 | عتب كن أول من يقيّم
عزيزى الاستاذ زهير المحترم
لا تجعلنى نهبا لرماح غيرك. ليس فى الجسد موضع للطعن.
عتبى عليك انك نشرت الابيات التى شم منها را ئحة الاساءة لشخصك الكريم. فكانت تلك لفتة اخرى تشير الى سمو روحك, ونبل خُلقك, وتواضعك الجم الذى به رفعك الله تعالى قبل الناس الى ما تستحق من مكانة يتنافس فيها المتنافسون وتشرأب اليها أعناق أهل الههم العالية. فكتبتُ اليك أبيات أُخرى أعتذر فيها قبل توضيح ماقد يكون غمض من معنى او التبس من قصد. انت فارس من فرسان البيان, لجامه بيدك, أتعبتَ الخيول صهيلا وما تعبت. كما انك أبصر منى بطبيعة الشعر وغلواءه, وظلال معانيه المتعددة والمختلفة. لو فُسر الشعر اوفُهم كغيره من نثر الكلام, لما كتبنا حرفا واحدا. وكم فى الميدان صرى وشهداء. وخير شهيد حى هو انت.
ومع ذاك, هناك سبب جوهرى آخر- راجع المداخلة القصيرة فى نفس المجلس الكبير بحاضريه- قلتُ بانك قريب الى نفسى , يشدنى اليك خيط سرى وسحرى لعله الشعر واشياء اخرى? لا ادرى? فكنتَ مرآتى? خدشتها ولم ألحظ حضورك!
لكننى لستُ جبلا كما انت , عطاءا وزهوا وتألقا. جرجرتَ الشعَر والادبَ التاريجَ والحكمة, فانقادت اليك غير عصيّة, لا رهبة منك, لكن ولها وعشقا لاناملك التى أدمن القلم حبها, فبادلته الحب عهدا أبديا.
أنا لست بعيدا عن الخمسين الا كبعد سعيفات النخلة الواحدة, فنم قرير العين (يا عينى) وعدل ملفى إن كان قابلا للتعديل.
إن كان ثمة من منافس فانت وحدك الف فارس
لماذا لم تنشر الابيات, واسدلت دونها سترا وليس فى الوراق ما يُستتر.
| إن كنت تقصدُ قتلى |
|
قـتـلـتنى iiمرتين |
ارجو النشر هذه المرة. | alsaadi | 5 - أبريل - 2006 |
 | الثانية بعد الأخيرة كن أول من يقيّم
إنهم يضعون الأفكار في الثلاجة ... ما المقصود بالثلاجة ? وكيف توضع فيها الأفكار ? ومن هم هؤلاء الذين يضعون الأفكار فيها ? وما مناسبة موضوع الثلاجة بالنسبة للمشكلة الفلسفية ? خطوة إلى الوراء ونفهم كل شيء .
الحديث عن المشكلة الفلسفية في البلاد العربية يتبعه غالبا ظهور القطبية بين التراث و الغرب , عدوان لدودان يتنازعان حل المشكلة , لكل منهما بريقه , ولكل منهما عيون ترى هذا البريق , إلى هنا و المشهد تقليدي , فما الجديد ? الجديد هو أن حالة الاستقطاب هذه بين التراث و الغرب لا تمر على المثقفين العرب بسلاسة , بل يصحبها تمزق نفسي . لكن لماذا يصحب هذا الاستقطاب تمزق النفسي في الوقت الذي يعبر فيه عن اختيار حر للفرد المستقطب للتراث أو للحداثة ? لماذا يتألم من اختياره ? الحقيقة أنه ليس اختيارا حرا بما فيه الكفاية كي يكون الاستقطاب سلس ومستقر , لأن سرعة استقطاب التراث أو الغرب للأفراد تفوق سرعة استيعاب هؤلاء الأفراد للتراث أو لمعطيات الغرب , فيحدث الاستقطاب في أحيان كثيرة دون قناعة كاملة , عين في الجنة وعين في النار , أدى ذلك إلى نشوء فئة تعبر عن "الطبقة الوسطي" الثقافية , معتزة بالتراث ومنهزمة أمام الغرب في الآن نفسه , وهذا هو منبع التمزق النفسي , والنفس البشرية تجيد لعبة الحل الوسط , خاصة عندما يهددها التمزق , وهكذا ظهرت فكرة (= حيلة ) الموضوعية كأساس للتعامل مع التراث أو مع الغرب , كتسوية معقولة بينهما . لكن كيف للموضوعية أن تكون حلا لأزمة الصراع النفسي بين التراث و الغرب ? أولا , ما هي الموضوعية ?
