البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صبري أبوحسين أبوعبدالرحمن

 52  53  54  55  56 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
المبحث الثالث3    كن أول من يقيّم

ثانيا: فن القصة
القصة فن أدبي نثري ازدهر في العصر الحديث لأسباب مختلفة، ولعل ازدهاره كان تابعا للتطور الاجتماعي والصناعي والثقافي الحديث، إذ لم يعرف أي فن أدبي ما عرفه هذا الفن من تطور سواء على مستوى الإنتاج الكمي أو مستوى الإنتاج النوعي أو الجودة والإتقان وقد ساعد على ذلك ارتباطه بفن السينما أكثر من أي فن آخر. وحتى إن قيل إن " أرفع نوعين من الكتابة الشعرية الملحمة والمسرحية"[1]فإن القصة لا تبارى في الانتشار في العصر الحديث.
 
تعريف: القصة حكاية نثرية طويلة تستمد من الخيال أو الواقع أو منهما معا، وتبنى على قواعد معينة من الفن الكتابي[2].
أشكالها: ويطلق مصطلح القصة  ليشمل ثلاثة ألوان هي الرواية والقصة والقصة القصيرة، ومرد تنوعها إلى عامل الطول والقصر وعدد الأحداث التي تتناولها، فالرواية هي القصة الطويلة التي قد تستغرق عدة أجزاء تتناول حقبة من الزمن بالتعرض لحياة الناس فيها وتعنى بإبراز أهم الأحداث التي يخضعون لها، ويتفاعلون معها ، فضلا عن تصوير حياة أبطالها وأجوائهم النفسية والاجتماعية وصراعهم فيما بينهم.
 والقصة  أقل من الرواية طولا وعدد أحداث، فهي تطبع في الغالب في كتاب واحد من الحجم المتوسط، لأنها تتناول حادثة رئيسية واحدة قليلة التشعب،تستغرق زمنا قصيرا نسبيا،  تتفاعل فيها شخصيات قليلة وتنتهي في زمن قصير.
 والقصة القصيرة هي ما كان أقل من القصة حجما وأحداثا وزمانا، وفي الغالب تتناول حادثة واحدة مرتبطة بشخصية واحدة أو عاطفة واحدة أو مجموعة من العواطف التي يثيرها موقف واحد[3]، ويتراوح زمن قراءتها بين خمس دقائق وعشرين دقيقة.


[1] ـنظرية الأدب م س ص: 242
[2] ـ المعجم الوسيط
[3] ـ عز الدين إسماعيل : الأدب وفنونه: 200

