البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صبري أبوحسين أبوعبدالرحمن

 6  7  8  9  10 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مجمل رأي ظالمي العصرين    كن أول من يقيّم

من خلال قراءاتي في مراجع تاريخ الأدب العربي الحديثة، يمكنني أن أوجز التهم التي وجهها الظالمون إلى أدب العصرين في الآتي:
*أنه أدب متكلف، اهتم مبدعوه بأعشاب البديع في كل نص شعريًّا كان أو نثريًّا.
*أنه أدب سطحي المضمون، فلا عمق في التفكير أو جدَّة في الرؤية، بل يكاد يكون اجترارًا لما سبق من معانٍ.
*أنه أدب تقريري جاف مباشر فلا خيال فيه، ولا تحليق في تصوير المشاعر والأفكار، وإن وجد من خيال فهو تقليدي جزئي مبتذل.
*أنه أدب شكلي في المقام الأول، مبدعوه يهتمون باللفظ على حساب المعنى.
* أن العصرين لم ينجبا أعلامًا فذة تشبه أعلام العصور السابقة أو اللاحقة.
* لايوجد في أدب العصرين نصوص بارعة ساطعة، يمكن أن يشار إليها بالبنان، فتجذب النقاد والمتذوقين، كما في العصور السابقة واللاحقة. 
* هيمنت العجمة وسيطرت على لغة الإبداع، وشاع اللحن فيها شيوعًا فاضحًا، وصار للعامية سلطان وباع، وعشاق وفنون ومنظرون!!!
* أنه أدب افتقر إلى حركة نقدية فاعلة تقيِّمه، وتوجِّهه.
 د/صبري أبوحسين 

21 - يناير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
موضوعية النقد    كن أول من يقيّم

من النصوص النقدية العُمَرِيَّة التي فيها موضوعية عميقة في إصدار الحكم النقدي، ما رُوي عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب t: أنشدني لأشعر شعرائكم، قلت:من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير.قلت: ولمَ كان كذلك؟ قال:كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتبع حُوشِيَّه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه"([1]).
 
فواضح مدى موضوعية سيدنا عمر في الحكم على زهير حيث جاء حكمه"مثالا للنقد الإيجابي القائم على التفسير والتعليل"([2]), كما جاء مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه الشعر الإسلامي من الحرص على الاستقامة التعبيرية والبيان التصويري, وواقعية المدح, والبعد عن الغلو والإفراط.


[1] - الموشح: 1/98، العمدة: 1/98 ، للوقوف على مفهوم المعاظلة ينظر كتاب  العمدة لابن رشيق القيرواني: 2/264-265 0
[2] - في مرآة النقد العربي:72 ، د/فتحي أبوعيسى، وراجع النقد الأدبي للأستاذ أحمد الشايب: 110 0

21 - يناير - 2008
عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- ناقدًا أدبيًّا
اختلاف الباحثين في تسمية العصرين    كن أول من يقيّم

كما نرى الباحثين يتخبطون في الأحكام و الاستقراءات والاختيارات الأدبية من هذين العصرين، نجدهم –أيضًا- يتخبطون في المصطلحات أو التسميات التي استحدثوها أو أطلقوها في تسمية هذين العصرين، فيطرق آذاننا مصطلح عصر الانحطاط، ومصطلح عصر الانحلال، ومصطلح عصر الأتراك، ومصطلح عصر الأعاجم، ومصطلح عصر المغول، ومصطلح عصر الدول المتتابعة، ومصطلح عصر الدول والإمارات ومصطلح العصر المملوكي والعصر العثماني....
وكلها اصطلاحات يقصد منها تقديم حكم مسبق على العصر، أو جعله منسوبًا إلى غير العرب بقصد إثارة العصبية العرقية، أو منسوبًا إلى حكام الفترة.
 ومن الأنسب استحداث مصطلح أدبي بعيد عن التاريخ وما يتصل به من صراعات ومنافسات، وعن الحكم النقدي الجائر المعمم.
وأستحسن في هذا المقام مصطلح عصر التماسك أو الثبات الأدبي- وهو مصطلح أطلقه الدكتور أبوسعدة في كتابه(الأدب العربي بين التماسك والانحدار)، أو مصطلح الأدب العربي الوسيط أو الوسَط، فمثل هذه الاصطلاحات قائمة على رؤية عقلية ونظرة بحثية وسطية وموضوعية، لا تتعصب للعصر أو عليه.
إن من الظلم البين لهذين العصرين ـ الذَين شهدا وقائع عزتنا وانتصارنا على أعتى قوتين غارتا علينا قديمًا، وهما المغول والصليبيون، وتدميرنا لهما تدميرًا ـ أن يوصفا في ديارنا العربية الإسلامية، بأنه فترة الضعف والانحطاط والعقم والانهيار وما إلى ذلك من إطلاقات لا تدل إلا على انهزام نفسي وانكسار روحي وتبعية بغيضة، ليس الوقت وقتَها، فالوقت وقت علم وحضارة ودقة في كل شيء في حياتنا، وزمن الرؤى الموضوعية العقلانية المنصفة.د/صبري أبوحسين

