البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : الحرية    قيّم
التقييم :
( من قبل 21 أعضاء )
 عبدالرؤوف النويهى 
15 - أبريل - 2006

 

   

الحرية                                                                                                                           

  المعشوقة الخالدة على مر العصور والدهور ، وتزهق الأرواح فداءا لها ،

 كنت ومازلت مقدما روحى ونفسى  ،وفى معبدها النورانى ، قربانا وتضحية ،

وللحرية أغنى ، ولشهداء الحرية عبر العصور  والدهور أغنى ،

ولما حض عليه أخى العزيز / وحيد ، بفتح ملف الحرية ، وللرجاء الصادق من أخى الأعز / زهير ، وكلمته ( فلا أرى مثل الحرية فضيلة ترسف فى أغلال الإستعباد ، مسحوقة ممحوقة مهانة ،مبصوقا عليها ،مد اسا على وجهها ))، وانضمام أخى الجميل / السعدى ،فى قبولى للدعوة والمساهمة فى ملف الحرية ،وللأحرار فى كل مكان من المعمورة ، ولإختى الجليلة / ضياء ، وأخى الفاضل / يحيى ،ومحمد فادى ، وعبدالحفيظ ، والعياشى 

ولأصدقائى جميعا   ، وعلى بركة الله ، وفى سبيل الحرية                       

         أغنى     أغنية الحرية

 14  15  16 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الخوف من الحرية....(5)    كن أول من يقيّم
 
