البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صبري أبوحسين أبوعبدالرحمن

 56  57  58  59  60 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
المبحث الثاني: نظريات النقد التاريخي والاجتماعي4    كن أول من يقيّم

تقييم المنهج التاريخي:
يسجل النقاد على هذا المنهج ست ملاحظات هي:
1ـ لوحظ على النقد التاريخي  اهتمامه بعناصر تفسير النص تفسيرا تاريخيا واجتماعيا مما أدى إلى انكبابه على تفسير المضمون وإهمال الشكل الفني، في حين كان النص الأدبي في النهاية بنية جمالية لها خصوصياتها التي لا يمكن إهمالها بل قيل إن ما ينقص تين لم يتوفر بعد : أي علم اللغة وعلم اللاوعي"[1].
 
  الاستقراء الناقص: ويضرب له النقاد مثالا بما فعله طه حسين من دراسة شعر المجون في العصر العباسي ثم إصدار الحكم عليه دون دراسة بقية الفنون الأدبية من مدح وغيره
3ـ الأحكام الجازمة: ويمثل لها قطب بقول بعض النقاد:"اتساع نفوذ الفرس هو الذي أوجد شعر المجون والخمريات"وقولهم" الترجمة الهندية هي التي أوجدت شعر الزهد في الدولة العباسية"
4ـ التعميم العلمي: ومثاله تعميم نظرية دارون في النشوء والارتقاء الخاصة بعلوم الإحياء  في البحث الأدبي متجاهلين طبيعة الأدب.[2]
5ـ إلغاء قيمة الخصائص الفردية والبواعث الشخصية للأديب
6ـ نسيان أن الأدب ليس دائما تسجيلا للواقع المعيش أو الماضي ولكنه كذلك تسجيل للآمال والأشواق المستقبلية والرغبات المكنونة في النفس الفردية أو الجماعية[3]
7ـ " لو جعل النقد الاجتماعي النص يتلاشى ويتحول إلى مجرد ملحق وإضافة لسلطة معرفية أخرى، عندئذ يكون هذا النقد كارثة فكرية إذ يصبح ضارا وعديم الفائدة .
أما إذا أسهم في جعل النص مكانا يبنى فيه رد فعل الإنسان تجاه الواقع ، وخطابا من خطاباته حول وضعه بين المخلوقات والأشياء والأحداث ـ وهو ربما أقلها تعرضا للإستنزاف وللخروج من دائرة التداول بفعل تقادم الزمن ـ عندئذ يكون هذا النقد فتحا حاسما  للحداثة "[4] متى أخذت بالقيم الصحيحة متجنبة اللعب بالعقول البشرية في سبيل أدب فاعل في الحياة ومنفعل بالثوابت التي بها يصلح حال الإنسانية.


[1] ـ مدخل إلى مناهج  النقد الأدبي : م س 182
[2] ـ النقد الأدبي أصوله ومناهجه: 2
[3] ـ نفسه : 6
[4] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س : 206

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث: : نظريات النقد التكويني    كن أول من يقيّم

المبحث الثالث: : نظريات النقد التكويني
حين قرأت رأيا لأحد النقاد الغربيين يذكر أن " النقد التكويني" لايزيد عمره عن خمس عشرة سنة[1] تساءلت : لماذا نسكت نحن العرب والمسلمون عن منافسة الحضارات بما يزخر به تراثنا من ألوان القضايا النقدية والمنهجية الكبيرة في حين تتـنافس الأمم والشعوب على إبراز ملامح الإبداع عندها لتنافس الأمم والشعوب في ذلك، وعلى هذا الأساس فكرت في كتابة هذا الموضوع الذي سينصب على فكرتين أساسيتين : النقد التكويني كمفهوم ومنهج عند الغرب المعاصر والنقد التكويني كممارسة في التراث العربي الإسلامي، فما هو النقد التكويني؟ وما منهجه ؟ وما أهدافه؟ وما موضوعه؟ ومن من النقاد القدماء العرب الذي عرض له؟ وما مستوى طرحه في ضوء النقدي المعاصر؟
 
 
1ـ مفهوم النقد التكويني: يستخدم النقد الحديث في الغرب مصطلح "النقد التكويني" أو التكوينية النصية" أو "الكتابة في حال ولادتها" كما يستخدمون مصطلح " ماقبل النص" في مقابل " النص"  ويؤكدون  أن  " ما قبل النص لايوجد في أي مكان خارج الخطاب النقدي الذي ينتجه باقتطاعه من المسودات"[2]   فماذا يعنون بذلك؟ من الواضح أن قولهم "الكتابة في حال ولادتها" أكثر وضوحا في الدلالة على حقيقة هذا النقد، إذ يدرس عملية تكون النص الأدبي بتتبع مراحله حتى يطبع،فإذا طبع صار نصا ، وعندئذ يهتم به نقد النص الأدبي، وعليه فإن عمق هذا المصطلح يكمن في فكرتين أساسيتين مفادهما أن:
أـ " العمل الأدبي عند اكتماله المفترض يظل حصيلة عملية تكونه"[3]
ب ـ  "هل هناك شعرية خاصة بالمخطوطات الإبداعية وشعرية خاصة بالنص"[4]أي شعرية ينهض باكتشافها النقد التكويني من خلال المسودات، وشعرية ينهض بالكشف عنها النقد الأدبي في النص المطبوع.
ومعناه أن النقد التكويني يبحث في العملية الإبداعية في حال نشوئها وتطورها في مجال الإبداع حتى تخرج إلى الوجود، عندئذ ومنذ " هذه اللحظة تخرج من المجال التكويني لما قبل النص وتدخل في تاريخ النص"[5] فهو إذن يمارس في مرحلة ما قبل النص ليدرس مصادر العمل الأدبي، ثم يعمل على تحليل المسودات، ليصل إلى رؤية نهائية لما قبل النص، ثم ينتقل ليقابل مرحلة النص بما قبل النص ليحدد موضع الشعرية بالضبط، ومن ثم " يمكِّننا من أن نستخلص من هذا التقصي بعض المؤشرات المتعلقة بعبقرية وذوق الكاتب وعلى مزاج ووساوس الفنان"[6] وهذا أمر مشروع جدا لاسيما عندما نعرف أن المبدعين يقرون بدور "التنقيح" في إكساب النص جماليته، وعلى سبيل المثال نقرأ في الشعر القديم الوصف الدقيق لهذه الحقيقة  التي عبر عنها غير واحد من الشعراء في الجاهلية كما يتضح من قول عدي بن الرقاع:
  وقصيدة قد بـت أجمع بيـنها     حتى أقوِّم ميلها و سنـادها
  نظر المثقف في كعوب  قناته      حتى يقـيم ثـقـافه منآدها
 ومن قول كعب بن زهير:
  فمن للقوافي شأنها من يحوكها   إذا ما ثوى كعب وفوز جرول

