 | عناصر وخلفيات الإشكالية....     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
تحية من أقصى شمال المغرب إلى جميع المشاركين....
كان بودي أن أعقب على تعقيب سابق سبق وأن عقب على تعقيبي...لكني رأيت أن المسألة قد لا تجدي شيئا. لاحظت ـ مع الأسف الشديد ـ أن معظم المداخلات المتعاقبة ( والأخيرة بالخصوص) منصبة إما على الإطراء والتقريظ، أو على الاتهام والتبخيس. طريقة وآليات نقاشنا هنا إنما تعكس مظهرا من جوهر الإشكال. إننا نبحث ونتساءل عن غياب شروط الإبداع الفلسفي في مجتمعاتنا العربية. ولعل طريقتنا في التفكير والحجاج والمناظرة هي جزء من هذه الشروط الداخلية. وهي طريقة تتأسس ـ كما أرى ـ على مرجعيات نظرية في التراث، وعلى تراكمات مسلكية في التاريخ.
معنى هذا أن إشكالية غياب الإبداع الفلسفي العربي إنما ترجع إلى ضربين من العوامل: عوامل خارجية؛ تلك التي تقوم في الشروط التاريخية والاجتماعية والثقافية والكونية التي تحيط بنا. ثم هناك عوامل داخلية؛ تلك التي ينطوي عليها العقل العربي نفسه؛ أي رؤيته للعالم وذاته والآخر،وكذا طريقة تفكيره التي توجهها آليات ذهنية متوارثة.
الخطوة الأولى الموجهة تفرض علي طرح هذا السؤال: ماذا نقصد بالضبط بالفلسفة? قد لا يختف اثنان أن للفلسفة معنى ثقافي عامي قد نتفق عليه؛ ومعنى أكاديمي خاص نختلف حتما حوله(مثلما اختلف فيه الفلاسفة أنفسهم).
إذا سلمنا بأن الفلسفة ـ في معناها الثقافي العام ـ هي تلك الرؤية الشمولية التي تنتظم من خلالها تصورات ومسلكيات مجتمع معين في فترة أو فترات تاريخية معينة. إذا كان ذلك كذلك تأدى بنا ذلك إلى القول بأننا العرب ـ مثل باقي الشعوب والمجتمعات الأخرى ـ لنا فلسفتنا؛ متضمنة في النص الديني وفي المدونة اللغوية وفي المتن الفكري التراثي...إلخ. سنكون هنا أمام نسق من المفاهيم والآليات والتصورات والنظريات المنتظمة فيما بينها على المستوى العام.
لكن إذا أخذنا بالمعنى الأكاديمي الخاص للفلسفة سنجد أن الأمر يختلف؛ وسوف نختلف. إن المسألة هنا أعقد مما قد نتصور. فهناك تعريفات ركزت على الموضوع أو الموضوعات التي يفكر فيها الفيلسوف؛ وهناك غيرها ركز على آليات التفكير أكثر من تركيزها على موضوعات التفكير...إلخ. أمام زئبقية المفهوم يمكن أن نتواضع ونجعل تفكيرنا ـ كتفكير عالم الرياضيات ـ أكسيوميا؛ أي فرضيا استنباطيا. يجب أن نسلم منذ البداية بتعريف ما ـ من إبداعنا أو من إبداع غيرنا. لكن بشروط: أن يكون مؤَسَسا ومؤسِسا. لماذا نصف أرسطو وابن رشد وديكارت وهيدجر فلاسفة? لا نصفهم بنعت الفلاسفة لكونهم تركوا تراثا فلسفيا أو قدموا أطروحات فلسفية مازالت حية حتى اليوم. هناك مؤشر قد نتفق عليه في سياق هذه المحاولة "الأكسيومية" إن جاز القول. إن هؤلاء الفلاسفة أبدعوا مفاهيم فلسفية: أرسطو أبدع مفاهيم الماهية والحركة والقوة والفعل ومفاهيم المنطق...إلخ؛ فلاسفة الإسلام أبدعوا مفاهيم واجب الوجود والأيس والإنية...إلخ؛ ديكارت صاحب الكوجيطو؛ ليبنتز مبدع الموناد؛ الكينونة عند هيدجر...إلخ. وهي مفاهيم شكلت ـ في أعمال هؤلاء ـ اللبنات القوية المؤسسة لفلسفتهم. على هذا الأساس يمكن قبول التعريف الذي اقترحه كل من جيل دولوز وفيليكس كاتاري: الفلسفة هي إبداع للمفاهيم. إن المفاهيم الفلسفية لا تسقط من السماء؛ بل لها مبدعوها وموقعوها؛ مثلما لها سياقها التاريخي وسيرورة تشكلها وتطورها.
