البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : تذكار الجاحظ    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 زهير 
7 - مارس - 2006
أدعو محبي الجاحظ لإثراء هذا الملف بما تجود به هممهم من ذكر خصوصيات الجاحظ وأوابد أخباره ولاسيما الشخصية منها، وما يتصل بسيرته من نوادر الأنابيش، وطرائف الكنانيش، مبتدئا بذكر هذه المختارات من ترجمته في (معجم الأدباء) لياقوت.
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رسالة الجاحظ إلى إبراهيم بن المدبر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

قال أبو علي التنوخي: حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد الأخباري قال: حدثني أبو الفرج الأصبهاني قال: أخبرني الحسن بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني عبد الله بن جعفر الوكيل قال: كنت يوماً عند إبراهيم بن المدبر فرأيت بين يديه رقعة يردد النظر إليها فقلت له: ما شأن هذه الرقعة? كأنه استعجم عليك شيء منه? فقال: هذه رقعة أبي عثمان الجاحظ، وكلامه يعجبني وأنا أردده على نفسي لشدة إعجابي. فقلت: هل يجوز أن أقرأها? قال: نعم وألقاها إلي فإذا فيها: ما ضاء لي نهار ولا دجا ليل مذ فارقتك، إلا وجدت الشوق إليك قد حز في كبدي، والأسف عليك قد أسقط في يدي، والنزاع نحوك قد خان جلدي، فأنا بين حشاً خافقة ودمعة مهراقة، ونفس قد ذبلت بما تجاهد، وجوانح قد أبليت بما تكابد، وذكرت وأنا على فراش الارتماض ممنوع من لذة الإغماض قول بشار:

إذا  هتف القمري نازعني iiالهوى بشوق فلم أملك دموعي من iiالوجد
أبـى الله إلا أن يـفـرق iiبـيننا وكنا  كماء المزن شيب مع iiالشهد
لـقـد  كان ما بيني زماناً iiوبينها كما كان بين المسك والعنبر الورد
فانتظم وصف ما كنا نتعاشر عليه، ونجري في مودتنا إليه في شعره هذا، وذكرت أيضاً ما رماني به الدهر من فرقة أعزائي من إخواني الذين أنت أعزهم، ويمتحنني بمن نأى من أحبائي وخلصاني الذين أنت أحبهم وأخلصهم، ويجرعنيه من مرارة نأيهم وبعد لقائهم، وسألت الله أن يقرن آيات سروري بالقرب منك، ولين عيشي بسرعة أوبتك، وقلت أبياتاً تقصر عن صفة وجدي، وكنه ما يتضمنه قلبي، وهي:
بـخـدي مـن قطر الدموع iiندوب وبـالـقـلب مني مذ نأيت iiوجيب
ولي نفس حتى الدجى يصدع الحشا ورجـع حـنـيـن لـلفؤاد iiمذيب
ولـي شاهد من ضر نفسي iiوسقمه يـخـبـر عـنـي أنـني iiلكئيب
كـأنـي  لـم أفجع بفرقة iiصاحب ولا غـاب عن عيني سواك iiحبيب
فقلت لابن المدبر: هذه رقعة عاشق لا رقعة خادم، ورقعة غائب لا رقعة حاضر. فضحك وقال: نحن ننبسط مع أبي عثمان إلى ما هو أرق من هذا وألطف، فأما الغيبة فإننا نجتمع في كل ثلاثة أيام، وتأخر ذلك لشغل عرض لي فخاطبني مخاطبة الغائب، وأقام انقطاع المدة مقام الغيبة.

 

*زهير
7 - مارس - 2006
رسالته إلى الوزير ابن الزيات الذي ألف له كتابه الحيوان    كن أول من يقيّم
 

قال ياقوت: وحدث علي بن محمد الوراق قال: من كتاب الجاحظ إلى ابن الزيات:

