 | العيد ثورة كن أول من يقيّم
بسمه تعالى: أقبل العيد يتراءى خلفه تمثال انسان سعيد..أقبل العيد هاشا باشا ينشر في الكائنات نظائر مسرات الأسلاف, وينظمنا بأنامله درةً انسانية في سبحته- إلى الدرر المنظومة رصفاً واحدة بعد أخرى إلى عصر السعادة النبوي. ألا إن العيد أسمى عوائد العادات, وألطف أنواع العبادات, ما حرم فيها فهو فيه حلال,والأكل فيه مندوب وشرب الماء الزلال.. العيدُ شيخٌ ثائرٌ, ومناضلٌ مصلحٌ,فهو بالنظام الآهي المندمجِ في فطرته, والروح الكامل المنطوي في غضونه, والثورة التي يُوقِعها في الزمان, والانقلابات التي يهز بها الطبائع والوجدان,كأنه شريعة متشعبة, وقوانين متشَعْشِة, ودساتير نافذة غير نافدة,وكأنه خرج من نوعه الزماني وصفته الوقتية, ليدخل إلى النفوس فيمزجها, ويندس في مضغ القلوب فيشرحها, ويتسلط على الموازين المزاجية فيرجح كفتها إلى المخالطة والمصافاة, والممازجة والمآخاة.. وفي العيد دليل اجتماعي, وبرهان انساني على نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحة شريعته, فانه أوقظ حسا عمومياً, وانعش خصالاً نفسيةً فوارةً, وفجر عيونَ الملكات التي كبَسَتها صحراء العرب الوسيعة تحت رمالها ( في قوم بدويين أجلاف, وأعراب غلاظ خامدين, يرى أحدهم تقبيل الرجل ولدَه عيبا حقه أن يبطن, وسقطة شنيعة, وعورة مهينة, ويئد بضعته بيديه دساً في التراب, ويأكل الربا أضعافا مضاعفة جشعا واستضعافا للبؤساء.. أي غلظة? أي قسوة? أي حرص?) فتولدت عن ذلك الحس الموقَظ والخصال المستظهرة, حسيات مستورة ومتكشفة, تعمل عملها وتلقي سرها في النفوس ظاهرا وباطنا, كحس المعاطفة والموالاة والمحبة والأخوة وهلم جرا.. من حميد الحسيات, وجواهر النفسيات, المتضمنة لأساسات الاجتماع والألفة, وأعمدة المعايشة والمخالطة.فتسلط بذلك على أعماقهم فهيج دقائق شعورها, وأبرك جمل المحبة في مرابض قلوبهم,فبدل قسوتها لينا, ووحشيها أليفا, وصقل زكاوة انسانيتهم وأظهر طراوتها, وشذب شاخص أفنانهم وأعاد إليها صبغتها,فخرجت أشباحهم شعلة نارية جوالة في الآفاق, قطاعة للمسافات, سباحة في البحار, غواصة في الصنائع والعلوم, بانية لقواعد العمران, محرقة لروابط الظلم والفساد,منشأة للمدنية القائمة على صحيح الأخلاق, ومتين الروابط. نعم, كان للجاهليين أعياد قلعها الاسلام, وسماها: زورا,لأنها مواسم للمفاجر و الرذائل, ومجامع للخنا والباطل,ومواقيت للوثنية والتظالم,وعوضنا بعيدين غراوين, يتعاقبان علينا تعاقب القمرين,إذ النفوس لم تخلق للترك ولكن للفعل, ولأنها في حاجة إلى الاسترواح ونفض قوارص الأحزان, وعادات الأيام,فالعيد شعيرة اسلامية ضرورية, ومن لوازم الاجتماع, لذلك لا تخلوا أيام الأمم جميعها من يوم عيد. ألا إن العيد في أجمع معانيه ترياق لأسقام الاحن وسموم الضغائن المحمولة في الصدور,ونقض لمعاقد الخمول وتعهد لمظان العقد الحياتية بالتسديد والتجديد. (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) تقبل الله منا ومنك صالح أعمالنا, وبارك لآل الوراق في عيدهم.آمين | *طه أحمد | 23 - أكتوبر - 2006 |