البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : البنت التي تبلبلت    قيّم
التقييم :
( من قبل 12 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
6 - مارس - 2006

شاعرنا الكبير ، الأستاذ زهير:

ما قرأته في مداخلتك الأخيرة أفرحني، لجهة أنني شعرت بأن غلاظتي قد أثمرت ، هي عكرت ماء اليقين، الذي لا بد من تعكيره من وقت لآخر لكي نزداد يقيناً . وجاء دفاعك على أحلى ما يكون ، بل ليكون مناسبة نتعرف من خلالها على الوجه الآخر للباحث زهير ظاظا ، ونلامس وجوده الإنساني ، وما زادنا هذا إلا تقديراً .

وجودك اليوم في المكان الصحيح يعني الكثير للكثيرين منا الذين تزخر بهم أمتنا ولم يجدوا مكانهم بعد .

نتشوق لمعرفة المزيد والمزيد ، لكني ارتأيت بأن نترك ساحة الفلسفة لكي لا ينقطع حبل النقاش فيها ، ونفتح ملفاً آخراً ، وهذا متروك لتقديرك وما تظنه مناسباً   

 

 كنت قد كتبت رواية صغيرة الحجم ، تحكي قصة بنت مراهقة في زمن الحرب الأهلية اللبنانية . أراها في صميم موضوعنا الفلسفي الذي نتناقش فيه ، لأنها ترمز إلى صراع الإنسان مع أهوائه وانشطاره بين رغبتين . وهي تبرز أيضاً مقاومة الموروث الثقافي ، عندما يكون عميقاً ومتأصلاً ، مع الفكر المكتسب بمظهره الحضاري " التحرري " وما يخفيه من طموحات .   

الرواية اخترت لها عنوان " البنت التي تبلبلت ... " . الحدث ، الذي هو قصة حب فاشلة ، المغرق في عاديته ، اتخذته ذريعة للتوغل إلى الداخلي ، والحميم ، لفهم ما كان يعتمل من نوازع و تغيرات في نفس تلك البنت وعالمها المحيط  من : عائلة ووطن وأصدقاء . هذه البنت كانت تتنازعها رغبتان ، الأولى: الحفاظ على نقائها الفطري، وهو ما نقلته إليها تربيتها وما تشعره في ذاتها  السحيقة . والثانية: رغبتها في الحياة والتكيف مع زمنها ومحيطها وما كانت تدعيه من أفكار عصرية وما يستلزم كل ذلك من تنازلات لا بد منها 

الحكاية تبدأ هكذا :

 

 "البنت تحدث نفسها "

أتذكرين ? تلك البنت التي كنت أعرفها ! ... كانت رقيقة ، نقية ، دمثة الأخلاق ومنذورة لأن تكون أماً مثالية !... هكذا عرفتك ! فما الذي جرى لك ، لكي تتبدلي ? ما الذي حدث لك ، لكي تتبلبلي كالريح ... ? أهو الزمان من أشقاك وغير ألوانك ? وما الذي فعلتِه أنت بنفسك ، لكي أراك ، كأنك القطيع الشاردة : مشتتة ، مبعثرة ، ومنزوعة الروح  ............. ?
 
ستقولين : " ربما هي الحرب التي داهمتني باكراً ، أعدمتني ماء الحياة  ... أربعة عشر عاماً ،  هي عمر الورود ، إعصار الطفولة اللجوجة ، ودفق الشباب الذي لا يطيق الانتظار ... لم   أرها ، ضيعتها بالانتظار ...
 كان العمرجميلاً ، والوقت كان ودوداً : الوطن كان فيروز ، والحب كان فيروز ... . الأهل والأصدقاء ? كانوا بسطاء ، لا يعدون الأيام . حتى حدثت الزلزلة .... ! " .
 
