من الدلفة لتحت المزراب كن أول من يقيّم
عزيزي الأستاذ عبد الرؤوف : مساء الخير
لم أستأ من ردة فعلك لأنها ستكون ربما مناسبة لتعميق النقاش بالوجهة التي أتمناها، لأن مقالك الأخير في ملف الحرية لايفعل أكثر من أنه ينقلنا " من الدلفة ، لتحت المزراب " .
لكن ، وقبل البدء بالحديث ، أحب أن أؤكد لك بأنني لم أقصد الإساءة إليك بحديثي ، صدقاً كنت أمزح وأستفزك مرة أخرى بموضوع الأصفار والشيكات . هذا الحديث يستهويني تماماً كذبابة الماغوط لأنه بالنسبة لي ذو دلالة معنوية . أما الإساءة فلا ! وتأكد بأنه مهما أختلفنا بالآراء ، والظاهر أننا سنختلف ، فإن تقديري ومحبتي للنويهي الإنسان الذي صرت أعرفه لا يمكن أن يغيرها شيء ، أما رأيي فمن الممكن أن أغيره من وقت لآخر لو وجدت ما أقتنع به .
يهمني أن نتحدث في القانون ، كل من وجهة نظره . صحيح بأنني لم أدرس القانون ، ولكنني أعرف ما هو . فالقانون منذ شرائع حمورابي وحتى اليوم ، لم يكف عن التغير والتبدل . ستقول لي تطور ? سأقول لا ! هو تغير ويتغير ، هو يتبدل بتبدل السلطة التي يمثلها لأن كل سلطة هي بحاجة إلى قانون لكي تحمي مصالحها ، ولكي تضفي على نفسها صفة الشرعية .
القانون هو ما تفرزه علاقات القوة السائدة في المجتمع ، وأنا هنا لا أتكلم عن القانون المكتوب ، بل عن القانون الحقيقي الذي يحكم وينظم علاقات البشر فيما بينهم . فهل القانون الفرنسي المترجم حرفياً هو ما يطبق عندنا في لبنان ? وهل الشرع الإسلامي هو نفسه ما يطبق في مصر والسودان ? أو في مصر وأفغانستان ? قطعاً لا ! وهل هذا القانون ، الذي هو نفسه ما كان سائداً أيام نابليون ، هو ما يطبق اليوم في فرنسا ?
كل هذه القوانين والتشريعات تتغير بحسب الزمان وحسب المكان ولكن بالأخص بحسب السلطة التي تمثلها : والسلطة هي آلية عمل تفرزها المجتمعات وهي تعبر في سلوكها عما تختزنه هذه المجتمعات من قوة مادية ، ومن مفاهيم تؤطر طاقاتها وقدراتها سواء كانت إقتصادية مادية ، أو عسكرية ، أو تقنية ، أو ثقافية . القانون هو أداة وذريعة السلطة القائمة ، أي سلطة ، وهي بمؤسساتها ورجالاتها ، حتى أصغر شرطي فيهم ، دائماً فوق القانون ، حتى في أحسن بلدان العالم .
والبشر تخضع للسلطة القائمة ليس بدافع الخوف فقط ، بل بدافع الانتهازية أيضاً والرغبة في الحماية . وعلاقات القوة، هذه تدفع القوي إلى التسلط على الضعيف بحجة حمايته ، والضعيف يرضخ للقوي بحجة أنه يمثل له قيمة ما : وطنية ، دينية ، عائلية ......... هي علاقة مزورة ، وهذا التزوير لا يأتي من القوي المتسلط لوحده ، بل يأتي من الطرفين .
لذلك ، فإن هذه العلاقة لن تتغير إلا ربما لو تغير الإنسان ، لأن الظلم الأول الذي يقع ، هو من الإنسان نحو نفسه عندما يقبل بالظلم ويقرر الخضوع لأجل غاية ما ، ومن ثم في كل بيت ، وفي كل حي ، وفي كل مركز عمل ، حتى نصل به إلى أعلى هرم السلطة ، أي سلطة ، إلا إذا كان لديها رادع ديني أو أخلاقي ما ، وهذا ما لن تفعله طواعية ، بل سيحصل ربما في حال أصبح هذا الإنسان ، الذي هو في قاعدة المجتمع ، قادرا على حماية نفسه ، وقادرا على مواجهة الظلم ، بمعنى أن يصبح وعيه قادراً على إنتاج آليات عمل مختلفة تحدد علاقته بالآخر غير التي نعرفها ، وقد قال أبو الطيب :
والظلم من شيم النفوس فإن |
|
تـجد ذا عفة فلعلة لا iiيظلم |
وقد قال قبله أرسطو بما معناه ، بأن الظلم هو من طبع النفس البشرية يردعها عن ذلك علتان : سياسية أو أخلاقية .
فهل الظلم الذي حصل في التاريخ والذي تكلمت عنه في المقالة السابقة هو الأساس ? أنا أقول بأنه حصل ولكنه ليس الأساس ، الأساس هو الضعف البشري الذي يشطر النفس الإنسانية إلى قسمين ، ويشطر من بعدها العائلة ، ثم الوطن ، ثم الأمة ، ثم العالم بحاله ، ولا يمكننا نحن اليوم السقوط في فخ مناصرة فريق ضد فريق بذريعة أننا اكتشفنا حقائق تاريخية لا تقبل الجدل . هذه متاهات عمرها أكثر من ألف وأربعمائة عام استنفدت طاقاتنا ومجهوداتنا بدون طائل . علينا تجاوز هذا الموضوع إلى رؤية مختلفة تضع وعينا بمستوى ما يحيط بنا من أخطار ، ولو عرفنا كيف نقف في الموقع الصحيح ، فسيتبدى لنا هذا الموضوع فخاً أكيداً بالنسبة لما يهيء لنا من مصير .
أما سجادتي يا أستاذ عبد الرؤوف فلقد عدت وفردتها الأسبوع الماضي وقبل أن يعود الأولاد إلى المدارس ، ولأن فصل الخريف هنا قد بدأ . هي سجادة حقيقية صدقني وليست " بساطاً للريح " ، وهي كما أراها جداً مفيدة .
* الدلفة : هي المكان الذي تدلف إليه الماء
|