البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مسجد الأحزان    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
هذه هي المشاركة الأولى التي أحببت أن تكون فاتحة مشاركاتي في هذا الملف الساخن الذي افتتحته أستاذتي ضياء خانم حفظها الله، وأرجو أن تكون مشاركة مقبولة...
في الجهة الشرقية من قصر ابن فضل الله العمري الذي نشرت صورته في زاوية (عمارة) في ركن (صور من مدينتك) يوجد مسجد صغير اسمه (مسجد حمو ليلى) وفي هذا المسجد الذي يبعد عن بيتنا زهاء أربعين مترا، قضيت معظم طفولتي، يرافقني أصدقاء الصبا، الذين قاسمتهم براءة الطفولة وأحلام الشباب. وأول ما أقوم به عند زيارتي دمشق أنني أتجه إلى هذا المسجد، وأتذكر ماضينا في أركانه، وأتلمس ظلالهم الباقية في أرجائه. وإذا خرجت من المسجد فحيثما تلفت رأيت بيوتات أولئك الأصدقاء تحيط بخناقي إحاطة السوار بالمعصم.
ولا أريد هنا أن أثير أحزان ذويهم بما أكتبه اليوم من ذكريات دامية، تعتصر لها القلوب. عندما أكتب عن أصدقائي الذين اخترمتهم الفتن في ريعان شبابهم. وكنا زهاء خمسين فتى، تتوزعنا التيارت الإسلامية المشهورة آنذاك. ولكن جوهر الأحداث كان خطيب ذلك المسجد، الذي لم يكن خطيبا عاديا، بل كان يجد في نفسه وصيا على الخلافة الإسلامية، وراعيا أوحد لهموم الإسلام في العالم كله، وكان على سمت الحسن البصري، في علم الإمام الشافعي، في فصاحة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وكنت أكتب خطبه التي يرتجلها على المنبر كما أكتب الحديث النبوي، وأجهد في حفظها، وأستشهد بالكثير من فقراتها في خطبي. وكان مزيجا من التواضع والاعتزاز، والقوام الشامخ والهامة المرفوعة، والعينين النفاذتين الناظرتين دائما إلى الأفق البعيد، وكأنهما عينا صقر، يهم بالطيران. وهو المرحوم الشيخ أحمد أكبازلي شقيق زوجة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وشقيق زوجة والده الثانية أيضا: (ملا رمضان رحمه الله)... وكان معظم أولئك الأصدقاء يحضرون دروسا منتظمة عند ملا عبد العزيز رحمه الله، وذلك أثناء إقامتي في بيته. وكان الفرق بين ملا عبد العزيز وبين الشيخ أكبازلي أن ملا عبد العزيز لم تفلح معه كل محاولات الإخوان أن ينتزعوا منه فتوى بتكفير النظام، واستباحة دماء العاملين معه، بينما كان الشيخ أكبازلي أول من أفتى بذلك من المشايخ الذين أعرفهم.
في آخر مرة زرت فيها ذلك المسجد، وقعت عيني لما خرجت منه على رجل يرمقني من بعيد، فدققت النظر فيه لآراه  (...) وهو الشقيق الأكبر لصديقين من أصدقائي، قتل أحدهما في مواجهة مع قوات الأمن، ونشرت صورته ملطخا بدمائه في الجريدة الرسمية في اليوم التالي تحت عنوان (رئيس التنظيم السري المسلح يلقى مصرعه) ثم لم تمض أيام على ذلك النبأ حتى قام أخوه (...) بتفجير نفسه أثناء مطاردته. وكان لهما أخ آخر مات متأثرا بالكوكائين الذي ابتلي بالإدمان عليه بعد مصرع شقيقيه. ولم يبق من الأسرة سوى هذا الذي يرمقني من بعيد، وهو يتذكر في وجهي إخوته الذين ضاع شبابهم في أخطاء كبار الأمة والأئمة. وقد سلم هذا المحظوظ لسبب بسيط جدا، وذلك أنه كان قد تجاوز السن القانوني عندما انتشرت تلك المفاهيم المختلطة، ولم يكن في وسع أحد أن يزحزحه عن متعة الحياة التي يعيشها حرا طليقا، سيما بعدما تمكن من الاستقلال في العمل بإنشاء مقمرة يديرها مع جماعة من أصدقائه في قوى الأمن، فيا لسخرية الأقدار.
ولا أنسى أن أذكر في مناقبه أنه في كل عام  يعقد احتفالا  بمناسبة المولد النبوي الشريف على روح شقيقيه (...) وهكذا أينما اتجهت في الحي الذي يقعد قبالة ذلك المسجد لا بد أن أرى في كل ناحية ما يذكرني بواحد من أصدقائي الضائعين، هم وقبورهم وجثثهم وتاريخهم وأحزاني. ومن الصعب جدا أن أرسم هنا انطباعاتي عندما تقع عيني على القلائل الذي تبقوا بسبب أنهم تقدموا إلى سلطات الأمن بإعلان انسحابهم من حركة الإخوان.
أستاذتي ضياء خانم: هذه هي الصفحة الأكثر مأساوية في كل حياتي، فهل تذكرين صورتي في المسجد الأموي أمام الرئيس حافظ الأسد، بعدما انتهيت من إلقاء القصيدة فاجأت الشيخ والرئيس بأنني قلت للرئيس: عندي طلب شخصي يا سيادة الرئيس، فقال: طلبك مجاب يا زهير فما هو? فقلت: صديق لي اعتقل منذ ثمانية أشهر بدعوى أنه من الإخوان، وهو ليس من الإخوان، وهذا أخوه جالس أمامك =وأشرت إلى أخيه= فقال لي: غدا قبل الساعة العاشرة يكون في بيته إذا لم يكن من الإخوان.... وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي طرق باب بيتنا، وإذا بموفد شخصي من سيادة الرئيس جاء إلي ليبلغني بكل الأسى والحزن بأن صديقي من الإخوان، وأنني مخدوع به، فقد اعترف بكل أعماله التخريبة، وفي تلك اللحظات كنت أتذكر دموع أمه لما طلبت مني أن ألتمس من الرئيس إطلاق سراح ابنها الذي ما زال حتى كتابة هذه السطور معتقلا حسب آخر التقارير، وقد مضى على اعتقاله ست وعشرون سنة بالكمال والتمام.
 