في نطاق هذه الوضعية المرعبة التي لم يعد يكفي معها الخضوع والطاعة والامتثال وتوكيد الولاء بجميع الوسائل والأساليب الممكنة، وفي مقدمها الوشاية و"النقد الذاتي"[13]، يفقد عضو الحركة نفسه الشعور بالأمن والاستقرار، على الرغم من جميع مظاهر القوة والعظمة والأبهة والجاه، ويسكنه الحنين إلى "الفردوس المفقود"، أي إلى الروابط الأولية التي لا يزال قريب العهد بها، فيأخذ في إعادة إنتاجها في إطار الحركة ذاتها، ولكن بصورة وهمية هذه المرة. ولا تلبث الروابط الأولية أن تظهر في هيئة روابط بديلة، عشائرية ومذهبية وجهوية ومحلوية تشبع الرغبة في الخضوع لدى جميع أعضاء الحركة. ولا عجب وهذه هي الحال أن تنقسم الأحزاب السياسية عندنا، وكلها تنويعات علىالحركة التوتاليتارية أو استطالات لها أو انشقاقات عنها، بحسب الانتماءات ما قبل الوطنية؛ فالانشقاق يكشف ما كان خافياً ومستوراً.
 والثاني، أن يختار حريته واستقلاله وذاتيته، ويبحث عن طريق أخرى يؤسس بها نفسه في العالم الجديد، وهذا الخيار مقرون في بلادنا وفي سائر المجتمعات المتأخرة، بالمكابدة والعناء، ويحتاج إلى كثير من الثبات والصبر. وكثيراً ما يكون ثمنه باهظاً، ما لم يستعد المجتمع المدني قدرته على حماية الأفراد التي توفرها لهم مؤسساته الطوعية أو الإرادية، كالنقابات والجمعيات والنوادي والأحزاب السياسية، فضلاً عن المؤسسة الدينية، ويكفلها القانون.
القاسم المشترك بين جميع المستبدين الذين ارتكبوا جرائم إبادة جماعية هو الشك المفرط أو الريبة المجنونة في كل من يتولى منصباً رفيعاً في "دولتهم"، وبكل من لا يواليهم موالاة تامة من الشعب؛ حتى موالاة الموالين ذاتها تغدو موضع ريبة وشك. ومن البديهي أن يكون من لديه كل هذا الشك وهذه الريبة مسكوناً بالخوف وهذا الخوف هو ما يحاول الإرهاب التوتاليتاري أن يخفيه بمزيد من الإرهاب الذي يغدو علامة القوة الوحيدة والأخيرة. ولما كان من غير الممكن التأكد من ولاء الشعب، فإنه يتحول إلى عدو موضوعي، أو إلى خزان ضخم للعداوة، يأتي منه الخطر الوحيد على النظام، لذلك كان عسف الأنظمة التسلطية يزداد ويتوالى بعد الإجهاز على أي معارضة منظمة، ويزداد كذلك كلما أنس المستبد في نفسه قوة تعصمه من الخوف، فيأخذ في مراكمة السلطة التي يقتضي الدفاع عنها مزيداً من الإرهاب. ثمة علاقة منطقية وواقعية، أي علاقة ضرورية بين الخوف ومراكمة السلطة، ومن ثم بين مراكمة السلطة والإرهاب.
"جماهير" الحركة التوتاليتارية هم غالباً من غير المبالين الذين لم ينتسبوا إلى حزب أو جمعية أو ناد، ولم يشاركوا في الانتخابات ولم يعرف عنهم اهتمام بالشأن العام. هؤلاء هم القاعدة الاجتماعية للنظام التسلطي يقتصر دورهم على التأييد السلبي، وهو تقليد قديم مستقر في الحياة العربية، ويقابله الرفض السلبي أو المعارضة السلبية. وما يدفع الجماهير إلى ذلك الخوف والطمع فحسب، ولذلك لا يلبثون أن ينفضوا عن النظام، وينسونه بسرعة لافتة بعد زواله، بل ينقلبون عليه ويتنافسون في إظهار مثالبه وعيوبه. ولعل موقف الجماهير من سقوط نظام صدام حسين في العراق خير شاهد على هذا، ومثله موقف الجماهير في الاتحاد السوفييتي السابق وفي دول أوربة الشرقية بعد سقوط الأنظمة الشمولية. بل إن هذا الموقف لا يقتصر على الجماهير، بل يتعداه إلى نسبة غير قليلة من أعضاء الحركة التوتاليتارية أنفسهم. فالملايين التي تؤلف قوام هذه الحركة لا تنهض للدفاع عنها حين يوافيها الأجل المحتوم. في حين كان إيمانهم بها لا يتزعزع، ولم يكن ليهتز قيد شعرة حين كانت ترتكب الجرائم في حق الأبرياء الذين لا ينتمون إلى الحركة، أو الذين كانوا من معارضيها، حتى حين يكون هؤلاء من أقاربهم أو من أصدقائهم أو من زملائهم في العمل. والأدعى إلى العجب والذهول أن إيمانهم لم يكن يتزعزع أيضاً حين كان الغول يشرع في افتراس أولادهم، أو حين يصيرون هم أنفسهم ضحايا الاضطهاد فيطردون من الحزب أو يساقون إلى الأشغال الشاقة أو إلى المعتقلات. بل كانوا مستعدين لإعانة متهميهم في نقد أنفسهم، بشرط ألا تمس مواقعهم في الحركة[14]. ذلك لأن المتعصبين للحركة يتماهون بها حتى لتصير في ظنهم قوام حياتهم.
وباستحواذها على الجماهير، أو على قوة العدد والتنظيم لا تبالي الحركة التوتاليتارية بنقد نقادها واعتراضات المعترضين على سياساتها، ولا تأبه لحججهم، وذلك لعلمها أنها لو فعلت ذلك، ولو رضيت بالمنافسة الحرة مع غيرها من الأحزاب لانتهت إلى الضعف ما دامت لا تعتد بأناس لديهم ما يكفي من الأسباب لمعارضة تلك الأحزاب أو مناهضتها. ولذلك تخشى الانتخابات الحرة، وتخشى كل ما يمت إلى الحرية بسبب. وما دامت تخاف من الحرية على هذا النحو المرضي، فليس بوسعها سوى إنتاج الخوف في المجتمع وإعادة إنتاجه باطراد. الحكم التوتاليتاري هو حكم الخائفين على الخائفين. والمساواة الوحيدة المقبولة هي المساواة في الخوف.
ولعل العامل الأهم في إشاعة الخوف من الحرية وتسويغ الهروب منها هو الاستيلاء على ثروة المجتمع وعلى وسائل الإنتاج والسيطرة التامة على الاقتصاد، وصيرورة السلطة رب العمل الوحيد في كل ما يتعدى الأعمال الخاصة التي لا تحتاج إدارتها والقيام بأعبائها إلى أكثر من أفراد الأسرة أو عدد قليل جداً من العمال. بهذا "التحويل الاشتراكي" يتحول المجتمع إلى نوع من "مجتمع بلا طبقات"، وتحويل ما كان طبقات اجتماعية إلى جماهير، وإلغاء كل نوع من أنواع التضامن والتكافل بين الجماعات وبين أعضاء الجماعة الواحدة، وهذان التحويل والإلغاء يسيران معاً في خطين متوازيين، وهما الشرطان الرئيسان للاستبداد الكلي. ومن البديهي أن يلجأ الناس إلى السلطة حين لا يبقى لديهم من فرصة للعمل وتوفير مقومات العيش سوى في مؤسساتها الإنتاجية والخدمية والإدارية. ومن ثم
 يمكن القول إن إفقار الجماهير والتمتع برؤيتها تزحف على بطونها هو أحد أبرز مظاهر السادية، وأحد أهم الشروط التي تضمن ولاءها. وليس غريباً والحال هذه أن تلجأ السلطة إلى منح الجماهير بعض الهبات والعطايا، وأن تمن عليها ببعض المكرمات.
ترى حنة أرندت أن النظام التوتاليتاري ليس أحادي البنية قط، بل هو نظام قائم، عن سابق وعي وتصميم، على وظائف تتقاطع أو تتوازى وتتضاعف، وأن هذه البنية العديمة الشكل على نحو منفر تظل صامدة بفضل المبدأ الذي التزمه "الفوهرر" "عبادة الشخصية"[15]. فذراع النظام الرئيسة ليس الحزب، بل البوليس السري الذي يقوم بعملياته خارج نطاق الحزب، وعلى نحو لا يستطيع معه الحزب أن يضبطها". بل إن الحزب نفسه لا ينجو من سطوة هذا الجهاز الذي يغدو محور "الحياة السياسية"، إذا جاز أن نسميها كذلك. ومع أن الجيش هو الذي قام بالثورة، ويفترض أنه قوتها الضاربة، فإنه لا يلبث أن يخضع لسلطة جهاز الأمن السري بالمفرد والجمع. ولعل أهم وظيفة من وظائف هذا الجهاز هي تعزيز عبادة الشخص، وهي الوظيفة التي تحدد جميع وظائفه الأخرى، وتسوغ جميع أعماله. وشيئاً فشيئاً يتحول جهاز الأمن السري إلى نوع من جهاز عصبي يعصِّب جميع مؤسسات السلطة وتنظيماتها التي تشمل جميع فئات المجتمع، فتكتمل عملية "اختراق المجتمع وتنسيق بناه"[16] والسيطرة على جميع مقدراته. وتتسع دائرة اختصاصاته حتى تشمل جميع وظائف السلطة التشريعية والتنفيذية، والسلطة القضائية أيضاً، فتغدو الوزارات والإدارات والمدارس والجامعات والهيئات الثقافية والعلمية والإعلامية والإنتاجية والخدمية في قبضته، مما يقتضي زيادة أعداد العاملين فيه باطراد، ورفده بجيش من المخبرين المأجورين والمتطوعين، فتكف الوشاية عن كونها عيباً أخلاقياً لتغدو عملاً وطنياً هدفه القضاء على "الأعداء الموضوعيين"، وهؤلاء هم الآخرون، فتنتكس العلاقة بين الأنا والآخر إلى أصلها الطبيعي، الغريزي، ما قبل الاجتماعي. والنتيجة الحتمية لذلك هي تفكيك عرى التضامن في جميع المستويات، وصيرورة الشك والريبة والخوف مضمون العلاقات الاجتماعية والسياسية، ويكتسي التنافس الطبيعي بين الأفراد في سبيل توفير مقومات الحياة وتحسينها شكلاً جديداً هو المبالغة في إظهار الولاء، وبذل الغالي والنفيس في سبيل توكيده.
ولعل ظاهرة الفساد والإفساد التي لم يعالجها علم الاجتماع السياسي هي الصيغة الأخلاقية للنظام التسلطي، وهي المعادل الأخلاقي لاختراق المجتمع المدني وتنسيق بناه. فإذا كانت العلاقات بين الأفراد قد انتكست إلى مستوى العلاقات الطبيعية التي قوامها الخوف والطمع، أو المنفعة الشخصية الخالصة، المجردة من أي بعد اجتماعي وسياسي وأخلاقي، فإن الحفاظ على النظام مرهون بإعادة إنتاج هذه العلاقات على كل صعيد. وبذلك تنقطع علاقة الفرد بالمجتمع المدني الذي لم يعد قائماً إلا بصفته مجالاً للسلطة وموضوعاً لها، أو تغدو هامشية وغير ذات نفع؛ وتحل محلها علاقة مباشرة بين الفرد والسلطة الفعلية التي لم تعد سوى أجهزة الأمن السرية، وهي علاقة مرعبة وصفها جورج أورويل في روايته الأهم على هذا الصعيد، عنوانها "1984". والوشاية والمراقبة والمعاقبة هي محور منظومة الفساد التي لم تقتصر آثارها الكارثية على العلاقات الاجتماعية والسياسية وعلى الثقافة والأخلاق، بل تعدتها إلى دائرة الاقتصاد الوطني.
يقوم النظام التوتاليتاري، بوصفه ملاذ الكائنات التوتاليتارية الخائفة من الحرية والهاربة منها، كما شخصته حنة أرندت، على ثلاثة أركان هي "الأيديولوجية والإعلام والإرهاب" والأيديولوجية هنا، قومية كانت أو اشتراكية أو إسلامية، لا بد أن تتصف بالتشدد والتطرف، فضلاً عن سائر الصفات الأخرى، كالتمامية والكمال واحتكار الحقيقة والخصوصية أو الحصرية والانغلاق على الذات. وهي، أي الأيديولوجية، مصدر مشروعية النظام، أو "ذروة المشروعية العليا" التي يتسنمها، وهي أيديولوجية كفاح ودفاع تبريري وتبجيلي بصفة عامة، بتعبير محمد أركون[17]. ويحتل فيها "التراث" القومي أو الإسلامي أو الاشتراكي، بحسب المتكلم، موقع الصدارة. وحين يتشظى المجتمع، وينفرط العقد الاجتماعي، تقوم الأيديولوجية بوظيفة الملاط الرابط. وبقدر ما تكون متشددة وتعبوية وتتضمن العنف والقوة تنقاد إليها الجماهير لأسباب ديماغوجية محضة؛ إذ ليس هناك أي علاقة بين هذه الأيديولوجية في ذاتها وبين مصالح الأفراد المخصوصة واتجاهاتهم. وتسهم المنازعات الإعلامية أو العسكرية مع دول الجوار الجغرافي أو مع دول عربية مارقة: رجعية أو متخاذلة أو ما شئت من الصفات في تركيز التشدد والديماغوجية وتيسير التعبئة.
ويقوم الإعلام بإعادة أنتاج جميع فروع المعرفة والثقافة بدلالة الأيديولوجية، فيحولها إلى نوع من "ثقافة جماهيرية"[18] نمطية محورها مبدأ النظام نفسه، أي عبادة الشخصية. والإعلام التوتاليتاري بوجه عام إعلام موجه، ومن ثم فهو كاذب وناقص بالضرورة، فضلاً عن كونه تلفيقياً وتأويلياً ومدلساً، لا يتحرى الحقيقة الموضوعية ولا يعبأ بالوقائع، ولا يعترف بالواقع، فضلاً عن طابعه الاحتكاري.
بيد أن عبادة الشخصية لا تأتي من فراغ، وليست وليدة كاريزمية الزعيم فقط، بل تتأتى واقعياً من الإلمام التفصيلي بجميع تشابكات سيور نقل الحركة بين أجهزة النظام ومراتبه، ومن ثم في النظام كله، وهو ما يعادل السلطة العليا التي يغدو بيدها توجيه هذه الحركة وتحديد وتائرها، واتخاذ القرارات المناسبة، وهذه السلطة العليا لا يجوز أن تكون غير الزعيم نفسه. هذه الوضعية لا توفر احتكاراً مطلقاً للسلطة فحسب، بل تخلق ثقة في أن الأوامر يجب أن تنفذ، وهذا هو مصدر فعالية النظام.
* فصل من كتاب "المجتمع المدني هوية الاختلاف"

