البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات زهير ظاظا

 1  2  3 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تقريظ صالح مخلص رضا لديوان العقاد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

حياك الله وبياك أستاذنا الأكرم وشاعرنا الملهم صادق السعدي، أحببت أن أحظى بشرف المشاركة الأولى في هذا الملف، وكنت منذ شهرين قد قرأت معظم اعداد مجلة (الكشكول المصور) المنشورة على الشبكة في موقع مكتبة المصطفى، واستوقفتني فيها الحملات الشعواء التي شنها كتاب المجلة على عباس محمود العقاد في العشرينات من القرن الماضي، ولو وجدت فرصة لنسخت طائفة من هذه المقالات، وأما العقاد شاعرا فقد كان على مذهب من الشعر غريب، يضارع في بعضه كبار الشعراء وينحدر في بعضه إلى الدرجة الدنيا من الركاكة والعي، وكنت قد اخترت قطعة من شعره وأضفتها إلى قائمة (نوادر النصوص) تحت عنوان (وصية العقاد) التي يقول فيها
إذا شـيـعوني يوم تقضى iiمنيتي وقـالـوا أراح الله ذاك iiالـمعذبا
فلا  تحملوني صامتين إلى iiالثرى فـإنـي  أخـاف اللحد أن iiيتهيبا
وغـنـوا فإن الموت كأس iiشهية ومـا زال يحلو أن يُغنَّى iiويُشرَبا
ولا  تـذكـرونـي بالبكاء iiوإنما أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا
ولما قرأت زاوية تقريظ الكتب في مجلة المنار استوقفني تقريظ المرحوم صالح مخلص رضا لديوان العقاد، وصالح مخلص شقيق صاحب المنار، كان شاعرا أيضا ومذهبه في الشعر قريب من مذهب العقاد، وكان قد توفي قبل أن يبلغ الأربعين يوم 13 رمضان/ 1340هـ  الموافق (9 أيار - مايو 1922) ومولده عام (1301هـ 1884م) وهو والد محيي الدين رضا صاحب كتاب (بلاغة العرب في القرن العشرين) تولى تحرير زاوية تقريظ المطبوعات الجديدة في مجلة المنار، واشتهر من تلك التقريظات تقريظه كتاب (تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر) وقد جار في تقريظه على الشيخ طاهر الجزائري وأسخط عليه أصحابه في دمشق، وربما أراد به مجرد المزاح والسمر، وعند المزاح تشتفي الأرواح. وأنقل هنا تقريظه لديوان العقاد في المنار (ج 21/ ص 389)
 ( ديوان العقاد )
الجزء الأول منه ، صفحاته 127 بقطع المنار ، طبع بمطبعة ( البسفور ) بمصر سنة 1334هـ ، ويطلب من مكتبة المنار .
ناظم هذا الديوان محمود أفندي العقاد المشهور بفضله وأدبه ونثره ونظمه وحرية ضميره ، وقد صدّر ديوانه هذا بمقدمة في تأثير الآداب في نهوض الأمم ، وفرق فيها الأدب إلى فرقين : أدب ذكاء ، وأدب طباع . وعلق الرجاء وناطه بالثاني منهما .
لست - وقد طال العهد على تقريظ ديوان العقاد - بمقرضه الآن أو مقرظه ولكنني أشير إليه إشارةً ، وأنتظر صدور الجزء الثاني منه .
من غرر قصائد هذا الديوان قصيدة ( الحب الأول ) التي عارض بها قصيدة لابن الرومي أبياتها 193 ، وموشح ( سباق الشياطين ) ومن مقاطعيه ( في الحياة ) :
قالوا الحياة قشور قلنا  فأين الصميم
قـالوا شقاء iiفقلنا فأين  يبغى iiالنعيم
إن  الـحياة iiحياة ففارقوا أو iiأقيموا
و( تنازع الفردوس ) :
يـتحاسدون  على الهباء فما لهم لا  يـحـسدون البر فيما iiيؤجر
نقموا  على الكفار أن تركوا iiلهم أجر  السماء وأنكروا ما iiأنكروا
لو كان ما وعدوا من الجنات في هـذي الـحياة لسرهم من iiيكفر
و( ضيق الأمل ) :
شر ما يلقى الفتى iiأجل ضيق عن واسع iiالأمل
ولـشـر مـنهما iiأمل ضيق عن فسحة الأجل
ومنها ( الزمن ) :
إن يـومًا يمر هيهات iiهيها ت يفادي الطريق بعد ذهابه
نحن  نستدفع الزمان فإن iiفا ت  أخذنا بالذيل من جلبابه
يـا  له زائرًا يُمل إذا iiجا ء ويُفدى بالروح عند iiذهابه

20 - يونيو - 2012
شاعرية العقاد
سيد قطب والعقاد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