21 - يناير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
من مشطور الكامل    كن أول من يقيّم


 
من قصائد مشطور الكامل ما قلته في رحيل جدي:
جدي أحمد بدوي شعيب ذو أفضال عليَّ منذ طفولتي رحمه الله ـ تعالى ـ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه، تعهدني صغيرًا، وغرس فيَّ حب الطاعة والعبادة والقرب من رب الأرباب، والصبر على البلاء. فكانت هذه المرثية، في 9/4/1999م؛  تخليدًا لذكراه، ووفاءً لدوره في حياتي:
قامت قيامة جدنا أس العلا
جدي الذي بصنوف خير قد أتى
ربَّى مفيدا أهله كل المنى
جال الدنى  يخشينْ أمر الردى
عمل الذي في وسعه رغم الشقا
كنا نعيش بنوره وسط الدجى
كنا نسير بخيره  وقت الضنى
كان العماد لنا فلا نخشى ظما
قد كان شهما فاضلا بين الورى
رجلا حكيما قد أجار من التجا
شهما كريما ضاف من تحت الوغى
قد كان جدا عارفا كيف الصفا
قد كان جدا ساميا مثل السما
صبر الحليم على إرادة من قضى
صبرا كأيوب  بلاه من يرتجى
لم يجزعن من صدمة فيها العمى
يا حسنه في شكله نجما مضى
ذهب الذي تهنا به بين الورى
عشنا أعزاء بلا شر يرى
ذهب الذي عن مجده لا ينثنى
قد كان نجما بيننا لكن هوى
فارحمنه ياربنا عند القضا
واستر لنا عبدا أطاعك في الخفا
يا ربنا يا واهبا كل العطا
فلتستجب من شاعر دوما بكى
كل الرجال من المحبين الوفا

د/صبري أبوحسين

 

21 - يناير - 2008
قصيدة: الطناحي صقر التراث
منهجي في دراسة أدب العصرين    كن أول من يقيّم

