البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 9  10  11  12  13 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رسالة قصيرة جدا جدا:    كن أول من يقيّم
 
سأكتفي بأن أقول: (أضم صوتي إلى صوت أستاذتي) ولا أريد أن أطول في تعليقي، لأنني أخشي أن يعثر أستاذنا عبد الرؤوف على شبهة فيه تدينني من جديد، لأنني كنت أتذكره البارحة وأنا أقرأ في الجريدة قصة اكتشاف جريمة، لم يكن الدليل فيها يخطر لا على البال ولا على الخاطر، فقلت في نفسي: يا للفاجعة، أليس يمكن أن يكون أستاذنا يتناول مواضيعي بنفس الطريقة، ماذا سوف تكون النتيجة (أبو زعبل فورا)
*زهير
27 - يوليو - 2006
مع حبى وتقديرى وشكرى وامتنانى0    كن أول من يقيّم
 
لو لم تكن ضياء موجودة ، ماكان النويهى موجودا 0
 
لو لم تقم ضياء( شادية آنذاك) بالرد على سؤال النويهى بملف الفلاسفة ، لما شعر به أحد 0 ولعاد إلى صومعته ،يقرأويكتب لنفسه ،ويتوه بين أروقة المحاكم وتلال القوانين والأبحاث القانونية0
 
لو لم يكن زهير محبا للنويهى ومقدرا له ، ما دام الكلام  بينهما واستمر الحديث 0
لو لم أكن مقدرا لمن أتحدث معهم ومبجلا لهم ، ما سألت عنهم وماسألوا عنى ، لكنه الإنسان الذى أمتلأ به وأسعى بقوة ألا يضيع منى وينهزم وما أكثر الهزائم ،لقد تكسرت النصال على النصال 0
 
أختى الكبيرة فى المقام والأستاذة والمعلمة والأديبة ،كنت شاهدا على دماثة الخلق ،وعلى سعة القلب ،وعلى الفرح الإنسانى ،وعلى اللؤلؤالمنثور  منك على الصفحات 0
 
أختى العزيزة  000لم أكتب فى القانون إلا بإحساس المسئولية وحاولت أن أقول رأيا وهومجرد رأى ،أن أخى زهير يتدخل فى الأحاديث التى تطرح للمناقشة ،ولكونى أعانى من مرض المهنة وتبعات المسئولية ،طرحت الرأى وقلت أنه يجب التفريق بين زهير الشاعر وزهير المسئول،فأنا أخذت ردوده على موضوع أحمد شوقى ،ومداخلته (أمرك غريب يا أستاذ)_بصفته المسئول وهذا إختصاصه_ وأنه بصراحة لايجد من طرح هذا الموضوع فائدة وأنه بالإستناد إلى ما أطرحه من تساؤل لن أترك مثقفا إلا وألصقت به الخيانة 0
بصراحة شديدة شعرت بأن الأمر قد مس عصبا ملتهبا ،وأن زهير غير راض عن هذا الملف ،وإلا ما صرح بهذا الكلام ،قلت لنفسى بيدى لابيدعمرو ،وقلت أرض الله واسعة 0
المعذرة _ياسيدتى _فلم أكن مؤهلا للصبر لظروف صحية ، تربكنى وتشدنى قهرا للضيق والزهق والضجر،وحتى عتاب زهير وجدته يؤلمنى وهو يصف كلامى بالأشواك 00
لكن سلوى الحرية 000تقول لى تسرنا عودتك ،فأشعر بالإمتنان ،وحفيظ يطلب السلام أولا 0000فأقول بعض التأنى وإلا ماكان هذا الطلب من حفيظ 0
 
