درس في العروض كن أول من يقيّم
كنت قد نشرت قصيدة لي بعنوان " وقت السفر " في ملف : أوقفوا الحرب على لبنان . كنت اعرف بأنها مكسورة الوزن ، لكنني لم أنجح في ضبط إيقاعها لوحدي ، مع هذا نشرتها في لحظة كنت شعرت فيها بأنها تعبر عن الموقف الذي أردت التعبير عنه بساعتها . وقد قام الأستاذ زهير مشكوراً بإبداء ملاحظاته عليها في رسالة خاصة ، وبين لي مواقع الخطأ في العروض ، وأحياناً في اللغة والإعراب ، وقمت بتصحيحها بناء على ملاحظاته وها أنا انشرها لكم اليوم سليمة معافاة من كل كسر أو تشويه ، أنشرها مع ملاحظات الأستاذ زهير ، رغبتي هي أن يستفيد بعض القراء من هواة الشعر والذين بعانون مثلي صعوبة في ضبط الوزن من هذه الملاحظات فلا بد لمن أراد أن يصبح شاعراً من تعلم أصول هذا الفن وأنا لا زلت أحاول :
سوف أعطيك فكرة عن العروض في قصيدتك هذه، فهي من مشطور الكامل، يعني أخذت شطرا من البحر الكامل، والتزمته، خاصة في أبياتك الأربعة الأولى، والبحر الكامل، هو (متفاعلن) ست مرات، ومجزوءه: أربعة تفعيلات، وهو ما التزمته أنا في (عقد تموز) والبحر الكامل من الأبحر السهلة، إذ ليس فيه من الجوازات إلا (الإضمار) وهو جواز تسكين الحرف الثاني من كل تفعيلة، أي التاء. ويمتاز هذا البحر بأنه يجوز فيه الترفيل، والترفيل زيادة (سبب خفيف) أو أقل أو أكثر إلى آخر البيت، والسبب الخفيف على وزن (قد).
وتعالي نزن القصيدة حسب ما سبق، ولكن سنميز الإضمار هكذا (مت فاعلن):
الوقت يمضي مسرعاً ، يِِخلي ، يخون
(الوقت يم) (مت فاعلن) (ضي مسرعا) (مت فاعلن) (يخلي يخو) مت فاعلن (والنون زيادة لا تؤثر على الوزن لأنها من الترفيل
وأنا اشتياقي ، مثل ريح الزيزفون
وأنا اشتيا (متفاعلن) قي مثل ري (مت فاعلن) ح الزيزفو (مت فاعلن) (والنون كما سبق)
الوقت يوغل في الدجى ، الدامي المتون
الوقت يو (مت فاعلن) غل في الدجى ال (متفاعلن) دامي المتو (مت فاعلن) (والنون ترفيل)
يغدو انتظاري ، طائراً ، ثمل العيون ...
يغدو انتظا (مت فاعلن) ري طائرا (مت فاعلن) ثمل العيو (متفاعلن) (والنون ترفيل)
ليلي نهاري ، بكل شارع أو طريق
ليلي نها (مت فاعلن) ري بكل شا (هنا الياء زيادة منك انكسر بسببها الوزن) (رع أو طري) (متفاعلن) (والقاف ترفيل) الغلط في هذه التفعيلة نحوي وهو أنه ضاع التنوين من العين، ولو كانت كلمة (شارع) ممنوعة من الصرف لما كان فيه خطأ، ولو قلت (ليلي نهاري في الطريق) تنتهي المشكلة.
أدور أبحث في الورى ، حتى أراك
إذا أضفنا (القاف) التي بقيت من البيت السابق، فإن هذا البيت ليس فيه أي خطأ، ولكن يقرأ كما يقرأ شعر التفعيلة، أما وزنه فهكذا (ق أدور أب) (متفاعلن) حث في الورى (متفاعلن) حتى أرا (مت فاعلن) (والكاف ترفيل)
أتلفت حولي ، كتائه أو غريق
هذا الشطر يا أستاذتي خرجت به عن البحر، وسبب ذلك أنك انقطعت أثناء تاليف القصيدة هنيهة، فدخلت روحك في بحر الخبب (أتلف) (فعلن) (فت حو) فعلن، ثم عدت إلى البحر بمجذاف هو (لي)
وصواب البيت ان تقولي (متلفتا في التيه حولي كالغريق) أو (متلفتا حولي بتيهي كالغريق) ولكن ذلك لن يقبل منك، ولن يقبل أبدا أن تقولي (متلفتا) وأنت امرأة !
