ردود وتوضيحات على هامش مقال(بين الغزالي وابن رشد)...3     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الأستاذ الفاضل يحيى رفاعي...
يفرض علي أدب الحوار أن أوضح ما التبس عليكم وأفند ما ادعيتم وزعمتم....
فاجأني ردكم لاعتبارات منها:
أولا: مطالبتكم لي بأن "أستريح وأوفر على نفسي عناء إهانة العرب". لقد نصبتم من أنفسكم قاضيا وجلادا. لقد خدشتم عروبتي وقوميتي...
ثانيا: وصفتم مقالتي بأنها دون مستوى المناقشة(وقد ناقشتموها شاكرين). ورجحت ظنك ـ وما هو براجح ـ بأنها مقالة ليست من بنات عقلي، بل تم "نقلها كما هي من أحد (هكذا) الكتب". لقد جرحتم أمانتي العلمية ونزاهتي في عرض رأيي.
ـ ثالثا: تهجمتم على مفكرين مؤسسين لمشروع فكري بعبارات أنأى بنفسي عن وصف قائلها بما لا يليق وهو يناقش قضايا فكرية راقية. لقد اتهمتم محمد عابد الجابري بالتدليس... وما كنتم إلا بسامعه من بعيد؛ فبالأحرى قارئين له.
ـ رابعا: تحفظتم معاملتي على طريقة معاملة " الشيخ الإرهابي" في فيلم "الإرهابي"، والذي استحضرتموه ـ وعيا أو بدون وعي ـ في سياق "حوار" يفترض أن يكون "حوارا" عقليا يروم الإقناع. (لا تجادل ياأخ علي)...لقد قلتها يايحيى...بل قلت أكثر منها وأنت تناقش أسباب غياب شروط العقلانية والفلسفة في ساحتنا العربية. اتهمتنا بسب العرب. اتهمتنا بالسطو. طلبت منا الانزواء. اتهمتنا بالتبعية وعدم النزاهة. جعلتني أشك إن كنت ممثلا داخل"منبر للحوار" أم فعلا "داخل محكمة تفتيش لمحاكمة الفكر". أنا أعرف أن للحوار أخلاقياته وضوابطه. وأنت انزلقت وشرعت تتقيأ اتهامات ذات رائحة كريهة. نعم ـ ياأستاذي ـ هي اتهامات تعكس في نظري نزعة هي أقرب "التعالم الفج" في خالة السواء أو "النرجسية المرضية" في حالةالشذوذ. ألم تكتب بأن "أظرف ما قرأته على يد الشاب وحيد...". ولا أدري كم قد أكبرك سنا؛ أو إن كنتَ في سن طلبتي المبتدئين...
وأستغرب من أمرين في مقالتك: أولهما دوغمائية مغلفة بأقساط مشتتة من فتات أفكار مدرسية غير واضحة. وسادية مهترئة تتلذذ بلفظ عبارات لا تناسب مقام المقال. وقد وجدتُني مضطرا أن أعلن هذا مع كل اعتذاراتي لزوار هذا المنبر التنويري الرائع. وأعتبره منبرا "لتنقية" الصالح من الطالح مع تطور النقاش والمطارحة.
الأستاذ يحيى....
أراهن أنك قرأت مقالتي واجتزأتها....انتقيتَ منها ما وجدتَه ملائما لتقديم بعض المعارف المدرسية حول "النص والمعنى" و"المنطق".لمْ تناقشني في جوهر الإشكال. لم تفندْ أطروحتي. صدقني كنتُ أنتظر منك ذلك حتى نرفع معا بالنقاش إلى مستويات أخرى. لكنك انزحت كثيرا لتسقط في "اللاحوار". ابتعدتَ عن القضية وذهبت إلى الشخص. أهملت تشخيص الإشكال وجعلت من الأشخاص مشكلا. ضاعت منك البوصلة أستاذي الكريم.
أعود إلى الإشكال...
