الطامّة الكبرى وقال فعل ماض كن أول من يقيّم
بين يدي الأقصوصة
مجالس قربة ورباط تقوى --- أردت أفر منه فكان أقوى
أخي زهير المحترم، إنك بمكالمتك الهاتفية (لطشتني كفًا على خدي) لأصحو من دوامة سكري، فإليك يا قديم الحب أرسل شكري.
لقد ألهبْتَ فيّ لواعج الشوق للعودة إلى مرابع الأنس التي رُبِّينا عليها. أخي زهير، أودّ أن أتأكد من أمر حاولته فلم أفلح ،وهو أنني على الأغلب مشترك قديمًا في مجالسكم العامرة والتي قرأت ما فيها بنهم بعد رجوعي إلى البيت عقب المكالمة، ولكني لست متأكدًا من ذلك، فكيف أعرف??? ملحوظة جانبية أرجو استبدال كلمة (موضوعات) الأفصح؛ بكلمة (مواضيع) التي ما فتئتُ أقرؤها في موقعكم فيؤلمني لساني. أرجو الرد سريعًا ما أمكن. أخوك توفيق عمر بلطه جي
كان ما مضى من كلام رسالة بعثت بها إلى البريد الإلكتروني للغالي الأستاذ زهير لكنها ارتد عليّ وإليّ مرتين !!! لماذا ??? لا أدري. فاضطررت لوضعها هنا قبل مشاركتي الأولى معكم. فسامحوني واعذروني وأرشدوني.
أما قصة ( الطامّة الكبرى وقال فعل ماض) فإليكموها بالتفصيل:
الطامّة الكبرى وقال فعل ماض
رحم الله من قال:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ........... ولكنّ عين السخط تبدي المساويا
مرت الأيام، ودخلتُ ميدان الكبار، انتقلت من الإعدادي إلى الثانوي، ولكنْ لأمرٍ يريده الله، أصبحت عيني عينَ سخط؛ تبدي مساوئ الدراسة والمدارس، والعلم والتعليم، حتى كأنَّ مساوئ الدنيا كلها توجد في شيء واحد اسمه المدرسة. وفي نهاية الشهر الأول في الصف الأول الثانوي تركت المدرسة، وكان ذاك اليومُ خميسًا، وفي صباح يوم السبت، وجدت نفسي عاملاً في مصنع معدني، وبدأ الفراق بيني وبين العلم، لكنه لم يكن فراقًا مؤبدًا، إلا أنه عمّر سنتين، حتى قدّر الله لي طريقًا جديدًا؛ بدأ في التحاقي بالمعهد الشرعي للدعوة والإرشاد بدمشق، وكانت العودةُ فيه إلى الأول الثانوي من جديد، لكن قبلت لأنّ العين قد تبدّلت، إذ صارت كليلة عن كل عيب لأنّها راضية، كيف لا وأنا أرى نفسي بين شباب مفعمين بالمواهب منهم شاعرنا الأستاذ زهير ظاظا، وهناك في الأسبوع الأول، في حصص تتم فيها المراجعات والاستذكار لما مضى في السنة الفائتة وقعت الطامة الكبرى؛ إذ سألني الأستاذ عن إعراب كلمة (جاءت) في قوله تعالى {فإذا جاءت الطامة الكبرى} فكان جوابي طامة كبرى أيضًا، إذ قلت: جاءت: فعل ماض للتأنيث مجرور. فإذا بالضحك يملأ الصف، وإذا بالقوم - الأستاذ والطلبة المجتهدين ? لا يكادون يكتمون حديثًا. حقًا جواب مضحك، لكنه كان محزنًا جدًا لشاب يكبر جميع أقرانه في الصف سنًا، ويقلّ عنهم علمًا، إلا أنه لم يكن سببًا في اليأس، بل كان لهذا الفشل أثره العظيم، والحمد لله.
وجاءت قصة (قالَ: فعلٌ ماضٍ)
نحن الآن في الصف الثالث الثانوي في المعهد الشرعي للدعوة والإرشاد بدمشق؛ وأستاذ العربية والفقه الشيخ (محمد حمزة) - رحمه الله تعالى - كان يملأ نفوسنا إعجابًا بعلومه الكثيرة والعميقة، وكان قد خُصص لنا للعربية وعلومها، لكنه كان يصول ويجول في كل علم ويعطينا من موسوعته الذهنية كل شيء. وذات يوم والدرس تطبيقات إعرابية؛ كتب على السبورة العبارة التالية (قال: فعلٌ ماضٍ)، ثم قال لنا: أعربوا هذه الجملة، فجعل كل طالب يقوم فيجيب فيخطئ فيجلس، وكنت قد رفعت يدي ولكن دون إلحاح؛ لأنني كنت مترددًا في الجواب الذي كان يجول في ذهني، إذ لم يكن لي سابق عهد بمثله، ومع ما كان ينتابني من تردد وخفوت؛ فقد تركني الأستاذ المرحوم آخرًا، ادّخارًا منه لي، ظنًا منه أنني أُحسِنُ الجواب على وجه القطع واليقين، ولكن كانت مفاجأته كبيرة، بقدر خيبة أمله، عندما سألني فأجبت جوابًا غيرَ ذاك الجواب الذي كان يعتمل في نفسي وتردّدت في طرحه، فعندما رأيت فشلي ماثلاً أمام الأعين لم يكن هناك مبرر للتردد، فقذفت بالجواب الثاني قبل أن يغادر الأستاذ مكان وقوفه بجانبي، وقبل أن تغادر عيناه المحسورتان وجهي المحمر، وقبل أن يغادر سمعه الكليل جوابي الأول الخائب، قلت على الفور: (قالَ: مبتدأ، وفعلٌ: خبر، وماضٍ: صفة الخبر) فما كاد يسمع هذا الجواب، حتى رفع رأسه مزهوًّا، ثم رفع يده عاليةً وضرب بها على المقعد بكل قوة، ثم قال: والله لقد عرفت أنه لا يعربـها في هذا الصف إلا أنت. ثم جعل يكيل لي من المديح والثناء مالا أستحقه، ولكنها عادة الكرام وخلق العظام في التشجيع والتربية، وأرجو من الله أن نكون عند حسن الظن.
رحمك الله يا أبا صبحي، وأجزل لك المثوبة، فقد كنتَ صاحب قلب سليم، وعلم غزير، وخلق كريم، وتواضعٍ جم، ووالله لقد نفع الله بك خلقًا كثيرًا، فرحمة الله عليك وعلى مَنْ رحلوا معك في الحادث الأليم، وعزاؤنا فيك أنك تركت من ورائك صدقةً جارية، وعلمًا نافعًا، وولدًا صالحًا يدعو لك.
|