  كفيتك لا تلقى من الناس واحدا   تنخل منها مثل مـا  يتنـخل

ففي هذه الأبيات وصف دقيق للعملية النقدية التي يمارسها المبدع على عمله الشعري قبل أن يذيعه في الناس، تحدد على الأقل عملية الجمع والترتيب( قد بت أجمع بينها)  وعملية التنقيح والنقد الذاتي(تنخل منها مثل ما نتنخل)، وقد اشتهر بهذه الممارسة النقدية زهير حتى سميت مدرسته بمدرسة الصنعة، ولاشك أن عملية التقويم وعملية الجمع بين الأبيات ثم عملية التنخيل والتصفية للأبيات الشعرية هي التي تمهد للممارسة النقدية التي ينبثق عنها بعد النضج النظريات النقدية الثابتة.


[1] ـ مجموعة من المؤلفين : مدخل إلى مناهج النقد  الأدبي : 52،56
[2] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين  : م س : 407
[3] ـ مجموعة من المؤلفين : مدخل إلى مناهج النقد : 29
[4] ـ جان إيف تادييه : النقد الأدبي في القرن العشرين: 408
[5] ـ  مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س 33
[6] ـ جان إيف  تادييه : م س394

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني    كن أول من يقيّم

مبررات النقد التكويني:  يبرر هذا النقد وجوده ومنهجه بكون فهم العمل الأدبي في حال اكتماله مرهونا بفهم المراحل التي مر بها حتى استقام عوده، لأن: " العمل الأدبي عند اكتماله المفترض يظل حصيلة عملية تكونه"[1] ولأنه يحتمل في حال البحث عن سر الشعرية أن يتبين أن "هناك شعرية خاصة بالمخطوطات الإبداعية وشعرية خاصة بالنص"[2] ، وتتوقف الثانية على  ما يبذله المبدع من تنقيح للنصوص بغرض تلبية المتطلبات الجمالية والاجتماعية والنفسية وعلى سبيل المثال نجد " شاتوبريان يحذف جملة رائعة من كتاب عبقرية المسيحية لأنه سبق واستخدمها"[3]
و يحدد أحد النقاد أهداف النقد التكويني   بقوله : " ونقد التكوين يهدف إلى تعرية العمل العقلي الذي يخرج منه الأثر الأدبي والعثور على قوانينه، أما غاية هذه الدراسة فهي تحديد تطور الآلية العقلية للكتاب وملاحظة نشاط الفكر وطرائق إبداعه الحسي[4]
 
نوعا النقد التكويني :
 يميز غوستاف رودلر بين نوعين من النقد التكويني يختص كل منهما بمرحلة من مراحل العملية الإبداعية الكبرى،  هما النقد الخارجي والنقد الداخلي[5]؛  لأن الأول يجمع شهادات الكاتب وشهادات أصدقائه ويفتش في المراسلات، فمراسلات بعض الكتاب مثل فلوبير تقدم عدة تواريخ للكتابة، ويبحث التصحيحات  والغايات، وهذا النقد يهتم أيضا بمصادر المادة الإبداعية من لغة وأفكار وعواطف، ولا يخفي أهمية نقد المصادر في مرحلة من مراحل عمر النقد، ذلك أنه بوقوفنا على ما يفعله الكاتب بالأدوات المستعارة يمكننا  تمييز طبيعته   ومنحدر عبقريته بشكل أفضل.
 أما النقد الداخلي فيبدأ بمعرفة المخطوطات التي تؤمن فكرة النص، أي الانبثاق الأول و(الروتوش) إذا أردنا أن نفرز منها المعاني الثابتة وتساعدنا في معرفة الميول والحالات اللاواعية التي يمر بها الفنان ، ومن ناحية أخرى فإن المسودات تكون مفيدة بمقدار ما تكون عديدة ومصححةـ تساعد في تاريخ أجزاء ومجمل العمل[6]
 
2ـ النقاد الغربيون الذين أثاروا المشكلة :
يعود التفكير في العملية الإبداعية في حال ولادتها عند الغرب  الحديث فيما يبدو إلى منهجي النقد النفسي والاجتماعي ثم الشعرية[7]، على أن هذا لا يمنع من القول أن كافة فروع النقد تؤازر النقد التكويني[8] ، إذ أن البحث في عملية الخلق الفني بالمفهوم الذي يقصده النقد التكويني كانت الشغل الشاغل للنقد النفسي : لاسيما ما يتعلق بتفسير خطوات العملية الفنية[9]، ويبدو أنه منذ بداية القرن التاسع عشر أخذت ثنائية المخطوط بمعناه القديم الذي يستهدف تحقيق النص من خلال مخطوطاته والحديث الذي يهدف إلى بحث مراحل تكونه من خلال مسوداته تفرض نفسها في النقد الغربي، وفي ضوء المنهج التاريخي بالضبط، ففي هذه الفترة ذاتها بدأ الغرب يهتمون "بأدوات إبداعهم الخاصة فأخذوا يحفظون مخطوطات عملهم ، وعوضا عن إتلافها بعد طباعة الكتاب، أوصوا بها للمكتبات العامةأو الخاصة، وقد بدأت هذه الحركة في ألمانيا منذ أواخر القرن الثامن عشر ثم توطدت في فرنسا في الثلاثينيات من القرن الماضي لتنتشر بعد ذلك في معظم الدول الأوروبية"[10]
على أن الاهتمام بما قبل الكتابة وبصحة المخطوط كان موضع التقدير عند النقاد العرب لاسيما ابن سلام في مشكلة الانتحال، و ابن قتيبة في الحالات النفسية وابن طباطبا في تهيئة الأدوات، كما سيتبين من بعد، كما كان موضع اهتمام النقد النفسي وبعض النقاد الغربيين مثل   بول فاليري ( 1871ـ 1954) الذي يبدو أنه"  لا يكاد يهتم   بالعمل الفني  ولكن بعملية الخلق وحدها وهو يبدو مقتنعا بتحليل عملية الخلق بوجه عام"[11] كما نجد فكرة البحث في الخلق الفني تتكرر عند  توماس إليوت : إذ أ ن" نظرية إليوت المتعلقة بالشعر تبدأ بسيكولوجية الخلق الشعري"[12]