لكني أنا رأيتها لما أقبلت ! هدية الزمان إليك ، لما أقبلت ، كما المهرجان ! كزهوة البستان أشرقت ، فرحت لها بذاك الزمان . ألا تذكرينها كما أذكرها أنا ? أم أنك تتناسين ?
أتذكرين ? جدتك ، لما كانت تغرس شتولها بقرب باب الحديقة ? تضع بذور الحبق =الريحان= في باطن الأرض ، ثم تهيل عليها التراب بكفيها وهي تتمتم :
" بحق الخضرأبو العباس ، تعيش زريعتي وما تيبس ..."
ترددها ثلاث مرات ، تزرعها عند بزوغ هلال القمر ، وتسقيها من بعد الغروب ،  ... كنت تضحكين في سرك وتقولين : " جدتي ، تعيش في الأساطير ! الماضي حكايات ، والحاضر ، دعاء وصلوات .... " . أتذكرين كيف كانت  شتولها بهجة للروح ? مساكب الفل والنرجس ، وأحواض البنفسج والمنتور ، كانت بهجة للروح !.... كانت تشبه أعوامك الأربعة عشرة . أفلا تذكرين ?
 
"الحرب استدامت حروباً " ، تقولين ، " هدمتنا الحرب ! أعادتنا إلى مهدنا الأول ، العراء ! " .
  صحيح ، عزيزتي ، الحرب استطالت ، وعبثاً بحثنا لها عن أسباب ، لكي نحتويها ، لكي نعقلها  . قالوا بأنها كانت حرباً طائفية . قلنا : بأننا انتفضنا  ضد مشروع الانعزالية والصهيونية ....... أبي أقنعنا وقتذاك  بأنها كانت أيضاً (حرب الرأسمالية ضد الطبقات  الكادحة)  وأنها حرب تحرير وثورة اجتماعية ! كان يردد : بأنها تحالف البورجوازية مع الفاشية ، والامبريالية العالمية ضد مصالح الشعوب الفقيرة ، من أندونيسيا ، إلى كوبا وفيتنام ، حتى الجزائر والصحراء الغربية ............  وكان يحفظ اسم لوركا وإلليندي إلى جانب المتنبي وأبي العلاء المعري ويتحدث عنهم بشيء من القدسية ........ هو كان أممياً ، ويحلم بالعدل الاجتماعي والمساواة بين البشر ..........
" يا الله ! كم أحبه أبي ! أمير طفولتي ، وملهم سنواتي الأربعة عشرة . سيبقى لغزاً أبي : كان عروبياً ، لكنه كان لا يكف عن انتقاد عبد الناصر الذي" نكل بالشيوعيين " ، على حد قوله،   "مع أنهم بنوا له السد العالي " ، ........... لكنه بكاه بحرقة شديدة يوم مات !
 
أتذكرين !
يوم استفقت بالصدفة ، ذات صباح ماطر، لتري ذلك المشهد الخيالي : كان الجبل يبكي ! يخفي وجهه بيده ويشهق بقوة ! يستمع إلى المذيع في الراديو الذي كان يبكي بدوره ، ويشهق هو أيضاً .... باليد الأخرى ، كان يحمل سيكارة تكاد تحرق أصابعه ....... اليد التي كان يلبس فيها ساعته الفاخرة التي طالما أثارت إعجابك ! أتذكرين ?
" لن أفهمه أبداً أبي ! لن أفهمه " .
عشرة أعوام مرت بعدها ......... رأيتِه مرة أخرى يتنقل، كالحجل ، بين ركام بيتكم الذي هدمته الحرب . يبحث عن بعض الصور ينتشلها من بين الأنقاض :
" أوف ، أوف ، ولَكْ معَوَّدْ على الفجعات قلبي ... " ، كان يغني !
" يبدو أنها طقوس يا أبي ! طقوس اخترعناها ونعيد تمثيلها في كل مرة لنستعيد بها الفاجعة . طقوس ، نهدي فيها القرابين إلى آلهة الموت والدمار ! "
..............................................................................
 
لن تذكري رائدة الفضاء السوفياتية . لكن أمك سوف تذكرها لك بنشوة لو سألتِها عن الرفيقة ذات العيون الزرقاء الباردة التي صعدت إلى سطح القمر .
" آه يا جدتي ، لو تعلمين ، بأنهم في بلاد الرفيقة ذات العيون الزرقاء، قد أنبتوا القطن ملوناً في سفوح " التوندرا "على اسم " لينين العظيم " ، وأن تقريرها عن زيارتها للقمر يفيد بأنه كومة أحجار لا تنفع ولا تضر ."

