مسؤولية الزعماء كن أول من يقيّم
وقفت عند القلقشندي على ما نصه:
"... وحكى صاحب ذخيرة الكُتَّاب عن بعض الوزراء: أنه تقدم إلى كاتبه بأن يكتب ألقاب أمير ليثبتها على برج أنشأه فكتب: أمر بعمارة هذا البرج أبو فلان فلان. واستوفى ألقابه إلى آخرها، ودفع المثال إلى الوزير ليقف عليه فلما قرأه غضب حتى ظهر الغضب في وجهه، وأنكر على الكاتب كونه كتب أبو فلان بالواو ولم يكتب أبي فلان بالياء محتجاً عليه بأن أبو من ألفاظ العامة فلا تعظيم بها. فقال الكاتب: إن الحال اقتضت رفعه من حيث إنه في هذا الموضع فاعل فزاد إنكاره عليه وقال: متى رأيت الأمير فاعلاً في هذا الموضع يحمل وينقل الحجارة على رأسه حتى تنسبه إلى هذا? والله لولا سالف خدمتك لفعلت بك!" (أحمد بن علي القلقشندي, صبح الأعشى في صناعة الإنشا [تحقيق محمد حسين شمس الدين؛ بيروت: دار الكتب العلمية, د.ت], ج. 1, ص. 80).
هل من فرق بين ذلك الوزير وبعض خُدَّامِنا / (حكامنا)? وبعد, فلا أذكر أنني استمعت ذات يوم إلى زعيم عربي أو وزير يعربي واستمتعت بثراء مفرداته وجزالة ألفاظه وحسن إيقاع كلمته راغباً في الاقتداء به نحو تحسين مادتي اللغوية وملكتي الكلامية. كلا! إن الزعماء العرب لَيفضلون أن يكلموا الجمهور على قدر عقولهم بدلاً من أن يسعوا إلى تثقيفهم ويطمحوا إلى تطوير فكرهم. ومع ذلك فإنني لَأشهد لهم بالقدرة على تنويمي فليس فيهم من يحق له ان يكون حتى قلامة ظفر عند خطبائنا القدماء الذين رغَّبوا ووروَّعوا وهدَّدوا وتوعَّدوا وملأوا القلوب فرحاً وسروراً بألسنتهم وألفاظهم وحسن إيقاع كلماتهم وتركوا لنا من النصوص مناهل نردها ولا نكاد نصدر عنها حتى نجد أن جاذبيتها لعقولنا تضاهي جاذبية الأرض لأجسامنا.
تحبيب اللغة إلى الجماهير ينبغي أن يصدر عن القمة, عن القادة والزعماء وما لم يُبدوا الهمة والعزيمة من أجل لغتنا فسنظل نحن ? عشاقَ اللغة العربية ? أضحوكة بين أولائك الذين يجهلونها من بني قومنا.
|