[1] ـ مجموعة من المؤلفين : مدخل إلى مناهج النقد : 29
[2] ـ جان إيف تادييه : النقد الأدبي في القرن العشرين: 408
[3] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : 402
[4] ـ  جان ايف تادييه jeane yves tadie   نادييه : النقد الأدبي في القرن العشرين : 396 ترجمة د/ قاسم المقداد / منشورات وزارة الثقافةـ المعهد العالي للفنون المسرحية دمشق 1993
[5] ـ جان ايف تادييه : م  س   : 397
[6] ـ  النقد الأدبي في القرن العشرين : م س: ص 397
[7] ـ النقد  الأدبي في القرن العشرين : م س 393
[8] ـ النقد الأدبي  في القرن العشرين :398
[9] ـ ولبر سكوت : تعريفات بمداخل النقد الأدبي  الخمسة : ضمن : مقالات  في النقد  لإبراهيم حمادة  م س :  56
[10] ـ مدخل إلى مناهج النقد  الأدبي : 17ـ 18
[11] ـ رنيه ويلك : اتجاهات النقد الرئيسية في القرن العشرين:  مقال : ضمن كتاب :  مقالات في النقد  الأدبي : 166 ترجمة إبراهيم حمادة / دار المعارف / مصر
[12] ـ نفسه : 167

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني1    كن أول من يقيّم

ومع أن من النقاد من يرى أن "عملية الإبداع تمر بأطوارأعظمها طوران : طور الأزمة النفسية وطور الأزمة النصية. ولا يسمى الشعر شعرا آلا إذا اجتاز المبدع عقبة الأزمة النصية وسجل أثرها في حصيلة من الكلام السامي هو الذي نسميه قصيدة أو قطعة أو نتف أو نصا شعريا عموما فعملية الإبداع بالاستتباع تبدأ قبل النص وتكتمل بالنص"[1].
فإن ما يهمنا هو  البحث الجاد في مشكلات هذا المنهج، فما هي خطوات أو مراحل هذا المنهج؟
 
 مراحل تكون النص  الإبداعي :
هناك اتفاق بين النقاد في المراحل النقدية التي يجريها النقاد في هذا النقد فبينما يحدد غوستاف رودلر ثلاث مراحل أساسية في منهج النقد التكويني من وجهة نظره هي  ( كشف المواد الأولية التي يتكون منها النص، من معطيات حسية وعواطف وأفكار، ثم تحديد الأدوات والعناصر الأولية مثل الفكرة المولدة للنص، ثم بحث طرائق التكوين  وتشمل قيودا خارجية كالشكل والنوع  ومنطقا داخليا)[2] نجد مجموعة من المؤلفين المشتركين في كتاب : " مدخل إلى مناهج النقد الأدبي"[3] يحددون له أربع مراحل هي ( مرحلة ما قبل الكتابة، ومرحلة الكتابة،  ومرحلة ما قبل الطباعة ومرحلة الطباعة ولكن كل مرحلة  تتضمن عدة أطوار أوخطوات أو إجراءات وهذه المراحل هي :
أـ مرحلة ما قبل الكتابة:وهي مرحلة الملف الاستكشافي) وقد تستمر أحيانا خمسة عشر يوما من التفكير[4] وتشمل إجراءين؛ خطوة الاستكشاف وخطوة القرار والشروع في الكتابة بوضع البرنامج والخطة ويسمى نقدها بالنقد الخارجي[5] .
ب ـ مرحلة الكتابة: وتعد هذه المرحلة مرحلة التنفيذ الفعلي للمشروع، وتحدد مصير جوهر الفن وهو في حالة المخطوطة إذ قد تعاد الصفحة الواحدة خمس أو عشر مرات،[6] وتشمل عدة خطوات هي:طور وضع الملف الوثائقي الذي يتضمن مخطط الكتابة، خاصة عندما يتعلق الأمر بإبداع سردي يتطلب معرفة الشخصيات والحوادث والأماكن والزمان...، وطورمسودات العمل لأن العمل الإبداعي يتحدد مصير جوهره في هذه المسودات،التي قد تعاد كتابتها مرات يختلف بعضها عن بعض اختلافا يهمنا كثيرا في معرفة العوامل النفسية والاجتماعية والفنية والسياسية المتحكمة في النص،وطور التحرير العشواءي فقد نجد في هذ الطور مقاطع قصصية متناقضة وقوائم كلمات ينبغي إدخالها في النص[7]، وقد يبين ذلك أن الكتابة تمر بمرحلة الارتجال والعشوائية[8]  وطور التنقيح والنقد الذاتي أي التبييض  فيقل الشطب والإضافة وهكذا نرى النص الوليد يبدأ بالظهور تدريجيا من خلال التخلص من فوضى المسودات، ويأخذ النص شكله المحبك[9].
ج ـ مرحلة ماقبل الطباعة: وتشمل طور المخطوط النهائي البيضوي ومخطوط الناسخ  بغير يد الكاتب كالضرب على الآلة الراقنة أو الكتابة على الحاسوب،ونسخ التجربة الطبيعية ثم النص الصالح للطباعة.
د ـ مرحلة الطباعة: وهي المرحلة التي تخرج فيها القصيدة أو الرواية من المجال التكويني لما قبل النص لتدخل مجال تاريخ النص وذلك بعد أن يوقع المؤلف بعبارة (صالح للطباعة ) .


[1] ـ محمد الهادي الطرابلسي: مصغدر الخطاب الشعري المعاصر:        59خـ 591 ضمن كتاب : دورة أبو القاسم الشابي : : أبحاث الندوة ووقائعها:  مؤسسة جائزة عبد العزيز السعود البابطين للإبداع الشعري 1996/ الكويت
[2] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين: ترجمة قاسم أمين : ص : 398ـ 399
[3] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي: ص 23 : ترجمة رضوان ظاظا / علم الكتب / الكويت / 1997
[4] ـ فلوبير مكث مرة 15 يوما وهويحلم بقصته  دون أن يكتب أي شيء،  وحين اكتملت   في ذهنه بدأ في المخطط/ مدخل إلى مناهج النقد  ص 27
[5] ـ  مدخل إلى مناهج النقد : ص 49
[6] ـ مد خل إلى مناهج النقد الأدبي : ص 29
[7] ـ مدخل إلى  مناهج النقد  م س 29
[8] ـ  مدخل إلى مناهج النقد  م س 29
[9] ـ  نفسه : 30

