البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صبري أبوحسين أبوعبدالرحمن

 1  2  3  4 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مكانة البردة وتأثيرها    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
البردة – بلا شك – أثر شعري فريد فى العصــر المملوكي، وعـــلامة مضيئة بارزة فى الشعر العربى كله؛ وذلك لوجود معالم فنية وتاريخية ظاهرة فيها، أثرت تأثيرًا متنوعــًـا فى المجايلين للبوصيري واللاحقين له حتى الآن ، يمكن إجماله فيما يلى :
l  أثرها فى جمهور المسلمين :
لم تحفظ قصيدة مطولة كما حفظت البـــردة، فقد كانت – ولا زالت – من الأوراد الصوفية، تنشد فى المحافل، وتُغنَّى فى المنتديات . ومن ثم طبعت طبعات كثيرة جدًّا ، ومتنوعة زمانًا ومكانًا .
l  أثرها فى الدرس والتعليم :
       يعد البوصيري بهذه البردة أستاذًا عظيمًا لكثير من المسلمين، علَّمهم اللغة والأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلقى الناس طوائف من الألفاظ والتعابير أُثْرِيَتْ بها لغة التخاطب، كما عرفوا كثيرًا من أبواب السيرة النبوية، وكيف يهذبون أنفسهم ويربونها خير تهذيب وأفضل تربية؛ ومعالم الشخصية النبوية وشمائلها .
       وقد در سها العلماء الأزهريون منذ نشأة الأزهر، وكذلك كثير من الجامعات العربية والإسلامية.
        أثرها فى التأليف :
 يظهر ذلك فى أنها شرحت شروحًا كثيرة، منها شرح ابن الصــــائغ
(776هـ) وابن العماد (808هـ) ،وخالد الأزهرى (905هـ)  وغيرهم .
       وهى شروح نفسية ذاخرة بالفقرات اللغوية والأدبية والتاريخية .
       الإبداع الشعرى :
       تأثر بها كثير من الشعـــراء؛ فقد ضمنوها، وشطــروها، وخمسوها، وسبعوها، وعشروها، وعارضوها، قديمًا وحديثًا ومعاصرًا .
       البلاغة :
       كانت البـــردة سببًا فى وجـــود فن بلاغي وشيـــــوعه، وهــو المسمى البديعيات؛ فقد اخترعه ابن جابر الأندلسى وصفي الدين الحلبى، وسار على دربهما كثير من الشعـــراء حتى العصــر الحــديث ، فما نشر علم البديع نشرًا جميلاً ، نظريًّا وتطبيقيًّا بطريقة رائعة جذابة إلا عن طريق البردة والبديعيات .
       الترجمة :
فى بداية العصر الحديث ترجمت البردة إلى أكثر من اللغات الأوربية، ولا يكاد يعرف مسلم أوروبي حينئذ إلا وقـــد قــــرأها ، وعرف سيرة الرسول  عن طريقها .
       النقد الأدبى :
 أثبتت البردة أن بالشعر العربي قصائد ملحمية مطولة جذابة، لكن فى الثوب العربي حيث الحقائق، لا الغربي حيث الأساطير ، وقد ذكر الدكتور عبد الله كنون أنها فاقت معلقة عمرو بن كلثوم فى حماسيتها وملحميتها وفنيتها.
       الفكر :
بها أفكار عميقة، وتعابير حِكْمية سائرة، فاقت فى هذه المجال كثيرًا من كلام أبلغ الوعاظ، وسبقت فى رؤيتها كثيرًا من أفكار علم النفس والتربيـــة ، من مثـل " إن المحب عن العذال فى صمم " ، " والحب يعترض اللــذات بالألم " ، " فـرب مخمصة شر من التخم " ... إلخ
  وهذه الآثار الطيبة لا يفهم منها أننا لا نرى فيها مأخذًا، أو عيبًا، كلا، فهذا تعصب ممقوت، وتقديس مرفـــوض، فليس فى الوجــــود شيء كامل كما لاً مطلقًا . فكل يؤخذ منه ويرد الإ المعصوم ،صلى الله عليه وسلم  .
n  ومن هذه المآخذ :
n   الوقوع فى شوائك عقدية حولها خلاف بين فرق المسلمين، من مثل التوسل، والقسم بغير الله تعالى، والاستغاثة، والإقرار ببركة لثم القبر النبوي .
n   تعبيره عن الرسول بلفظ الحبيب والأولى لغويًّا ودينيًّا واجتماعيًّا لفظ الخليل .
n   ذكره لوقائع تاريخية مختلف فى ثبوتها، بسبب اعتماده على كتب غير موثوق فيها .
n   وقوعه فى تعقيد لفظي فى قوله :" نبذًا به.... "
    ومثل هذه الهنات لا تنال من القدر الفني للبردة، ولا من المكانة الشعرية لصاحبها، رحمه الله وغفر له .