والعين تشتاق ، وتأبى ما عداك .....
صواب هذا البيت ان تقولي (مشتاقة عيني وتأبى ما عداك)
فالعين حيرى ، لم تجد طيفاً ، بريق
هذا البيت ليس فيه خطا (فالعين حي) (مت فاعلن) رى لم تجد (مت فاعلن (طيفا بري) مت فاعلن (والقاف ترفيل)
والعين تأبى أن تجد دمعاً يراق
هذا البيت فيه خطا نحوي فقط، وهو أنك جزمت فعل المضارع (تجد) وهو منصوب بأن، ويمكن تجاوز ذلك في مثل هذه الحالة ان تستعملي فعلا تقدر فيه حركة النصب ولا تظهر مثل (ترى) فيصير (والعين تأ) (مت فاعلن) (بى أن ترى) (مت فاعلن) (دمعا يرا) مت فاعلن (والقاف ترفيل)
سدد خطاي ، أرشدني ، من أين المسير ?
سبب الخطأ في هذا البيت أنك أنشدته وأنت تكتبينه، فقلت (سدد خطاي) ثم وقفت ، ثم قلت (أرشدني) ثم وقفت، ثم قلت: (من أين المسير) والإنشاد غالبا ما يكون سببا لتقويض الوزن. والخطأ الأساسي في هذا البيت هو الياء في قولك (خطاي)، فبغض النظر عن المعنى نقول : (سدد خطا) (مت فاعلن) (أرشدني من) (مت فاعلن) (أين المسي) مت فاعلن (والراء ترفيل)
إرسم لعيني نورساً ، شبه الملاك
هذا البيت لا يوجد فيه أي مشكلة
فالوقت يسرق بهجتي ، حلم اللقاء
هذا البيت كسابقه مثل الضياء
والوقت يقتل فتنتي ، حلمي الصديق
وكذلك هذا البيت مثل النور
الوقت يشقيني ، بتكرار السنين
وكذالك هذا البيت مثل النسيم
ويعكر مائي ، ويمضي بي حزين
هذا البيت ينقصه سبب خفيف بعد الراء الأولى، وصوابه وزنا بغض النظر عن معناه (ويعكر المائي ويمضي بي حزين) فأي كلمة على وزن المائي يمكنك استخدامها، والوزن هنا ليس صرفيا، وإنما سمعيا، مثلا: الدنيا، الحلوى
أرتاح زمناً ، مقلقاً ، مثل العراك
الخطأ في هذا البيت تحريك ساكن الوتد، وتعرفين أن كل تفعيلة تنقسم إلى وتد وسبب أو وتد وسببين، ومتفاعلن وتدها (علن) والنون فيها تسمى (ساكن الوتد) لا يجوز أبدا أن تتحرك، ولا بأي شكل، وإذا تحركت سقط البيت على رأس ساكنيه، وساكن الوتد من التفعيلة الأولى في بيتك هو حرف الميم، ولذلك عليك أن تبحثي عن كلمة بدلا من زمن، يكون ثاني حروفها ساكنا، مثل (دهر) وبذلك يصبح البيت:
أرتاح ده (مت فاعلن) را مقلقا (مت فاعلن) مثل العرا (متفاعلن) والكاف ترفيل
والروح تنتفض كما النبض الدفين
والغلط في هذا البيت واحد أيضا، ولكن هذه المرة: وتد الأوتاد، ولا تخافي من هذه المصطلح فهو من مبتكراتي. لأنه وكما قلت لك أن (علن) هو الوتد في متفاعلن حسب كلام الخليل، و(مت) سبب و(فا) سبب أيضا، وقد بني العروض على أن الجواز يقع على الحرف الثاني من السبب، إما بتسكينه إذا كان متحركا، أو بحذفه إذا كان ساكنا، ولكن يستثنى من ذلك الألف في (متفاعلن) وسميت (وتد الأوتاد) لأنه لا يجوز توالي خمس حركات في الشعر، وإذا حذفت الألف هنا توالت خمس حركات هكذا (متفعلن) يعني بالعربي الفصيح على وزن (تَفِضُ كما) في بيتك.
