البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : البنت التي تبلبلت    قيّم
التقييم :
( من قبل 12 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
6 - مارس - 2006

شاعرنا الكبير ، الأستاذ زهير:

ما قرأته في مداخلتك الأخيرة أفرحني، لجهة أنني شعرت بأن غلاظتي قد أثمرت ، هي عكرت ماء اليقين، الذي لا بد من تعكيره من وقت لآخر لكي نزداد يقيناً . وجاء دفاعك على أحلى ما يكون ، بل ليكون مناسبة نتعرف من خلالها على الوجه الآخر للباحث زهير ظاظا ، ونلامس وجوده الإنساني ، وما زادنا هذا إلا تقديراً .

وجودك اليوم في المكان الصحيح يعني الكثير للكثيرين منا الذين تزخر بهم أمتنا ولم يجدوا مكانهم بعد .

نتشوق لمعرفة المزيد والمزيد ، لكني ارتأيت بأن نترك ساحة الفلسفة لكي لا ينقطع حبل النقاش فيها ، ونفتح ملفاً آخراً ، وهذا متروك لتقديرك وما تظنه مناسباً   

 

 كنت قد كتبت رواية صغيرة الحجم ، تحكي قصة بنت مراهقة في زمن الحرب الأهلية اللبنانية . أراها في صميم موضوعنا الفلسفي الذي نتناقش فيه ، لأنها ترمز إلى صراع الإنسان مع أهوائه وانشطاره بين رغبتين . وهي تبرز أيضاً مقاومة الموروث الثقافي ، عندما يكون عميقاً ومتأصلاً ، مع الفكر المكتسب بمظهره الحضاري " التحرري " وما يخفيه من طموحات .   

الرواية اخترت لها عنوان " البنت التي تبلبلت ... " . الحدث ، الذي هو قصة حب فاشلة ، المغرق في عاديته ، اتخذته ذريعة للتوغل إلى الداخلي ، والحميم ، لفهم ما كان يعتمل من نوازع و تغيرات في نفس تلك البنت وعالمها المحيط  من : عائلة ووطن وأصدقاء . هذه البنت كانت تتنازعها رغبتان ، الأولى: الحفاظ على نقائها الفطري، وهو ما نقلته إليها تربيتها وما تشعره في ذاتها  السحيقة . والثانية: رغبتها في الحياة والتكيف مع زمنها ومحيطها وما كانت تدعيه من أفكار عصرية وما يستلزم كل ذلك من تنازلات لا بد منها 

الحكاية تبدأ هكذا :

 

 "البنت تحدث نفسها "

أتذكرين ? تلك البنت التي كنت أعرفها ! ... كانت رقيقة ، نقية ، دمثة الأخلاق ومنذورة لأن تكون أماً مثالية !... هكذا عرفتك ! فما الذي جرى لك ، لكي تتبدلي ? ما الذي حدث لك ، لكي تتبلبلي كالريح ... ? أهو الزمان من أشقاك وغير ألوانك ? وما الذي فعلتِه أنت بنفسك ، لكي أراك ، كأنك القطيع الشاردة : مشتتة ، مبعثرة ، ومنزوعة الروح  ............. ?
 
ستقولين : " ربما هي الحرب التي داهمتني باكراً ، أعدمتني ماء الحياة  ... أربعة عشر عاماً ،  هي عمر الورود ، إعصار الطفولة اللجوجة ، ودفق الشباب الذي لا يطيق الانتظار ... لم   أرها ، ضيعتها بالانتظار ...
 كان العمرجميلاً ، والوقت كان ودوداً : الوطن كان فيروز ، والحب كان فيروز ... . الأهل والأصدقاء ? كانوا بسطاء ، لا يعدون الأيام . حتى حدثت الزلزلة .... ! " .
 
لكني أنا رأيتها لما أقبلت ! هدية الزمان إليك ، لما أقبلت ، كما المهرجان ! كزهوة البستان أشرقت ، فرحت لها بذاك الزمان . ألا تذكرينها كما أذكرها أنا ? أم أنك تتناسين ?
أتذكرين ? جدتك ، لما كانت تغرس شتولها بقرب باب الحديقة ? تضع بذور الحبق =الريحان= في باطن الأرض ، ثم تهيل عليها التراب بكفيها وهي تتمتم :
" بحق الخضرأبو العباس ، تعيش زريعتي وما تيبس ..."
ترددها ثلاث مرات ، تزرعها عند بزوغ هلال القمر ، وتسقيها من بعد الغروب ،  ... كنت تضحكين في سرك وتقولين : " جدتي ، تعيش في الأساطير ! الماضي حكايات ، والحاضر ، دعاء وصلوات .... " . أتذكرين كيف كانت  شتولها بهجة للروح ? مساكب الفل والنرجس ، وأحواض البنفسج والمنتور ، كانت بهجة للروح !.... كانت تشبه أعوامك الأربعة عشرة . أفلا تذكرين ?
 
"الحرب استدامت حروباً " ، تقولين ، " هدمتنا الحرب ! أعادتنا إلى مهدنا الأول ، العراء ! " .
  صحيح ، عزيزتي ، الحرب استطالت ، وعبثاً بحثنا لها عن أسباب ، لكي نحتويها ، لكي نعقلها  . قالوا بأنها كانت حرباً طائفية . قلنا : بأننا انتفضنا  ضد مشروع الانعزالية والصهيونية ....... أبي أقنعنا وقتذاك  بأنها كانت أيضاً (حرب الرأسمالية ضد الطبقات  الكادحة)  وأنها حرب تحرير وثورة اجتماعية ! كان يردد : بأنها تحالف البورجوازية مع الفاشية ، والامبريالية العالمية ضد مصالح الشعوب الفقيرة ، من أندونيسيا ، إلى كوبا وفيتنام ، حتى الجزائر والصحراء الغربية ............  وكان يحفظ اسم لوركا وإلليندي إلى جانب المتنبي وأبي العلاء المعري ويتحدث عنهم بشيء من القدسية ........ هو كان أممياً ، ويحلم بالعدل الاجتماعي والمساواة بين البشر ..........
" يا الله ! كم أحبه أبي ! أمير طفولتي ، وملهم سنواتي الأربعة عشرة . سيبقى لغزاً أبي : كان عروبياً ، لكنه كان لا يكف عن انتقاد عبد الناصر الذي" نكل بالشيوعيين " ، على حد قوله،   "مع أنهم بنوا له السد العالي " ، ........... لكنه بكاه بحرقة شديدة يوم مات !
 