أخى الشاعر المرهف والعبقرى زهير 000أتحدث معك كشاعر أعتز بصحبته ،وإذا كان كلامى يعجبك فأنا إنسان بسيط جدا ،لو جلست معى لأمتلئت فرحا وسرورا ،ولما شبعت من أحاديثى وقصصى ،ولكن مشكلتى الحقيقية هى آرائى التى لم تبق لى صديقا ،لأن ما أطرحه يثير التساؤلات ويلقى بظلال من الشكوك وتجعل الآخرين أعداءا ألداء،ومن ثم اقتصرت صداقتى على قلة قليلة جدا من الذين يتحملون آرائى الصادمة فى كل الأحايين0وكما تقول أختى ضياء (تمارين أدبية رياضية )0
 
أنا لم أتوقف عن الكتابة ولن أتوقف 000والكثير من رجالات عصرنا الحديث ورواد نهضتنا ،أكتب عنهم ،وليكن ما بيننا هو الحوار ،(رأىَ صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)0
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
27 - يوليو - 2006
عقد آب (بألحان النويهي)    كن أول من يقيّم
 
لـبنان  مشروع iiاغتيال ولـيـس مسألة iiاعتقال
وشـوارع  iiمـفـتوحة فـي وجه إرهابٍ iiحلال
لـبـنان عاصفة iiالأسى لـبـنـان ذاكرة iiالقتال
لـبـنان يا سفر iiالصمو د  ويـا أناجيل iiالنضال
يـا قلعة الأبطال في iiال تـاريخ  يا أحلى iiالجبال
يـا شـوكة في حلق أع داء الـطـفولة iiوالهلال
وغـنـاء  فيروز iiالمسا فـر  في حكايانا iiالطوال
وعـبـيـر تفاح iiالجنو ب ومنتدى كرز iiالشمال
وحـبـيبتي  بين النجو م  أميرتي بين iiالرجال
في موج موسيقى iiالشمو خ وموج موسيقى iiالدلال
الـفـيـلـسوفة  تغتلي بـالـدمع يفجع iiبالغوال
بـيـاعـة الكرز iiالرهي ف أمـيرة الأدب iiالزلال
كـانـت تـلف عقودها وأنـا  أشـد iiعلى الرحال
وتـعـج بـالعبق iiالملو ون بـالـحدائق iiواللآل
والـشـوق يخنقها iiطرا بـلـسا  بألحاني iiالثقال
فـعـوى الزمان وراءنا ونظرت في أعلى التلال
لأرى الـذئاب مع iiالكلا ب مع الجمال مع iiالبغال
يـتـوجـهون  iiلدهسنا فـي  مشهد مثل iiالخيال
وتـلـفـتت  iiوتقطعت كـل العقود على الرمال
كـل  الـهدايا iiأصبحت مـرمـية  تحت iiالنعال
أحـلـى سجاديدي iiوأغ لى ما جمعت من السلال
كـسـقوط أطفال iiالجنو ب  أمام جيش iiالاحتلال
هـي مـن قريب iiكالنعا ج ومـن بـعيد iiكالنمال
مـنـشـورة  iiأزهارها مثل الغسيل على iiالحبال
بـيـن الـيهود iiالنازلي ن  من الخرافة iiوالمحال
مـن قـبر أم iiالمشتري بـكتاب  جد أبي iiرغال
جـبران  لو شاهدت iiما فـعلوا على جلد iiالغزال
لـبـكـيت  أقمارا iiوأم طـرت الكواكب iiبالنبال
أقـسى جواب في iiالحيا ة  يكون في أقسى iiسؤال
الله يـا لـبـنـان iiيـا وطـني  المهيؤ iiللزوال
أصبحت  عاصمة iiالرما د وكنت عاصمة iiالجمال
*زهير
27 - يوليو - 2006
سعيد الإنسان    كن أول من يقيّم
 