يومها ، كان أبوك قد اصطحب أمك معه لاستقبال الزائرة الاستثنائية . كل الرفاق كانوا قد اصطحبوا زوجاتهم ......... يومها ، قال أبوك لأمك ، باستحياء شديد ، وبعد تردد طويل :
" بإمكانك أن تنزعي الغطاء عن رأسك لو أردت " .
لم يكررها مرتين . ورغم أن أمك لا تعرف شيئاً عن الاضطهاد الطبقي ، ورغم أنها لم تعد تذكر شيئاً مما قالته الرفيقة عن دور المرأة في حركة التحرر العالمي ، إلا أنها انتزعته إلى غير رجعة ، همها كان ، أن تشبه " أسمهان " و " ليلى مراد " بتسريحتها الجديدة .

 13  14  15 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
القصيدة التي تحكي حالي اليوم    كن أول من يقيّم
 
من كلامك المجبول باللوعة أستاذ أحمد ، إلى قصيدة الأستاذ زهير على " شرفات أم غازي " والتي لم أستطع أن أضيف إليها أي كلام أعبر به تأثري ، إلى لفيف من الذكريات التي اجتاحتني دون أن أجرؤ على الإفصاح عنها اليوم كيلا يستبد بنا هذا الحزن المدمر ... كل هذا حاولت اختصاره بهذه القصيدة التي أعرفها منذ زمن بعيد وكأنها كانت دائماً معي :   
 
يا ثلجُ قد هيّجتَ أشجاني
رشيد أيوب : ( 1871 ـ 1941 )
 
 
يـا  ثـلجُ قد هيّجتَ أشجاني ذكَـرتـنـي  أهـلي iiبلُبنَانِ
باللهِ  عَـنّـي قُـل iiلإخواني
مـا  زالَ يرعى حرمةَ iiالعهد
 
يـا  ثـلجُ قد ذكّرتني iiالوادي مُـتَـنَـصّتاً  لِغَديرِه iiالشّادي
كم  قد جَلَستُ بحضنه iiالهادي
فَـكـأنّـنـي  في جَنّةِ الخُلدِ
 
يـا  ثـلـجُ قد ذكِرتني iiأمّي أيّـامَ  تقضي الليلَ في iiهمتي
مـشـغوفةً  تحَارُ في iiضَمّي
تـحـنـو  عليّ مَخافَةَ iiالبردِ
 
يـا  ثـلجُ قد ذكّرتني iiالموقِد أيـامَ  كُـنـا حَـولـهُ iiنُنشِدِ
نـعـنـو  لَدَيهِ كأنّهُ iiالمسجِد
وكـأنّـنَـا النُّسّاكُ في iiالزُّهدِ
 
يـا  ثلجُ أنتض بثوبكَ iiالباهر ونـقـائـهِ كـطويّةِ iiالشاعِر
لَو كنتَ تدري الناس يا طاهر
لـبـعـدتَ  عـنهم أيّما iiبُعدِ
 
لَـو  لم تذُب من زفرَة iiالقلبِ أو دمـعـيَ المنهال كالسُّحبِ
لـبَـنَيتُ  منكَ هياكلَ iiالحبِّ
وحـفَرتُ  في أركانها iiلحدي
 
يـا مـا أُحَيلى النجم إن لاحا والـثلج يكسوالأرض iiأشباحا
والـشّـاعـر المسكين نَوّاحَا
يـقـضي  اللّيالي فاقدَ iiالرّشدِ
 
إن  كنتَ تجهلُ أنتَ في iiيسرِ أو كـنتَ تعلمُ أنتَ في iiعسر
أنـا لا أظُـنّ روايـةَ iiالعمرِ
أدوارهـا هـزلٌ بـلا iiجـدّ
 
يا نفس نادي صاحب iiالعرشِ يـا رازق الـنعّاب في العشِّ
وتـدرّعي  بالصّبرِ ثم iiامشي لا بـدّ بَـعـدَ الجَزرِ من iiمدِّ