أتذكرين !
يوم استفقت بالصدفة ، ذات صباح ماطر، لتري ذلك المشهد الخيالي : كان الجبل يبكي ! يخفي وجهه بيده ويشهق بقوة ! يستمع إلى المذيع في الراديو الذي كان يبكي بدوره ، ويشهق هو أيضاً .... باليد الأخرى ، كان يحمل سيكارة تكاد تحرق أصابعه ....... اليد التي كان يلبس فيها ساعته الفاخرة التي طالما أثارت إعجابك ! أتذكرين ?
" لن أفهمه أبداً أبي ! لن أفهمه " .
عشرة أعوام مرت بعدها ......... رأيتِه مرة أخرى يتنقل، كالحجل ، بين ركام بيتكم الذي هدمته الحرب . يبحث عن بعض الصور ينتشلها من بين الأنقاض :
" أوف ، أوف ، ولَكْ معَوَّدْ على الفجعات قلبي ... " ، كان يغني !
" يبدو أنها طقوس يا أبي ! طقوس اخترعناها ونعيد تمثيلها في كل مرة لنستعيد بها الفاجعة . طقوس ، نهدي فيها القرابين إلى آلهة الموت والدمار ! "
..............................................................................
 
لن تذكري رائدة الفضاء السوفياتية . لكن أمك سوف تذكرها لك بنشوة لو سألتِها عن الرفيقة ذات العيون الزرقاء الباردة التي صعدت إلى سطح القمر .
" آه يا جدتي ، لو تعلمين ، بأنهم في بلاد الرفيقة ذات العيون الزرقاء، قد أنبتوا القطن ملوناً في سفوح " التوندرا "على اسم " لينين العظيم " ، وأن تقريرها عن زيارتها للقمر يفيد بأنه كومة أحجار لا تنفع ولا تضر ."

يومها ، كان أبوك قد اصطحب أمك معه لاستقبال الزائرة الاستثنائية . كل الرفاق كانوا قد اصطحبوا زوجاتهم ......... يومها ، قال أبوك لأمك ، باستحياء شديد ، وبعد تردد طويل :
" بإمكانك أن تنزعي الغطاء عن رأسك لو أردت " .
لم يكررها مرتين . ورغم أن أمك لا تعرف شيئاً عن الاضطهاد الطبقي ، ورغم أنها لم تعد تذكر شيئاً مما قالته الرفيقة عن دور المرأة في حركة التحرر العالمي ، إلا أنها انتزعته إلى غير رجعة ، همها كان ، أن تشبه " أسمهان " و " ليلى مراد " بتسريحتها الجديدة .

 4  5  6  7  8 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
إي نعم والله    كن أول من يقيّم
 

إي نعم يا أستاذ أنا هو مؤلف كتاب ترتيب الأعلام على الأعوام، وقد مضى على تأليفه (22) عاما بالتمام، وقد بسطت في مقدمته الأسباب التي دعتني إلى وضعه، وأغتنم الفرصة هنا لتقديم أسمى آيات الامتنان للأستاذ أحمد علاونة على صفحاته الغراء في الانتصار لي ممن عدا على عملي، وقد فصلتُ ذلك في زاوية (نوادر النصوص) على الوراق في بطاقة بعنوان (عثرات الكبار) وألفت انتباهك هنا إلى أنني وخير الدين الزركلي ننحدر من عشيرة واحدة، فهو أيضا (ظاظا) والبلدة التي ينتسب إليها (زرك) من مشاهير بلاد الظاظا، وتجد تفصيل أخبار هجرة أسرته في كتاب (عبد الرحمن باشا اليوسف وهجرة آل الزركلي إلى دمشق) وهو من نوادر الكتب، ألفه للباشا الشيخ عبد القادر بدران صاحب (مسامرة الخيال ومنادمة الأطلال) ومن مشاهير عشيرتنا آل بوظو، ومنهم المعلق الرياضي الشهير المرحوم عدنان بوظو، و(بوظو) بلدة من بلاد الظاظا، وأيضا (آل زلفو) و(آل الميقري) وعشائر كثيرة، يقدر مجموعها بزهاء ثلاثة ملايين نسمة، على أقل تقدير، ومن مشاهير عشيرتنا علي عوني مترجم كتاب (تاريخ كورد وكوردستان) والد الأديبة المصرية درية عوني، صاحبة الكتاب الذائع الصيت (عرب وأكراد: خصام أم وئام).  وأنبغ من اشتهر في التاريخ من عشيرتنا الشاعرحسام الدين الدنبلي تلميذ جلال الدين الرومي، وهو الذي كان جلال الدين يلقي عليه بمعاني شعره، فيصوغها شعرا، حتى تجمع من ذلك (المثنوي) ومن مشاهيرنا الذين نفخر بهم (بهاء الدين الدنبلي) باني دار القرآن جوار المستنصرية ببغداد، وهي أول دار أسست لرعاية علوم القرآن في التاريخ، وفي وصف ابن الفوطي لها في (معجم الألقاب) ما يشفي الغليل. ومن مشاهير عشيرتنا أيضا سليمان الدنبلي شيخ ابن عربي صاحب الفتوحات. وأما معنى الظاظا فتعني في معظم اللغات واللهجات المحيطة ببلادنا: (الشباب الجميل) وهذا ما ذكره المرحوم خير الدين أسدي في كتابه: (موسوعة حلب المقارنة). وحدثني الأستاذ شوقي أبو خليل (سلمه الله) أنه لما كان في مالطة رأى لافتة مكتوبا عليها (وزارة الظاظا) قال: فسألت عن ذلك، فقيل لي: إن معنى ذلك وزارة الشباب. وهكذا فإن (الظاظا) لقب أطلق على عشيرتنا: (عشيرة الدنبلي) وتجد في كتاب محمد أمين زكي (تاريخ الإمارات الكردية في الإسلام) فصلا مطولا عن إمارات الدنابلة في التاريخ. وأنا أكتب لك هذه الكلمات من ذاكرتي، جوابا سريعا، على سؤالك الكريم. شاكرا لك كلماتك الطيبة ومشاركاتك المميزة، متمنيا أن تقر أعيننا برؤيتكم، والسلام.

*زهير
4 - أبريل - 2006
مذكرات 9    كن أول من يقيّم
 

  

 

 إلى الأمير المزعوم

 

 

  لا أنام ! الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل .

 

  منذ رجعت إلى البيت وأنا في غرفتي لا أخرج منها .

 

  كتبت أوراقاً كثيرة عدت ومزقتها ، وبكيت كثيراً .