 
كنت ذات يوم برفقة والدتي في منطقة ساحة النجمة نتسوق هناك . كانت أمي قد عادت من أميركا ، في أثناء عطلة الصيف ،  بعد غياب عشر سنوات . كنت أنا هنالك أيضاً في نفس الفترة ، أي في طرابلس ، لقضاء العطلة وتحين اللقاء .
وصادف أن دخلنا محلاً لبيع الأجهزة الإلكترونية والكهربائية لأن أمي كانت قد قررت تغيير هوائي التلفزيون في البيت ........
صاحب المكان كان شاباً ملتحياً وعلى عينيه نظارات طبية تخفي أكثر وجهه . عند دخولنا ، كان وصديق له ، يتحادثان حول " بضاعة " يزمع شراءها منه ويتناقشان في التفاصيل ، فلم ينتبه إلينا ........ صرنا ، أنا وأمي ، نتشاغل بالنظر إلى البضائع المعروضة في ذلك الدكان الصغير ريثما ينتهي من حديثه ، ويتفرغ لنا .
فجأة ، نراه يتوقف عن الكلام لينظر إلينا بتعجب وهو يهتف :
ـ خالتي " أم علي ? " ( وهو اسم والدتي ) ، أنت " أم علي ! " .....
نظرت إليه أمي باستغراب ، ثم نظرت إلي كأنها تسألني إذا كنت قد تعرفت إليه أم لا ? ، لكن ما ظهر على وجهي كان يقول بأنني لم أعرفه . ثم
لأسمع والدتي تسأله ببساطتها المعهودة :
ـ " مين حضرتك يا خواجة ? " . وهي تقول عادة " يا خواجة " لكل رجل تجاوز العشرين من العمر بغض النظر عن طوله أو عرضه أو مركزه الاجتماعي . فلكزتها لكي تصحح ، فتابعت :
ـ  " مين حضرتك بلا زغرة " .
ـ  " أنا سعيد ، أفلا تذكريني ? أنا سعيد ابن أبو سعيد رفيق علي ، كنا جيرانكم بالبعل ( بعل الدقور ، من حارات منطقة التبانة ) ...... " أضاف بحماس بالغ .
ـ  " ياه ، لا تواخذني ، تغيرت كثيراً منذ تلك الأيام ( كان عمره بوقتها ربما سبع أو ثمان سنوات ) . كيف أهللك ، انشالله مناح ، لكن كيف عرفتنا يا خواجة سعيد ? "
ولما لكزتها مرة أخرى صار يضحك ، وهو يقول : " ضياء ، أنت ضياء !" ، ثم أضاف :
ـ " ومن ينساك يا أم علي ? لو عشت عمري كله فلن أنساك لأنك صاحبة فضل علي لن أنساه أبداً ! "
عادت لتنظر إلي باستغراب ، لتسألني بعينيها إذا كنت قد فهمت شيئاً من حديثه . لكن لا شيء ! ثم لتقول :
ـ " والله لم أعد أتذكر ، فماذا فعلت ? خير انشالله ? "
  صار يتكلم ، بكل لهفة كان يتكلم ويقول :
ـ " كنا صغاراً ، وكان علي قد أنزل عجلته من البيت إلى الحارة ، فصرنا نلعب بها ، أنا وهو ومحمود ابن الأسمر إذا كنت تذكرينه . بيومها دهسته السيارة وأخذتوه إلى المستشفى ، فجبروا له رجله لأنها كانت مكسورة ثم أعدتموه في نفس اليوم إلى البيت . كنت أنا ومحمود في بالغ القلق والخوف ولم نكن نعرف ماذا جرى له ، فأتينا لعندكم ، وطرقنا على الباب ، وكنا بمنتهى الخجل والخوف من ردة الفعل ، لنسأل عن علي ونتفقده . لكنك أدخلتينا بيومها إلى غرفته ، ووضعت لنا كرسيين بقرب السرير لنجلس عليهما ، ثم أحضرت لنا كوبين من العصير البارد على صينية كما نفعل مع الضيوف الكبار تماماً . "
أمي تقول باستغراب شديد :
ـ " والله معقول ، لا أذكر ، وبعدين ? " .
ـ " هذا كل شيء ! هذا هو المعروف " ، يقول وهو يضحك وهي تتفرس في وجهه بكل تعجب ، فيضيف :
ـ " المعروف يا أم علي هو أنك احترمتينا ! لن تصدقيني ربما لو قلت لك ذلك وأفهم بأنك ستستغربين ، لكنها المرة الأولى في حياتي التي شعرت فيها بأنني أنسان وبأنني أستحق الإحترام مثلي كباقي البشر . كان أهلنا وكل المحيط الذي كنا نعيش فيه يتعاملون معنا بطريقة مختلفة ، لم أكن أشعر بأنني إنسان ، كنت أظن بأن الإحترام  للكبار فقط ، أي لفئة أخرى لا أنتمي إليها ، والمرة الأولى التي شعرت فيها بإنسانيتي هي في ذلك اليوم الذي قدمت فيه إلينا كوب العصير على صينية ، وقلت لي تفضل . هذا فضل كبير يا أم علي ، فضل كبير غير لي حياتي ، فضل كبير لن انساه لك ما حييت " .
 