منهجي في دراسة الأدب المملوكي والعثماني:
خلاصة رأيي أن الأدب العربي في عصري المماليك والعثمانيين لم يلق بعدُ حقَّه العلميَّ الأكاديميَّ من البحث والدراسة تحت طائلة وهم فارغ، هو أنه أدب ينتمي إلى عصر الركود السياسي.  وكأن الركود الفكري والأدبي والفني مرهون بالركود السياسي وتبَع له، وتلك رؤية قابلة للأخذ والرد، وليست ثابتةً أو مسلمة منطقية معقولة أو مقبولة.   ولو سلَّمْنا جدلاً بأن الأدب الرسمي قد أصابه شيء من العقم والجمود، فهو ـ شئنا أو أبينا ـ جزء ضخم من تراثنا الفني وتاريخنا الأدبي، يجب أن يخضع للدراسة الأكاديمية أو المنهجية؛ وذلك لسبر غوره والوقوف على ملامحه ومعرفة مؤثراته وتأثيراته، هذا التراث الذي ما زال مخطوطاً قابعًا وضائعًا أو تائهًا في مكتبات شتى بأنحاء العالم.
        والحق أن أدب هذه الفترة لم يكن ضعيفًا أو راكدًا أو خامدًا أو معطلًا، وإنما كان ثابتًا مستقرًّا محافظًا على حاله التي ورثها من أخريات العصر العباسي. وبالتحديد بعد عصر أبي العلاء المعري (ت449هـ) وأمثاله ممَّن كان سببًا في اهتمام خالفيه بالشكل على حساب المضمون اهتمامًا واضحًا، ظهر في زخارفهم و أشكالهم الهندسية اللفظية التي لجأ إليها بعضهم ممَّن حاولوا تقليد المعري بالجمع بين العلم والأدب جمعًا مقصودًا لذاته، لم يعد على الإبداع الأدبي بفائدة كبيرة.
        إنه عصر المحافظة على الموروث العباسي وتقليده، وذلك بدافع الاحتفاظ بالشخصية العربية وما تملك من فكر وإبداع أمام أعدائها المغيرين من التتار الوحشيين أو الصليبيين الحاقدين، وذلك حتى لا تضعف هذه الشخصية أو تضمحلّ أو يصيبها وهن من شأنه أن يؤثر على قوانا أو ينال من روحنا.
 إنه عصر فكري وأدبي جاء ردَّ فعلٍ إيجابي محمود ضد الغزاة المعتدين لم يتغير، وينتقل من دور المحافظة والتقليد إلى دور التجديد والإبداع إلا بزوال هؤلاء الغزاة المعتدين.   وذلك كان عند رحيل الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من المستعمرين ـ بل المستدمرين ـ الغربيين عن بلاد العرب والإسلام في العصر الحديث، حيث كانت النهضة الفكرية والأدبية في القرن العشرين الميلادي.
إن من الواجب علينا ـ كباحثين و دارسين وطلاب علم ـ أن نقرر أن أدب هذه الفترة محتاج إلى جهود جمعية مؤسسية جبارة؛ لأنه لا يزال في الأغلب الأعم مخطوطًا بِكْرًا، لم يُحَقَّق تحقيقًا علميًّا في صورته المقبولة، ولم يُنظَر فيه بنظرة موضوعية تقيسه بمقاييس ملائمة له زمانًا ومكانًا، رؤية وتعبيرًا، ولذلك فهو مجال واسع لدراسات كثيرة متنوعة في كمِّها وكيفها، حتى نصل إلى الرؤية المنطقية الصائبة عن حال الأدب العربي في هذه الفترة .
        وذلك يكون بدرس الحَيَوَات السياسية والاجتماعية والثقافية دراسة موجزة مكثفة، تركز على مدى تأثير هذه الحيوات في مسيرة الأدباء واتجاهاتهم، ومدى تصوير الأدباء لأهم معالمها.   ثم بدرس معالم الحياة الأدبية في العصرين دراسة مفصلة، ناهلة من المصادر الأصلية من مجاميع الأدب ودواوين الشعراء.  وبذلك نقتحم نتاجًا يمثل فرصة عظيمة لشباب الباحثين والدارسين للتعمق في أدب عربي بكر لم تمسه نظرة الناظرين إلا لمامًا و شذرًا . د/صبري أبوحسين

22 - يناير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
تعديد إيجابيات أدب العصرين    كن أول من يقيّم