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني2    كن أول من يقيّم

الإجراءات النقدية الأساسية في النقد التكويني:
تلك هي المراحل التي يمر بها النص، و لكن النقد التكويني لايتوقف هنا بل يبين إجراءات النقد، التي تمر بخطوات تبدأ من جمع آثار النص بكل مخطوطاته الأولية والنهائية ثم تصنيفها وفك رموزها وتحقيقها ثم دراستها وفق منهج  نفسي أو اجتماعي أو لساني أو جمالي.
هذه الإجراءات تمر هي الأخرى بمراحل أربع  يمكن تسميتها بمراحل نقد النص وتحليل المسودات ، مقابل المراحل السابقة التي هي مراحل إنتاج النص. وهذه المراحل هي هويته[1] :
1ـ مرحلة إعداد الملف: وفيه تجمع الوثائق المكتوبة بخط اليد أو وسائل أخرى، أو بخط ناقل  يجب التحقق من هويته
 2ـمرحلة تحديد أنواع الوثائق بحسب مراحلها من مرحلة التوثيق إلى مرحلة ماقبل الكتابة إلى مرحلة الكتابة مع الاهتمام أكثر بالمسودات التي تمثل مركز تكون العمل الأدبي.
3ـ مرحلة التصنيف التكويني :  وهنا ينصب الاهتمام على المقارنة بين المسودات صفحة صفحة كي يتم الوقوف على  الفروق بين تلك النسخ على محور التبادل ومحور الترابط والتسلسل ، ومنه نخرج بصورة عما كان عليه العمل الأدبي بمجمله في كل طور من أطوار تكونه.
4ـ فك الرموز والتدوين:  وهو ما يسمح بحل مشكلات الشطب والتعويض
 
الاستفادة من المناهج المختلفة في قراءة المسودات وتحليلها:
 من الطبيعي أن يكون الهدف من كل ما سبق هو قراءة المسودات للاستفادة منها من جهة العوامل النفسية والعوامل التاريخية والاجتماعية والفنية التي تعمل عملها في إحداث تغييرات على المسودة الأولى مرات قد تصل إلى خمس عشرة مرة، فمنهج النقد التكويني يصر على أن" المسودات توضح البيئة النفسية والاجتماعية والثقافية أكثر مما تكشف عنها السيرة[2]
ولذلك يرى أصحاب المنهج التكويني أنه بالإمكان استخدام المناهج التالية:
1ـ المنهج النفسي:  من المعلوم أن النص النهائي لا يعطي للمحلل النفسي سوى فرص محدودة لقراءة " التداعي الحر للأفكار" الذي يسمح بالتأويل أما المسودات فقد تشكل فرصة للمفسر عن طريق الوقوف على الكلمات المتداولة على محور الانتقاء لمعرفة الأسرار النفسية التي تدفع إلى ذلك فالتشطيبات تبدو وكأنها تستدعي مفاهيم تحليلية نفسية وخطاب اللاوعي والرقابة[3]، ذلك لأن " وراء زلة اللسان هناك علاقة بين الارتجال والشطب [4]،   كما تعطيه فرصا لمعرفة أسرار الجمل والتراكيب المتعاقبة على محور الترتيب وهنا نتساءل : هل يمكن اعتبار ما قبل النص ذاتا حقيقية تعادل المريض، وعلى العموم فإن " العثور في ما قبل النص على قطع إضافية توضح لوحة اللاوعي المجزأة"[5]
2ـ نظرية الشعرية: لما كانت نظرية الشعرية تهدف إلى الوقوف على شعرية الشعر وأدبية الأدب عن طريق تطبيق البلاغة على الأدب[6] فإن النقد التكويني من شأنه ـ حين يقدم صورة لمراحل تكون النص عن طريق تفحص مسوداته ـ أن يعين على الوقوف على ما يحدث من تبدلات وتغيرات على مستوى محوري العملية الإبداعية؛ محور الترابط والتعاقب ومحور التبادل،" حيث كل تفصيل قد أعيد التفكير فيه وتم تغيير موقعه وأعطي شكلا سرديا"[7]، وإذا كان النقد التكويني يتساءل حول " سر الصنعة وعملية الإبداع ودينامية الكتابة"[8] فإن الإجابة ستصب حتما في مجال الشعرية، بحيث يمكن لشعرية المسودات أن تجعل التغيرات منتظمة وتبين الانتقال من الاعتباطية إلى البنية"[9].
 3ـنظرية النقد الاجتماعي: يستمد النقد التكويني علاقته بالنقد الاجتماعي بمختلف نظرياته من جهة كون النص في مرحلة تكونه" تغذيه الصيغ الجاهزة للخطاب الجماعي وملزماته وافتراضاته المسبقة، إذ لايوجد علم دلالة فطري ولالغة جديدة، وإنما توجد دوما دلالات موروثة عن الأبوين، عن المعلمين، وعن رفاق الصف  والطبقة الاجتماعية"[10] إن النقد التكويني هنا يعنى ـ أساسا ـ بأثر المحيط والبيئة في سيرورة النص.


[1] ـ مدخل إلى  مناهج النقد : م س : 35
[2] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س : 409
[3] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 412
[4] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 413
[5] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س : 48
[6] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 421
[7] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س 49
[8] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س 56
[9] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س : 410
[10] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي م س : 55

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني3    كن أول من يقيّم

النقد التكويني عند العرب:
 
لقد رأينا أن مصطلح  النقد التكويني يطلق على ذلك النقد الذي يعنى بالعملية الإبداعية وهي في مرحلة النشوء والنمو،  ويعد أحد المناهج النقدية الجديدة عند الغربيين فهو وليد تطور البحث العلمي والنقدي في الغرب الحديث، فهل كانت له جذور عند العرب في تاريخهم النقدي الغني الذي كان يغطي جهود البشرية في دورة العرب الحضارية التي تتوسط الحضارة الغربية القديمة فيما قبل المسيح والحديثة التي استيقظت في القرن السادس عشر الميلادي حينما بدأت الحضارة الإسلامية تسقط لأسباب مختلفة ليس هذا موضع إثارتها؟
 قبل كل شيء ينبغي أن نتسرع بعض الشيء لنقول إن الفحص الأولي لتاريخ النقد عند العرب يكشف عن وجود نوع واحد من النقد التكويني هو النقد الداخلي الذي يهتم بالتنقيح، أما النقد الخارجي الذي يهتم بجمع المخطوطات للنظر في مراحلها ومصادر ما دتها فهذا يبدو غير موجود على مستوى النقد الأدبي، غير أن هناك ملاحظة لابد منها وهي أن بعض النقاد العرب أشاروا لمرحلة ما قبل الشروع في الإبداع أي مرحلة تنمية الشاعرية لدى الناشئة من الموهوبين من الشباب، كما أن بعض الأشعار تتضمن إشارات واضحة لمرحلة التنقيح والنقد الذاتي مما يكشف عن شعورهم بوجود مرحلة في الإبداع يغلب عليها الارتجال والفوضى.
 
