهو فاتح أم وريث ? أهو الطبيب أم هو الناقه ?
 
أشاعر هو ام رجل حقيقة ? أمحرر أم متسلط ? أصالح أم شرير ?
 
ما أنا إلا سائر بين الناس شطرة من المستقبل الذي يتراءى لبصيرتي وجميع أفكاري تتجه إلى توحيد وجمع كل ما تفرق على أسراروتبدد على الصدف العمياء للاسرار ومفتدياً لإخوانه من ظلم ما تسمونه صدفة ودهراً . وما الفداء إلا في إنقاذ من ذهبوا ، وتحويل كل ما كان إلى ما اريد لو انه كان .........
 
ما المخلص والمبشر بالغبطة إلا الإرادة نفسها ، وهذا ما أعلمكم إياه يا أصحابي ، ولكن اعلموا أيضاً ان هذه الإرادة لم تزل سجينة مقيدة .
 
إن الإرادة تنقذ ، ولكن ما هي القوة التي تقيد المنقذ نفسه ?
 
داء الإرادة الوحيد إنما هو كلمة " قد كان " تقف الإرادة أمامها تحرق الإرم عاجزة عن النيل من كل ما كان ، فالإرادة تنظر بعين الشر إلى كل ما فات وليس لها أن تدفع بقوتها إلى الوراء ، فهي أضعف من ان تحطم الزمان وما يريده الزمان ، هذا داء الإرادة الدفين .
 
إن الإرادة تنقذ ، ولكن ما هو تصور الإرادة في عملها للتخلص من دائها وهدم جدران سجنها ?
 
وا آسفاه ! إن كل سجين يصبح مجنوناً ، وما تنقذ الإرادة السجينة نفسها إلا بالجنون .
 
إن الزمان لا يعود أدراجه . ذلك ما يثير غضب الإرادة وكيدها ، فهنالك صخر لا طاقة للإرادة برفعه ، وهذا الصخر إنما هو الأمر الواقع .
 
لذلك تهب الإرادة وقد تملكها الغيظ مقتلعة الأحجار منتقمة من كل من لا يجاريها في كيدها وثورتها ، وهكذا تصبح الإرادة المنقذة قوة شريرة تصب جام غضبها على قانع بعجزها عن الرجوع إلى ما فات . وهل انتقام الإرادة إلا عبارة عن كرهها للزمان لأنه أوقع ما لا قبل لها برده ?
 
والحق أن إرادتنا مصابة بالجنون ، وقد نزلت لعنة على البشرية منذ تعلم الجنون أن يتفكر . إن خير ما طرأ على الإنسان حتى اليوم إنما هو فكرة الانتقام ، وهكذا سيبقى العقاب ملازماً للألم في كل زمان وفي كل مكان . وهل فكرة الانتقام إلا العقاب بذاته ? فما كلمة الانتقام إلا كلمة مكذوبة يقصد بها التعبير عن الضمير .
 
إن كل مريد يتألم لأنه لا قبل له بالرجوع إلى الماضي لرد ما فات ، ولهذا لزم أن تكون الإرادة بل كل حياة على الإطلاق كفارة وعقاباً .
 
بمثل هذه الاعتقادات تلفع العقل بالغيوم فانبثق منه الجنون هاتفاً : كل شيء يزول ، فكل شيء يستحق الزوال .
 
إن العدل نفسه يقتضي بأن يفترس الزمان أبناءه ، هذا ما أعلنه الجنون .
 
لقد وضع الناموس الأدبي وفقاً للحقوق والعقاب ، فأين المفر من نهر الحياة الجارف وما الحياة إلا عبارة عن عقاب ? وهذا أيضاً ما أعلنه الجنون .
 
ليس من حادث واحد يمكننا أن نزيله من الوجود . فهل للعقاب ان يمحو الحادثات ? وهل من خلود لغير  الأعمال في وجود لا بنفك يحول العمل عقاباً والعقاب عملاً ? ولا مناص من هذه الحلقة المفرغة ما لم تتوصل الإرادة إلى الفرار من ذاتها فتصبح حينذاك إرادة منفية .
 
إنكم تعرفون ، أيها الأخوة ، هذه الأغاني التي يتشدق بها الجنون . وقد أقصيتكم من سماعها عندما علمتكم أن الإرادة مبدعة . كل ما فات يبقى مبدداً منثوراً كأنه أسرار ومصادفات رائعة إلى أن تقول الإرادة : إنني أنا أردت هذا . ثم تقول : وهذا ما أريده الآن وسأريده غداً .
 