 
*ضياء
13 - يونيو - 2008
الشي بالشيء........    كن أول من يقيّم
 
صباح الخير أستاذة ضياء.. قبل الحديث عن الغربة و(واسيني) سأحشر هذه الكلمات التي تخص الشاعر رشيد أيوب، صاحب القصيدة الجميلة السابقة (يا ثلج قد ذكرتني أمي)، فلكثرة شكوى الشاعر من الدهر وصروفه، والفراق ودروبه، لقَّبوه بـ(الشاعر الشاكي)، وبين يدي دراسة بمجلة المعرفة عن أنواع السلوك ومنها السلوك الشاكي الباكي، أذكرها مختصرة:
أولاً: السلوك الدفاعي: أصحاب هذا السلوك يقضون معظم وقتهم في الشكوى والتذمر وإيجاد الأعذار والمبررات لأخطائهم وقصورهم من أجل حماية أنفسهم، ومتى حاول أحد المحيطين بهم القيام بمهمة معينة كانوا أول من ينال منه، لأنهم يرون في كل إنجاز لزملائهم اتهاماً لهم بالتقصير. ثانياً: السلوك المحافظ: يقضون معظم وقتهم في التمني ومحاولة تحسين ظروف العمل والحياة، ويكون هؤلاء الأشخاص أكثر أفراد المجتمع قدرة على الصمود والبقاء، ولا يجنحون للشكوى والتذمر، بل إنهم متفائلون جداً، ويعيشون خيالات أن يأتي الغد بما يأملون تحقيقه، وهم يهتمون بأنفسهم كثيراً ويهمهم بقاءهم على رأس العمل واستمرار الصحة والعافية، وقادرون على مسايرة الآخرين. ثالثاً: السلوك الفعال: يقضون معظم وقتهم في التعلم والتدريب والتطوير، مدركون لما يريدون تحقيقه، يتمتعون بالمبادرة، يشاركون في مختلف مناحي الحياة، يؤمنون بضرورة تحديد الهدف، يستخدمون كلمة نحن نرى كذا وكذا، يمكننا أن نفعل كذا وكذا لتجاوز المشكلة القائمة، دقيقون ولديهم اقتراحات وبدائل وحلول، متقدو الذهن ينجزون الأعمال بهمة ونشاط، ويسهمون في مختلف النشاطات، يمكنهم أن يتحدثوا بطلاقة وإيجاز، يؤثرون في حياة الآخرين تأثيراً فعالاً وبناءً.
لكن ما أجمل الشعر الرقيق الذي تشتاقه النفوس وتحن إليه وتطلبه، مهما كان النوع الذي تنتمي إليه شخصية الشاعر، وهذا ما حصل لنا مع الشاعر الشاكي صاحب النظارة السوداء والنفس البيضاء:
روحـي تـرُوحُ iiوتغتَدي أبـداً  تـحـنّ إِلى اللّقاء
حـتـى إذا بـخلت علي ها  الأرضُ يمّمَتِ iiالسماء
فـإذا  سـمـعتِ iiالرّاديو يا أختَ روحي في المساء
فـاصـغـي إِلى iiنغَماتها فـي  طيّ موجات الهواء
قـولـي  إذا ولّى iiالأسى والـقـلبُ حلّ به iiالعزاء
روحـان قَـد iiجـمعَتهما رُغـمَ النوى لغةُ iiالفضاء
*أحمد عزو
22 - أبريل - 2009
هروب خاطئ    كن أول من يقيّم
 