*ضياء
2 - أغسطس - 2006
دعد    كن أول من يقيّم
 
 
كنت في صغري ، شديدة النحافة ، وكان أبي يقول تعليقاً على هذا بأن : " ضياء تأكل ، والكلاب تسمن ! " . ثم صار يتهم والدتي بأنها لا تهتم بتغذيتي ، فصارت تجبرني في كل صباح ، على لفة زبدة ومربى ، أو جبنة قشقوان ، أو حلاوة طحينية ، آخذها معي في محفظتي إلى المدرسة ، بدلاً من لفة الزيت والزعتر التي كنت أصر عليها يومياً حتى ذلك الحين . 
أسعدني أنها صارت تهتم بي بشكل خاص ، فلم أحتج . لكن شهيتي ظلت مفتوحة للزعتر فقط ودون غيره ، فلجأت إلى حيلة بسيطة ، وهي أن أبدل لفتي بلفة إحدى صديقاتي في المدرسة ممن أحضرت معها زعتراً . في البداية ، كان الأمر سهلاً ، ثم صرت ألاقي صعوبة بعض الأحيان ، وبدأت بعضهن تتدللن وتطالبن بأكثر من السندويشة ، كأن تسألني مثلاً : " أليس معك علكة ? أو حبة شوكولا ? " كنوع من الإبتزاز ، حتى اهتديت إلى بنت عاقلة جداً ، كانت تجلس دائماً في آخر الصف لأنها كانت أكبر سناً منا بقليل ، ولم يكن لديها صديقات ، ولا تحضر معها إلا الزعتر، وكانت مستعدة لمقايضته بكل سرور .
كان اسمها " دعد " ، وكانت في الصف حاضرة ـ غائبة لا يسمع لها حس ولا حسيس ، ولولا الزعتر وأشواقه لما كنت عرفت عنها شيئاً أبداً . لكن هذا التبادل ـ المصلحي ـ بيننا صار يجمعنا ، فصرنا نجلس معاً على حافة شباك أحد الصفوف ، عند الفرصة ، لنأكل ترويقتنا ........ وكانت فترة الفرصة الصباحية صاخبة إلى حد كبير لأن مدرستنا كانت مختلطة ، إنما ليس داخل الصفوف ، بل خارجها فقط . وعندما كان الصبيان يخرجون من " معاقلهم " ويبدأون بالتدافع والصراخ ، كان الملعب يتحول إلى ساحة حرب جهنمية لألعابهم الشرسة والعنيفة ، وكان احتمال تلقي الدفعات واللكمات الطائشة وارد في كل حين ، حتى وجدنا ذلك الشباك المحايد ، فجعلناه ملجأنا ومطعمنا .........
وفي تلك الجلسات ، وسط ذلك الضجيج العارم ، اكتشفت موهبة " دعد " الغنائية ، واكتشفت معها حبي لفيروز . ففي البيت ، كان لدى أبي " بيك ـ أب " صغير يضع فيه اسطوانات لأم كلثوم ، وفريد الأطرش وناظم الغزالي . من فيروز ، لم يكن لدينا سوى " زهرة المدائن " ....... وفي الراديو ، كانت الموضة الرائجة بوقتها هي : فهد بلان ، وسميرة توفيق وصباح .....
كان لدعد صوتٌ ساحرٌ ، صوتُ ملاك ! وكانت تحفظ فيروز عن ظهر قلب ، وكانت ترتلها كالصلاة في كل يوم ونحن جالستين على حافة ذلك الشباك ، ومن حولنا شياطين تقفز وتتناطح كأنها خرجت للتو من علبة الباندور ......... لم أكن أسمع في تلك المعمعة سوى صوتها الدافىء ينقلني إلى عالم مجنح ، لا لغو فيه ولا عراك :