بهذا المعنى الأكاديمي/الخاص هل لدينا فلسفة? هل لدينا فلسفة بالمعنى الذي نقصد به وجود فلاسفة تمكنوا من إبداع وابتكار وصياغة مفاهيم كبرى جديدة مؤسسة للحظات أساسية وحاسمة في تاريخ الفكر. كان كل من أرسطو وابن رشد وديكارت...إلخ لحظات حضارية حاسمة في تاريخ حضارتهم. هل لدينا هذا الصنف من الفلاسفة اليوم?
قبل أن أطرح عناصر للإجابة في المداخلة المقبلة أود أن أعود لحظة إلى تاريخنا من أجل التأمل. فكروا معي: هل كان من الممكن أن يكون لدينا الفارابي وابن سينا وابن رشد لو لم يقرأوا أفلاطون وأرسطو? بمعنى آخر : هل كان من الممكن أن توجد لدينا ما يسمى ب"الفلسفة الإسلامية" ممثلة في الرواد أعلاه لو لم تصلنا الفلسفة اليونانية عبر عمليات الترجمة والشرح التي أشرف عليها في لحظة الدولة نفسها(المأمون وبيت الحكمة)? هل يمكن القول إن الفلسفة الإسلامية هي قراءة ـ فهما وشرحا وتأويلا وتوظيفا ـ للفلسفة اليونانية? ألا تعتبر الإشكالية التي هيمنت على تفكير الفيلسوف العربي ـ إي إشكالية التوفيق بين الفلسفة والدين أو العقل والنقل ـ إشكالية تعكس لقاء حضاريا مع نمطين من التفكير: ديني وفلسفي? هل لدينا في الماضي فلسفة خالصة كي نؤسس عليها فلسفة راهنة? هل أبدعنا كي نبدع اليوم?
| *وحيد | 12 - فبراير - 2006 |
 | تابع تنقية المشكلة الفلسفية 21     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
لازلنا في المقارنة بين السلفية و الحداثة من حيث علاقة كل منهم بالبعد الزمني للفكر ( تقييم كل منهم للفكر من حيث إحداثياته الزمنية ) , ذكرنا أن فكرة : "الأحدث هو الأصوب" فكرة ساذجة لأنها تنظر إلى الفكر كنسق مستقل عن الإنسان المفكر , نسق يسير في اتجاه الكمال من تلقاء نفسه ! , الآلية المفترضة لسير الفكر _ حسب فكرة : "الأحدث هو الأصوب" _هي : تحول الفكر من البسيط إلى المعقد مع الزمن , وهذه الآلية تصطدم وتناقض عدة ظواهر : أولا : الفكر في مرحلة زمنية ما هو استبدال وليس إضافة للمرحلة السابقة له , في حين أن العلاقة بين البسيط و المعقد ليس فيها استبدال . ثانيا : ظاهرة الاختلاف الإنساني أيضا تنفي عن الفكر آليته العمياء , أي سيره من البسيط إلى المعقد دون تدخل للطبيعة الإنسانية . الفرض المقابل (وهو فرض العبد لله ومن هم على شاكلته ) : أن الفكر لو كان دالة في الزمن لكانت دلالته مرتبطة بطبيعة الإنسان , ذلك الكائن الذي يسير نحو الشعور بنفسه لدرجة النرجسية مخضعا الفكر لهذه النرجسية خبيثة النمو , ( تكريم الله ) للإنسان يختلف عن( تمجيد الإنسان) للإنسان.
