كتاب ثمين، أشبه ما يكون بالمذكرات، شرع المقريزي في تأليفه عام 816هـ بعدما تجاوز الخمسين ليكون تذكارا لأصدقائه وشيوخه الذين فجع بفراقهم، ثم زاد على ذلك فترجم فيه لكل من عاصره من الأعلام، والملوك واختار واحدا من ملوك كل أسرة فأودع في ترجمته نبذة عن دولته وأخبار جدوده، ممن ماتوا قبل عام 760 وهو العام الذي اشترطه فيمن يترجم لهم من الوفيات، ومولده على الأرجح في ذي القعدة من عام 765 لأنه ترجم لأمه أسماء ابنة ابن الصائغ الحنفي (1/307) وذكر أن زواج أبيه منها كان في محرم سنة 765هـ
وفي مقدمته لكتابه قوله: (وبعد: فإني ما ناهزت من سنيّ الخمسين حتى فقدت معظم الأصحاب والأقربين، فاشتد حزني لفقدهم وتنغص عيشي من بعدهم فعزيت النفس عن لقائهم بتذكارهم، وعوضتها عن مشاهدتهم باستماع أخبارهم وأمليت ما حضرني من أنبائهم في هذا الكتاب، ومن ذكرهم فطاب، وسميته (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) وهو في الحقيقة ذكرى معاهد الأحباب وتذكر عهد الشيخة والشباب، والله أسأل أن يبرد في مقر البلى مضجعهم ويقر ليوم التناد مهجعهم) ثم أعقب ذلك بقصيدة في عشرة أبيات في معاني هذه المقدمة. أولها (فقدت لعمري كل ما كان لي يحلو) قال ثم رأيت بعد ذلك أن أجمع أخبار من أدركته سواء غاب عني أو رأيته، من أهل مصري كان أو غيرها من البلدان... من ابتداء سنة (760) واورد في اسم كل ملك أولية دولته ومن سلف من ملوك مملكته كي يحيط الناظر فيه علما بدول الزمان وملوك العصر والأوان). ونجد في كتابه (السلوك) ذكرا للكتاب في ترجمة الاستدار جمال الدين البيري قال: (وقد بسطت ترجمته في التاريخ الكبير المقفي، وفي كتاب درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة هو وكل من له وفاة في هذا الجزء، ويستحق بها أن يذكر، إما بشهرته أو بفضيلته).
واطلعت بعد قراءة الكتاب على نشرة دار الغرب الإسلامي (ببيروت)، بتحقيق د. محمد الجليلي في أربعة مجلدات عام 1423هـ 2002م وأشار المحقق إلى أن المقريزي لم يشترط فيها الوفاة لمن يترجم له ؟ قال: (واستمر في تاليفه إلى قرب وفاته سنة 845 ولكن هناك ما يدل على أن الكتاب قد أنجز سنة 839 بحيث إن المؤرخ ابن فهد قد كتب في تلك السنة على نسخة المؤلف أنه طالعه من أوله إلى آخره مستفيدا منه داعيا لمؤلفه بالبقاء)
وقد أصبح واضحا أن الجزء الثاني من نشرة وزارة الثقافة بدمشق 1995 لا علاقة له بالكتاب، والغريب أن محقق الكتاب صرح بذلك فقال: (ولعل المؤلف كتب مسودة هذه التراجم =أي الجزء الثاني= ليضعها في كتاب آخر غير هذا فألحقت بهذا الكتاب سهوا) وهي نشرة في مجلدين بتحقيق عدنان درويش ومحمد المصري جاء في مقدمتها أنه اعتمد في تحقيقها مسودة الكتاب وهي بخط المقريزي وتقع في 177 ورقة وتضم تراجم حرف الألف وبعض حرف العين، اشتملت على 382 ترجمة منها 353 ترجمة في حرف الألف. آخرها إيدكو (ج2/ص 291) وبذلك يكون مجموع تراجم حرف العين 29 ترجمة منها (21) ترجمة خارجة عن شرط الكتاب.