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث4    كن أول من يقيّم

مميزات القصة:
 تتميز القصة عموما ـ بغض النظر عن الفروق بين أنواعها ـ بالحدث أو الحكاية والوصف والتحليل والصراع بين الشخصيات، والحوار والسرد.
1ـ الحكاية مجموعة من الأحداث مرتبة ترتيبا سببيا تنتهي إلى نتيجة طبيعية لهذه الأحداث التي تدور حول موضوع معين يمثل تجربة إنسانية تتميز عن التجربة الشعرية في أنها موضوعية اجتماعية في طبيعتها بينما يغلب على الشعر التجارب الذاتية[1].
ويشترط في فن القصة البراعة في سبك الأحداث، والعمل على الحفاظ على وحدتها العضوية وذلك بمراعاة ترتيبها بصورة محكمة، وقد تتعدد أفكارها وشخصياتها حتى تخفى وحدتها على من لا تجربة له في إدراك صور التشابك بين الأفكار ومسالك الشخصيات في الرواية أو القصة، لكنها لاتخفى على من يدقق النظر ليرى وراء التعدد وحدة مركزية تتمحور حولها تلك الصور المختلفة[2].
2ـالسرد: السرد في اللغة المتابعة والموالاة، يقال سرد الحديث أي أتى به على ولاء سياق جيد، والسرد في القصة أن تأتي بأحداث القصة متوالية منسقة.، ومن صفات لغة السرد السهولة والخفة والوضوح وملاءمة المعاني.ولأهميته في الأنواع قيل: "الرواية نثر سردي تخييلي"[3]
3ـ الحبكة: ويراد بها التصميم  العام المعقول لأحداث القصة عن طريق اختيارها وتنسيقها ووضعها في نسيج فني، فيعمد الأديب إلى بداية القصة فيهيئ لها الأرضية ثُم يحرك الأحداث عبر الشخصيات ويطورها ليجعلها تشتبك وتتأزم، فيصنع العقدة، ثم يشرع في التدرج بها نحو الحل والانفراج.
4ـ الشخصيات: وهي التي تصنع الأحداث وتحققها،بل هي مدار المعاني الإنسانية والأفكار والآراء العامة، وهي نوعان؛ شخصية حية نامية تنمو وتتطور مع الأحداث والزمان، وشخصية ثابتة تكتمل صفاتها الأساسية في البداية، ولا تكون بسيطة جامدة إلا إذا كان لذلك هدف فني مقصود.
طرق عرض الشخصيات : وللكاتب في عرض شخصياته طرق مختلفة، فقد يصورها من خلال حركتها أو وصف نفسها أمام المرآة أو عن طريق الحوار أو توصف من طرف شخصية أخرى بدافع الحب أو بدافع الكراهية تبعا لأغراض الكاتب من التصوير والوصف.
 والشخصيات قد تكشف عن نفسها عن طريق عرضها لأفكارها الاجتماعية والسياسية والعاطفية والفلسفية وطبيعة فهمها للكون والحياة. وبعض الروائيين يتدخلون تدخلا مباشرا في كشف شخصياتهم فيفقدون أعمالهم موضوعية العرض التي لا تقبل المباشرة وتفضل التخفي وراء الستار دائما. وقد اتبع نجيب محفوظ في قصصه المنهج الفني الموضوعي فعرض شخصياته بما يكشف عن صراعها النفسي ونظراتها إلى القيم الاجتماعية   ومشاركتها في توجيه هذه الأحداث في حيدة تامة[4].
 وعلى العموم فإن القصة الحديثة كانت تعتمد في كشف الشخصيات على أحد منهجين:
أـ التحليل النفسي للشخصيات عن طريق تفسير كل شخصية بسلوكها وبصدى كل حدث في أعماقها، وقد يرمي الكاتب إلى استبطان الوعي الداخلي  لشخصياته.
ب ـ اعتماد الوصف الخارجي والسلوكي للشخصية، وهذا النوع من الكتاب لا يعنون بتحليل الآراء والعواطف لشخصياتهم وإنما يهتمون بالوصف الخارجي لهذه الشخصيات تاركين للقارئ فرصة التعرف على الباطن  من خلال السلوك الخارجي، فالقصة هنا تنحصر في عرض الصور والمشاعر والأفعال من الخارج[5].
 وعلى العموم فلا بد في بناء الشخصية من النظر إلى ثلاثة أبعاد أساسية هي:
ـ البعد الجسمي: متمثلا في الجنس فليس الذكر كالأنثى ولا النحيف  كالبدين ولا الطويل كالقصير ولا الأوروبي كالإفريقي والأسيوي وعلى سبيل المثال فقد كان جمال يوسف عليه السلام عاملا أساسيا في توجيه الأحداث وتطورها 
ـ البعد الاجتماعي: فليس الفقير كالغني ولا المتزوج كالأعزب ولا المتعلم كالجاهل، ولا الأسرة الأوربية أو اليهودية عليهم اللعنة  كالأسرة العربية .
ـ البعد النفسي: ويتجلى في الرغبات والميول والانفعالات والعزيمة وطبيعة الأفكار.
5ـ الزمان والمكان : القصة سرد فني للأحداث ، ولكل حدث زمان ومكان، ويطلق عليها أحيانا المجال والبيئة[6] ، ومن هنا يكتسب البعدان الزماني والمكاني أهميتهما في القصة،  وتأتي أهميتهما من حيث ارتباطهما بالعادات والتقاليد والمبادئ التي تشكل روح المجتمع في عصر القصة، بل إن المجال هو المبرر الفني لتقديم القيم الفكرية والاجتماعية التي تتحرك فيها الشخصيات، و ربط صراع الشخصيات بالمجال على نحو مقنع أساس كمال التجربة والتعمق في جذور الوعي العام للفترة التاريخية التي تكتب فيها القصة، وعلى الناقد أن يتفطن لدلالة كل من البعدين، كي يتمكن من التعمق في فهم القصة وأحداثها فهما صحيحا.
 وبعض النقاد يفرقون بين مجموعة من الأزمنة كزمن الأحداث وزمن كتابة القصة وزمن الراوي، وقد اهتم النقاد والروائيون الواقعيون بدراسة المجال أكثر من اهتمام المدرسة الرومانتيكية والجمالية والشكلية وحتى البنيوية كما سيتضح في موضعه إن شاء الله، وممن سار على هذا المنوال الكاتب المصري توفيق الحكيم في قصته "عودة الروح" التي صور فيها الوعي القومي في فترة معينة هي فترة ثورة مصر عام 1919، وحاول أن يكشف عن صدى الأحداث في وعي الشباب في تلك الفترة[7].
6ـ الفكرة: القصة تكتب لتقرر فكرة جوهرية عن طريق عرض الأحداث عرضا فنيا يقدم الفكرة مجسدة في سلوك الشخصيات وحوارها وصراعها بعيدا عن المباشرة في الطرح الخطابي الذي كثيرا ما يفسد القصص بالمباشرة المفضوحة، فالفكرة لابد لها من معادل فني موضوعي يقدمها لتقبل من طرف المتلقي بالاستحسان فتحقق الهدف، ولكن ينبغي عند ذلك التحرز من اختيار المعادل الفني غير الملائم للفكرة فيفسده، وعلى سبيل المثال فإن الكاتب السوداني طيب صالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) قد أحسن في اختيار فكرة الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارات الغربية، ولكنه فشل في اختيار المعادل الفني حين جعله مجسدا في الصراع بين الرجل العربي المنحل والنساء الأوربيات، فتحولت القصة عن هدفها السامي الذي تريده الفكرة، وحدث انفصام بين الفكرة والعاطفة والتشكيل الجمالي.
7ـ الصراع: ويقع بين الشخصيات نتيجة لاختلاف مواقفها من الأفكار والمبادئ والأشياء، وأحسن صور الصراع ما كان التوتر فيه قد بلغ ذروته، كما يتجلى في الصراع النفسي بين إخوة يوسف، وبين يوسف وامرأة العزيز. وهذا لن يتأتى بالصورة الصحيحة إلا إذا أوجد الكاتب أجواء لتصارع نوازع الشخصيات وتناقضها على ألا يضر هذا التناقض بضرورة تعاونها وتضامنها معا حتى يبرر منطقها الحيوي[8]ويتجلى ذلك في موسم الهجرة إلى الشمال إذ صيغ الصراع بين البطل العربي والبطلات الغربيات من أجل الانتقام للحضارة الإسلامية.
 ويأخذ الصراع صورا مختلفة فقد يكون ببين الحق والباطل أو بين الحاكم والمحكوم أو بين الأجيال، أو بين المستعمر والمواطن كما في الروايات الفلسطينية كلها
8ـ الحوار:هو الصياغة القولية للمواقف والآراء، وهو التعبير عن موضوع الصراع، وينبغي في دراسة الحوار أن ننظر إلى طبيعة اللغة المستعملة من جهة السهولة والعفوية وتجنب التكلف، كما ينبغي أن يكون مطابقا للواقع الذي تدور فيه الأحداث الروائية، ومتناسبا مع مستوى الشخصية التي تحاور عمقا وفلسفة وخلقا ومقاما، ولغة،  وطولا وقصرا، وأن يكون ممتعا وشيقا.ثم إن الحوار قد يكون داخليا نفسيا وقد يكون خارجيا.


[1] ـ غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث: 538ـ 539
[2] ـ نفسه : 545
[3] ـ غراهام هو : مقالة في النقد : 137
[4] ـ غنيمي / نفسه:552
[5] ـ غنيمي م س  : 554ـ 555
[6] ـ نفسه : 559
[7] ـ نفسه :560
[8] ـ نفسه : 612

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث5    كن أول من يقيّم

ثانيا:ـ طرق عرض القصة: لعرض القصة طرق مختلفة منها:
  أنها قد تبدأ من الحدث لتتقصى الأسباب كما في القصص البوليسي عادة.
       2 ـ وقد تبدأ مرتبطة  بحياة الشخصية .
3ـ ثم قد تعرض على لسان البطل ليتكلم عن نفسه وقد تعرض بلسان الكاتب، وقد تعرض على لسان الراوي.
 