هذا الملف (البنت التي تبلبلت) دخل قلبي سريعاً مع أن مشاركاتي فيه لا تُذكر أمام مشاركات أساتذتي الكبار.. دخل قلبي منذ إحالة ضياء خانم لي في مشاركة قديمة لأخي الأكبر هشام، وها هي العزيزة ضياء مرة أخرى تحيلني إلى حديث سابق عن الغربة..
مقالة (أنا والغربة) لـ(واسيني الأعرج) التي وضعتها في (أحاديث الوطن والزمن المتحول) هي المقالة الأولى التي أقرؤها لهذا المبدع، وكنت قد قرأتها أربع أو خمس مرات، أعجبني تحليله ووصفه العميق، وأحسست أنه يتكلم على لساني، وأعجبت بقصته عن (كنزة الجزائرية) هنا في هذا الملف صفحة 10، وتمنيت لحظة اطلاعي على الصفحة آنفة الذكر لو أقرأ كل ما كتب في وراقنا البديع، لولا أن الوقت لا يدَّخر جهداً في ملاحقتي.
صور كثيرة لانتحار الغرباء أو المغتربين، نسمع ببعضها فقط، كان آخر ما عرفته انتحار سوداني في قلب مدينة الرياض، شنق نفسه على جسر للمشاة في شارع (الوشم)، وبقي متدلياً ومن تحته تمر السيارات فتتأمله وكأنه هو يتأملها أيضاً بثوبه السوداني وطاقيته البيضاء.
لم يستطع (الغريب المنتحر) أن يسترجع ما بُتر منه، ولم يستطع إعادة الزمن للوراء إلى حيث كان قبل الغربة مكتملاً، أو يهيأ له أنه كان كذلك، كي لا يهوي فيما هو أشد إيلاماً، فكان اختياره الهروب إلى المجهول (الموت)، وربما وصل الألم غايته -توهماً- كما يصل السرطان إلى منتهاه -حقيقة- فحصلت الطامة الكبرى وأنهى حياته، وتشبيه ألم الغربة بالسرطان جميل جداً على علاّته وهو تشبيه صاحبنا المبدع واسيني الأعرج..
ولكن للأسف، هذا الهروب الخاطئ كان إلى شيء لا يمكن للعاقل أن يهرب إليه، وهو بالضبط ما لا يمكنه -أيضاً- أن يهرب منه.
*أحمد عزو
22 - أبريل - 2009
نعم ، هذا كثير    كن أول من يقيّم
 
صباح الخير أستاذ أحمد : آلمتني كثيراً صورة ذلك الرجل السوداني الذي قضى معلقاً فوق جسر في أرض غريبة عن روحه لأنها صورة عميقة الدلالة ، فهي صرخة مكتومة تدوي في قلوب الملايين من الذين اقتلعتهم الحروب وظروف حياتهم البائسة وألقت بهم على قارعة الطريق . هناك صرخة مؤلمة تمزق في كل يوم الصورة البراقة لهذا العالم المنافق والمزيف الذي نعيش فيه ، والذي صمّ أذنيه عن سماع أصواتهم ، وتنقلها وسائل الإعلام لكي تروج من خلالها لتسويق معان أخرى ساقطة مثلها تستخدمها في دعايتها السياسية ، هي صورة هؤلاء الذين يرمون بأنفسهم إلى البحر ، في زوارق مطاطية تتسع لعشرة وغالباً ما يكون فيها ما يزيد على الخمسين ، هرباً من جنون الحروب أو من جنون عصابات السلطات ومافياتها الحاكمة في بلدانهم ،الخفية والمعلنة ، وجنون أوضاع إنسانية أوصلتهم إلى حد اليأس والحد الذي يدفع بهم لجنون آخر مواز له يقضي بأن يسلموا أنفسهم لأهوال البحر ، ليرتجوا الرحمة من قراصنته وحيتانه أكثر مما يرتجونها في بلدانهم الأصلية . هذه الصورة التي تتكرر في كل يوم يجب أن تهز ضمير هذا العالم النائم ، لكن لا حياة لمن تنادي ، لأنه سيفتح عينيه يوماً ، بعد فوات الأوان ، بعد أن تتهاوى هذه العروش الزائفة التي تتوغل في الفساد والنفاق والجشع في كل يوم أكثر فأكثر ، ولكي تندم عندما لا يعود يفيد معها الندم .
 
هل تعرف المثل الذي يقول " قاتلك ببيتك ، قاتلك بالطاحون " . ؟؟؟
*ضياء
23 - أبريل - 2009
الطيور البيض    كن أول من يقيّم
 