 
[1] - من مقدمة مجاهد عبد المنعم مجاهد لكتاب أريك فروم "الخوف من الحرية"
[2] - أريك فروم، الخوف من الحرية، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1972، ص10
[3] - راجع دراسة الكاتب "حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر"، في "قضايا النهضة" ، دار علاء الدين، دمشق، 2003
[4] - للتوسع في هذا الموضو، راجع، خلدون حسن النقيب في "الدولة التسلطية في المشرق العربي" مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت
[5] - أريك فروم، مصدر سابق، ص 19
[6] - راجع المصدر نفسه، ص 23
[7] - راجع المصدر السابق، ص 24 وما بعدها
[8] - راجع المصدر السابق، ص 27
[9] - راجع المصدر السابق، ص 28
[10] - عن أريك فروم، مصدر سابق، ص 42
[11] - راجع المصدر نفسه، ص 98 و 99
[12] - ليس عبثاً أن يسمى الاستفتاء على رئاسة الجمهورية بيعة، والبيعة الكبرى تلك التي حصل بها صدام حسين عل جميع أصوات الناخبين أو المبايعين. ووما له دلالة بالغة، لدى الأنتروبولوجيين على الأقل، المبايعة بالدم وشعار الافتداء بالوح والدم.
[13] - هناك سيل من الوقائع والوثائق حول "النقد الذاتي" الذي كان يفرض على أعضاء الحركة التوتاليتارية عندنا، لم يكشف عنها النقاب بعد، كما كشف النقاب عن مثيلاتها في عهد ستالين في الاتحاد السوفييتي السابق. ولعل النقد الذاتي الذي فرض على فرج الله الحلو، العضو القيادي البارز في الحزب الشيوعي السوري في عهد خالد بكداش، يقدم نموذجاً عن ذلك.
[14] - حنة أرندت، أسس التوتاليتارية، ترجمة أنطوان أبو زيد، دار الساقي، بيروت، 1993، ص 33
[15] - حنة أرندت، أسس التوتاليتارية، ترجمة أنطوان أبو زيد، دار الساقي، بيروت، 1993، ص18
[16] - للتوسع في هذا الموضوع، راجع: خلدون حسن النقيب في "الدولة التسلطية في المشرق العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت . وهو دراسة غير مسبوقة في علم الاجتماع السياسي العربي، في هذا الموضوع.
[17] - للتوسع في هذا الموضوع، راجع: محمد أركون في: "تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، ط1، 1986
[18]- راجع خلدون حسن النقيب، المرجع السابق، وإدغار موران في "مقدمات للخروج من القرن العشرين، ترجمة أنطون حمصي، وزارة الثقافة، د
*عبدالرؤوف النويهى
27 - مارس - 2007
موضوع الحرية .    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
 
