البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ياسين الشيخ سليمان أبو أحمد

 1  2  3  4  5 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
عودة إلى معنى القلب     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
السلام عليكم ورحمة الله ،
اطلعت على جميع الآيات القرآنية الكريمة التي ورد فيها ذكر القلب فوجدتها كلها لا تشير إلى آلة الفلب التي من عملها ضخ الدم في جسم الكائن الحي ، بل إنها جميعها تعني بالقلب أنه محل الإيمان أو الكفر ، ومحل السلامة أو الخبث ، ومحل التدبر والتمعن ، إلى مثل هذه الأمور الغير مادية . وكذلك الآيات التي تذكر الصدور ، فمعناها كلها لا يدل على منطقة الصدر التي تحت الرقبة ، إنما تعني انشراح الصدور بالهدى والإيمان ، أو ضيقها بسبب تحمل الأعباء والقيام بالمهمات الصعبة ، أو بسبب الكفر والعواطف المذمومة المحرمة . ومن الآيات التي ذكر بها لفظ القلب : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، أو القى السمع وهو شهيد " من سورة ق . ومعلوم ان لكل إنسان قلبا يضخ الدم ، ولكن الذين ليست لهم قلوب هم اولئك الذين لا تنفع فيهم موعظة رغم توفر القلوب العضوية في داخل اجسامهم ، فأين معنى القلب المادي من معناه في جميع تلك الآيات الكريمات؟!
والذي يدعو ربه فيقول : رب ، لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، أو يقول : يا مثبت القلوب ، ثبت قلبي على دينك ، فهل يكون لمعنى هذه الأدعية صلة بعضلة القلب او صماماته او شراينه أو نبضاته الكهربية ؟ ولو دعا ربه قائلا : يا رب ، إن بعض شرايين قلبي انسدت ، أو إن صمامات قلبي لم تعد تحسن أداء وظيفتها ، أو إن عضلة قلبي متضخمة ، وصرت ألهث من أدنى جهد بدني اقوم به . يا رب ، كن لي معينا وشافيا ، فهل يكون لهذا الدعاء او الرجاء صلة بتنقية القلب من الحسد والخبث مثلا؟! وأعود إلى ذكر المؤمن الصالح الأعمال وقد أصابت قلبه العضوي أدواء عضوية متعددة ، فما نراه إلا وقد ازداد إيمانا وتسليما بقضاء الله وقدره ، وبالمقابل نرى الرجل وقلبه قلب فيل في القوة والمتانة وانتظام الدقات ، إلا انه ، أي ذلك الرجل ، لا يرق قلبه للبائس الفقير ، ولا لليتيم الصغير ، ولا لما يصيب الغير من المصائب والابتلاآت . القلب العضوي إذن هو ما يمكن ان يسلم من الأمراض العضوية او يقع فريسة لها ، والقلب محل التدبر والعقل هو ما يمكن ان يسلم من امراض القلوب المعنوية ، أو يقع فريسة لها ، كأن يكون في قلب أحد الناس مرض ، فيطمع في امراة التقطت اذنه منها خضوعا في القول ، أو رنة خلخال في رجلها  وهي تضرب أرضا صلبة . ولنتخيل الآن الرجلين الذين ضربناهما مثلا ، وقد تبدل قلباهما الماديين ، كل واحد من الرجلين صار لديه قلب الرجل الآخر ، فما ظننا فيما يحدث للرجلين بعد التبادل؟ وهنا نعود لذكر عدل الله ورحمته ، وانه تعالى لا يظلم من عبيده احدا ، وأنه لن يضيع أجر المؤمن الذي استبدلت عضلة قلبه ، ولن ينقلب الرجل الآخر إلى حمل وديع بمجرد حصوله على عضلة قلب المؤمن الصالح . ورب قائل يقول متسائلا : وما يدرينا أن القلب المضخة أو العضلة يأخذ في تلقي الأوامر من صاحبه الجديد بكيفية لا نعلمها ، وبهذا يصبح كل قلب يتصرف وفقا لنوايا صاحبه الجديد ؟ والجواب : لا بأس على المتسائل ، فهو يبدو منطقيا لأول وهلة في تساؤله ، ولكن عليه ان ينتبه إلى المصدر الذي شحن القلب الجديد بما شحنه به من صدق العاطفة ، أو من كذبها . المصدر هو لا بد وأن يكون القلب المعنوي الذي تحوي جنباته من فضائل الإيمان ما تحوي ، أو ما تتضمنه تلك الجنبات من قبائح النكران والكفران . ثم مدة الشحن كم تقصر وكم تطول ، وما حساب صاحب كل قلب عند ربه خلال تلك المدة قبل اكتمال الشحن؟ وأوضح من ذلك هو ان الذي يشق الطبيب الجراح صدره ليستخرج منه قلبه ويستبدله بقلب آخر ، لا بد وان يربط جسمه بقلب اصطناعي مدة من الزمن حتى يتهيأ القلب الجديد ، وفي هذه المدة القصيرة او الطويلة ، ما الذي يحدث لحال الرجل وهو مربوط بالقلب الاصطناعي؟ هل يظل هو المؤمن الصالح ، أم ينقلب إلى حال الرجل الذي عمله طالح ، أم هو في منزلة بين المنزلتين ، أم نتخلص من الإجابة  بأن نرجيء أمره إلى الله تعالى؟ إن تسمية الأمور الإيمانية وما يتصل بها من عواطف وجدانية باسم القلب كناية عن مركزيتها وجوهريتها بالنسبة لحال النفس الإنسانية ، وهي تشبيه  لمركزية القلب العضوي بالنسبة لدوره المادي في الجسم لا اكثر . وكذاك قولنا عن لب الشيء إنما هو جوهره . فإن أردنا بالشيء معناه المادي ، فنقول : إن أصغر ما في المادة ، إن كان هناك ماهو الأصغر فيها  ، هو جوهرها ، وإن عنينا بالشيء أمرا معنويا ، فإننا نقول مثلا : جوهر النفس الإنسانية هو العقل والإدراك أو الروح ، أو ما هو في هذا المعنى . واليد التي تبطش بالناس ظلما وعدوانا هي يد من لحم ودم ، ولكنها لا تبطش دون قلب في كيان صاحبها أشد منها بطشا ؛ قلب كالجلمود من الصوان الصلد ، لا تؤثر فيه موعظة ، ولا تنفع فيه أنة تصدر من قلب موجوع . هذه اليد الباطشة مهما ازداد بطشها ، ومهما تعددت وسائلها من الفتك والتنكيل ، تظل يد الله تعالى فوقها في القوة والبطش . ونحن إذا استمعنا إلى دقات هذا القلب الذي يظن بعضنا ان البطش فيه  ، وقسنا ضغط دمه  ، ورسمنا له مخططا للنبض ، فسوف نجده لا ادق ولا أوضح ولا اسلم . ويحضرنا هنا ما ورد من قصة ليلة الإسراء والمعراج ، وما تم لسيدنا الرسول من شق للصدر ، وتنظيف للقلب ، فنسير في فهمها إحدى سبيلين : سبيل يبين منها ظاهرها الذي إن اخذنا به بدا لنا ان سيدنا الرسول تعرض لعملية جراحية ، وسبيل يروح بنا إلى فهم أبعد من الظاهر بكثير ؛ فهم يبين لنا ان الله تعالى جعل سيدنا جبريل ينزع ما يمكن ان يكون في قلب الرسول مما لا يتناسب مع عروج به إلى الملأ الأعلى ، وذلك دون معرفة الكيفية . وأنت ايها القاريء الكريم ، لك ان تسلك السبيل الذي تراه أكثر إقناعا . وهناك العديد من الآيات القرءانية تستعمل ظاهر الألفاظ اللغوية لتقرب لنا معنى لا ندرك حقيقته ، وهذا يتعلق دائما بما هو غيب ، أو بما هو غير محسوس بالحواس الخمس . وقد ورد في الأثر ، أو في الخبر ، بأن في الجنة ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ذلك لأن الجنة من الغيب الذي لا تدرك حقيقته إلا في الآخرة . وقبل ذلك ما ورد في القرءان من ان الله تعالى يمثل لنا الجنة تمثيلا . قال تعالى في سورة محمد : " مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير آسن ..." إلى نهاية الآية . أما الأحكام الشرعية ، وما يخص الحلال والحرام ، فلا حاجة لأحد أن يحملها على غير ظاهرها . فجلد الزاني مثلا ، أو جلد من يؤذي المحصنات الغافلات ، فهو أمر لا نزاع فيه ولا في عدد الجلدات .