قد يبدو في المقابل أن النظرة السلفية تفترض أن : " الأقدم هو الأصوب " وهذه هي الظاهرة الوهمية الذي احتلت القسم الثالث من أخطاء الأخ عياشي : أن التيار السلفي ينظر إلى الماضي , والحقيقة أن هذا التيار لا ينظر إلى الماضي ولا إلى الحاضر ولا إلى المستقبل , لأن الفكر عند هذا التيار مطلق أي مجرد من الزمان , وكون النموذج المثالي لفكر التيار الإسلامي من الناحية التطبيقية كان في فترة زمنية ماضية , فهذا لا يعكس خاصية جوهرية للفكر بل يعكس مجرد علاقة زمنية به , ترفع التيار الديني عن وضع أي اعتبار للإحداثيات الزمنية أو الحضارية للفكر تؤكده عدة ظواهر أيضا يجب أن ننتبه إليها جيدا : أولا : التيار الإسلامي تيار معاصر باعتبار الوجود الآني له ( أي الوجود الآن بالفعل ) . وصف ظاهرة معاصرة بأنها قديمة هي تناقض لفظي , ثانيا : النقطة الزمنية المرجعية للتيار الإسلامي (زمن النبوة) ثابتة لا تتغير بحركة التيار الإسلامي في الزمان , بمعنى أنه لو كان الموضوع هو تشبث بمسافة زمنية معينة , لكانت هذه المسافة ثابتة , وهذا يستلزم تحرك النقطة الزمنية المرجعية للتيار الإسلامي مع حركته في الزمان . ثالثا : يتحفظ التيار الإسلامي على كثير من الأفكار القديمة ( الفرق الضالة مثل : الحلوليين _ أتباع اليونان من العرب ) , ويعتبرها لا تتميز عن ( جاهلية القرن الحالي ) , التيار الإسلامي لا ينظر بشفقة إلى حلولية ابن عربي و لا يميزها عن حلولية اسبينوزا و برجسون إلا من حيث الشكل .
الأخ عبد الحفيظ في مقاله : " بخصوص التنقيات" , يتقمص شخصية هيجل و يبرر تناقضات الفكر الحداثي بطريقة فيها خلط واضح بين الحداثة كموضوع ماثل أمام العقل , تلك الحالة التي من الممكن فيها قبول الحداثة كموضوع متناقض , وبين الحداثة كمبدأ يتمثله العقل , ( لو قررت أدرس الحداثة سأدرسها دون أن تزعجني متناقضاتها لكن لو قررت أن أكون حداثي فسوف توقعني هذه المتناقضات في حيرة ) .
, الأخت شادية : عرض الأفكار جميل لكن العلاقة بين الوحي و الفلسفة تتجاوز عدم التعارض وتصل إلى عدم الاستغناء , العلاقة ليست ممكنة بل ضرورية , أما عن إطراءك أنت و الأخ عبد الرءوف و الأخ زهير فهو والله فوق ما أحتمل وما أستحق بكثير , وخجلي منه يفوق سعادتي به .
الأخ وحيد , الإخ عبد الحفيظ , الأخ عياشي : لن يستطيع أحدكم لومي على الاختلاف معه لأن الذي شجعني على ذلك هو سمو أخلاقكم , وكنت أقول للأخ عبد الرءوف سامحك الله لأني لن أستطيع الإفلات منكم , ... هو من وضعنا في المواجهة .
| *يحيي رفاعي سرور | 13 - فبراير - 2006 |
 | الرد على الأستاذ وحيد     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
إنطلق الفكر الإسلامي في بداياته من موضوعات لا تمت للفلسفة ولا للماورائيات بصلة ، بل كانت بداياته إنطلاقاً من حاجات التفسير والفهم للنص القرآني وللحديث النبوي ، وهي حاجات فهم النص الشرعي بغية إستنباط الأحكام الفقهية الشرعية ، فكانت : علوم الفقه واللغة .
ثم توسعت هذه الرغبة في فهم مسائل العقيدة وموضوعاتها فتساءلوا عن معنى : الخير والشر ، الثواب والعقاب ، النفس ، العالم ، صفات الله ، المعاد ........... فنشأ عن ذلك ، علم أصول الدين ، هكذا كان اسمه في البداية ، ثم قيل : علم التوحيد ، ثم : علم الكلام .
وكان المجتمع الإسلامي الأخذ بالتوسع قد أصبح على إحتكاك بثقافات عديدة ، الهندية والفارسية من أهمها ، وديانات ذات طابع فلسفي ما ورائي أثارت تساؤله ، كالزراداتشية أو المانية والغنوصية . واحتكوا بالسريان المسيحيين الذين كانوا حفظة الفلسفة اليونانية ومترجموها وكان من الطبيعي بأن ينفتحوا على الثقافة اليونانية ويعجبوا بها لأنها كانت الأرقى والأكثر تنظيماً ، ولأنها كانت غير ذات طابع ديني ليرفضوها سلفاً ، فوجدوا فيها ضالتهم .