 "هيهات يا بو الزلف "، كان يكفي أن تقول ، لنتدحرج على درب الضيعة ، ولأمشي معها على درب العين المسيج بالورد وتوت العليق ، وشجرات الزيتون تصطف من حولنا ونكاد نسمع خرير ذلك الحنين ......
 "يا قمر أنا وياك " ، فيهبط علينا الليل ويخفينا عن العيون ، تتراقص بنا الألوان والألحان وأراها تخرج من بين عواميد القلعة ، كالملاك يخرج من الكهف المسحور ، يرتعش الصوت بداخلي كشمعة قرب شباك مفتوح ، وأشم فيه عبق زهر الليمون ..........
كانت " دعد " تفتح فمها لترسل منه أحلاماً سكنت مخيلتي واستقرت فيها إلى الأبد . تفتح فمها ، ليزغرد العرس ، وتصهل خيول عليها فرسان ودروع من فضة . يأتي فجأة تشرين بقوافل ، وتجار حرير ، وينزل " فخر الدين " إلى الوادي ليسلم على العسكر : تتقدم منه صبية فتهدي إليه " سيف التواضع " .
امتداد الصوت ، كان يحفر في جدران ذاكرتي حكايات " كرم اللولو " ، وقصة  " الإسوارة " ، و" راجح الكذبة " ، وحبقة الجيران العطشانة .
جميلة ، جميلة ، تلك الأرض ، وتلك السهول ، وعميقة بئر الأسرار وتلك البنت الفزعة ، كقطة المساء .
ولما يكون البحر دافئاً ، كانت حورية الشاطىء تخرج من بين الأمواج ، لتحرس مراكب الصيادين ، ويخرج القمر ليتفرج على الحورية وهي تسرح شعرها ، فيتساقط منه الصدف ، ويخشخش على حصى الشاطىء :
يا مارية ، يا مسوسحة القبطان والبحرية ، يا طالعة من البحر
غني يا "دعد " غني ، حتى مطلع الفجر .
 
*ضياء
8 - أغسطس - 2006
ليت للبـراق عينا..    كن أول من يقيّم
 
* قرأت دعد ، واستمعت بجمالية الحكي و السرد..ورجعت بنا الذاكرة إلى تلك
الأيام الخوالي التي خلدت في الخاطر..أيام  واشرح لها..وأول همسة....الخ .
*شخصيا أول صورة انطبعت في ذاكرتي -وأنا دون العاشرة في قريتي الأمازيغية -
هي لأسمهان ، هي نفسها كما وصفتها البنت التي تبلبلت ، بتسريحة شعرها وتلك
الشامة على خدها ، كانت هناك قرب كوة ذلك البيت الذي يشبه إلى حد بعيد تلك
البيوتات في مسلسل التغريبة الفلسطينية ، كانت صورتها قرب مرآة ، تعلوهما فضلات
الذباب..كنت أقف أمام المرآة -بعد أن أنزع ملابسي - لأرى آثارتلك الوجبات الساخنة
من الضرب المبرح على مختلف أنحاء جسمي..في الحقيقة لم تكن زوجة أبي في حاجة
لأي سبب لكي تمن علي بتلك الوجبات الدسمة شبه اليومية..
هددتها يوما بأن أشكوها لأبي فكادت أن تزهق روحي..
نعم كانت أسمهان شاهدة على هذا الماضي ، على هذا المنكر....ومن يدري فلربما كانت
تغني : ليت للبراق عينا لترى ما ألاقي...
*abdelhafid
9 - أغسطس - 2006
بائع الغزلة    كن أول من يقيّم
 
