البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : الحرية    قيّم
التقييم :
( من قبل 21 أعضاء )
 عبدالرؤوف النويهى 
15 - أبريل - 2006

 

   

الحرية                                                                                                                           

  المعشوقة الخالدة على مر العصور والدهور ، وتزهق الأرواح فداءا لها ،

 كنت ومازلت مقدما روحى ونفسى  ،وفى معبدها النورانى ، قربانا وتضحية ،

وللحرية أغنى ، ولشهداء الحرية عبر العصور  والدهور أغنى ،

ولما حض عليه أخى العزيز / وحيد ، بفتح ملف الحرية ، وللرجاء الصادق من أخى الأعز / زهير ، وكلمته ( فلا أرى مثل الحرية فضيلة ترسف فى أغلال الإستعباد ، مسحوقة ممحوقة مهانة ،مبصوقا عليها ،مد اسا على وجهها ))، وانضمام أخى الجميل / السعدى ،فى قبولى للدعوة والمساهمة فى ملف الحرية ،وللأحرار فى كل مكان من المعمورة ، ولإختى الجليلة / ضياء ، وأخى الفاضل / يحيى ،ومحمد فادى ، وعبدالحفيظ ، والعياشى 

ولأصدقائى جميعا   ، وعلى بركة الله ، وفى سبيل الحرية                       

         أغنى     أغنية الحرية

 13  14  15  16 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
اليوم خمر وغدا أمر    كن أول من يقيّم
 
صمت المفاجاة يساوي: الصدمة... وجمال بنت الربوع هذه كان صدمة... قرأتها فكنت كتلة متوهجة من الصمت وكما قال امرؤ القيس: اليوم خمر وغدا أمر
*زهير
14 - ديسمبر - 2006
شدو البلبل المحزون0000مهداة لأستاذتنا / ضياء    كن أول من يقيّم
 
          عطشى إليك
 
عطشى إليك يطاردنى فى الليالى الجائعة 0
يد مرتعدة حمراء تصعد حتى تبلغ حياتك 0
عطش نشوان ، عطش مجنون ،
عطش الغابة يجتاحها الجفاف
عطش المعدن المتوهج
عطش الجذورالنهمة 0
حتام أنتظرك إذن
فى الأصائل ، حين لا تتجه عيناك
مرتحلة فى تجاه عينىَ  ?
 
إنك مليئة بكل الظلال التى تترصدنى
تتبعيننى كما تتبع الكواكب الليل 0
لقد ولدتنى أمى مليئا بالأسئلة الصعبة
وأجبتنى عنها كلها
أنت مليئة بالأصوات
أنت المرساة البيضاء
التى تسقط فوق البحر الذى  نعبره 0
فلتكن هناك أرض لى لا تغطيها آثارك
دونما عينيك المرتحلتين ،فى الليل ،إلى هناك 0
 
ولهذا فأنت العطش
 وكان من واجبى أن أرويه
فكيف لى ألا أحبك
إذا كان حبك من أجل ذاك الإرواء 0
وإذا كان هذا هو الرباط
فكيف لى أن أقطعه 00كيف  ??
 
حتى عظامى عطشى إلى عظامك 0
عطشى إليك ،عطشى إليك0
إكليل غار مرعب وحلو
عطشى إليك يعضنى فى الليالى كالكلب
عيناى عطشى إليك
فلأى شىء كانت عيناك?
روحى مشتعلة بتلك الجمرات التى تحبك
وجسدى حريق متوهج عليه أن يحرق جسدك 0
من العطش 0العطش المتناهى 0
عطشى إليك يبحث عن عطشك ،
 ويفنى فيه
كما تفنى المياه فى النيران 0
 
*عبدالرؤوف النويهى
15 - ديسمبر - 2006
رسالتي إلى النويهي    كن أول من يقيّم
 
 
أستاذي الكريم : مساء الخير
 
تروق لي طفولتك الدائمة وتمردك المستديم وسعيك المتواصل لتعكير ماء اليقين الراكدة . رغم كل ما يحيط بنا من الأعاصير هناك من لا يزال يدفن رأسه في الرمال ليتبارك بآثار الجمال . أنا أحب الجمال يا أستاذ عبد الرؤوف وغيرها من الحيوانات ، وأحب كل ما خلق الله في هذا الكون الفسيح الذي لا يقتصر علينا وحدنا ، وهذه وحدها قضية تستعصي على الكثيرين ، وأحب كل ما في الطبيعة من جمال ووحشة وقسوة وضراوة لا ترحم أحياناً ...... هذه القسوة ، وهذا الجمال متلازمان وخير من يعبر عنها هو الإنسان ، لو وجد ! ..... لكن الإنسان مكبل ، رهينة ، هو رهن نفسه لأنه جبان ولأن المرادف الإجتماعي لكلمة جبان هي : ذكي !
 
الإنسان تخلى عن نفسه لكي يصبح ذكياً ، تخلى عن حريته وإرادته وأصبح عصفوراً في قفص .
 
الحرية هي طبيعة الإنسان الوحشية ، هي فطرته الأولى والأقرب إلى حقيقته بشكلها البدائي . هي غريزته بشكلها النافر والحيواني التي يخاف من سطوتها أحياناً ولا يحسن السيطرة عليها . هي البنت التي وأدها تحت تراب النفاق والجبن التي هي من طبيعة الاجتماع الإنساني . هي حقيقته التي يغمض عنها عينيه في كل مساء كي لا يراها ثم يدور يبحث عنها في عيون الآخرين مع أنها كامنة فيه ولم تغادره أبداً .
 
كل من لا يجرؤ على النظر في مرآة نفسه فهو منافق ، وكل من يدعي الشجاعة دون القدرة على الجهر برغباتها فهو جبان ، وكل ما يدعي المعرفة دون التمكن من مواجهة حقيقته الداخلية بل يسعى لاستغلال معرفته بضعف عزيمة الآخرين ، وشعورهم بالذنب لعجزهم على مقاومة ضعفهم  وحاجتهم إلى الانقياد ، فهو انتهازي . 
 
الحرية هي طريقنا إلى الحقيقة التي فطرنا عليها . هي مصدر القبح والجمال ، الخير والشر ، الحرب والسلام .......
 