عرف عن سيد قطب (رحمه الله) تعصبه المفرط لشعر عباس محمود العقاد، وفي مقالة له منشورة في الرسالة (السنة 12 مج 2 عدد 597 تاريخ 11/ 12/ 1944) يقول:
(كانت شخصية العقاد هي الشخصية الوحيدة التي أخشى الفناء فيها، كنت احس هذا بيني وبين نفسي، ولقد ظلت هذه الخشية إلى وقت قريب جدا، حينما بدأت أشعر انني قد تخلصت، وأنني أنتفع بالعقاد ولكنني لا أقلده) عن كتاب (سيد قطب الشهيد الحي، بقلم صلاح الخالدي ص 101) (ولما اطلق طه حسين على العقاد لقب أمير الشعراء بعد وفاة شوقي راح سيد قطب يعلن على صفحات المجلات أن هذا اللقب غير لائق به لأن المسافة بينه وبين شعراء عصره أوسع مما بين السوقة والأمراء، بل إنه أكبر شعراء العرب في قديم وحديث، (قد يكون هناك كتاب يتقاربون مع العقاد ولكن ليس هناك شعراء في لغة العرب يتقاربون مع العقاد) ويقول: (ونحن لا ننصف الرجل حين نقول إن الأوتار التي يوقع عليها الحب في نفسه لم تجتمع قط لشاعر عربي ولا تجتمع لعشرة من شعراء العربية في جميع العهود) (الرسالة: السنة 6 مج 1 عدد 251يوم 25/ 4/ 1938) و(مج 2 عدد 268 تاريخ 22/ أغسطس/ 1938) عن (المصدر السابق: ص 103)

20 - يونيو - 2012
شاعرية العقاد
أهل القرآن    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

حياك الله وبياك أستاذ محمود:
القرآنيون، أو (أهل القرآن) هو اسم هذه الفرقة التي تسمت به، وبات الحديث عنهم بهذا اللقب مصطلحا شائعا، وقد ذهب الإمام مسلم وغيره من أئمة الحديث إلى تحريم تسمية منكر السنة، زيادة في إخمال ذكره، فلا تجوز تسميته لكيلا يشتهر وإنما يقال (منكر للسنة) أو (منكر للأخبار) وعلى ذلك جرى الشافعي في كتابه (كتاب العلم) الذي تصدى فيه للرد على واحد من عتاة أهل القرآن، وأما في العصر الحديث فقد أهمل هذا القانون واشتهر منكرو السنة بأسمائهم، وفي مقدمتهم (ميرزا باقر المعطر) سكرتير الإستاذ الإمام محمد عبده، والطبيب توفيق صدقي بيك سكرتير صاحب المنار المرحوم محمد رشيد رضا، بل في الناس من يرى أن توفيق صدقي كان ينشر باسمه ما يكتبه صاحب المنار نفسه، فلما ظهر في الأفق بصيص قيام دولة عربية في نجد، طوى صاحب المنار هذا الملف وأوعز إلى تلميذه أن يتبرأ مما نشره في المنار ففعل وكان آخر العهد به، ويمكن مراجعة هذه القصة في بطاقة في نوادر النصوص بعنوان (البراءة من الدعوة إلى القرآن) وكان المرحوم محمد إقبال واحدا ممن حمل لواء أهل القرآن كما يفهم من كثير من أشعاره، وكما صرح بذلك تلميذه وناشر دواوينه غلام أحمد برويز الذي هو سكرتير هذه الجماعة في الهند وينبز بأحمد البطال، أصدر مجلة للدعوة إلى مذهبه سماها(طلوع الإسلام) وكان يرعى عشرات النوادي التي عرفت بهذا الاسم أيضا، وأما أنا فحياتي تعج بأصدقاء شرفاء من أهل القرآن، استفدت منهم الكثير، واصطدمت معهم في الكثير من تعاملهم مع آيات الأحكام، فمما استفدت منهم واعتقدته بطلان حكم رجم الزاني المحصن، أو كما يقول المرحوم محمد أبو زهرة هو منسوخ بما ورد في فاتحة سورة النور، وسمعت منهم أعاجيب ومنكرات، فمنهم من ذهب إلى إنكار معنى الجنابة كما تفعل الدروز، وأما صلاة من عرفت منهم فليس فيها ركعات، وإنما يصلون كما تصلي الصاركية والشبك (لدلوك الشمس) ويزعمون أن دلوك الشمس هو بدء شروقها حتى يكتمل ظهور قرص الشمس، وبدء غروبها حتى يتم غياب قرص الشمس، وهي صلاة عباد الشمس تماما، وقد وصلتنا أحاديث تأمر المسلمين بقتل كل من يصلي هذه الصلاة، ويزعمون أن هذه الأحاديث من وضع أعداء الإسلام أرادوا بها استئصال الإسلام. وهذا الذي يقولونه في الصلاة هو رأي فرقة منهم، ومنهم من يرى غير ذلك، مثل محمد المتولي نجيب (المصري) الذي نشر زهاء عشرة كتب في الدعوة إلى مذهبه، ومنها كتاب (الصلاة) قرأته منذ 35 سنة، ورأيت فيه من التخبطات ما يدعو إلى الرثاء، ومثل ذلك كتاب (الصلاة حسب القرآن) لمؤلفه عبد الله الجكرالوي زوج مريم جميلة التي كانت ترعى مدارس أهل القرآن وصحفهم ومجلاتهم حتى وفاتها عام 1978 وأما زوجها فهو مؤسس مذهب أهل القرآن في الهند وهو في عمر جدها، وكان أكبر من جمال الدين الأفغاني بثمانية أعوام، قضى معظم حياته سلفيا ثم انقلب انقلابه المشهور. وكل ذلك يا أستاذ محمود يدعونا لنكون رفقاء في حوارنا مع أهل القرآن فإن ما هم فيه من المحنة ليس بالسهل احتماله ولا بالهين اعتزاله. وفقك الله وإلى اللقاء