تعديد إيجابيات أدب العصرين:
وأرى أن أفضل ردٍّ على متهمي أدب العصرين بالجمود والتخلف هو أن نعدد إيجابيات أدبهما وتحليل ما فيهما من جماليات شكلية ومضمونية تضاهي –إن لم تَفُق- ما في العصور السابقة واللاحقة.  وهذه الإيجابيات تتمثل في الآتي:
* تصوير الأدب للحياة العربية: سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، عصرَئذٍ.
*الاتجاه الشمولي في التأليف، أو ما يسمى مملوكيًّا بالموسوعات، وعثمانيًّا بالشروح والحواشي.
*ازدهار التيار الصوفي في الإبداع الأدبي شعرًا ونثرًا، فكرًا وتأليفًا.
*ازدهار التيار الشعبي في الإبداع، والانتقال من الاتجاه الغنائي الذاتي المتصل غالبًا بالحكام وذوي السلطة إلى الاتجاه الموضوعي العام المعبر عن هموم العامة.
*ازدهار فن المديح النبوي الشريف بنوعيه المصنوع[الذي لم يتكلف البديع في كل بيت من أبيات القصيدة]، والبديعي[ الذي التزم رواده الإتيان بالبديع في كل بيت من أبيات القصيدة]
*فرائد شعرية محلِّقة، مثل ورائية سعدى الشيرازي في رثاء بغداد، وقصيدة البردة للبوصيري، وقصيدة ابن نباتة في غرض الجمع بين التهنئة والتعزية، وقصيدة صفِيِّ الدين الحِلِّي في غرض وصف الربيع، وقصيدته التي عارض فيها بائية للمتنبي، وغرض الإحماض عند الحلي أيضًا. . . .
*خرائد نثرية رائعة مثل: (مقامة في قواعد بغداد في الدولة العباسية)، لابن الكازروني(ت697هـ)، ورسالة (مفاخرة بين السيف والقلم) لابن نباتة، ورسالة(حلية الفضل والكرم في المفاضلة بين السيف والقلم) لأبوالعباس القَلْقَشنْدي، وترجمان الأشواق لابن عربي، ومقدمة ابن خُلْدون، فن مقدمات الكتب مثل مقدمة ابن منظور المصري في لسان العرب، وفي أدب الرحلة نجد عددًا كبيرًا من الرحلات التي أبدعها أبناء العصرين لم تبحث أو تعرض العرض الأدبي الصحيح، منها:(الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية) لعبدالغني النابلسي. . . إلخ
*سطوع أعلام بارزة في فنون النثر المختلفة مثل:ابن فضل الله العمري(ت749هـ)، وخليل بن أيبك الصفدي(ت764هـ)، والقلقْشنْدي(ت821هـ)، والسيوطي(ت911هـ)، والشهاب الخفاجي(ت1069هـ)، ويوسف البديعي(ت1073هـ)، وعبدالقادر البغدادي(ت1093هـ). . . إلخ
*حضور أعلام بارزة في فنون الشعر المختلفة مثل شمس الدين الكوفي(ت675هـ)، وشرف الدين البوصيري(ت695هـ)، وصفي الدين الحِلِّي(ت750هـ)، وابن نُباتة المصري(ت768هـ) وتقي الدين بن حجة الحموي(ت837هـ)، وبهاء الدين العاملي(ت1031هـ)، وابن النحاس الحلبي(ت1052هـ)، ومحمد أمين المحبي(ت1111هـ)،  وعبدالغني النابلسي(ت1143هـ)، وابن معتوق الموسوي(ت1087هـ)، والأمير منجك الجركسي. .. وآخرين.
وذلك جهد بحثي ودراسي قدمه عدد محدود من الدارسين الجادين في كتاباتهم، نعرض لها في التعاليق الآتية.   
د/صبري أبوحسين

22 - يناير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
الحياة السياسية في مرآة أدب العصرين    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الحياة السياسية في مرآة أدب العصر المملوكي

        تعد حادثة سقوط الخلافة كارثة عظمى لم يعرف التاريخ القديم مثيلاً لها في شناعتها وسرعة تقويضها دعائم مدنية أشرقت على بلاد واسعة الأرجاء ممتدة من الصين شرقًا إلى بحر الروم غربًا. قال عن بداياتها ابن الأثير(ت632 هـ(:"لقد بقيتُ عدةَ سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدم إليها رِجْلاً  وأؤخِّر أخرى. فمَن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها، وكنت نسْيًا منسيًّا" .
 لقد جرح العرب والمسلمون جرحًا لا يندمل ولا يمكن وصف ما ألمَّ بالعرب؛ لأنه ـ كما يقول السيوطي(911هـ) في تأريخه للخلفاء ـ "حديث يأكل الأحاديث وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ ينسي التواريخ، ونازلة تصغر كل نازلة" .
      شاءت إرادة الله ولا رادَّ لمشيئته أن تسقط بغداد على أيدي المغول(التتار)عام 656هـ وأن ينتهي عهد الخلافة العباسية وسلطانهم، وتتحول دولتهم إلى ذكرى مرددة وتاريخًا مرويًّا وأحاديث مأثورة وعبرًا ماثلة، يذكرها المسلمون باللوعة وبالأسى والحسرة على ذهاب دولة إسلامية كبرى كان لها من النفوذ الروحي والسياسي في بقاع الإسلام المختلفة.
وقد كانت نكبة بغداد هذه مؤثرة تأثيرًا واضحًا في الشعراء، نظرًا لما أحدثه التتار من فظائع مرعبة في بغداد وأهلها:
فهذا شاعر يفسر السقوط البغدادي بضعف شخصية الخليفة العباسي، قائلاً:
خليفة في قفصٍ    بين وصيف وبُغا
يقول ما قالا له     كما يقول البَبَّغا([1])
  ومن ثَم كان السقوط الذي وصفه الشاعر تقي الدين ابن أبى اليسر(ت672هـ)،  برائية دامعة، يقول في مقدمتها:
لسائل الـدمع عـن بغداد أخـبـار                 فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا                 فـما بـذاك الحـمـى والـدار ديـَّار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت                 بـه الـمـعـالـم قـد عـفَّـاه  إقــفـار
أضـحى لعطف البـلى في ربعه أثر               ولـلـدمــوع عــلـى الآثــار آثــار
يا نار قلبيَ من نارٍ لحرب وغًى               شُبَّتْ عليه ووافى الربعَ إعصار([2])
 