ثالثا: فن المسرح
فن المسرح من الفنون القديمة التي تعرض الأفكار والمشاريع عرضا مرئيا قبل أن تظهر الشاشة السنمائية بقرون كثيرة ترجع إلى العهد اليوناني والروماني  اللذين كان المسرح عندهم أحد أهم وسائل التوعية والمتعة، ولذلك كثرت في المناطق التي استقروا فيها  أبنية المسارح، وقد سمي هذا الفن بهذا الاسم طبقا لطبيعة عرضه لأنه الأصل في توصيل الفكرة إلى الجمهور مما جعله فنا موضوعيا.
 فالمسرح فن من الفنون الأدبية  التي تعتمد في التوصيل والتأثير على التمثيل، و تشترك مع القصة في اشتمالها على العناصر الأساسية وهي الحادثة والشخصيات والحوار والسرد والفكرة، وتختلف عنها في ما يلي:
أـ تعد المسرحية أساسا للتمثيل قبل أن تعد للقراءة
ب ـ ترتكز على الحوار فيما يعد الوصف أساسا من أسس القصة
لذلك يشترط:
ـ أن يكون الحوار في المسرحية مطابقا للشخصية وأن يكون سهلا ميسورا لأن الجمهور المسرحي هو المقصود بالعرض، ومن هنا طرحت مسألة الفصحى والعامية ، وفي المسرح المصري خاصة انتصر الممثلون للعامية، فحال ذلك دون تعلم الناس للعربية الفصحى وتعودهم عليها وإلا لكانت الآن لغة  المجتمعات العربية كلها فصحى وقريبة من بعضها، ولكانت الأفكار المطروحة ذات عمق، إذ  تقدر عليه الفصحى لغناها  ولا تقدر عليه العامية، لكن اعتماد المحليات وسع من دائرة الفروق والاختلافات وكرس البساطة في الطرح والميل لمسرح اللهو.
ـ كما ينبغي مراعاة الجمل في المسرحية فإنها غير الجمل في  القصة ،إذ الجمل في المسرحية وضعت لتنطق لا لتقرأ مما يستوجب قصرها ومناسبتها للناطق بها من الشخصيات.
ـ وأن يكون موضوعيا بأن يلتزم الحياد بحيث لا تطغى ذاتية الكاتب على الأسلوب.
 
ج ـ ترتبط فيه الأحداث بالشخصيات، بحيث تتسم الحركة الخارجية للحدث مع الحركة الباطنية النفسية للشخصيات[1]
د ـ يحتوي النص على هوامش كثيرة تتعلق بوصف المشهد وكيفية إعداده وهذا أدى لاختلاف في الهيكل
هـ ـ هيكل المسرحية: للمسرحية هيكل مميز عن هيكل القصة بحيث تقسم المسرحية إلى فصول ومشاهد، فالمسرحية قد تشمل فصولا متعددة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة فصول، ويتخلل كل منها مشاهد أو مناظر، ولكل فصل غاية محددة كأن يتخصص الأول للعرض لتعريف المشاهد أو القارئ بموضوع المسرحية، بينما يأتي الفصل الثاني لتطوير الحدث نحو العقدة، ويأتي الفصل الثالث لتقديم الحل المناسب للأزمة[2]


[1]  غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث : 590
[2] ـ محمد مندور: الأدب وفنونه: 109

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الثالث6    كن أول من يقيّم

ثالثا :المقال الأدبي
 
  المقالة الأدبية قطعة نثرية محدودة الطول لها بداية ونهاية  تعالج قضية عاطفية أو اجتماعية أو سياسية مدعمة بالانفعال الوجداني والتأثير العاطفي والتصوير البياني معتمدة عنصر الإمتاع والإطراف والتشويق[1].
عناصر المقال ألأدبي:
الفكرة: ويشترط فيها القوة والوضوح
الأسلوب: وينبغي أن يكون  أدبيا بما فيه من موسيقى داخلية وتصوير بياني ولغة راقية رمزية أحيانا وإيحائية أخرى يراعى فيها تخير اللفظ ومراعاة المشاكلة في الرصف والتنسيق.
العاطفة: ويحسن أن تكون قوية قادرة على إحداث التأثير في القارئ.
 
شكل المقال: يتكون شكل المقال من المقدمة والعرض والخاتمة
1ـ المقدمة: ومن الجميل أن تكون موجزة وممهدة للموضوع، معتمدة على براعة الاستهلال وحسن الديباجة وعمق التفكير وتجنب السذاجة.
2ـ العرض: وهو التفصيلات الأساسية للموضوع وتتضمن شرح الفكرة التي مهدت لها المقدمة والبراهين والشواهد وغير ذلك من أسباب الإقناع والتأثير، ويراعى فيه التنظيم والتنسيق وإحكام الربط بين الأفكار والفقرات، بأن تكون شديدة الإحكام متسلسلة العرض كالقصة في تسلسلها وإحكامها وتشويقها حتى تصل إلى النتيجة.
3ـ الخاتمة: وهي النتيجة التي توصل إليها الكاتب بناء على الحجج المساقة في العرض وأساليب التأثير التي وظفها فيه من عاطفة وتصوير وحسن عرض.
ثالثا: أنواع المقال: الناقد سيد قطب فرق بين المقال الأدبي والمقال العلمي تفريقا يقوم على  النظرة الفنية ، وقد أدى به ذلك إلى اعتبار المقال الأدبي خاطرة[2] لأنه يقوم على عرض التجارب الشعورية التي تناسبها كالقصيدة الشعرية، بينما تعد المقالة في رأيه فكرة قبل كل شيء ثم موضوعا ، فكرة واعية وموضوع معين يحتوي قضية يراد بحثها، قضية تجمع عناصرها وترتب،بحيث تؤدي إلى نتيجة معينة وغاية مرسومة من أول الأمر.وليس الانفعال الوجداني هو غايتها ولكنه الاقتناع الفكري.
ونستطيع أن نستنتج من ذلك في الحقيقة أن المقال نوعان؛ مقال ذاتي ومقال موضوعي.
1ـ المقال الذاتي: وهو الذي يكون التعبير فيه قائما على الانسياب العاطفي أساسا ، فهو تعبير عن المشاعر والتجارب الشخصية تعبيرا فنيا جميلا يراعى فيه التأثير العاطفي والتخييل القائم على عناصر التصوير من رمز وتشبيه واستعارة وكناية ووصف.
 ومثال ذلك قول  ميخائيل نعيمة:"  بيني وبين الصخور مودة ما أستطيع تفسيرها ، ولا تحديد الزمان الذي نشأت فيه ، ولكني أحسها وثيقة عميقة، بعيدة الغور والقرار، فلعلها تعود إلى يوم كنت في يد الله . وكأن النسمة التي جعلت من الطين إنسانا ما كانت لتزيد تلك المودة غير توصل وجمال ونقاوة ، حتى إنها لتبغ بي في بعض الأحايين درجة الهيام . فإذا ما انحجبت عن الصخور، أو انحجبت عني ، ثم أتيح لي أن أعثر على واحد منها أينما كان، ومهما يكن شكله أو حجمه أو لونه، أحسست جذلا في دمي، وبهجة في عيني، ودوافع في مفاصلي تدفعني إليه. فإذا تمكنت من لمسه لمسته برفق ولهفة ومحبة، وإلا اكتفيت بما ترشفه عيني من رحيق أنسه وهدوئه ورزانته ومودته.
ولاشك عندي في أن القدرة التي لا تمسك عن كل ذي حاجة حاجته إذا كان في قضائها خير للحاجة والمحتاج، كانت رفيقة بي وسخية علي إلى أبعد حدود الرفق والسخاء، فقد باركتني بثروة لا نفاذ لها من الصخور التي يندر أن يضارعها مضارع حتى في هذه الجبال المبكى عليها من أصدقائها والمهجورة من أبنائها لوفرة غناها بالصخور. ففي جبهة " صنين " وحده لي معين لا ينضب من الفتنة الخرساء المنهلة بغير انقطاع من محاجر صخوره ونحورها، والمترقرقة على مناكبه بكل ألوان الشموس والأقمار والأمسية والأسحار ووهج الهجيرة وظلال السحب، وأنداء الضباب وأنفاس الفصول ، وأنغام الدهور ... الخ . "
1ـ المقال الموضوعي: وهو الذي تعد الفكرة فيه أساسا والبراهين على صحتها وسيلة والشواهد على ثبوتها برهانا، والعرض المنطقي في منهجها أسلوبا، والوقوف على النتائج هدفا والإقناع بصحتها غاية مهما تنوعت أصنافها.
ومن أهم المقالات الموضوعية، المقال النقدي والمقال الاجتماعي التاريخي، والمقال النفسي، والمقال العلمي التجريبي، والمقال اللغوي والأدبي.
 