لن ينتزع مني أحد طفلتي الوحشية هذه ، ولن أتخلى عنها مطلقاً لأنني أنا الأم ، والإبنة ، وأنا القلب المحارب ، وسأهرب بها إلى أقاصي الأرض لأحميها من الطغيان ومن أيادي من يريدون أن ينتزعوا مني حقيقتي الوحيدة التي هي أنا : شاء من شاء ، وأبى من أبى .
*ضياء
16 - ديسمبر - 2006
بشاير الحرية من الإمارات العربية    كن أول من يقيّم
 
شعب عظيم حقاً.. دقوا على الخشب
GMT 8:30:00 2006 الإثنين 18 ديسمبر
د شاكر النابلسي

 -1-
الأخبار التي وردت بالأمس من الإمارات العربية المتحدة، تكاد تكون الأخبار العربية المفرحة الوحيدة هذه الأيام، في غمار هذه الأخبار الحزينة والمقلقة من العراق ولبنان ومصر ونواحٍ كثيرة من العالم العربي. فأينما تلفت المراقب في العالم العربي، لا يجد كوة ضوء واحدة، يمكن أن ينفذ منها إلى المستقبل القريب أو البعيد.
شعب الإمارات العربية المتحدة، فتح لنا هذه الكوة بالأمس، عندما شارك في الانتخابات التشريعية التي تجري لأول مرة في الإمارات، بنسب عالية لم تبلغها أكثر الدول العربية عراقة بالديمقراطية كمصر ولبنان.
فقد قالت الأخبار، بأن نسبة المشاركة في الانتخابات في أبو ظبي كانت 60 بالمائة، بينما وصلت في إمارة الفجيرة الى 80 بالمائة ، وهي نسبة لم تصلها أعرق الدول الغربية بالديمقراطية.
دقوا على الخشب، وتمنوا لنعمة الوعي والعقلانية أن تدوم على عرب الإمارات.
-2-
لقد استطاع شعب الإمارات، الذي مُنح فرصة الديمقراطية فعرف كيف يستغلها جيداً، وأُعطي كرة الديمقراطية فعرف كيف يلعبها بمهارة، أن يوصل أول سيدة خليجية إلى مجلس النواب، وهي أمل القبيسي.
لقد أصبحت أمل القبيسي، هي أمل نساء الخليج كلهم.
فهي أول سيدة خليجية تدخل مجلس النواب لا بالتعيين، ولا بالكوتا، ولا بالتزكية، ولكن بالانتخاب الحر الشعبي، وذلك وعياً وحرصاً من شعب الإمارات على لعب كرة الديمقراطية بحرفية عالية.
فدقوا على الخشب، وتمنوا لهذه النعمة.. نعمة الوعي والعقلانية أن تدوم، بعيداً عن التعصب الديني والقبلي، الذي يسيطر على معظم دول الخليج، التي سبقت الإمارات بسنوات طويلة، في المسيرة الديمقراطية.
-3-
نجاح شعب الإمارات العربية المتحدة – وما اجمل هذا الاسم، ونأمل أن نرى اسم "البلدان العربية المتحدة"، في يوم ما – هو نجاح لكل شعوب أقطار الخليج.
نجاح اللعبة الديمقراطية الإماراتية اليوم هو تحفيز وتشجيع لأنظمة المنطقة السياسية، لكي تزيد من الجرعة الديمقراطية، ولا تخشى الديمقراطية. فمستقبل أنظمة الخليج في الديمقراطية. وهذا النجاح، تحفيز وتشجيع ودفع إلى الأمام لشعوب دول الخليج الأخرى للإقبال على اللعبة الديمقراطية.
 فأمام هذه الشعوب أحد خيارين: إما حكامهم الحاليين بنظام ديمقراطي سليم، لا يتيح فرصة للتدخل الخارجي مستقبلاً، وإما حكم دولة كدولة طالبان المتمثلة بدعوة اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وهو البديل الوحيد المتاح الآن، والذي يسعى الارهاب بالخليج متحالفاً مع الأحزاب الدينية والمؤسسات الدينية إلى تحقيقه في غياب الاستحقاق الديمقراطي.
-4-
شعب الإمارات العربية المتحدة  - وأنا أتلذذ بذكر هذا الاسم كاملاً كي يكون فألاً حسناً لبلدان عربية متحدة مستقبلاً – نجح في السياسة اليوم كما نجح بالاقتصاد والتنمية بالأمس.
ففي الأمس حقق شعب الإمارات العربية المتحدة أعلى النسب العربية في النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأصبحت دبي في خلال سنوات معدودات، تنافس هونج كونج وسنغافورة في حجم الاستثمارات والنمو الاقتصادي السريع والمذهل.
صحيح أن حكام الإمارات طموحون وجريئون ومقدامون، ولكن هذا الطموح، وهذه الجرأة، وهذا الاقدام، كان سيدفن تحت الرمال حياً، لو لم يجد شعباً أكثر طموحاًً ، وأكثر جرأة، وأكثر إقداماً.
 يبدو أن شعب الإمارات العربية المتحدة قد تخلص من العقد الدينية المتشددة وفتح بلاده وبيوته وقلوبه للعالم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي الجديد.
ويبدو أن شعب الإمارات العربية المتحدة  قد تخلص من عقدة القبلية، وأصبح يطمح إلى التعددية، وبناء مجتمع حر ديمقراطي حداثي سليم.
وهذا الشعب، كما أذهل جيرانه من الخليجيين وأشقاءه من العرب وأصدقاءه من الغربيين بنموه الاقتصادي السريع، يذهل اليوم كل هؤلاء بنموه السياسي السليم والسريع.
-5-
لقد أصبح شعب الإمارات العربية المتحدة المثال الذي يجب أن يُحتذى في العالم العربي. فهو الشعب الذي لم يخش على هويته من العولمة والشركات العابرة للقارات. ولم يخش على دينه من هذا الانفتاح الاجتماعي المرموق. ولم يخش على تقاليده وعاداته من هذا الانفتاح السياسي المتدرج. ولم يخش على ثقافته من هذا الانفتاح الثقافي الحداثي المشهود.
فدقوا على الخشب، وتمنوا لهذا الشعب دوام النعمة.. نعمة المغامرة المباركة المحسوبة حساباً دقيقاً.. وهي التحدي الكبير لشعوب الخليج الأخرى وللشعوب العربية الأخرى التي ما زالت رهينة أبدية مهينة للموروث والقيم البالية التي لم تعد صالحة لمستقبل مشرق ومضيء.
تهانينا لشعب الإمارات العربية المتحدة العظيم فعلاً.. عظمة الفعل المُجدي والشجاع، وليست عظمة القول والشعارات السياسية القومية والدينية الخطابية والحماسية.
تهانينا لشعب الإمارات العربية المتحدة على هذا الانجاز السياسي المشرف والمضيء اليوم، في ليل السياسة العربية البهيم والطويل.
السلام عليكم.
*عبدالرؤوف النويهى
18 - ديسمبر - 2006
... و للحـريـة آفـاق و آفـاق    كن أول من يقيّم
 
يتـوارى الألـم حيـن أرى
نـور الصبـاح يتثـاءب
كسـولاً فـي
دفـيء مقلتيـه
و الـحنيـن يتـوهـج
فـي ظـل الـهَـدَب
 
جنـة عـدن
أتـربـع ريـاضهـا
علـى أكعـاب شـمـوخهـا
اسـتـكيـن كلمـا
هَبَّـتْ ريـاح الشـوق
"لنجمـة"
كانـت
فـي سـمـائـي
شهقـةً و لهـب
 
ينـادينـي ورغيـف الخبـز
بيـن أصـابعـه
سـاخنـاً
كـفـانـا جـوعـاً
و
تعـالـي
نرسـم الألـوان علـى
شـاطـيء المحيـط ..عِـبَـرْ
 
تعـالـي
نُـزَرْزِرُ الكـلام
وشـوَشـةً و خبـرْ ...
نجـدل مـن رنـة العـود
ألحـانـاً يشـدو
مـن روعهـا السَـحَـَر
 
تعـالـي .. الآن ..
 