حول الإعجاز العلمي في القرءان والسنة ، وبإيجاز شديد :
إن اهتمامنا بما نسميه الإعجاز العلمي في القرءان والسنة النبوية لا ينبغي أن يجعلنا نخبط فيه خبط عشواء مندفعين إلى البرهنة على ذلك الإعجاز كيفما اتفق ، فالمؤمن كيس فطن ، فلا سذاجة ولا غفلة ، ولا بلاهة علمية يدعي بوساطتها الإحاطة بالعلم دون الغير من الناس . إن السؤال والجواب اللذين وردا عن الشيخ الزنداني ، وكذلك الجريدة !  ، والأستاذ الجامعي السعودي ، كل ذلك من حق القاريء أن يعلم من هي تلك الجريدة ، ومن هو الأستاذ الجامعي ، ومتى وأين عقد المؤتمر الصحفي ومن هم الذين عقدوه ، بالإضافة إلى نقاش ما دار في المقالة المذكورة . ويذكرني ذلك بما حفلت به الشبكة العنكبوتية من قصة النسبة بين المادتين اللتين في التين والزيتون ، وأن فريق بحث علمي ياباني أسلم دينه لله لما علم عدد مرات ذكر التين والزيتون في القرءان ، وأن النسبة سبعة إلى واحد كما وجدها ذلك الفريق في المادة المفيدة في كل من الزيتون والتين . ورغم أني لا اقطع بتزوير تلك الحكاية من اصلها إلا انني اعياني البحث في الشبكة عن ذلك الفريق الياباني وقصة إسلامه فلم اعثر على شيء ، وكذلك فعل مثل فعلي الكثيرون غيري ، ولم يجدوا شيئا . إن الإعجاز العلمي في القرءان والسنة يفهمه بعضنا على وجه غير الوجه الذي هو عليه ، فينتج من ذلك ما يمكن ان يسيء إلى قضية الإعجاز دون قصد الإساءة . أضرب على ذلك مثلا بالآية الكريمة : " أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي.. " . هذه الآية اتخذ منها بعضنا إعجازا سابقا يبين ما تعلموه من نظريات علمية في هذا العصر تتحدث عن نشأة الأرض والكواكب  ، وصاروا يقولون بما معناه :  لقد أخبرنا الله بهذا قبل أربعة عشر قرنا ونيف ، وهذا مما يدلل على صدق القرءان وصدق من جاء به ، ونسوا ان النظرية العلمية لم تصل إلى درجة ما يسمى بالحقيقة العلمية ، وتجاهلوا التدقيق والنظر في الآية المذكورة . تبدأ الآية بـ " أو لم ير الذين كفروا " ، والواضح ، تماما ، أن الرؤية هنا تعني المشاهدة او العلم اليقيني مع التفكر والنظر والتبصر ، وأن الكفار في عهد الرسول الكريم يُخاطبون بما يشاهدون او يعلمون علما قطعيا . وكل الناس يعلمون أن السماء تنفتق عن المطر ، وان الأرض يرويها الماء فتنفتق عن النبات بأشكاله والوانه ، فينتبهون إلى اهمية الماء لحياة الأحياء . إن كل ما في الأمر ان الله تعالى يلفت الأنظار الزائغة عن قدرته إليها لعلهم بقدرته يؤمنون . واي إعجاز علمي او غير علمي فيه تتجلى قدرة الخالق جل وعلا أكثر من هذا؟ . الله سبحانه يخاطب الناس على اختلاف عقولهم ، وتباين افهامهم ، بما يمكنهم جميعا من دركه وتفهم عجيب صنع الله فيه . ورحم الله عبد الله ابن عباس حين ترجم لنا هذا المعنى وعرفنا عليه ، وفيه من الصحة والكفاية ما فيه . ومثل ذلك ما تبدؤ به سورة الفيل : " ألم تر " . وكان النبي الأكرم والعرب كلهم قد تناقلوا قصة اصحاب الفيل وتداولوها حقيقة لا يتطرق إليها الشك في مجملها ، وبهذا يتبين معنى الرؤية هنا مثل سابقتها . والإعجاز العلمي في القرءان الكريم متوفر لكل ذي بصيرة يمعن النظر فيه بقلب متجه إلى طاعة الله ، والناظر ليس بحاجة إلى علم الطبيعيات أو غيرها حتى يتمكن من فهم المعنى العام لهذا الإعجاز .  ومثال ذلك أن الكثير من الآيات تتحدث عما يألفه الإنسان مما حوله من الكائنات وكيفية تعامله معها ، وتتحدث عن خلجات النفس الإنسانية مما نلمسه ونحسه من امر بالخير او امر بالسوء  ، وتخبرنا عن وسوسة الشيطان للمؤمنين ، وتؤكد لنا البعث ويوم الحساب ، والجزاء والمجازاة ، والجنة والنار ، والجن والملائكة . ولن ننتظر اليوم الذي يمكن للعلم المادي ان يخبرنا أن تلك الغيبيات صحيحة ، فنحن نؤمن بها دون ان نراها ، وفي هذا إعجاز ما بعده إعجاز . ولن ننتظر أن نجد يوما في كتاب الله حلا لمسألة في الرياضيات ، أو ذكرا لقوانين في الفيزياء التقليدية أو نظرية الكم وما بعدها من نظريات . كل ذلك تركه الله سبحانه لجهودنا مع إذنه لنا بان نعلم ما لم نكن نعلم ، وبعون منه وتسديد ، مبينا لنا الفرق بين الحقائق والنظريات ، ونسبية الصحة من عدمها لكل إطار نتخذ منه مرجعا . ولا ننكر ما للعلم المادي من خير إذا استخدمه الناس في طاعة الله وخدمة خلقه . وهو ، في نفس الوقت يساعدنا ، على فهم اوضح واشمل للمعاني القرءانية التي تخبرنا أمورا كثيرة عن الكون وما فيه من مخلوقات ، وهو أيضا يوفر علينا البحث فيما لا طائل تحته . ولنأخذ مثلا على ما لا طائل تحته من بعض الأقدمين الذين قالوا عن الأرض إنها على قرون ثور أو على ظهر حوت اختلفوا في تسميته أيما اختلاف ، وظنوا بذلك انهم اكتشفوا اسباب الزلازل والبراكين ، عندما يوسوس الشيطان للثور ـ أو للحوت ـ  ليقذف ما عليه من كائنات . ولما جاء عصر التفسير والمفسرين في الإسلام رأينا بعضهم ، ولشديد الأسف ، وقد استمسك بتلك النظرية المنحطة ، والتي لم تقم على اساس ، ولو واه ، من العلم ، وابتعد عن النظر في كتاب الله نظر الفاحص المدقق . وهو لو فعل لتبين له أن الثور أو الحوت المذكورين لا وجود لهما البتة ، فالقرءان لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مثل هذه النظرية ، إنما ذكر من الآيات الكونية ما يشير إلى الكواكب وسيرها في افلاك ، وذكر امتداد الظل وانقباضه ، وتعاقب الليل والنهار ، والاستهداء بالنجوم ، وغير ذلك من الحقائق . ومما أعان على الفهم البعيد عن الصحة لدى بعض المفسرين والمؤرخين هو بُعد ما بين علماء الطبيعيات من المسلمين ،  وبين علماء الدين والتاريخ ممن آثروا النقل في كل امر دون تمحيص ، فلا تعاون ولا مشورة ، إنما اتهامات لعلماء الطبيعيات بالزندقة والضلال ، أو اتهامات  للدين واهله بالسذاجة وضحالة المعرفة . وها نحن ، وحتى هذا اليوم ، ما نزال نعاني هذا الانفصام الغير حقيقي بين الدين والعلم ، لا في مجال علوم الطبيعة وحدها ، إنما في مجال العقائد ايضا .
وعودة إلى المقالة التي تنسب إلى الشيخ الزنداني :
 أولاً أريد أن أقول لك شيئاً معلوماً الآن عند العاملين في هذا الحقل وهو أن القلب الجديد لا تكون فيه أي عواطف ولا انفعالات .. كيف هذا الكلام ؟ قال : هذا القلب إذا قربت إليه خطراًبدا وكأنه لا شيء يهدده ! على حين يرعش الثاني ، وإذا قربت شيئاً يحبه بدا وكأنك لم تقدم إليه شيئاً . قلب بارد غير متفاعل مع سائر الجسد .
هذه القصة تبدو لي انها خالية من العلم ومن المنطق العلمي . ويبدو اسلوب سردها ركيك المعنى وغير مترابط العبارة . وأستبعد جدا ان يكون قائلها هو الشيخ الزنداني ، بل إنها ربما لفقت على لسانه ، أو ، على احسن تقدير ، أنها رويت عنه بالمعنى دون اللفظ ، ووفقا لفهم الراوي الذي يبدو وكأنه لم يسمع بطرق الشرح والتفسير العلمية السليمة .
 

