من مصاعب هذا البحث     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
لا شكّ في أنّ البحث في الأبعاد الإيديولوجيّة في مقامات الهمذاني و الحريري موضوع طريف و لكنّه في الآن ذاته محفوف بجملة من المصاعب التي يحسن بالباحث أن يكون على وعي بها حتّى لا يخرج ببحثه عن الحدود المرسومة له. و أوّل تلك المصاعب ما يثيره مفهوم الإيولوجيا من قضايا و ما يحمله من معان متنوّعة أشار إليها المفكّر المغربيّ عبد اللّه العروي في كتابه القيّم "مفهوم الإيديولوجيا".
و من مصاعب هذا البحث ما يتعلّق بطبيعة العلاقة بين الأدب و الإيديولوجيا و ما ينبغي على الباحث أن يتوخّاه من حذر وهو يقتفي آثار الإيديولوجيا في المقامات حتّى لا يخرج بالبحث عن نطاق الدرس الأدبيّ وتكون الغلبة للطابع الاجتماعيّ على النحو الذي جاءت عليه دراسة الماركسيّ لوسيان غولدمان للرواية. فقد انصبّ جهد هذا الباحث على تبيّن العلاقة بين البنى الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و النظم الفكريّة. و اعتبر الرواية و الأدب على وجه أعمّ انعكاسا لإيديولوجيا طبقة مّا.
فمثل هذا التصوّر الذي ساد ردحا من الزمن و هيمن في وقت سابق على الدرس الأدبيّ عندنا لا يُمكّن الباحث من النفاذ إلى البنى العميقة للنصّ الأدبيّ و لا يستطيع في تقديري أن يجعل الإيديولوجيا بسبب متين بخصائص النصّ الأدبيّ. وهذا التصوّر أيضا يُظهر لنا شطرا من الحقيقة يتمثّل في هيمنة الإيديولوجيا على الأدب و خضوع الأديب لإيديولوجيا الطبقة خضوعا تامّا ليغيب في المقابل الوجه الثاني من المسألة المتمثّل في انعتاق الأدب من الإيديولوجيا واعتراض الأديب على السائد و الموجود و تشييده عوالم خاصّه به تعكس أحلامه و آلامه و ما يهفو إليه من قيم سامية و معان. و هكذا ننتقل من الأديب الذي يقع تحت سطوة الإيديولوجيا فيكون خادما و مكرّسا لها إلى الأديب الذي يوظّف الإيديولوجيا و يستخدمها لخدمة أغراضه و مقاصده.
و من مصاعب تتبّع أصداء الإيديولوجيا في الأدب أنّها تتّخذ أشكالا متعدّدة من الحضور و الظهور. فهي في بعض الأحيان تكون سافرة و التعبير عنها يرد واضحا و مباشرا . وهي في أحيان أخرى تتستّر تحت جملة من الأقنعة على الباحث أن يميط اللّثام عنها.
فالمطلوب في هذا العمل بيان وجوه التأثير و التأثّرو التفاعل بين كلّ من مقامات الهمذاني و الحريري من جهة و الأفكار و المذاهب و النوازع و القيم التي كانت سائدة على عهد ذينك الكاتبن استنادا إلى النصّ و انطلاقا من عيّنات و شواهد محلّلة.
و فّقكم اللّه.
د. حاتم عبيد، كلّية الآداب و العلوم الإنسانيّة صفاقس- تونس
|