ووزن البيت: (والروح تن) (مت فاعلن) (تفض كما ال) (متفعلن) (نبض الدفي) (مت فاعلن) (والنون ترفيل)
والصواب أن تبحثي عن فعل تعيدين به وتد الأوتاد، ويكون على وزن (تستولي) أو (تهديني) وبذلك تنحل المشكلة.
مثل صغار العش ، باللحم الرقيق
ليس في هذا البيت خطأ عند العروضيين، ولكن الشعراء يرفضون كل الرفض، وإليك التفصيل: (الألف الذي سميناها هناك وتد الأوتاد، هنا تفقد هذا الاسم، والسبب سكون الحرف الثاني وهي هنا (الثاء) وتحركه هناك (في القاف) والعروضيون يسمون هذا (طي الكامل) والطي: حذف الحرف الرابع، والذي هو (وتد الأوتاد) نفسه، ولكنهم يجيزون (طي الكامل) بشرط أن يسبق بالإضمار، الذي هو (تسكين الحرف الثاني) وأما حذف الحرف الثاني في الكامل فيسمونه (وقص)، بل إنهم يجيزون فيه (الخزل) وهو اجتماع (الطي والوقص) ولله في العروضيين شئون. وأعود فأقول: بناء على ما تقدم، فإن قولك (مثل صغار العش باللحم الرقيق) لو كانت القصيدة من بحر الرجز، لما كانت فيه أي مشكلة، لأن طي الرجز مثل شرب اللبن، وأنت تعرفين أن تفعيلة الرجز هي نفسها تفعيلة الكامل المضمرة، يعني (مت فاعلن) والخلاف بين الرجز والكامل هو فقط في الجوازات
ونعود إلى وزن البيت: (مثل صغا) (مت فعلن) =أي أصابه طي الكامل= (ر العش بال) (مت فاعلن) (لحم الرقي) (متفاعلن) (والقاف ترفيل) ويمكنك الخروج من (طي الكامل) هنا بأن تستعملي أي كلمة أولها أداة تعريف، مثل (الصغار) (الصغير)
مثل ثنايا القلب ، باللون العقيق
وهذا البيت أيضا مثل البيت الذي سبقه
أرتاح وقتاً ضيقاً ، وقت السفر
البيت مثل السكر، ليس فيه أي خطأ
لا أنت نحوي ناظري ، لا نفسي معك !
عجبت يا ضياء من هذه الخاتمة إنها جميلة جدا. ولكن الخطأ فيه من الاسترسال في الإنشاد، وهو هنا (لا) الثانية، فلو سقطت صح وزن البيت، ولكن ضاع الرد على (لا) الأولى: وأنا أقترح عليك هذه الصور:
لا أنت منتظري ولا نفسي معك
هل انت نحوي ناظري نفسي معك
والقصيدة ، بعد هذه الورشة من الإصلاحات ، أصبحت على الشكل التالي ، أرجو ان تنال إعجابكم هذه المرة :
وقت السفر
الوقت يمضي مسرعاً ، يخلي ، يخون
وأنا اشتياقي ، مثل ريح الزيزفون
الوقت يوغل في الدجى ، الدامي المتون
يغدو انتظاري ، طائراً ثمل العيون
ليلي نهاري ، في مسارات الطريق
هيمى أفتش في الورى ، حتى أراك
ملهوفة في التيه ، حيرى ، كالغريق
مشتاقة عيني ، وتأبى ما عداك
فالعين ثكلى ، لا ترى نجماً يضيء
والعين تأبى أن ترى دمعاً يراق
هبني خطاك ، الدرب ، ألهمني السبيل
إرسم لعيني نورساً شبه الملاك
فالوقت يقتل بهجتي ، حلم اللقاء
والوقت يسرق فتنتي ، حلمي الصديق
الوقت يشقيني بتكرار السنين
في لوعة الشكوى ، ويمضي بي حزين
أرتاح دهراً مقلقاً ، مثل العراك
والروح نبض كامن ، نبض الحنين
مثل الفراخ الزغب ، باللحم الرقيق
وكما ثنايا القلب ، باللون العقيق
أرتاح دهراً مقلقاً ، وقت السفر
لا أنت منتظري ولا ، نفسي معك
شكري وتقديري لأستاذنا الكبير وتحياتي للجميع .
|