جاء استخدام الفلسفة اليونانية في بداياته كعنصر من أدوات الصراع الفكري الذي كان قائماً على موضوعات أساسية في صلب العقيدة وكان الإختلاف حولها واقعاً . كالإختلاف بين القدرية والمرجئة والمعتزلة حول درجة مسؤولية الإنسان عن أفعاله وإرادة الإنسان ، وصفات الله ككيفية الجلوس على العرش مثلاً وأن الله على العرش استوى " ..........
ثم جاء فريق جديد ليضيف إلى حمى التنظيرات الكلامية والفكرية ، بعد أن أشتد وطيس الصراع العقائدي بين السنة والشيعة بوصول العباسيين إلى السلطة ، فكان لكل منهما في البداية أئمته ومؤرخوه ( لتأريخ الحديث النبوي ووقائع البيعة للإمام علي ... ) ، ثم صار له فلاسفته ومنظريه ، وقد وجد الكثير منهم ضالته في الفلسفة اليونانية وخصوصاً في نظرية الفيض الأفلاطونية التي تتناسب كثيراً مع نظرية الوحي والإمام المعصوم .
الفلسفة اليونانية كانت ذريعة وأداة لتدعيم الأفكار والتصورات والخلافات الموجودة أصلاً . ولذلك ، جاءت الفلسفة الإسلامية لتختلف بعمق عن الفلسفة اليونانية بمفاهيمها ومرتكزاتها الأساسية منها نظرتها إلى موضوعات : النفس والعقل والمنطق . والفلسفة الإسلامية رغم خلافاتها الكبيرة إستطاعت بأن لا تقع في مطب السقوط الأيديولوجي وأن تحافظ على مبدأ : وحدة الوجود ، الذي هو أساسي في العقيدة . ففي الوقت الذي كان أرسطو يعتقد بأن الله غير مدرك للعالم لأنه منفصل عنه وغير موجود فيه ، أكد الفلاسفة الإسلاميون بمجملهم على مبدأ وحدة الحق ووحدة الحقيقة ووحدة الوجود .
لو كانت المعرفة بالفلسفة اليونانية كافية لإنتاج فلسفة جديدة لأبدع السريان قبلنا ، وهم لم يبدعوا .
محاولة الفلسفة الإسلامية التوفيق بين الدين والفلسفة هي في عمقها رغبة الفيلسوف في الحصول على هامش أكبر من الحرية في التفكير في إطار النص الديني ورغبته في إختيار أدواته المعرفية .
| *ضياء | 17 - فبراير - 2006 |
 | استمرار     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
جاهز للاستمرار في النقاش , وآسف للمرة الثانية للانقطاع الخارج عن إرادتي , الملفات المفتوحة ( أمامي تحديدا ) : الأخ عبد الحفيظ يقرر أن الواقع اسبق من الفكر , وأن الحضارة الإسلامية غير منزهة عن المتناقضات . الأخ محمد و الأخ وحيد يفتحان ملفا واحدا وهو:"معيار الفلسفة" ولكن لغايتين متباعدتين ومتعاكستين , الأخ محمد يطرح احتمالية وجود فيلسوف غير معروف كفيلسوف (يشكك في المعيار النمطي للفلسفة ) , أما الأخ وحيد فيحاول _ على العكس من الأخ محمد_ البرهنة على خلو الحضارة الإسلامية من الفلسفة ( يؤكد المعيار النمطي للفلسفة ) , الأخت ضياء أثارت موضوعين ,الأول :اللغة وعلاقتها الوظيفية للفلسفة , و الثاني: تفسير الوجود المحدود للفلسفة اليونانية داخل منطقة نفوذ الحضارة الإسلامية رغم رفض الأخيرة لها .الأخ فادي باشتراكه في الحوار يفتح ملف... " أزمة الطفولة في العالم العربي" .
الأخ زهير / قد يتشعب الموضوع لدرجة أن يتلاشى , لذا فمن الأفضل عدم الرد على الأخطاء الهامشية في أي مقال , أقصد بالأخطاء الهامشية : تلك التي لا علاقة مباشرة لها بروح المقال و التي لا يقصدها كاتبها تحديدا ولا تؤثر في سير المقال , من الممكن أن تجرنا إلى التشعب في الحوار ( مشكلة القدرية و المعتزلة ).
كما أقترح ترقيم كل المقالات الخاصة بكل مشارك حتى يسهل الرجوع إليها بالرقم .
شكرا جزيلا للأخ عبد الرءوف و للأخت ضياء على المشاعر النبيلة. وسعيد بالعودة إليكم .
| *يحيي رفاعي سرور | 18 - فبراير - 2006 |