هذه القصيدة أنشرها هنا كما وعدت صديقي أحمد الشقفة، ولكن لابد من مقدمة موجزة عن أيامي في بيع (غزل البنات) هذه الحلوى الشامية الشهيرة، وسأقف قليلا عند الصورة التي لا تزال محفورة في مخيلتي منذ أربعين عاما، فقد كنت تقريبا في العاشرة أو دون ذلك بقليل يوم كنت أستيقظ قبل صلاة الصبح لأذهب إلى مصنع الغزلة مقابل (جامع أبي النور) وكان مصنعا صغيرا جدا، بحيث لا يتسع إلا لمعجن الغزلة ودولابه الذي يحيط به غالبا ثلاثة ممن يقومون ببرم العجنة وشدها ومطها فيما بينهم والعرق يتصبب منهم، لكثرة ما يبذلونه من جهد في تحويل قطعة العجين إلى شعيرات ناعمة تطير في الهواء لأدنى نسمة تهب عليها، وكانت مشكلة بياع الغزلة هي مسابقة الشمس، فإذا اشتد الهاجرة ذاب ذلك الشعر المكبكب، وفقد بريقه، وصار من الصعب إقناع الطفل بشرائه، مما يضطر الطفل البائع إلى أن يبيع ربما الثلاثة بسعر الواحدة، وهكذا كنت أبيع الغزلة مناديا (غزل البنات، سكر نبات) وغالبا ما كنت أتوجه للبيع في شوارع حي المهاجرين وساحة النجمة، ولما دعيت عام (1977م) لإلقاء قصيدة في السفارة السعودية، بدعوة من سفيرها الذي أذكر حتى الآن اسمه الأول (عبد المحسن) ربما عرفني ناطور البناية أنني أنا هو بائع الغزلة الذي كان يبيع الغزلة في الشارع ذاته قبل سبع سنوات، وقد أكون واهما، ولكن هكذا بدت نظراته وهو يحملق بي على باب السفارة:
وبـائـع  غزلة غُزلت iiوشُدّت ومُـدّت فـي مـفـارقة iiالحياة
يـقـوم إلـى شقاء الدهر iiليلا ومـا  قـام الـتقاة إلى iiالصلاة
ويـمـشـي فـي أزقته iiينادي عـلى  الصبيان تلعب iiوالبنات
يخاف الشمس تفلت من ضحاها ويـنـظـر  سيفها نظر الغزاة
إذا طـلعت عليه الشمس iiذابت وصـارت  كالدحاحل iiوالكرات
يـبـيـع  بـسعر واحدة iiثلاثا وقـد  فـجعت بسكّرها iiالنباتي
أتـنـسـاني بنات دمشق طفلا فـيـامـا بـعتها غزل iiالبنات
*زهير
10 - أغسطس - 2006
لهذا شعرك ياسيد زهير احلى من الحلوى    كن أول من يقيّم
 
قصة كفاح رائعة ومؤثرة في الوجدان يا استاذنا , اعتدت ان تبيع حلوى غزل البنات
واليوم تهدينا شعر الذ من الحلوى .. تحية تقدير واحترام لمسيرة حياتك  المفعمة بالصبر
والجهد وحب الحياة ...ارتقيت وعلوت بنظرنا اكثر فأكثر  ..
*yamama
10 - أغسطس - 2006
أحلام الفتيات في الزمن المتحول    كن أول من يقيّم
 