فمكان الخلافة صار قفرًا بلقعًا يبابًا، ورسمًا دارسًا، ومن ثم فسيلان الدموع أمر طبيعي لتلك النار التي في قلبه من جراء مظاهر الخراب والدمار التي أحدثها التتار في دار الخلافة، وقد جاء بكاء ابن أبي اليُسر ذاتيًّا صادقًا، ممزوجًا بصور خيالية معبرة، خصوصًا في البيت الخامس.
وهذا الشاعر الإيراني سعد الدين الشيرازي (ت691هـ)([3]) يقدم دمعة حرى على بغداد قائلاً:
حبست بجفنيَ المدامع لا تجرى       فلما طغى الماء استطال على السكر
نـسيـمُ صبَـا بـغـدادَ بعـد هـلاكِها         تَمـنَّيـتُ لـو كـانـتْ تمـرُّ عـلى قبري
لأن هلاكَ النفس عند أُولى النُّهى        أحـبُّ لـه مـن عيشِ مُنقبِض الصـدر
زجرتُ طبيبًا جسَّ نبضي مداويًا          إليـكَ فـما شكـوايَ مـن مرضٍ تُبرى
لزمتُ اصطبارًا حيث كنتُ مفارقًا        وهـذا فـراق لا يـعـالـج بـالصــبر([4])
فالشيرازي متفجع حزين على بغداد بسبب هذه النكبة، وذلك بكثرة دموعه، وتمنيه الموتَ وتكلفه الصبرَ، ولكن كل ذلك لا ينفع ولا ينجع؛ لأن المُصاب جَلَل والخسائر فادحة، يقول:
تـسائلني عما جرى يوم حـصرهم    وذلك  مـمَّا ليـس يـدخـل في الحصر
بكت جدر المستنصرية([5]) ندبة          على العلماء الراسخين ذوى الحجر([6])
 
 
نوائـب دهـر ليـتنـي مـتُّ قبلها        ولــم أر عـدوان السفـيه على الحبر
محـابر تبـكي بـعدهـم بسوادها       وبعـض قـلوب الناس أحلك من حبر
لحى الله من يسدى إليه بنعمـة       وعنـد هـجوم النـاس يـألف بـالـغـدر
مـررت بصـم الراسيات أجوبهـا      كخنساء من فرط البكاء على صخر
أيا ناصحي بالصبر دعني وزفرتي        أمـوضع صـبر والكبـود على الجمر
تهدم شخصي من مداومة البكا           وينهدم الجرف الدوارس بالمخر([7])
 
فما جرى يوم حصار التتار لبغداد يفوق الحصر والخيال، فالخسائر كثيرة وفادحة، والجميع متفجع:العلماء، ومعاهد العلم، والمحابر، والجبال الصماء، والكبود المحترقة. ومما يزيد الجميع حزنا وبكاء وجود طائفة من المنافقين أوالخونة، ذوى القلوب الحالكة، والنفوس الخائنة الغدارة.
يتبع، إن شاء الله تعالى د/صبري أبوحسين


[1])) راجع الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي ص38، نقلاً عن مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني ص16. ووصيف وبغا غلامان تركيان جلبهما المعتصم، وتوليا مناصب رفيعة في عهده وعهد مَن بعده من ضعاف الخلفاء.!!!
([2]) النجوم الزاهرة 7/ 52، وشذرات الذهب 5/ 271 ـ 272 والزوراء: بغداد .
([3]) راجع ترجمته في معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 6/ 151 .
([4]) السكر: ما يوضع على مجرى الماء لمنع جريانه كالسد ونحوه.
([5]) المستنصرية: مدرسة تقع في جانب الرصافة ببغداد، شيدها الخليفة المستنصر بالله سنة 625هـ .
([6]) الحجر: العقل .
([7]) راجع ديوان الشيرازى ص 61، وأوراق بغداد صـ 364 والمخر: الشق .