28 - أبريل - 2008
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
إلى الطالبة العزيزة دلال    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

إلى الطالبة العزيزة دلال
يا دلال:
أُثَمِّن فيك هذا الحوار الصريح، ولكن أُذَكِّركِ بما يلي:
1- من أخطر ما يقع فيه المسلم أن يحكم على عقيدة الآخرين؛ لأن هذا يحتاج إلى علم وشهادة وإقرار، وليس مجرد اعتماد على تأول بعض نصوص شعرية تأولاً قسريًّا، غير معتمد على دراية بآليات الحكم الشرعي، وأولاها فقه اللغة العربية وعلومها! فما خُلقنا قُضاة، ولكن دعاة، وتعلمنا أن نعامل الناس بالحب لا بالحرب، وأن نقبل عليهم لا أن نصرفهم عنا!
2- لا يُحكَم على عقيدة الشاعر من خلال شعر؛ فالشعراء يقولون ما يفعلون، وواقعهم يؤكد أن منهم من يكون غير مسلم ويبدع شعرًا موافقًا لمنهج الإسلام وشِرعته!
ومنهم من يكون مسلمًا ويبدع شعرًا غير موافق لمنهج الإسلام، بل منكر لمعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة!
3-لستُ من مُقَدِّسي البردة البوصيرية، ولن أكون في يوم ما متعصبًا لها، ولكنني –فقط- متمتع بما فيها من جماليات أسلوبية، وروائع فكرية، أحيت فيَّ، وتُحيي دائمًا حب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
4- المبالغة في الشعر كالملح في الطعام، شعر بلا مبالغة كطعام بلا ملح، المبالغة فارق بارز بين الشعر والنثر، ووسيلتها التخييل لا التحقيق، ومعنى التخييل أنها من ظن الشاعر وهيامه لا من عقله ويقينه، ومن ثم لا مجال للحكم على عقيدته في الشعر..... وللحوار بقية.

26 - مارس - 2009
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
سياحة ذوقية في البردة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

سياحة  ذوقية في البردة
أقف عند قراءة البردة وقفات ذوقية لا إرادية، عند عدد من أبياتها، منها المطلع:
أمن تذكر جيران بذي سلم  مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
فقد وفر البوصيري لمطلع بردته ما يسمى في علم البديع براعة الاستهلال؛ وذلك للأسباب الآتية:
- أنه مطلع مصرع، يحدث إيقاعًا لذيذًا آسرًا في المتلقي...
- أنه تام المعنى، مستقل بلفظه ومعناه عن البيت التالي...
- أنه شريف المعنى، يخلو من أي لفظ أو تعبير خادش للحياء... وهذا مناسب لجلال الغرض:المديح النبوي...
- أنه بكاء على طلل رمزي، فما جيران ذي سلم إلا محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحبه، رضوان الله عليم أجمعين، بناء على أن "ذي سلم" اسم مكان في المنطقة بين مكة والمدينة...
- جاء عجز البيت مشتملاً على صورة استعارية مبالغة في التعبير عن الحزن والتألم لتذكر هؤلاء...
- أوحى المطلع بالعاطفتين الشائعتين في أعطاف البردة: حب الرسول – صلى الله عليه وسلم –، والألم النفسي(دمعًا) والجسدي(بدم) لما اقترفه من ذنوب في مجالي الشعر والوظيفة...  