مقالتي لم تتحدث إلا عن منطقة صغيرة في معمار العقل العربي الشامخ. هذا العقل تشكل داخل حضارة مخصوصة هي الحضارة العربية الإسلامية. والفقيه هو صانع هذه الحضارة. هاهنا بيت القصيد الذي لم تدركه جيدا.(اعفني ياأستاذ من عبارات الأفلام كالسوبرمان...أو الإرهابي....). أقول: إذا جاز قياس حضارة بإحدى منتجاتها جاز القول بأن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة فقه بامتياز. إن الفقه تراث يرتبط بحضارتنا؛ مثلما ترتبط الفلسفة بالخضارة اليونانية؛ والعلم والتكنولوجيا بالخضارة الغربية. هذا وصف لواقع معطى وليس حكما قيميا ذاتيا؛ وإلا كنا كمن يجهل ذاته ومكونات كيانه. في مسار تشكل وتطور هذه الحضارة ـ خضارة الفقه ـ تشكل العقل العربي؛ أي تشكلت الآليات الذهنية التي وجهت تفكير الإنسان العربي؛ وما زالت توجهه إلى الآن. ولا نعدم القرائن التي يمكن تقيمها في مناسبات غير هذه. ومعلوم أن الفقه ـ من حيث هو منتجات وآليات ـ أسس قوته الإبيستمولوجية والثقافية كذلك من خلال الاعتماد على مركزية النص الديني. وبحكم أن الثقافة العربية هي في الأصل ثقافة شفاهية، وبحكم أن القرآن يحمل "العلم الأصح" فقد اقتضى الأمر حفظه عن ظهر قلب
من طرف "طبقة القراء" كمتخصصين قلة. وإذا كانت سلطة وأهمية هؤلاء تدل على المكانة
التي كانمت تعطى تاريخيا لقوة الذاكرة من أجل التغلب على آفة النسيان خاصة بعد غياب
الحُفّاظ الأوائل نتيجة حروب الفتوحات فقد تم اعتبارهم الرعيل الأول للعلماء، وبالتالي سلفهم
المرجعي, كما مكنهم وضعهم الاعتباري الرمزي،كأصحاب سلطة ثقافية دينية، من ممارسة
أدوار سياسية تمثلت في الوساطة والتحكيم والتدخل إبان الخلافات والصراعات التي نشبت
في عهدهم ( الثورة على عثمان ـ معركة صفين...) . نعم كان الأقرأ هو الأعلم. أحيلك أستاذي
الفاضل ـ دون تحديا منكم بل من باب الأمانة العليمة ـ على المرجع التالي:( طاش كبرى
زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، دار الكتب العلمية، بيروت، (بدون تاريخ)،
المجلد الثاني، ص. 7. ). وأيضا كتاب علي أومليل (السلطة السياسية والسلطة الثقافي)...ثم محمد
النويري،( علم الكلام والنظرية البلاغية عند العرب)...
أنتم ياسيدي اجتزأتم مضامين مقالتي عن سياقها....أنا أفهم المنطق وأدرسه لطلبتي. وأي طالب مبتدئ
يعرف أن المنطق علم صوري...إلخ. لكني لا أفهم كيف غابت عنك معطيات أساسية في تطور المنطق... تأمل هذه المقارنة ...
عندما نفحص حضور منطق أرسطو في الفكر الغربي نجد أنه اكتسى أشكالا من مظاهر التعديل
والتهذيب. فتم فهمه على أنه منطق الكائن ليوظف في الإلاهيات. وفهموه على أنه منطق الرياضيات فتأثر
بتغيرات وأزمات هذا العلم أزمة الرياضيات في القرن 19). معنى ذلك أن المنطق بقدر ما أثر في
الحقول العلمية الأخرى تأثر بدوره من تقلبات هذه العلوم. وعليه لا ينبغي التعامل مع المنطق مفصولا
عن سياقه الثقافي العام _ وهي مسألة لا ينتبه إليها الباحثون المبتدئون). الأمر نفسه حدث في الفكر
العربي. وهو ما فعله الغزالي ياسيدي. صحيح ـ يأستاذ يحيى ـ أننا عندما نتعامل مع منطق أرسطو
نصادفه نصا عاطلا/مجردا/ فارغا/. لكن خلف هذا النص توجد ثقافة يونانية بمختلف مكوناتها وأصولها.
وتطفو على هذا النص معارف تراكمت في مجالات اللغة والرياضيات والطبيعيات...إلخ. إن
مادة/مضمون منطق أرسطو هي اللغة اليونانية والبلاغة الشعرية والبرهان الرياضي والخطابة
السياسية...إلخ. وهناك مجالات من هذه العناصر كانت معروفة لدى المسلمين. بل إن المنطق لا ينطوي
على مادة فقط بل إن دراسته وتدريسه يتأثران بسياق تعليميه وتلقينه. بمعنى أن المنطق مثلما لا ينفصل
عن مضمونه لا ينفصل كذلك عن طريقة تلقينه. المثال: في الأزهر كان طه حسين يتعلم المنطق مثل
زملائه المبصرين. لماذا لأنه لم يكن يتطلب إلا تصوره ذهنيا وخفظه عن ظهر قلب باعتبار أن الأمثلة
مستمدة من اللغة الطبيعية. لكن عندما غدا المنطق رمزيا لا يمكن أن نتصور هذه الطريقة في تعليمه
وتعلمه. لا يمكن اليوم دراسة المنطق بدون رموز عددية وهندسية. لكن هذا التطور خصل في الغرب.
ولم يكن واردا أن يحصل في سياق ثقافة شفوية....
هل علينا مراجعنا منطقنا في التفكير والخطاب حتى نتعلم منطق الحوار الذي يقوم على الإيمان بالاختلاف...?
لنا عودة إلى الموضوع...
|