22 - يناير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
تابع تصوير الحالة السياسية    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

منهج خاص في بكاء بغداد:
وللشاعر شمس الدين الكوفى (ت675هـ) أربع بكائيات، تنهج نهجًا واحدًا، و ينتظمها فكر واحد وشعور واحد من مطلعها إلى خاتمتها، يقول من قصيدة كافية:
بانـوا ولى أدمع في الخد تشتبك          ولـوعـة فـي مـجال الصـدر تعتركُ
 بالرغم لا بالرضا منـى فراقـهمُ              ساروا ولم أدر أي الأرض قد سلكوا
 يا صاحبي ما احتيالي اليوم بعدهم       أشـــرْ عـلـيَّ فـإن الـرأي مـشتـرك
عـز اللـقاء وحـالت دونـه خيَلي             فـالقـلب فـي أمـره حيـران مـرتبـك
يعُوقُني عـن مرادي ما بُلِيتُ به             كـمـا يـعـوق جـناحَـي طـائـر شـركُ
أروم صـبرًا وقلبـي لا يطاوعني             و كـيـف يـنـهـض مَن خانَه الوركُ
إن كنت فاقدَ إلفٍ نحْ عليه معي            فـإنـنـا  كـلنـا فـي ذاك نـشـتـرك([1])

 
 
فهذا المقطع البكائي سار فيه شاعرنا سير الشعراء الغزلين في تصويرهم رحيل الأحباب، وتعبيرهم عن أثر هذا الرحيل عليهم، وتحس فيه بأنه بكاء شاعر هادئ النفس، بكاء خارجي، لا أثر فيه، ولا دليل، على أنه نابع من نفسه على بغداد بسبب هذه النكبة التي صورها في شكل الشرك المقيد أو المعوق للطائر الذي وقع فيه. إنه يحاور صاحبه ويصف حالته النفسية السيئة بسبب رحيل الأحباب، وعدم نيله مراده، فبكاؤه بكاء إنسان عاشق غزل، لا بكاء إنسان ابتُلي وطنه، متفجع عليه. ودليل ذلك مفردات المقطع وتراكيبه، إضافة إلى ختامه هذه القصيدة بقوله:
لا تحسبوا الدمع ماء في الخدود جرى        وإنـمـا هـي روح الصـب تنسـبك
وتجد النهج نفسه في بكائياته الثلاثة الأخرى([2])، وإن أضاف فيها قصده إلى صبِّ تجربته في قالب فني مصنوع، مزدحم بأصباغ البديع المتعددة، كما في قوله:
عــنـدي  لأجــل فراقـكــم آلام               فـإلام أعــذل فـيـكمُ وألام
من كن مثـلى للحبيب مـفـارقًا               لا تـعـذلـوه  فللكلام كِلام
نعم المساعد دمعي الجاري على          خـدي  إلا([3]) أنــه نـــمَّــام
ويذيب روحي نـوح كـل حمامة            فـكـأنما نوح الحمام حمام
إن كـنـت مـثـلي للأحبـة فـاقـدًا             أوفى فؤادك لوعة وغرام
قف في ديار الظاعنين ونادها:           يا دار ما فعلت بك الأيام([4])
 