23 - مارس - 2008
القلب
الجواب على اسئلة الدكتور يحيى    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أخي الدكتور يحيى،
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . أستعين بالله على القيام بالجواب على اسئلتك دون ان أشغل نفسي بالبحث عن سببها ، او عن قصدك منها . ولا اظن ان مثلك بحاجة إلى العلم بمقدار ما مثلي بحاجة إليه . على اية حال ، أرجو ان اكون من البسطاء الذين يسيرون على بركة الله ، ولن اخجل من ضحالة علم ، او من سذاجة في الفهم يمكن ان تبدو لك مما اكتب ، طالما توفرت لدي النية الحسنة في ما اهدف إليه .
وتسألني حضرتك عن علم الرجلين : الزنداني ، وزغلول النجار ، وإلى حضرتك الإجابة :
العلم ، عندي ، هبة من الله تعالى يهبها ، سبحانه ، للمجد المجتهد في تحصيلها ، شريطة ان يبتغي من وراء ذلك طاعة الله ورضوانه ، لا لشهرة أو طمع في حمد أو ثناء . وهذا ما أرجو أن يكون عليه علماء المسلمين جميعا .
والشيخ الزنداني شيخ داعية يتخذ من الإعجاز العلمي في القرءان والسنة النبوية مرتكزا لنشر دين الإسلام بين الناس ، ويقوم بذلك بجهوده المتواضعة ، وبما يتيسر له من إمكانيات . ولكن ما شاع عن الشيخ الزنداني من بحوث طبية ــ مثل اكتشافه علاجا لمرض نقص المناعة المكتسبة ــ ، أو من بحوث في بعض الأمور الغيبية ـ مثل الشريط المسجل عليه أصوات أصحاب السعير في روسيا ــ  قلل من اهتمام بعض الناس بعلومه ، وشكك في صدقها وجديتها ، خاصة وأن اكتشاف العلاج المذكور لم ينتقل إلى مرحلة الانتشار أو الحصول على براءة اختراع . وكذلك ابحاث الشيخ المختلفة ؛ نقرأ أخبارها على الشبكة أو في الصحف ، فلا نجد فيما نقرأ توثيقا علميا بالأسماء والتواريخ ، أو بمسيرة البحوث وتطورها ، مثلها في ذلك مثل الكثير من الأخبار المتماثلة عن الإعجاز العلمي في القرءان والسنة . وهناك في بلادنا الكثيرون ممن يشبهون الشيخ الزنداني في مسيرته ، ولكنهم ، في معظمهم ، أقل منه شهرة وذيوع صيت  ، وبعضهم يدعي الاستعانة بالجن في شفاء الأمراض كما يعلم الجميع .
أما الدكتور زغلول النجار ، فإن بينه وبين الشيخ الزنداني فرقا واضحا . زغلول النجار عالم جيولوجيا متدين يحاول ان يفيد من آيات القرءان الكريم التي تتعلق بعلم الفلك وعلوم الأرض ، وأن يفسرها وفقا لمعلوماته الجيولوجية العلمية ، وهو بذلك يساعد على تنقية التفاسير القرءانية من قصص وأخبار لا تستند إلى أية مفاهيم علمية سليمة ، ويلقي ضوءا أكثر وضوحا على معاني تلك الآيات . وبالرغم من ذلك لم يسلم الدكتور زغلول من نقد بعض ما يدلي به من تفسيرات ، نقدا في غير صالحها . وسبب ذلك فيما يبدو كثرة النظريات العلمية واختلاف بعضها عن بعضها الآخر ، وصعوبة تطويع الآيات القرءانية ، او الأحاديث النبوية في أحيان كثيرة إلى فهم دون آخر. وقد سبق للدكتور زغلول النجار ان اعترض بشدة على ما جاء في كتاب ( أبي آدم ) للدكتور عبد الصبور شاهين وهو استاذ في فقه اللغة ، وذلك لتباين فهم الدكتورين لآيات القرءان التي يمكن ان تكون ذات علاقة بموضوع خلق آدم ، وهل هو ابو البشر أم إن هناك من سبقه في الأبوة ، وهل البشر والإنسان معناهما واحد ام لا .
الإعجاز العلمي في القرءان والسنة النبوية :
موضوع الإعجاز هذا فيه وفي فهم معناه  خلاف قديم  كما تعلم يا اخي الدكتور يحيى . وهذا الخلاف يعود إلى أيام الإمام الشاطبي على اقل تقدير . وكان الشاطبي من المعارضين لمفهوم الإعجاز عند بعض الناس  في زمنه ممن حمّلوا القرءان ما لا يحتمل ـ في نظر الشاطبي ـ من احتوائه على كل العلوم الطبيعية وعلوم الحساب كافة ، وما عليهم إلا السعي في التعرف عليها ليدللوا بذلك على إعجاز القرءان بسبقه إلى ذكرها . ولكن غير الشاطبي من العلماء القدماء ذهب بعضهم غير مذهبه .  ومن الممكن أن نعزو الخلاف في ذلك إلى عدم الانتباه إلى الفرق بين الإعجاز العلمي في أيات القرءان ، وبين التفسير العلمي لها . وإذا كان الإعجاز العلمي يتمثل في الإخبار عن حقائق علمية لم يكن متيسرا اكتشافها في عهد المسلمين الأوائل ، ثم تمكن الناس من اكتشافها في عهود تلت ، فإننا نفهم ساعتها أن هناك إعجازا كان خافيا علينا ، ثم كشفه لنا البحث العلمي ، ويبقى من سبقونا قد جهلوا ذلك الإعجاز العلمي . ولكن هذا القول يبقى عرضة للنظر من جهة وصف القدماء بالجهل بالإعجاز ، فهم قد قرؤوا الآيات اكثر مما قرأناها ، ونظروا فيها وتمعنوا ، وفهموا ان فيها إعجازا ، ولكن تفسيرهم العلمي لها هو ما يمكن أن يتعرض للتخطئة أو التصويب وفقا للمعارف العلمية التي جاءت بعدهم . ومن الآيات التي تتضمن إعجازا علميا تلك التي  تخبرنا ، مثلا ، عن مدة خلق الأرض والسماوات ، أو ان عدد السماوات سبعا ، وأن من الأرض مثلهن . الإعجاز هنا يتمثل في الإخبار عن شيء نجهله ، ولكن التفسير العلمي لمعنى المدة ، ومعنى السماوات ، ومعنى الأرضين يظل عرضة للتبدل حتى نتوصل إلى الحقيقة الثابتة في ذلك إن أراد الله سبحانه لنا ان نتوصل . إن اختلاف التفسير العلمي لآيات القرءان أو الأحاديث النبوية التي تتضمن إعجازا علميا هو ما يجعلنا نقع فريسة للخلاف المذموم الحاصل أحيانا بين بعض المهتمين بهذا الشأن . ولو انطلقنا من معرفتنا لمعنى النظرية العلمية ، أو الفرضية العلمية ، وإلى الفرق بينهما وبين الحقيقة العلمية لتخلصنا من معاناتنا التي تتمثل احيانا باتهام بعضنا بعضا بما ليس فينا . والشبكة المعلوماتية العنكبوتية تحفل بالكثير من التفسيرات العلمية للقرءان والحديث ، ويظنها بعضنا ثابتة لا تتغير ، ثم يتبين فسادها او فساد بعضها بعد ان كنا نظن فيها الصحة القاطعة ، وبهذا نكون قد عرضنا قرءاننا واحاديث نبينا إلى العبث ، وهذا ما لا يجيزه مؤمن . ومن امثلة ذلك ما نجده مكتوبا في مواقع كثيرة عن سرعة الضوء وان القرءان ذكرها ، وان الأمر يتنزل من السماء إلى الأرض بسرعة الضوء في زمن مقداره كذا وكذا . كل هذه التفسيرات تتخذ من العلوم الحديثة مدخلا إلى إثبات الإعجاز العلمي دون فهم سليم لهذه العلوم أو فلسفتها . وكم سمعنا أقوالا متضاربة في المعنى العلمي للجواري الكنّس، فمن قائل إنها الثقوب السوداء، ومن قائل إنها المذنّبات ، ولا ادري اقوالا اخرى يمكن ان تكون قد قيلت فيها . كلها تفسيرات لظواهر يظنون وجودها وما زال امرها غامضا .
وسرعة الضوء قيل عنها ما قيل من خلاف في ثباتها ، وفي دقة قياس مقدارها ، وفي عدم القطع بأنه لا يوجد أسرع منها ، وكل ذلك ظاهر في المواقع والكتب العلمية . ومن أغرب ما قرأته على الشبكة  ، مرة ، قولا ينص على أن النور يسير في خطوط مستقيمة ، وان آينشتين كذب في دعواه من ان الضوء ينحني في الفضاء ، وأن القرءان هو الصادق حين يقول في سورة النساء : " يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ، وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ، ويقول أيضا في سورة النور : " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . وقد قام صاحب القول المذكور عن النور بالجمع بين الآيتين السالفتين ، واستخلص منهما أن النور يسير في خط مستقيم . إن تفسير الضوء بالنور هو ما أوقع  صاحب ذلك القول في الخطأ ، وجعل المطلعين على مقصد آينشتين من وصفه الضوء بالانحناء عند اقترابه من جاذبيات كبيرة ، جعلهم ، أو ، على الأقل ، جعل غير المؤمنين منهم ، والذين ليس لهم اطلاع على آيات القرءان ، يظنون الخطأ في القرءان نفسه . وغير ذلك ، فقد وضع القائل المذكور آينشتين والقرءان الكريم في مواجهة واحدة!!
ومن الآيات التي تدل على الإعجاز العلمي في نظرنا هي الآيات التي تنبيء بكروية الأرض ودورانها دون دلالة مباشرة ، إلا ان تفسيرنا العلمي لها  سبب لنا حرجا كبيرا في نظر اهل العلم الطبيعي ، فهم اكتشفوا كرويتها ودورانها دون قرآن يخبرهم بذلك ، ونحن أنكرنا كرّيتها ودورانها ـ غالب القدماء منا ـ وكتاب الله ينص على حركتها وكريتها . ويبدو أن الله تعالى أراد منا البحث والتنقيب ، والتمعن والتفكر فيما خلق الله من كون ، فلم يذكر دوران الأرض صراحة ، ولكننا بدورنا اكتفينا بظاهر ألفاظ اللغة دون الاستعانة بالبحث والنظر ، واستندنا إلى أخبار قديمة لا تعدو الأساطير ، وقمنا بالنعي على من قال بكروية الأرض ودورانها ، وربما اتهمناه بالمروق من الدين . وهذا يشبه تماما ماحصل في أوروبا في العصور المظلمة . حتى اللغة نفسها لم ننتبه ولا نزال لدلالات بعض ألفاظها . إن الذين قالوا بثبات الأرض بإرساء الله الرواسي فيها لم يفرقوا في المعنى بين الدوران بسرعة ثابتة وبين الميَدان ، وما كان الذنب ذنب اللغة .
وسؤالك إياي يا سيدي ، عن المؤتمرات العلمية لم ادرك تماما القصد منه ، ولا إلى ماذا يهدف بالضبط . ومن المحتمل ان قصدك الاستدلال بالمؤتمرات على صحة الإعجاز العلمي ، وقد بينت لك أنني من المؤمنين بآيات الإعجاز ، ولكنني من غير الراضين دائما ، مثل الكثيرين غيري ، عن تفسيرها العلمي . وأعود إلى قصة سرعة الضوء التي ذكرتها :
قالوا عن صاحب هذا الاكتشاف إنه عرضه على لجنة من اساتذة الجامعات في السعودية ، ومنهم من دارسي العلوم الطبيعية ، ومنهم من دارسي العلوم الشرعية ، وقد أجازوا اكتشافه وحكموا بصحته . نقرا هذا دون ان نعلم من هم اولئك الأساتذة ، بل دون ان يطلعونا على كيفية اقتناعهم بما قاله صاحب الاكتشاف ، ولا كيف ناقشوه . وإذا كانت الأخبار التي تردنا عن عقد مؤتمرات تشبه هذا النوع من الأخبار ، فلا فائدة نظرية ولا عملية منها . ولن نسلم بما يقال ويكتب دون برهان أبدا .
أما إن اجتمع العلماء وقالوا مثلا : لقد تبين لنا أن القرءان الكريم ذكر أن الأرض في مرحلة ما قبل الرواسي كانت ذات حركة اشبه بالعشوائية ، ثم بعد ان أرسى الله الجبال صارت حركتها منتظمة ، وتهيأت لتصبح بعدها صالحة لتقدير أقواتها فيها ، وأن هناك نظرية علمية تقول بذلك ، لقلنا لهم : هذا ما أخبرنا الله به ، والنظرية العلمية صحيحة . نعم ، القرءان معجز في كل نواحيه ، والسعيد من يفهم هذا الإعجاز على وجهه الصحيح ثم يستغله ليفيد منه .
الخلاصة : إن الإعجاز بمعنى الإخبار العلمي  في القرءان أمر لا شك فيه ، إلا ان تفسيره هو الذي يصيب ويخطيء ، وربما يضر وربما ينفع . وان الله سبحانه يحث الناس على بذل الجهد في تفسير ما ذكره لهم لينتفعوا به ماديا وإيمانيا . ومما يدعو إلى الأسف والحزن هو اننا ، نحن المسلمين ، قد تاخرنا كثيرا عن ركب العلم والبحث العلمي بعد ان كنا من سادته ، وكتاب الله بين ايدينا نتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، وأحاديث النبي لدينا منها المجلدات الكثيرة
.القراءات السبع او العشر :
أرجو ان تبسط القول في قصدك من سؤالك هذا حتى اتمكن من الإجابة المعقولة . وإن اردت القراءات بصفتها علما ، فما لمثلي من العلم بها وعن اصحابها إلا القليل .
توليد المعاني واستنباط الأحكام من المصدرين :
أرجيء البحث فيها إلى مرة تالية ؛ لأنني أصبت بالتعب من كثرة ما ارتجلت وكتبت .
 