وهذا نص الناقد العربي القديم ابن طباطبا نعرضه عبر المراحل التي يتصورها من مرحلة تحصيل الأدوات، إلى مرحلة تمخيض المعنى ثم مرحلة البناء والكتابة ثم مرحلة المراجعة والتنقيح ثم مرحلة العرض والإنشاد :
مرحلة إعداد الأدوات وهذه تتداخل في النقد التكويني عند الغربيين مع  ( النقد التكويني الخارجي) الذي يعنى عندهم بشهادات الكاتب وأصدقائه ومراسلاته وتاريخ الكتابة كما يهتم بانتقاء وتملك المصادر الشعرية ليحدد منحدر أفكاره ومنهجه [1] ، أما في تاريخنا النقدي فيتجلى في قول ابن طباطبا: " وللشعر أدوات يجب إعدادها قبل مراسه وتكلف نظمه.فمن تعصت عليه أداة من أدواته،لم يكمل له ما يتكلفه منه،وبان الخلل فيما ينظمه، ولحقته العيوب من كل جهة.
فمنها:التوسع في علم اللغة ،والبراعة في فهم الإعراب،والرواية لفنون الآداب،والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم،ومناقبهم ومثالبهم،والوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر، والتصرف في معانيها في كل ما قالته العرب فيه،وسلوك مناهجها في صفاتها ومخاطباتها وحكاياتها وأمثالها،والسنن المستدلة منها.وتعريضها وتصريحها،وإطنابها وتقصيرها وإطالتها وإيجازها،ولطفها وخلابتها وعذوبة ألفاظها،وجزاالة معانيها وحسن مباديها،وحلاوة مقاطعها وإيفاء كل معنى حظه من العبارة،وإلباسه ما يشاكله من الألفاظ حتى يبرز في أحسن زي وأبهى صورة،واجتناب ما يشينه من سفساف الكلام وسخيف اللفظ والمعاني المستبردة،والتشبيهات الكاذبة،والإشارات المجهولة والأوصاف البعيدة،والعبارات الغثة،حتى لا يكون متفاوتا مرقوعا، بل يكون كالسبيكة المفرغة،والوشى المنمنم والعقد المنظم،واللباس الرائق فتسابق معانيه ألفاظه،فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السمع بمونق لفظه،وتكون قوافيه كالقوالب لمعانيه،وتكون قواعد للبناء يتركب عليها ويعلو فوقها،فيكون ما قبلها مسوقا إليها،ولا تكون مسوقة إليه قتقلق في مواضعها ولا توافق مايتصل بها،وتكون الألفاظ منقادة لما تراد له غير مستكرهة ولا متعبة، لطيفة الموالج، سهلة المخارج.وجماع هذه الأدوات كمال العقل الذي به تتميز الأضداد،ولزوم العدل وإيثار الحسن واجتناب القبيح،ووضع الأشياء مواضعها"[2].
الشاعر وبناء القصيدة
 مرحلة بناء القصيدة: "فإذا اراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا،وأعد له مايلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه،والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه.فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرويه أثبته،وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه،بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه،على تفاوت ما بينه وبين ما قبله،فإذا كملت له المعاني،وكثرت الأبيات وفق بينها بأبيات تكون نظاما لها وسلكا جامعا لما تشتت منها،ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه ونتجته فكرته، فيستقصى انتقاده ويرم ما وهي منه، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية، وإن اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول،وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المختار الذي هو أحسن، وأبطل ذلك البيت أو نقض بعضه، وطلب لمعناه قافية تشاكله، ويكون كالنساج الحاذق الذي يفوف وشيه بأحسن التفويف ويسديه وينيره،ولا يهلهل شيئا منه فيشينه، وكالنقاش الرفيق الذي يصغ الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه، ويشبع كل صبغ منها حتى يتضاعف في العيان، وكناظم الجوهر الذي يؤلف بين النفيس منها والثمين الرائق، ولايشين عقوده، بأن يفاوت بين جواهرها في نظمها وتنسيقها.


[1] ـ مدخل إلى مناهج النقد : م س   ص 49ـ 50
[2] ـ عيار الشعر: ص: 4 / تحقيق طه الجابري ومحمد زغلول سلام ط/ 1956/ المكتبة التجارية / القاهرة

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني4    كن أول من يقيّم

وكذلك الشاعر إذا أسس شعره على أن يأتي فيه بالكلام البدوي الفصيح لم يخلط به الحضري المولد، وإذا أتى بلفظة غريبة أتبعها أخواتها، وكذلك إذا سهل ألفاظه لم يخلط بها الألفاظ الوحشية النافرة الصعبة القيادة، ويقف على مراتب القول والوصف في فن بعد فن، ويعتمد الصدق والوفق في تشبيهاته وحكاياته ويحضر لبه عند كل مخاطبة ووصف، فيخاطب الملوك بما يستحقونه  من جليل المخاطبات، ويتوقى حطها عن مراتبها، وأن يخلطها بالعامة، كما يتوقى أن يرفع العامة إلى درجات الملوك، ويعد لكل معنى ما يليق به، ولكل طبقة ما يشاكلها حتى تكون الاستفادة من قوله في وضعه الكلام مواضعه أكثر من الاستفادة من قوله في تحسين نسجه وإبداع نظمه. ويسلك منهاج أصحاب الرسائل في بلاغتهم، وتصرفهم في مكاتباتهم، إن للشعر فصولا كفصول الرسائل،فيحتاج الشاعر إلى أن يصل كلامه على تصرفه في فنونه صلة لطيفة، فيتخلص من الغزل إلى المديح، ومن المديح إلى الشكوى، ومن الشكوى إلى الإستماحة، ومن وصف الديار والآثار إلى وصف الفيافي والنوق، ومن وصف الرعود والبروق إلى وصف الرياض والرواد، ومن وصف الظلمان والأعيار إلى وصف الخيل والأسلحة، ومن وصف المفاوز والفيافي إلى وصف الطرد والصيد ومن وصف الليل والنجوم إلى وصف الموارد والمياه والهواجر والآل، والحرابي والجنادب،ومن الاستعتاب والاعتذار،ومن الإباء والاعتياص إلى الإجابة والتسمح، بألفاظ تخلص وأحسن حكاية، بلا انفصال للمعنى الثاني عما قبله، بل يكون متصلا به وممتزجا معه، فإذا استقصى المعنى وأحاطه بالمراد الذي إليه يسوق القول بأيسر وصف وأخف لفظ لم يحتج إلى تطويله وتكريره"[1].
   