29 - مايو - 2012
تدبر القرآن الكريم
ستكتب شهادتهم ويسألون    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

تحية طيبة أساتذتي الكرام: دخلت إلى هذا الملف لأعقب على ما ورد في بعض هذه التعليقات من امور تخص الاهتداء بالقرآن، وأسجل قبل كل شيء إكباري وتجلتي لأستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان الذي لم يسبق لي أن قرأت لواحد من اعلام الأمة الإسلامية ما أقرأ من أدبه الحصيف وكلماته الموزونة بالقسطاس المستقيم وأنا أشهد بذلك كما أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأما الرجل القرآني الذي جرى الحديث عنه فأنا لا اعرفه وربما أتعرف عليه لاحقا إلا أن مسألة الأخذ بالحديث الذي لا يخالف القرآن لا تبقي شيئا من الحديث لأن جل أحاديث الأحكام تغاير أحكام القرآن وتخالفه، ومثال ذلك أحاديث الحج، فالحج في السنة مبني على يوم عرفة (الحج عرفة) ومن فاته الوقوف في عرفة فاته الحج، بينما الحج في القرآن أشهر معلومات يمكن لكل من أراد الحج أن يحج فيها، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. والصلاة في القرآن غير الصلاة في السنة، وقد عقد الشيخ محمد رشيد رضا حوارا مفتوحا في مجلته لمناقشة صلاة القرآن استغرق صفحات كثيرة من أعداد السنة 1911 و1912 وربما (1909 و1910) (إذا لم تخني الذاكرة) وكان آغا خان وقتذاك في مصر إبان الخلاف على عرش مصر، فأصدر أمره الشهير بتغيير صلاة طائفته وكانوا يصلون بصلاة أهل السنة طوال تاريخهم ولم تكن الإسماعلية تتميز إلا بأن لها مساجد خاصة للنساء، فأبطل آغا خان تمسكهم بصلاة أهل السنة بحجة ذهاب السبب وهو القهر، وصاروا يصلون بصلاة أشبه بصلاة النصارى، وقد نشرت في نوادر النصوص ما يتعلق بهذه القصة في بطاقة بعنوان (من لهو الأيام) وكما يقول المرحوم سليمان الندوي (لو اتبعنا أهل القرآن إلى ما يدعوننا إليه فإن نصف ما يقال عنه أنه إسلام سيتلاشى وأن نصفه الآخر سيتغير) وهذه الكلمة قالها في كتابه (تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها) وهو أصغر كتاب رد به على أهل القرآن وأكبرها منفعة وفائدة، دمتم بخير وإلى اللقاء.

28 - مايو - 2012
تدبر القرآن الكريم
جذور المحبة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