هل نطقت الإرادة بمثل هذا حتى اليوم ? وأي متى ستنطق به ? هل هي تملصت من قيود جنونها فأصبحت تفتدي الحادثات بعزمها وتبشر بالحبور ? هل هي اطرحت فكرة الانتقام وتوقفت عن حرق الأرم من كيدها ? من ترى تمكن من تعليمها مسالمة الزمان بل ما يفوق هذه المسالمة ?
 
يجب على الإرادة ولا أعني سوى إرادة الاقتدار أن توجه مشيئتها إلى ما هو أعظم من المسالمة . ولكن أنى لها ذلك ومن سيعلمها أن توجه هذه المشيئة إلى ما فات ?
 
وتوقف زارا عن الكلام فجأة كأن رعباً شديداً حل به فاتسعت حدقتاه وشخص بأتباعه سابراً أفكارهم غير انه ما لبث أن عاد إلى الضحك فقال بكل هدوء :
 
ـــ  ما تهون الحياة بين الناس لأن الصمت صعب على المرء وخاصة إذا كان ثرثاراً .
 
هكذا تكلم زارا ..........
 
ولكن الأحدب الذي كان يصغي إلى هذا الحديث  وهو يستر وجهه بيديه سمع قهقهة زارا ففتح عينيه مستغرباً وقال :
 
ـــ لماذا يخاطبنا زارا بغير ما يخاطب به أتباعه ?
 
فقال زارا :
 
ـــ وهل من عجب في هذا ? أفما يصح أن يخاطب الأحدب بأقوال لها حدبتان ?
 
فقال الأحدب :
 
ـــ ولا عجب أيضاً في أن يخاطب زارا تلاميذه كمعلم أولاد ، ولكن لماذا يخاطب أتباعه بغير ما يخاطب به نفسه ? 
 
 
هكذا تكلم زرادشت ( كتاب للكل ولا لأحد ) للفيلسوف الألماني : فريدريك نيتشه
ترجمة : فيلكس فارس ــ مكتبة صادر ، بيروت ، لبنان ، نسخة مطبعة الاتحاد 1948 .
 
 
 
 
 
*ضياء
16 - أبريل - 2007
أجمل وصف    كن أول من يقيّم
 
مساء الخير أستاذة ضياء , ها أنا أعود ( ويبدو أنني دفعتُ فاتورة النت منذ فترة ) , وكنتُ أطالع الموقع خلال الأيام الماضية دون رغبة في الكتابة , كنتُ دائماً أريد أن أقول شيئاً لا أعرفه , ولا أحسه ..أريد أن أبدو طبيعياً , ولا أستطيع , رغما عني لم أستطع الدخول ضمن قوالب مناسبة أو غير مناسبة ,( وعذراً من قوالب المعمول ) , اكتشفتُ أخيراً أنني لم أكتشف شيئاً , وعرفتُ أنني لم أعرف شيئاً , وأن أصابع أُخرى هي التي تطبع ما أحس , فلماذا أكتب عن نفسي فقط بينما يكتب الجميع عن الآخرين , ولماذا أشك بقيمة كل ما أكتب ? , هي حالة نفسية ربما , لستُ مشوشاً الآن , ولكني أشعر بوضوح الصورة أكثر , وهذه الصورة التي أمامي ترعبني , فأذهب للحلم وأحلامي طويلة ومستحيلة , لأكتب إذاً عن غيري وأترك منظري الكئيب على هذه الكنبة الكئيبة أمام هذا البرنامج الكئيب ........, أردتُ أن أكتب عن يوسف العظمة , ومنذ ثلاثة شهور جمعتُ المعلومات , وصغتها وحاولت , ولم أفعل , فهو غير وأنا أنا , وأنا الذي تمتد يده ليكتب بسرعة , ثم تفاجئه يده بما تكتب , هي أيضاً تريد استقلالاً ذاتياً , وكل شيء عندي منفصل عني , فإن كتبتُ عن لحيتي التي طالت , فسامحوني فهذه ليست لي فأنا أنا , وهم كثيرون , وسأبقى أكتب وأندم على كلماتي القليلة , وأقول ليتني كنتُ معي في هذا الوقت , لكتبتُ غير هذا , ولخرجتْ من داخلي الكلمات التي أحدث نفسي فيها وأنا في السرير , مجنون ? ?  هذا أجمل وصف سمعته عني !
*محمد هشام
17 - أبريل - 2007
مقدمة في الرد على الأستاذ هشام    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
 
الصديق
 
 
 
يقول المنفرد في نفسه " لا أطيق وجود أحد بقربي " ولكثرة ما يقف محدقاً في ذاته تظهر التثنية فيه ،ويقوم الجدال بين شخصيته وبين ذاته فيشعر بالحاجة إلى صديق . وما الصديق للمنفرد إلا شخص ثالث يحول دون سقوط المتجادلين إلى الأغوار كما تمنع المنطقة المفرغة غرق العائمين .
 
