 | تحول فكري بدون إكراه كن أول من يقيّم اتفقت المصادر التاريخية المتعددة سواء العربية الاسلامية أو الاوروبية الغربية على أن تحول مصر "المذهبي" اتى بصورة تدريجية وفي سياق التحول الطبيعي المبني على ضرورة الظروف التاريخية التي كانت تعاني منها مصر في نهاية عهد الدولة الفاطمية. فقد دخل النصف الثاني للقرن الثاني عشر الميلادي على مصر والخلافة الفاطمية"الشيعية" الحاكمة فيها تعاني سكرات الموت نتيجة الضعف الشديد لشخصية الخليفة ومركزه الحكومي من جهة وللخلافات العميقة بين وزراء الخليفة العديدين من جهة اخرى, وتحدثنا معظم المصادر على أن آخر 28 وزيرا في عهد تلك الدولة قد ماتوا اغتيالا, وهذا يدلنا على مدى دور السائس والمؤامرات والاحلاف في تسيير شؤون الدولة حينذاك. لم تمنع صحوة ضمير العاضد بالله - آخر خليفة فاطمي - في منع صراع وزيريه ضرغام وشاور على سدة الوزارة, كما لم تمنع أيضا تحقيق أطماع ملك القدس الافرنجي آنذاك أمرليك (آموري) في مصر الثروة والموقع الاستراتيجي المميز, اذ كان الملك الافرنجي يدرك تماما أن السبيل الوحيد الى انقاذ الممالك الفرنجية في بلاد الشام من براثن المجاهد الاكبر نور الدين محمود زنكي (صاحب حلب والموصل) هو الاستيلاء على مصر لما تمثله من مخزون مادي وبشري واستراتيجي عظيم. رأى العاضد بالله أن السبيل الوحيد لانقاذ مصر من أطماع ملك القدس الفرنجي هو الاستنجاد بنور الدين زنكي وخاصة بعدما نمى الى علمه أن الوزير شاور (بعد تآمره على ضرغام وقتله) قد استنجد سرا بملك الفرنجة يدعوه فيها الى ملك مصر مقابل ابقائه في مركز الوزارة حيث ان الهواجس قد ركبت شاور أيضا من اتساع ملك نور الدين زنكي ونبل أهدافه ووضوح غايته في توحيد البلاد الاسلامية تحت علم واحد ثم تحريرها من المحتل الفرنجي الغاصب. كان للصراع بين ملك الفرنجة وحليفه شاور من جهة وبين نور الدين والخليفة الفاطمي من جهة أخرى صولات وجولات استمرت على مدى خمسة عشر عاما تقريبا وشملت دخول الجيوش الاسلامية والفرنجية مصر أكثر من مرة ثم انسحابها منها بناء على أكثر من معاهدة واتفاق, لكن الغلبة كانت في النهاية لفريق نور الدين (ممثلا في أسد الدين شيركوه قائد جيشه وابن أخي أسد الدين صلاح الدين) والخليفة العاضد على فريق الفرنجة وشاور عام 1169م وموت شاور قتلا. لم يكن الخليفة العاضد جاحدا لفضل أسد الدين وصلاح الدين في حماية مصر من العدوان الفرنجي وتخليصها من دسائس شاور فقلد يوسف صلاح الدين الوزارة في مصر رغم تمنع صلاح الدين نظرا لصغر سنه, لكنه قبلها في النهاية بعد تشجيع عمه وأبيه(نجم الدين أيوب) له. بالمقابل, كان صلاح الدين وفيا لثقة الخليفة العاضد فيه, فلم يحاول خلعه أو الثورة عليه رغم مرض الاخير وضعفه ورغم أن الجيوش الشامية قد جاءت تحت علم نور الدين زنكي التابع نظريا للخلافة العباسية"السنية" في ذلك الوقت. تزامنت وفاة الخليفة العاضد المريض مع تغيير الدعاء في المساجد المصرية من الخليفة الفاطمي الى الخليفة العباسي بأمر من نجم الدين أيوب والد صلاح الدين, وقد أنقذت وفاة الخليفة العاضد صلاح الدين من الحرج الذي وقع فيه بين وفائه للعاضد من جهة وبين التزامه تحت راية نور الدين والخليفة العباسي من جهة أخرى, حيث وجدها فرصة مناسبة لالغاء الخلافة الفاطمية"الشيعية" دون أدنى معارضة أو احتجاج من سواد الشعب المصري"الشيعي" في ذلك الوقت. اتبع صلاح الدين الايوبي خلال وجوده في مصر سياسة التحول التدريجي السلمي من المذهب الشيعي الى المذاهب السنية حيث لم يستعمل العنف مطلقا في الاعتناق المذهبي وترك الناس تختار ما تشاء من المذاهب, على أنه يقال أنه أحرق الكتب الداعية الى التشيع في مصر وأدخل عوضا عنها كتب أهل السنة, أي أن التحول كان فكريا عقليا محضا في كل الاحوال.
| فواز | 9 - مارس - 2006 |