*زهير
11 - يونيو - 2006
حكاية الخروف والذئب    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 

 

 أِشكر الأستاذ زهير على مساهمته الأولى في هذا الملف ، وقد قدم بهذا نموذجاً لما يمكن كتابته من صفحات التاريخ . هي صفحة ربما تتكرر مثيلات لها كثيرات على مسامعنا هنا لأنها ـ للأسف ـ تعكس حالة شبه معممة على أرجاء وطننا العربي من محيطه إلى الخليج . وبغض النظر عن أسباب الإغتيال أو الإعتقال ، وبغض النظر عن هوية الجلاد أو الضحية ، لأن الضحية نفسها يمكن أن تتحول إلى جلاد أحياناً ، بل غالباً ، والعكس صحيح . الصراع على السلطة هو مجرد تبادل للأدوار ودون أن يغير ذلك من طبيعة العلاقة القائمة كثيراً أو قليلاً . هي علاقة التسلط والإستبداد القائمة على بنية إجتماعية قوامها الجهل ، وبنية إقتصادية سمتها الأساسية الظلم وعدم التكافؤ ، هي علاقة القوي بالضعيف ودون إية روادع دينية أو أخلاقية رغم كل الشعارات البراقة .

  ما أريد تقديمه اليوم ، هو نموذج آخر لما يمكننا كتابته في هذا الملف ، لأن الظلم الأول الذي يقع ـ برأيي ـ يأتي من النفس . ويمكن لهذه النماذج بأن تتعدد بتعدد الكتابات ودون أن نخرج عن المضمون المحدد لها . أرجو أن ينال إعجابكم وان يساهم بشيء من الإضاءة في تحليلنا للتاريخ من وجهة نظر مغايرة .

 
حكاية الخروف والذئب
 
 كان ذلك في شتاء العام 1968 على الأرجح ، وكنت قد استيقظت مبكرة في صبيحة ذلك النهار البارد رغم أننا كنا في عطلة مدرسية ، فذلك اليوم كان يفترض له أن يكون اليوم الأخير من رمضان . كانت الإستعدادات جارية في المطبخ على قدم وساق لتحضير معمول العيد والأقراص بالحليب التي لم تكن تصنع إلا لهذه هذه المناسبة ، فكنت أسمع أصوات دق الهاون مختلطة ببكاء أخي الصغير الذي التهت عنه أمي بسبب إنشغالها بالعيد .........
 
 تسللت من سريري متضجرة من تلك القرقعة ، ومن عبق ذلك الجو الذي كان مشحوناً بالروائح النفاذة ، رائحة السميد والسمن والبهارات القوية ...... تجاوزت باب المطبخ الذي لم يستهويني الدخول إليه وانا أعلم سلفاً بأن أمي مشغولة ، ولن تلتفت إلي إطلاقاً . مشيت في الممر حتى غرفة أخي الكبير التي تقع في آخره ، وكان بوقتها في الثالثة أو الرابعة عشرة من عمره . وجدت الباب مردوداً فوقفت فيه :
 
 كان هو وأختي الكبيرة ( التي تصغره بسنتين ) في جدال كبير:  يحاول أن يقنعها بصحة ما يقرأه في مجلة سوبرمان وبأنها ( إي فكرة سوبرمان ) تعتمد على نظرية علمية ثابتة تقول بأنه إذا انطلقنا بسرعة تتجاوز سرعة الضوء فسيكون بإمكاننا الإنتقال عبر الزمن .......... عبثاً كان يشرح لها ويفند في آرائه مستخدماً كل وسائل الإقناع التي كان يعرفها ، لأنها وفي الوقت الذي كان يعلو فيه صوته ، وتتحرك يداه بالإشارات الدالة على اتجاه الصاروخ ، كانت هي تهز برأسها وتبتسم له بتهكم مؤكدة بأن كل هذا : " تجليط  بتجليط " 
 
 أتعبني حديثهم الذي لم أفهم منه بوقتها شيئاً فتركتهم وقلت في نفسي أذهب لأرتاح قليلاً في فراش أبي وأمي ، هذا ما كنا نفعله غالباً أيام الأعطال ، وكلما وجدنا المكان شاغراً إندسسنا فيه وهو لا يزال يعبق بدفئهما . وجدت أختي ندى التي تصغرني بسنتين قد سبقتني إلى هناك . تسللت بقربها تحت اللحاف وصرنا نتحادث حول أخبار العيد :
 
 ـ هذا المساء سوف يثبتونه ، أكدت لي بكل تفاؤل ، هذا المساء سوف يضربون مدافع العيد . 
 
 ندى كانت وديعة وهادئة الطباع ومسالمة في لعبها وحركاتها ، وكانت موفورة الصحة والجمال ، وكان أبي يحبها كثيراً لشكلها الوديع ويشبهها بالمسيح (عليه السلام ) . وأذكر أنه وجد ذات مرة فى أحد استوديوهات التصوير لدى مصور أرمني ، صورة للطفل يسوع المسيح مستلقياً على جلد خروف ، فأعجب بها واشتراها منه ثم علقها فوق باب البيت . ولما كان هناك من الناس من كان يستغرب وجود هذه الصورة في بيتنا ، ويسأل عن سبب وجودها ، فإن أبي كان يجيب :
 
ـ اشتريتها لأنه يشبه " بنتي ندى" !
 