هـذا الليـل
 
لِمِثْـلـه خُـلِقْـت الأشعـار،
 
تَفَـتَّـحَ البنفـسـج
 
و تَعَـافـى جُـرْح القمـر
 
salwa
30 - يناير - 2007
... و يبقـى البنفسـج بضعفـه ، حـراً    كن أول من يقيّم
 
"زهـرة بنفسجيـة أنـا ،
لا تطلـب منـي عنـاق البحـار ..
مرقـدي كَعْـبُ سنديانـة ،
زهـور المحبـة حولهـا جـدار ..
ليلكيـة أنـا فـي ثـرى الجنـوب ،
نيسـان يزورهـا كـل عـام ...
كـأس الهـوى مـن ريقـه يسقيهـا ،
 ليشقـق الشفـاه ولهـاً و انبهـار."
salwa
5 - فبراير - 2007
الخوف من الحرية.....(1)    كن أول من يقيّم
 
الخوف من الحرية*
 
جاد الكريم الجباعي
"في عام 1942 كان هتلر في القمة ... بذروته السادية – المازوخية، وكانت لذته في القوة والهيمنة هرباً من العجز واللاجدوى؛ ... وكانت الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى مطحونة من جهة، ومتطلعة من جهة أخرى، فهربت من عجزها إلى هتلر ... واليوم ليس هنالك هتلر، ولكن هل زالت الهتلرية، وهل زال الهروب من العجز واللاجدوى إلى السلطة المجهولة المعالم?[1]. بهذه الكلمات، (مع بعض تصرف)، قدم مجاهد عبد المنعم مجاهد لكتاب أريك فروم "الخوف من الحرية" الذي اقتبست عنوانه عنواناً لهذا الفصل. وقد غدت الهتلرية عَلَماً على نموذج لنظام سياسي يطلق عليه اسم النظام التوتاليتاري، الشمولي، أو التسلطي. ولعل النظام التسلطي ألصق بنموذج دولة الحزب الواحد أو الحزب القائد في العالم العربي.
الخوف من الحرية عندنا اليوم هو هروب من الحرية، التي انفتحت مسالكها في مرحلة نزع الاستعمار وتصفية الإقطاع مادياً فقط، وبداية تحلل البنى والعلاقات ما قبل الوطنية، إلى سلطة شمولية، هي سلطة الحزب الشمولي، ثم سلطة الدولة الشمولية، والتنظيمات "الرديفة" أو الأطر، التي أقامها الحزب الشمولي، والتي أقامتها السلطة الشمولية. أساس هذا الهروب هو حاجة الإنسان، الفرد، إلى الانتماء وحاجته إلى أن يؤسس نفسه في العالم وخوفه من العزلة والضياع. فإن بداية تحلل البنى والعلاقات ما قبل الوطنية، التي كانت ملجأ الفرد وملاذه والحبل السري الذي يربطه بالعالم، وضعت الفرد عندنا أمام مفترق: إما أن يمضي قدماً في طريق الحرية ويتحمل تبعاتها، ويعيد تعريف ذاته كائناً إنسانياً حراً وفريداً يتحمل مسؤولية أفكاره وأعماله، وإما أن يبحث عن ملجأ وملاذ، ولو كان وهمياً، يجنبه ما يفرضه مطلب الحرية من مكابدة ومعاناة، فكان انتماء معظم النخبة، في بداية الأمر، إلى الحزب الأيديولوجي الشمولي، ثم انتماء كتلة المجتمع، التي قادتها النخبة، إلى السلطة الشمولية، منذ نهاية خمسينات  القرن الماضي تعبيراً عن هذا الهروب. وقد تمخض ذلك عن انتماء سلبي، هو انتماء تبعية وخضوع وإذعان، إلى أي من هذه الأطر، التي تنتج الطمع والخوف. فكان من ثم ضرباً من نكوص إلى غريزة بدائية في الإنسان. لذلك رأينا سائر التنظيمات الشمولية تقوم على استثارة الغرائز وإثارتها، فتنتج ما يسمى "الحالة القطيعية" التي تجسدها الظاهرة الجماهيرية الفاشية في مختلف البلدان العربية، ولا سيما تلك التي ابتليت بحكم الحزب الواحد أو الحزب القائد من تلك الأحزاب الأيديولوجية ذاتها.
ولعل الباعث على تحرير هذا الفصل وإضافته إلى الكتاب، بعد أن ظننت أنه شارف على الانتهاء، هو إلقاء بعض الضوء على ظاهرات الخضوع والإذعان والعزوف عن الشأن العام والتماهي بالمستبد التي شهدتها بلادنا، منذ أكثر من أربعة عقود، ومن أبرز تجلياتها الانضواء في تنظيمات السلطة التوتاليتارية، ولا سيما في الحزب الحاكم، خوفاً من الحرية وهرباً من تحمل تبعاتها، وعبادة الفرد، القائد الفذ والزعيم الملهم، ومقايضة الحرية والكرامة الإنسانية بأمن وهمي وببعض مكاسب لا ضمانة لها. والتي أدت إلى انحلال عرى العقد الاجتماعي، منذ أخذت الدولة تتحول من دولة وطنية ذات ملامح ليبرالية هي جنين دولة المجتمع، إلى دولة تسلطية قتلت جنين المجتمع المدني الذي كان آخذاً في التشكل والنمو، وامتصت قوة المجتمع الأهلي وهمشته وأمعنت في تفكيكه وتفتيته، وبسطت سيطرتها المتوحشة على جميع مجالات حياته، حتى بدا أنه ليس هناك سوى مجال واحد، هو مجال السلطة. ومن ثم فإن سلسلة العمليات القسرية التي قتلت جنين المجتمع المدني، يمكن أن تشير، ولو بالسلب، إلى حقيقة أن السلطات التي قتلت جنين المجتمع المدني إنما قتلت الدولة الوطنية. وقد حرصت على إبراز العلاقة الضرورية منطقياً وتاريخياً بين المجتمع المدني والدولة الوطنية، وتعرية الخطاب التدليسي الذي يجمع بين الجهل والرياء أو يصدر عن أحدهما، فيضع المجتمع المدني في معارضة الدولة الوطنية، أويضع الدولة الوطنية القائمة، بحسب افتراضه، في معارضة المجتمع المدني.
وما زلت أعتقد أن تحت كل مستوى فكري مستوى نفسي أو روحي، وأن العوامل الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تحدد علاقات الفرد، وتوجه سلوكه هذه الوجهة أو تلك، لا تنفصل عن العوامل النفسية؛ ووجدت في بحوث فروم ما يعين على تفسير ظاهرة خضوع كتلة المجتمع خضوعاً غير مسبوق للسلطات الشمولية، أو للاستبداد المحدث، ويلقي ضوءاً على وظيفة الأيديولوجية المتضامنة مع الاحتكار والقمع والإرهاب في الدول الشمولية، هذه الوظيفة التي يمكن تلخيصها بإنتاج الخوف من الحرية، لدى الفئات الوسطى التي لا تزال تؤلف أكثرية الشعب عندنا. الفئات الوسطى في الوطن العربي حملت مشروع النهوض القومي، وكانت من أشد أنصار الحرية، على صعيد الشعار السياسي، ثم صارت من ألد أعدائها؛ ولذلك لم تحتف بلادنا بالحرية إلا في يوم دفنها.