مرة أخرى أضطر للدخول عاجلا إلى هذا الملف الساخن مرحبا بعودة أستاذنا (مستشار الحرية وحامل لوائها) المحامي الأستاذ عبد الرؤوف النويهي معتزا بكلمات المحبة التي غمرني بمودتها، اعتزازي بصداقة أستاذنا (المعلم) وشاعرنا صادق السعدي متمنيا ألا يضع قلمه في هذه المعركة فهو أقدر من يكتب في هذا الموضوع فقد ذاق وعرف وعاش وعاشر وعاقر وتمرمر مع الطائفية ومخالبها، ونام واستيقظ على فوهة بركانها، ولكنه استطاع أن يحرر حياته من كف عفريتها، وهو في كل ذلك أقرب ما يكون من (صور حياتي) التي قضيتها تحت أروقة أخرى، وجدت أثناءها كراما أودت الحياة ببيانهم، وأجاويد يبذلون أغلى ما يملكون في سبيل الوصول إلى بناء مجتمع يكون الانتماء إليه نعمة يشكر الله عليها لا محنة وبلاء وخزيا وخجلا.
لم يكن في بالي بالأمس أن أكتب ما كتبت لما دخلت إلى هذا الملف، بل دخلت لأكتب عن زيارتي إلى أصفهان، قبل ثلاث سنوات، فكتبت ما كتبت ونسيت موضوع رحلتي إلى أصفهان. وقد قصدتها لأداوي جراحي بالطواف في أرجائها ومساجدها ومدارسها. ولم أنزل فندقا واعتذرت من السائق الذي أوصلني إلى الفندق أني سأبحث عن فندق يناسبني، وركبت أول حافلة رأيتها، ولم تمض دقائق حتى استوقفني منظر نهر الزندروذ وعشرات الزوارق الملونة تعوم فوقه كالفراشات، والناس على ضفافه بطولها مدى النظر. فنزلت من الحافلة وأخذا ألتقطت بعض الصور فإذا بشاب يقصدني، حسبت أنه سيخبرني أن التصوير ممنوع، وإذا به يسلم علي بكل تودد ويطلب مني سيكارة، فلما أعطيته سيكارة طلب أخرى لصديقه، فقلت له فما رأيك أن تدلني على مكان يبيع القهوة والشاي، ففهمت منه أن أصفهان لا تباع فيها القهوة (التركية) وإنما الشاي فقط، وفي غضون دقائق صار (مهدي علي نساج بور) أول أصدقائي في أصفهان، وتلاه صديقه أحمد كهنه كار، شربنا الشاي معا ثم تناولنا الغداء في أفخم مطاعم أصفهان، ثم سألني مهدي : في أي فندق نزلت ؟ فأخبرته أني لم أنزل في فندق. فسأل: فأين حقائبك ؟ فقلت له ليس معي حقائب، أنا هنا فقط لمدة ثلاثة أيام فما رأيك أن أنام فيها عندكم في البيت وأعطيك أجرة الفندق عن ثلاثة أيام، فطار فرحا وسارع لإخبار أمه بضرورة أن تحضر لي غرفة عندهم، وبعد أقل من ساعة كنت أغط في القيلولة، واستيقظت مساء لأرى والد مهدي وأمه وأخوته وأقاربه وقد عرفوا أني من بلاد الشام، ولم  يرتابوا أني شيعي، وليطمئن قلبهم سألني والد مهدي، انت شيعي والحمد لله ؟ فقلت له: (لا والله انا سني) ولكني لا أميز أبدا بين الشيعة والسنة وأنا أتيت إلى أصفهان لأراها من كثرة ما قرأت عن اخبارها وأخبار رجالها في التاريخ وقد كانت لي حاجة في (جزيرة كيش) وهي لا تقضى إلا بعد ثلاثة أيام لذلك اغتنمت الفرصة لزيارة أصفهان. كان مهدي هو الوحيد من بين كل الذين رأيتهم وتعرفت عليهم يصدقني في كل ما أقول، وكان لعينيه لمعان خاص هو الذي أشعرني بهذا الشعور. وكنت طوال تطوافي في أصفهان أستشف صورة أول قافلة أصفهانية أمت بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، بل كنت ربما احتد شعوري فحسبت أني أصطدم ببعض مواكب تلك القافلة، وأوجه الشبه بين أصفهان ودمشق تصل إلى درجة كنت أرى أحياء كاملة هي نسخة طبق الأصل عن مثيلاتها في دمشق، ولولا أن نهر دمشق (وهو بردى) ينقسم في منطقة الشادروان إلى سبعة انهر لكانت أصفهان هي دمشق بعينها. لا يمكن أن أنسى أيامي التي عشتها في بيت الفنان علي نساج بور وكنت قد كتبت قصيدة حول هذه الزيارة ونشرتها فور رجوعي من أصبهان في الوراق، ولا يزال يرن في سمعي قول مهدي يغني كما علمته (أصفهانه طريقي، مهدي وأحمد رفيقي، ضياء نامه حريقي) على وزن الأغنية (لا تضربني لا تضرب كسّرت الخيزرانه) ودمتم بخير

16 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
الخبيث بن الطيب    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

تحية طيبة أصدقائي وأساتذتي الكرام: وتحية خاصة لأستاذنا وشاعرنا صادق السعدي راعي هذا الملف، وليسمح لي بداية أن أقدم اعتذاري إلى الأساتذة الأجلاء ياسين الشيخ سليمان وأحمد عزو ومحمود العسكري المتلقب سابقا بالدمنهوري اعتذاري على تقصيري في المشاركة في مساهماتهم الأخيرة ولاسيما قصيدة أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان. كما أحمل إليكم تحية من حامل لواء الحرية الأستاذ المستشار عبد الرؤوف النويهي إذ كان الكابتن هشام الأرغا في زيارتي البارحة مع صديقنا جميل لحام فرأيته يعطيني جواله ويطلب مني أن أرد فإذا بالمتصل الأستاذ عبد الرؤوف النويهي، وقضينا على الهاتف مدة طويلة (على حساب الكابتن) استعدنا فيها ذكريات الوارق وأيام الأستاذة ضياء خانم، وقرأنا بعض قصائد الديوان، وبحثنا عن قصيدة (من وحي أولغا) فلم نهتد إلي مكانها في الديوان فلعلها غير منشورة في الديوان، وأصر الكابتن أن أجمل قصائد الديوان (معذب وممرمر) كما أصر جميل أن أجمل قصائد الديوان هي وصيتي إلى ابني فداء، بينما كانت الأستاذة ضياء لا تتنازل عن تفضيلها قصيدة (شمعة) وحسب اقتراحها اخترنا قطعة منها لتنشر على غلاف الديوان. هذه تحيتي في فاتحة حديثي مع صديقنا الغالي صادق السعدي، وقد دخلت إلى موضوعه هذا لأسجل بعض الملاحظات ليس على ما دبجه بقلمه الساحر وإنما هي قناعاتي الخاصة فيما يتعلق بحروب السلف الأول، وجعلت مدخلي إلى ذلك قول أهل العراق في الرد على عبيد الله بن عمر لما قال (أنا الطيب ابن الطيب) : (بل أنت الخبيث ابن الطيب) وهي نفس الكلمة التي رددها في معسكر أهل العراق محمد ابن أبي بكر إذ خرج قائلا (أنا الطيب ابن الطيب) فقال له أهل الشام (بل أنت الخبيث ابن الطيب) وفي رواية أن قائل كلمة أهل العراق في الرد على ابن عمر هو عمار بن ياسر (ر) الذي بشره رسول الله (ص) بأنه تقتله الفئة الباغية (ما شاء الله !!) وكان في صفين في الرابعة والتسعين من عمره، وخرج ينادي
(نحن قتلناكم على تنزيله ثـم قتلناكم على iiتأويله)
إلى آخر الأبيات... وقتل وحز رأسه وحمل إلى معاوية، وكان قاتله وهو أبو الغادية الجهني (من الصحابة الكرام ) له ترجمة ساخرة في الكتب المعنية بتراجم الصحابة، قالوا: (كان ضربا من الرجال كأنه ليس من رجال هذه الأمة) لم يرو عن النبي (ص) إلا حديثا واحدا (إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام)، وفي (الإصابة) للحافظ ابن حجر حديث يفصل فيه أبو الغادية سبب قتله لعمار، وأنه خرج إلى صفين وليس له هدف من ذلك إلا قتل عمار، قال: (كنا نعد عمار بن ياسر فينا حناناً (أي مما يتقرب به إلى الله) فوالله إني لفي مسجد قباء إذ هو يقول: إن معقلاً فعل كذا -يعني عثمان قال فوالله لو وجدت عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله فلما أن كان يوم صفين أقبل يمشي أول الكتيبة راجلاً حتى إذا كان بين الصفين طعن الرجل في ركبته بالرمح وعثر فانكفأ المغفر عنه فضربه فإذا رأسه قال: فكانوا يتعجبون منه أنه سمع: "إن دماءكم وأموالكم حرام"، ثم يقتل عماراً) وفي رواية: ( سمعت عماراً يقع في عثمان بالمدينة فتوعدته بالقتل فقلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن فلما كان يوم صفين جعل يحمل على الناس فقيل هذا عمار فطعنته في ركبته فوقع فقتلته فأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "قاتل عمار وسالبه في النار"؛ فقيل لعمرو: فكيف تقاتله؟ فقال: إنما قال قاتله وسالبه.