 هكذا ببساطة ودون تعقيد . بينما كانت جدتي تحاول بأن تعطي لمن يسألها عن الموضوع طابعاً إيديولوجياً عن ضرورة التعايش الإسلامي _ المسيحي .
 
 كنا نحن الأولاد ، في ذلك الزمان ، لا نزال نعيش في عالم خيالي يغلفه الحلم بمعطفه الوديع فيعزلنا عن فجاجة الواقع المحيط ، ويترك لنا الحرية لنتخيل ونحلم ونكبر رويداً وريداً بعيداً عن الأزمات وصدمات الواقع المخيب . وفي كل مرة كان الواقع يأتي فيها ليقتحم عالمنا ويغير عليه ، كنا نتألم ونشعر بالإحباط ، لكن هذا الألم كان ضرورياً ، وكان مؤسساً ، لأنه كان يجبرنا على التخلي عن أوهامنا ويجبرنا على أن نكبر رويداً رويداً مع الحقيقة المؤلمة ، ومع كل صدمة ، كنا نروض القلب ، ونوسع جنباته لتعوديه على تلقي واحتضان أوجاع أخرى سوف تتوالى عليه إضطراداً . وكثيراً ما كنا نساهم نحن بعيوبنا وأخطائنا وبنزعة الحسد والغيرة التي هي من طبيعة البشر فينا في الإستعجال بمهمة الزمان ، وربما جعل هذا العالم المحيط أسوأ حالاً مما هو عليه .
 
 وأعود لأختي الوادعة التي كانت تحلم لا تزال في دفء الفراش الوثير :
 
 ـ ندى ، ماذا تتمنين لو يشتري لك أبوك على العيد هذه السنة ? سألتها .
 
 كنت أتوقع بأن تقول لي لعبة مثلاً ، وهو ما يشتريه لنا عادة ، فأفقد أنا لعبتي ، أو أنتزع لها رأسها أو رجلها بعد فترة قليلة من الزمن ، بينما تبقى لعبتها هي جديدة لمدة طويلة ، قبل أن نعود لنسطو عليها . لكنها بوقتها فاجأتني بالقول :
 
 ـ أتمنى لو يشتري خروفاً صغيراً حديث الولادة ... سأربيه وأدللُه ويكون لي وحدي لألعب معه وليس كمثل الخراف التي يذبحونها على العيد الكبير ... سآخذه لنتفسح في الجبل ونلعب على الحشائش وأعمل له رضاعة من الحليب ........ كانت تحلم ...
 
 ـ وأنت ، ماذا تحبين لو يشتري لك أبوك ? سألتني .
 
 ووجدت نفسي أقول ، وأنا أتخيلها تتفسح مع خروفها بين الحشائش والغيرة تملأ قلبي :
 
 ـ أنا ، أريده أن يشتري لي ذئباً ! أجبت .
 
 ـ لماذا ? قالتها شبه مصعوقة .
 
 ـ ليأكل لك خروفك ! قلت ذلك بتصميم ، ودون أدنى شفقة .
 
 وعندما علا بكاؤها ، وجاءت أمي لتستطلع ما الخبر ، وجدتني أشعر بإرتياح كبير بعدما أكل الذئب الخروف وأراحني منه . 
 
*ضياء
11 - يونيو - 2006
وسوف تصلك التبرعات 00000    كن أول من يقيّم
 

    

   

أحاديث ضياء 00000ملايين الملايين من التهنئة والتحايا والتقدير 0

أم اليواقيت  000لا أملك إلا الكلام بعد التأكيد مرارا وتكرارا على شهر الإفلاس ،ليس فقط فى مصر لكن على العالم كله ، أعتقد أنها وصلت لفرنسا 0000أليس كذلك ?????

 

اليوم وبعد عودتى من المحكمة ، قلت أطل على الوراق ، وفوجئت بصراخ الحرية فى وجهى وهى مصدومة وتبكى بكاءا شديدا0

وتقول بشخط ونطر:

أنت ياحبيبى  إزاى سبت أم اليواقيت تهجرنى وتروح مكان تانى ، برضه أنا الحرية اللى حفيتوا وراها وعمالين تكتبوا فيها شعر وقصص وحاجات كتيرة ، روح أسال زهير والسعدى وعبد الحفيظ والدكتور وحيد والأستاذ الكبير / لحسن بنلفقيه والملايين اللى ماتوا فدايا من ألوف السنين ، والدم الأحمر اللى بقى بحور عشان سواد عيونى ، وآخرتها تبعد عنى 000

 

وأهمس لأم اليواقيت (آريان وفرح وجواد) عشان خاطرى   وبلاش فضايح ووجع قلب أنا مش ناقص مشاكل وأنت الكبيرة وتعالى على نفسك شوية ، وكل مدة تحاولى تطلى عليها 000000000000000000إلهى يكرمك ويسعدك 000

 

سوف تصل التبرعات ، والحمد لله إنها مش فلوس وإلا كنا إنكشفنا ، وبقى  شكلنا مش ولابد أمام الدنيا كلها 0000

 

 

 

*عبدالرؤوف النويهى
11 - يونيو - 2006
الشيخ أحمد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

كان بيتنا يقع فى حى شعبى و بالقرب منه توجد ثلاث مقاهى متجاورة. مقابل أحدى تلك المقاهى يقع دكان الشيخ أحمد. دكان لا يتجاوز فى عمقه المتر وطوله متر ونصف تقريبا والشيخ احمد محشور فى داخله تُحيط به ومن فوقه, خلفه وامامه وتحت قدميه العُلَب مختلقة الالوان و الاحجام. ملوءة بالاعشاب والحامض حلو المشهور عند العراقيين والكعك اليابس.

