كان في قمة التواضع!!
لا يكفي أن نقول في حق الرجل إنه كان متواضعًا، فهذا قليل في حقه، وأقل ما يفي ببيان الصورة الحقيقية لتواضعه، فمن الإنصاف والعدل أن نذكر أنه- رحمه الله- كان يتربَّع على قمة سلم التواضع، ولقد ضرب الأمثلة الرائعة في هذا الميدان.
يُجمِع عارفوه على أنه: كان بسيطًا كل البساطة، ينام في الأكواخ- في رحلاته وجولاته- ويجلس على المصاطب، ويأكل ما يقدَّم إليه، وهذه لوحة رائعة يرسمها للإمام مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني- رحمه الله- قائلاً: ".. أذكر أني لقيته ذات مرة في وليمة، دعا إليها السيد عبد الرحمن عزام (الأمين السابق للجامعة العربية) المرحوم محمد علي جناح (الرئيس الأول لدولة باكستان)، وكنت والمرحوم الشهيد حسن البنا في أوائل من وصلوا إلى بيت صاحب الدعوة، وشرع المدعوون يَفِدُون الواحد تلو الآخر، وقد استرعى نظري أن الشهيد الشيخ حسن البنا كان يتنحَّى عن مقعده إلى القادم بعده، ثم إلى غيره من القادمين، إلى أن أصبح يحتل آخر مقعد عند الباب.
ولما اكتمل عدد المدعوين دعا صاحب البيت الضيوف إلى دخول غرفة المائدة، وكان الشهيد المرحوم أقربهم جميعًا إلى مدخلها، فدعاه للدخول، ولكنه ظلَّ يتأخر، ويقدِّم سواه حتى كان آخر الداخلين؛ مما دلني على ما كان عليه- رحمه الله- من تواضع وخلق كريم؛ لذلك فقد كان فقده خسارةً فادحةً.. هيهات أن نجد عليها عزاء وعوضًا.."!! ثم استشهد بهذا البيت القائل:
هيهات أن يأتيَ الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل
لقد كان- رحمه الله- غير حريص على تصدر الجلسات، أو تقدم الصفوف، إلا في مواطن البذل والعطاء!! بهذا الخلق نصل إلى قلوب الناس، ونحتل منها مكانًا عليًّا، وبهذا الخلق نستنطق ألسنتهم بالصدق، ونلزمهم كلمة التقوى.
فللذين يستهويهم تصدر المجالس، ولا يحلو لهم إلا الصفوف الأمامية، والمقاعد المتوسطة، المُحاطة بالهالات، المكشوفة لـ(فلاش) الكاميرات، الذين يحبون أن يقوم لهم الناس ترحيبًا، وتهليلاً.. نقول: إن التواضع رفعةُ شأن، وعلوُّ مكانة، يعكس نبل الأخلاق، وجودة المعدن، وأصالة المنبت.
إن القيام بأمر الدعوة لا يزيد الصادقين المخلصين إلا تواضعًا، والممتلئين المهتمين المغتمين بأمرها إلا انحناءةَ السنبلة حين يثقلها الخير.
المصدر:
الكــاتب:د/ عبد الله فرج الله .عن موقع :www.ala7rar.net