 

  ثم قررت بأن أكتب إليك ، أميري ، قاتلي :

 

  كم تمنيت لو أكتب إليك في يوم آخر ، غير هذا ، قبل هذا . لكنت قلت فيك شعراً ، ولست بشاعرة . لكنت قلت فيك شيئاً ، لم تسمعه مني أبداً ، لأنني لم أجد بيننا يوماً ، وقتاً ، لقول الحقائق .......... لا زلت أذكرهذا بأسف .

 

  منذ قليل ، سطرت فيك كلاماً جارحاً ، عدت ومزقته ، فهو انفعال وردة فعل . أكره بأن أكون تحت وطأة هذا الانفعال ، لكني أعانيه . مع هذا قررت بأن أتحدى نفسي ، وأفكر .....

 

  لن يكون من السهل علي ارتجال ما أريد قوله ، لذلك اخترت أن أكتبه ، لتوضيح ما يمكن أن يكون واضحاً لكنه غير معتبر .

 

  أحاول أن أستعيد كلامك حول الصداقة التي تجمعنا ? وحول كونك ترتاح لي ? وأن أستعيد عبارتك المشهورة التي لم تكف عن ترديدها دوماً بين المزاح والجد : " لا تحبيني ، لا تتعلقي بي ! " . فهل هذا فعلاً هو ما أردته ?

 

  الغريب هو أنك فعلت كل ما بوسعك لكي أحبك وأتعلق بك ، هذا طبيعي ، فهل تعرف رجلاً واحداً في هذا العالم ، يرغب بإمرأة ولا يتمنى أن تحبه وأن تتعلق به  . ألا ترى معي أن في ما تقوله تناقضا فاضحا ? وكيف يمكن أن تنشأ بيننا علاقة فيها كل هذه الحميمية ، دون أن تحبني وأحبك ? لو صدقتك أنا ، وهو ما حاولته فعلاً ، فهل ستصدق أنت نفسك ? وكيف سنسمي هذه العلاقة الغريبة برأيك ? صداقة ? أية صداقة سوف تصمد أمام كذبة كبيرة كهذه ?

  

  عيشتني في خوف كبير ، وشككتني في أن يكون لي الحق في أن أحب ، كبقية الناس ........ وكان يشقيني أن أراك متألماً ومنزعجاً . رغبت بصدق في أن أشاركك همومك وأخفف عنك أتعابك ، لكنك وضعت حاجزاً كثيفاً بيننا . طريقتك الغريبة والملتوية لعزلي عن عالمك الخاص ،  حالت بيننا . تريد أن تتقرب مني بمشاكلي أنا ، وتخترق حصوني كلها ، ثم تخاف على ما يخصك ? رغم كل الصدق الذي جئتك به وتخاف ? بأي منطق تعيش ?

 

  لماذا تقربت مني ? ثم ابتعدت عني ? ثم ترددت ذهاباً وإياباً حتى أعيتني أفكاري بالسؤال عن أحوالك ? ما الذي اكتشفته بعد فوات الأوان ? عندي ? عندك ? وما الذي أخافك فعلاً مني ? أن تحبني أم أن أحبك ? وسؤال أخير لا يحتاج إلى عميق تفكير :

 

  هل تعتقد أنه يوجد ما هو أغبى ، وأعقد ، وأشد إيلاماً من هذا النفاق الذي عشنا فيه  ?

 

  لو كنت واضحاً وصريحاً منذ البداية ، لكنا وجدنا ألف طريقة لكي نلتقي ، أو نفترق بسلام ، واحترام ....... لكن خوفك ، أو ربما ، تعاليك على الحقيقة ، أو ربما هو ترددك الذي يخفي طمع   الذئاب ، ما أفضى بنا إلى هنا . أحدثت في قلبي جرحاً لن يندمل ! آلمتني بقوة النمور ، وتخليت عني بغدر القطط .

 

 

*ضياء
5 - أبريل - 2006
الرسالة التاسعة    كن أول من يقيّم
 
 

 

 

 

الحقيقة " عارية "

 

 

  عزيزتي صفاء :

 

  سلام جميل لك بهذه الصبيحة أقضيها معك ، ومع ذكريات موجعة ، ظننت أحياناً بأنني تخلصت من تأثيرها ، إلا أنني أستنتج بأنها حفرت في أعماقي شقوقاً ، ظلت ناتئة إلى اليوم ........

 

  تلك الصدمة ، تلقيتها بألم شديد دفعني للانعزال مدة في البيت . ومع أن الاكتئاب كان بادياً على وجهي ، ومع أنني بقيت غالب الوقت معتكفة في غرفتي ، إلا أن أحداً لم يسألني عما بي . كانوا قد اعتادوا مني على هذا . وكنت كلما تسليت قليلاً ، وقررت التركيز على دروسي ، كان يأتي جرس الهاتف ليعيدني إلى حالتي الأولى :  كنت أنتفض لرنينه بشدة ، ويعود قلبي إلى الخفقان ، ويعاودني الاضطراب من جديد . كنت أتوقع في كل مرة بأن يتصل بي ، لكنه لم يفعل ........ 

 

  بعد حوالي أسبوع ، اتصلت بي صديقتي " زاهية " لتستعلم عن أخباري ، ولتسألني لماذا تغيبت عن اجتماع الخلية ? استنتجت منذ اللحظة الأولى أنه كان بقربها ، وأنه كان يلقنها السؤال . اعتذرت بأنني مشغولة بالتحضير للامتحانات ، ووعدت بالحضور في الأسبوع القادم ، خصوصاً وأنهم كانوا بحاجة لأوراق كانت بحوزتي ، ولدفتر المحاضر .

 

  وجاءت هذه الصديقة لزيارتي بعد يومين ، وكانت قد استغربت أحوالي  وأحواله هو أيضاً ، فهي تعرفه جيداً ، بسبب أنهم يسكنون في نفس الحي . ووجدتني ولأول مرة أتحدث فيها بالموضوع . كنت بحاجة لأن أبوح بسري لأحد . لم أدخل في التفاصيل ، لكنني أخبرتها فقط بأنه يوجد بيننا رابط هو أكثر من صداقة ، وأقل من علاقة دون أن يكون واضحاً ............ دهشتها كانت كبيرة ، لم تكن تتوقع أبداً شيئاً كهذا . ثم بدأت الأمور تتوضح لها بالتدريج وأخبرتني بأنهم في بيتهم يظنون بأنه مريض ، لأنه يصاب بين الحين والآخر بحالة إغماء فجائية ، يستفيق منها بعد دقائق ، دون أن يذكر ما حصل معه . 