24 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
(1)تابع السياحة ذوقية     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

(1)تابع السياحة  
قال البوصيري:
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني    والحب يعترض اللذات بالألم
يا لائمي في الهوى العذري معذرة    مني إليك ولو أنصفت لم تلم
فهو اعتراف شجاع نبيل سام بالحب وأثره في نفسه، وتقرير أن لذة الحب في ألمه، وأن الحب محدث الألم، وجاعله معوقًا أمام اللذات!
إن عجز البيت تذييل حكيم عميق، فيه خيال بعيد....
وفي البيت الثاني خطاب مهذب راق للائم، عن طريق تعريف اللائم بالإضافة إلى ضميره، والتوجه بالاعتذار إليه(معذرة مني إليك)، وهو أكثر سموًّا وأدبًا وتحضرًا من خطاب ابن الفارض للائمه:
يا لائمًا لامني في حبهم سفهًا   كف الملام فلو أنصفت لم تلم  وقد سبق البوصيري بهذه النزعة الغرلية الحكيمة العميقة علم النفس الحديث الذي يذهب أصحابه إلى ذكر تلك الفكرة مدعين أنهم وصلوا إليها بعد بحث واستقراء وما إلى ذلك من أدوات علمية...
فقد أخضع الباحثون "ظاهرة الحب" وأعراضه للدراسة والبحث، وخلصوا إلى نتيجة مفادها أن آلام الحب تتشابه كثيرًا مع أي مرض عضوي، بل إنها قد تقود إلى الموت أحيانًا.  و هذه الآلام تتمثل في السهر والأرق والتغير المزاجي، وغيرها من الأعراض النفسية والجسدية. 
بل سجل فريق بحث أمريكي ارتفاع درجة تركز هرمونات الإعياء في الدم، مشيرين أن هذا التركز المرتفع في الشرايين يؤدي إلى إرهاق عضلات القلب ويمكن أن يسبب أضرارًا للقلب وربما يؤدي إلى توقف نبضاته، وفقًا لما ورد في مقالة للباحث ايلان فيتستاين في مجلة "نيو انجيلاند" للطب. وقارن فيتستاين الحالة بوضع الإدمان. وأكدت ذلك تجارب اخرى من خلال الكشف على الدماغ أجريت في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وتقول هذه التجارب بأنه في حالة ما إذا وقعت عيون إنسان عاشق متيم من الدرجة الأولى على صورة عشيقة، فإن دماغه يصبح في حالة تشبه حالات تعاطي الكوكايين. وعلى العكس من ذلك عندما سحبت صورة المعشوق، حيث تراجعت حالة الدماغ والأعضاء إلى حالتها الطبيعية وكأنما صُب عليها ماء بارد.
وهذا الغزل العذري البارز في مقدمة البردة أشاد به علماء النفس أيضًا، يقول الدكتور ياسين رفاعية:" سيرة الحب هي سيرة الناس في كل مكان ولكن كل أمة يختلف معناه عندها، والغرب يجد في الحب الاتصال بين المرأة والرجل.. ولكن إلى حين.. التقيت ذات الدكتورة مارغرين هينز في لندن وهي أستاذة علم نفس، ومما قالته لي: إن الغرب دنَّس معنى الحب، وأصبح عبارة عن الجنس لا أكثر ولا أقل..  وقالت: أنتم في الشرق أعطيتم الحب معناه الحقيقي وخصوصاً ما يسمى عندكم «الحب العذري» أو الحب المستحيل وهو أجمل ألف مرة من حب هدفه أولاً وأخيرًا التواصل الجنسي ...
واستغربت هذا الكلام من امرأة تعيش في الغرب حيث كل شيء متاح بالنسبة للمرأة والرجل على حد سواء.‏ وكررت القول: جمال الحب في التراث العربي احترام الجنسين كل منهما للآخر.. وقالت: إن كل الشباب الذين درستهم علم النفس والفلسفة خرجوا باقتناع أن الحب الشرقي أجمل ألف مرة مما نسميه هنا حبًّا، وما هو إلا إعجاب ينتهي إلى غرفة النوم، وبعد ذلك يذهب كل واحد إلى حياته العادية باحثًا عن مغامرة جديدة لا علاقة لها بالحب الأصيل الذي قرأناه في كتب تراثكم العظيم .‏

24 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
(2)تابع السياحة الذوقية     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