(إن موضوع الحرية ليس موضوعاً ميتافيزيقياً بل هو موضوع في صميم الحياة اليومية العادية)30/3/2007
 
                                                محمدهشام
 
                                       ملف :(الوجه الآخر لتمثال الحرية)
                                                                      مجلس: التاريخ
*عبدالرؤوف النويهى
1 - أبريل - 2007
الحرية بحسب مارتن هايدغر    كن أول من يقيّم
 
 
1. الخط
ترجمة : كمال فوزي الشرابي
 
حين تعاود الكينونة
ثَنْيَ الجوهر الإنساني نحوها،
وحين يطلُّ العمق في لحظة
منفتحًا كهاوية...
حين يتسلَّق الفقر
في كلِّ مكان جباله،
وما هو حرٌّ ينحني
ليسقط في البدئي...
يصبح التحرر، في المجال الفرح
لفكر حرٍّ، في أسمى علوِّه.
 
في هذا العلوِّ
وحدها الطهارة الغريبة
لفكر نقيٍّ تتمنع
خارج العدد والضغط...
 
طهارة دائمة لفكر
حلَّ به القِدَم
ولن يعود جديدًا.
 
2. في الطريق
 
لا نعرف أهدافًا ولسنا سوى مسيرة.
لا حاجة بنا إلى الجماهير
التي افترستْها حمَّى الصناعات
منذ زمن طويل.
 
ليت إحداها في البدء ظلَّت نقية
ليصغي القلبُ إلى صوت الصمت،
وليطرد التشوش
من أعماق السفينة.
 
تلك هي شجاعتنا.
 
3. الساهرون
 
عاصفة ما تحت الأرض تدوِّي
ولا تستطيع الجماهيرُ سماعها،
تبتعد العاصفة في مجالات
عبر العالم
بَرْقًا للكينونة بعيدًا...
 
منذ زمن طويل اختلط العالم والأرض
وانقلب فيما بينهما قانونُ المعركة
فانتزعا من الأشياء كلَّ اعتدال
واندفع العددُ في الكمِّ الفارغ
فلم يعد يجود بصورة ولا اتصال.
يحسبون "الحيَّ" "مكوَّنًا"،
و"الحياة" ما عادت تحيا
إلا من إعلان ادِّعاءٍ صاخب
أصبح يعيق أكثر من "واقع".
 
ومع ذلك فالساهرون السرِّيون يسهرون
على تحوُّل لم ينبثق بعد:
هو بَرْقُ الكينونة
في صميم النتاج الأصم
لعيوب الصناعات.
 
4. الكينونة والفكر
الكينونة – أتراها نتاج الفكر؟
كان الفكر على الدوام في مستوى الكينونة.
 
تعلَّموا أولاً أن تشكروا لتستطيعوا أن تفكروا.
لا شيء بلا جدوى، كلُّ شيء فريد.
 
 
 
*ضياء
5 - يناير - 2008
الحرية بحسب إيمانويل كنت    كن أول من يقيّم
 
 
النص  من كتاب : " مقدمة لكل ميتافيزيقا مقبلة يمكن أن تصير علماً " لإيمانويل كنت (Emmanuel Kant ( 1724 - 1804   ، ترجمة الدكتورة نازلي اسماعيل حسين ، مراجعة الدكتور عبد الرحمن البدوي ، صادر عن دار الكتاب العربي بالقاهرة عام 1968 .
 
يتناول " كنت " موضوع الحرية بالبحث في كتاب " أسس ميتافيزيقا الأخلاق " الذي نشره في العام 1785 وبحيث يعتبر دارسو كنت هذا الكتاب مقدمة لكتابه الشهير " نقد العقل العملي " الذي نشره في العام 1788 .
 
" والحق أن كنت يتناول في هذا الكتاب المسائل العملية بنفس الروح النقدية التي تناول بها المسائل النظرية في الفلسفة . وإذا كانت مسألة العلية قد حدت به إلى وضع الصور القبلية التي تتعين بها التجربة في كتاب " نقد العقل المجرد " ، فإنه يبحث في كتاب " نقد العقل العملي " عن الحرية المتعالية التي تتفق مع العلية التي تسود عالم الظواهر . لكن متى يشعر الإنسان بالحرية ؟
 
يعتقد كنت أن الإنسان يكون حراً إذا كان الباعث على أفعاله هو الواجب الذي يتعين بالأمر الأخلاقي المطلق وكل إرادة تخضع للواجب هي في نظر كنت "الإرادة الطيبة " .
 