انطلق أريك فروم في دراسة التفاعل بين العوامل النفسية والعوامل الاجتماعية التي يُستدل بها على الحرية من فرضية تقول: "إن الذاتية الأساسية للعملية الاجتماعية هي الفرد ورغباته ومخاوفه وأهواؤه وعقله ونزعاته نحو الخير والشر. وإذا أردنا أن نفهم ديناميات العملية الاجتماعية علينا أن نفهم ديناميات العمليات السيكولوجية العاملة داخل الفرد، على نحو ما إذا أردنا أن نفهم الفرد فإنه يتوجب علينا أن نراه في سياق الحضارة التي تشكله"[2]. وفي ضوء هذه الفرضية وضع أطروحته التي تقول: "إن الإنسان الحديث الذي تحرر من قيود المجتمع السابق على المرحلة الفردانية، ذلك المجتمع الذي أعطاه الأمان وحدده، لم يحرز الحرية، بالمعنى الإيجابي الخاص بتحقق ذاته الفردية، والتعبير عن إمكاناته العقلية والانفعالية والحسية. ومع أن الحرية قد جلبت له الاستقلال، فإن العقلانية قد عزلته وجعلته من ثم قلقاً وعاجزاً؛ وهذه العزلة شيء لا يطاق؛ والبدائل التي أمامه هي إما الهرب من حمل الحرية إلى تبعيات جديدة وخضوع جديد، أو التقدم إلى التحقق الكامل للحرية الإيجابية القائمة على تفرُّدية الإنسان وفرديته". ولعل القارئ العربي الذي قد يبادر إلى القول إن أطروحة فروم خاصة بالمجتمعات الغربية الحديثة التي توفرت على شيء من الحرية وشيء من العقلانية على تناسب بينهما في النوع والدرجة، يتنبه إلى أن جذر الأطروحة أو الإشكالية يكمن في مصائر الفئات أو الطبقات الوسطى التي تحررت من ربقة المجتمع التقليدي لتجد نفسها في فضاء اجتماعي فسيح وغريب لا يوفر لها الحماية والأمن اللذين كان يوفرهما المجتمع التقليدي فهربت من الحرية والعقلانية والفردانية إلى السلطة حيث التبعية والخضوع، وأعادت بناءها على تلك الصورة "الهتلرية"، فأنتجت التسلط والشمولية. ولعل القارئ العربي يقر بمشروعية السؤال: لم أشاحت الفئات الوسطى عندنا عن الليبرالية، وقطعت جميع الروابط والصلات التي كان يفترض أن تصلها بفكر النهضة والتنوير، وبتجارب الإصلاح الديني خاصة? ولم كانت المرحلة الليبرالية قصيرة قصراً لافتاً  في بلادنا? فإذا كان السؤال مشروعاً فإن الإشكالية تخص المجتمعات العربية بقدر ما تخص المجتمعات الغربية. فلا تزال المسألة في بلادنا، كما كانت في البلدان المتقدمة، مسألة تيارين: تيار استكمال الحرية والاستعداد لتحمل تبعاتها، وتيار الخوف من الحرية، الذي شكل الأساس النفسي والأخلاقي للسلطات الشمولية.
فقد انشغل الفكر العربي المعاصر، بوجه عام، والفكر السياسي، بوجه خاص، عن قضية الحرية بقضية (التحرر من): التحرر من الاستعمار ومن الهيمنة الإمبريالية، ومن الاحتلال الاستيطاني الصهيوني ومن السيطرة الطبقية؛ وعلق قضية الحرية، ولا سيما حرية الفرد وحقوق الإنسان على إنجاز معركة التحرر[3] القومي. ولا يخفى ما كان من أثر لهذا الانشغال في تعزيز فكرة "الخصوصية" التي تكاد تكون السمة الأبرز لفكرنا المعاصر لولا بعض الاستثناءات التي لا تزال على هامش الفكر السياسي. ولذلك عجز الفكر العربي المعاصر، ولا يزال عاجزاً عن الارتقاء إلى الكلية الكونية. ولا تزال الحرية، في نظره، هي "خطيئة الإنسان الأصلية" التي ينبغي التكفير عنها. ولا يزال التكفير، بكل المعاني، شغلنا الشاغل؛ ولذلك لم نتحرر من، ولم نعرف الحرية. وقد تحولت النزعة القومية إلى موقف نرجسي مرضوض ومريض بالفصام، وتحولت الحركة القومية من ثم إلى حركة توتاليتارية، "جماهيرية" قادت شعوب الأمة العربية إلى ما هي فيه اليوم من فقر وبؤس ومهانة وذل وعبودية لأنظمة حكم تسلطية هي الاحتكار والعسف والحقارة والنذالة والوغدنة وما شئت من هذه الصفات وقد صارت أنظمة حكم.
ثمة فارق نوعي بين الحرية والتحرر من، ولعل مفهوم الحرية الإيجابية الذي يستعمله فروم يعين على تحديد هذا الفارق، فالتحرر السياسي كان ولا يزال يعني الاستقلال الوطني إزاء الخارج، أو التحرر من الاستعمار، أو من التبعية والهيمنة الخارجية، وهو ما عبرت عنه الثورات الوطنية في بلادنا. والتحرر الاجتماعي، الذي لا تزال الثورة البورجوازية في غربي أوربة وشماليها أنموذجه الكلاسيكي، كان يعني إلغاء امتيازات النبلاء والتحرر من قيود النظام الإقطاعي. أما الحرية فلا تزال هدفاً تسعى البشرية إليه، بما فيها المجتمعات والأمم المتقدمة، على الرغم من الإنجاز الذي حققته هذه الأمم والمجتمعات على هذا الصعيد، وهذا الإنجاز هو المستقبل الذي تتطلع إليه المجتمعات المتأخرة. وليس من ضير في أن يكون ماضي الأمم المتقدمة هو مستقبل الأمم المتأخرة، من دون أن يساورنا أي وهم في إمكان استنساخ هذا النموذج، أو أي من تجاربه.
استقلت الأقطار العربية أو تحررت تباعاً من الاستعمار المباشر، وقام بعضها بتحقيق "إصلاح زراعي" نَزَعَ من الإقطاعيين سلاحهم المادي فقط، وخبر بعضها شيئاً من الليبرالية سمح بنمو الدولة "الحديثة"، دولة القانون، التي أرسيت أسسها في المرحلة الكولونيالية. وما لبث ذلك النمو التدريجي أن انقطع، وقامت في أكثر من مكان "ثورات قومية واشتراكية" انتهت جميعها إلى كوارث ليس آخرها سقوط بغداد (9/4/2003). ومن البديهي أن تطرح هذه النهاية المأساوية أسئلة كثيرة على الذهن العربي، حاولت أن أطرح بعضها في هذا الكتاب.