 

  كنت أريد أن أعرف أكثر . سألتها عن خطيبته وسبب اختفائها ، فأكدت بأن أحداً لم يرها منذ شهور طويلة ، وأنها مقيمة عند أختها المتزوجة في صيدا . طلبت إليها بأن تستفسر عن السبب ، ولم يطل بي الانتظار سوى أيام لتخبرني بأنها علمت بأنهما قد عقدا قرانهما بالسر ،  وأنها حامل منذ عدة شهور .

 

  لم يكن بإمكاني تخيل سيناريو أكثر سواداً من هذا . شعوري بالذنب تضاعف حيال تلك التي يجب بأن تكون غريمتي ، وأنا في الحقيقة  كنت دائماً أستلطفها وأكن لها الاحترام . تضاعف عندي الشعور بالمهانة والغضب الشديد ، وتملكتني كراهية واحتقار لنفسي عذباني طويلاً .

 

  عادت الوساوس تنهش صدري والندم يأخذني بعيداً ، ولم أعد أجد مبرراً لفعلتي إلا تلك الرغبة الجامحة التي دفعتني دفعاً نحو هذا الوضع  المشين . كرهت نفسي ، كرهتها وتهاوت أمامي كل الصورة البراقة عن تلك البنت الرقيقة المثالية التي كنت أعرفها ............ كنت شريكة في جريمة خيانة ليس لها أي مبرر إلا الضعف والتردد . لو أن واحدة من صديقاتي حكت لي  مثل هذا الكلام فماذا اقول لها ? وكيف أحكم عليها ?

 

داخلي كان يفور بألف سؤال كلها ملامة . داخلي صار ملعباً للأفكار العقيمة التي تحاول أن تفسر وتبرر ما هو واضح وصريح . قصاصي كان رهيباً وموجعاً لدرجة أنني لم أعد قادرة على ترتيب الأمور في  داخلي المهزوز . اختل الميزان ، لم يعد هناك تطابق بين ما أعتقده وأقوله في الواقع ، وما أفعله بالحقيقة . شرخ كبير تسلل إلى قناعاتي التي كانت مطلقة ، حتى ذلك الحين ، وعن مدى جديتها . اهتزت ثقتي بنفسي ، ولم أعد أعرف من أنا . تبلبلت !

 

حالة مزرية هذه لا أعرف إذا كنت نجحت ، في وصفها لك .

 

سأتركك الآن لأن موعد انصرافي قد حان وأعود إليك غداً بحسب تقديري ، فإلى الغد .

 

 

 

 

*ضياء
5 - أبريل - 2006
مذكرات 10    كن أول من يقيّم
 

 

 

 

                                      أختار غداً ! .....

 

 

 

  بالأمس ، رأيته بالصدفة ........ كنت قد مررت إلى المركز ، لأستعيد بعض المراجع التي تلزمني في التحضير للامتحانات ، كنت قد نسيتها هناك . كأنه ليس هو ! صوته جاف ، قاس ، متوحش ........ لم أكلمه إطلاقاً ، كان يتحدث مع الآخرين .

 

  أحس بالهزيمة ، بالكراهية ، بالرغبة في الهروب ........

 

  الساعة الآن الثانية بعد الظهر ، سأراه عند الثالثة ، لدينا اجتماع دوري سوف أحضره للمرة الأخيرة . حسمت أمري هذه المرة ولن أتراجع . يجب أن أوقف هذه المهزلة بأي ثمن . يجب أن يتوقف كل هذا العبث ولن يكون ذلك إلا على حسابي .

 

  لا أريد الاستسلام لهذا الشعور المدمر ، لكن كيف أقاوم ? أنا خلقت هكذا ، كومة من الانفعالات ، فكيف أغير نفسي ?

 

  قبل أيام اتصل بي البديل ، فرحت به كثيراً ! كانت هدنة وسعادة حقيقية بأن نلتقي على التلفون لبعض الوقت . تحدثنا مطولاً في كل الأخبار ، وضحكنا ....  كنا سعيدين كما طفلان يلعبان لعبة مسلية . فرحت به فعلاً لكن ، ما إن أغلقت سماعة الهاتف حتى عدت إلى حالتي الأصلية . أرتاح لوجودي معه ، ولا أستطيع أن أحبه كما الآخر . أشعر بالذنب نحوه أيضاً .  طلب أن يراني من جديد مع أنني لمحت له عن سبب ابتعادي عنه . كيف أوقف هذه المهزلة ? هل سأجد القوة لهذا ? هل سأستطيع ?

 

  تحضرني  كلمات أحبها للشاعر عبد العزيز المقالح :

 

  " طال مخاض الأيام

  ماذا يخفي البطن المنفوخ ?

  جبلاً ? فأراً ?

  ما بين الفأر الواعد والجبل الموعود

  ما بين الأمس القاتل

  واليوم المقتول

  ماذا تختار ?

  أختارغداً ! "

 

 

*ضياء
6 - أبريل - 2006
الرسالة العاشرة    كن أول من يقيّم
 

 

 

الطريدة

 

 

  عزيزتي صفاء :

 

  عدت إليك عزيزتي ، وسأحكي لك ما جرى في ذلك اليوم الأخير الذي رأيته فيه ، رغم شعوري بأنني قد خيبتك بما فيه الكفاية . أكيد ، بدون شك خيبتك ، كما خيبت نفسي أيضاً ، لكن اصبري واسمعي المزيد ، لعلك  تفسري لي ما عجزت عن تفسيره .

 

  عندما وصلت إلى مقر الاجتماع ، ورأيته ، شعرت كأنه كان بانتظاري . حالته  كانت مزرية تماماً ، بادي القلق والوجوم ، رث الثياب والهيئة ، طويل الذقن ، كأنه لم يستحم منذ أسبوع . جربت أن أتحاشى النظر إليه ، لكي لا أبدي تأثري بمنظره الحزين .......... هي أول مرة أراه فيها على هذا الهندام  ....... كنت أراه يختلس النظر إلي من بعيد ، وكنت ألمح في عينيه ،  شيئاً من الانكسار ......... 

 

  في تلك الجلسة ، اختصرت الكلام قدر استطاعتي ، كي لا أقول أكثر مما ينبغي ، وكي لا تفضحني نبرة صوتي المترددة . لساني لم ينطق بالكثير ، لكن عيوني لا بد كانت تتكلم ، ........ هيهات لمن كان مثلي أن يعرف كيف يخفي عواطفه . هذا تعرفينه عني ولا داعي لأن أشرحه له لأنك تعرفين أيضاً بأن لا سلطة لي عليه .