   قالوا: وأما اهل الشام فيقولون: (قاتل عمار هو حوي بن ماتع السكسكي).... وأنا في الحقيقة لا اجد متعة أكبر من متعتي في قراءة هذه الإلياذة، وفي كل مرة أقف على ساحلها تغريني في الغوص إلى أبعد قيعانها، ولو جمعت صوري التي التقطها لروائع ذلك القاع لكانت تحفة من تحف الدهر. واما في فاتحة شبابي فقد كانت الأخبار نفسها تسبب لي حالة من الكآبة والسوداوية لا يمحوها ماح ولا ينفع معها لا عصير العنب ولا عصير التفاح.
ولايمكن لأي باحث أن ينسب هذه الأسمار إلى قلم واحد اخترعها وأبدعها من وحي خياله وبنات أفكاره، إلا أنهم متفقون أنها من إنتاج (عيسى بن داب) وطبقته. وكان ابن داب نديم الخليفة الهادي العباسي وهو القائل لابن داب (والله ما غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك)
وكل نصوص هذه الإلياذة ناطقة بانها مؤلفة لواحد من أعداء بني أمية وهو في نفس الوقت من أعداء الطالبيين، لذلك يحرص المشتركون في إخراج هذه المسرحية أن يحطوا ما أمكنهم من قدر الطرفين استرضاء لخليفتهم العباسي وأبنائه. وانا أختار من هذه النصوص نصا يتعرض لرسم دور عبد الله بن عباس في هذه المسرحية وهو جد الخلفاء بني العباس وكان مستشار الإمام علي (ر) في هذه الوقعة. والنص منقول عن كتاب انساب الأشراف للبلاذري قال:
(لما قامت الحرب بين علي ومعاوية بصفين فتحاربوا أياماً قال معاوية لعمرو بن العاص في بعض أيامهم: إن رأس الناس مع علي عبد الله بن عباس، فلو ألقيت إليه كتاباً تعطفه به، فإنه إن قال قولاً لم يخرج منه علي وقد أكلتنا هذه الحرب. فقال عمرو: إن ابن عباس أريب لا يخدع ولو طمعت فيه لطمعت في علي. قال: صدقت إنه لأريب ولكن اكتب إليه على ذلك.
فكتب إليه:
من عمرو بن العاص إلى عبد الله بن العباس.
أما بعد: فإن الذي نحن وأنتم فيه، ليس بأول أمر قاده البلاء، وساقه سفه العاقبة، وأنت رأس هذا الأمر بعد علي.
فانظر فيما بقي بغير ما مضى،
فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حيلة،
واعلم أن الشام لا يملك إلا بهلاك العراق، وأن العراق لا يملك إلا بهلاك الشام،
فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم وما خيركم بعد إسراعكم فينا،
ولست أقول: ليت الحرب عادت ولكن أقول: ليتها لم تكن،
وإن فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه،
وإنما هو أمير مطاع، أو مأمور مطيع، أو مشاور مأمون وهو أنت، فأما السفيه فليس بأهل أن يعد من ثقات أهل الشورى ولا خواص أهل النجوى. وكتب في آخر كتابه:
طـال  الـبلاء فما يرجى له iiآسٍ بـعد  الإله سوى رفق ابن iiعباس
قـولا  لـه قول مسرور iiبحظوته لا  تـنس حظك إن التارك الناسي
كـل لـصـاحـبـه قرن iiيعادله أسـد تـلاقـي أسوداً بين iiأخياس
انـظر  فدى لك نفسي قبل قاصمة لـلـظهر  ليس لها راق ولا iiآسي
أهل  العراق وأهل الشام لن iiيجدوا طـعـم  الحياة لحرب ذات أنفاس
والـسـلـم فـيه بقاء ليس يجهله إلا  الـجهول وما النوكى iiكأكياس
فـاصـدع  بأمرك أمر القوم iiإنهم خشاش طير رأت صقراً بحسحاس
فلما قرأ ابن عباس الكتاب والشعر أقرأهما علياً، فقال علي: قاتل الله ابن العاص ما أغره بك، يا بن عباس أجبه، وليرد عليه شعره فضل بن عباس بن أبي لهب.
فكتب إليه عبد الله بن عباس:
أما بعد: فإني لا أعلم رجلاً من العرب أقل حياء منك، إنه مال بك إلى معاوية الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت للناس في عشواء طخياء طمعاً في هذا الملك، فلما لم تر شيئاً أعظمت الدماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فيها زهادة أهل الورع، ولا تريد بذلك إلا تهييب الحرب وكسر أهل العراق،
فإن كنت أردت الله بذلك، فدع مصر وارجع إلى بيتك،
فإن هذه حرب ليس معاوية فيها كعلي، بدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر، وابتدأها معاوية بالبغي فانتهى منها إلى السرف،
وليس اهل الشام فيها كأهل العراق،
بايع علياً أهل العراق وهو خير منهم، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه،
ولست وأنا فيها سواء، أردتُ الله، وأردتَ مصر، فإن ترد شراً لا يفتنا، وإن ترد خيراً لا تسبقنا.
ثم دعا الفضل بن العباس بن عتبة فقال: يا بن عم أجب عمرو بن العاص. فقال:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس فـاذهب فمالك في ترك الهدى iiآس
إلاّ  بـوادر طـعن في iiنحوركم ووشـك ضرب يفرّي جلدة iiالراس
هـذا لـكـم عندنا في كل iiمعركة حـتـى  تطيعوا علياً وابن iiعباس
أمّـا عـلـي فـإنّ الله iiفـضّـله فـضلاً  له شرف عال على iiالناس
لا  بـارك الله في مصر فقد iiجلبت شـراً  وحظك منها حسوة iiالحاسي
فلما قرأ معاوية الكتاب قال: ما كان أغنانا عن هذا.
وكان هشام بن عمرو الدمشقي يقول: هذا الحديث مما صنعه ابن دابكم هذا.
 