وإذا كانت العلية تكشف لنا عن حقيقة عالم الظواهر ، فإن الحرية تكشف لنا عن حقيقة " النومينا " أو الأشياء في ذاتها . والهدف الذي تسعى وراءه الإرادة الطيبة هو الخير . والخير عند كنت لا يتحقق إلا بشرط حرية الإرادة وخلود النفس ووجود الله . وهذه المعاني الثلاثة ليست موضوعاً للمعرفة ، إنما هي موضوع الإيمان الأخلاقي . وهكذا استطاع كنت أن يحدد في الفلسفة النقدية مجال المعرفة والإيمان . وتلك في الحقيقة هي مهمة النقد الأساسية ، ألا وهي قياس مختلف المجالات بالنسبة للإنسان . ولا تقف هذه الفلسفة النقدية عند حد قياس مجال الأخلاق ومجال المعرفة ، إنما هي تريد أن تبحث عن الصلة التي يمكن أن تقوم بين هذين المجالين ، بين العلية في العالم الطبيعي والغائية في عالم الأخلاق . ( المقدمة : صفحة 21 ) .
 
وسيكون لنا عودة ، قريباً ، إلى كنت ونظريتة في المعرفة في ملف الدين والفلسفة إن شاء الله . 
 
 
 
*ضياء
10 - يناير - 2008
القياصرة ..قادمون    كن أول من يقيّم
 
كلمات سبارتاكوس الأخيرة

للشاعر /أمل دنقل


(مزج أوّل ) :

المجد للشيطان .. معبود الرياح
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال " لا " .. فلم يمت ,
وظلّ روحا أبديّة الألم !

( مزج ثان ) :

معلّق أنا على مشانق الصباح
و جبهتي – بالموت – محنيّة
لأنّني لم أحنها .. حيّه !
... ...
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر :
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عبنيّ
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه !
" سيزيف " لم تعد على أكتافه الصّخره
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق
و البحر .. كالصحراء .. لا يروى العطش
لأنّ من يقول " لا " لا يرتوي إلاّ من الدموع !
.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق
فسوف تنتهون مثله .. غدا
و قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق
فسوف تنتهون ها هنا .. غدا
فالانحناء مرّ ..
و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى
فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلّموه الانحناء !
علّموه الانحناء !
الله . لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !
و الودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون !
فعلّموه الانحناء ..
و ليس ثمّ من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
و دمعة سدى !

( مزج ثالث ) :

يا قيصر العظيم : قد أخطأت .. إنّي أعترف
دعني
ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف
فهو يداك ، و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك
دعني أكفّر عن خطيئتي
أمنحك – بعد ميتتي – جمجمتي
تصوغ منها لك كأسا لشرابك القويّ
.. فان فعلت ما أريد :
إن يسألوك مرّة عن دمي الشهيد
و هل ترى منحتني " الوجود " كي تسلبني " الوجود "
فقل لهم : قد مات .. غير حاقد عليّ
و هذه الكأس – التي كانت عظامها جمجمته –
وثيقة الغفران لي
يا قاتلي : إنّي صفحت عنك ..
في اللّحظة التي استرحت بعدها منّي :
استرحت منك !
لكنّني .. أوصيك إن تشأ شنق الجميع
أن ترحم الشّجر !
لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقا
لا تقطع الجذوع
فربّما يأتي الربيع
" و العام عام جوع "
فلن تشم في الفروع .. نكهة الثمر !
وربّما يمرّ في بلادنا الصيف الخطر
فتقطع الصحراء . باحثا عن الظلال
فلا ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمال
و الظمأ الناريّ في الضلوع !
يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ..
يا قيصر الصقيع !

( مزج رابع ) :
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء
منحدرين في نهاية المساء
لا تحلموا بعالم سعيد ..
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد .
و إن رأيتم في الطريق " هانيبال "
فأخبروه أنّني انتظرته مديّ على أبواب " روما " المجهدة
و انتظرت شيوخ روما – تحت قوس النصر – قاهر الأبطال
و نسوة الرومان بين الزينة المعربدة
ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ..
ذوي الرؤوس الأطلسيّة المجعّدة
لكن " هانيبال " ما جاءت جنوده المجنّدة
فأخبروه أنّني انتظرته ..انتظرته ..
لكنّه لم يأت !
و أنّني انتظرته ..حتّى انتهيت في حبال الموت
و في المدى : " قرطاجه " بالنار تحترق
" قرطاجه " كانت ضمير الشمس : قد تعلّمت معنى الركوع
و العنكبوت فوق أعناق الرجال
و الكلمات تختنق
يا اخوتي : قرطاجة العذراء تحترق
فقبّلوا زوجاتكم ،
إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلى الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراع
فعلّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..
من ديوان (البكاء بين يدى زرقاء اليمامة)
 
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
و دمعة سدى !"



القياصرة يحكمون
القياصرة لايموتون
إنهم كالحزن الساكن بالقلوب ولامفر منهم.
كلما طالعتُ خريطة العالم العربى ،وأنا المغرم دوماً بمطالعة الخرائط وأرسم البلاد و الحدود والأنهار والسدود والهضاب والجبال والصحارى، أتحسّر على هذه الجغرافية الشاسعة ولاتملك من أمرها شيئا.
يقتلنى الاستبداد والطغيان والطغاة .