و لا تخلو هذه النشرة من الهنات وأخطاء التحقيق، فأنا لم أقرأ منها سوى ترجمة الشهاب السهروردي صاحب عوارف المعارف (2/ 306) وفيها (ولد بشهرزور) وترجم المحقق في الهامش لشهرزور.
وكنت قد اطلعت على نشرة دار الكتب العلمية ببيروت عام 2009 بتحقيق محمد عثمان وقرأتها كلها، فرأيت المحقق قد استعار مقدمة الصلاح الصفدي لكتابه (أعيان العصر) فجعلها مقدمة التحقيق، حتى قوله (وعاين ما جرى به عليه القدر وقضى) ولكنه لم يبين ذلك، كما لم يوضح أنه استعار بعد ذلك مقدمة العلامة السيد علي عاشور لكتاب المقريزي "التنازع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم" وهو منشور على الشبكة، واكتفى بما ورد في مقدمة عاشور عن هذا الكتاب وهو : (4 - درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة: وهو معجم لتراجم الأعيان من معاصريه في ثلاثة مجلدات، منه قطعة في حرف الألف وأخرى في حرف العين بخط المؤلف في غوطا).
مع أن هذا يخالف محتوى نشرته ففيها تراجم كل الحروف
قال واعتمدنا في تحقيقنا لهذا الكتاب على نسخة كوتا في ألمانيا برقم (270) وهي نسخة كاملة تقع في (485) ورقة في مجلدين، الأول بخط علي بن محمد بن عبد الله الفيومي، وفرغ منه في 29/ شعبان/ 878 والثاني بخط أحمد بن محمد التلواني، فرغ منه يوم 17/ شوال/ 878
والكتاب في هذه الطبعة يعج بالتصحيفات والتحريفات، وأضرب على ذلك مثالا ما في صفحة واحدة وهي: ص394 : (ووقع إلي كتابا من تأليفه) (الصواب: كتاب) وينتقل من نظام إلى ثبار (الصواب: نثار) (وأسأل الله ستر هدري) الصواب (هذري) (والتجاوز عن عجزي ونجزي) الصواب (عن عجري وبجري) (متعرضا رمحا) (الصواب: معترضا) ومن لامني في لامه فهو لاقع (الصواب: واقع)...
رتب المقريزي كثيرا من تراجم الكتاب معتمدا الاسم الأول فقط ومع ذلك وقعت فيه اضطرابات حسب نشرة محمد عثمان، ومثال على ذلك مادة عبد الرحمن فقد وردت قطعة منها بعد (عبد الوهاب) ص 291 كما أن ترجمة من اسمه عمر جاءت (ص326 – 344) قبل (علي) ثم جاءت طائفة منها بعده (ص433)
وبدا لي أن المقريزي جنح في ترتيبه إلى أسلوب غريب لم يسبق إليه إلا أنه لم يتم له ذلك، فهو مثلا إذا اشتهر المترجم له بشيء وشاركه فيه سمي له، ترجم لهما متعاقبين، فقد ترجم على التوالي لثلاثة من تجار مصر أولهم الخروبي (3/182) وترجم لابن ناصر الدين صاحب الرد الوافر عقب ترجمته للعلاء البخاري (3/102) لأنه هو المراد بالكتاب، وهكذا فعل أيضا في ترجمة ابن المغربي محمد بن بن محمد فقد ترجم له (3/ 108) بعد ترجمة المعلم شقير محمد بن أحمد وليس هناك من سبب لهذا سوى أنهما رويا دعاء وشعرا لتيمور لنك
والمعروف أن المقريزي مات وكتابه (درر العقود) في مسودته فقام بترتيبه وتبييضه تلميذه نجم الدين عمر بن فهد المكي المتوفى سنة 885 وكانت وفاة المقريزي عصر يوم الخميس 26/ رمضان/ 845هـ