كان الشيخ أحمد رجل قد تجاوز الستين من عمره طويل القامة فارع موفور الصحة له لحية غير متطرفة لم تترك الحرائق منها سوى بعض الشعرات السوداء منتشرة هنا وهناك. يرتدى الصاية والزبون كما يعرف عندنا وعلى رأسه العقال العربى. كان يمتلك صوتا قويّا عذبا رخيما يردد به ويرجّع القصائد الشعبيّة المكتوبة بأوراق صفراء طويلة إلتصقت قطعها بعضها بالبعض الآخر. كنتُ أساله عن تاريخ هذه الأوراق فلا يُجيبنى منهمكا (بالأبوذيّة) ورثاء الحسين بن على.

لماذا لا تتزوج شيخنا? الكل كان يسأله هذا السؤال. كان جوابه: أنا شيخ لا أتزوّج الا من بنات الشيوخ. ظل عازبا وكانت له ثلاث أخوات عوانس أجبرهنّ على ملازمة البيت وعدم الخروج منه. كنتُ أسأل بعض جيرانهم هل منكم من رأى قرّات الأعين أو عرف أوصافهنّ كانوا يُجيبون: لا والله لا عين ولا أثر. كان الشيخ أحمد يرفض جميع العرسان الذين يتقدمون لخطبتهنّ بحجة أنهم جميعا ليسوا أبناء شيوخ. كنتُ أجلسُ أحيانا فى المقهى المقابل لدكانه تماما والى جانبى أحد الأصدقاء. كان يهمس بإذنى بإستمرار: أنا مقهور من هذا الشيخ المزعوم هذا الكائن الحجرى لا يفارق الدنيا دكانه أزمة هذه (لمحلّة) إنّه سبب نكبتنا. كنتُ أحلم أن أكون محامى فيكون من أولى مهماتى وأولوياتى إزالة هذا الدكان ليزول معه هذا الشبح الملازم لى فى الصحوة والضحوة ثم أقوم بإنقاذ أخواته السجينات.

كان إسمه صباح يحلم بالمحامات لكن معدله فى الثانوية حشره فى قسم علم النفس كان هو أصلا يُعانى من إضطرابات نفسية ويشكو بلوعة: الأب من ورائى والأمن والشرطة تضايقنى وعلم النفس جعلنى أكره نفسى. ثم فصل من الكلية لأسباب صحية. لكن الدولة رأت أن هذه الأسباب التى من أجلها فصل من الدراسة لا تكفى لإعفاءه من خدمة العلم. وسرعان مااستُدعى الى الخدمة العسكرية ولم يمضى عليه أكثر من أربعة أسابيع حتى عادوا به ملفوفا بالعلم العراقى.

كنتُ ممن أهال عليه التراب وقرأ على روحه سورة الفاتحة. سألنى الشيخ أحمد بعد عودتى من المقبرة وكان من أشدّ الناس حُزنا عليه. ها صادق دفنتوا صباح قلتُ له : شيخنا, مساء الخير اعطنى كعك يابس أنا جوعان!

alsaadi
11 - يونيو - 2006
أول تبرع00000اللون الأسود0    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

    

          

فى أوائل سنة 1980حاولت أن أجرب نوعا من كتابة السيرة الذاتية وما يجيش به صدرى من حكايات وقصص ، واقترحت على نفسى منهجا هو منهج تداعى الذكريات 0

ويخلص هذا المنهج فى فرضية أن اللون إذا دقق المرء فيه فما الذى يجتاحه من مشاعر وقصص وحكايات ، عرفت فيما بعد أسمه مدرسة اللاوعى ، إذا صحت المعلومة ، واخترت عددا من الألوان ، الأسود ، الأبيض ، الأحمر ، الأصفر ، الأخضر ، الأصفر ، وبدأت الكتابة عنهم جميعا واحتفظت بالكراسة منذ تاريخ الكتابة 1980 ، وسأبدأ باللون الأسود وما به من أخطاء وقت كتابتها ولن أتدخل بإصلاحها ،  فإذا حاز الإعجاب ، والتعليق عليه سلبا أوإيجابا ، أكملت باقى الألوان 0

وسميتها بعنوان (وهج الألوان 00من الأعماق )0

 

                                       اللون الأسود 

أسود لفظ غريب ، أول مرة طالعنى اللون الأسود ،وأنا طفل لم أشب عن الطوق 00كنت صغيرا جدا 00يفكرنى بلون الأرض 00أرضنا التى  بعناها فى لحظة ضعف 00اللون الطينى 0000ياله من لون 000صغيرا كنت ومعى أخى وابن عمى ، نصنع حقولا نموذجية على شط الترعة ، نلعب بالطين ، نستحم فى الترعة 000لاشىء يعكر صفونا 0

 

الليل 0لونه أسود 00هيا إخواتى كى نعود إلى المنزل 00الظلام 00الليل 00الذئاب سوف تنتهز الفرصة لكى تأكلنا فى هذا الظلام 000الأسود 0

 

الليل   أسود 00فى هذا السواد ، نلعب ، نلهو ، نسهر حتى يبلغ منا التعب 000حارتنا الضيقة  ، الضيقة 0أطفال  كثار ، بنات ، صبيان 00النساء يرتدين الثياب السوداء عند الخروج من الحارة 00000الحارة مظلمة قبل الظلام قبل دخول الليل ، لأنها ضيقة 0

 

أنت أسود 00قصة سمعت عنها لم أقرأها ، لا أتذكر إسم مؤلفها 000أسود مهضوم حقه فى الحياة ، السود البض صراع دائر ، جنوب إفريقيا ، الرجل الأبيض ، الرجل الأسود 00البيض يقتلون السود لأنهم لون آخر 000لا حق لهم فى الحياة 00

 

تزوج أحد رجال حارتنا إمرأة سوداء 000لم تمكث إلا قليلا ثم خرجت من الحارة ليلا 0

عرفت السبب 00لأنها سوداء ونساء حارتنا بيضاوات كن يعايرنها 00زوجها لم يعد يظهر فى الحارة ، فجأة إختفى 0000