قياصرة العصر الحديث..
من الخليج إلى المحيط .
فقر ومرض وأمية واستعباد وتخلف .
إذا لم نقف فى وجه الطوفان/ الطغيان /الاستبداد /الاستعباد

فالقياصرة ...قادمون
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
1 - سبتمبر - 2008
إشكالية الحرية...مراد وهبة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
إذا كانت الإشكالية تعني أن ثمة قضية يقال عنها إنها صادقة ومع ذلك فإنها يمكن أن تكون موضع شك‏,‏ أي أن تكون كاذبة فمعني ذلك أن الإشكالية تنطوي علي تناقض‏.‏

والسؤال إذن‏:‏ ما هو التناقض الكامن في الحرية ؟

في العصر اليوناني القديم كانت الحرية تقال في مقابل العبودية‏,‏ فيقال عن الإنسان الحر‏,‏ بالسلب‏,‏ إنه ليس عبدا‏,‏ ويقال عنه‏,‏ بالإيجاب‏,‏ إنه القادر علي فعل ما يريد وليس فعل ما يريده الآخرون‏,‏ أي يفعل طبقا لإرادته‏.‏ وبهذا المعني يقول أرسطو‏:'‏ من الناس من هم أحرار بالطبع‏,‏ ومنهم من هم عبيد بالطبع‏'.‏ والتناقض الكامن في هذه العبارة يقال عنه إنه تناقض صوري‏,‏ أي إما أن يكون الإنسان حرا وإما أن يكون عبدا‏.‏ إلا أن أرسطو قد طور هذا التناقض فأدخل الطرفين المتناقضين في بعضهما البعض علي نحو ما جاء في كتابه المعنون‏'‏ السياسة‏'‏ حيث يقول في المقالة الأولي المعنونة‏'‏ تدبير المنزل‏'‏ والتي هي مقدمة لدراسة الدولة‏:'‏ إن شعوب الشمال الجليدي وأوروبا شجعان‏,‏ لهذا لا يكدر أحد عليهم حريتهم‏,‏ ولكنهم عاطلون من الذكاء والمهارة والأنظمة السياسية الصالحة‏.‏ لهذا هم عاجزون عن التسلط علي جيرانهم‏.‏ أما الشرقيون فيمتازون بالذكاء والمهارة‏,‏ ولكنهم خلو من الشجاعة‏.‏ لهذا هم مغلوبون ومستعبدون إلي الآن‏.‏ وأما الشعب اليوناني فيجمع بين الميزتين‏:‏ الشجاعة والذكاء‏.‏ لهذا هو يحتفظ بالحرية‏,‏ ولو أتيحت له الوحدة لتسلط علي الجميع‏.‏

وأرسطو‏,‏ في هذا النص‏,‏ يدخل التسلط في الحرية فيكون الإنسان حرا ومتسلطا في آن واحد ولكن ليس من جهة واحدة‏,‏ ومن ثم يعود أرسطو ويفصل بينهما فيقول عن اليوناني إنه سيد حر‏,‏ والأجنبي أو البربري عبد له‏,‏ ولا يستعبد اليوناني أخاه‏.‏

وفي العصر الروماني تطور أمر العبد فقيل عنه إنه هو الذي يرتبط بالعمل من أجل منفعة الآخرين‏.‏ وفي العصر الوسيط تواصلت التفرقة بين الحر والعبد مع تحوير طفيف وهو أن الإنسان الحر هو علة ذاته أما العبد فهو في خدمة الآخرين من أجل تحقيق خيرهم‏.‏

ثم جاءت ثورة العبيد وتم تحريرهم فتواري مفهوم‏'‏ الطبع‏'‏ وساء مفهوم الحرية‏.‏ ولكن المفارقة أنه مع سيادة مفهوم الحرية تواري مفهوم الديمقراطية لمدة ألفي عام‏.‏

والسؤال إذن‏:‏ هل ثمة علاقة تناقض بين الحرية والديمقراطية؟

أو في صياغة أخري‏:‏ لماذا توقف السؤال عن الديمقراطية ولم يتوقف السؤال عن الحرية؟

إن مفهوم الديمقراطية مفهوم سياسي خاص بنظام الحكم وتدبير أمور الدولة‏,‏ أما مفهوم الحرية فمفهوم وجودي خاص بوجود الإنسان في مجتمع يقوم علي تشابك العلاقات بين أعضاء المجتمع أيا كان النظام السياسي‏.‏ والمجتمع مملوء بمحرمات ثقافية هي من صنع المجتمع وليست من صنع الدولة‏.‏ وفي مواجهة هذه المحرمات تعددت رؤي الفلاسفة لمفهوم الحرية‏.‏

ثمة حرية دينية ولكنها لا تتحقق إلا في حالة عدم الاكتراث بالتباينات الدينية‏.‏ وهذه الحالة تتميز بأنها لا تود أن تزعجها أية مشاحنات عقائدية في حالة أن يكون الإنسان مهموما بهذه المشاحنات فهو بالضرورة متعصب‏.‏ والمتعصب دوجماطيقي‏,‏ أي يتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة التي يريد أن يفرضها علي الآخر‏,‏ ومن ثم يفقد هذا الآخر حريته بما فيها الحرية الدينية‏.‏

وثمة حرية سيكولوجية وخلقية‏,‏ وهي حالة الموجود عندما يؤدي فعل الخير أو الشر‏,‏ ويؤثر الخير علي الشر استنادا إلي إعمال عقله من أجل أن يعرف علة ما يريد‏,‏ ومن ثم تقوم الإرادة بالتنفيذ من غير الخضوع لأي ضغط أو قهر‏.‏ وبهذا المعني يمكن القول بأن الإرادة هي علة أفعالها‏,‏ وفي هذه الحالة يقال عنها إنها إرادة الاختيار في مقابل إرادة الاستواء‏,‏ أي تساوي الإمكان في الفعل وعدم الفعل‏,‏ أي عجز الإرادة عن ترجيح أحد الطرفين علي الآخر‏.‏ وحيث إن الحياة لا تحتمل هذا العجز فيكون البديل عن ذلك الاعتقاد في الجبرية التي تعني استسلام الإنسان لتأثير البيئة الطبيعية والوراثة والتربية‏.‏

وإذا تحدثنا عن الحرية في تناقضها مع الجبرية لزم التحدث عن الحرية في تناقضها مع الحتمية‏.‏ وقد انعقدت أول ندوة سنوية لمعهد الفلسفة بجامعة نيويورك في عام‏1957‏ تحت عنوان‏'‏ الحتمية والحرية‏'.‏ وسبب اختيار هذا العنوان مردود إلي بزوغ تيارين‏:‏