وما من شك في أن هناك عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية محلية وعالمية أدت إلى تحول هذه الدولة الحديثة العهد إلى دولة تسلطية، ولكن وراء هذه العوامل مشكلة إنسانية جعلت النظام السياسي الذي لم يكن يستجيب، في الجوهر، للقوى العقلانية يولد الخضوع الأعمى بصفته رغبة غريزية. فإن نظاماً لا يستجيب سوى للقوى الغريزية لا بد أن يولد أو لأن يبعث في الأفراد والجماعات قوى غريزية أقلها الخضوع، وأكثرها وحشية "القتل على الهوية"، ناهيك عن السلب والتدمير. وإذا علمنا أن الخوف والقلق والعجز كانت في أساس الإيمان الديني الذي نميزه من الإيمان العقلي، يمكننا أن نفهم لماذا تتجلبب القوى المتسلطة بجلباب الدين أو الأيديولوجية المرفوعة إلى منزلة الدين، فتجعل من المتسلط شيئاً أقرب إلى كائن خرافي كإله إسرائيل، ومن المحكوم عبداً خانعاً وعاجزاً ومتواكلاً لا يحسن سوى الطاعة والامتثال.
فحين تقاتل طبقة من الطبقات من أجل تحررها من السيطرة تعتقد بأنها تقاتل من أجل المجتمع كله، أو تدعي ذلك على الأقل، بل تدعي أنها تقاتل من أجل الحرية الإنسانية، بوصفها حرية إنسانية، ومن ثم تكون قادرة على الاستجابة لمثال الحرية، أو لشوق للحرية مزروع في جميع المضطهدين. بيد أن الطبقات التي قاتلت ضد الاضطهاد في مرحلة من المراحل، راحت تتآزر مع أعداء الحرية، بعد أن أحرزت النصر، وباتت ذات امتيازات جديدة تقتضي الدفاع عنها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التاريخ لم يحكم لمصلحة تصور كارل ماركس القائل إن تحرر الطبقة العاملة يؤدي بالضرورة إلى تحرر المجتمع كله. وهو ما يستدعي مرة أخرى نقد أفلاطون وغيره قديماً وحديثاً لـ "الدولة الشعبية"، واستطراداً للديمقراطية الشعبية السيئة الصيت. ومع ذلك فإن للمراحل التي مهدت للثورات الاجتماعية الكبرى في التاريخ قيمة عظيمة، ففيها أُنتجت الأفكار والمبادئ والمناهج ذات الطابع الكوني العام التي ما زالت البشرية تعيد إنتاجها وفق شروط حياتها الجديدة. أشير، على سبيل المثال، إلى عصر النهضة والإصلاح والتنوير الذي مهد للثورة الديمقراطية البورجوازية التي طبعت العالم بطابعها. وأشير مرة أخرى إلى أهمية الطابع الكوني لفكر النهضة والتنوير وثقافتهما، وإلى أن الطابع الكوني للفكر والثقافة شرط ضروري من شروط النهضة التي ننشد.
رفعت الفئات الوسطى في الوطن العربي شعار الحرية، وقاتلت في سبيل التحرر من السيطرة، ولكنها ما لبثت أن تحولت إلى ألد أعداء الحرية، وهذا التحول هو ما يحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي للكشف عن الأسباب والعوامل التي أدت إليه، ولا سيما الإنسانية منها. وأعتقد أن دراسة التجارب الفاشية والنازية وتجربة الدولة الشمولية في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي الدول التي كانت تدور في فلكه يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة، ولا سيما أن هذه التجارب جميعاً كانت ذات نزعة "اشتراكية وطنية". ولعل "الاختراق الإمبريالي للوطن العربي"[4] قد جعل من مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية نوعاً من صدى لهذه المشكلات ذاتها في المراكز الإمبريالية، وما زلت أعتقد أن مشكلات النظام الرأسمالي العالمي وأزماته وعيوبه واختلالاته تظهر في أطراف النظام وهوامشه على نحو أشد وطأة وأكثر كارثية مما تكون عليه في المركز. ومن ثم فإن الدولة التسلطية عندنا فرع من ظاهرة عالمية. "فالثورات الديمقراطية الحديثة التي بدا معها العالم متألقاً وآمناً، وبدا أن الحروب وويلاتها باتت من مخلفات العصور القديمة المظلمة، وأن الإنسان لم يعد يحتاج سوى إلى حرب واحدة أخيرة على الحرب، كما يقول أريك فروم، وأن الأزمات الاقتصادية غدت نوعاً من حوادث عرضية يمكن التغلب عليها بوسائل سلمية، وإن كانت لا تزال تتكرر بانتظام معين، الثورات الديمقراطية الحديثة لم تف بوعودها، ولا سيما على صعيد الحرية؛ فما زالت الحرب هي الحرب، وانفجرت "الهتلرية" مرضاً خبيثاً في القومية الحديثة، وفي الاشتراكية الوطنية أو القومية، ولا فرق؛ وما زالت العلاقات الدولية والعلاقات الاجتماعية في كل دولة على حدة يحددها منطق القوة والغلبة، لا الإرادة الإنسانية الحرة. والسبب الرئيس في ذلك هو التعارض المقيم بين عمومية الدولة والمجتمع وكليتهما وخصوصية الطبقة التي تملك الثروة ووسائل الإنتاج وتسيطر على السلطة التي ليست بعد سوى سلطة الملكية الخاصة، أو سلطة القوة والقسر والإكراه، على تفاوت بين المجتمعات والدول. والسبب الآخر الذي لا يقل أهمية هو التهميش المطرد لقوى المجتمع المدني، في غير مكان من العالم، وتحول الشعب إلى نوع من "شعب الدولة" بدلاً من أن تكون الدولة دولة الشعب. لذلك بات من العبث أن نبحث عن إمكانات تحقق الحرية سوى في العلاقة بين الفرد من جهة وبين المجتمع والدولة من جهة أخرى. فإن "أشد التضمينات جمالاً وأكثرها قبحاً في الإنسان ليست جزءاً من طبيعة إنسانية معطاة بيولوجياً على نحو ثابت، بل هي نتيجة العملية الاجتماعية التي تشكِّل الإنسان"[5]. ولكن المجتمع والدولة هما الإنسان ذاته وقد غداً مموضعاً في العالم وفي التاريخ؛ ومن ثم فإن مشكلة الحرية تكمن هنا: في العلاقة بين الفرد الذي ينتج ذاته في المجتمع والدولة على أنهما عالمه، وبين المجتمع والدولة اللذين يشكِّلان الفرد ويقيدان حريته إلى هذا الحد أو ذاك. هذه العملية الجدلية التي لا تنقطع هي التي جعلت للإنسان تاريخاً، بل جعلت من التاريخ كله تاريخ الإنسان. ومن ثم فإن الإنسان ابن تاريخه الخاص وصانع تاريخه، وإن الفرد ابن المجتمع والدولة اللذين ينتمي إليهما، وأبوهما في الوقت نفسه. وإذا سأل سائل عن الأم، فهي الطبيعة.
*عبدالرؤوف النويهى
27 - مارس - 2007
الخوف من الحرية ...(2)    كن أول من يقيّم
 