الموضوعية تعني صيانة الفكر من التلوث بالذاتية , الفكر الملوث بالذاتية هو الفكر الذي تعتنقه الذات ليس لأنه منطقي بل لأن الذات تعي نفسها من خلاله , دون اهتمام بمحتواه من الصواب و الخطأ , بالعربي : الذاتية في التفكير هي أن تجد النفس هواها في فكرة ما فتعتنقها , و الموضوعية هي النأي بالفكر عن هوى النفس . الموضوعية تدرك أن الذات المفكرة قد تدرك تعاطفها مع فكرة ما , وقد لا تدرك هذا التعاطف عندما يكون (محشورا) في اللاوعي , من أجل ذلك فالموضوعية تفتش عن أي علاقة بين الذات و أفكارها لتحول دون وقوع الكارثة .
ما الغاية من الموضوعية ? الغاية (المعلنة) من الموضوعية : ضمان نزاهة الفكر في رحلته إلى الحقيقة .
سننتقل بالموضوعية الآن إلى موضوع المشكلة الفلسفية الذي نناقشه , لقد ذكرت الاستقطاب كنتيجة لإثارة المشكلة , و التمزق النفسي المصاحب له , فكيف تكون الموضوعية حلا لهذا التمزق . الموضوعية _ في إطار الحديث عن التراث و الغرب _ هي أن نكف عن النظر إلى التراث بعين الغرب , و أن نكف عن النظر إلى الغرب بعين التراث , أن تتحرر الذات من أي علاقة نفسيه بالتراث و بالغرب , وتبدأ في النظر إليهما من نقطة ثالثة بعيدة عنهما , واعتبارهما موضوعات ماثلة أمام الذات وعلى مسافة معقولة بين هذه الموضوعات وبين الذات . لا تعصب للتراث أو للغرب ... لا حب.. لا كراهية.. لا تعاطف .. التعامل ببرود جراح بريطاني مع الأفكار سواء كانت تراثية أو غربية .
في رحاب الموضوعية قد تسمع إحدى العبارات الآتية : " علينا أن لا نتجاهل التراث وفي نفس الوقت علينا أن نأخذ ما يناسبنا منه ... لا بد من المرور على التراث ولا بد أيضا من تجاوزه ....التراث له مضمون حداثي ... الإسلام دين علماني ...روح الحداثة تؤدي إلى التراث ...الحكمة ضالة المؤمن ولو كانت في الغرب ...القراءة الحداثية للقرآن ... يجب أن نفصل بين بشرية التجربة السلفية و قدسية النص ... يجب أن نفصل بين إنسانية التجربة الأوربية ووضعيتهم كخصم حضاري ...علينا الحفاظ على الهوية دون الغياب عن العصر ...يجب علينا ... المفروض أن ...الخ " . الموضوعيون يبشروننا بأننا _ تحت لواء الموضوعية _ سنكون خليط من أجود الأنواع , ماضي عريق و حاضر يلمع تحت ضوء الشمس .
لا أدري هل من المفيد تتبع أشكال الموضوعية في الواقع الفكري , لكن أعتقد أنه من المفيد الإشارة إلى أحد أشكلها , و الذي عرف "بالتيار الإسلامي المستنير" , تمييزا له عن " طيور الظلام" الذين لا يفقهون _لحظهم العاثر_ ما الموضوع و ما الموضوعية .
فما الموقف من الموضوعية , خاصة عندما تتمثل في شكلها الإسلامي ?