التيار الأول سياسي واجتماعي‏.‏ في الماضي كانت الحتمية في العلوم الطبيعية‏,‏ مدعمة لحرية الإنسان لأن هذه العلوم كانت قد أسهمت في تحكم الإنسان في الطبيعة إلي الحد الذي أصبح فيه الإنسان متحكما في أخيه الإنسان‏,‏ ومن ثم شاع مصطلح‏'‏ تخطيط‏'‏ ومصطلح‏'‏ مجتمع مخطط‏'.‏

والتيار الثاني فيزيائي بسبب اهتزاز مفهوم العملية وما ينطوي عليه من حتمية في عالم ما تحت الذرة‏.‏ فقد دللت ميكانيكا الكوانتم التي وضعها العالم الألماني ماكس بلانك في عام‏1900‏ علي أن الجسيمات تتحرك علي هيئة قفزات‏.‏ والقفزات تنطوي علي اللامعقولية واللاعلية‏.‏ ويري عبد الرحمن بدوي في كتابه‏'‏ الزمان الوجودي‏'‏ أن ليس في هذا القول معارضة للروح العلمية‏.‏ فالعلم‏,‏ في رأيه‏,‏ قد انتهي إلي رفض الحتمية العلمية‏.‏ ولا أدل علي ذلك من أن العالم الألماني هيزنبرج قد أعلن في عام‏1927‏ مبدأ اللايقين الذي ينص علي أنه ليس في الامكان تحديد موضع الألكترون وسرعته في آن واحد‏,‏ لأنه في الوقت الذي تحدد فيه سرعته تكون سرعته قد تغيرت بسبب اصطدامه بالشعاع الضوئي المسلط عليه‏,‏ كما أنه في الوقت الذي تحدد فيه موضع الإلكترون يكون قد تحرك منه‏.‏ ومعني ذلك أن ثمة خطأ يحدث في رصد السرعة والموضع‏,‏ الأمر الذي يفضي إلي حدوث هزة في اليقين فتمتنع الحتمية ويهتز مبدأ العلية‏.‏

وفي هذا الإطار شاعت الليبرالية في القرن العشرين إلا أن بدايتها كانت في القرن التاسع عشر بوجه عام وفي فلسفة جون ستيوارت ميل‏(1806-1873)‏ بوجه خاص‏.‏ وهي تعني‏,‏ عنده‏,‏ أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع‏,‏ وبالتالي فإن الحرية تكمن في مجاوزة الفرد للمجتمع‏,‏ بل تكمن في وعي الفرد بهذه المجاوزة‏.‏

والسؤال إذن‏:‏ ما مبرر هذه المجاوزة؟

المبرر هو أن سلطة المجتمع تعني طغيان الرأي العام‏,‏ أو بالأدق طغيان الأغلبية‏,‏ وهذا الطغيان مرعب ولكن الأشد رعبا هو إرهاب المجتمع‏.‏ إنه أشد رعبا من القهر السياسي‏.‏ ولهذا يري ميل أنه ليس كافيا التحرر من طغيان الحاكم‏,‏ إذ من الضروري التحرر من الرأي العام الذي يفرض قواعد للسلوك ويعاقب من يتمرد عليها‏.‏ وهذه القواعد لا تخلو من محرمات ثقافية لحرية الفكر‏,‏ وهي أساس الحريات برمتها ويقول ميل‏:'‏ إذا كانت البشرية متفقة علي رأي واحد‏,‏ باستثناء واحد فقط يقف علي الضد من هذا الرأي فليس من حق البشرية أن تخرس هذا الفرد‏,‏ كما أن هذا الفرد لو فرضنا أنه سلطة ليس من حقه أن يخرس البشرية‏'.‏ ويقول أيضا‏:'‏ إن الرأي الذي قد تحاول السلطة قهره يمكن أن يكون صادقا‏,‏ والذين يشتهون قهره يفكرون بالطبع أنه صادق‏,‏ ولكنهم ليسوا معصومين من الخطأ‏,‏ بل هم يستبعدون الآخرين من وسائل الحكم علي تلك الأمور‏.‏ وكونهم يرفضون الاستماع إلي رأي من الآراء لأنهم متأكدون من أنه كاذب فمعني ذلك أن يقينهم مماثل لليقين المطلق‏.‏ إن خرس الألسنة في الحوار يفترض العصمة من الخطأ‏'.‏

في النص الأول لجون ستيوارت ميل مفهوم‏'‏ الإجماع‏'‏ مرفوض لأنه ضد حرية الفكر‏,‏ وفي النص الثاني مفهوم ما أطلقت عليه‏'‏ ملاك الحقيقة المطلقة‏'‏ وما يطلق عليه ميل مفهوم‏'‏ اليقين المطلق‏'‏ مرفوض كذلك لأنه أيضا‏'‏ حرية الفكر‏'.‏

وتأسيسا علي ذلك يمكن القول بأن هذه المفاهيم الثلاثة الإجماع وملاك الحقيقة المطلقة واليقين المطلق‏,‏ هي ضد حرية الفكر‏.‏ ويمكن القول كذلك بأن‏'‏ المحرمات الثقافية‏'‏ هي علة هذه المفاهيم الثلاثة‏.‏ وإذا كانت الليبرالية مرادفة لحرية الفكر‏,‏ وحرية الفكر مرادفة لسلطة الفرد المتجاوزة لسلطة المجتمع‏,‏ فالليبرالية إذن تنشد تأسيس مجتمع خال من المحرمات الثقافية‏.‏ ولا أدل علي صحة هذه العلاقة المتناقضة بين حرية الفكر والمحرمات الثقافية من أن تاريخ المبدعين هو تاريخ المضطهدين‏,‏ وبالتالي فإنه لا يمكن القضاء علي هذا اللون من الاضطهاد إلا بإشاعة ثقافة الإبداع بحيث تصبح هذه الثقافة جماهيرية فتتحقق حرية الفكر بالمعني الذي يقصده ميل‏.‏