فهذا بكاء شاعر هائم محب على رحيل أحبابه ونواهم عنه. وقد استعان في التعبير عنه بأصباغ البديع من جناس وطباق وتضمين الشطر من مطلع قصيدة لأبى نواس ـ وهو الشطر الأخير. ومن أجل ذلك التضمين البلاغي وقع في تضمين عروضي حيث ربط البيتين الأخيرين عن طريق فعل الشرط وجوابه. وقد جاء تفجعه في صورة دمع جار، وحمام نائح، ومخاطبة للطلل. ولا أثر في النص لاجتياح التتار لبغداد، على الشاعر في تعبيره وتفكيره. وذلك ديدنه في بقية أشعار القصيدة، يحزن و يتفجع على فراق الأحبة حزنًا عاطفيًّا، وتفجعًا رومانسيًّا، رغم أن ابن شاكر الكتبي (ت764هـ)، قدم لهذه القصيدة بما نصه : "قال شمس الدين محمد بن عبيدالله الكوفي الواعظ، يرثى بغداد بعد وقعة التتار"([5]).
ولعل الكوفي لجأ إلى هذا المذهب الفني في رثاء المدن في بكائياته الأربعة، تقية وتسترًا، وحفظًا لنفسه، ورعبًا من التتار وأتباعهم المنتشرين حينئذ في كل مكان، فما الطلل الذي يخاطبه إلا بغداد، وما بها من أماكن تاريخية، وما الأحباب الراحلون إلا أهل بغداد الذين نشأ بينهم وعاشرهم فأحبهم وأحبوه.
أو لعل ذلك الصنيع من الكوفي راجع إلى قصده إلى تطبيق توجيه أبى العتاهية في قوله :
لا يصلح النفس إذ كانتْ مُصرَّفةً      إلا التنقلَ من حال إلى حال([6])
 
 
وهذا ما يصطلح عليه في علم النفس بالتحول النفسي([7])، إذ يستعين به الإنسان في مواجهة المصائب الشديدة، فيغير مشاعره عن مصيبته الكبرى ـ وهى السقوط البغدادي على أيدي التتار ـ بموضوع آخر، وهو تلك التجربة الغزلية الهروبية المتخيلة. وهذا منزع فني يكاد يتميز به شمس الدين الكوفي بين رادة فن رثاء المدن في تراثنا الشعري.
لقد جاء التفجع على بغداد في شعر ظاهر الندب، بين الحسرة، مخلوطًا بالأسى والتلهف، شاجي الأقوال، مبكي المعاني، مثير التباريح، صادق العاطفة؛ لأنه صادر من نفوس مكلومة، لما حل بتلك المدينة المجيدة من هلاك وخراب وتقتيل وتشريد على أيدي المفسدين والمعتدين. وفى تلك الرثائيات سير على نهج رثائيات المدن والممالك الزائلة في شعرنا العربي قبل السقوط البغدادي وبعده، خصوصا لدى الأندلسيين([8]).
فقد أشجى الشعراء أن يروا هذه المآسي التي تلحق ببغداد على أيدي المعتدين فبكوها بكاء من يبكى على فراق وطنه الذي أحبه، وفتن بجمال طبيعته ورخاء أيامه، ويتصل بالبكاء والشكوى إظهار الجزع والفزع، لكثرة ما نال بغداد من محن ونكبات، إذ ذلت بعد عز، وهبطت بعد رفعة، ومن ثم كان أبرز مدار فكرى شاع في بكائيات بغداد هو التفجع عليها، والتباكي على ماضيها السعيد، وفردوسها المفقود... وتفصيل هذا الغرض[رثاء بغداد إبان نكبة التتار] فيه دراسات وبحوث عدة، تكفي الإشارة إليها هنا([9]).  