24 - مارس - 2008
القلب
شكر ومودة    كن أول من يقيّم

أخي الكريم ، والحبيب الطيب ، الدكتور يحيى ،
أدعو الله السميع المجيب بأن يجزيكم خير ما دعوتم ، وان ينعم عليكم وعلى امثالكم بالخير العميم في دنياكم وفي آخرتكم .
تحياتي ومودتي لجنابكم الكريم

27 - مارس - 2008
القلب
حول الحقيقة العلمية ونسبيتها    كن أول من يقيّم

 
أخي الأستاذ العزيز abdelhafid ،
    أشكرك لك أكثر على تفضلك بالشكر لي ، وأكرر الشكر على ما أفيده من مداخلاتك التي لا تتحفنا بها  إلا ونحن في  حاجة إليها . وأظن أن حضرتك وحضرة الدكتور يحيى لا مانع لديكما من أن أعقب على نص الدكتور الجابري ، لا لشيء إلا أن ازداد فهما ، أو أجد تصحيحا لما يمكن ان يصدر مني من أخطاء :
    من المحتمل ان الدكتور الجابري يعني بالحقائق العلمية الدائمة النسبية من جهة صحتها ، ودوامها ، والحاجة إليها او الاستغناء عنها ، هي تلك الحقائق الخاصة بعلم من العلوم كالفيزياء أو الرياضيات مثلا . فالذي يقول إن مجموع زوايا اي مثلث مرسوم على سطح مستو ، إن وُجد ذلك السطح ، يكون مساويا لعدد من الدرجات مساو لمئة وثمانين درجة ، فإننا نعتبر قوله صحيحا صحة نسبية . أما الحقائق العلمية العامة مثل بزوغ الشمس وأفولها كل يوم ، بغض النظر عن طول مدة هذا اليوم أو قصرها ، فلا تؤثر فيها نسبيتها إن أخذت تلك النسبية في الحسبان فيما يخص سكان الأرض على الأقل . أما هذا العلم الذي شغله الشاغل هو إقامة الدليل باستمرار على ان النهار هو بالفعل نهار ، فهو ، بالفعل ، لا يصح في فهمه شيء من الأشياء أبدا ، وعلى رأس هذه الأشياء هي البديهيات العقلية ، مثل : الكل أكبر من الجزء ، والتي لا يؤمن هذا العلم بها إلا مضطرا اضطرارا يظل في نظره مؤقتا حتى يأتي بالدليل العقلي عليها إن تمكن من ذلك . وما دامت هذه هي نظرة العلم الطبيعي نحو الحقائق ، فإننا يمكننا ، وبسهولة ويسر ، أن نستخدمها ضده ، فنقرر أن نظرته هذه نظرة غير مطلقة الصحة أيضا ، وأنها نسبية ، وأنها مؤقتة . ولكننا من حقنا ان نتساءل عن مصدر هذه النظرة من اين أتى . ويبدو أن مصدرها قد أتى مما يسمى بالعقل المجرد او النظري ، والذي يبدو أنه هو عقل ما يسميه الدين بالشيطان . العقل النظري هذا ساهم في تقدم العلوم تقدما جعل الكثير من الناس يتخذونه إلها من دون الله ، بالرغم من أنه هو نفسه لا يقر بوجود إله ولا ينكره في آن واحد . ونحن إن نتبع هذا العقل فيما يوسوس به لنا ، فسوف نقول إن دوران الأرض حول نفسها مرة كل يوم ربما يكون صحيحا وربما لا يكون ، أو إنه صحيح حينا ، وباطل حينا آخر ، أو إنه صحيح وغير صحيح في آن واحد ، أو إنه وهمٌ نعيشه ولا ندري هل نحن في حلم أم في علم ، إلى مثل هذه الأقوال التي لا انتهاء لها . هذه الأقوال ذات مضرة واضحة ، يتلخص ضررها في إمكانية أن نصاب بما يسميه أطباء النفوس بالوسواس القهري الذي ربما يودي بنا إلى هاوية غير ذات قرار . والمؤمن بالقرءان وبما جاء به ، يجد فيه ذكرا لحقائق عامة يعرفها ويؤمن بها كل اهل الأرض جميعا ، وإن اختلفوا في كيفية تفسيرها وكيفية حدوثها ، مثل وجود الليل والنهار ، ووجود الكواكب والنجوم ، وأن الإنسان يقدر على النطق ، وأن الأرض فيها من المعادن أنواع مختلفة ، وعليها من الدواب والنباتات أصناف متنوعة ، وأن الهواء والماء ضروريان لحياة الأحياء ، إلى الكثير من هذه الحقائق . إن ورود مثل هذه الحقائق في القرءان لا يدل على الإعجاز في معرفتها والتيقن من صحتها ، ولكن ورودها يهدف إلى التدليل على قدرة خالقها وحكمته. ومن الحقائق العلمية التي يذكرها القرءان حقائق كان الناس لا يعلمونها قبل نزول القرءان ، ومثلٌ عليها هو دوران الأرض . والآية الكريمة من سورة النمل : " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ، صنع الله الذي اتقن كل شيء ، إنه خبير بما تفعلون " ، آية ذكرت حركة الأرض مع ذكر نسبية الاعتقاد والتصديق بهذه الحركة . هذه النسبية لم تؤثر في صحة هذه الحقيقة شيئا . مثل هذه الآية السالفة الذكر يمكن اعتبارها إعجازا إخباريا عن شيء كان الناس يجهلونه قبل نزول القرءان ، ويدلل ذلك على صدق من جاء بالقرءان . ولا يمكن لأحد كائنا من كان أن يدحض حقيقة دوران الأرض ، وان يشكك في ذلك ولو كان العقل النظري نفسه . ولو قال هذا العقل النظري أن الأرض تدور ولا تدور في آن واحد ، فإنه يكون قد نقض مسلماته التي يدّعي انه مجبور عليها . ومن الآيات الكريمة التي تذكر إعجازا يؤمن به المؤمنون بالدين ، ويؤمن بإمكانية أو احتمال حدوثه في المستقبل أهل الفيزياء الحديثة ، هي تلك الآيات التي تخبرنا عن نقل عرش ملكة سبأ ، فتذكر مقدرة الذي عنده علم من الكتاب على نقل عرش ملكة سبأ ـ وهو جسم مادي كبير الحجم ثقيل الوزن ـ في زمن أقل من الزمن الذي يستغرقه الطرف في الارتداد . ونحن ، لو عرفنا زمن ارتداد الطرف ، ما تمكنا من معرفة الزمن الذي هو اقل منه وما مقداره بحساباتنا ؛ لأن الأقل لا بد وهناك ما هو أقل منه . قصة نقل العرش هذه ، ظلت في نظر غير المؤمنين بالقرءان أسطورة جميلة يظنونها من خيال النبي ، إلى ان أخذوا في محاولة تقليدها ولو على نطاق الجسيمات التي تسمى بالأولية . ولو كان النبي وقومه ، وقبلهم النبي سليمان وجنوده ، من علماء الفيزياء الحديثة ـ  بل يجب ان يفوقوا علماء الفيزياء في عصرنا بمقدار كبير من العلم والتقدم التكنولوجي حتى يتمكنوا من نقل العرش بسرعة هائلة ـ  وكانوا من الذين وضعوا نظرية مثل نظرية النموذج القياسي ، والتي تحاول معرفة الجسيمات الدقيقة ومن هو الأصغر منها ، وكيفية تصرفاتها ، لما رأينا في قصة نقل العرش إعجازا ، ولقلنا إن أصحاب سيدنا سليمان من علماء الفيزياء ، أو خبراء التكنولوجيا النانوية المتطورة ، قد فتتوا عرش الملكة إلى جسيمات دقيقة ، وقاموا بإرسالها جسيمة تلو الأخرى  إلى صرح سليمان النبي ، وهناك اجتمعت جميعا دون ان تشذ واحدة عن مكانها ، وقد تم ذلك في جزء ضئيل من النانو ثانية . ولكن رجلا من اهل جزيرة العرب يخبرنا بها وبتفاصيلها ، وانها حدثت في زمن يسبق زمنه بمئات السنين ، لا بد وأن يكون قد تلقى ذلك من لدن العليم به وهو الله تعالى . قصة نقل عرش الملكة هذه تبدو لنا ذات فائدة كبيرة في حث غير المؤمنين بالدين من علماء الطبيعيات على ان يؤمنوا به ، خصوصا ونظرياتهم الحديثة لا تبعد كثيرا عما ورد في تلك القصة ، كما انها وامثالها يمكن ان تقرب بين الدين والعلم في نظر من يظنون ان هناك تعارضا بينهما .