ثمة، من البداية، حاجة ملازمة للإنسان، ومشتركة بين جميع أفراد النوع، ينبغي إشباعها في جميع الأحوال، هي الحاجة إلى الحفاظ على الذات، أو الحاجة إلى حفظ النوع، التي تشكل الدوافع الأولى للسلوك الإنساني. ومقولة السلوك لا تستبعد مقولة الوعي، بل تفرضها. بيد أن هناك حاجات أخرى تتصل بقطاعات أخرى من النفس الإنسانية أكثر طواعية وقدرة على التكيف، كالحاجة إلى الانتماء، تختلف من شخص إلى آخر، وترتبط بأنواع العمل المختلفة التي يتطلب كل منها معالم مختلفة للشخصية، ويشكل أنواعاً مختلفة من العلاقات. ولذلك فإن نمط الحياة الاجتماعية يغدو العامل الأول في تحديد شخصية الفرد الكلية، إذ تتكيف شخصيته مع هذا النمط الذي يصادفه من الطفولة في الأسرة التي "تمثل جميع الملامح والخصائص النمطية لمجتمع معين أو لطبقة معينة"[6]، وذلك بحكم حاجته الملحة للحفاظ على ذاته. وهذا لا يعني أن الفرد محكوم كلياً بهذا النوع من التكيف السلبي، بل بوسعه أن يعمل مع الآخرين في سبيل تحسين شروط حياته، وإحداث تغييرات اقتصادية أو سياسية معينة في مجتمعه.
ولا يستنفد الإنسان في الدوافع والخصائص التي تولدها الحاجة إلى الحفاظ على الذات؛ بل إن خصائصه النوعية تتجلى في الحاجة إلى التعلق بالعالم خارج النفس، الحاجة إلى تجنب الوحدة والعزلة اللتين تفضيان إلى الموت. الوحدة التي يعالجها فروم[7] ليست الوحدة الفيزيائية، بل الوحدة الخلقية، أي التعلق بالقيم والرموز والأنماط، وهذه الوحدة الخلقية لا يمكن احتمالها، شأنها في ذلك شأن الوحدة الفيزيائية، بل إن الوحدة الفيزيائية يمكن احتمالها إذا تضمنت الوحدة الخلقية؛ فالتعلق الروحي بالعالم يمكن أن يتخذ أشكالاً عدة: منها حالة الكاهن في صومعته، والسجين السياسي في زنزانته الانفرادية. وإن وعي الفرد بذاته يجعل الحاجة إلى الانتماء أكثر عمقاً وأشد ضغطاً على وجدانه، لأن الانتماء إلى قيم ورموز معينة أو إلى نمط معين هو ما يمنح حياة الفرد معنى واتجاهاً.
وبرغم الحاجة إلى الانتماء، وإلى ملجأ وملاذ، ثمة نزوع الفرد إلى الاستقلال والحرية وإلى التعبير عن شخصيته المميزة، وإلى أن يعطي لحياته معنى آخر واتجاهاً آخر غير اللذين حددتهما روابطه الأولية، وإلى أن يكون هو هو، لا ما يمليه عليه النمط الذي ينتمي إليه. وكل نمط أو نسق هو جملة من القوى الجاذبة التي تشد الفرد إلى الدوران في فلكه. وفي كل فرد نزوع أصيل إلى الحرية هو أشبه بالقوة النابذة التي تدفعه بعيداً كي يدور حول شمسه الخاصة. وهذا التعارض هو الذي يجعل الفرد ميالاً إما إلى الخضوع والامتثال، وإما إلى تحقيق استقلاله وحريته الإيجابية. والحرية الإيجابية هي التي تميز الوجود الإنساني، ويتغير معناها بحسب درجة وعي الإنسان وتصوره لنفسه كائناً مستقلاً ومنفصلاً[8].
وما لم يقطع الفرد الحبل السري الذي يربطه بالعالم الخارجي، أي بالنمط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، كما فعل الإنسان حين قطع الحبل السري الذي كان يربطة بالطبيعة، يظل في حالة التبعية والانقياد والخضوع، مع أن هذا النمط، والحديث هنا عن النمط التقليدي الذي لا تعدو الروابط الاجتماعية فيه كونها "روابط أولية"، أسرية وعشائرية ومذهبية ومحلوية، يمنحه الأمان وشعوراً ما بالانتماء، وبأنه مؤسس في مكان ما. وإذا فعل، أي إذا تحرر من الروابط الأولية التي لا تعترف بفرديته واستقلال شخصيته يغدو أمام "مهمة جديدة هي أن يوجه نفسه ويغرسها في العالم، وأن يجد الأمان بطرق أخرى غير تلك التي كانت تميز وجوده السابق على الفردانية"؛ ويغدو للحرية معنى مختلفاً عن ذاك الذي كان لها قبل بلوغ هذه المرحلة[9].
أشرنا إلى اقتران الحرية بالوعي، لا وعي الضرورة فحسب، بل وعي الذات أساساً؛ فإن بزوغ الإنسان من الوحدة المباشرة والسلبية مع الطبيعة، ومع الأفراد الآخرين وصيرورته "فرداً" مستقلاً يدفعان به إلى إعادة إنتاج هذه الوحدة مع عالمه، الطبيعي والاجتماعي، من موقع الاستقلال والتفرد، بتوسط الحب والعمل المنتج والخلاق، وبالسعي إلى الاكتمال بالآخر، فتغدو وحدته مع العالم وحدة موَّسطة وإيجابية تتضمن عنصر الاختيار. إن نمو الفردية هو في الوقت ذاته نمو الوعي والاهتداء بأحكام العقل والانفتاح على الثقافات العالمية من جهة، ونمو الشعور بالوحدة والعزلة من جهة أخرى. وفي الوقت الذي تجري فيه عملية الاصطباغ بالصبغة الفردية على نحو آلي يتعرقل نمو الوعي، لأسباب فردية واجتماعية، وتؤدي الهوة بين هذين التيارين إلى شعور لا يطاق بالعزلة والعجز. ولا سيما أن الوعي التقليدي بوجه عام، والعقائد الدينية ذات الجذر الأسطوري بوجه خاص، لا ترى في الحرية سوى "خطيئة الإنسان الأولى" التي جرت عليه ضروب المكابدة والمعاناة. والحرية هي المعرفة، معرفة الخير والشر، بحسب هذه العقائد أيضاً. المجتمع التقليدي لا يحرم الفرد من حريته؛ لأن الفرد لم يوجد بعد، ولأن وعي الفرد بذاتيته واستقلاله لم ينمُ بعد. وقد وصف يعقوب بوركهارت هذه الحالة بقوله: "في العصور الوسطى كان كلا جانبي الوعي الإنساني، الذي كان يرتد إلى الداخل، وذاك الذي كان يلتفت إلى الخارج، مستلقيين في حالة حلم، أو في حالة نصف وعي، تحت نقاب مشترك. لقد كان هذا النقاب منسوجاً من الإيمان والوهم والتحيز الطفولي، وكان العالم والتاريخ ينظران إليهما من خلال هذا النقاب مكسوين بألوان غريبة. لم يكن الإنسان يدرك نفسه إلا كعضو في جنس بشري أو في قوم أو في حزب أو في أسرة أو في اتحاد، لم يكن يدرك نفسه  إلا من خلال مقولة عامة (10)
*عبدالرؤوف النويهى
27 - مارس - 2007
الخوف من الحرية ...(3)    كن أول من يقيّم
 
