علم العــروض اصطلاحًا وسبب تسميته: ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
علم العــروض اصطلاحًا وسبب تسميته: علم العــروض اصطلاحًا: كثرت التعاريف الاصطلاحية لهذا العلم، وأرى أن أنسب تعريف له ما نصه: "العلم بقواعدَ يُعرَف بها صحيح الشعر من مكسوره، وما يطرأ عليه من تغيير (زِحافيٍّ أو عِلِّيٍّ) سواء أكان مقبولاً أو معيبًا)". فالعروض - حقًّا – علم؛ لأنه قوانين محددة تُنتج أحكامًا ثابتة، مسلَّمة –في الغالب-عقلاً ومنطقًا، وهو علم؛ لأنه يجمع بين التنظير والتطبيق. وليس صناعة فقط كما يزعم بعض العروضيين! وهذه القواعد تتمثل فيما يُعرَف – لدى العروضيين- بالدوائر والتفاعيل والبحور، والتغيير فيها يتمثل فيما يسمى بالعلل والزحافات،أي الزيادة على التفاعيل أو النقص فيها، أو ما يسمى الضرائر . ومكسور الشعر هو المُخالف لهذه القواعد. سبب تسمية الخليل هذا العلم: لم يختر الخليل – عبقري اللغة ومُحصيها ومُصنّفها، رحمه الله- هذه اللفظة(العروض) لتُطلَق على هذا العلم عبثًا، بل اختارها –فيما أرى- لسبب ما، لعلَّه يتمثل في وجود علاقة وطيدة بين المدلول اللغوي والمفهوم الاصطلاحي لهذه اللفظة؛ فبتدبر الدلالات اللغوية للفظة العروض والمفهوم الاصطلاحي لها يتضح وجود هذه العلاقة. إن الخليل –رحمه الله-اختار هذه اللفظة من بين ألفاظ العربية لتدل على هذا العلم؛ لأنها تدل على علمٍ صعب السيطرة عليه مثل محاولة ركوب الناقة الحَرُون التي لم تُرَض، أو مثل السير وسط الطريق الوعْرة في مضيق، أو لأنها تدل على ناحية من نواحي علوم الشعر. -أو لأنه العمود الذي يُبنى عليه البيت الشعري كعمود الخيمة. -أو لأن الكلمة مشتقة من العَرْض؛ فالشعر يُعرَض ويقاسُ على ميزانه. و إلى هذا الرأي ذهب الخليل في العين، قال:" والعَروض عَروض الشعر؛ لأن الشعر يُعرَض عليه"، وكذلك الإمام الجوهري(ت ت393هـ) . ويعزِّز هذا القولَ ما جاء في اللغة العربية من قولهم: (( هذه المسألة عَروض ذه )) أي نظيرها. -أو لأن الخليل –رحمه الله- اخترع هذا العلم في مكان يُسمى العروض بمكة والمدينة وما حولهما، فأطلقها عليه؛ تبركًا. -أو لأن من معاني العَروض الطريق في الجبل، والبحور طرُق إلى النظم. -أو لأن هذا العلم يعطي الكثير السامي المرتفع من الفوائد لدارسيه من المبدعين والباحثين والطلاب، كعطاء السحاب والغيم وغيرهما. -أو لأن هذا العلم حاجة من الحوائج الأساسية المطلوبة لطلاب علوم الشعر. - أو لأن التسمية جاءت تَوَسُّعًا من الجزء الأخير من صدر البيت الذي يسمى (عَروضًا)، أو كما يقول البلاغيون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. وقد أشار إلى هذه العلاقة الوطيدة بين المدلول اللغوي والمفهوم الاصطلاحي وأدركها عدد من أسلافنا الأماجد، منهم: -ابن القطاع (ت515هـ) في كتابه البارع في علم العروض، قال:"اعلم أن العروض علم وُضع لمعرفة أوزان شعر العرب...وهو مأخوذ من العروض التي هي الناحية، وقيل: مأخوذ من قولهم :ناقة عروض أي صعبة لم تُرض، وقيل: مأخوذ من العروض التي هي الخشبة المعترضة في وسط البيت، فمن قال: العروض الناحية، أراد الناحية التي قصدتها العرب، ومن قال: مأخوذ من الخشبة المعترضة في البيت أراد أنه يُفصَل بها بين جزأي البيت كما يفصل بالخشبة بين جزأي البيت(المنزل)، وقيل: بل لأنها يفصل بها بين المنظوم والمنثور. ومن قال: الصعبة أراد أنه يراد بها الصعب حتى يُقَوَّم، ومن قال: الطريق أراد الطريق التي سلكتها العرب[البارع ص84-85، تحقيق د/أحمد عبدالدايم نشر مكتبة الفيصيلية بمكة سنة 1985م.] - نشوان الحميري (ت573هـ) في كتابه الحور العين، قال:" والعروض: الجزء الآخر