 

  بعد انتهاء الاجتماع ، لملمت أوراقي ، وكنت قد حزمت أمري .  سلمتهم دفتر محاضر الخلية ، ودفاتر الحلقات التي كنت أشرف عليها ، وأعداد المجلة المتبقية عندي ، وكنت قد أعلنت خلال الاجتماع عن تعليق عضويتي لفترة لم أحددها . لم يناقشني أحد . كان ذلك متوقعاً منذ وقت طويل، وقد دار حوله بعض النقاش سابقاً وكان منتظراً . توجهت بعدها إلى الباب الخارجي أريد الانصراف . كنت قد فهمت بمجرد أن وقع نظري عليه ،  أن أية مواجهة بيننا لن تكون مجدية بعد اليوم ، فهو يبدو مقراً بذنبه ومستسلما سلفاً . ووجدته يلحق بي ويستوقفني عند الباب الخارجي ،  ليسألني عن أوراق الجامعة ، وإذا كانت لا تزال معي ?

 

  ـ " رميتها ! "  قلت بقسوة ، و بدون أن ألتفت .

 

  انتظرت الجواب خلف ظهري . لا شيء ، لا جواب .

 

   كنت قد تخيلت هذا الموقف ، مرات كثيرة في رأسي الصغيرة ، وتخيلت ردات  فعله بكل الوجوه : توقعت أن يزعل ، أو أن يثور، أو أن يتعجب ، أو حتى أن يسألني " لماذا رميتها ? " . لكن لا  شيء ، لا ردة فعل ......... ضاعت منه امتحانات هذه السنة ، وسيتكلف الكثير من المشقة لاستبدال الأوراق المفقودة ، ومع هذا لا يبدو أن الموضوع يهمه من قريب ولا من بعيد . سيان !

 

  كنت أهم بالانصراف من جديد عندما سمعته يقول باستسلام :

 

  ـ " منشوف شو منعمل !"

 

  انصرفت ، بدون التفات ، وبدون تعليق ، فأنا أيضاً نسيت كل هذا ، أنا أيضاً الأمر عندي سيان ،  ولم يعد يهمني شعوره أو ردة فعله حيال الموضوع . نسيت انتقامي الصغير ، ونسيت كل التفاصيل الأخرى ... رؤيتي له على هذه الهيئة أنستني حقدي كله ، بل .... يبدو أن شعوري بدأ يميل إلى الصفح والرحمة ! كدت أنسى عذابي كله لما رأيته متألماً ............  استعجلت بالهروب قبل أن تفضحني عيوني لأنني في عمقي ، صرت أتمنى لو كان باستطاعتي أن أحضن رأسه بين ضلوعي وأن أمسح بيدي عليها لعلي أخفف عنه بعض آلامه ............. ستقولين " مجنونة ! " . بلى ! هو كذلك ، عزيزتي ، لكنها الحقيقة !

 

  عندما صرت أهبط الدرج ، شعرت به من ورائي يتبعني ، لكنني تجاهلته ولم ألتفت . صرت أمشي في الطريق نحو البيت  دون أن أستدير خلفي ، وظل ورائي يتبعني . قطعت ساحة الكورة نحو ساحة التل ، ثم توجهت نزولاً  نحو مبنى البلدية ، وأنا لا أزال أشعر بخطواته خلف ظهري ........... صرت أحث السير أريد أن أبتعد وكأنني فعلاً ملاحقة ......... كأنني أهرب ???  قلبي صار يخفق بشدة ، فهل أنا فعلاً مطاردة ? ............. هذا الشعور الغريزي بالخوف يبدو لي اليوم غريباً ولا أجد له مبرراً إلا في كونه شعور الطريدة الذي يستيقظ فينا لمجرد توفر الشرط المنبه له ........ انفعالي كان شديداً وبالكاد كنت أحبس دموعاً تريد أن تطفر من عيوني . كان كلما اقترب بخطواته نحوي ، كلما ازدادت نبضات قلبي خفقاناً ، والخوف مني تملكاً ، حتى كاد يشلني .

خطواته ، كانت تغير علي كما غزو المغول ، وفي داخلي ريح صرصر تبلبلني ، وتحيلني إلى بعثرتي الأولى .

إرادتي ، صارت موزعة بما يشبه الانشطار : رغبتان عرفتهما بالفطرة الأولى، ودون أن أضيف إليهما شيئاً من تجارب التاريخ الطويل ....... غريزتان متضادتان تتصارعان في داخلي بما يشبه ارتطام النو بالموج الهائج ...... في لحظة اقتتال الأضداد الطاحنة هذه ، يغيب العقل تماماً ، ونعود إلى خطوات وجودنا الأولى وكأننا لا زلنا حيوانا يسكن في العراء ..........  رغبتان لا زالتا تتقدان في نفسي منذ عصر ما قبل التاريخ وتؤججان  فيها حمى الانشطار ، واحدة للحياة وأخرى للموت . ذاكرة الوجع الأولى   استيقظت ، وأعادت غرس بذور الدمار السحيق .......................

 

 

  شيء ما كان يدفعني للتمرد ، للانقضاض ، للمواجهة . كأن أقف في وسط الطريق ، دون خوف ، دون حياء ، أن أنتصب أمامه بقوة وعزم ، أن أصرخ في وجهه بكل ما أوتيت من شراسة :

" ماذا تريد مني بعد الآن ? ألا يكفيك كل ما حدث ? ابتعد عن طريقي فأنا لا أريد أن أرى لك وجهاً بعد اليوم . " أن أصب جام حقدي وغضبي كله فوق رأسه . أن أحرق كل أمل عنده في أن يراني أو أن يقترب مني بعد الآن . أن أفرغ شحنتي العصبية المدمرة كلها عليه لتصعقه كالصاعقة ، وربما بالمرة أردته قتيلاً ، فأرتاح ...........

 

  لكن رغبة أخرى كانت توازيها ارتفاعاً كانت تدفع بي نحو الاستسلام . كنت أتمنى لو ألتفت إليه ، أن أراه أمامي صامداً كالجبل الكبير ، ملجأي ومثواي ......... أن أرتمي بين ذراعيه مرة أولى وأخيرة .... سأبكي كثيراً وأتضرع وربما أذوب من البكاء ، وأختفي كلية ، فلا يعود يبقى مني أثر ليحلم ، أو يتألم ، أو لتسكنه الهواجس ......... لا يعود بي أثر للحياة ، أو جسد مهترئ أعود به إلى البيت . في هذه اللحظة التي كنت فيها الطريدة ، كنت أتمنى بأن أختفي عن العالم !