(لا والله، ما عالج الناس داءً قط أدوى من الغيظ، ولا رأيت شيئاً هو أنفذ من شماتة الأعداء، ولا أعلم باباً أجمع لخصال المكروه من الذل، ولكن المظلوم ما دام يجد من يرجوه، والمبتلى ما دام يجد من يرثي له، فهو على سبب درك وإن تطاولت به الأيام، فكم من كربة فادحة، وضيقة مصمتة قد فتحت أقفالها وفككت أغلالها، ومهما قصرت فيه فلم أقصر في المعرفة بفضلك، وفي حسن النية بيني وبينك، لا مشتت الهوى، ولا مقسم الأمل، على تقصير قد احتملته، وتفريط قد اغتفرته، ولعل ذلك أن يكون من ديون الإدلال وجرائم الإغفال، ومهما كان من ذلك فلن أجمع بين الإساءة والإنكار، وإن كنت كما تصف من التقصير وكما تعرف من التفريط، فإني من شاكري أهل هذا الزمان، وحسن الحال. متوسط المذهب، وأنا أحمد الله على أن كانت مرتبتك من المنعمين فوق مرتبتي في الشاكرين، وقد كانت علي بك نعمة أذاقتني طعم العز، وعودتني روح الكفاية، ولوت هذا الدهر وجهده، ولما مسخ الله الإنسان قرداً وخنزيراً ترك فيهما مشابه من الإنسان، ولما مسخ زماننا لم يترك فيه مشابه من الأزمان).

*زهير
7 - مارس - 2006
القبض على الجاحظ بعد مقتل ابن الزيات    كن أول من يقيّم
 

قال أبو عبد الله المرزباني: حدث إسحاق الموصلي وأبو العيناء قال: كنت عند أحمد بن أبي دؤاد بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيداً وكان من أصحاب ابن الزيات وفي ناحيته، فلما نظر إليه قال: والله ما علمتك إلا متنسباً للنعمة، كفوراً للصنيعة، معدداً للمساوي، وما فتني باستصلاحي لك، ولكن الأيام لا تصلح منك لفساد طويتك، ورداءة داخلتك، وسوء اختيارك، وتغالب طبعك. فقال له الجاحظ: خفض عليك، - أيدك الله -، فوالله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن، أحسن عنك من أن أحسن فتسيء، وأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل من الانتقام مني. فقال له ابن أبي دؤاد: قبحك الله، ما علمتك إلا كثير تزويق الكلام، وقد جعلت ثيابك أمام قلبك، ثم اصطفيت فيه النفاق والكفر، ما تأويل هذه الآية?: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد). قال: تلاوتها تأويلها - أعز الله القاضي -. فقال: جيئوا بحداد. فقال: - أعز الله القاضي - ليفك عني أو ليزيدني? فقال: بل ليفك عنك. فجيء بالحداد فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ، ويطيل أمره قليلاً، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة. فضحك ابن أبي دؤاد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي دؤاد لمحمد بن المنصور، وكان حاضراً: صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى، واحمل إليه تخت ثياب وطويلة وخفاً، فلبس ذلك ثم أتاه متصدرا في مجلسه، ثم أقبل عليه وقال: هات الآن حديثك يا أبا عثمان.

*زهير
7 - مارس - 2006
من شعره في أحمد بن أبي دؤاد    كن أول من يقيّم
 

أحمد بن أبي دؤاد كبير المعتزلة في عصره، وله ألف الجاحظ كتابه (البيان والتبيين)

قال ياقوت: ومن شعر الجاحظ في ابن أبي دؤاد:

وعـويـص من الامور iiبهيم غامض الشخص مظلم مستور
قـد تـسـنمت ما توعر iiمنه بـلـسـان  يـزينه iiالتحبير
مـثل وشي البرود هلله النس ج  وعـنـد الحجاج در نثير
حـسن الصمت والمقاطع iiإما نـصت القوم والحديث iiيدور
ثم من بعد لحظة تورث iiاليس ر  وعـرض مـهذب موفور

وكتب الجاحظ إلى أحمد بن أبي دؤاد:

لا  تراني وإن تطاولت iiعمداً بـيـن  صفيهم وأنت iiتسير
كـلـهـم  فاضل علي iiبمال ولـسـانـي  يزينه iiالتحبير
فـإذا ضـمنا الحديث iiوبيت وكـأنـي على الجميع iiأمير
رب خصم أرق من كل روح ولـفـرط الـذكا يكاد iiيطير
فـإذا رام غـايتي فهو iiكاب وعـلى  البعد كوكب iiمبهور

*زهير
7 - مارس - 2006
الجاحظ يعترف بالخطأ وأبو حيان ينتصر له    كن أول من يقيّم
 

حدث يحيى بن علي بن المنجم قال: قلت للجاحظ: مثلك في علمك ومقدارك في الأدب يقول في كتاب البيان والتبيين: ويكره للجارية أن تشبه بالرجال في فصاحتها، ألا ترى إلى قول مالك بن أسماء الفزاري:

وحـديـث  ألـذه هـو مما يـنعت الناعتون يوزن وزنا
مـنطق  صائب وتلحن أحيا ناً وخير الحديث ما كان لحنا

فتراه من لحن الأعراب، وإنما وصفها بالظرف والفطنة وإنما تلحن أي تورى في لفظها عن أشياء وتتنكب ما قصدت له، فقال: فطنت لذلك. قلت: فغيره. قال: فكيف لي بما سارت به الركبان? فهو في كتابه على خطئه.