مرحلة الإخراج :" فينبغي للشاعر في عصرنا أن لايظهر شعره إلا بعد ثقة بجودته وحسن سلامته من العيوب  التي نبه عليها  وأمر بالتحرز منها، ونهى عن استعمال نظائرها، ولايضع في نفسه أن الشعر موضع اضطرار، وأنه يسلك سبيل من كان قبله ويحتج بالأبيات التي عيبت على قائلها فليس يقتدى بالمسيء وإنما الاقتداء بالمحسن وكل واثق فيه يجل له إلا القليل ولا يغير على معاني الشعر فيودعها شعره ويخرجها في أوزان مخالفة لأوزان الأشعار التي يتناول منها ما يتناول، ويتوهم أن تغييره للألفاظ والأوزان مما يستر سرقته، أو يوجب له فضيلة، بل يديم النظر في الأشعار التي قد اخترناها لتلصق معانيها بفهمه وترسخ أصولها في قلبه وتصير مواد لطبعه، ويدرب لسانه بألفاظها، فإذا جاش فكره بالشعر أدى إليه نتائج ما استفاده مما نظر فيه من تلك الأشعار فكانت تلك النتيجة كسبيكة مفرغة من جميع الأصناف التي تخرجها المعادن وكما قد اغترف من واد قد مدته سيول جارفة من شعاب مختلفة ... ويذهب في ذلك إلى ما يحكي عن خالد بن عبد الله القسري فإنه قال : حفظني أبي ألف خطبة ثم قال لي : تناسها فتناسيتها فلم أرد بعد ذلك شيئا من الكلام إلا سهل علي فكان حفظه لتلك الخطب رياضة لفهمهه، وتهذيبا لطبعه، وتلقيحا لذهنه ، ومادة لفصاحته، وسببا لبلاغته ولسنه وخطابته"[2]
ما الذي طرحه ابن طباطبا في كتابه بخصوص العملية الإبداعية ومراحلها؟
إنه يعرض في الحقيقة مراحل تكوين النص  وهي :
 
1ـ مرحلة الإعداد للشاعرية : وهذه المرحلة يحتاج فيها إلى صقل الموهبة، وهذه المرحلة ضرورية لكل مبتدئ لأنها تمكنه من التدريب حين تعينه على الحفظ، إذ يكون " حفظه لتلك الخطب رياضة لفهمهه، وتهذيبا لطبعه، وتلقيحا لذهنه ، ومادة لفصاحته، وسببا لبلاغة  لسانه وخطابته"[3]
 وذلك حين  : "  يديم النظر في الأشعار التي قد اخترناها لتلصق معانيها بفهمه وترسخ أصولها في قلبه وتصير مواد لطبعه، ويدرب لسانه بألفاظها، فإذا جاش فكره بالشعر أدى إليه نتائج ما استفاده مما نظر فيه من تلك الأشعار فكانت تلك النتيجة كسبيكة مفرغة من جميع الأصناف التي تخرجها المعادن وكما قد اغترف من واد قد مدته سيول جارفة من شعاب مختلفة ... ويذهب في ذلك إلى ما يحكي عن خالد بن عبد الله القسري فإنه قال : حفظني أبي ألف خطبة ثم قال لي : تناسها فتناسيتها فلم أرد بعد ذلك شيئا من الكلام إلا سهل علي فكان حفظه لتلك الخطب رياضة لفهمهه، وتهذيبا لطبعه، وتلقيحا لذهنه ، ومادة لفصاحته، وسببا لبلاغة لسانه وخطابته"[4]
 
  مرحلة إعداد الأدوات : أي مرحلة ما قبل الكتابة والممارسة" وللشعر أدوات يجب إعدادها قبل مراسه وتكلف نظمه.فمن تعصت عليه أداة من أدواته، لم يكمل له ما يتكلفه منه، وبان الخلل فيما ينظمه، ولحقته العيوب من كل جهة"[5] وهذه الأدوات أنواع كثيرة ومتشعبة منها:
أـ التوسع في العلوم اللغوية، وهو محق في ذلك إذ أن الشعر في نهاية الأمر ينجز بعد تمخض المعنى بالإمكانيات اللغوية فبغير ذلك يظل المعنى نثرا أو كلاما  فالذي يمنحه الشاعرية هو إتقان الأدوات الفنية اللغوية لاسيما ما يتعلق بالصواب وما يتعلق بالتصوير والمجاز والموسيقى، لذلك يؤكد على "التوسع في علم اللغة ، والبراعة في فهم الإعراب"[6]


[1] ـ عيار الشعر م س 5ـ7
[2] ـ عيار الشعر:  م س / 9ـ 10
[3] ـ ابن طباطبا : عيار الشعر :10 م س
[4] ـ عيار الشعر :10
[5] ـ عيار الشعر :ص 4
[6] ـ عيار الشعر : 4

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني5    كن أول من يقيّم

ب ـ حفظ الأشعار والاطلاع الواسع  : وهدفه هو تكوين النماذج الذهنية التي تنمي لدى الشاعر ا القدرات التعبيرية المناسبة للنمط الفني الذي يمثل نموذج تلك الأمة التي أنشئ فيها ذلك الشاعر إذ لا يستطيع الشاعر المبتدئ إلا أن يمر بالتقاليد الفنية المراعاة في قومه ليبني عليها أولا ثم لا بأس بعد أن تستوي لديه الأدوات التعبيرية أن يبدع وعندئذ سيكون إبداعه مقبولا في الوسط القومي الذي ينشده فيه  لذلك يسوق  ابن طباطبا: ضمن الأدوات  " الرواية لفنون الآداب،والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم،ومناقبهم ومثالبهم،والوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر، والتصرف في معانيها في كل ما قالته العرب فيه، وسلوك مناهجها في صفاتها ومخاطباتها وحكاياتها وأمثالها،والسنن المستدلة منها.وتعريضها وتصريحها، وإطنابها وتقصيرها وإطالتها وإيجازها، ولطفها وخلابتها وعذوبة ألفاظها، وجزاالة معانيها وحسن مباديها، وحلاوة مقاطعها وإيفاء كل معنى حظه من العبارة، وإلباسه ما يشاكله من الألفاظ حتى يبرز في أحسن زي وأبهى صورة، واجتناب ما يشينه من سفساف الكلام وسخيف اللفظ والمعاني المستبردة، والتشبيهات الكاذبة، والإشارات المجهولة والأوصاف البعيدة ،والعبارات الغثة، حتى لايكون متفاوتا مرقوعا، بل يكون كالسبيكة المفرغة، والوشي المنمنم والعقد المنظم، واللباس الرائق فتسابق معانيه ألفاظه، فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السمع بمونق لفظه، وتكون قوافيه كالقوالب لمعانيه، وتكون قواعد للبناء يتركب عليها ويعلو فوقها،فيكون ماقبلها مسوقا إليها، ولا تكون مسوقة إليه قتقلق في مواضعها ولا توافق مايتصل بها، وتكون الألفاظ منقادة لما تراد له غير مستكرهة ولا متعبة، لطيفة الموالج، سهلة المخارج"[1]
ج ـ الفكرة الناضجة، والغريب أن ابن طباطبا يجعل النضج الفكري هو أساس كل عملية إبداعية فعنده "جماع هذه الأدوات كمال العقل الذي به تتميز الأضداد،ولزوم العدل وإيثار الحسن واجتناب القبيح، ووضع الأشياء مواضعها".
 
