قبل المحاولة الآخرة كن أول من يقيّم
أستاذنا زهير، يبدو أننا لا مناص لنا من التفلسف والفلسفة ، وربما كانت هذه حجة اليائسين : لقد أعيانا البحث وأضنانا فأخذنا نذهب في كل وجهة ممكنة أو غير ممكنة متحدّين هذه المسابقة (السهلة) على حد قول أستاذنا زهير . ولما كانت القصيدة المذكورة من نوادر نوادر النصوص ، والتي يمكن القول فيها إنها قد طمس رسمها كونها من عهد الملكية المصرية ، وفيها مدح للملك وظله وحماه ، وأنه فخر الملوك وتاج الزمن ، فهل للعهد الناصري أن يبقي لها أثرا؟ في مكتبة عامة عثرت على كتابين أو ثلاثة عن العهد الملكي المصري وعن الملك فاروق وأبيه الملك فؤاد ، فلم أجد فيهما ما يشير إلى (يمين الجيش) هذه ولو من طرف خفي . وعثرت في مواقع الشبكة على معلومات عن معظم الذين مدحوا فاروق الأول خاصة في بداية عهده ، ومنهم شعراء نابهون ، وأدباء وكتاب مشتهرون ، وسياسيون وصحفيون معتبرون ، فلم أجد بينهم للقصيدة وصاحبها ذكرا . فلجأت إلى المنطق الذي كثيرا ما يخدع ، وأخذت أقول : ربما كان صاحب القصيدة اشتهر أديبا كاتبا ، ولا يمنع ذلك من أن ينظم للجيش ( يمينا ) ، وأن يكون له بضع قصائد دون ان ينشرها في ديوان ، كما أن الأستاذ زهير لم يصف الرجل بالشاعر، ولم يصفه بالكاتب ، فقال : من هو (صاحب) القصيدة؟ وربما هنا مربط الفرس! ولما كان الشعراء الذين ذكروا في الإجابات من مشاهير الشعراء ، ومنهم من كان على علاقة بالقصر الملكي مثل محمود حسن اسماعيل ،ومع ذلك فإن تلك الإجابات خلت من اسم ذلك الذي اشتهر حتى لم يكن مثقف عربي إلا وقد قرأ له ! التركيز على الشهرة ليس عبثا إذاً . والشهرة لا تعني دائما التفوق في الأدب أو الشعر على الغير ، فهي لها أسبابها ، عرفنا تلك الأسباب أو لم نعرفها . ولكن ما يزيدنا حيرة أن أديبين شهيرين ، وأحدهما شاعر أيضا ، لم يكن أحدهما هو الجواب الصحيح ، وهما العقاد وطه حسين ! ولكن العقاد وطه حسين ربما لم يكونا على علاقة بالملك ، أولم تكن لديهما تلك الرغبة في تلك العلاقة . ظلت كلمة الشهرة ترن في مسمعي رنين الأجراس ، فراح بي ذهني نحو أديب شهير ، وصرت أبحث عن أدب ذلك الرجل وكتاباته فلم اعثر له على بيت واحد من الشعر أبدا . وذهبت إلى موقع يسمى باسمه ، وبحثت فيه عن مؤلفاته من أولها إلى آخرها دون جدوى ، رغم أن ذلك الرجل لم يعرف عنه عداء لأي نظام حاكم على الإطلاق . وفي نهاية الأمر قرأت مقالا لناقد في جريدة ينقد فيه من تأثروا بقصيدة ميخائيل نعيمة التي ذكرها أستاذنا زهير، واعتبر الناقد أن ميخائيل هو السباق ، وأن من بعده تأثروا بقصيدته ونسجوا على منوالها ، وكانوا ثلاثة : اثنان رأى الناقد فيهما التقليد ، والثالث رأى فيه أنه أجاد أكثر من نعيمة نفسه . والمهم في الأمر هو أن هذا الناقد لو كان يعرف قصيدة المسابقة لما وفر ذكرها وذكر صاحبها في موضوعه النقدي . نكتة لطيفة : أحد أبنائي يراني منهمكا أتصفح الوراق فصار يتصفحه أحيانا ، وقد اطلع فيما يبدو على ما كان أستاذنا زهير قد ذكره مرة عما هو مكتوب على شواهد القبور في دمشق ، تلك الكتابات التي كان المرحوم والد أستاذنا قد قام بتسجيلها وإرسالها إلى الأستاذ زهير وفقا لطلبه ، وما وعيت إلا ابني هذا ، واسمه (عمر ) إلا وهو يقول لي : يبدو أن هذه القصيدة موضوع المسابقة مصدرها شواهد القبور، وما عليك إلا أن تذهب إلى دمشق تستطلعها ، فقلت له : ما كتب على شواهد القبور ذكره الأستاذ زهير، فقال عمر : ربما اختزن بعض المكتوبات لمسابقة مثل هذه ، فقلت له : ولكن القصيدة لا ذكر فيها لحساب الجمل ، فقال : ربما فيها حساب حديث نجهل كنهه ، وضحكنا.. ويحضرني الآن المثل السائر : من مأمنه يؤتى الحذِر.. فإن نحن ركنا إلى الجهة التي نستبعدها من الإجابة واستثنيناها تماما فإننا ربما نكون مخطئين . ولكن المهم هو أننا لو تمكنا من معرفة سبب اشتهار صاحب القصيدة ، وهل هو الشعر أم الكتابة الأدبية ، فإننا بالكاد يمكن أن نعرف الإجابة أو أن نقترب منها على أقل تقدير . وإذا لم يكن لديكم مانع من تضييق دائرة البحث نكون لكم من الشاكرين . |