(2)تابع السياحة  الذوقية
قال البوصيري:
محضتني النصح لكن لست أسمعه   إن الـمحب عـن العذال في صمم
إني اتهمت نصيح الشيب في عذل   والشيـب أبعد في نصح عن التهم
ما زال البوصيري يحاور اللائم، معلنًا عدم سماعه نصحه، ذاهبًا إلى نتيجة عميقة في عجز البيت الأول، تأثر فيها بالمثل العربي الحكيم، حيث يقولون: (حبك الشيء يعمي ويصم)؛ فقد لمسوا أن حب الإنسان لشيء بعينه
يعمي بصره وبصيرته عن أي شيء سواه ... سواء كان ذلك الشيء أعلى منه أو دونه،
ويصم أذنه عن سماع أي حديث يراد منه صرفه عنه أو خفض وزن إحساسه به وقدره لديه .
وهذا الحب يسمى حب الالتزام .....اي التزام مجموعة نفس الإنسان به، بكل هواتفها ولهفاتها وحماساتها وتضحياتها ....
وورد أن هذه المقولة حديث نبوي شريف، جاء في شرح سنن الترمذي للشيخ عبدالمحسن العباد:"قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الهوى. حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن خالد بن محمد الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حبك الشيء يعمي ويصم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الهوى ]. والمقصود من هذه الترجمة أن الإنسان قد يحصل منهم أن يهوى شيئاً ويبالغ فيه، ولا ينتبه للحق فيه، بحيث يتجاوز الحد فيجعله يعمى عن الخير ويصم؛ وذلك لمبالغته في شيء يهواه، وتجده يمدحه وإن كان مذموماً، ويذم غيره ولو كان ممدوحاً. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حبك الشيء يعمي ويصم) أي: أن الاستغراق في محبة الشيء على غير هدى وعلى غير بصيرة يؤدي إلى أن الإنسان يعمى عن معرفة الحق، ويصم سمعه عن سماع الحق، فيكون بذلك مذموماً، وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن فيه أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وقد اختلط أيضاً، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما البيت الثاني فجاء حديثًا عن الشيب وحاله من فكرتي النصح والتهمة، موظفًا إياه ليكون سبيلاً إلى التخلص من غرض الغزل العذري إلى فكرة تربية النفس تمهيدًا لها للدخول إلى غرض المديح النبوي الشريف...أي رغم أنني في مرحلة الشيب، وأنها مرحلة الطهارة والإنابة، إلا أنني ابتليت بنفس أمارة بالسوء تحتاج إلى تربية خاصة، فقال:
فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت      من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى     ضيف ألم برأسي غير محتشم
وهو ناقل عجز البيت الثاني من قول إمبراطور الشعر العربي:
ضيف ألم برأسي غير محتشم      والسيف أحسن فعلاً منه باللمم
وهو نقل جيد، لأنه وظفه في غرض جديد، وسياق آخر، مما زين البردة، ودل على ثقافة البوصيري الشعرية، وقدرته على التناص مع السابقين!

24 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
(3)تابع السياحة الذوقية     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

(3)تابع السياحة  الذوقية
(3)تابع السياحة  الذوقية
قال البوصيري:
فلا تـرم بالمعاصي كسـر شهوتها    إن الطـعام يقوي شهوة النهم
والنفس كالطفل إن تهمله شب على    حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليـه     إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
يبين البوصيري كيفية التعامل مع النفس، فيعالج مرضًا نفسيًّا يشيع عند العصاة، يتمثل في تلبيس الشيطان إياهم أن ارتكاب بعض المعاصي يعالج النفس من إدمانها المعاصي!
ويقدم الدليل الناجع على رؤيته الرافضة لذلك التلبيس والمحذرة منه بتشبيه ضمني بليغ حكيم موجز في عجز البيت، شبه تأثير المعاصي في الفاسق، بتأثير الطعام في الشره، كأني به يقول:
العصية بنت معصية، والسمنة بنت طعام! والعكس صحيح!
وفي البيت الثاني ينقلنا البوصيري إلى أداة مهمة في التربية وهي الحزم، فالنفس مادة خام، صالحة لأن تطوع حسب مزاج صاحبها، إن أرسل لها الحبل انطلقت وانفلتت، وإن تحكم في الحبل، استقرت واستقامت! وهومتأثر بقول أبي ذؤيب الهذلي:
والنفس راغبة إذا رغبتها        وإذا ترد إلى قليل تقنع
ولكن البوصيري قدم المعنى في صورة مجازية تشبيهية واقعية بليغة، وكان صارمًا مع النفس أكثر من الهذلي، والدليل الموازنة بين عبارتي(وإن تفطمه) عند البوصيري، و(ترد إلى قليل) عند الهذلي...
ثم ينتقل في البيت الثالث إلى فكرة ضرر الهوى، فاتباع الهوى واتخاذه وليًّا قاتل أو موقع في المعايب والمشاين!  وقد جاء صدر البيت أمرًا مرشدًا بمحاربة الهوى وإبعاده عن النفس، ثم بمجانبة اتباعه، أما عجز البيت فكان تذييلاً حكيمًا مقنعًا، ومعللاً للأمر الموجود في الصدر...
 