حكاية  * في شهقة الفجر تكونت * فصولها في الفرقدين تعممت * أنشودة هوىوحلم *بين الضلوع تربعت *قمرية الحسن، خفراء * لواحظٌ، لسحرهاالفتيان ركعت * و من جدائلها حُيكت، أوسام * على صدور الفرسان تربعت * بسمة الشمس ، حوريةالبراري * كالنور بسمتها تلألأت****
 
لبلابة الدار، زهرة "التموز" * حيرى تنهدت، و نادت * أمــاه *  أين عطور الغار و البخور * و أكواز الصنوبر تبخرت *? و إكليل الفرح المجدول * ألوان أزهاره *
أين تبعثرت *? و الكوثر الرقراق يبكي * دموعاً بالأحمر تلفحت * أمــاه...
أتنشد البلابل نشوة ليلتي * أم هي لتغريدها نُحرت *? أمــاه * سوسنة البيدر لما * في تموز الإسلام وئدت *?
 
لعوبة الكون * فراشة * على بساط السندس لعبت * و إتكأت * و كإكليل الفرح المجدول * ألــوان ورودها * تبعثرت *****
salwa
11 - أغسطس - 2006
بائع الصبار (من نوادر شعر زهير)    كن أول من يقيّم
 

هذه القصيدة لم أنشرها كاملة، لأن النتيجة ستكون أن زهير لن ينشر إلا ما يحلو له، ولذلك هو يخشى أن أكون في سراة الوراق، وميسون المذكورة في القصيدة صديقة زهير في بيع الصبارة وليس في الشيطنة والشطارة:

ميسون  يا وجعي ودمعي iiالجاري مـازلـت أكـتم جرحه iiوأداري
أنـا  بـائع الصبار في iiسحارتي قـمـر  الحواكير الشريد iiالعاري
كـسّـرتـه  لـما كبرت قصائدا وأكـلـت  مـنه خلاصة iiالأقدار
مـا  أطـول الـمـشوار إلا iiأنه طـعـم الشقاء الحلو في iiأشعاري
مـازلت  حتى اليوم أذكر iiرحلتي فـي  الـبـيد بين مزارع iiوقفار
وعـيـون  ناطور تفيض iiوداعة وعواء  كلب حين أخطئ iiضاري
والـشـوك  في كفي سواد iiقبورها مـثـل القباب السود في iiالصبار
فـي الـمزة العذراء كم من iiدمية ركـض  الجمال بها أمام iiغباري
وأنـا  عـلى كتفي ثياب طفولتي واهـي الإزار مـقـطع iiالأزرار
مـيسون: ما زالت خدودك iiقِبلتي فـي  قُبلتي، وعلى يديك iiسواري
إنـي لـمـشـتاق لأنسل iiشوكها يـومـا  بـكل سعادتي iiووقاري
لـم ألـق أطـيب لذة من iiريحها عـبق  الزمان ومصحف الأسمار
قالوا: حرمت دمشق، قلت حرمتها وحـرمت  ضحكة غادةiiالنوّار
لا  تـقـبلي ميسون أنت iiأميرتي أنـي  أبـاع بـأبـخس iiالأسعار
لا  تـقـبـلي ميسون تلك iiإهانة لـدمـشق  فهي حقيقتي وشعاري
ومـن اسـتـهان بكل باب راعه رد  الـجـواب عـليه من ثرثار
أنـا  كنتُ في بلدي أميرة iiحسنها فـرأيـتُ غـيداً أطفأت iiأقماري
فـإذا  كَـبُرتَ فلا تُروعْكَ iiالمُنى فـعسى  تكون كَبُرْتَ بين iiصغار

أحمد
12 - أغسطس - 2006
 9  10  11  12  13