ومثاله مقال للعقاد بعنوان :"الأدب والمذاهب الهدامة"    
من العناء تعريف الأدب على صورة من الصور لاعتراف بنوع من الأدب وإنكار نوع آخر فما من تعريف سمعناه إلا وهو يسمح لكل أدب أن ينطوي فيه.
يقال مثلا إن الأدب ظاهرة اجتماعية أو يقال إنه ظاهرة اقتصادية أو ظاهرة بيولوجية، أو غير ذلك من الظواهر المختلفة، ولك أن تقول عن ظاهرة من الظواهر أو عنها جميعا: حسن ثم ماذا؟ فلا يسع صاحب التعريف  أن ينتهي بك إلى باب مغلق على نوع من أنواع الآداب.
ذلك أن الأدب كالحياة لأنه تعبير عنها فلا يستوعبه مذهب ولا يستغرقه أسلوب ....."


[1] ـ جودة الركابي: منهج البحث الأدبي ص:15
[2] ـ سيد قطب : النقد الأدبي ص:97

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
الفصل الثاني    كن أول من يقيّم

الفصل الثاني
نظريات نقدية لدراسة الأدب من الداخل
المبحث الأول:  نظريات دراسة الأدب من الداخل سطحا( الشكل)
المبحث الثاني:نظريات دراسة الأدب من الداخل عمقا(المضمون)

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
توطئة    كن أول من يقيّم

توطئة

يعد النقد الجمالي أحد أهم الاتجاهات النقدية التي تنطلق من طبيعة الأدب[1]  وتهتم بخصوصياته ووسائل تشكيله التي منها يكتسب الأدبية، ويعنى أكثر بالتطبيقات الجمالية واللغوية على الخصوص بما تحمله كلمة لغة من اتساع لتشمل الصوتيات واللسانيات وعلم المعاجم وفقه اللغة والموسيقى إلخ ...
وعند قراءة النظريات النقدية التطبيقية نكون بصدد الحديث عن  مناهج النقد، وهي النظريات التي تستخدم في مواجهة النصوص الأدبية، والحق أن هذه النظريات متعددة لدرجة يصعب إحصاؤها، على أن النقاد يقسمونها تبعا للنظريات التي تعرضت لماهية الأدب ووظيفته، فنتج عن ذلك أنها تمثل مذهبين كبيرين، مذهب يضم نظريات تهتم بطبيعة الأدب وتدرسه من هذه الزاوية، ومن ثم لا تعنى إلا بشكله،  ومذهب يضم نظريات تدرس النص من جهة ما يدل عليه، ومن ثم ركزت على المضمون، وهذه الأخيرة يقسمها بعضهم مثل طودورف إلى قسمين ما يهتم بمضمون النص ويشرحه شرحا حرفيا ويسميه التأويل،  وما يهتم  بما في النص من معرفة ويسميه العلم [2] ، وعلى العموم فنحن نجد  مثلا غنيمي هلال يرى أن علماء الجمال يقسمون الأسس الفلسفية للنظريات الأدبية والنقدية إلى قسمين كبيرين يندرج أولهما  تحت النزعة المثالية والثاني تحت النزعة الواقعية، وهذا التقسيم فلسفي لا أدبي، ولكن له آثاره الكبيرة على المذاهب الأدبية والنقدية الحديثة[3]، نرى من جهة أخرى غراهام هو يقسم النظريات النقدية إلى " النظرية الشكلية والنظرية الخلقية، ثم يقارن بين النظريات الخلقية والنظريات الاجتماعية"[4]، ومن وجهة نظر ثالثة نجد صاحبي نظرية الأدب رنيه ويلك وأوستن يقسمان نظريات الدراسة الأدبية إلى ( الاتجاه الخارجي لدراسة الأدب  ويشمل الأدب والسيرة وعلم النفس  وعلم الاجتماع وعلم الأفكار  والأدب والفنون الأخرى، والاتجاه الداخلي لدراسة الأدب ويتساءل فيه عن  كيف يوجد عمل أدبي ذو طبيعة فنية، ثم يتناول السلاسة والإيقاع والأسلوب  والصورة وطبيعة السرد والأنواع الأدبية والتقييم)[5]
ولا شك أن الوظيفة أو المضمون يمكن أن ينظر إليه من أكثر من زاوية فنتج عن ذلك نظريات اجتماعية ونفسية وأخلاقية وأسطورية، كما أن  الطبيعة أوالشكل يمكن أن ينظر إليه من أكثر من زاوية فنتج عن ذلك نظريات متعددة منها، الجمالية واللغوية والأسلوبية،  وقد تسمى النظريات النصية أو النقد النصي، وهي نظريات متداخلة جدا ومعقدة وشكلية بأتم معنى الكلمة، وقد ظهر على السطح من جديد منهج آخر لا يمكن أن يدخل تحت أي مذهب من المذهبين السابقين  هو النقد التكويني، هذا النقد الذي يهتم بالكتابة في حال ولادتها ويرى أن من مبررات وجوده أن " العمل الأدبي عند اكتماله المفترض يظل حصيلة عملية تكوينه"[6] وهدفه " التوصل إلى رؤية نهائية لما قبل النص"[7].
وممن تعرض لهذه النظريات النقدية ( ولبر سكوت) الذي درس خمسة مداخل على الخصوص هي المدخل الأخلاقي والنفسي والاجتماعي والجمالي والأسطوري، ورنيه ويلك  الذي أسماها الاتجاهات النقدية الرئيسية في القرن العشرين، عرض فيها إلى ستة اتجاهات  يضم كل واحد منها نظريات مختلفة هي:  النقد النفسي التحليلي، واللغوي الأسلوبي، والشكلية العضوية الجديدة، والنقد الأسطوري  والنقد الفلسفي ثم النقد الاجتماعي، ثم عالج مجموعة من الكتاب الغربيين تحت عنوان " مدخل إلى مناهج النقد الأدبي" موضوعات مثل: النقد التكويني والنقد التحليلي النفسي والنقد الموضوعاتي والنقد الاجتماعي والنقد النصي.
وهكذا يتبين لنا أن النقاد والمنظرين لا يجمعون في الغالب كل المناهج، لذلك تعين علينا أن نأخذ المناهج المشتركة بينهم ثم نختار من كل كتاب تقريبا المنهج الذي تفرد به كي نتعرف على كل المناهج النقدية ونظرياتها وهي :
 النقد الجمالي والنقد اللغوي الأسلوبي،  نقد الشكلية العضوية الجديدة،  والنقد النصي.، النقد الأخلاقي الديني، النقد النفسي التحليلي، والنقد الموضوعاتي، النقد الأسطوري،   النقد الفلسفي،  والنقد الاجتماعي،  والنقد التكويني.