24 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
تابع السابق    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 وهو متأثر في ذلك بنصوص دينية كثيرة منها:
- قول الله تعالى:"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)) الجاثية 23
-  ما جاء في الحديث النبوي الشريف المروي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ . [حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ "الْحُجَّةِ" بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.]
- ما وصف به الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي]، حالة الإنسان المؤمن والشيطان والحرب بينهما، و الوسائل التي يستخدمها الشيطان لغواية العبد، يقول:

فانظر الآن فيك إلى التقاء الجيشين واصطدام العسكرين، وكيف تداله مرة ويدال عليك أخرى، أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره، فوجد القلب في حصنه جالسًا على كرسي مملكته أمره نافذ في أعوانه وجنده، قد حصنوا به يقاتلون عنه ويدافعون عن حوزته، فلم يمكنهم الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه، فسأل عن أخص الجند به وأقربهم منه منزلة؟ فقيل له: هي النفس، فقال لأعوانه: ادخلوا عليها من مرادها، وانظروا موقع محبتها، وما هو محبوبها فعدوها به ومنوها إياه، وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها.
فإذا اطمأنت إليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها، ثم جروها بها إليكم فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه، ملكتم ثغر العين والأذن واللسان والفم واليد والرجل، فرابطوا على هذه الثغور كل المرابطة، فمتى دخلتم منها إلى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن بالجراحات، ولا تخلو هذه الثغور، ولا تمكنوا سرية تدخل منها إلى القلب فتخرجكم منها، وإن غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها حتى لا تصل إلى القلب، فإن وصلت إليه وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئاً.
النفس الأمارة

يقول: واعلموا أن أكبر أعوانكم على لزوم هذه الثغور مصالحة النفس الأمارة، فأعينوها واستعينوا بها وأمدوها واستمدوا منها، وكونوا معها على حرب النفس المطمئنة، فاجتهدوا في كسرها وإبطال قواها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع موادها عنها، فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمارة وطاعت لكم أعوانكم فاستنزلوا القلب من حصنه واعزلوه عن مملكته، وولوا مكانه النفس فإنها لا تأمر إلا بما تهوونه وتحبونه، ولا تحببكم بما تكرهونه ألبتة، مع أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها؛ بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت إلى فعله، فإن أحسستم من القلب منازعة إلى مملكته وأردتم الأمن من ذلك فاعقدوا بينه وبين النفس عقد النكاح، فزينوها وجملوها وأروها إياه في أحسن صورة عروس توجد، وقولوا له: ذق حلاوة طعم هذا الوصال والتمتع بهذه العروس كما ذقت طعم الحرب وباشرت مرارة الطعن والضرب، ثم وازن بين لذة هذه المسألة ومرارة تلك المحاربة!
فدع الحرب تضع أوزارها فليست بيوم وينقضي، وإنما هي حرب متصلة بالموت وقواك تضعف عن الحرب الدائمة.
لا تسع إلى حتفك بظلفك
والمقصود: أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداءه ويعينهم على نفسه، فيقاتلونه بسلاحه، والجاهل يكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل والسفه، قال الشاعر:
ما يبلغ الأعداء من جاهل               ما يبلغ الجاهل من نفسه
ومن العجائب: أن العبد يسعى بنفسه في هوان نفسه وهو يزعم أنه لها مكرم، ويجتهد في حرمانها من حظوظها وإشرافها وهو يزعم أنه يسعى في حظها، ويبذل جهده في تحقيرها وتصغيرها وتدنيسها وهو يزعم أنه لها مكبر، ومضيع لنفسه وهو يزعم أنه يسعى في صلاحها ويعليها ويرفعها ويكبرها.