وهنا ثمة سؤال لابد أن يثار‏:‏ ما الإبداع ؟

في اللغة العربية لفظ‏'‏ يبدع‏'‏ يعني‏'‏ يأتي البديع‏'‏ أو‏'‏ يوجد من عدم‏'.‏ وفي اللغة الإنجليزية لفظ‏create‏ مشتق من اللفظ اللاتيني‏creare‏ أي‏'‏ يوجد‏'‏ أو يستحدث‏'‏ ما هو أصيل‏,‏ والأصيل في اللغة اللاتينية‏originalis‏ يعني غير المألوف من الاستجابات‏.‏

وفي الربع الأول من القرن العشرين حاول علماء النفس النظر في أبعاد الإبداع ففحصوا العمليات العقلية الكامنة في التفكير الإبداعي‏.‏ ثم تضاءلت بحوث الإبداع في الربع الثاني من ذلك القرن‏.‏ وفي‏5‏ سبتمبر من عام‏1950‏ أعلن جليفورد‏,‏ في مفتتح كلمته لأعضاء الجمعية النفسية الأمريكية‏,‏ التي كان يرأسها في ذلك الوقت‏,‏ ضرورة الاهتمام بدراسة الإبداع‏,‏ وأبدي أسفه من أن بحوث الإبداع لا تتجاوز‏2%‏ من جملة البحوث الأخري في مجال علم النفس‏.‏ وسبب ذلك مردود‏,‏ في رأيه‏,‏ إلي توهم أن العبقرية مندرجة تحت الذكاء ومرتبطة باختبارات الذكاء‏,‏ واختبارات الذكاء نمطية بسبب أنها تنشد أن تكون موضوعية‏,‏ وبالتالي فإنها تتجاهل التفرد المميز للمبدع‏.‏ وعلي الرغم من هذا التمييز إلا أن جيلفورد يري أن الإبداع ليس في الإمكان فهمه من غير الذكاء‏.‏ أما أنا فقد فصلت الإبداع عن الذكاء لأن الذي يحصل علي نسبة مئوية مرتفعة في اختبارات الإبداع يحصل علي نسبة منخفضة في اختبارات الذكاء‏,‏ ومن ثم فالعلاقة عكسية بين الإبداع والذكاء‏.‏ ولهذا حذفت الذكاء واكتفيت بالإبداع وعرفته بأنه‏'‏ قدرة العقل علي تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم‏'.‏ وبديل الوضع القائم هو الوضع القادم‏,‏ والوضع القادم هو رؤية مستقبلية‏.‏ المستقبل إذن محايث في الإبداع‏.‏

وحيث إن المستقبل هو أحد آنات الزمان الثلاثة‏:‏ الماضي والحاضر والمستقبل‏.‏

والسؤال بعد ذلك‏:‏ أي الآنات له الأولوية؟

الرأي الشائع أن الأولوية للماضي‏,‏ وسبب ذلك هو مبدأ العلية لأن هذا المبدأ يلزمنا بالسير في اتجاه واحد من السابق إلي اللاحق‏.‏ السابق هو العلة واللاحق هو المعلول بالضرورة‏.‏ وحيث إن الضرورة نافية للحرية فإذا أردنا الحرية نفينا الضرورة‏.‏ ونفي الضرورة يستلزم نفي أولوية الماضي‏.‏

والسؤال إذن‏:‏ هل نفي هذه الأولوية ممكنة؟

أظن أن هذا النفي وذلك بأن تكون الأولوية للمستقبل وهي بالفعل كذلك لأن الماضي‏,‏ في أصله‏,‏ مستقبل‏,‏ أي هو مستقبل فات‏.‏ ومعني ذلك أن الماضي مسلوب من سمته الأساسية‏,‏ وهي أنه كان مستقبلا‏,‏ وأنه لم يعد كذلك‏.‏ كما أن الأولوية ليست للحاضر لأنه وهم‏.‏ فالحاضر نهاية ماض وبداية مستقبل‏.‏ يبقي أن تكون الأولوية للمستقبل‏,‏ أي تكون الأولوية للوضع القادم وليس للوضع القائم‏.‏ وإذا تحقق الوضع القادم فإنه يتحول إلي وضع قائم‏,‏ ومع الوقت ينزلق الوضع القائم إلي الماضي‏,‏ وعندئذ نسميه‏'‏ التراث‏'.‏ التراث إذن‏,‏ هو في الأصل‏,‏ كان رؤية مستقبلية تحولت‏,‏ مع الوقت‏,‏ إلي رؤية ماضوية‏.‏

وإذا أردنا التطبيق بعد هذا التنظير فالسؤال إذن‏:‏ أين موقع الثقافة المصرية؟

إنها تقع في الماضي وليس في المستقبل‏.‏

لماذا؟

لأنها الآن محكومة بأصوليات دينية‏'‏ تقدس‏'‏ الماضي‏,‏ أي تقدس التراث‏,‏ وتدين نقده‏,‏ بل تذهب إلي حد تكفير من يجرؤ علي نقده‏,‏ ومن ثم تغتال حرية الفكر أسا س كل الحريات‏.‏ وقد أغتيلت هذه الحرية بالفعل عندما كفر الذين أرادوا تحريرنا من قداسة التراث‏,‏ أو بالأدق تحريرنا من الأصوليات الدينية لأن هذا التحرر هو الذي يرفع التناقض الكامن في إشكالية الحرية‏.‏
******************************
مجلة  الديمقراطية ..يناير 2009م تصر عن مؤسسةالأهرام القاهرية  العدد33
********************************
هل صدق الكاتب فى مقولته، أن هناك إشكالية بين الحرية والديمقراطية؟؟
لقد طرح الكاتب عدة أسئلة ،ثم أجاب عليها ..لكن هناك وقفات.،سأواليها تباعاً.
                                                                    عبدالرؤوف النويهى 
                                                        
*عبدالرؤوف النويهى
3 - مارس - 2009
 14  15  16