 3ـ مرحلة الكتابة الأولية :
وتبدأ بتمخيض المعنى في النفس والفكر ثم البحث عن الشكل المناسب من لفظ ووزن وقافية موافقة ثم المزاوجة بين المعانى والشكل أي التوفيق بين المباني والمعاني ، لكن هذه المرحلة في نظره ليست هي مرحلة الاهتمام بالترتيب والتنسيق بين الأبيات، إنما هي مرحلة التعبير عن المعاني الممخضة في النفس والتي يغلي بها الوجدان وتقذفها المشاعر لترتمي على اللسان فيعطيها صورتها الأولية كمادة غير منسقة. وكأن ابن طباطبا يفترض أن القصيدة تمر هنا بمرحلة  المنطق الشعري وهو بالتأكيد غير المنطق العقلي الذي يتطلب الترتيب والتنسيق، فهذا منطق الشعر الذي يقوم على القذف كالبركان لايعرف نظاما ولا له وقت للنظام يقول ابن طباطبا : " فإذا اراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا،وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه،والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه.فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرويه أثبته، وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه،بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه،على تفاوت ما بينه وبين ما قبله"[2]
هل يمكن أن نعد هذه المرحلة مرحلة الارتجال التي قد يسميها ابن قتيبة بالشعر المطبوع، الذي يجيء عن سماحة وغريزة،[3]،   وهي التي يرى بعض الغربيين أنها تعيد إلى الأذهان مفهوم الاعتباطية[4]
 4ـ مرحلة التأليف والتنسيق: وهي مرحلة التوفيق بين الأبيات لجمع شتاتها وترتيبها وفق منطق العقل بعد أن تمت كتابتها في المرحلة التعبيرية الإنجازية، وفق منطق بركاني لا يعرف النظام، فهذه المرحلة إذن مرحلة الحضور المنطقي الذي يقتضي الترتيب  فيقول ابن طباطبا: "فإذا كملت له المعاني، وكثرت الأبيات وفق بينها بأبيات تكون نظاما لها وسلكا جامعا لما تشتت منها"[5]
   ويؤكد هذه الفكرة في موضع آخر مشبها عمل الشعر من جهة التنسيق بعمل الرسالة في تنظيمها وفق منطق محكم خال من التكرار والاضطراب والفوضى فيقول " ويسلك ( الشاعر )منهاج أصحاب الرسائل في بلاغتهم، وتصرفهم في مكاتباتهم، إن للشعر فصولا كفصول الرسائل، فيحتاج الشاعر إلى أن يصل كلامه على تصرفه في فنونه صلة لطيفة، فيتخلص من الغزل إلى المديح، ومن المديح إلى الشكوى، ومن الشكوى إلى الاستماحة، ومن وصف الديار والآثار إلى وصف الفيافي والنوق، ومن وصف الرعود والبروق إلى وصف الرياض والرواد، ومن وصف الظلمان والأعيار إلى وصف الخيل والأسلحة، ومن وصف المفاوز والفيافي إلى وصف الطرد والصيد ومن وصف الليل والنجوم إلى وصف الموارد والمياه والهواجر والآل، والحرابي والجنادب، ومن الاستكانة والخضوع إلى  الاستعتاب والاعتذار، ...ومن الإباء والاعتياص إلى الإجابة والتسمح، بألفاظ تخلص وأحسن حكاية، بلا انفصال للمعنى الثاني عما قبله، بل يكون متصلا به وممتزجا معه، فإذا استقصى المعنى وأحاطه بالمراد الذي إليه يسوق القول بأيسر وصف وأخف لفظ لم يحتج إلى تطويله وتكريره"[6].


[1] ـ عيار الشعر:4ـ 5
[2] ـ عيار الشعرـ:5ـ6
[3] ـ الشعر والشعراء : 20 وانظر طه إبراهيم تاريخ النقد الأدبي  عند العرب من الصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري :119 دار الكتب العلمية بيروت  ط 2م202
[4] ـ النقد في القرن العشرين م س 408
[5] ـ عيار الشعر : 5
[6] ـ عيار الشعر :6ـ7