 

الأسود 00الموت 00مات عمى فى الأربعين من عمره ،   كان شابا ولا كل الشباب 00عاش فى مصر أم  الدنيا ، يأتى لزيارتنا مرتديا البالطو الأسود ، البهجة والسرور 00نحفظ كلامه نردده بيننا ، جدتى تحتضنه ، تجلسه بجوارها 00لا يعرفنا 00عددنا كبير، أنا وإخواتى وأولاد أعمامى وعمتى 000أبى يعتز به 00أولاده يتكلمون بلهجة غريبة ، نضحك منهم ، قلوبنا سعيدة بوجودهم معنا ، نحاول أن نؤثرهم على أنفسنا 00ملابسهم نظيفة ، بيضاء ،وحمراء ، وجوههم بيضاء مشربة بالإحمرار ، أيديهم نظيفة 00زوجته بيضاء لدنة 00شعرها أسود جميل ينسدل على ظهرها ، تحاول إيقاف تمرده على وجهها 0

 

الأسود 00جلباب جدتى ترتديه بعد موت جدى ، مات جدى منذ زمن طويل لا أدركه  لا أعيه ، دائما ملابسها سوداء 00أعتقد أن قلبها لم يعرف الفرح بل الأحزان 00السوداء 00الألام 0

 

السواد000الموت 00جنازة طويلة يسير فيها الرجال بملابسهم الداكنة ووجوههم الغبرة وسحنهم المهمومة 000النساء متشحات بالسواد ،على البعد منهم 00يسرن يصرخن يلطمن 0يقطعن الثياب 00يلطخن وجوههن بالطين 000منظر يتكرر كل أسبوع ، بل أحيانا فى أيام متتالية 0

 

السواد 000إمرأة ترتدى قميصا حريريا أسود ، يكشف عن كثير من جسمها 00منظر رأيته فى السنيما ، أول مرة ذهبت مع خالى ، كنت طفلا ، ترقد على سرير يأتى رجل ويرقد بجورها تتاوه ، يحتضنان ، يتعاركان 000يختفى المنظر 0

الجسد أبيض واللون الأسود يظهره يدل على مفاتنه ومواطن الإثارة فيه 0000000000

حبيبتى 0شعرها أسود 00ناعم 00طويل 0أول حب فى سنى المراهقة ، كانت من الأقارب 000عشقتها 00همت بها 00كنت أنتظرها 00وأمشى خلفها 00أحرسها 00الشعر الأسود 00الوجه الأبيض المشرب بالإحمرار00كتبت فيها أشعارا بدموع العين وآهات القلب 00تزوجت 00حاولت النسيان 00أراها 00أتذكر الشعر الأسود ، أولادها ، أراها مرتدية الثياب السوداء ثياب الخروج كنساء حارتنا 00صارت عجوزة 00نسيتها 00صارت ذكرى 0

 

الأسود000الموت 000أختى ماتت كانت فى ريعان الصبا وزهرة الأنوثة الغضة 00ذهبت إثر مرض عضال 000اللون الأسود يملأ المنزل 000يملأ الجدران 00يملأ القلوب 00يخرج مع الكلمات والهمسات والأنفاس00راحت لم يعد يذكرها أحد 000السواد 00الموت 00النسيان 0

 

 

اللون الأسود 00الكحل فى العيون 00نساء حارتنا جميعهن متكحلات 00ينظرن لبعضهن البعض يضحكن 00يهمسن 00وجوههن نظيفة ، ملابسهن نظيفة جديدة 00يوم فى الأسبوع 00باقى الأيام ، متربات ،عصبيات ، يحملن التراب فوق روؤسهن ، يقذفوننا بالطوب ، وقت الظهيرة وأطفال الحارة مجتمعة 00الماء يسكب فوق روؤسنا 000نجرى 00نهرب 00لكن إلى أين ?????

 

 

السواد 000المقابر 000نلعب عليها وفى القبور المفتوحة 000نعيش مع الأموات أكثر مما نعيش فى منازلنا 000منازلنا ضيقة 000الحارة ضيقة 000الرجال عصبيون 00النساء متسخات 00

 

 

السواد 000الأحزان 000الأفكار 00سودوى المزاج ، متشائم ، عصبى ، القتامة ، المرارة 0

بداية مظلمة ، نهاية أشد إظلاما 00الليل الطويل لا آخر له 000متى يطلع الفجر يارفيق 00???

                     الأوضاع تزداد سوادا وظلاما 000أنا حزين ، أنا سودوى المزاج وعصبى 0000

*عبدالرؤوف النويهى
12 - يونيو - 2006
أيـام و ألـوان..    كن أول من يقيّم
 

 

أهدي هذه الألوان/الأيام ، وهي في الأصل نص إبداعي للكاتبة المغربية عائشة البصري ، للأخت ضياء ولباقي

الإخوة الأعزاء ..

لماذا اخترت لونا ليوم بعينه? لماذا الأحمر ليوم الاثنين -مثلا- وليس الأزرق????? مر عمر ولم تتغير ألوان الأسبوع أو بهتت واحدة منها?? كلها احتفظت بحرارة اللون وتشخيص محدد يخصها? الاثنين : هوا لبداية، بداية الأسبوع، بداية الحركة، البدلة المدرسية، الكراسات و الحقائب?? ? بالأمس كانت حقيبتي، وهي اليوم لابنتي، وغدا لحفيدتي ? حركة دائرية يتآكل فيها الزمن مع تغيير للأمكنة فقط ?

الثلاثاء: أصفر، باهت يُكمل ما تبقى من أعمال الاثنين ? مريض، يتكأ على صدر الاثنين? لي انطباع أنه يشبه رجلا مراوغا وملتبسا وغير واضح?

الأربعاء: أخضر، هو بداية أخرى للحياة، متجدد، منتعش، طري، واثق من نفسه? هو يوم القرارات الحاسمة ومواعيد الحب?