[1] ـ  نظرية الأدب : رنيه ويلك : 19
[2] ـ طودوروف الشعرية:  201
[3] ـ غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث : 291
[4] ـ مقالة في النقد : 39ـ 46
[5] ـ انظر تفصيل ذلك في نظرية الأدب : 37 ـ 143 ترجمة حسام الخطيب
[6] ـ مجموعة من الكتاب : مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : 15/ ترجمة رضوان ظاظا
[7] ـ نفسه : 44

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الأول: نظريات...    كن أول من يقيّم

المبحث الأول: نظريات دراسة الأدب من الداخل سطحا ( النقد الجمالي ونظرياته)
1ـ تعريفه:النقد الجمالي بصفة عامة هو النقد الذي ينطلق من طبيعة الأدب ليفسرها، ويفسر خصوصياتها، يرى نورمان  فورستر أنه  ليس من اختصاص النقد الأدبي أن يهتم بالأعمال الأدبية على أساس مسبباتها من تجربة المؤلف الداخلية والخارجية وصلته بالعالم الذي يعيش فيه والذي ينبسط حوله والذي يمتد في الماضي وكذلك في تكوينه الخاص وقدراته المتطورة كإنسان وفنان، فدراسة المسببات ضرب من التاريخ الأدبي  والثقافي والاجتماعي، فهذه ليست من النقد وإنما هي إعداد وتمهيد له، وأيضا ليس من اختصاص النقد الأدبي أن يهتم بالأعمال الأدبية على أساس تأثيراتها الخفية فقد يؤدي الأدب إلى تغيير طفيف أو كبير في المحيط الأخلاقي والاجتماعي والسياسي، فكل التأثيرات سيئة أو طيبة هي شيء عرضي وخارجي بالنسبة للعمل الأدبي، وإذا كانت هناك حاسة مطلقة في تاريخ النقد ابتداء من اليونان القديمة وحتى القرن الحالي فإنها تتمثل في نوعين من القيمة هما القيمة الجمالية والقيمة الأخلاقية وهما ممتزجتان امتزاجا لا يمكن الفصل بينهما، فمهمة النقد هي أن يتأمل العمل الأدبي ويحلله ويحكم عليه كعمل من الفن وكشيء من الجمال ..، إن الأدب فن، شكل من المهارة مصنوع، والناقد يهتم بالبناء والخصائص الجمالية كالوحدة والتوازن والتأكيد والإيقاع[1]
 
ويمكن ـ بناء على ذلك،  وعلى أن اللغويين يعرفون الأدب بأنه بنية من الإشارات اللفظية وأن النقد تعليق لغوي على العمل الأدبي باعتبار النص الأدبي بنية من الإشارات اللفظيةـ  أن نعرف النقد الجمالي بأنه  في أبسط تعريفاته "هو مجموعة من القواعد الجمالية المستمدة  من القواعد الأسلوبية والألسنية واللغوية والبلاغية التي إذا استخدمت متسقة ومنتظمة ساعدت على تقديم إجابة علمية عن المشكلات الجمالية للنص الأدبي وعملت على تفسير طبيعته"
 