من أجزاء النصف الأول من البيت، وهي مؤنثة لأنها مشتقة من أحد وجهين، إما من قولهم: ناقة عروض، أي صعبة لم ترض، وإما من العروض التي هي الناحية والطريق؛ يقال: فلان أخذ في عروض فلان... فكأن العروض ناحية من العلم، وهوأقرب الوجهين إلى اشتقاقها". وأدركها –كذلك- العلامة اللغوي ابن منظور(ت711هـ)، قال:"وسمي عَرُوضا لأَن الشعر يُعْرَض علـيه، فالنصف الأَول عَروضٌ لأَن الثانـي يُبْنى علـى الأَول والنصف الأَخير الشطر، قال: ومنهم من يجعل العَروض طَرائق الشعْر وعَمُودَه مثل الطويل يقول هو عَرُوضٌ واحد، واخْتِلافُ قَوافِـيه يسمى ضُرُوباً، قال: ولكُلَ مقَالٌ؛ قال أَبو إِسحق: وإِنما سمي وسط البـيت عَرُوضا لأَن العروض وسط البـيت من البِناء، والبـيتُ من الشعْر مبنـيّ فـي اللفظ علـى بناء البـيت الـمسكون للعرب، فَقِوامُ البـيت من الكلام عَرُوضُه كما أَنّ قِوامَ البـيت من الـخِرَقِ العارضة التـي فـي وسطه، فهي أَقْوَى ما فـي بـيت الـخرق، فلذلك يجب أَن تكون العروض أَقوى من الضرْب، أَلا ترى أَن الضُّروبَ النقصُ فـيها أَكثر منه فـي الأَعاريض ؟" وكذلك العلامة اللغوي الفيروزبادي(ت817هـ) في قاموسه قال:والعروض"ميزان الشعر؛ لأنه به يظهر المتَّزن من المنكسر، أو لأنها ناحية من علوم الشعر، أو لأنها صعبة أو لأن الشعر يُعرَضُ عليها، أو لأنه أُلْهِمَها الخليلُ بمكة"[القاموس المحيط باب الضاد فصل العين/عرض ص429، طبع دار إحياء التراث العربي سنة 1991م.] وقال الزبيدي(ـ 1205هـ):" من المَجَاز: العَرُوضُ: "مِيزَانُ الشِّعْرِ"، كما في الصّحاح، سُمِّيَ به "لأَنَّهُ به يَظْهَرُ المُتَّزِنُ مِنَ المُنْكَسِر" عِنْدَ المُعَارَضَةِ بِهَا. وقوله: بِه هكَذَا في النُّسَخ، وصَوابُه: بِهَا، لأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، كما سَيَأْتِي، "أَو لأَنَّهَا ناحِيَةٌ من العُلُوم" أَي من عُلُوم الشِّعْر، كما نَقَلَه الصَّاغَانِيّ، "أَو لأَنَّهَا صَعْبَةٌ"، فهي كالنَّاقَة التي لم تُذَلَّل، "أَوْ لأَنَّ الشِّعْرَ يُعْرَض عَلَيْهَا"، فما وَافقَهُ كان صَحِيحاً، وما خالَفَهُ كان فَاسِداً، وهُوَ بعَيْنِه القَوْلُ الأَوّل، ونَصّ الصّحاح: لأَنَّه يُعَارَضُ بِهَا. "أَوْ لأَنَّهُ أُلْهِمَهَا الخَلِيلُ" بن أَحْمَد الفَرَاهِيدِيّ "بمَكَّةَ"، وهي العَرُوضُ. وهذا الوَجْهُ نَقَلَه بَعْضُ العَرُوضِيِّينَ. في الصّحاح: العَرُوضُ أَيْضاً "اسمٌ للجُزْءِ الأَخِيرِ من النِّصْفِ الأَوَّلِ" من البَيْت، وزاد المُصَنّف: "سالِماً" كان "أَوْ مُغَيَّراً". وإِنَّمَا سُمِّيَ به لأَنّ الثَّانِيَ يُبْنَى على الأَوَّلِ، وهو الشَّطْرُ. ومنهم مَنْ يَجْعَلُ العَرُوضَ طَرَائقَ الشِّعْرِ وعَمُودَه، مِثْل الطَّوِيل. يُقَال: هو عَرُوضٌ وَاحِداً، واخْتِلافُ قَوَافِيهِ تُسَمَّى ضُرُوباً. وقال أَبُو إِسْحَاقَ. وإِنَّمَا سُمِّيَ وَسَطُ البَيْت عَرُوضاً، لأَنَّ العَرُوضَ وَسَطُ البَيْت من البِنَاء، والبَيْتُ من الشِّعْر مَبْنِيٌّ في اللَّفْظ على بِنَاءِ البَيْتِ المَسْكُونِ لِلْعَرَبِ، فقِوَامُ البَيْتِ مِن الكَلامِ عَرُوضُه، كَمَا أَنّ قِوَامَ البَيْتِ من الخِرَقِ العَارِضَة التي في وسَطِه، فهي أَقْوَى مَا فِي بَيْتِ الخِرَقِ، فلِذلِكَ يَجِبُ أَنْ تكونَ العَرُوضُ أَقْوَى من الضَّرْبِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الضُّرُوبَ النَّقْصُ فيها أَكْثَرُ منه في الأَعَارِيض"... وهذه العلاقة البارزة بين الاستعمال العربي العتيق للفظة "العروض" والاستعمال الاصطلاحي للَّفظة يوحي بعبقرية الخليل وذكائه وإحساسه اللغوي المعجمي الدقيق والعميق. |