حررت الرأسمالية الفرد من النمط الإقطاعي الذي لم يكن يعترف بفرديته، وأتاحت له أن يقف على قدميه ويجرب حظه، فصار سيد قدره، وقدره هو المخاطرة والربح؛ فالجهد الفردي يمكن أن يفضي به إلى النجاح والاستقلال الاقتصادي؛ وألقت هذه الحرية السلبية بكتل بشرية كبرى في خضم السوق التي تقوم على مبدأ ربح أكثر وتكلفة أقل، تحت الشعار الليبرالي الشهير: دعه يعمل دعه يمر. وما لبثت الرأسمالية حتى تحولت إلى نمط عالمي، لا بفعل قوانين السوق ويدها الخفية فحسب، بل بفعل النشاط الاستعماري للدول القومية المرسملة، والحروب التي خاضتها هذه الدول فيما بينها ومع الدول الضعيفة النمو، وبفعل الاحتكارات الكبرى التي تطبع عالم اليوم بطابعها، وانقسم العالم إلى مركز وأطراف تدور في فلك المركز، وتتكثف فيها تناقضات النظام الرأسمالي العالمي وعيوبه الأصلية وأزماته، وتتردد فيه، مع ذلك أصداء الحرية، جنباً إلى جنب مع تشييء الإنسان أو تسليعه (من السلعة) ومع تتجير (من التجارة) العلاقات الاجتماعية والإنسانية؛ وبموازاة "صنمية السلعة" نشأت "صنمية السلطة"، وبلغ اغتراب الإنسان عن ناتج عمله وعن عالمه وعن ذاته ذروة لم يعد ممكناً معها سوى الكفاح من أجل حذف الاغتراب، وقيام البشرية العاقلة بشن حرب أخيرة على الحرب التي كانت ولا تزال تحدد العلاقات الدولية والعلاقات الاجتماعية والسياسية في كل دولة على حدة.
النمط الرأسمالي الحديث حرر الفرد من الروابط الأولية التي كانت توفر له الحماية والأمن وتمنح حياته معنى واتجاهاً، وألقى به في خضم عالم فسيح وغريب قوامه التنافس والتنازع والصراع، فملأه شعور بالوحدة والعزلة والقلق والشك والعجز والحنين إلى "الفردوس المفقود"؛ ولكنه منحه حرية اختيار مهنته وحرية الفكر والرأي والعقيدة، وبات عليه أن يحقق حريته الإيجابية مع الآخرين. ولكن معنى الحرية وأساليب ممارستها أو الهروب منها تختلف بحسب انتماء الفرد إلى إحدى فئات المجتمع أو طبقاته الدنيا أو الوسطى أو العليا في الهرم الاجتماعي الذي بات تقسيمه الطبقي صارماً ونهائياً إلى حد كبير. وإذا كانت الحرية الإيجابية لا تزال مقصورة على أفراد الطبقة العليا المالكة للثروة والسلطة ووسائل الإنتاج، فإن الحرية السلبية (التحرر من) هي ما حصلت عليه الطبقات الأخرى، فغدا معنى الحرية لدى الطبقات الدنيا، ولا سيما الطبقة العاملة، هو العمل في سبيل تغيير النظام القائم، أما الطبقة الوسطى، وهي أكثرية المجتمع، فهي التي تتجلى فيها تناقضات النظام، إذ تميل إلى المحافظة على النظام القائم من جهة، وتحتج على التفاوت الاجتماعي الذي ينمو باطراد من جهة أخرى، ولذلك تتكثف لديها مظاهر الخوف من الحرية والهروب منها.
الرأسمالية، في المركز والأطراف، وضعت الفرد الذي حررته من الروابط الأولية إلى غير رجعة، إذ بات من غير الممكن استعادة تلك الروابط إلا بصورة وهمية، وضعته أمام أحد خيارين: إما التقدم نحو الحرية الإيجابية والتصالح مع العالم ومع نفسه، بالحب والعمل والإبداع، والتعبير الأصيل عن قدراته العاطفية والحسية والعقلية، وإما الهروب من الحرية إلى التبعية والخضوع. ويتناسب هذان الخياران مع تيارين متناقضين في النظام الرأسمالي ذاته، التيار الديمقراطي والتيار الفاشي أو الهتلري، على اختلاف تفريعاته ومظاهره. وإن كان عالم الأطراف والهوامش أكثر عرضة للتسلط والاستبداد والدكتاتورية. وهذان التياران كلاهما متجذران ومؤثلان في النظام الرأسمالي العالمي، في مركزه وأطرافه على السواء؛ إذ يقترن أولهما بالتناقس، ويقترن الثاني بالاحتكار، والتنافس والاحتكار تياران أساسيان في النظام الرأسمالي العالمي. وإذا كان التيار الهتلري نوعاً من مرض خبيث يصيب القومية، أعني التعصب والاستعلاء القوميين، والشعور الوهمي بالتفوق القومي أو العرقي، فإنه لا يستنفد في هذه الصفة التي ترجع هي ذاتها إلى عوامل اجتماعية اقتصادية وسياسية وثقافية تتعلق بالفئات الوسطى بصورة أساسية، وبالحالة "الجماهيرية" التي تنتجها هذه الفئات التي تجلت لديها النزعات التسلطية والتدميرية والنمطية الآلية، في غير مكان من عالمنا المعاصر.
*عبدالرؤوف النويهى
27 - مارس - 2007
الخوف من الحرية ...(4)    كن أول من يقيّم
 