24 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
سياحة ذوقية(4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

واخش الدسائس من جوع ومن شبع     فرب مخمصة شر من التخم
فجعل البوصيري الشيء ونقيضه(جوع وشبع) من الدسائس، وجعلهما شَرَّينِ، وفي تقديم الجوع على الشبع في الشَّرِّية، رؤية حكيمة عميقة، فالجوع قد يؤدي إلى تفريط الإنسان في أغلى ما يملك من عقيدة أو عرض أو أرض! ومن ثم كانت الاستعاذة النبوية الشريفة منه""اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع"، وقد أباح الله للمُضْطَرِّ بسبب الجوع أن يأكل الميتة، فقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ أي فَلَهُ أن يأكل، والله يغفر له؛ وذلك لأن ضرر الجوع الذي قد يؤدي إلى الموت أَشَدُّ من ضرر ذلك اللحم المُتعفن. ومهما كان من ضرر الشبع أو التخمة أو السمنة فلن يكون إلا ضررًا جسديًّا في المقام الأول! فشتان بين بشر المناطق الفقيرة والمناطق الغنية، ففي مناطق الجوع نجد الأمراض الجسدية الوبائية الفتاكة، والأمراض الاجتماعية، والمخاطر العقيدية، والإرهاب، والفتن الدينية! أما المناطق الغنية ففيها الكسل والإسراف وبعض الأمراض الجسدية، والنفسية!

29 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
المكانة السامية للنبي الخاتم:    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

المكانة السامية للنبي الخاتم:
محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْـ    ـنِ والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ
نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ      أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه  ولا نَعَـمِ
هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ      لكُــلِّ هَوْلٍ مِن  الأهـوالِ مُقتَحَمِ
دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ       مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ
فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ       ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ  ولا كَـرَمِ
وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ       غَرْفًا مِنَ البحرِ أو رَشفًا مِنَ  الدِّيَـمِ
تمثل هذه الأبيات المكانة السامية للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم:
في البيت الأول:
التلذذ بذكر اسمه- صلى الله عليه وسلم-، وهو اسم فيه مبالغة أتت من تشديد الميم، أي الذي أكثر حمده والثناء عليه.  والإخبار عنه بأنه السيد أي الفائق المميز، وبيان السيادة على تلك الأشياء العامة من الكونين(الدنيا والآخرة) والثقلين(الإنس والجن) والفريقين (العرب والعجم)، فليس هناك تعبير يدل على عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم- أكثر من ذلك. ولا يتوهمن متوهم ما يزعم من النهي عن القول على الرسول - صلى الله عليه وسلم-بأنه سيد، فقد روي أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم قال:"‏ ‏أنا سيد ولد ‏ ‏آدم ‏ ‏ولا فخر وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر"... وجاء في شرح ‏قوله ( أنا سيد ولد آدم ) ‏
‏قال ذلك إما لأنه أوحى إليه أن يقول ليعرف الأمة أو لأنه قصد به التحديث بالنعمة فلا ينافي حديث: لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير أي أن يقول ذلك لأن المراد هناك افتخار ونحوه وقد نفى توهم الافتخار بقوله ولا فخر معناه أي لا ينبغي الافتخار ولا فخر مني بذا القول والفخر التعظيم والمباهاة أي هذه النعمة كرامة من الله تعالى ما بلغتها بقوتي حتى أفتخر بها...
وكأني بأسلوب التدوير العروضي في هذا البيت يوحي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- رابط بين هذه الأشياء العامة الفخمة(الكونان/الثقلان/ الفريقان) موحد بينها كما يربط التدوير بين شطري البيت! أو أن مهابة المعنى وعظمته أحدثت عجزًا نفسيًّا وعقليًّا عند البوصيري فلم يستطع الفصل الشاعري بين صدر البيت وعجزه! ‏
وفي البيت الثاني يعبر البوصيري عن المكانة التشريعية للرسول- صلى الله عليه وسلم- مخبرًا عنه بلفظتين متضادتين(الآمر الناهي) محذوفتي المتعلق لقصد التعميم الآمر بكل خير، والناهي عن كل شر، ومعبرًا عن هاتين اللفظتين بحرفي جواب ونفي (نعم/لا) موظفًا إياهما توظيفًا حسنًا، كأني به يستلهم صنيع الفرزدق في ميميته المدحية:
ما قال لا قط ألا في شهادته                    لولا التشهد كانت لاءه نعم
وفي البيت الثالث مدح للنبي بصفتين (الحبيب الشفيع) وقد استعان البوصيري بأسلوب القصر الذي أداته تعريف الطرفين لتأكيد المعنى وتجليته...ولا حرج من إطلاق لفظ الحبيب بحجة أن لفظ الخليل أولى أو أنه ذو إيحاء خاص! أليس القائل:"إن الله عزّ وجلّ اتخذ إبراهيم خليلاً وإن صاحبكم حبيب الله وأكرم الخلق على الله؟!"
وعبارة(لكل هول من الأهوال مقتحم) جاءت إيغالاً أو احتراسًا مبينًا المعنى بدقة، ومزيلاً الإلباس والإبهام الدائر حول قضية التوسل به - صلى الله عليه وسلم- في الدنيا، فما الهول الذي يستحق الوصف بالمقتحم إلا ما يكون في يوم اليوم كما هو معروف في البيان النبوي ليوم القيامة...