سلمتِ لنا أستاذة ضياء.. وصباحك خير وصحة وعافية.. وسلام معطر من ملاكي الذي يجلس بجانبي الآن..
أنا لم أسمع المثل (نظرياً) إلا الآن، لكنني أعرفه بشدة (عملياً)..
البحر، الوحوش، التخاذل، المنفى، الخوف، الموت، الخيبة، الشيطان... اجتمعت هنا في مقطوعة شعرية لـ(مروان صقر) من ديوانه: (الطيور البيض تسافر صوب الشمس):
البحر يعرش في الشطآن وحوشاً ضارية..
والرمل عجوز..
تقرأ في كفِّ الموج المتخاذل أشعاراً.. مبهمة
تستسلم للنفي الكلمات، اللهفة،
نغمس أعيننا الغجرية خوف دخول الصحراء المحروقة فيها
فاجأنا العشق البحري،
تلونا عند أفول الشمس
مراثي عدة
يفتك فينا الشوق الفاتن،
يقبل منفى آخر
أتنبأ أنا سنصير حطاماً
ينهرني رجل..
والآخر يهمس..
من يدري؟!!..
- فغرت أفواه نوافذنا..
لم يدخلها ضوء منذ الأحقاب الأولى..
- آه زمان.. (؟) يأتي..
يسلخ جلد الموتى..
يجعل منه حذاء للقتلة
حيث يبث الخوف المومس يورق عشب الخيبة
يعتقل الفرح المرسوم جنيناً في رحم الأزمان
وحيث يعيش الحب       
بلا عينين وذاكرة
يتربع شيطان التكوين الممسوخ..
*أحمد عزو
23 - أبريل - 2009
من أين أدخل في الوطن    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
صباح الخير مجدداً وتحياتي لكما ، أحمد وصفاء :
 
من الواضح أنك أدركت تماماً معنى هذا المثل الشعبي القروي الذي يعني حرفياً بأن من يستطيع أن يضربك في بيتك يستطيع أن يضربك في الطاحون ، والذي يعني بأن تغيير المكان لا يعني تغيير طبيعة العلاقة أو ميزان القوة القائم بين طرفين . هذا يعني أيضاً بأن من عاش مهزوماً على أرضه ، وبين أهله وفي وطنه ، لن يكون إلا مهزوماً على أرض غريبة . كل ما يحصل اليوم هو أننا ننقل المشكلة من مكان لأخر ، أو أنهم ينقلون المشكلة من مكان لأخر فتنتقل بذلك المواجهة من مكان لأخر رغبة في تأجيلها ، بينما الإحساس بالظلم والهزيمة باق ومتربع في النفوس ، وهو متأت من فقداننا الشعور بالأمان والعدالة في الأرض التي ولدنا فيها والتي لم تمنحنا أبوتها . هذا لا يعني بالمقابل بأن ميزان القوة قائم على حاله إلى الأبد ، فالمواجهة قادمة ونحن في كل يوم نسمع عنها : من أين أدخل في الوطن ؟
*ضياء
24 - أبريل - 2009
من بابه..    كن أول من يقيّم
 
(من بابه.. من شرفة الفقراء..
أيها الوطن البعيد أتيت..
أتيت يا وطني..
صباح الخير..)
أستاذتي ضياء خانم.. آسف على التأخر في الرد، فقد أضيفت إلى مشاغلي التحضيرات لقضاء إجازة قصيرة في رحاب المدينة المنورة ومكة المكرمة، وبينما تقرئين أسطري سأكون خارج الرياض مدة أسبوع تقريباً.
أستاذتي.. أنا معك قلباً وقالباً بهذا الرأي منذ البداية، وما أشد ألمي من قصتَي (كنزة والسوداني وغيرهما).. لكنني كما قلت: أنا لا أوافق على (وضع حد للحياة) مهما كانت الأسباب، وجميعنا كذلك، وإن كان المجرم القابع هناك هو المتسبب أولاً وأخيراً، وأن يكون لنا في رسول الله أسوة حسنة خير من أن تكون أسوتنا الزبّاء حين قالت: (بيدي لا بيد عمرو).. وأشكرك أستاذتي على المسحة التفاؤلية الجميلة في حديثك عن العودة فالأمور من المستحيل أن تبقى كما هي، هذه هي حال الدنيا، وحينها جميع المنفيين سيعودون ليعانقوا الشمس ما عدا أولئك الذين خسروا حياتهم بأيديهم مستسلمين هاربين من واقع مؤلم إلى ما هو أشد إيلاماً.. وإن كان الخيار فمن الأفضل أن أُقتل ببيتي أو بالطاحون مقاوماً خير لي من أن أقتل بيدي، والفرق كبير كما تعلمين.
أستودعك الله أستاذتي زينة المجالس.. وآسف على إشغالك بفتح ملف (البنت) مرة بعد مرة.. ولنا عودة بمشيئته تعالى.
*أحمد عزو
25 - أبريل - 2009
 13  14  15