الحقيقة أن الموقف من الموضوعية معقد إلى حد ما , هو معقد لأنه لا يتأسس على تقييم للأفكار من حيث الصواب و الخطأ , محتوى فكر الموضوعيين هو غالبا نفس محتوى فكر (الفاناتيك) , الخلل في الموضوعية ليس خللا في الأفكار بل خللا في علاقة الفكر بالذات المفكرة . تحديدا : الموضوعيون وقعوا في خطأ الفصل بينهما , ( الموضوعية هي الخطأ الثاني المترتب على الفصل بين الذات و أفكارها , الخطأ الأول كان النظر إلى الفكر على أنه كائن مستقل و يكتمل تلقائيا مع الزمن وهو الأساس النظري لفكرة الحداثة أنظر المقالة رقم20 ) , أكدنا سابقا على أن الفكر لا يقترب من الحقيقة المطلقة بشكل آلي ألي أو تلقائي , بل هو خاضع للذات الإنسانية المفكرة ويدور في فلكها , و الآن نحن نؤكد أيضا على خضوع الفكر للذات المفكرة لسبب آخر هو نقض الموضوعية التي تفصل بينهما بدعوى ضمان نجاح الفكر في الوصول إلى الحقيقة المطلقة . ولماذا نوجه الفكر نحو الحقيقة المطلقة ? لأن الذات تسعى بطبيعتها للوصول إلى تلك الحقيقة . ومن هنا تتضح سخافة الموضوعية : بتر الفكر عن الذات المفكرة حتى يستطيع في يوم من الأيام العودة إلى الذات المفكرة بالحقيقة المطلقة , في الوقت الذي تهاجم فيه الموضوعية الشعور بمطلقية أي فكرة ! الموضوعية تقدم لك النصيحة : ( لا تتعصب لأي فكرة حتى يستطيع الفكر الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن تدخلاتك , وحين يصل هذا الفكر إلى الحقيقة لا تتعصب لها أيضا فربما تكون ليست هي الحقيقة , من الأفضل لك أن تموت دون أن تشعر تتعاطف مع أي فكرة على الإطلاق )!. الموضوعية تدفن الأفكار حية , تبقي على الأفكار لكن معطلة عن وظيفتها , الفكر ليس كائن مستقل بذاته , لا ينفصل أبدا عن الإنسان المفكر أو الذات المفكرة , معنى أن الذات تفكر هو أن الذات تستخدم الفكر لنفسها .. توظفه من أجلها .. الوظيفة التي يقوم بها الفكر للذات هي خلق امتداد لها في الخارج أعني بكلمة الخارج : الأشياء (= العالم ) , الذات تبحث عن الوحدة و الفكر هو توحيد للأشياء ومن ثم فالذات تستخدمه لخلق تلاؤم بينها و بين الأشياء , الموضوعية مشكلة وليست حل لأنها تحول بين الذات و أفكارها .
الموضوعية في التعامل مع التراث _ وهذا هو بيت القصيد _ ينقصها التعالي على الآخر , إحدى الوظائف غير المباشرة للفكر هي التعالي على الآخر , فإذا تخلينا عن التعالي على الآخر بدعوى نزاهة الفكر نكون قد فعلنا فعل الطبيب الذي ضحى بالجنين و أمه ( عشان الأب يعيش ).
وبالإضافة لكون الموضوعية سخيفة من حيث مبررها , فهي غير مناسبة للعقل العربي (= الإسلامي ) بالنظر لسياقها التاريخي المرتبط بالغرب المعتوه , الموضوعية صيغت أساسا كحل لمشكلة العته الغربي الذي تمثل في الحروب الدينية في عصوره غير البعيدة (موقف الغرب من الفكر هو امتداد لموقفه من الدين) , الفكر بالنسبة للذات الغربية لم يعد وسيلة ناجحة _ كما هو مفترض له _ لخلق امتداد للذات الغربية في العالم , بل كان سببا في انشطار هذه الذات بشكل مثير للشفقة , فكانت الموضوعية حل بالنسبة له . الموضوعية بين التراث و الغرب في البلاد العربية أيضا ليس موقف نظري أصيل بل هو حل طارئ لمشكلة الصراع النفسي الذي تحدثت عنه في بداية المقال , في الحقيقة هي ليست حلا بقدر ما هي مسكن لآلام الصراع , ولن تستطيع الموضوعية أن تكتسب مشروعيتها من خلال قدرتها على تسكين الصراع و إلا فأحلام اليقظة لها نفس الفاعلية , الحقيقة ليست دائما هي الشيء المريح للأعصاب . الغرب لجأ لخزعبلات ( الحرية هي حق الخطأ ) لأن الفكر كان سببا في انشطار ذاته كما ذكرت في الوقت الذي افتقد فيه الوحي , ولم يبعث فيه محمد , ربما لأن الله يعلم أن العقلية الغربية غير جديرة بهذا الرجل , فماذا كان الحل الأمثل عند الغرب ? علاج الزكام بقطع الأنف , لا لحرق الأعصاب من أجل أي فكرة .. لا لليقين .. لا للمطلق.