29 - مارس - 2010
بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي
إيجابيات المحقق    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الأستاذ الدكتور حسني عبدالجليل يوسف من الباحثين الجهابذة في ميدان البحث الأدبي والعروضي، بلا ريب، تعلن عن ذلك مؤلفاته الأولى من ماجستير ودكتوراه وبحوث ترقية، ومن ثم لا يخلو جهده في نشر ميزان الذهب من إيجابيات. وأراها تتمثل في:
*ترجمة المؤلف، وإن كانت من معجم الأعلام للزركلي فقط، رغم أن للسيد أحمد الهاشمي ترجمة في معجم المؤلفين وفي معجم المطبوعات العربية، وفي مقدمة كثير من كتبه المنشورة نشرًا حديثًا، وفي بعض المواقع الإنترنتية!
*بعض تعليقاته مفيدة وموضحة لنص الهاشمي الموجز، كما في تعليقه على مفهوم مصطلح علم العروض في ص6. وراجع كذلك ص23،8،9،10،13....
*توثيق المحقق لكثير من الأبيات الموجودة بالمتن من حيث القائل، ووجه الاستشهاد، وأبرز المصادر الموجود بها البيت.
*إضافته في هامش تحقيقه سبب تسمية البحور نقلاً عن الخطيب التبريزي في وافيه أو كافيه!!!
*حرص المحقق على تسجيل شواهد لمصرع أو مقفى بعض صور البحور العروضية نقلا عن الخطيب التبريزي....
*غيرة المحقق، التي تمثلت في تعليقه على نص يحلل الدخان، يقول فيه الشاعر:
قالوا تعاطي الدخان قبح          فـقلـت لا ما به قباحةْ
يصير المرء في نشاط       وفيه عون على الفصاحةْ
ولم يرد بالحرام نص        والأصل في شأنه الإباحةْ
قال المحقق:"هذا وهم؛ فقد أجمع العلماء على تحريم الدخان لمضرته بمن تعاطاه ص48.  
*تنبيهه إلى بعض أوهام الهاشمي من مثل جعل عدد البحور خمسة عشر، وزعمه أن الأخفش استدرك بحرًا سادس عشر على الخليل!!!!(ص29، وراجع ص96. ومثل إشارته إلى خطأ تمثيل الهاشمي للقافية المقيدة المؤسسة بقول الشاعر:(كل شيء صائر للزوال)ص115.
 

14 - مايو - 2008
طالبة تنقد تحقيق ميزان الذهب!!!
 1  2  3  4