الخميس : رمادي كيوم باريسي غائم ? هو تلك الغصة في الحلق التي -عادة- ما تسبق البكاء? تسيح رماديته على الأشياء واللحظات فتكسبها طعم مرورة لذيذة? رغم ذلك فهو يصلح خلفية لكتابة قصيدة وجودية? كراهب ينحت أبدية صغيرة لهذا الوجود من كلمات يابسة? أو كورقة خريف تبحث من مجرى يأخذها بعيدا عن شجرة عارية? هو لأيام الخريف أقرب?

الجمعة: أبيض،نظيف، شفاف، يندس في السبت ليِؤطر حدوده الزمنية، رغم أنه امتداد لانهائي للأبدية? وأنا طفلة، كنت أتحاشى الكذب أو النميمة أو حتى نهر قطة الجيران المزعجة، اعتقادا مني أن السماء يوم الجمعة شفافة جدا إلى درجة لا تحجب حتى خطايا الصغار? في كتاب ما، قرأت أن الجمعة يوم المرأة? أما الأيام الستة المتبقية فهي للرجل .

 السبت: أزرق، ليس بزرقة البحر أو السماء، زرقته قاتمة ? لولا خلفية الجمعة البيضاء لكان أبغض الأيام وأقساها? متجهم وممل، متقلب المزاج? صباحاته بلا رائحة كركوة قهوة بائتة? هو لا يعرف كيف يبدأ دون تثاؤب ورغبة ملحة للعودة للسرير.

الأحد يوم لا يصلح إلا للوداعات المؤلمة ، وللجنازات وتبادل التعازي، أو لإعلان حرب ما?? أو لمشادات بين زوجين تعديا السبعين من عمريهما ولم يفكر أحد منهما، في مغادرة الحياة الزوجية ،أو مغادرة الحياة بأكملها???

 

*abdelhafid
12 - يونيو - 2006
الناطور المفجوع    كن أول من يقيّم
 
ذكـرتُ  إذ جلستُ في iiحديقهْ وارفـةٍ  واسـعـةٍ iiأنـيـقهْ
يـرمـقـني  ناطورها جوّابا يـطـمـعُ  أن أعـيره iiكتابا
وكـنـت  إذ ذاك أمين iiمكتبهْ فـيـا لها في الحادثات iiمثلبهْ
وكـان بعض الصبية الصغارِ يـخترقون السور من جواري
يـسـتـبـعدون بابها iiالبعيدا ولـم  يـكـن باباً لها iiوحيدا
ويـقفزون  من على iiالأسلاكِ فـي فـسحة من قلة iiالإدراكِ
فـقال لي ناطورها وقد iiجرى يـشـتمهم:  متى نصير iiبشرا
فـقـلـت  لا يـنفعنا iiالكلامُ حـضـارةٌ يـنـقصها iiنظامُ
ورحـتُ  أُمضي معه iiالحديثا نـنـاقـش  الطيب iiوالخبيثا
حـتـى  إذا أحس مني iiتعبي تـركـنـي مطالعاً في iiكتبي
وبـعـد مـدة مضتْ iiنظرتُ في  ساعتي وقد عداني iiالوقتُ
فقمتُ أطوي مسرعاً iiحوائجي مـفـتشاً عن أقرب iiالمخارجِ
وراعـني الناطور في iiمرارهْ يـصـرخُ يا نظامُ يا حضارهْ
وجـمدت ساقي على iiالأسلاكِ أضحكَ ما يكون في الإضحاكِ
وصرتُ  من حادثتي iiالصفيقه أخـجـل  أن أمـر iiبالحديقه
عـشـرين  عاماً وأنا iiأعاني أخـاف مـن ناطورها iiيراني

 
*زهير
12 - يونيو - 2006
ثانى تبرع000اللون الأبيض    كن أول من يقيّم
 

    

         

                                     اللون الأبيض

 

الأبيض 00000000000لون اللبن الحليب ، لون االبراءة والطهارة 0

 

 

وجه أبيض كاللبن الحليب ، قطب من الأقطاب ، يصلى الوقت لوقته ، لو أقسم على الله لأبره 00أحد رجال حارتنا الأتقياء،  وجهه أبيض،ملابسه بيضاء ،مسبحته بيضاء ،أولاده كثيرون ،على الأرض يجلسون ،ينظرون إليه ،يأمر وينهى ، الحفدة والحفيدات 0

نندس فى وسط الجالسين ،إذا ضحك 00ترى لؤلؤا منثورا ،إذا مشى 000خلفه الأولاد ، وإذا جلس سارع أحدهم لإحضار كرسى خيرزان000جدتى تقول :سوف يدخل الجنة 0

قال أحد أبنائه:النعش 00طار 00صدقه الجميع 00وحكووا الكثير عن كراماته  ، نظرت إليهم 000تعجبت كيف يطير النعش بميت???!!!   ولم أكمل 00لكزنى أحدهم بقبضة يده 000صرخت 00هربت00

 

اللون الأبيض ،لون الطهارة والبكارة 00العذارى فى حارتنا بيضاوات ، الفستان الأبيض ،الطرحة البيضاء ،القلوب البيضاء 000حسناء من حارتنا تزوجت 00فستانها أبيض طويل 000تساءلت لماذا الفستان أبيض???أليس هناك ألوان أخرى ??ضحكت أمى 000شخط أبى 000لم أنبس بحرف 00قمت 00جريت إلى الشارع ، كنا شلة تحدثت معهم ، قلت ما جال بخاطرى ، همس أحد الخبثاء :ليلة الدخلة المفرش أبيض حتى يظهر فيه الدم 00

 

فى الصباح 00يصيح أهل حارتنا بالتحية ، نهارك أبيض 00نهارك زى الفل 000تساءلت :مالون الفل? قالوا أبيض 00ضحكت ، ولم أعرف سبب ضحكى 0

