الطب النبوي عند إبن خلدون كن أول من يقيّم
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه .
سلامي إلى سراة الوراق جميعهم و في مقدمتهم الأخ زهير أحمد ظاظا .... و منهم الأخ سعيد ، إبن البلد ، صاحب السؤال .... و إلى أستاذنا الكبير الغني عن التعريف : الحرية أولا و أخيرا ، ـ و الحكمة من قبل و من بعد ـ ، المدافع عن الحقوق ، ملاذ الضعيف و المظلوم وكل صاحب حق منزوع كيفما كان جاهه و مقامه ، المشرٍّف للوراق بمشاركاته و للسراة بحضوره و تواضعه مع علو شأنه ، الأستاذ عبد الرؤوف النويهي ، مع كل تقديري و احترامي لآرائه و أقواله و نظرياته التي أتفق معه فيها أو لا أتفق ، فنحن على العهد بأن نتفق أو لا نتفق لأننا أحرار ... و إلى الأستاذة الباحثة أم رضا ... و الأستاد الدمنهوري ..... و إلى كل زوار هذا الموقع المتميز .
و شكرا خاصا للأخ سعيد على موضوعه الممتع هذا و المكون من مادتين غنيتين ، تكوٍّن كل مادة منهما مجالا خصبا للمناقشة و الحوار و الفائدة و التعلم لنا و لقرائنا ، و شعارنا كما قال الأستاذ عبد الرؤوف النويهي هو طلب العلم ، تحت شعار " الحكمة ضالة المؤمن ، يأخذها أنـَّى وجدها " ، مع استحضار قول الشاعر ، أولا و أخيرا ، و من قبل و من بعد { و قل لمن يدعي في العلم معرفة * علمت شيئا و غابت عنك أشياء } ...و القول الحق هم : { و قل رب زدني علما } .
مادتا موضوع الأخ سعيد هما : { الوحي } و { الطب النبوي } في الفكر الخلدوني ، إن صح التعبير ، و هذا بالمناسبة عنوان جيد لموضوع إجازة ، قد يسخٍّر له الله من يعطيه حقه و مستحقه من بحث علمي أكاديمي رصين .
و اما سؤاله الموجه لي خاصة وهو : العلاقة الرابطة بين الطب النبوي و ما يعرف بطب الأعشاب ، فسأحاول قدر الإمكان ، عرض اعتمادا على ما أستحضره حاليا عن هذا الموضوع .
مقدمة : ما الوحي في العقيد ة :
سمعت و أنا أفكر في سؤال الأخ سعيد ، أستاذا جليلا يقدم لإستجواب تلفزي مع الشيخ المرحوم العلامة الإمام محمد متولي شعراوي رحمه الله و غفر له ، يعرف بالوحي و يقول : ما معناه " الموحيات من عند الله ثلاثة هي : القرآن الكريم ، و الكتب المنزلة قبل القرآن و الغير المحرفة ، و الأحاديث القدسية التي يرويها نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام على لسان ربه " . ... و إذا اعتبرنا هذا الإصطلاح العقائدي ، فإن باقي الأحاديث النبوية كلها ، و منها الخاصة بهديه في الطب ، لا تعتبر من الوحي ، و هذا فيه إجماع الأمة كلها .
الطب النبوي في مقولة إبن خلدون :
أما عن مصطلح الطب النبوي في مقالة إبن خلدون ، فقد جاء ضمن تعريفه للطب كعلم مستقل كما هو عند جميع الأمم و منها العرب في الجاهلية ـ أي ما قبل التاريخ ـ و الإسلام ، و مما جاء في تعريف إبن خلدون لعلم الطب في المقدمة قوله :"
{ ومن فروع الطبيعيات صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الانسان من حيث يمرض ويصح فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالادوية والاغذية بعد ان يتبين المرض الذي يخص كل عضو من اعضاء البدن واسباب تلك الامراض التي تنشأ عنها وما لكل مرض من الادوية مستدلين على ذلك بأمزجة الادوية وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله الدواء اولا في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله علم الطب.....}....إلى أن قال :
{ وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الاقدمين جالينوس.... وكان في الاسلام في هذه الصناعة ائمة جاؤوا من وراء الغاية مثل الرازي والمجوسي وابن سينا ومن اهل الاندلس ايضا كثير واشهرهم ابن زهر.... وهي من الصنائع التي لا تستدعيها الا الحضارة والترف.... }
و بعد كلام كثير في تعريف علم الطب بمتن المقدمة ، جاء ما نقله الأخ السعدي في مجلسه هذا ، و هو رأي إبن خلدون في الأحاديث النبوية التي اصطلح على تسميتها بالطب النبوي ، و قال انها لا تعد من المشروعات .
و بيت القصيد هنا هو مفهوم المشروعات عند إبن خلدون . فإن كان المفهوم هو الفرائض ، فالكل يتفق على أن هدي النبي في هذا الباب هو من السنن و المستحبات و ليس من الفرائض.
علاقة الطب النبوي بالتداوي بالأعشاب :
أرى أن ما جاء في الأحاديث النبوية الصحيحة من هدي في ما يسمى بالطب النبوي أنه نموذج من صميم التداوي بالأعشاب ، و تبين لي من دراسة أولية لأشخاص الأدوية النباتية المذكورة في الأحاديث النبوي و من قراءاتي لعشرات الأبحات الخاصة بالموضوع أن الهدي النبوي في هذا الباب ، كهديه فى كل باب ، هو مفتاح النجاة و الهداية و نعيم الدنيا و الآخرة .
أما من جهة مدى الفائدة العلاجية الملموسة في عصرنا هذا لهذه التعاليم النبوية التي اشتمل عليها الطب النبوي ، فإن أثرها يختلف من شخص إلى آخر ، كما يؤكد الإختصاصيون في الطب بجميع تخصصاته ، و هذا الإختلاف يتأثر تأثرا بالغا إيجابيا أو سلبيا بحسب الطاقة الروحية المستقبلة لأي نوع من أنواع التداوي و طلب الشفاء ، قديمها و حديثها ، و هذه الطاقة هي المعبر عنها اصطلاحيا في الأحاديث النبوية بــ{ النية } التي يتكلم عنها أول حديث في البخاري ، و هو المعروف ببدايته : { إنما الأعمال بالنيات ...} ، و نجد هذا الإتجاه واضحا في قول إبن خلدون عن اعتماد الطب النبوي :" .. إلا إذا استعلم على جهة التبرك وصدق العقد الايماني فيكون له اثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الايمانية كما وقع في مداواة المبطون بالعسل والله الهادي الى الصواب لا رب سواه }.
فائدة :
.... ومن الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : { اتقوا فراسة المؤمن } وقوله لوابصة : { ما حاك في صدرك فدعه وإن أفتوك } ... فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى. وقوله : { قد كان في الأمم محدثون } فثبت بهذا أن الإلهام حق وأنه وحي باطن.....
[ فتح الباري ـ إبن حجر : ج12 ـ ص 388 ]
و هل هناك من هو أحق و أجدر و أولى بالإلهام الحق من نبي الإسلام محمد صلى الله عليه و سلم ?
أنتظر من الأخ سعيد و من كل مهتم أو مهتمة الرد عن هذه المداخلة مع إسداء النصيحة . مع شكري و تقديري لكل صاحب رأي موافق أو مخالف .
و للحديث بقية إن شاء الله ... |