15 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
شكرا لكم أستاذي    كن أول من يقيّم

شكرا لكم أستاذنا وحبيبنا ياسين الشيخ سليمان على تعزيتكم الطيبة، والمعذرة على التأخر في الرد، فاوقاتي في العمل هذه الأيام موقوفة كلها على الإعداد للإصدار الجديد للموسوعة الشعرية والذي سيطلق في موقع على الشبكة يوم 28/3/ 2012م بمناسبة انطلاق فعاليات معرض أبوظبي للكتاب. رحم الله موتانا وموتاكم وأسكنهم فسيح جناته وتغمدهم بواسع رحمته.

21 - مارس - 2012
طفل خورفكان
وداعاً أيها الموجة (إلى أحمد راشد ثاني)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

سامر أبو هواش
 
الطريق جميلة من خورفكان إلى دبي. في البداية يلوح لنا المحيط، ثم يختفي لتحلّ محله الجبال والوديان. عبد الحليم حافظ يغنّي: "أنا كل ما قول التوبة". بين دمعة وأخرى يحلّل لنا أحد الأصدقاء ما حاول بليغ حمدي فعله في هذه اللازمة اللحنية أو تلك. لا أريد لهذه الجبال أن تنتهي. ولا الأغنية. مؤلم أن يكون اليوم التالي جميلاً إلى هذا الحدّ، مسالماً إلى هذا الحدّ، دافئاً ومضيئاً: "وحشاني عيونو السودا... ومدوّبني الحنين".
الطريق بين الجبال تصعد وتهبط، وعرة أحياناً، وناعمة أحياناً أخرى، كلازمات الأغنية. أحتاج إليك لكي تحلّل لي هذه الجبال. أحاول أن أتذكّر قصيدة عامية لك أمضينا سهرات وسهرات وأنا أطلب منك كلّ مرة أن تعيدها عليّ، وكلّ مرة كنت تعيدها بشغف أكبر ونفس مختلف: لا أتذكّر سوى بدايتها ونهايتها، الباقي يظلّ ضائعاً في تلك الأماسي الضائعة: "أربع حمايم ع راس الجبل راحوا... تعبوا... ومن كتر التعب طاحوا".
وهل تذكر كم غنينا "سرّ حبي" لأبي بكر سالم؟ وذلك الانتباه في كلّ تفاصيل جسدك، ولا سيما في عينيك، وأنت تعيد المقاطع المفضّلة عندك فيها: "لا تعذّبني وإلا سرت وتركت المكلا... لك إذا ما فيك معروف".
 