([1]) القصيدة في كتاب: الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابقة صـ334 ـ 335 لابن الفوطي، طبع المكتبة العربية ببغداد سنة 1932م، وأوراق بغداد صـ397  .
([2]) راجع فوات الوفيات 2/ 232 ـ 235، وأوراق بغداد صـ397 ـ 422 ـ 423، 430، 431  .
[3])) هكذا في المصدر التراثي، وهو مكسور، ولعل صحته[خدي ولكن شأنه نمام]
([4]) فوات الوفيات 2/ 232  .
([5]) السابق ذاته .
([6]) مروج الذهب 4/ 17  .
([7]) راجع: دراسات في علم النفس الأدبى صـ39، أ/ حامد عبدالقادر، طبع لجنة البيان العربى، ومعلقة عنترة في ضوء النقد الأدبى الحديث صـ175، د/ فرج السيد راغب مندور.
([8]) راجع في بيان المقاييس النقدية لفن الرثاء العمدة لابن رشيق 2/147، ومنهاج البلغاء للقرطاجنى صـ351، والتوجيه الأدبى صـ178 وما بعدها، والأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه صـ512 وما بعدها، د/ مصطفى الشكعة، ورثاء المدن والممالك الزائلة صـ52 وما بعدها، د/ عبدالرحمن حسين محمد .
([9]) راجع في ذلك: الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة لابن الفوطي(ت723هـ)، طبع المكتبة العربية ببغداد سنة 1932م، وأصداء الغزو المغولي في الشعر العربي، للدكتور مأمون فريز جرار، طبع مكتبة الأقصى بعمان ، الأردن، سنة 1983م، رثاء المدن والممالك الزائلة، د/ عبدالرحمن حسين محمد، مطبعة: الجبلاوي سنة 1983م، و التيارات الأدبية إبان الزحف المغولي،للدكتور محمد التونجي، طبع دار طلاس بدمشق سنة 1987م، و أوراق بغداد، إعداد د/عبدالحكيم راضي ود/محمد فؤاد، ود/جمال العسكري ،طبع الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2003م، ومسرحية(عودة هولاكو) ضمن [ ثلاث مسرحيات قصيرة ] ، لسمو الدكتور سلطان بن محمد القاسمي –بارك الله فيه- طبع الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، سلسلة آفاق عربية عدد 39 طبع سنة 2003م، وبحث(سقوط بغداد في مرآة الشعر العباسي) للدكتور صبري أبوحسين، المنشور في مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق...إلخ

22 - يناير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
خلود الشعر    كن أول من يقيّم

خلود الشعر:
ويتحدث عمر بن الخطاب t عن زهير إلى بعض ولد هرم بن سنان قائلا:أنشدني ما قال فيكم زهير فأنشده فقال:" لقد كان يقول فيكم فيحسن0قال: يا أمير المؤمنين: كذلك كنا نعطيه فنجزل، قال عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم"([1]).
فعمر هنا يقرر خلود الشعر وبقاء أثره وفناء أعطيات الأجواد، وتلك حقيقة لا ينكرها اثنان ,والدليل على ذلك أنه روي أن عمر t قال لابن زهير ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك؟ قال: أبلاها الدهر0قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرما لم يبلها([2]).


[1] - العقد الفريد: 5/292 العمدة: 1/81 0
[2] - ديوان زهير: 10 شرح ثعلب، ط دار الكتب المصرية، العمدة: 1/81 0

22 - يناير - 2008
عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- ناقدًا أدبيًّا
رؤية كلية للنص    كن أول من يقيّم

رؤية كلية للنص:
وقيل إن عمر أنشد أبياتا لزهير وهي:
 دع ذا وعد القول في هرم      خير الكهول وسيد الحضر
لو كنت من شئ سوى بشر       كنت المنور ليلة البدر
ولأنت أوصل من سمعت به    لشوابك الأرحام والصهر
ولنعم حشو الدرع أنت إذا     دعيت نزال ولج في الذعر
 وأراك تفري ما خلقت وبعـ  ض القوم يخلق ثم لا يفري
أثني عليك بما علمت وما      أسلفت في النجدات من ذكر
والستر دون الفاحشات ولا       يلقاك دون الخير من ستر
فقال عمر: ذلك رسول الله e ([1]).
ففي الأبيات مدح بالخيرية والسيادة, وصلة الأرحام, والإغاثة والنجدة, وإمضاء الأمور وتنفيذها ,والعفة والحرص على مكارم الأخلاق وجميل الخلال ولذلك قال عمر هذا القول0
وقد صنع مثل هذا الصنيع حين سمع من ينشد قول عنترة:
 ولقد أبيت على الطوى وأظله      حتى أنال به كريم المأكل
فقال: ذاك رسول الله e ([2]).
وصدق عمر فبيت عنترة فخر خالص بالجلد والعفة, والبعد عن الدنايا. وتلك صفات مقررة إلهيًّا وتاريخيًّا في نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم.


[1] - السابق: 12-13 0
[2] - ديوان عنترة: 87-249،  تح/ محمد سعيد مولوي, ط عالم الكتب, الرياض0

22 - يناير - 2008
عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- ناقدًا أدبيًّا
 6  7  8  9  10