ما يجري في العراق من الإرهاب المتمثل بالقتل الجماعي الوحشي وعلى الهوية الطائفية ليس وليد الساعة أو حالة خاصة بالعراق، كما هو ليس من صنع إنسان خرافي أو أسطوري اسمه أبو مصعب الزرقاوي
إنّه جزء من ثقافتنا...!
ولكن هذا ليس مقصدي، بل أنا هنا-الان- للأدب، تحديدا أدب العنف !نعم هناك أدب حتى للعنف والإرهاب!فالإرهاب هزيمة، ولكل هزيمة كما لكل انتصار أدب؛ و "قلة أدب". ولسنا وحدنا في هذا بل كل شعوب العالم.
أزعم أنّ هذا الباب لم يصنّف فيه شئ يروي الغليل على الرغم من ثراء مادّته وكثرة متلقفته، وأطمع أن يتبنى الفكرة أحد البَحَثَة فيجمع ما انبتت أرض العنف وتنبت من فومها و عدسها وبصلها.
وأقتـرح على الباحث أن يبدأ بـهيكلة الموضوع إن شاء زمنيا مع التركيز على فترات تغير الدول والحكومات حيتث يكثر الهرج -الإسم التراثي للعنف والإرهاب- وإن شاء ايدولوجيا وان شاء ادبياً.
المهم أن يُتصدى لــ"حصر" أدب العنف والإرهاب ليس للنقد الأدبي فحسب بل ومحاولة قراءته نفسياً. وكمثال على أدب العنف أُقدم هذا النَص الـ"عربي" الموغل في العنف و القدم يصف عملية اغتيال بدمٍ بارد...
للشاعر، سـاعدة بن جؤيّـة (جاهلي)
|
ونائحةٍ صوتهـا رائـعٌ،بعَثْتُ إذا ارتَفَعَ المـرزمُ |
تنوحُ، وتَسْبُـرُ قَلاّسـةًوقد غابت الكفُّ والمِعْصَمُ |
لدى رجلٍ، مائلٍ رأسُـهُتَفُوحُ الكُلُومُ بـهِ والـدَمُ |
|
شئٌ ما يحدثني أن الشاعر لم يقتل الرجل ذو الرأس المائل لكنّه قطعاً رأى هذا المنظر ربما وهو طفل! ماذا رأى وهو طفل?
ربما رأى رجلا مسندٌ جذعه إلى جذع شجرة وجهه أصفر وعيناه متسمرتان على مكان طعنته. لقد راقب الطعنة تنزف..لا، لقد كانت ترش الدم...لا، لقد كانت كما أصرّ تقلس أي تــقذف الــدم كـتلةً كــتلةً أو قلـسةً قلــسةً...إنهـا "قلاّســة"!
ورأى امرأةً عجوز طاعنة تدخل في الطعنة ميل المكحلة، تمسكه بأطراف أصابعها، وقد لفت عليه قماشا أبيضا لتعرف عمقها..
إنّها "تسبـــرها"*، لقد ظنتها طعنةً وحسب لكنها كانت الموت الأصفر وحسب.
لقد غاب المسبار في الطعنة وتبعته الأصابع والكف وتوقفت عند المعصم.
ياله من "حِـنّـا" بنكهة الدم.
لقد رأى انهيار المرأة وسمع عواء ذئبة في نفس اللحظة!
ما زال يرى صورتها وهي تلصق خدها بالأرض وتصيح ..واااا "فلان"،
ثم تنتشل رأسها من الأرض قابضة بكلتا يديها على حفنتين من التراب وتحثوهما على رأسها وهي تبكي وتنظر من خلال التراب بعينين خائفتين
حزينتين الى سيف نصفه أحمر ونصفه يختبئ داخل ثياب رجل واقف في ظلمة الليل ينتظر تقرير "اكتمال المهمة".
فنتازيا عنف.
بدأت حيث انتهى مشهد الشجاعة والبسالة التي على غير العادة لم يحدثنا عنهما الشاعر وكأنه نسيها في خضم العنف الغامر، لقد بدأ بالنائحة وانتهى بالدم. الإعجاب ببعثُ النائــحة وحب الدم ليس فروسية بل هو منتهى الســـاديّة ، وهذا نص "عنيف" ومرعب!
حجم العنف في أدبنا كبير والنصوص العنيفة كثيرة للأسف
*هذا الإجراء الطبي متبع عند العرب والفعل سبر يصفه بدقة ومنه ابتدع الوراقون "مسبار الفضاء" لأنه يقيس عمقه بزعمي