 
***
بالأمس واريناك الثرى.
كان ليلٌ وبرد. وكان إكرامك دفنك.
وكم كنتَ تحبّ الليل وتكره البرد. "نحن أبناء الصيف والحرّ، إذا هبّت نسمة علينا نمرض"، كنت تقول لي، ثم تختم: "إنه برد الصحراء!"، وكأنّها حقيقة راسخة، ومؤسفة في حدّ ذاتها، "متى سينتهي هذا الشتاء؟".
 
***
 
الوجوه تحملق في تلك الحفرة الأعمق من كلّ الحفر.
نعرف أنها لن تقول شيئاً، ومع ذلك بقينا نحملق. بعضنا حاول أن يقترب أكثر، أن يقف على أطراف الحفرة. ليرى فحسب؟ بدونا كمن نقف حول سرير مرضك؟ كأننا نعوّض لحظات وداع لم نعشها. لحظات يكون بمقدورك أن تقول فيها شيئاً، ولو بإيماءة أو نظرة. "ألا يبدو أطول قامة؟"، يقول أحد الأصدقاء. "كانت تعلو وجهه ابتسامة الرضى"، يقول آخر. "أساطير"، يحسم ثالث. ونتوقّف قبل أن نفرط في التعليق على هذا النصّ، نصّ الموت، الأكثر امتناعاً على التعليق بين كلّ النصوص، المقفل على المناورات الكلامية والعاطفية. الأكثر نهائية وحسماً. كيف نعلّق فقط على نقطة في آخر الجملة. نقطة كبيرة إلى درجة أنها، في تلك اللحظات، تبدو أنها تمحو كلّ ما سبقها. وكل ما يمكن أن يأتي بعدها.
 
***
 
واريناك الثرى. كأننا نقول: خبّأناك عن الحياة.
 
***
 
لا أذكر أننا تكلمنا كثيراً على الموت. يروي لي صديق جالسك في مكانك المفضّل للكتابة وللقاء نوع آخر من المجالسين والأصدقاء، ذلك "الكوفي شوب" في فندق الدانا، أنك ذات مرة كدت تجلس على أحد الكراسي فبادرك قائلاً: "لا تجلس على هذا الكرسيّ، فمنذ عام كان يجلس عليه أحدهم وتوفي، ثم جلس عليه آخر بعد شهرين عليه وتوفيّ، وتبعه ثالث بعد بضعة أشهر". أتخيّل رنة ضحكتك بعد هذه "السالفة". أن ترى الموت في كرسيّ مجاور يعني ببساطة أن تقصيه إلى أبعد نقطة ممكنة التي هي أقرب نقطة ممكنة. يكفي ألا نجلس على كرسيّ معين لنراوغ الموت، لنجعله حكاية، طرفة، "سالفة" تروى لا أكثر، ثم يصرف كإبعاد فكرة مزعجة بإيماة يد.
لا أذكر كذلك أننا تكلمنا كثيراً بشأن الحياة، بالمعنى المباشر أو التأملي أو الفلسفي أو حتى بمعنى التذمّر والشكوى. لكنك كنت تكرّر كثيراً حلمك بالتقاعد، "خلاص كافي... يتقاعد المرء... يجلس ويكتب..."، كنت تقول، فالتقاعد من الوظيفة هو بداية أخرى لحياة الكتابة.
أما "الثقافة"، أيضاً بمعناها المباشر أو "الثقيل" الوطأة، فلماماً ما تكلمنا عليها. كنت تحبّ الحكايات، االطرف أو النوادر، وإذا حضرت "الثقافة" بيننا فمن هذه الزاوية فحسب. "هل تعرف ماذا حصل مع الكاتب الفلاني حين جاء إلى هنا؟ هذا يا سيدي...". وتبدأ بسرد "سالفة" لابدّ من أن يليها الوافر من الضحك، أو أن تقترب منه على الأقلّ، جنباً إلى جنب التعليق المرير الساخر أحياناً على وضاعة بعض المشتغلين بالثقافة العربية. السخرية كبلسم ضدّ كلّ شيء، ولاسيما ضدّ أن نصدّق ما نقوله نحن أنفسنا عن أنفسنا، أو الآخرين، أو الكتابة أو الحياة.
 
***
 
أما حين نتكلم على الشعر فالأمر مختلف تماماً. تصمت. تسمع باهتمام تام. تلتمع عيناك، وفي بعض الأحيان يكون قلبك ممتلئاً بما كتبت توّاً فلا تطيق صبراً وتسارع إلى قراءته بنفسك، لأنك لا تحبّ تلك اللحظات الثقيلة التي ينكبّ فيها الآخر بصمت على أوراقك، بينما أنت تنتظر فحسب. لا تطلب في الغالب مديحاً أو نقداً أو ما شابه. في مثل هذه الحالات يبدو وكأنك تبوح بسرّ شخصي، أو تروي حكاية أخرى. ربما مغامرة. وتريد أن تعرف وقع ذلك على من يقرأ أو يستمع. تلك اللحظات تكاد لا تنفصل عن لحظة كتابة القصيدة نفسها. عن فرحة كتابتها بالأحرى. بعد ذلك، في اليوم التالي أو اللقاء التالي، لا تأتي البتة على ذكر تلك القصيدة، ولا في أيّ يوم آخر. تضعها في مكان ما وتحاول أن تنساها قبل أن تقرّر في يوم ما أنه آن أوان العودة إليها وإجراء ما يلزم من تعديلات عليها، ربطاً بنصّ أكبر وأكثر اكتمالاً تعمل عليه ويشكّل شاغلك الحالي.
 