الموضوعية في التعامل مع التراث بالإضافة لكونها سخيفة ومتناقضة من حيث مبررها ( التضحية يالذات من أجل الحقيقة التي نبحث عنها من أجل الذات ), و بالإضافة لكونها مبررة فقط في سياقها الغربي (الأفكار سببت لنا مشاكل , لنحولها إذا لموضوع هامشي وليست قضية مصير ) , فهي أيضا مستحيلة من حيث إمكانية حدوثها . ففي الوقت الذي تتخارج فيه الذات عن الفكر _ أي تنظر إليه بعين باردة سواء كانت نظرة رفض أم قبول , أي تمتنع عن التعصب له بحيث لا يفسد الاختلاف فيه للود قضية _ في هذه اللحظة , الذات لا تتخارج عن الفكر بل تتخارج من فكرة ما لتنظر إليها من خلال فكرة أخرى , إذا ليس هناك تفكير موضوعي , في لحظة ما لابد أن تتعصب الذات لفكرة و تعتبرها مطلقة لا يجوز نقاشها , حتى لو كانت هذه الذات ضد الأفكار المطلقة , " التعصب ضد المتعصبين" يعكس حقيقة هامة : ليس هناك لا_تعصب , المشكلة فقط في التوقيت التي تظهر فيه الذات سخريتها من الموضوعية , إحدى هذه اللحظات النموذجية هي موقف الإتحاد الأوروبي من انضمام تركيا ( الأوروبية جغرافيا ) إليه . أيضا فالنظرية السياسية الغربية لم تستطع صياغة فروق جوهرية بين فكرة القومية و فكرة العنصرية , الغرب كله عنصري لأنه يتبنى القومية , وليس هناك فرق بين القومية و العنصرية .
سنوضح الأمر بشكل آخر .. هل يمكن تخيل ذات موضوعية إزاء فكرة وجودها ? , هذا ما قصدته بالضبط , عملية إحياء التراث ليست نتيجة لنجاح التراث في اختبار النقد ( الفكري ) له , إحياء التراث و الالتحام به ضرورة قبل البدء في التفكير .
ليس هناك بين قولنا أن الموضوعية غربية السياق أو أنها حل لأزمة الصراع وبين قولنا أنه لا وجود لها على الإطلاق , القول الأول صادق على مستوى خداع النفس أو خداع الآخر , من أجل ذلك قلنا في بداية الحوار أن الغاية "المعلنة" للموضوعية هي " ضمان نزاهة الفكر في رحلته إلى الحقيقة ", أما القول الآخر الذي يتضمن عدم وجود الموضوعية أصلا فهو صادق كذلك بالنظر إلى الواقع الفعلي .
ولكن إذا كنا نرفض الموضوعية في التعامل مع التراث لأجل جانبها السلبي , أي : بتر الذات المفكرة عن أفكارها أي عدم التعاطف مع الأفكار , فهل نضحي بجانبها الإيجابي , أي : صيانة الفكر عن عبث الأهواء ? الحقيقية أننا لن نضحي بالجانب الإيجابي من الموضوعية بل سنستبدله بآليه أخرى , لسنا مضطرين إلى التخارج عن التراث من أجل نقده بموضوعية , لسبب بسيط هو أن التراث نفسه يحمل آلية نقده ( أقصد بالتراث هنا التفاعل البشري مع الوحي وليس الوحي ذاته ) آلية نقد الذات عند السلف لم تكن معطلة , الوحي ( وليس بتر الذات عن الفكر ) هو معيار ووسيلة صيانه الأفكار عن عبث الأهواء , يمكن مراجعة (تنقية المشكلة الفلسفية (12) و الذي تحدثت فيه عن الوحي كمعيار لنزاهة الأفكار وكبديل للموضوعية.
| *يحيي رفاعي سرور | 9 - أبريل - 2006 |