إن أغوار المنفرد بعيدة القرار ، فهو بحاجة إلى صديق له أنجاده العالية ، فثقة الإنسان بغيره تقوده إلى ثقته بنفسه ، وتشوقه إلى صديق ينهض أفكاره من كبواتها .
 
كثيراً ما يقود الحب للتغلب على الحسد ، وكثيراً ما يطلب الإنسان الأعداء ليستر ضعفه ويتأكد إمكانه مهاجمة الآخرين .
 
من يطمح إلى اكتساب الصديق وجب عليه أن يستعد للكفاح من أجله ، ولا يصلح للكفاح إلا من يمكنه ان يكون عدواً . يجب على المرء أن يحترم عداءه في صديقه ، إذ لا يمكن لك أن تقترب من قلب صديقك إلا حين تهاجمه وتحارب شخصيته .
 
أنت تريد الظهور امام صديقك على ما أنت عليه هاتكاً كل ستر عن خفايا نفسك ، فلا تعجب إذا رأيت صديقك يعرض عنك ويقذف بك إلى بعيد .
 
من لا يعرف المصانعة يدفع الناس إلى الثورة عليه ، فاحذر العري ، يا هذا ، لأنك لست إلهاً ، والآلهة دون سواهم يخجلون من الاستتار .
 
عليك بارتداء خير لباس أمام صديقك ، لتهيب به إلى طلب المثل الأعلى : الإنسان المتفوق .
 
أفما تفرست في وجه صديقك وهو نائم لترى حقيقته ? افما رأيت ملامحه إذ ذاك كأنها ملامحك أنت منعكسة على مرآة مبرقعة معيبة ? أفما ذعرت لمنظر صديقك وهو مستسلم للكرى ?
 
ما الإنسان ، أيها الرفيق ، إلا كائن وجب عليه ان يتفوق على ذاته ، وعلى الصديق أن يكون كشافاً صامتاً ، فأمسك النظر علناً إلى كل شيء ما دمت قادراً في غفلتك على كشف ما يفعله صديقك في انتباهه . عليك أن تحل الرموز قبل أن تعلن إشفاقك ، فقد ينفر صديقك من الإشفاق ويفضل أن يراك مقنعاً بالحديد وفي عينيك لمعان الخلود .
 
ليكن عطفك على صديقك متشحاً بالقسوة وفيه شيء من الحقد ، فيبدو هذا العطف مليئاً بالرأفة والظرف .
 
كن لصديقك كالهواء الطلق والعزلة والغذاء والدواء ، فإن من الناس من يعجز عن التحرر من قيوده ولكنه قادر على تحرير أصدقائه .
 
دع الصداقة إذا كنت عبداً ، وإذا كنت عاتياً فلا تطمح إلى اكتساب الأصدقاء .
 
لقد مرت أحقاب طويلة على المرأة كانت فيها مستبدة أو مستعبدة فهي لم تزل غير أهل للصداقة ، فالمرأة لا تعرف غير الحب .
 
إن حب المرأة ينطوي على تعسف وعماية تجاه من لا تحب ، وإذا ما اشتعل بالحب قلبها فإن انواره معرضة لخطف البروق في الظلام .....
 
لم تبلغ المرأة بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة ، فما هي إلا هرة ، وقد تكون عصفوراً ، وإذا هي ارتقت اصبحت بقرة ...........
 
ليست المرأة أهلاً للصداقة ، ولكن ليقل لي الرجال من هو أهل للصداقة بينهم ? إن فقر روحكم وخساستها يستحقان اللعنة أيها الرجال ، لأن ما تبذلونه لأصدقائكم يمكنني أن أبذله لأعدائي دون ان أزداد فقراً
 
إنكم لا تتخذون إلا الأصحاب ، فأي متى تسود الصداقة بينكم ?
 _________________________
 
هكذا تكلم زرادشت ( كتاب للكل ولا لأحد ) للفيلسوف الألماني : فريدريك نيتشه
ترجمة : فيلكس فارس ــ مكتبة صادر ، بيروت ، لبنان ، نسخة مطبعة الاتحاد 1948
 
 
*ضياء
18 - أبريل - 2007
 48  49  50  51  52