 

  كنا قد أصبحنا بقرب الإطفائية وبجانب مدرستي التي تربيت فيها ... ولحظتها ، شعرت بيد الصياد تطبق بقوة على معصمي ، وتشد عليه بتوسل :

 

  ـ " اسمعيني  "سيرة " ، يجب أن أقول لك شيئاً ، أعطيني خمس دقائق ... "

 

  كان الصوت متضرعاً ، متهدجاً وعلى حافة البكاء أيضاً . أين ذهب  الصياد ? سألت نفسي . هذه نبرة آدمي قلت في روحي وأنا أنتزع يدي من يده بعنف وأقول :

 

  ـ " لا أريد أن أعرف شيئاً ، لم يعد هناك أي لزوم لذلك . "

 

  ـ " تعالي معي لعند " كميل " ، سنتكلم هناك . أعطيني عشر دقائق   

فقط ، أريدك أن تعرفي شيئاً مهماً ، عشر دقائق فقط ولن تتأخري أكثر ... "

 

  أعتقد بأنني أعرف كل ما سوف يقوله ! ما هم ما سوف يقوله بلحظتها ? البيت خال ، وصديقه مسافر ........  سيقول أشياء تريحني ، تمسح الدمع من عيني لحظة . مجرد أن أقبل بالذهاب معه معناه أنني أعطيه فرصة جديدة . معناه أن أقبل كل الوضع الذي أعرفه والذي سأكون فيه الضحية .  بلحظتها سوف أنسى كل شيء : كل الإهانات والحماقات وكرامتي الجريحة  وحتى المستقبل الكالح الذي سوف ينتظرني سوف أنساه ، ولن أتذكر إلا أنني أحبه وبحاجة إليه ، وأنني تعبت من كل هذا وأريد أن أرتاح من عنادي بأي ثمن ........ أية قوة في العالم ستمنعني عنه ، وتمنعه عني لو التقينا بلحظتها ? سيكون انتصار الطبيعة فينا أقوى وأبلغ من أي كلام . أية إرادة سوف تقاوم بلحظتها كل هذا الجوع الذي راكمناه ، واحدنا للآخر ، حتى صار يعوي فينا كما الذئاب الجارحة ?

 

ستكون بدون شك ، دقائق إلهية ! أحلق فيها بين النجوم وأرتقي السماء السابعة بومضة عين . ثم ، أهوي بعدها إلى قعر الهاوية ........... هي لحظة واحدة ، كانت كافية لإرسالي إلى الحضيض . كان يجب أن أذعن مرة واحدة وأخيرة ، لتكون السعادة ملك يدي ، لحين ...,...  ثم يكون الشقاء من نصيبي ، وللعمر كله . لو قلت : " نعم "  وقتها لعبرت نهائياً إلى الضفة الأخرى وبلغت نقطة اللا رجوع .

 

  لكنني لم أفعل . لا أعرف كيف أوتيت كل هذا العناد والإصرار . لا أعرف كيف فكرت بكل هذا ، ودفعة واحدة . هل أنا فكرت فعلاً ? هل أنا قررت فعلاً ? لا ، لا أعتقد ، عزيزتي ، بل أظنه الخوف هو من فكر عني ، وقرر عني . الخوف الذي لم تزعزعه الأفكار ولا النظريات ولا تغيرات الظروف . الخوف الذي دجنا به غريزتنا ، تماماً ، كما دجنا الجمال ........

 

  أذكر بأنني انتزعت يدي من يده ، ومشيت نحو بيتنا !

 

  لم ألتفت ورائي أبداً . صرت أبتعد عن مكان موتي ، والخطوات على دربي تتعثر ، وتتطاوح ...... القلب كسير ، والعين حبلى بالدموع ، كأنني كنت أسير في جنازتي . في ذلك اليوم ، كنت أنا الشهيد الذي لم يمت ! لم يحملوني على الأكتاف ، ولم يزغرد لي أحد ، إلا أنه في ذلك الوقت الذي كادت تغيب عنه الشمس ، جريمة ما كانت قد وقعت ، وكنت فيها القاتل ، وكنت المقتول ..........

 

أستمحيك عذراً ، صفاء ، إلا أنني سأذهب . سأرتاح طويلاً لكي أستعيد هدوئي ، لكنني سوف أعود . لا بد أن أعود لأكمل لك ما بدأناه ، فانتظريني . إلى اللقاء .

 

*ضياء
6 - أبريل - 2006
جدتي    كن أول من يقيّم
 
أول مـا بـكيت في iiحياتي عـلى  ضريح وعلى iiرفاتِ
وكيف  تنسى دفأها iiضلوعي وتـنطفي في حبها iiشموعي
وقـد شـبعتها شذىً iiونشرا أزورهـا في كل يومٍ iiعشرا
أيـام  لا تـحـملني iiأكتافي إن لم يكن في حضنها لحافي
وسـرتُ يـوم موتها iiعميدا أصـغـرَ  من شيعها iiحفيدا
وكـان نـعيها ظلام iiروحي أعمق  ما أذكر من iiجروحي
ولـم أضـيع بعدها التقديسا أراقـب الإثـنين iiوالخميسا
مـيـمماً ذاك الضريح iiفردا أرشُّ  ماءً وأمدُّ iiوردا
ومـصـحـفا وأدمعا iiتجلوهُ أحـسـبـها  تسمع ما أتلوهُ
يـا طـالـما داعبتها iiمعيدا مـكـرراً  سـؤالي الوحيدا
أكنتِ  في العشر أم العشرينا حـين تركتم أرضكم iiكيزينا
تـقـول: بـل أقل من iiثمانِ وفـي دمشق سقطت iiأسناني
ولـو يـمـد الله في iiحياتي ويـرجعون بي إلى ii(ولاتِ)
لـسـرتُ فيها وأنا iiمُعَصَّبهْ أقـفز من مصطبةٍ iiلمصطبَهْ

 

أدنـى حـكاياها إلى iiالكنوزِ

 

حـكـايـة  الكردية العجوزِ

كـانـت صـديقةً لها iiزمانا لـوريَّـةَ  مـمـلوءةً iiإيمانا
عـلَّـمـها  إمامُها في iiالدينِ أن الـصلاةَ مدُّ حرفِ iiالسينِ
فـكـلـما نودي إلى الصلاةِ قامت إلى الضلال في إخباتِ
وأطـلـقت  لسانها المُبَسبسا تـرفـع  لـله صلاةً iiحندسا
فـلا  أبـاها الله في إسلامها ورحـمـة الله عـلى iiإمامها
ومـا صلاة الكرد في القياسِ إلا خـرابـيشٌ على iiكرّاسِ
*زهير
7 - أبريل - 2006
جدي    كن أول من يقيّم
 