قال أبو محلم: أراد الفزاري بقوله هذا، أن خير الحديث ما أومأت إلي به، وورت عن الإفصاح به لئلا يعلمه غيرنا، ومثله قول الكلابي:

لـقد لحنت لكم لكيما iiتفهموا ووحيت وحياً ليس بالمرتاب
ومنه قوله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول)، أي فيما يتوحونه بينهم من النفاق والطعن.
قال ياقوت: وقد انتصر أبو حيان لهذا القول الذي اعترف الجاحظ بخطئه فيه فقال: وعندي أن المسألة محتملة للكلام، لأن مقابل المنطق الصائب المنطق الملحون، واللحن من الغواني والفتيات غير منكر ولا مكروه بل يستحب ذلك، لأنه بالتأنيث أشبه، وللشهوة أدعى، ومع الغزل أجرى، والإعراب جد، وليس الجد من التغزل والتعشق والتشاجي في شيء، وعلى مذهب علي بن يحيى? أن المنطق الصائب هو الكلام الصريح، وأن اللحن هو التعريض، وأنها تعرف هذا وهذا، فهب أن هذا المعنى مقبول، لم ينبغي أن يكون المعنى الآخر لهوجاً ومردوداً? وقد يجوز أن يكون مراد الشاعر ذاك، لأن الشاعر يشعر بهذا كما يشعر بهذا.

*زهير
7 - مارس - 2006
أبو بكر ابن علي يصف منزلة الجاحظ    كن أول من يقيّم
 
وقال المرزباني: قال أبو بكر أحمد بن علي: كان أبو عثمان الجاحظ من أصحاب النظام، وكان واسع العلم بالكلام، كثير التبحر فيه شديد الضبط لحدوده، ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين، وله كتب كثيرة مشهورة جليلة في نصرة الدين، وفي حكاية مذهب المخالفين، وفي الآداب والأخلاق، وفي ضروب من الجد والهزل، وقد تداولها الناس وقرؤوها وعرفوا فضلها. وإذا تدبر العاقل المميز أمر كتبه علم أنه ليس في تلقيح العقول وشحذ الأذهان، ومعرفة أصول الكلام وجواهره، وإيصال خلاف الإسلام ومذاهب الاعتزال إلى القلوب كتب تشبهها، والجاحظ عظيم القدر في المعتزلة وغير المعتزلة من العلماء الذين يعرفون الرجال ويميزون الأمور.
*زهير
7 - مارس - 2006
من أخبار الجاحظ    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

كان الجاحظ صديقا للوزير محمد بن الحسن الزيات منقطعا اليه.وكان بين هذا الوزير وبين احمد بن ابى دؤاد عداوة متأصلة. قلما قبض على محمد بن الزيات, هرب الجاحظ خوفا من إنتقام ابن أبى دؤاد.فقيل له لم هربت? قال: خفت ان اكون ثانى اثنين إذ هما فى التنور!

ولهذا التنور الذى ذكره الجاحظ قصة غريبة. فهو من إبتكار وإبداع الوزير محمد بن الزيات. تنور ذو مساميرمغروزة فى داخله يضرم نارا ثم يلقى الضحية فى داخله ليعذب.وسرعان ما انقلب الزمان وقبض على محمد هذا والقى فى نفس التنور وعذب بنفس الطريقة التى كان يعذب بها ضحاياه. ومن طريف أخبار الجاحظ أنه سأل أبا يعقوب الخزيمى:من خلق المعاصى? قال :الله.قال:فمن عذب عليها?قال: الله.قال الجاحظ: لم? قال: لا أدرى والله! وربما لنا عودة مع الجاحظ والاعتزال.