    إن ما ذهب إليه الإمام الشاطبي كان فيه على حق ؛ لأنه وجد في زمانه من يظن ان كل علم من العلوم مذكورة تفاصيله في كتاب الله . وينظر الشاطبي إلى اخطاء العلماء وعلومهم ، وأن الكثيرين منهم لا يميزون بين الحقيقة والنظرية ، فيخشى على القرءان من الامتهان ، وخشيته في محلها، حتى وصل به الأمر إلى المغالاة بالقول بأن القرءان لا يفهمه إلا العرب فقط لأنه بلسانهم نزل ، خشية من ان يُفسر القرءان تفسيرا خاطئا . ونحن ، وفي هذا العصر ، نرى الكثيرين يظنون في العلاقة بين القرءان والعلم ما كان في ظن من عاصر الشاطبي . في إحدى المنتديات العلمية رأيت عضوا وقد ذكر قول المفسرين في الآية القرءانية " وعندهم قاصرات الطرف عِين " وهو : (حابسات الأعين عن ازواجهن فقصرت أبصارهن على ازواجهن لا يمددن طرفا إلى غيرهم . والعِين : النجل العيون . )  ثم يأخذ بتفسير هذه الآية المذكورة تفسيرا علميا كما هو يفهم . وما فهمته من تفسيره يتلخص بأن قصر النظر من اسبابه الهامة كبر حجم العدسة ، والذي في نفس الوقت يضفي على العيون القصيرة النظر حسنا وبهاء ، ولهذا كانت الحور العين قاصرات الطرف ( مصابات بقصر النظر الطبي ) نجلاوات العيون ، أي اقتصر نظرهن على ازواجهن دون غيرهم من الرجال ، فهن لا يستطعن النظر إلى غير ازواجهن ولو أردن ذلك ، أي أن قصر النظر المعروف طبيا قد سبق القرءان بذكره . هذا التفسير العلمي نسي صاحبه أن قصر النظر الطبي يصاب به الناس من قديم ، وانه لا دخل له بغض الطرف ، وان المصاب بقصر النظر لا يمنعه ذلك من التطلع إلى ما لا حق له فيه ، بأن يقترب من المنظور إليه اقترابا كافيا . ويشبه ذلك ما نقرؤه من التفاسير التي يصفها اصحابها بالعلمية تفسير احدهم واحدا من الأحاديث التي رفعت إلى النبي الكريم والتي تـُبين أن سبب صياح الديكة هو رؤيتها للملائكة ، وأن نهيق الحمير سببه رؤيتها للشياطين . ويأخذ ذلك المفسر يبين ذلك علميا بذكره الأشعة البنفسجية ، وما تحت الحمراء ، ويظن أن تفسيره حقيقة علمية جاء بها الحديث المذكور دلالة على صدق النبي . ويشبه هذا قول مفسر علمي آخر عن النبي أنه كان يرى من خلف رأسه الشريف ، ويرى الأشياء في العتمة بوضوح تام أشد من وضوح المناظير الليلية بكثير، وبهذا فإن اختراع المنظار الليلي يعود في أساسه إلى هذه الخاصية النبوية . ونحن هنا لسنا بصدد التعرض لصحة الأحاديث النبوية ومقدار وكبفية فهمنا لها ، ولكن ما نؤكد عليه هو ان التفسير العلمي لهذا الأحاديث يناقض العلم الطبيعي الذي اتخذنا منه دليلا على التفسير العلمي الإعجازي  . حتى الدكتور زغلول النجار ، وهو العالم ذو المقام الخطير في الإعجاز العلمي ، قيل عنه إنه ينكر أن يكون هناك ما هو اصغر من الذرة ، لأن القرءان ، وفقا لفهمه ، ذكر انها اصغر شيء ! وكنت قد علمت هذا من برنامج حول الشريعة والحياة في إحدى الفضائيات .
أما أن الحقيقة مؤقتة أم دائمة ، فهذا شأن آخر ، ولا دخل له في كون الحقيقة حقيقة . الخلق يموتون ، وهذه حقيقة عامة يؤمن بصحتهاعلماء الطبيعة ومعهم جميع الناس ، ولكن العلم الطبيعي حتى هذه الساعة لا يملك الدليل على دوامها ، ولا يملك الدليل على انتهائها في زمن مقبل . وربما يأمل الكثير من الناس دوامها كلما لمسوا تقدما في علوم الحياة ومكافحة الهرم . ولكن نصوص الدين تؤكد بالطبع أن كل نفس ذائقة الموت . ومن هذا نفهم ان الموت يقع على النفوس لا محالة ، ولكن فهمنا لمعنى الموت وكيفيته ، ومعنى النفس والروح والجسد ، هو ما يمكن ان يكون مدارا للاختلاف . بقي أن أذكر أمرا أراه مفيدا ، وهو ان غالب علماء الطبيعيات هم من المؤمنين بالله ، ولا اظنهم يتخذون جميعا من العقل النظري وحده مرتكزا لنظرياتهم العلمية . وما تقدمهم العلمي في بحوثهم إلا ثمرة لهذا الإيمان الذي يمكن ان يكون ناتجا عن قناعتهم بان هناك ما هو من وراء العقل النظري يجعلهم يسلمون لله تسليما ؛ تسليما بوساطة الأفئدة والقلوب ، قبل تسليم الأدمغة والحواس .
الخلاصة :
هناك في القرءان وما صح من السنة النبوية إعجاز في الإنباء عما كان الناس لا يعرفونه ، وهذا من دلائل صدق النبي غير الدلائل العديدة الأخرى ، وأن بعض الحقائق العلمية لا دخل لنسبيتها في حقيقة صحتها ، فهي ما دامت تصح عند من ينتفع بها زمانا ومكانا ، فلا اهمية للأطر والمرجعيات الأخرى التي تجعل حقيقتها تبدو مختلفة وفقا لكل مرجعية على حدة ، وذلك مثل حقيقة دوران الأرض التي نحسبها جامدة وفقا لإطار معين ، وهو النظر إليها من على سطحها ، وهي في الإطار الآخر، الذي يكون خارجها وخارج جوّها ، تبدو وهي تدور حقا ، كما أن توقيت الحقيقة بأن نخصها بزمن معين ، وانها لا تعود صالحة إلا في مكانها وزمانها ، أمرلا دخل له في أن نصدقها او نكذبها . والحقائق العلمية الغير عامة ، مثل صدق النظريات الرياضية ، أو صدق القوانين الفيزيائية ، فإنه يصلح لحال دون حال ، ولزمن دون زمن ، ولا يعني ذلك ان نحكم على هذا الصدق بانه صار كذبا ، بل يعني أن نستعمل الحقيقة فيما يناسبها . كما ان هناك ضررا كبيرا يمكن ان يصيب معتقداتنا الدينية إذا لم نفرق بين معنى الإعجاز، وبين التفسير العلمي لهذا الإعجاز .
تحياتي لجميع الأخوات والإخوة في الوراق ، وكذلك لضيوفه .
 
