تزوج معاوية بن ابي سفيان ميسون بنت بحدل الكلابية وكانت على قدر وافر من الجمال. فأسكنها قصراً مشرفاً على الغوطة وزينه بأنواع الزخارف ووضع فيه اواني الذهب والفضة كما نقل اليه الديباج الرومي الملون وفرشهُ بانواع الفرش الفاخرة. واسكن معها جوار حسناوات. فخرجت يوماً, تحفُ بها جواريها وهي تلبس افخر ثيابها, متزينة بالحلي والجواهر ويفوحُ منها الطيب. فجلست تنظر إلى الغوطة واشجارها وانهارها, وما فيها من زهور ورياحين, فتذكرت البادية وحنت إلى اترابها وملاعب طفولتها, فتنهدت, فقالت لها بعضُ جواريها: أتبكين وأنتِ في هذا العيش الرغيد? وملكِ يضاهي ملك بلقيس? فأنشدت تقول:
ولبسُ عباءة وتقـر عينـي احبُ اليّ من لبس الشفوف
وبيت تخفـق الارواح فيـه احبُ اليّ من قصر منيف
وبكر يتبع الاظعان صعـب احبُ اليّ من بعل زفوف
وخرق من بني عمي نحيف احبُ اليّ من علج عنوف
وكلب ينبح الطــراق عني احبُ اليّ من قـط الوف
فبلغ معاوية ماقالت, فقال: اما رضيت بنت بحدل حتى جعلتني علجا عنوفا, فطلقها واهدى لها مافي القصر وسيرها الى اهلها بنجد, وكانت حاملا بيزيد, فولدتهُ في البادية, فنشأ على الفصاحة وقول الشعر.
ودخل معاوية يوماً ومعهُ خديج الخصي على زوجته ميسون, فاستترت منه فقال لها معاوية: ان هذا بمنزلة المراة فعلام تستترين منه? فقالت: كانك ترى المثلة احلت له مني ماحرم الله عليه.
ودخل الاحنف بن قيس ومعه جماعة من اهل العراق على معاوية بن ابي سفيان فقالت له ميسون: اجعلني في موضع بحيث اسمع كلامهم. فلما دخلوا سأل معاوية الاحنف: كيف زيك مع اهلك? قال: اعفني يا امير المؤمنين. قال: عزمتُ عليك لتفعلن. قال: احسن الخلق, واظهر البشر, واوسع النفقة. قال: فكيف اذا اردت مباضعتها. قال: من هذا استعفيتك. قال: نشدتك لما قلت. قال: اكلمها حتى تنشط, والثمها حتى تطرب, فاذا كان الذي تعلم طرحتُ على ظهري وقاية تقيني, فاذا استقرت النطفة في قرارها, قلت اللهم اجعلها ميمونة مباركة ولاتجعلها شقية مشاركة, وصورها احسن صورة, ثم اقومُ الى الوضوء, فأفيض الماء على يدي وترا, ثم اصبه على جسدي مسبغا, ثم احمد الله على مااعطاني من النعمة السابغة والحلال الطيب, فقال معاوية: احسنت الجواب فسلني ماحاجتك? قال: حاجتي يا امير المؤمنين ان تتقي الله في الرعية, وتعدل في السوية. ثم نهض, فلما مضى قالت ميسون: لو لم يكن في العراق إلا هذا لكفاهم.
|