***
بالأمس، أيها الصديق، أكرمناك بدفنك.
فجأة، في طريق العودة، تصدمني الفكرة، الإحساس: إننا في اليوم الأول لموتك. ألا يشبه هذا قولنا: إنه اليوم الأول من حياة فلان أو فلانة. أليس من روزنامة للموت كما للحياة. اليوم الأول: شيء يمكن أن تلمسه، تحيط به، تحدّده، قبل أن يغدو الموت كتلة صمّاء من الأيام المتراكمة. ومع ذلك لا يختلف مثل هذا الموت عن المجزرة. قاصف، قاس، وعبثيّ كالمجزرة تماماً. حين يرحل فجأة قريب منك، حين تدفن فجأة قريباً منك، تشعر أنك شاركت بدفن جماعي، ويغدو مكان دفنك أشبه بمقبرة جماعية. كم كنتَ كثيراً يا أحمد!
 
 
***
 
كثير كنت كالأمواج، لا كالموج. أسألك يوماً وأنا أقرأ مخطوط أحد آخر أعمالك: "لماذا تجمع موجة على أمواج؟ لمَ لا تجمعها على موج؟"، تبتسم بظفر وفرح سريين: "لقد تقصّدت ذلك... أمواج تمنحني ذلك الإحساس بالوفرة والاتساع... كلمة موج ضيقة ومقفلة... أعرف أنها تبدو ثقيلة في بعض المواضع، لكنني أريدها كذلك... أمواج أجمل من موج". لم أفهم ذلك الإحساس بالوفرة والشساعة والاتساع في كلمة "أمواج" إلا هناك في خورفكان. هناك حيث المحيط لا البحر، لكنني لا أحسبك كنت تحبّ كلمة محيط، ربما لأنه أكثر شساعة ووحشية ومجهولاً مما يحتمل قلبك أو نظرك. كان دائماً البحر، كاحتضان، ودائماً أمواج البحر، كاحتضان لا ينتهي.
 
***
 
أما أنت يا صديقي فلم تكن إلا موجة مفردة، يتيمة، وحيدة، حنونة ودائمة الحنين، مادة ذراعها وقلبها إلى تلك الأمواج المتبدّدة، الغائبة، الراحلة، وإلى تلك الجبال المقضومة بذلك الإحساس الفاجع بالغياب. كان قاسياً أحياناً ذلك اليأس المتسرّب منك، لا من الحياة، بل من أوهام الحياة التي نصنعها بأنفسنا ونغذّيها بأوهام أخرى حتى نضيّع أثر الأوهام الأصلية. كان قاسياً وضوحك، صرامة نظرتك إلى الحياة وإلى الكتابة التي غدت في النهاية كلّ شيء لأنه الزمن الذي تعرفه أفضل مني والذي لن ينتظر. ثمة قصيدة على الطاولة، ثمة نصّ، ثمة حلم بنص وقصيدة، ثمة انتظار لحلم بنص وقصيدة. لا تملك الموجة ترف الانتظار أو التأجيل. قصير وعابر هو عمر الموجة،. لعلها كانت الحقيقة الأكثر نصوعاً بالنسبة إليك، وأنت تقفز من نصّ إلى نصّ ومن قصيدة إلى أخرى.
 
***
 
الأشجار ليست عارية. من بعيد يختفي جذع شجرة وأغصانها. تبدو الوريقات معلّقة وحدها في الهواء. عبد الحليم حافظ يغني. "ولا قادر طول غيبتكو يا بوي... يشرب من بحر تاني يا عين". تلك الوريقات ستظلّ معلقة هكذا في الهواء. ربما تطير. ربما تتحول طيوراً على الشرفات. ربما تسقط، لكنها لن تبلغ الأرض يوماً.

28 - فبراير - 2012
طفل خورفكان
روابط عن الفقيد    كن أول من يقيّم

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

22 - فبراير - 2012
طفل خورفكان
نورتم مجالسنا    كن أول من يقيّم

الحمد لله على السلامة أستاذنا وحبيبنا الدكتور مروان عطية، وشكرا على كلماتكم الطيبة العطرة... كنت منشغل البال على أخباركم والحمد لله فقد اطمأننت الآن على سلامتكم بارك الله بكم وأحاطكم بعنايته، وأرجو لو توصلتم إلى ترجمة لشبل بن تكين =الذي أفردت له ملفا خاصا في مجلس عالم الكتب= أن تتكرموا بها علينا ، وحياك الله وبياك

5 - يناير - 2012
غضب الجاحظ على نساخ الكتب
 1  2  3