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني6    كن أول من يقيّم

5ـ مرحلة المراجعة والتنقيح :
 وهي مرحلة اشتهر بها  كثيرا زهير ومدرسته كما رأينا ولكن ابن طباطبا هنا يؤكدها ويبين أن الهدف منها هو أن يرم الشاعر ما وهي من قصيدته، وتشمل هذه المرحلة انتقاد الأبيات والألفاظ لتبديل ما يستحق التبديل وإبطال ما يجب إبطاله أو تثبيت ما ينبغي تثبيته مما استقام مع السياق والمقام الذي أعد العمل الإبداعي له اجتماعيا وخلقيا وواقعيا، وهنا يجب أن نتساءل ما إذا كانت هذه المرحلة هي فعلا مرحلة الشعرية، أي المرحلة التي تعطي النص أدبيته، نقول ذلك لأن الشاعر لا ينشر إبداعه على الناس ولا يذيعه قبل إنجاز هذه المرحلة في الغالب الأعم إلا إذا كان من الشعراء المرتجلين، وهؤلاء فيما يبدو من خلال كلمة ابن قتيبة التي نص فيها على ( أن الحطيئة يقول : خير الشعر الحولي المنقح المحكك، وكان زهير يسمي كبرى قصائده الحوليات )[1] غير المنقحين و المتكلفين الذين يقومون شعرهم بالثقاف وينقحونه بطول التفتيش ويعيدون فيه النظر بعد النظر[2].
   وبالجملة فإن هذه المرحلة معقدة جدا بحيث يمكن أن تكون حاسمة في الفصل بين مرحلة أدبية الأدب  ولا أدبيته  من مراحل العملية الإبداعية، حتى قال أحد النقاد " هل هناك شعرية خاصة بالمخطوطات وشعرية خاصة بالكتابة في مقابل شعرية النص "[3]وعليه فهذه المرحلة تشمل :
أـ التنقيح اللغوي والمعنوي البسيط يقول ابن طباطبا : " ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه ونتجته فكرته، فيستقصى انتقاده ويرم ما وهى منه، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية"[4]
ب ـ ضبط القوافي: يقول "  وإن اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول، وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المختار الذي هو أحسن، وأبطل ذلك البيت أو نقض بعضه، وطلب لمعناه قافية تشاكله"
ج ـ تنقيح النسج: بحيث يكون " كالنساج الحاذق الذي يفوف وشيه بأحسن التفويف ويسديه وينيره، ولا يهلهل شيئا منه فيشينه، وكالنقاش الرفيق الذي يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه، ويشبع كل صبغ منها حتى يتضاعف في العيان، وكناظم الجوهر الذي يؤلف بين النفيس منها والثمين الرائق، ولايشين عقوده، بأن يفاوت بين جواهرها في نظمها وتنسيقها"[5].
د ـ مراعاة مقتضى الحال، سواء على مستوى الحضر والبداوة أو على مستوى المكانة الاجتماعية للمخاطب، فيقول : "وكذلك الشاعرإذا أسس شعره على أن يأتي فيه بالكلام البدوي الفصيح لم يخلط به الحضري المولد، وإذا أتى بلفظة غريبة أتبعها أخواتها، وكذلك إذا سهل ألفاظه لم يخلط بها الألفاظ الوحشية النافرة الصعبة القيادة، ويقف على مراتب القول والوصف في فن بعد فن، ويعتمد الصدق والوفق في تشبيهاته وحكاياته ويحضر لبه عند كل مخاطبة ووصف، فيخاطب الملوك بما يستحقونه  من جليل المخاطبات، ويتوقى حطها عن مراتبها، وأن يخلطها بالعامة، كما يتوقى أن يرفع العامة إلى درجات الملوك، ويعد لكل معنى ما يليق به، ولكل طبقة مايشاكلها حتى تكون الاستفادة من قوله في وضعه الكلام مواضعه أكثر من الاستفادة من قوله في تحسين نسجه وإبداع نظمه"[6]
6ـ مرحلة الإعلان والقراءة على الجماهير: وهذه المرحلة هي آخر مرحلة ولذلك ينبه على خطورة ما قد يتعرض له المبدع من نقد  لذا ينبه على التأكد من الانتهاء من عملة المراجعة وما تتطلبه من تنقيح  وتنقية من الشوائب التي قد تعلق بالقصيدة لاسيما السرقات الأدبية، فيقول : "  فينبغي للشاعر في عصرنا أن لايظهر شعره إلا بعد ثقة بجودته وحسن سلامته من العيوب  التي نبه عليها  وأمر بالتحرز منها، ونهى عن استعمال نظائرها"[7]


[1] ـ ابن قتيبة : الشعر والشعراء : 12
[2] ـ ابن قتيبة : الشعر والشعراء : 12
[3] ـ  النقد الأدبي في القرن العشرين  م س : 408
[4] ـ عيار الشعر : 5
[5] ـ عيار الشعر ص : 5ـ6
[6] ـ عيار الشعر : 6
[7] ـ عيار الشعر :9

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث:نظريات النقد التكويني7    كن أول من يقيّم

 أثر ابن طباطبا في تطوير النقد التكويني في القرن الرابع:
 
لقد لاحظ إحسان عباس تحت عنوان:كيف يكون المرء كاتبا أن ابن طباطبا قد أثر في أبي حيان التوحيدي في كيفية نظم النص وإنشائه فآراؤهما في(طبيعة المعاناة الإبداعية متشابهان)[1]
على أن أبا حيان التوحيدي قد تساءل بخصوص المعاناة الإبداعية الأدبية عامة ولم يخصصها بالشعر كما فعل ابن طباطبا، ولبيان ذلك نقرأ قول أبى حيان: "فمن أوائل تلك العناية جمع بدد الكلام، ثم الصبر على دراسة محاسنه، ثم الرياضة بتأليف ماشاكله كثيرا أو وقع قريبا إليه، وتنزيل ذلك على شرح الحال؛ أن لا يقتصر على معرفة التأليف دون معرفة حسن التأليف، ثم لا يقف على اللفظ، وأن كان نازعا شيقا حتى يفلي المعنى فليا، ويتصفح المغزى تصفحا، ويفضي من حقه ما يلزم في حكم العقل، ليبرأ من عارض سقم، ويسلم من ظاهر استحالة، ويعمد حقيقته أولا ثم يؤسسه ثانيا، ليترقرق عليه ماء الصدق ويبدو منه لألاء الحقيقة"[2]
فهو يتحدث عما قبل النص أو(أوائل العناية الإبداعية)ويرسم لها المراحل التالية:
1ـ جمع بدد الكلام
2ـ الصبر على دراسة مصادر المادة الإبداعية الحسنة والمنتخبة
3ـ الرياضة بتأليف ما شاكل تلك المادة، أي ممارسة الكتابة، ويشترط في التأليف كمرحلة هامة أن لا يقتصر فيها الكاتب على معرفة التأليف والكتابة على مستواها البسيط أو الكتابة في درجة الصفر كما يقول النقاد المعاصرون، وإنما لابد من ترقية مستوى درجة الكتابة والتأليف إلى(حسن التأليف).
4ـ تجاوز مستوى الاهتمام بالشكل والصياغة إلى الاهتمام أيضا بالمعنى بحيث(يفلي المعنى فليا ويتصفح المغزى تصفحا)
5ـ يقوم بنقد النص نقدا ذاتيا قبل إعلانه في الناس فيقضي من حقه ما يلزم في حكم العقل ليبرأ من عارض سقم، ويسلم من ظاهر استحالة، ويعمد حقيقته أولا ثم يؤسسه ثانيا ليترقرق عليه ماء الصدق ويبدو منه لألاء الحقيقة) لأن الصدق مما يزيد النص قدرة على التأثير.


[1] ـ إحسان عباس : تاريخ النقد الأدبي عند العرب : 232
[2] ـ أبو حيان التوحيدي : البصائر : 3/7 وما بعدها

20 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
 56  57  58  59  60