alsaadi
9 - مارس - 2006
من قصص الجاحظ    كن أول من يقيّم
 

قال الجاحظ: ُذكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده, فلما رآنى إستبشع منظرى, فأمر لى بعشرة آلاف درهم وصرفنى. فخرجت من عنده فلقيت محمد بن ابراهيم وهو يريد الانصراف الى مدينة السلام فعرض على الركوب معه فى حراقته( مركب نهرى) فلما ركبنا الحراقة نُصبت ستارة وأمر بالغناء, فاندفعت عوادة فغنت:

               كل يوم قطيعة وعتاب              ينقضى دهرنا ونحن غضاب

              ليت شعرى أنا خُصصت بهذا        دون ذا الخلق أم كذا الاحباب

وسكتت, فأمر الطنبورية فغنت:

    

                  وارحمتا للعاشقينا           ما إن أرى لهم معينا

                     كم ُيهجرون وُيصرمون وُيقطعون فيصبرونا 

فقالت لها العوادة: فيصنعون ماذا?قالت: هكذا يصنعون وضربت بيدها الى الستارة فهتكتها وبرزت كأنها فلقة قمر فألقت نفسها فى الماء.فنظر اليها غلام يضاهيها فى الجمال وبيده مذبة(بكسر الميم ما يطرد بها الذباب) فأتى الموضع ونظر اليها وهى تمر بين الماء وانشد:

                أنت التى غرقتنى         بعد القضا لو تعلمينا 

وألقى نفسه فى أثرها, فأدار الملاح الحراقة فإذا بهما متعانقان, ثم غاصا فى الماء فلم ُيريا.

alsaadi
10 - مارس - 2006
قضية تصميم البحث    كن أول من يقيّم
 
 قضية بناء البحث تنبّهَ إليها الجاحظ بهذه الطريقة. جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي (626 هـ): 1/13 - 14

" وقد حُكِيَ عن الجاحظ أنه صنف كتابا وبوَّبَه أبواباَ، فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاء، فأحضره وقال له: يا هذا إن المُصنِّف كالمُصوِّر وإني قد صنفتُ في تصنيفي صورةً كانت لها عينان فعوَّرْتَهُما، أعمى اللهُ عينيك، وكان لهما أذنان فَصَلَّمْتَهما، صَلَّمَ اللهُ أذنيك، وكان لهما يدان فقطَعْتهما، قطع الله يديك، حتى عدَّ أعضاء الصورة، فاعتذر إليه الرجل بجهله هذا المقدار، وتاب عليه عن المعاودة إلى مثله ".

ولي كتاب عن الجاحظ بعنوان:( الكتاب وصناعة التأليف عند الجاحظ) - ط1، سنة 2004م، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش - المغرب