تحت كل مستوى فكري سياسي ثمة مستوى نفسي / روحي وأخلاقي، هذان المستويان يختلفان في المجتمعات الديمقراطية عنها في المجتمعات التي تعاني من نزعات تسلطية، ويختلفان أيضاً لدى الطبقات التي تتوفر على مستوى ما من الحرية الإيجابية، عنها لدى الطبقات الأخرى التي لم تتمتع بعد بهذه الحرية، ولا تزال في مستوى معين من مستويات الحرية السلبية، أو "التحرر من ..."، كالتحرر من الاستعمار المباشر أو من النظام الإقطاعي إلى هذه الدرجة أو تلك.
والنزعة التسلطية، على الصعيد النفسي لدى الفرد والجماعة، وعلى الصعيد الحضاري العام، ترجع إلى الخوف من الحرية والهروب منها. والخوف من الحرية والهروب منها تعبيران عن الرغبات المازوخية والسادية التي تساور جميع الأفراد، ولا سيما في الدول الشمولية والتسلطية، بدرجات متفاوتة لدى الأسوياء، وتبلغ لدى المرضى حالة العصاب. وأبرز مظاهرها التخلي عن استقلال الذات الفردية ودمجها في شخص آخر أو في حزب شمولي أو حركة توتاليتارية، أي في سلطة ما، وخضوعها خضوعاً مطلقاً لهذه السلطة، حتى لتبدو هذ السلطة قوام الذات وكيانها وماهيتها. وأساس هذه النزعة هو الهروب من العجز الفعلي إلى القوة الوهمية، ومحاولة فرض الأوهام الذاتية على الواقع الموضوعي. ووجها هذه العملية المتناقضان والمتكاملان هما الرغبة في الهيمنة والرغبة في الخضوع.
الرغبة في الهيمنة والرغبة في الخضوع تسمان العلاقات الاجتماعية والسياسية في النظام الشمولي، الهيمنة على الأضعف والخضوع للأقوى؛ الهيمنة على الأضعف تتخذ صيغة ممارسة سادية إزاء الآخر، كثيراً ما تكون عارية، (كالتعذيب الجسدي والنفسي في السجون والمعتقلات، وضرب الأولاد والزوجات ... إلخ)؛ ترافقها وتبطنها في الوقت ذاته ممارسة مازوخية صريحة حيناً وضمنية أحياناً إزاء الذات الفلقة الباحثة عن ملجأ وملاذ. والملجأ والملاذ قوة وهمية: قوة الروابط الأولية التي يحاول الفرد استعادتها والانغماس فيها من جهة، وقوة الزعيم أو الحزب أو الحركة التوتاليتارية التي يتماهى بها، ويضفي عليها صفات العصمة والقداسة والكمال، من جهة أخرى. وكلما بدا له أن استعادة الروابط الأولية مستحيلة، يحاول إعادة إنتاجها في صيغة "روابط ثانوية" بديلة، في الحزب الشمولي وفي الحركة التوتاليتارية وفي صورة الزعيم التي تكثف السلطة والقوة الرمزيتين. وليس أمراً بلا دلالة اهتمام "الكائنات التوتاليتارية" بصور الزعيم وتمائيله، وبترديد أقواله والإعجاب غير المتناهي بأفعاله، وإن كانت هذه الأخيرة من نوع الجرائم الموصوفة التي يدهش الإعجاب بها العالم المتمدن. ولذلك تتحول الأحزاب السياسية في البلدان التابعة والمتأخرة، التي لم يكن تطورها الرأسمالي كافياً للإجهاز على الروابط الأولية، إلى "بنى موازية" لبنى المجتمع التقليدي، أو لكسوره الاجتماعية، العشائرية والمذهبية والإثنية والمحلوية. ودراسة آليات الانشقاق في الأحزاب السياسية العربية تؤكد ذلك.
الكائن التوتاليتاري لا يستطيع أن يحب الآخرين وأن يقدرهم حق قدرهم، لأنه لا يعرف كيف يحب نفسه ويحترمها ويقدرها حق قدرها. إنه بالأحرى كائن أناني أنانيته جشعة مفتوحة على هوة لا قرار لها، فلا يمكن إشباعها. والأنانية هي "نقص التوكيد للنفس الحقيقية ومحبتها، أي للوجود الإنساني العيني بكل إمكانياته"[11] فهي لا تتطابق مع محبة النفس، بل مع عكسها. ومن ثم فالأناني غير قادر على الحب، وهو إلى ذلك يكره العمل بصفته فاعلية ذاتية ذات محتوى اجتماعي وإنساني. ولذلك تراه ميالاً إلى تنفيذ الأوامر وإلى العمل التكراري، الروتيني، وإلى تنفيذ المهمات بحذافيرها من دون أي هامش للمبادرة الذاتية. وإذا كانت هذه المشكلة هي مشكلة الإنسان الحديث في المجتمع الرأسمالي، فإنها مدفوعة إلى حدها الأقصى في البلدان التابعة والهامشية. ولما كانت العلاقات الاجتماعية والإنسانية قد تحولت إلى علاقات بين أشياء تخلو من أي اكتراث بالعنصر الإنساني، وغدت محكومة بمنطق السوق، يمكننا القول إن الكائن التوتاليتاري إنسان باع نفسه، وضحى بكرامته الوطنية والإنسانية على مذبح القوة الوهمية، في سبيل الغنيمة والعشيرة والعقيدة.
رفعت الحركة التوتاليتارية، حركة الفئات الوسطى، التي كان ذات يوم أحزاباً سياسية تتنافس في المجتمع المدني وتحت قبة البرلمان، شعارات الحرية والمساواة والعدالة، والوحدة القومية أو الوحدة الإسلامية أو الأممية البروليتارية، بغض النظر عن التباس مفهومي الحرية والتحرر لديها، وكثفت هذه الشعارات في شعار "تحرير الأرض والإنسان"، والإنسان عندها مقلص إلى عضو الحركة التوتاليتارية، فاستمالت إليها كتلة شعبية واسعة من المتعطشين لمضمون هذه الشعارات، بحكم تقارب مستويات الوعي وبحكم قوة الأيديولوجية. وفور استيلائها على الحكم، بقوة الجيش، كما حدث في عدد من البلدان العربية، قامت بحملات تطهير في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن السرية، وفي الإدارة العامة، ثم ما لبثت أن قامت بتأطير هذه الكتلة الشعبية في تنظيمات توتاليتارية، ولم تستثن النقابات، بل أعادت صوغها على شاكلة التنظيمات التوتاليتارية ذاتها فتتقلصت الفروق العملية بين نقابة المحامين أو نقابة الأطباء أو نقابة المهندسين وبين اتحاد الفلاحين واتحاد الكتاب واتحاد الشبيبة وغيرها. عمليات التطهير والتأطير المتواصلة وضعت الأفراد الذين تحرروا للتو من الروابط الأولية أمام أحد خيارين: أولهما، أن يتخلى كل منهم عن حريته واستقلاله وفرديته، فنينضوي، ويضوي، في أحد تنظيمات السلطة التي لا توفر له الأمن والحماية فقط، بل تمنحه بعض الامتيازات أيضاً، بصفته مناضلاً باع نفسه [12]، في سبيل "الأهداف النبيلة". وتتناسب الامتيازات طرداً، لا مع الولاء الشخصي فحسب، بل مع درجة الضراوة في محاربة أعداء الحركة الفعليين والمحتملين. وهؤلاء الأعداء المحتملون قد يكونون بعض رفاقه، فضلاً عن الآخرين من أفراد الشعب، وهذا ما يقتضي من المناضل أو الرفيق، أو الأخ، المجاهد، وهي صفات تطمس سائر صفات الفرد الأخرى أو تلغيها، مزيداً من اليقظة والحذر ومزيداً من الحماسة والحمية في الدفاع عن "الثورة" وعن قيادتها الحكيمة وعن القائد الذي تنسب إليه لا جميع صفات الأنبياء فقط بل صفات الألوهية، حتى حين يكون الزعيم "أميراً للمؤمنين"، أي قائداً لحركة إسلامية يفترض أن يردعه إيمانه الديني عن مثل هذه الوثنية المبتذلة.
وإن مجرد احتمال أن يكون في إطار الحركة، ولا سيما في قلبها، أعداء مندسون أو رفاق داخلهم الشك فزعزع أيمانهم، وينبغي كشفهم والإجهاز عليهم، يجعل كل واحد من أعضاء الحركة موضع ريبة وشك من الآخرين ورقيباً عليهم في الوقت ذاته. وتغدو الريبة والشك والحذر والخوف من أبرز صفات المناضل والمجاهد. وتزداد وتيرة الشك طرداً مع ترقية أعضاء الحركة في مراتب القيادة واقترابهم من مركز القرار الذي يضيق تدريجياً بسبب الشك والخوف معاً حتى ينحصر في شخص الزعيم الذي يشك في الجميع ويخاف منهم بالقدر ذاته. ومن البديهي وهذه الحال أن تغدو السادية والمازوخية معاً بطانة العلاقات السياسية وبطانة السلوك السياسي الذي يرتدي بالضرورة طابعاً أمنياً. والمازوخية والسادية كلاهما تعبيران نفسيان عن الخوف من الحرية والهرب من تحمل تبعاتها وأعبائها ودفع تكاليفها.
*عبدالرؤوف النويهى
27 - مارس - 2007
 13  14  15  16