2ـ خصائصه العامة: يمكن تلخيص الخصائص العامة للنقد الجمالي في أنه:
أـ يستمد قواعده من طبيعة الأدب لا من وظائفه، ومن ثم يركز على جماليات الشكل، فكما أن الشعر عند الجاحظ صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير، فإنه عند مالارميه لا يكتب بالأفكار وإنما بالكلمات.
ب ـ التركيز على  طبيعة الأدب ومن ثم البحث في بناء كل عمل أدبي؛ قصيدة  أو قصة أو مسرحية  يحلل عناصر هذا البناء  مرتبطة بالتجربة الشعرية كعمل كلي.
ج ـ  الناقد يتفحص هذه العناصر في علاقاتها المتداخلة مع بعضها مفترضا أن المعنى يتألف من مواد الشكل من وزن وصورة ولغة ومواد المضمون من تيمة ولهجة.
د ـ وعليه فإذا كان الشعر  مصدرا صحيحا للمعرفة فإنها المعرفة التي لا يمكن إيصالها للغير بأية وسيلة إلا بوسيلتها الخاصة بها.
ه ـ اهتموا ـ وخاصة الحركة الشكلية الروسيةـ بمشكلة اللغة الشعرية وفهموها أنها لغة خاصة تتميز بالتشويه المعتمد للغة العادية عن طريق الالتزام بانتهاك منظم ضدها، ودرسوا بصفة أساسية: الطبقة الصوتية للغة وتناغمات الحروف اللينة والصائتة والقافية وإيقاع النثر والوزن، وكثـفوا دراستهم في مفهوم الصوتيات.
وـ اهتموا ولاسيما في ألمانيا بدراسة الجملة لغويا ودراسة الأسلوب كعملية فردية.
زـ اعتنوا بالتفسير البنائي للأعمال الأدبية، رغبة في اكتشاف دافع مركزي  لرؤية الأديب للعالم، مستخدمين في ذلك علم النحو والأسلوب وعلم المعاني.
 
ح ـ  عمل ريتشاردز خاصة على أن يطور نظرية في المعنى هي " معنى المعنى" الذي يرى تماما كما كان يرى الجرجاني بأن "قيمة الفن الوحيدة تكمن في الترتيب النفسي الذي يفرضه علينا الفن"
ك ـ  اهتم بعضهم ولاسيما بروكس بتحليل القصائد كبنايات من التناقضات والمفارقات، بمعنى التعارضات والغموض وتصالح الأضداد وهو يرى أن هذا ما يميز الشعر الجيد المركب" يجب أن يكون الشعر مفارقة "


[1]  إبراهيم حمادة: مقالات في النقد الأدبي : 142ـ 143

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الأول: نظريات...2    كن أول من يقيّم

3ـ أهميته:لقد كان النقد البلاغي هو المسيطر على النقد القديم كله اليوناني والعربي، ثم جاء عصر العلم واتجه النقد تحت تأثيره إلى علم النفس وعلم الاجتماع وغير ذلك في القرن التاسع عشر، ثم رجع بفضل الدراسات اللغوية  واللسانية إلى الساحة النقدية من جديد في هذا العصر، تحت أسماء كثيرة ونظريات مختلفة، وهذا ما يستدعي التعرض لأهم مدارس النقد الجمالي.
 
4ـ أهم مدارسه أو نظرياته: يمكن أن نعالج هنا ثلاث نظريات:
أ ـ نظرية النقد اللغوي:هو النقد  المهتم بحرفية القصيدة  والذي يعنى بطبيعة النص الأدبي متخذا من علوم اللغةـ كعلم الأصوات وعلم اللسانيات وفقه اللغةـ أدواته وقوعده ويركز على الاهتمام بدلالة الألفاظ وتطورها وعلم الرموز ورمزية التفسير وقد أدى إلى شرح القصائد شرحا واضحا[1]، وينطلق من أن النص الأدبي بنية من الإشارات اللفظية، وأن "الشعر لا يكتب بالأفكار وإنما بالكلمات": وقد فهم أصحاب هذا التوجه أن " لكل فن أداته وأداة الأدب هي اللغة، واللغة تمثل أشياء وأشخاصا وأعمالا وعواطف وصلات بنيوية كلها" وعليه فقد أنشئت " جمعية دراسة اللغة الشعرية " والتي أصبحت بعد ذلك نواة للحركة الشكلية الروسية[2]، ونتج عن ذلك  أن النقد لابد أن يكون تعليقا لغويا على النص باعتباره لغة مشكلة تشكيلا جماليا، فدرسوا مشكلة اللغة الشعرية وفهموها على أساس أنها لغة خاصة تتميز بتشويه متعمد للغة العادية عن طريق الالتزام بانتهاك منظم ضدها فدرسوا الطبقة الصوتية للغة وتناغمات الحروف اللينة والحروف الصائتة والقافية وإيقاع النثر والوزن وركزوا على مفهوم  الصوتيات كما تطور على يد سوسيرواللغويين الروس"[3] وسنتبين ذلك في النموذج الذي سنسوقه للنقد النصي.
على أننا ينبغي قبل ذلك أن نبين أن النقد العربي القديم قد سلط كل أضوائه على شكل النص وجمالياته كثيرا، مما جعله يهتم بالبلاغة بفروعها الثلاثة : علم المعاني والبيان والبديع اهتماما كبيرا مما جعلها تحتل مكان النقد الأدبي من حيث هو عملية تفسير وتقييم للنص الأدبي من جميع الوجوه الشكلية والمضمونية. وقد تسبب ذلك في جعل النص بنية من الصور البيانية حينا وجملا منظومة أخرى وجرسا من البديع والموسيقى ثالثة، بل وصل بهم الأمر لتعريف الشعر بأنه صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير، متناسين رسالة الأدب الخلقية التي هي أصل دلالة كلمة أدب عند العرب " أدبني ربي فأحسن تأديبي".
ب ـ نظرية المدرسة العضوية:هذه النظرية تختلف عن السابقة من حيث اهتمام هذه بالعضوية القائمة بين الشكل والمضمون، بينما انتهت الدراسات اللغوية بالشكل السابق إلى ما يشبه النظرية التفكيكية، فزعيم هذه المدرسة( كروتشيه) في إيطاليا مثلا يرى أن " الفن ليس حقيقة فيزيائية ولكنه مسألة عقلية صرفة ليست هي المتعة ولا الأخلاق ولا العلم ولا الفلسفة وليس فيها تفريق بين الشكل والمضمون"[4]، وعنده يتوحد المبدع والعمل الأدبي والقارئ[5]،على أن الناقد الفرنسي فاليري يؤكد انفصال كل من المؤلف والعمل الأدبي والقارئ كما يؤكد عل أهمية الشكل منفصلا عن العاطفة، فالشعر عنده ليس إلهاما ولا حلما وإنما هوصناعة متقنة لأنها موضوعية لا شخصانية فيها،، فالشعر عالم متماسك البنيان من الصوت والمعنى لذا لا يمكن التفرقة بين الشكل والمضمون[6]، وإن لغة الشعر هي لغة داخل لغة، ومصالحة بين الصوت والمعنى، وهذا الحرص على الصوت كقيمة في الشعر جعله يرى أن الرواية والتراجيديا جنسين أدنى منزلة من الشعر.
وكوليردج يرى أن العمل الأدبي يدرس في ضوء مفهوم " الوحدة العضوية وإن الكل عبارة عن اشتمال متناسق لكل الأجزاء ينادي بالضرورة بمدخل نقدي يعنى بفاعلية العناصر المختلفة وهي تعمل مع بعضها لتشكل معنى إجماليا متوحدا"[7]
ومع أن الفرق بين المدرستين؛ اللغوية والعضوية واضح جدا فإنهما يلتقيان في  جوهر الفكرة النقدية يقول ويلبر سكوت :" الخلاف الناشب بين الشكليين وأنصار مدرسة شيكاجو وطبيعة الجدال المشتجر بينهما من الناحية العامة لا يعدو أن يكون عراكا داخل أسرة واحدة فكلاهما مهتم أساسا بتحليل العمل الفني تحليلا داخليا مع رفض المسائل الاجتماعية ، الأخلاقية , الفلسفية والشخصية ( السيرة) ، على أساس أنها أمور غير وثيقة الصلة بالموضوع كما أن كليهما يصر على دراسة النص دراسة متفحصة"[8] على أن مدرسة شيكاجو تهتم بالحبكة والتركيب والنوع الأدبي