 
 
 
 

27 - مارس - 2008
القلب
تعقيب على مقالة د.الجابري في القرءان والعلوم الكونية    كن أول من يقيّم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بارك الله جميع الذين يبذلون الجهد فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا ، والشكر الجزيل للإخوة الكرام : د.يحيى الذي نرجو له عمرة عامرة بالثواب الجزيل ، واجرا غير ممنون على مساهماته الثرية في الوراق ، والأستاذ عبد الحفيظ الذي يوقد النقاش ويلهبه بسهولة ويسر، والأستاذ زهير ظاظا الذي وهب لموضوع " القلب " روحا جديدة رائعة ومفيدة ، والشكر ، كذلك ، لجميع الأخوات والإخوة الذين لا يألون جهدا في هدايتنا إلى الصائب من القول . كما ، ونحمد لأخينا الأستاذ عبد الحفيظ إيراده مقالة الدكتور الجابري كاملة مما يجعلنا نحيط اكثر من ذي قبل بفحوى ما ترمي إليه ، ونكون على بينة من كل ما ورد فيها . وإلى حضراتكم مشاركتي ، ملبيا دعوة الأستاذ زهير ، وشاكرا له عليها . وقد رأيت ان اقتطف من مقالة الدكتور الجابري ، المفكر المشهور ، فقرات معينة أعقب ، بعون الله ، على ما جاء فيها ما استطعت ، وأذكر ما له علاقة بما ورد في المشاركات المتعددة حولها . ولكني قبل دخولي في صلب التعقيب أرى من الواجب علي ان أتطرق إلى امر أراه مهما على صعيد نظرتنا للتراث الإسلامي بجميع  أشكاله وألوانه ، وإلى اجدادنا العظام الذين هم محل فخرنا واعتزازنا . وعندما يتعرض احدنا لنقد التراث ومن قاموا على إنتاجه ، فإنه ينطلق مما يلي، أو مما هو في معناه :
1ـ احترام جهود الأجداد العلمية بما أغنوا به الحضارة العالمية ، في جميع المجالات عموما ، من تقدم نحو الأفضل . والاعتراف لهم بالفضل على من بعدهم ممن وقفوا على اكتافهم ليتمكنوا من إكمال مسيرتهم العلمية ، والاعتقاد بصدق بأن الفضل لله تعالى اولا وآخرا على جميع خلقه .
2ـ الأخذ بالحسبان أنهم افتقدوا ما نلقاه في ايامنا من وسائل تعمل على تسهيل البحث العلمي ، وتقصير زمن القيام به ، وان دقة النتائج وصوابها يعتمد على كثرة الإحاطة بمختلف انواع العلوم ، وامتلاك الوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الإحاطة، وفي أقصر وقت ممكن، وأن اجدادنا فاتهم الكثير من العلوم الحديثة التي ظهرت في القرون الأخيرة .
  الأخذ بعين الاعتبار أن علوم الأوائل وما قامت عليه من اسس ، كانت متناسبة مع أزمنتهم ، واحوالهم وتقلباتها ، ومعارفهم التي شاء الله لهم معرفتها ، مثلما هي متناسبة مع كل عصر واهله .
4ـ أن نعذر اجدادنا فيما أخطؤوا فيه ، وأن نحمد لهم ما أصابوا فيه .
5ـ أن يكون هدفنا الأول دائما الربط بين الماضي والحاضر ، وذلك لاستخلاص العبر وتوظيفها فيما ينفعنا في زماننا هذا الذي تراجعنا فيه عن السير في ركب التقدم  العلمي مسافة كبيرة .
6ـ أن لا نغلو في تمجيد الأجداد غلوا يحول بيننا وبين نقد علومهم نقدا مرتكزا على ما نراه في مناهجهم من اخطاء . وان لا يتهم بعضنا بعضنا الآخر بالانحراف عن نصرة العرب والمسلمين ، واتباع المستشرقين ، خاصة عندما يتعرض احدنا لبعض العلوم المتعلقة بالفكر الديني أو اللغوي ، أو العلمي و الفلسفي .
                                                                   ــــــــــــــــــــــــــــــ
 
أن يقوم علماء الغرب بالكشف عن حقيقة علمية، في الأرض أو في السماء، انطلاقا من مبادئ فكرية وفرضيات منهجية لا علاقة لها إطلاقا لا بالقرآن ولا بالدين، أي دين -ومنهم من لا يؤمن بالله أو على الأقل لا ينطلق من إيمانه الديني في عملية البحث العلمي..
قول الدكتور الجابري يأخذنا إلى النظر والفحص والتدقيق في معناه ؛ لأننا لن نسلم ، دون اقتناع ، بأن لا علاقة على الإطلاق بين القرءان ، او الدين عموما ، وبين المباديء الفكرية والفرضيات المنهجية التي يقوم عليها اكتشاف الحقائق العلمية على حد قوله . ولا بد من الإشارة إلى أن العلم الطبيعي لم يكن ليوجد أصلا لولا أنه يقوم في أساسه على أن العالم الذي نعيش فيه عالم منظم فائق التنظيم ، وهذا التنظيم هو الذي اتاح للعلم أن يتقدم في سيره نحو اكتشاف الحقائق والاستفادة منها ، ولولاه لما باء هذا العلم إلا بالخسران . وهذا التنظيم ، وهذه الاستفادة أيضا ، هو ما نص عليه الدين عموما ، ولا نجد في الدين تأييدا لمن يظن ان للمصادفة ، إن وجدت ، دورا في تنظيم بنية الكون وقوانينه .  ولكن منذ متى عرف العلم الطبيعي بعض مظاهر هذا التنظيم الدقيق في الكون ؟ هل عرفه قبل الدين او مع الدين او بعد الدين ؟ الدين يجيب على هذا بان معرفة الإنسان بما حوله من كائنات ، ومعرفته لكيفية التعامل معها ، بدات تدريجية بعد ان أهبط آدم إلى الأرض  من جنته التي كان يعيش فيها دون جهد منه في تكلف اسباب المعيشة . إجابة الدين هذه ليس في العلم ما ينكرها ، بل إن فيه ما يثبتها عند البحث في حياة الإنسان البدائية وكيف تم له اكتشاف النار ، وتعلم الصيد وصنع ادواته ، واختراعه الكثير من الوسائل التي تحقق له مبتغاه ، وتعينه على مواجهة الحياة ومتطلباتها .
ولكننا من حقنا ان نتساءل : هل العلم عندما يواجه حقيقة علمية ، ثم يجدها مكتوبة في القرءان ، فماذا يكون تصرفه إزاء ذلك ؟ إن كانت تلك الحقيقة مما يعرفه جميع الناس ، فلن يَتعجب العلم من ذكر القرءان لتلك الحقيقة وامثالها ، إنما يمكن ان يعجب ، ولو قليلا ، بالحث على الاستفادة من تلك الحقائق بالنظر فيها كيف تعمل . وإذا كانت الحقيقة لا يعرفها الناس ، أو على أقل تقدير محمد وقومه وأهل جزيرته العربية لا يعرفونها ، فإن من واجب العلم ساعتها أن يقف متأملا تلك المعرفة كيف أويتها من يجهلها وهو لم يكن عالما بالعلوم الطبيعية .
ومن ميزات القرءان على غيره من الكتب السابقة هو انه يذكر بعض الحقائق العلمية العامة التي يعرفها كل الخلق ، وفي ذات الوقت ، لا يعارض حقيقة علمية لم يرد ذكرها فيه صراحة أو تلميحا ، وفوق ذلك كله ، يذكر ويخبر بأمور لا يعلمها من قبله لا إنس ولا جان ، من مثل مدة خلق الأرض والسماوات ، وهي التي سبق ذكرها في مشاركاتي السابقة في موضوع " القلب " الذي قدمه الدكتور يحيى . والحقائق العلمية اشكال والوان كثيرة ؛ منها ما يعرفه القاصي والداني ، ونلمسه كلنا منذ ان وجدنا على هذه الأرض ، مثل حقيقة ان الهواء لا حياة لنا دونه ـ وهنا اعجب لقول من قال : إذا خلا الجو من هواء ، فعيشنا غمة وبؤس ، إلا إذا كان يعني بخلو الجو قلة الهواء النقي  فيه ، لا خلوه منه تماما ــ  ومنها ما كان خافيا على بعضنا دون ان يخفى على بعضنا الآخر ، وذلك مثل دوران الأرض وهل هي كالكرة أو غير ذلك ، ومنها ما يخص علوما معينة يعرف حقائقها المشتغلون بها . المهم في الأمر ان العلم لم يكتشف كل الحقائق اكتشافا إنما حاول تفسير عملها ، فالنحل مثلا يصنع العسل ، والعلم يكتشف كيف يتم ذلك .

31 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
القسم الثاني من التعقيب    كن أول من يقيّم

أقول أن يكتشف علماء الغرب حقائق علمية ثم يأتي أحدنا، نحن الذين لم نكتشف شيئا، ويقول : هذا "موجود" عندنا في القرآن الكريم، ثم يعمد إلى تأويل آيات وألفاظ في القرآن بالصورة التي تخدم غرضه وبطريقة لا تخلو في أغلب الأحيان من تعسف، ضاربا صفحا عن آيات أخرى يخالف ظاهرها ما يريد أن يثبته بالتأويل - أعود فأقول أن يفعل أحدنا هذا وأكثر، فهذا ما لا يخدم أية قضية من قضايانا، وهذا ما لسنا في حاجة إلى تكلفه؛ بل قد ينقلب الأمر علينا فيسألنا سائل ممن له قضية تناقض قضيتنا قائلا: "وأين كنتم؟ ولماذا لم تزيلوا الستار عن هذه الحقائق العلمية وهي لديكم في كتابكم كما تزعمون؟"، إلى غير ذلك من الاعتراضات والإحراجات التي تزرع الشكوك، والتي نحن أصلا في غنى عنها، لأن قضيتنا أصلا في غنى عن تأييد أو عدم تأييد "الحقائق" العلمية لكتابنا المقدس.
 