قالت جدتى : الذين يدخلون الجنة وجوههم بيضاء 00

قلت : هل لن يدخل  الجنة ذوو الوجوه السوداء ?   نهرتنى جدتى ، قالت :الله غفور رحيم 000ثم همست متمنية سأقول لأبوك إذا مت أن يكون كفنى أبيض بالقصب 0

 

الأبيض 000قلبه أبيض 00لا يحمل لأحد ضغينة 000تساءلت 00القلب لونه أحمر فكيف يكون أبيض ??ردت جدتى 00الأعمال الطيبة يابنى 0000لايحقد على أحد ،يساعد الناس ،لا يتكلم على أحد 0

 

المستشفى كبير ،العنبر طويل ،المرضى راقدون،يلبسون ملابس بيضاء ،والأطباء يلبسون معاطف بيضاء ،الممرضات ،  كل شىء أبيض 000

البياض 00المرض 00السكون 00المستشفى ،الأطباء ،الأدوية ،الزيارات 00الكلمات القليلة المواسية ،ورسم الإفتعال بالحزن والألم 0

أختى راقدة على سرير ،الملاءة بيضاء ،والوسادة بيضاء 00أختى وجهها أبيض من المرض 00تهمس لاتستطيع الكلام بصوت عال 00أقترب منها 00تضحك ن تشير إلى إحدى المريضات بجانبها 000تقول :طول الليل تحلم بالفارس الذى يأتى ويخطفها على حصان أبيض 000تضحك ثم تخفى ضحكتها ،تنظر إلى ثم تغيم عيناها بالدموع 0

الملائكة خلقت من  نور أبيض ،شفاف 0الممرضات 000ملائكة الرحمة لابد أن لهن وجوه بيضاء 00أمر غريب إن فيهن سوداوات 00

 

حبيبتى 000وجهها أبيض مثل القمر 00أسنانها بيضاء كاللؤلؤالمنثور 000سألتها :لماذا الوحه الأبيض والطرحة البيضاء والفستان الأبيض فى ليلة الفرح ??أليس هناك ألوان أخرى ???كشرت 00قطبت ما بين عينيها 000ثم قالت :  من زمن والناس متفقة على كده 0000قلت : سوف نخالف الناس وترتدين ثوبا أسود???وستصبحين أجمل وأجمل ??0000غضبت 00شخطت 000هربت من أمامى وهى تستعجب لأمرى 000

 

الششم 000لونه أبيض ،مرض العيون ، المدرسة الإبتدائية ، زملاء كثيرون يصلون المدرسة صباحا ولم يستطعيوا غسل الششم من عيونهم ، ننظر إليهم ونضحك ، نتمايل من كثرة الضحك 0000الفصل00 الطباشير الأبيض نسرقه من العلبة الموضوعة فوق المكتب ، نخفيه فى جيوب المرايل 0000وعلى جدران البيوت ننتقى جدران ملساء ،نكتب عليها "عاش جمال عبد الناصر " ثم الشتائم المتبادلة بيننا 00

 

قرأت ذات مرة أن ثورتنا ثورة بيضاء 00000تعجبت ، هل هناك ثورة بيضاء وأخرى سوداء أوحمراء ???!!!سألت المدرس 000ماذا تعنى ثورة بيضاء ?نظر إلى ،لم يرد على 00كان مشغولا بمغازلة مدرسة حسناء لعوب يمسك يديها ويهمسان وتلتمع عيناها ،تتمايل عليه ، أهرب من أمامهما قبل اكتشاف أمرى 0

 

ملابسى معظمها تميل إلى البياض 00لا أدرى لماذا لا يكون هناك ألوان أخرى ?

لم أحاول البحث عن إجابة 00سالنى أحد الرفاق لماذا ترتدى دائما ملابس بيضاء ??? 000لم أجد إجابة مقنعة فى اللتو والحال 00تذكرت كلمة قرأتها لأحد علماء النفس يقول : إن حب إرتداء الثياب البيضاء يدل على أن مرتديها لا يريد أن يفصح عن نفسه ،بل يود التخفى ويسير بين  ا لناس كالطيف حتى لا يراه أحد0

 

              اللون الأبيض 000الذهب الأبيض 000القطن المصرى 00عماد الإقتصاد والممول الحقيقى لبلادنا 0

*عبدالرؤوف النويهى
14 - يونيو - 2006
ثالث تبرع0000اللون الأحمر (1)    كن أول من يقيّم
 

    

     

اللون الأحمر

 

الأحمر 00الدم 00صرخت ، هرعت إلى أمى ، الدماء تنزف من أنف أخى الصغير ، لوثت الملابس ، أخى عيونه زائغة ، نزف دما كثيرا ، قابلتنى جدتى ، أشرت إلى أخى ، صبت ماءا فوق رأسه وجعلت رأسه يرجع للوراء ، توقف النزيف ، فرحت ، لم أعد أصرخ ،قمنا لنعاود اللعب 0

 

ورق سيلوفان أحمر ، نصنع طائرة ورقية أنا وأخى ، نحلم متى ننتهى من صنعها ??استغرقت أكثر من يومين ، تعبنا حتى اكتملت ، اختلفنا ، علت أصواتنا ، صحا أبى من نومه ، وحطم الطائرة وقذف بها من الشباك فى الشارع ، دون أن يعرف السبب ، ضربنا أنا وأخى ،هربنا من أمامه ، جلسنا ، نبحث عن البدء فى عمل طائرة أخرى أحسن منها 0

 

