من قصص الجاحظ كن أول من يقيّم
قال الجاحظ: ُذكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده, فلما رآنى إستبشع منظرى, فأمر لى بعشرة آلاف درهم وصرفنى. فخرجت من عنده فلقيت محمد بن ابراهيم وهو يريد الانصراف الى مدينة السلام فعرض على الركوب معه فى حراقته( مركب نهرى) فلما ركبنا الحراقة نُصبت ستارة وأمر بالغناء, فاندفعت عوادة فغنت:
كل يوم قطيعة وعتاب ينقضى دهرنا ونحن غضاب
ليت شعرى أنا خُصصت بهذا دون ذا الخلق أم كذا الاحباب
وسكتت, فأمر الطنبورية فغنت:
وارحمتا للعاشقينا ما إن أرى لهم معينا
كم ُيهجرون وُيصرمون وُيقطعون فيصبرونا
فقالت لها العوادة: فيصنعون ماذا?قالت: هكذا يصنعون وضربت بيدها الى الستارة فهتكتها وبرزت كأنها فلقة قمر فألقت نفسها فى الماء.فنظر اليها غلام يضاهيها فى الجمال وبيده مذبة(بكسر الميم ما يطرد بها الذباب) فأتى الموضع ونظر اليها وهى تمر بين الماء وانشد:
أنت التى غرقتنى بعد القضا لو تعلمينا
وألقى نفسه فى أثرها, فأدار الملاح الحراقة فإذا بهما متعانقان, ثم غاصا فى الماء فلم ُيريا. |