أتفق مع الجابري تماما إذا كان يعني بالحقائق العلمية ما يخص فروع العلوم مباشرة ، والتي يعلمها العاملون في تلك العلوم ، ولا يعلمها كعلمهم غير المتخصص مثلهم . ولا يشترط  ان يكون في القرءان ذكر لتلك الحقائق حتى تكون صحيحة ، لكن يشترط ان لا يكون فيه ما يعارضها دون تأويل . كذلك من غير الصواب ان نستخدم آيات القرءان من اجل نفي حقائق علمية لا نعرفها ولم نطلع عليها إنما نرفضها لمخالفتها أفهامنا ، وإن لم نجد في القرءان ما نبتغيه من دليل نلجأ لإقحام ظواهر علمية عامة نعرف شيئا عنها ، أو ظنونا علمية نظن صحتها ، ثم نستخدمها في دحض ما نظنه باطلا .
 
وهذا يقودنا إلى وجه آخر من وجوه النظر في هذه المسألة: ذلك أن الحقائق العلمية، هي دائما وأبدا، حقائق نسبية، وفي الغالب مؤقتة، لأن العلم ينمو ويتجدد ويتجاوز نفسه باستمرار، بحيث أن كل حقيقة يكتشفها هي معرضة أصلا لأن يتجاوزها اكتشاف علمي آخر يجعل منها نظرية باطلة أو "حقيقة" لم تعد نافعة ولا مفيدة لكون العلم لم يعد في حاجة إليها. وإذن فربط آية من آي الذكر الحكيم بكشف من الكشوف العلمية ينطوي على مجازفة خطيرة، لأنه لا أحد يضمن أن هذا الكشف العلمي سيظل يشكل بالنسبة إلى العلم والعلماء حقيقة علمية، حتى ولو كان واضحا وضوح النهار، ذلك لأن العلم لا يحترم وجهة النظر البيانية القائلة : "وهل يحتاج النهار إلى دليل؟". إن الشغل الشاغل للعلم هو إقامة الدليل باستمرار على أن "النهار" هو بالفعل "نهار"!
هذه الفقرة سبق لي أن عقبت عليها عندما اوردها الأستاذ عبد الحفيظ مقتطعة من كامل المقالة الجابرية ، وذلك مشاركة منه في موضوع " القلب " .
ونتأدى من هنا إلى وجه آخر من وجوه النظر في هذه المسألة: ذلك أن القرآن "بيان للناس". والناس الذين خاطبهم القرآن بلغتهم هم عرب الجزيرة العربية، وقد خاطبهم بطريقتهم البيانية وعلى معهودهم وقدرتهم على الفهم والمعرفة فلفت نظرهم إلى ظواهر الكون التي تَبِين بنفسها لمن تبَيَّن: لفت نظرهم "إلى الأرض كيف سطحت" كما تبدو في شكلها الظاهري للعين المجردة، والتي يراها الإنسان مسطحة سواء كان واقفا أو ماشيا أو راكبا دابة، متجها شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، طال به السفر أو قصر. ولفت نظرهم إلى حركة الشمس الظاهرة، أي كما تبدو لهم كل يوم وهي "تجري لمستقر لها" وهو مكان غروبها حيث تبدو وكأنها قد استقرت بعد أن غربت... مثل هذا الفهم البياني الذي هو من نوع "وهل يحتاج النهار إلى دليل؟" هو الأنسب، لأنه في متناول الإنسان مهما كانت درجة تطوره الفكري، إنه فهم يقوم على المشاهدة الظاهرية للشيء، وهو يفي بالغرض، في هذا الموضوع، غرض "الاعتبار" والانتقال من المشاهدة إلى طرح السؤال المطلوب. والسؤال المطلوب هنا ليس من قبيل "كيف يحدث هذا النظام الكوني؟"، بل السؤال المطلوب هو : "من خلق هذا؟".
علينا ان نأخذ بالاعتبار أن القرءان الكريم أنزله الله تعالى على رسوله كافة للناس وفي كل عصر  . ومع ان ما جاء في الفقرة صحيح فيما يخص أسلوب الخطاب القرءاني حين يخاطب العرب بما عهدوه وقدروا عليه من الفهم والمعرفة ، إلا أن من اتى وسوف يأتي بعدهم ، لا يمنعه مانع من أن يتساءل عن معنى " والشمس تجري لمستقر لها "  وكيف فهم العرب الذي نزل القرءان عليهم هذا المعنى . وما ذكره الدكتور الجابري عن الحركة الظاهرة تاويل واحد من بين تاويلات متعددة . الشمس تبزغ وتأفل كل يوم ، وهذا البزوغ والأفول حقيقة ظاهرة للعرب وغيرهم ، لكن المُستقر لا يشترط تأويله بمعنى مكان الغروب ، إذ الاستقرار ينفي الحركة أو الجري ولو كانا ظاهريان ، ويحول الحركة إلى سكون .  ومكان الغروب وزمانه يعرف العرب انهما يختلفان في المدة والمحل كل يوم . وكيف تبدو الشمس وكأنها استقرت بعد ان غربت ، وهي غير ظاهرة للعيان؟ وما دام الله سبحانه يخاطب العرب ليفهموا الخطاب على حقيقته ، فإنه لن يوقعهم في الوهم ، بالخلط بين معنى " والشمس تجري لمستقر لها " وبين معنى " لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " ، فالسباحة تعني وجود الحركة بينما الاستقرار يدل على السكون ، ولا يمكن لعربي او غير عربي ان يفهم أن حال الحركة وحال السكون حال واحدة . إننا ونحن ندعو إلى عدم تحميل القرءان ما لا يحتمل من تفسيرات علمية ندعو ايضا إلى التأني بنفي الإعجاز العلمي نفيا قاطعا ، إنما علينا اخذ الحيطة والحذر عند تفسيرنا لهذا الإعجاز تفسيرا علميا .
في الكلمة الثانية التي ذكرها الأستاذ زهير على هامش كلمته الأولى عن الأمية والشاطبي ، تعرض في الثانية إلى أن العلم ليس حكرا على امة دون اخرى ، وأن المسلمين كانوا قد قطعوا شوطا بعيدا في العلوم الفلكية وغيرها ، في الوقت التي كانت اوروبا في سبات علمي عميق . هذا القول صحيح تماما إلا أنني أظن ان الجابري لم يقصد إليه بالإنكار . إنكار الجابري ينصب على الذين يتكلفون ما لا يحق لهم تكلفه من فهم لما يسمونه بالإعجاز العلمي ، ومن تكلفهم تفسير آيات القرءان بتطويعها غصبا ليخدم معناها هدفهم . ولكن ما قاله الأستاذ زهير : (أرأيت لو أن المسلمين كانوا هم الذين اكتشفوا تلك الحقائق أيحق لهم وقتها البحث عن أوجه الصلة بينها وبين القرآن) لهو قول يستحق بجدارة الوقوف عنده وتأمله : لا يمنع ان يكون علماء الفلك أو غيره من العلوم الطبيعية من المسلمين القدامى قد استعانوا بآيات من القرءان الكريم تطمئنهم إلى صحة ما توصلوا إليه من علوم ، أو تبين لهم فسادها . وعندما قاس احدهم ، او اكثر ، محيط الأرض بوسائل هندسية ، لا بد وانه كان يعلم ، أو على الأقل يظن ، ان الأرض كالكرة ، وإلا لما قاس محيطها . وبما ان القرءان لا ينفي ان الأرض كالكرة ، فإن هذا اول معين للباحث على الاستمرار في البحث . ولكن القرءان الكريم جاء بدلائل تشي لفهم الباحث بأن الليل والنهار متعاقبان ، وأن القمر يسبح في فلك ، وان الشمس كذلك ، وهذا مما يـُدخل العالم او الباحث في دائرة الصدق بكريّة الأرض بعد أن كان ، على الأقل ، في دائرة الشك . إن المؤمن بالقرءان اصلا ، من العرب او من غيرهم ، إن كان باحثا في العلوم الطبيعية ، فإنه يفيد من القرءان فائدة لا تقدر بثمن إن سلك السبيل المأمونة في ذلك ، فالقرءان كتاب الله ، ولن يكون فيه إلا الحق . أما المطلع على القرءان من غير المسلمين في عصور العلم الطبيعي وعصور التقدم فيه ، فإنه لا بد ويجد فيه معينا له على التأكد من مسيرة النظريات العلمية من جهة معقوليتها او خطئها او صوابها . ولنضرب مثلا بالإمام الغزالي ، أبي حامد ، الذي يتهمه الجابري بانه سعى إلى تحريم النظر في العلوم الطبيعية ، وأن تفسير القرءان المسمى بالجواهر استفاد منه المسلمون بإقصائه تلك النظرة الغزالية إلى العلم الطبيعي عن واقع المسلمين ، أقول : إن الغزالي نفسه ، باعتماده على الآية القرءانية : " كل شيء هالك إلا وجهه " نفى قول جالينوس ، وبعده تاييد ابن رشد لجالينوس ، من أن الشمس جسم أثيري لا يعتريه ذبول او فساد ، والعلم الطبيعي في أيامنا الحاضرة هذه يقول بانطفاء الشمس ولو بعد ألوف الملايين من السنين . وهنا لا يمكننا الإنكار أن دور النص القرءاني كان له الأثر البيّن في تكوين فلسفة الغزالي العلمية . وأبعد من ذلك ، فيما يخص القرءان وتاثيره العلمي على الغزالي ، فقد ذهب الغزالي إلى القول بنفي الحتمية في القوانين الطبيعية ، وان المادة ليس لها اختيار ولا فعل ، إنما الفاعل المختار هو القديم سبحانه، وبهذا يكون قد بين لنا ، ولعلماء الطبيعيات من المؤمنين وغير المؤمنين أن معجزات الأنبياء والرسل يمكن تصديقها بوساطة فلسفة العلم الطبيعي  . ويؤيد ما ذهب إليه الغزالي آيات قرءانية عديدة مثل : " ألم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير ." ، فالذي يمسك الطيور ان تقع ، في الحقيقة ، هو الله أولا وآخرا ، وليست قوانين الأجسام الطافية في الهواء ، ولا شكل الأجنحة أو مغزلية جسم الطير ، حيث إن القوانين الطبيعية لا إرادة لها ولا اختيار في الأفعال . وفي عصر الفيزياء المعاصرة الذي نعيش فيه الآن ، نجد علماء الفيزياء يقولون باحتمالية القوانين في تصرفات الدقائق الذرية وما دونها في الدقة . ومنهم هايزنبرغ  ، صاحب مبدأ الارتياب أو اللايقين ، وأين الغزالي من علم الفيزياء المعاصر؟! وما هداه الله إلا بنصوص القرءان .