ما زال محفوراً على وجداني بـريـق  عـينيه إذا iiرآني
وكـان  قد أثخنه وهْنُ iiالكِبَرْ فـلم  يكن ما بيننا إلا iiالنظرْ
وتـمتماتُ  العطف iiوالحنانِ مـن  الـثمانينَ على iiالثمانِ
أعـدو فـلا تـتركني iiعيناهُ كـأنـه يـرنـو إلى iiصباهُ
حتى سقاه الدهر من iiأوصابهِ ولـم أعـد أراه في أصحابه
وصـار فـي منزله iiطريحا أعـودهُ مـحـطـماً جريحا
أجـلـس  في جواره iiحزينا أراقـب  الـشحوب iiوالأنينا
إذا رآنـي اخـتلجت iiعيونُهُ أخـاف ذاكـرتـَه iiتـخونُهُ
فـي أعـين تكاد من iiجفافها يسقطُ  ما تبصر من iiأطرافها
*زهير
7 - أبريل - 2006
أكبر فرحة عشتها في طفولتي    كن أول من يقيّم
 
أكبر فرحة عشتها في طفولتي، وصول رسالة من شقيقي الأكبر فريد،
وكان في السابعة عشرة من عمره، يعمل خياطا في بيروت، وهو من مواليد (1947)
فريد هل أنساك في iiصبايا ومـنـزلاً  مـلأته iiهدايا
أيـام أنـت مطلع iiالفتيانِ تـعمل كالرجال في iiلبنان
فـلو ترى أمك كيف سارا فـؤادهـا أمـامها iiوطارا
إذ  أخذت من عامل البريدِ رسـالـةً مـن ابنها فريدِ
ولو ترى أمك في iiالأفراح تـعيد ما فيها إلى iiالصباح
وأخذت تطوف في البيوتِ تـقرأ عنوانك في iiبيروتِ
واجـتـمع الأهل يفتشونا بـأي  أسـلوبٍ iiيجاوبونا
فـبـعثوا  رسالةً iiمُجرَّسهْ مـعكوسةً  حروفها منكَّسه
وجـعـلوها  أطرف iiالنكاتِ رسـالـةً  تـقرأ iiبالمرآةِ

 

ومن نوادر أخي فريد في (الدمع المدرار) هذه الطرفة:

 

وهـل  نـسـيـت صاحبي إذ ناما فـي  بـيـتـنـا ودخـل iiالحماما
قـد زارنـا لـيـلاً ولـست iiتدري وقـمـتَ لـلـوضـوء عند iiالفجرِ
وراعـك  الـمـشـهدُ في iiالرسوخِ لابـسُ أبـيـضٍ مـن الـشـيوخِ
وقــلـتَ  لا شـكَّ أرى iiولـيـا يـدور فـي حـاجـاتـه iiخـفـيّا
وكـان فـي الـوضـوء لا كالناسِ يـعـيـده عـشـراً من iiالوسواس
وضـعـتَ  أصـبـعيكَ لا iiمصدّقا تـمـدُّ مـن بـيـن الجفون iiالحدقا
وحـان مـنـه لـفـتـةٌ iiإلـيـكا تـرمـقـه مـبـحـلـقـاً iiعينيكا
فصاح من خوفٍ وصحتَ من عجبْ واسـتـلـم  الـباب سريعاً وهربْ

ومن نوادره هذه النصيحة التي سمعتها منه فصغتها شعرا:

كـلام شيخك الحكيم iiكالحجرْ لأنـه يضرب في ناسٍ iiحجرْ
دخـلت  بينهم ولم تدرِ iiالخبرْ وكنتَ لوحاً من زجاجٍ فانكسرْ

 وكان أخي فريد هذا هو أول من تنبا بأنني سوف أكون شاعرا، وذلك منذ كنت في العاشرة من عمري، وكنت قد حفظت طائفة من مختارات الشعر في كتاب، اسمه (نزهة الأفكار) وكلما رآني أخي فريد أرقص وأنا أقرأ الأبيات متغنيا بها، قال لأمي: (سأقطع يدي من تحت باطي إذا ما كان ابنك شاعر، وبكرة بتشوفي كلامي)

*زهير
7 - أبريل - 2006
إلى شاعرنا الكبير    كن أول من يقيّم
 

 

  مساء الخير أستاذ زهير :

  كنت قد أستوحشت أن أنشر فصلاً جديداً من روايتي دون أن أسمع منك قصيدة جديدة ، لذا تراني اليوم أفرح بقصيدتك الحزينة . سأتجرأ بأن أطلب منك قصيدة أخرى تضعها في الملف بين الرسالتين التاسعة والعاشرة ، لكي يستقيم فيه الميزان .

  كل ما تقوله أو تكتبه هو مصدر سعادة لنا ، وهو عطية ثمينة أتمنى لو نكون من مستحقيها .