[1] ـإبراهيم حمادة : مقالات في النقد الأدبي : ص : 66دار المعارف مصر/
[2] ـ نظرية الأدب م س : 166 167
[3] ـ إبراهيم حمادة م س / 160
[4] ـرنيه ويلك : اتجاهات النقد الأدبي : ضمن مقالات في النقد لإبراهيم حمادة : ص 164
[5] ـ نفسه 164
[6] ـ نفسه : 166
[7] ـ ولبر سكوت : تعريفات بمداخل النقد الأدبي الخمسة: ضمن مقالات في النقد الأدبي ً 64
[8] ـ ولبر سكوت م س  ص 68

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الأول: نظريات...3    كن أول من يقيّم

4ـ النقد الموجه للمدرسة الجمالية :  ينتقد المنهج الجمالي بسبب شكليته العاجزة حتى عن التمييز بين الأنواع الأدبية يقول رنيه ويلك وأوستن: "يقوم النقد الشكلي بدراسة القصيدة كلها دونما اعتبار صحيح للأجناس الأدبية التي تعتبر القصيدة مثالا لواحد منها ومن ثم يفشل في التمييز بين الأجناس الأدبية الرئيسية كالدراما والرواية والشعر الغنائي والملحمي "[1]، كم ينتقد هذا المنهج باكتفائه في البحث في طبيعة الأدب متجاهلا وظيفته، على الرغم من أن الثانية  هي التي تضمن استمرار قيمة الأولى.
 
ج ـ  نظريات  النقد النصي:  critique textuelle هذا النقد كالنقد الجمالي بصفة عامة ينطلق من طبيعة الأدب ليفسرها معتمدا على مرجعية لغوية أساسا, ويعتبر العمل الأدبي نصا قبل كل شيء[2] وتعد اللسانيات أساسه، ومن أهم أعلامه دوسيسير وجاكبسون  وبنفنيستbenveniste، وله علاقة كبيرة بالبنيوية[3] كما بين ذلك ليفي شتراوس ويشمل نظرية الشعرية أو النص الشعري، والنص المتعدد أو نظرية التناص،  ومدرسة الشكلانيين الروس الذين يركزون على النسق الأدبي مقابل النسق التاريخي، ويعدون موضوع   العلم الأدبي هو دراسة الخواص النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن أي مادة أخرى، فموضوع العلم الأدبي ليس الأدب بل الأدبية liternatunost أي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا"[4] ويصرون على أن :" الأشكال الفنية تفسر بضرورتها الجمالية لا بدوافعها الخارجية المأخوذة من الحياة العملية"[5] ?  وسنكتفي هنا بعرض نظرية النص الشعري والأسلوبية لنقف على الناحية الشعرية في البنيوية.
 1 ـ نظرية الشعرية أو النص الشعري:
لقد ابتدع رومان جاكبسون الشعرية انطلاقا من مبدأ " لساني" معتبرا الشعرية جزءا من اللسانيات وعلى حد تعبير أ. بريك o.brik " الشعرية ليست وحدها المجال الذي يمكن أن تطبق فيه النظريات اللسانية، فالشعر ضرب من ضروب اللغة، ويظهر هذا التكافل في طروحات جاكوبسون بالنسبة للوظيفة الشعرية، حيث الوظيفة الشعرية واحدة من ست وظائف مرتبطة بالعوامل التي تشكل عملية الاتصال communication  . ويأخذ النص سماته الخاصة من تدرج hierarchisation هذه الوظائف لا من احتكاره لواحدة منها[6]. وهذه الوظائف هي:


[1] ـ  ولبر سكوت  م س  68:
[2] ـ مجموعة من الكتاب : مدخل إلى مناهج النقد الأدبي ص 209
[3]  ت نفسه ص 211
[4] ـ نفسه : 215
[5] ـ مدخل إلى مناهج النقد م س ص 217
[6] ـ نفسه 220ـ 221

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
المبحث الأول: نظريات...4    كن أول من يقيّم

أ ـ  الوظيفة الشعرية : تعني الوظيفة الشعرية " التشديد على المرسَلَة message لذاتها " .وتسأل كما سأل الجاحظ وعبد القاهرالجرجاني قديما: ما هو العنصر الذي لا غنى عن وجوده في كل عمل أدبي ? للإجابة عن هذا السؤال يذكر جاكوبسون بمبدأ المحورين الذي عرضه سوسور : محور التزامنات axe des simultaneites  أو محور الانتقاء selection ? ومحور التعاقبات Successivites أو محور التركيب Combinaison ويطلق عليها اسمي المحور الاستبدالي axe paradigmatique . والمحور النظمي axe .syntagmatique فالعلاقات التركيبية هي معطيات الجملة القابلة للملاحظة ? أما العلاقات الإستبدالية فتقع على محور الانتقاء باعتبارها أفعالا بالقوة virtualites[1] .
" لنفترض أن لفظ " طفل " هو موضوع مرسلة ما message : يقوم المتكلم بعملية اختيار ( انتقاء ) من بين سلسلة من الأسماء الموجودة ? والمتشابهة تقريبا ? مثل طفل ? صبي ? ولد،  غلام... ثم يقوم ? لشرح هذا الموضوع ? باختيار أفعال متقاربة دلاليا مثل ينام يغفو، يستريح ? ينعس . فتتركب الكلمتان في السلسة الكلامية " .
ويتم الانتقاء بناء على قاعدة التكافؤ equivalence  والتماثل   similarite  والتباين dissimilarite    والترادفsynonymie والتضاد antonymie  ? بينما يستند التركيب إلى التجاور contiguite. غير أن " الوظيفة الشعرية تسقط projette مبدأ التكافؤ لمحور الانتقاء على محور التركيب " . فيصبح التكافؤ إذن " إجراء مكونا للمتتالية sequence "  كما يتبين من الشكل التالي:
 

