سُئل أحدهم ممن كان قد افنى عمره فى البحث والتفكير والتأمل فى طبيعة الحياة واشكاليّاتها وما تثيره من أسئلة محيّرة ترهق عقل الحاذق وتُكلّ ذهن اللبيب المجرّب, عرك الايام وتعارك معها خصومة لا تنتهى الى وفاق الا وعكّرت صفوها آفة الاسئلة فى وقائع استعجمت حروفها, وكثرت ألغازها, فعزموا وجمعوا شركائهم وفأحالوها الى وقائع اُخرى لم تقع وما أنزل الله بها من سلطان, وأختلف القومُ بشانها بين أهل رأى أتعبهم النظر وطول السهر, وبين الحفّاظ من أهل التحقيق المشتغلين فى جمع الفروع وردّها الى الاصول للوصول الى محصول يقودُ للذة اليقين ويرفع الشك الذى أرهق المشتغل فى ميدان المعرفة: ماذا عرفت سألوه. أجاب: لم أعرف إلا الشىء اليسير. أخبرنا إذا عن هذا الشىء اليسير. نعم أعرف ولكننى لم أفهم بعد!
المفتى ابن سيرين: يا من أرهقم البحث عن لغز الوزير (أبو سبعة وسبعين) هذا أحد أبناء حقبة عمرها أشهر فقط. نعم هذه حقبة نادرة للغاية. إنها أقصر حقبة فى تاريخ الايام وتعاقب الازمان فى بلد كل شىء فيه مُعطّل,الزمن يسير فيه بالمقلوب يُقصّر من يشاء ويطوّل أعمار من يشاء وهو بكل شىء فقير. هذا الوزير من أهل الله العاشقين (الحق) وكان من أهل الجهاد والوقوف فى وجه الظلم والظالمين. قارع العدوان بكل صلابة وعزيمة. لم يكن أبدا مع نظام سابق أو لاحق لأنه ضد النظام دائما! وقف عند باب الحق يناجيه: أيها الحق الذى عشقتُ نور بهائك إفتح لى أبواب عطائك. المسكين عند بابك. يواصل ابن سيرين الحكاية: ظنّهُ بعض السدنة مخبولا, وشكّ البعضُ الآخر فى هويّتهِ لانه كان يردّد هذه العبارة وهو فى حالة من السكر والنشوة,: بابك, بابك. حسبوه الخرّمى, فطردوه من حضرة القّدس! صمم على الانتحار, لكن ولدهُ وكان قد قارب السابعة والسبعين من العمر, كان يجيد السباحة فى البحر كما فى النهر, فأنقذه وكان على شفا لحظة من الغرق. يبدو أن تجربة الوالد الفاشلة فى البحر قد إستهوت الولدَ فى البرِّ, فمات منتحرا فى إحدى أودية مكة, بعد يأسه من شهود الحق! نعم هذه أُسرة تعوّدة الشهادة فى الحق وفى سبيل الحق, يستمرُّ ابن سيرين فى رواية الحكاية: كان الحفيد هو ما تبقى لهذه الاسرة الشهيدة. قرّر أن لا يذهب (فطيس) كأسلافه, يجب الدخول فى المجلس الجديد. علينا التّعلم من اسلافنا, لا يصح الوقوع فى الخطأ الذى سقط فيه الاسلاف. لابدّ من الدخول فى المجلس. يتناول ابن سيرين حبة من الاسبرين مع قليل من ماء سؤر البزّون الذى كان يجلس الى جانبه رافعا ذيله إحتجاجا على هتك ستور المحارم والنبش فى قبور الاولياء. ابن سيرين لا يلتفت, ويواصل الرواية: المجلس قرر جعلُكَ الوزير المفوض من قِبل الدولة لاعادة الهيبة اليها. نعرفُ أن عزيمتك قويّة وإصرارك على مواصلة الحياة ولو بذلّة, أكبر. الله أَكبر والعزة للمؤمنين. أياك ثم إياك أن تشترى سلاحا من أعداء الله وأعداء الانسانية. أذا حَكَمت الظروف, فعليك بدولة الخروف الحمر وصاحب السيف المعقوف. والجار أحق بالشفعة, فلا بأسَ بمشاورة أهل(بكين) المحتلّين لدولة الصين. ولكن ليكن الله تعالى نصب عينيك, اذا احببت أن تدخل حوريّة الجنة كضرّة على حوريّة الطين وصعب العدل بينها فلا بأس بملء فمها ببعض الملايين التى جمعتها كهبة أودين من دول الكفر والمارقين.
زوجة ابن سيرين تدفعُ بظهر زوجها بقوة الى الامام - وراء كل مسكين إمرأة - (إنتَ مخبّل! شنو هذا الكلام, الله يساعد زهير)
ابن سيرين: نعم, نعم, زهير يقرأُ فى الطالع والنازل. لا شىء فى هذا العالم يخيفهُ قدر خوفه من ابن سبعين. لم يترك قاربا لم يركبه. صال وجال فى سوق الورّاقين ولم يدع ورقة إلاّ وقلّبها ظهرا لبطن. كم من الورّاقين ولدوا على يديه. لكن لا وفاء لمن عدم الحياء ولا آمان للورق الاصفر والارضة! . لم يحمل شيئا من صوف ابن سبعين, لكنه مع ذلك كان صوفيّا فى معبد النقاء والضياء يسبّحُ بحمد من لا تدنيه من الحضرة للشهود ولا تتركهُ لعالم منكود.
فجأة خرّ ابن سيرين ميّتا بين أيدى البزازين, وانطّوت بموته أسرار القصيدة.
|