*ضياء
7 - أبريل - 2006
ملا عبد العزيز    كن أول من يقيّم
 
أستاذتي ضياء، أشكر لك هذه الرقة المفعمة بالشفافية، وأتمنى أن تطول حكاية (سيرة) أكثر فأكثر، حتى تكون مثل (الإلياذة) وأتمنى أن تكوني قد احتفظت بالبطاقة التي حذفتها بعد نشرها بيومين، وكانت بعنوان (العشرة الديناري) وقد حذفتها بنصيحة من صديقي (سارية الجبل) حيث قال لي: إن الناس لا تعرفك على حقيقتك يا زهير، ومثل هذه المشاركة ستحرق الأخضر واليابس، فقلت له: ليس عندنا أخضر يا سارية، كله صار يابسا، هل تذكر ما قلته في جناح جبريل:
رب ما قدّرتَ لي رجع الربيع فـاحـفـظ اللهمّ هـذا النفسا
فـعـسـى  تـروي به iiقبّرةٌ ذلـك  الـغصن الذي قد يبسا
ألا ترى أن الله استجاب دعائي ورزقني ضياء، فكيف تكون بيني وبينها كل هذه الستور. ولكن سارية أبعدني من على الكرسي ودخل إلى ملف البنت التي تبلبلت، وحذف (العشرة الديناري) قائلا: أعتقد أن ضياء قد قرأتها وسوف تنشرها في كتابها عن (سيرة).
أعود يا أستاذتي ضياء فأقول: إن المقتطفات الأخيرة عن (جدتي وجدي، لأمي، وأخي فريد) هي رجز وليس شعرا، ولمعظم الشعراء رجز، يودعون فيه طرائف ذكرياتهم وما يعز عليهم ضياعه من أخبارهم وتجاربهم، وهذه الأرجوزة سميتها (الدمع المدرار على مفارقة الأهل والأصحاب والديار) وهي طويلة جدا جدا، وقد أتيت على وصفها في بطاقة (استراحة محارب). واسمحي لي هنا أن أذكر أيضا بنتا تبلبلت، ولكنني لم أرها، بل سمعت قصتها من فم شيخي وأستاذي (ملا عبد العزيز بن جعفر المشكاني) وهو أكبر أساتذتي على الإطلاق، وأنا أيضا أخص تلاميذه به، فإن الناس كانت تظنني واحدا من أولاده، وأولاده اليوم بمثابة إخوتي، وقد توفي رحمه الله يوم السبت 22/ 10/1983م وقد ناهز التسعين. وكان أحد الذين حُكم عليهم بالإعدام أيام أتاتورك، ولكنه تمكن من الفرار من السجن، في قصة طويلة. ومن طرائفه أنه كان يسخط علي إذا عرف أنني قد تركت (الدخان) ويقول لي: كيف طالب علم ولا يدخن ? وكان إذ ذاك إمام وخطيب جامع (ملا قاسم) في حي (ركن الدين) بدمشق، ولا أزال أذكر كيف كان يدخن في حرم المسجد، يضع ظهره على المحراب، وأمامه صحن السيكارة، وغالبا ما كان يردد بيتين:
قالوا  تعاطي الدخان iiقبح فـقـلت: لا ما به قباحه
يـصير النفس في iiنشاط وفيه عون على الفصاحه
والبيتان من شعر أبي الحسنات اللكنوي المعاصر. =كذا كنت أظن ثم أفادنا صديقنا الدمنهوري أن البيتن ذكرهما الدمنهوري (ت 1288هـ) في الحاشية على متن الكافي (ص74) وبذلك لا تصح نسبة البيتين للكنوي=
وفيما يلي صفحة مما كتبته عن شيخي هذا في (الدمع المدرار) أذكرها بسبب قصة عمته، البنت التي تبلبلت:
قـد  خـنت أستاذي ولم أصنهُ إن  لـم أؤرخ مـا أخذت iiعنهُ
عـبـد الـعزيز قصة iiالإسلامِ وكـل مـا أمـلك من iiأحلامي
وجـنـة  الـدنـيـا iiلعارفيها قـدرهـا الله فـعـشـتُ iiفيها
لـسـتُ أنـا وليست iiالأساتذهْ وكـل مـن أعـرفـهم iiتلامذهْ
قـد كـان تـاريخاً بلا iiسطورِ يـعـجُّ  بـالأحداث والعصور
أسـألـه  فـيـغـلـق iiالكتابا ويـفـتـح  الـتاريخ باباً iiبابا
ولـم  يـكـن يَعنيه كيف iiنبدأُ يـعـبُّ  مـن غـليونه iiواقرأُ
ما كان أحلى الدرسَ في عيوني وبـيـنـنـا  سحائب iiالغليونِ
سـبـع  سنين عشتها في iiبيتِه بـعـلـمـه وخـبـزه وزيتهِ
يـمـد  فـيها أنصعَ الدنيا iiيدا والجود  بالموجود عنوان iiالندى
ومـا وقـفـتُ مـرةً في iiبابهِ أسـتـسمح الدخول من iiحجابهِ
قـد كـان بـابـاً للهدى iiجنابا ولـيـس عـدلاً أن يسمَّى iiبابا
.......
آثــاره ولا تـزال iiعـنـدي تـفـصـح  عن آخر iiنقشبندي
هديرُها  الخارجُ من بين iiالورقْ عـلـمـني أطلب متعة iiالغرقْ
ولـم  أكن أحرصَ فيما iiتحتوي مـنـه على جزء بخطِّ iiالنووي
أنـزلـه  الـديباج في صندوق مـنـزل  إنـجيلٍ بقصر iiدوقِ
يـا طـالـمـا قاسمني iiأشواقَهُ وقـال  لـي مـقـلـباً iiأوراقَهُ
الـنـووي  الـشـافعي iiالثاني مـقـداره  خـمـسون iiباقلاني
أراد  لــبـاً وأردتُ iiقـشـرا وكـان  عـمـري ستة وعشرا
ولـم يـكـن يـزيد من iiبلائي إذا  جـرى ذكـر أبـي iiالعلاءِ
يـقول  دعنا من حديث iiالأعمى جـرت  به خيل الضلال iiسعما
وكـان إذ يـقـعد محنيَّ الظهرْ يذهب  عني في أعاصير iiالدهرْ
سـألـتـه يـومـاً وقـد iiألهاهُ عـنـي حـنـيـنه إلى iiصباهُ
وقـلـت: شيخَنا خبرتَ iiدهركا فـمـا الـذي قوَّس فيه iiظهركا
فـراعـنـي  سـقامه iiالطويلُ وقـال لـي ودمـعـه iiيـسيلُ
حـادثـة كـالرعد في iiشجوني سـبعون  عاماً وهي في عيوني
تـهـزُّ  إن ذكـرتـها iiعقائدي وكـلُّـهـا  أحـداثُ يومٍ iiواحدِ
إذ أشـرف الروسُ على iiمشكانِ إبـان حـرب الترك في iiالبلقانِ
وكـنـتُ عند عمتي في خدرها تـضـمـنـي وداعةً iiلصدرها
وصـاحـت  الـنساء والرجالُ والـخـيـل والـحمير والبغالُ
مـا هـي إلا أن رأيـتُ iiعمّي أتـى  عـلـى حصانه iiكالسهمِ
واسـتـلـني  كالبرق وهو بعدُ عـلى الحصان والحصان iiيعدو
وعـمـتـي  مـن خلفنا تنادي راكـضـةً عـلى شفير iiالوادي
تـشـتـم  عمي وتنادي يا iiبقرْ أتـتـرك الأنـثى وتأخذ iiالذكرْ
ولا يـزال صـوتها في iiسمعي بـكـل مـا يـحـمله من iiقمعِ
وعشت في أصداء تلك الصرخةِ آخـر  مـا سـمعته من iiعمَّتي
وسـاقـهـا الروسُ مع iiالسبايا وضـاع فـي بـكـائها iiصبايا
.....
وكنتُ حين اغرورقت عيناهُ أقـرأ  فـيـها كل ما iiلاقاهُ
سـألتُ  وحياً وأجابَ iiوحيا إن  لم أكن أبكي فكيف iiأحيا

*زهير
8 - أبريل - 2006
 4  5  6  7  8