*عباس
25 - فبراير - 2008
كلمة عن مكانة الجاحظ    كن أول من يقيّم
 
ماذا عن مكانة الجاحظ؟
عن مكانة الجاحظ يكفي أن نسوق ثلاثة أمثلة:
أولا: ذكروا أن ثابت بن قُرَّة الصابئ [ 288هـ ] قال:" ما أحسد هذه الأمة إلا على ثلاثة أنفس: أولهم: عمر بن الخطاب في سياسته ويقظته، وحذره وتحفظه، ودينه وتقيته ( ...) وصرامته وشهامته (...) والثاني الحسن بن أبي الحسن البصري، فلقد كان من دراري النجوم علما وتقوىً، وزهداً وورَعاً، وعِفة ورقة، وتألهاً وتنزهاً(...) والثالث أبو عثمان الجاحظ خطيب المسلمين، وشيخ المتكلمين (... ) كتبُه رياض زاهرة، ورسائله أفنان ثمرة (...) والعلماء تأخذ عنه، والخاصة تُسلِّمُ له (...) " (1).
وهناك مَن أراد الغمز في نسبه والتشكيك في أصله العربي؛  فتمسّك بالرواية التي وردت في ترجمة الجاحظ في تاريخ بغداد، والتي تقول إن جدَّه الأدنى كان أسود اللون يُقال له فزارة، وكان جَمَّالا لعمرو بن قلع؛ وهي رواية عن يموت بن المُزَرِّع المحدِّث ( ابن بنت أخت الجاحظ)، لكنها رواية لا تثبت عند الفحص؛ وإنما أُريدَ بها أن تكون مطعنا في نسب الجاحظ؛ قصد إبعاده عن أصله العربي بالتشكيك في هذا الأصل، وجَعْلِه من الأفارقة (2).
ثانيا: ما نقله ياقوت الحموي (626هـ) في معجم الأدباء من كتاب  تقريظ الجاحظ  لأبي حيان التوحيدي (414هـ) من أن أبا عثمان أحد ثلاثة " لو اجتمع الثقلان على تقريظهم  ومدحهم، ونشر فضائلهم في أخلاقهم وعلمهم ومصنفاتهم ورسائلهم، مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها، لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم ". وقد ذكره  إلى جانب كل من  أبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري ( نحو 282هـ )، وأبي زيد أحمد بن سهل البلْخي (322هـ) (3).
ثالثا: نجد أن مقياس الحضارة عند ابن العميد ( أبي الفضل محمد بن الحسين 360هـ) أمران: أوَّلُهما: التفطُّن لخواص بغداد، وثانيهما: معرفة كتب الجاحظ. وكان ابن العميد " إذا طرأ عليه أحد من مُنتحلي العلم فأراد امتحانَ عقلِه سأله عن بغداد؛ فإن فَطِنَ لخواصِّها، ونبَّهَ على محاسنها، وأثنى خيراً عليها؛ جعل ذلك مقدمة فضله، وعنوان عقله، ثم سـأله عن الجاحظ، فإن وجد عنده أثرَ المُطالعة لكتبه، والاقتباس من ألفاظه، وبعض القيام بمسائله؛ قضى له بأنه غُرَّةٌ شادخة [ ظاهرة ] في أهل العلم، وإن وجدَه ذامّاً لبغداد غَفِلاً عما يجب أن يكون موسوماً به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ، لم يَنفعْه بعد ذلك شيءٌ من المحاسن" (4).  
وابن العميد هذا هو الذي جاء عنه في يتيمة الدهر" عين المشرق(...)، وأوحد العصر في الكتابة؛ يُدعى الجاحظ الأخير" (5). فقد لُقِّب بالجاحظ الثاني.
وعن تعلق الجاحظ بالكتب، أذَكِّرُ بخبريْن؛ ورد أولهما في معجم الأدباء؛ وهو قول أبي هفّان ( عبد الله بن محمد 257هـ)؛ أحد العلماء بالشعر من البصريين: " لم أر قط ولا سمعت مَن أحب الكتب والعلومَ أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع  بيده كتابٌ قط إلا استوفى قراءتَه، كائناً ما كان، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويَبيتُ فيها للنظر " (6).  
 والقول الثاني ورد في الفهرست لابن النديم ( نحو 400هـ)، " عن أبي العباس محمد بن يزيد النحوي [ المبرد 385هـ ]، قال: ما رأيتُ أحْرَص على العلم من ثلاثة: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل بن إسحاق القاضي؛ فأمّا الجاحظ، فإنه كان إذا وقع بيده الكتاب قرأَه من أوله إلى آخره، أيّ كتاب كان" (7). 
هوامش:
(1) معجم الأدباء: 5/ 2113– 2114 . ويُقارن بما أورده أبو حيان في كتابه البصائر والذخائر: 1/190 – 191، وقال فيه: " إنك لا تجد مثلَه ، فسبحان مَن سخَّر له البيان وعلَّمَه، وسلَّم في يده قَصَب الرِّهان وقدَّمَه".
(2) تاريخ بغداد: 14/358 – 360 -  وتفصيل هذه القضية عند طه الحاجري، ص79 – 88-  يقول د. شوقي ضيف: " وهو يرجع – فيما يظهر- إلى أصل غير عربي ( الفن ومذاهبه في النثر العربي )، ص 154.
(3)  تاريخ بغداد: 1/259 .
(4) لطائف المعارف: أبو منصور الثعالبي (429هـ)، تحقيق: محمد إبراهيم سليم – ط1 [ القاهرة، دار الطلائع، 1992] ، ص129 - 130. 
(5) يتيمة الدهر: الثعالبي (429هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد:3/183 – جاء في الإمتاع والمؤانسة 1/66 أن أبا الفضل " تخيل مذهب الجاحظ وظن إنْ تبعَه لحقَه، وإن ْ تلاه أدركَه؛ فوقعَ بعيداً عن الجاحظ: 166
(6)  نفسه:5/2101
(7)   الفهرست، ص291
 
*عباس
26 - مارس - 2008
 1  2