القلم الأحمر ، اللون الأحمر ، المدرسة ، الطفولة ، الكراسات ، التصحيح ، العلامات الحمراء فوق الصفحات 000فى آخر العام الدراسى ، تأتى الشهادات بها دوائر حمراء ،يغضب أبى ،تحزن أمى ،إذا تواجدت أمامه ،تسكت اللغة ،ويبدأ الضرب ، الصفعات ،محاولة الهروب والإختفاء خلف الأشياء ، محاولة غير مجدية ، لا مفر من الهروب إلى الحارة ، الخوف من المدرسة ، الخوف من الرسوب ،الخوف من حفلات الضرب والصفعات 00

 

الأحمر ، الخدود الوردية ، الحب ،الطفولة ،الخجل ، المراهقة ،لحظات الإنسجام والسباحة فى بحر العواطف المشبوبة والمشاعر الخضراء 0

حبيبتى00 تحدثت معها على إنفراد ، تلعثمت ،إحمر الوجه والأذنان ماتت الكلمات على الشفاه ،وقفت صامتة ، الوجه كالدم 0العينان تبرقان ،الصدر يرتفع وينخفض، ارتعاشات ،همهمات، تركتها وخرجت 0

 

الأحمر ، الجيش الأحمر ، الشيوعيون ،الكفرة ، الملحدون 00روسيا وثورة البلاشفة 00

     -  انهم كفرة ،زعيمهم يقول بأن الله غير موجود 0

      -   لا 00أبدا 0دول شيوعية يعنى ما فيش فرق بين الرجل والمرة 0

      -  إنت 00ماانتش عارف حاجة ، الشيوعية يعنى مفيش جوازالنسوان والرجالة على بعضهم 0

     -  لا 000ياسيدى 0000

كلمات  سمعتها من زمن الطفولة الغض،مازالت تحتفظ بها الذاكرة 00عرفت بعد ئذ ،ما الأحمر ،ما الشيوعية ،ما البلاشفة ،انتسبت إليهم 00وقاتلت بسيفهم00

 

اللون الأحمر إذا ظهر0000وأنت تعبر الطريق ، قف ، اللون الأحمر يعنى قف ، فاهم 000القرية مظلمة 000الحارة أشد إظلاما 00لا عربة 000لا نور أحمر 000الحمارالوسيلة للإنتقال 0 كتاب صغير به التعليمات ، مهمل ، مطروح فى أرض الحجرة ، يشكو الوحدة والحرمان 0

 

                            

 

      

*عبدالرؤوف النويهى
15 - يونيو - 2006
ثالث تبرع0000اللون الأحمر (2)    كن أول من يقيّم
 

     

        

الأحمر 000الليالى الحمراء 00الزفاف ، ليلة الدخلة ، الدم ، عروس حارتنا 000دخلتها الليلة 00عقبال عندكم ، الأهل والصحاب ، العريس والعروسة فى حجرتهما الخاصة بهما ،قريبات عجائز يدخلن الحجرة يغلقن الباب ،الرجال فى حالة وجوم والأطفال يصيحون ، لحظات قد تطول أو تقصر 000تخرج إحدى النسوة العجائز وترفع لأعلى قميص أبيض عليه دماء حمراء 0تعلو الإبتسامة وجوه الرجال ، يتبادلون النظرات المنتصرة ، يتجمعون حول والد  العروس ويشدون على يده ،يتهامسون ،يضحكون 0

من بعيد 000يأتى صوت نسائى جماعى :

              "قولوا لأبوها  إن كان جعان، يتعشى "

                   "قولوا لأبوها إن كان قاعد ، يتمشى "

                      "الدم ساح ،غطى القميص  والفرشة "

تبدأ رحلة العودة إلى منزل أسرة العروس 000الرجال والنساء رافعين لأعلى القميص من أربع أطراف ،والأطفال يهتفون ويغنون ويرددون النشيد 0

أحد الشباب يصيح وهو يتراقص :

                           "أدى دم البنت الفلاحة     *أحمر وزى التفاحة "

يتجاوب باقى الشباب والأطفال ويرددون المقطع بقوة وبدون تأخير ، يمرون بأكثر من حارة وشارع ،يحاولون الوقوف فى كل مكان ،لإظهار شرفهم الغير منقوص ، يتأملون المتفرجين بنظرات منتصرة ،تتناثر كلمات بين الرجال والنساء "حافظت على شرف العيلة وخلت رووس أهلها فى السما"0

صوت آخر " ربنا يستر على ولايانا "00إمرأة تأتى تهمس لنساء مجتمعات على ناصية الشارع "  ده دم !!!!   نقطتان بس ،يوم فرحى كان قميصى غرقان دم وعايناه بالدولاب "

وحشية ،همجية 00أشياء ممجوجة ،شىء لايقبله عقل 000كلمات الدم ،الشرف ،العرض ،حاولت البحث عن صلة تجمع بينهم 0

سألت أمى 00ما  معنى هذا ?  قالت أمى على استحياء :يعنى البنت محافظة على شرفها ومفيش حد من الرجا لة قرب منها 0000

ضحكت ،استغربت ،اندهشت000كيف???(رجل وأمرأة راقدان متلاصقان ،الأذرع ملتفة ،فى الغيط المواجه لغيطنا ،نظرت من خلف أعواد الذ رة ،قاما 00نفضا الغبار والتراب العالق بالملابس 00مشيا )000تمر أعوام 00أعوام 00الفرح ،الدخلة ،الدم الشرف ،أسأل من العروس ????إنها فلانة 000أعود للوراء كيف ???لقد رأيتهما 00أصمت 00تموت التساؤلات 00أهتز من الأعماق ،أترك الجميع ،أهرب بعيدا ،أجلس على شط الترعة تحت شجرة شعر البنت ،  كلمة قرأتها "العربى لا يثور إلا على الذى بين الفخذين "،سطعت فى ذهنى ،سيطرت علىَ000أين الشرف??? الخداع ،التمويه ،النفاق ،الكذب ،الضحك على الذقون   !!!!   هذه هى حياتنا  00

 

 

 

*عبدالرؤوف النويهى
15 - يونيو - 2006
 1  2  3