                           محور الانتقاء    = مبدأ التكافؤ

ـ  علاقاته : استبدالية                                  المعجم المعتمد في المرسلة أدناه:       ـ  طبيعته : تزامنية
      قاتل =أمات= أهلك                                                                        
                                                                     حمامة = ورقاء     
أساسه  : المعجم والذاكرة اللغوية                        غدوة= صباح = فجر بكرة   ـ مبدأه:التكافؤ
فرع =غصن= فنن                                                      
        هيج = أبكى= شوق= ذكر
       غنى= طرب = فرح
مرسلة: ...ألا قاتل الله الحمامةغدوة      على الفرع ماذاهيجت حين غنت
     تغنت غناء أعجميا فهيجت  جواي الذي كانت ضلوعي أجنت 
محور النظم :          
( الدال +المدلول)

(فونيم + معنى)

المحور التنظيمي:
ـ  علاقاته : تركيبية
ـ  طبيعته : تعاقبية
ـ أساسه  : النحو+ الوزن والقافية
     ـ مبدأه  :  التجاور
قراءة  الرسم البياني ( الشكل):
لابد من الاعتراف أولا أن نظرية الشعرية تصب في نظريات تبحث في طبيعة التشكيل الأدبي ، بمعنى أنها تسأل عن الطريقة التي يكتسب بها الأدب أدبيته، بل  شعريته، وحسب نظرية جاكبسون فإن المرسلة التي بين أيدينا وموضوعها وصف حال رجل هيجته حمامة، ومن الطبيعي والحال هذه أن يعبر عن ذلك بلغة طالما أن الشعر ضرب من اللغة ولكنها لغة مبنية وفق نظام محدد هو الذي أكسبها الشعرية، وحسب رأيه ـ وقد يشاركه في ذلك الجاحظ ـ  يعود سر الشعرية إلى  اعتماد محورين في تأليف هذه المرسلة، محور الانتقاء ويقوم بتزويد الشعر بلألفاظ المناسبة للهدف الذي  يتناسب مع مقتضيات  يقتضيها  محمر التنظيم الذي يعتني بالتراكيب  ويقوم عل التعاقب بين الألفاظ وفق متطلبات موسيقية تستنتج من طبيعة الدال والمدلول في أنهما يزودان عملية البناء الشعري بالطاقة الصوتية والمعنوية في الوقت نفسه، ولما كان الشعر بطبيعته الموسيقية يتطلب تنظيما معينا ليحدث الإيقاع المطلوب الذي يحدث الأثر المرجو فإن  ذلك يفرض على مستوى محور الانتقاء ضرورة اختيار لفظ من مجموع الألفاظ التي تمد بها المعاجم ( الذاكرة) الشاعر وتسعفه كلما احتاج إلى لفظ يوفق بين ضرورتين  متلازمتين ؛ الإيقاع والمعنى، وعلى هذا الأساس تصبح حاجة الشاعر إلى مبدأ التكافؤ  ماسة جدا لكي تمده بمترادفات ومتباينات و متضادات ومتماثلات  كثيرة تمكنه من الاختيار والانتقاء للألفاظ التي يضعها على محور  الانتقاء لينزلها على  محور التنظيم  الذي يوظفها بدوره فيضعها في التركيب  معتمدا على فكرة التعاقبات وعلى مبدأ  التجاور الذي يتكفل النحو ـ كما صرح بذلك الجرجاني ـ بوضعها في المكان المناسب لها، بحيث لا تتعارض مع مقتضيات علمي العروض والقافية، وذلك معنى قول جاكبسون : " الصوت ينتمي إلى محور التعاقبات وحده "  لأن الدال ذو طبيعة صوتية سمعية فيها يتجلى  الإيقاع بزمانه، والصوت بصفاته من مهموس وجهوري و أنفوي وشفوي، وما إلى ذلك من صفات يتقنها في الواقع علماء التجويد بشكل منقطع النظير بفعل الممارسة التي من شأنها ـ  كما قال ابن سلام ـ  أن تعدي على العلم بالشيء.
سبيل الإيقاع :فأول ركيزة في الشعر تتمثل في تجاوز التصويت  أو إحداث الصوت إلى الإيقاع، آو إحداث الإيقاع . ويتم ذلك أولا بالترديد بمعنى إعادة الصوت أو مجموعة الأصوات أو القالب الصوتي المتسع بعد مسافات  متقايسة  بالتساوي  أو بالتناسب عادة لإسناد قيمة جمالية إلى الصوت  عمدا إلى التكرار المجرد, ويكون ذلك بالتنويع  في الدوال لمدلولات قد تكون هي غير متجددة ولكن لا بأس  فالشعر اكثر  ما يصنع مما يتولد ويتردد لا مما يختلف ويتجدد، والعنصر المردد في منطق الشعر أقوى من العنصر المفرد. ويتم ذلك أيضا بحسن التنويع بمعنى مراعاة التناسق بين الأصوات في النص ووقوع موادها في مواطن لها  أهمية عروضية كأن تكون مقاطع أو مطالع ومقولبة طبق تفعيلات بحر العروض المعتمد التي تطفوا في هذه الحالة على سطح البحر، أو متشكلة في قوالب أخرى غير قوالب تفعيلات البحر فتكون داخله تقطيعا ثانيا إذا كان النص موزونا على بحر عروضي معروف أو تكون إيقاعا قائم الذات في النصوص غير الموزونة[2]


[1] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س ص : 221ـ 222
[2] ـ محمد الهادي الطرابلسي: مصغدر الخطاب الشعري المعاصر:        59خـ 591 ضمن كتاب : دورة أبو القاسم الشابي : : أبحاث الندوة ووقائعها:  مؤسسة جائزة عبد العزيز السعود البابطين للإبداع الشعري 1996/ الكويت

19 - مايو - 2008
كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني
 52  53  54  55  56