31 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
التعقيب الأخير    كن أول من يقيّم

نعم أنا أستثني من ذلك ما قام به طنطاوي جوهري في تفسيره، لأن الدافع الأساسي الذي كان وراء تفسيره القرآن بتوظيف العلوم الطبيعية إلى أبعد حد –كما كانت متداولة في عهده- هو في ما أعتقد دافع آخر مختلف تماما، ومشروع تماما، وكانت نهضة المسلمين في حاجة إليه.
الدافع الذي كان وراء الشيخ الطنطاوي الجوهري يعتبره الدكتور الجابري دافعا مشروعا وقتها ، وهو في ذلك فيما ارى على حق بالنسبة للدافع ، إلا ان تفسير الجوهري هذا ، والمسمى بالجواهر ، كان ايضا سببا رئيسا في كثرة التفاسير العلمية الخاطئة للآيات القرءانية التي هي مدار الظن بانها تحتوي إعجازا علميا ، وبهذا يكون الجوهري أضر بالأجيال من بعده  ربما اكثر مما نفع ، وهذا ما الدكتور الجابري ، والكثيرون معه ، يفرون منه فرار السليم من المجذوم . هذا الضرر آثاره علينا ما زالت قائمة وماثلة للعيان ، في كتب مكتوبة ، وشبكة عنكبوتية مقروءة ومسموعة من ألوف الملايين من الناس . ثم أي الضررين اقل : ضرر الشك في العلوم الطبيعية ، وفوائدها في الواقع المعاش لا تنكر ، أم الظن بأن القرءان كتاب في العلوم الطبيعية يحتوي على تفاصيلها وكانه كتاب مقرر على طلبة العلوم في المدارس والجامعات ؟! أما تفسير الجوهري ، فهو عند أهل العلم بعلوم القرءان من اسخف التفاسير . يقول الدكتور الشيخ صبحي الصالح في كتابه " مباحث في علوم القرءان " عنه : إن فيه كل شيء ما عدا التفسير . والأستاذ زهير بين في كلمته الثانية ان تفسير الجوهري يحتوي على خزعبلات وترهات لا تنتمي في أصلها إلى العلم ابدا ، أو كما قال الأستاذ زهير ، وهو يتعجب من ذكر الجابري هذا التفسير ، ولو على سبيل الدافع الذي أشار إليه.
 
أما أن يكون المؤلفون المعاصرون يهدفون إلى إثبات أن "العلم" يزكي القرآن، فهذا ما لسنا في حاجة إليه، ولا كان القرآن في يوم من الأيام في حاجة إليه.
بلى . القرءان ليس بحاجة إلى تزكية من احد أبدا ، بل العلم واصحابه هم من بحاجة إلى تزكية القرءان لهم ، وهو بحاجة إليه لهداية الضالين منهم .
أما الرد الحاسم والقول الفصل، في نظري، فقد جاء في إطار محاولة جريئة ترمي حسب قول صاحبها إلى "تأصيل الأصول"، محاولة الفقيه الأصولي أبي اسحاق الشاطبي الأندلسي المتوفى سنة 790 هـ الذي دعا إلى بناء أصول الشريعة على مقاصدها. فالشارع (الله) وضع الشريعة بقصد أن يفهمها الناس الذين خاطبتهم فجعلها على قدر أفهامهم. وبما أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم كانوا أمة أمية - يقول الشاطبي - فإن "هذه الشريعة المباركة أمية لأن أهلها كذلك، فهو أجرى على اعتبار المصالح"، أي أن "الشريعة التي بُعث بها النبي الأمي عليه السلام إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما" هي "على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية" وهو"معنى كونها أمية أي منسوبة إلى الأميين. وإن لم تكن كذلك لزم أن تكون على غير ما عهدوا، فلم تكن لتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد، وذلك خلافُ ما وقع عليه الأمر فيها، فلا بد أن تكون على ما يعهدون، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية، فالشريعة إذن أمية".
ذكر الأستاذ زهير أن معنى الأمية والأميين معنى مختلف فيه منذ عصر التدوين . وبهذا ، فإن لنا الحق في الاعتراض على من تأول معنى للأمية من بين تلك المعاني لا نقتنع به ، أو أن يخترع معنى جديدا ثم يبني عليه أن الشريعة أمّية . الإمام الشاطبي رحمه الله كان من اعلام العلماء ، وكان مفكرا يحسب له حسابه في الفكر الإسلامي عموما ، ولكننا لا ندري ماذا سوف يقوله الشاطبي لو عاش في عصرنا واطلع على علوم الأولين والآخرين في برهة من الزمن قصيرة . ولا يصير القول فصلا والرد حاسما إلا إذا لم نجد من يخالفه في عصره على الأقل ، فما بالنا بكل العصور؟ . ولا ريب في ان الله سبحانه شرع من الدين لأهل الأرض زمن نزول القرءان ما شرعه لمن سبقهم من الأقوام على اختلاف ثقافاتهم ، وتنوع معارفهم ، في ما لا تختلف فيه شرعة عن اخرى ، وفيما يخص توحيد الله وتقديس صفاته العلية ، فالناس في ذلك متساوون على اختلاف ازمنتهم واحوالهم العلمية والاجتماعية ، وما عليهم إلا طاعة الله فيما شرع إن أرادوا . وصفة الجهل بالمعارف العلمية ودرجة ذلك الجهل تبقى مرهونة في كل عصر إذا ما قيست بعصر آخر . الشريعة إذن ليست مرهونة بمقدار تقدم المعارف والعلوم عند من أنزلت عليهم  أو تأخرها قياسا على عصر آخر ، إنما هي الدعوة إلى التوحيد ونبذ المعتقدات الخاطئة . أما معنى الأمي والأميين ففيه كما نعلم كلنا أقوال عديدة منها أن الأميين من كانوا في الأصل على شرعة سيدنا إبراهيم الذي كان امة في الدين والشريعة ، وإماما للناس كلهم ، وهم كل من عاصر ابراهيم  وكان يعرفه  او يسمع بخبره . وعندما نتلو : " وأذن في الناس بالحج.. " نفهم منها هذا المعنى . والنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكن أن يكون اميا بهذا المعنى ، أي أنه على دين ابيه إبراهيم ، وقومه كذلك ظلوا يتوارثون هذا الاسم بمعنى الاصطلاح ، كونهم انحرفوا او ضلوا عن الحنيفية السمحاء . أما بنو إسرائيل والنصارى بوجه عام فهم من جاءت رسلهم إليهم بالكتب السماوية ، فأصبحوا من غير الأميين لهذا السبب بعد ان كانوا منهم ، وبقي الناس من غير اهل الكتاب لا اطلاع لهم عليه ، ولا مدارسة لهم فيه ، وهذا يمكن أن يبين معنى الآية : " وما كنت تتلو قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " ، فالنبي الأكرم لم يكن قبل القرءان يتلو كتبا سماوية ،  ولا كانت يمينه الشريفة تعمل في نسخ تلك الكتب ، أي أن النبي لا علم له بتلك النصوص الدينية حتى يكون محل اشتباه وريبة في انه يقلدها عند من يريدون إبطال دعوته . وكون النبي اميا بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة ، يظل يعطي نفس هذا المعنى قائما على تبرئته من تهمة الادعاء عليه بأن القرءان من عنده . ومن اهل الكتاب انفسهم من كان لا يعلم من الكتاب إلا علم الظن لا علم اليقين ، فكأنه بقي على اميته بالكتاب كما هم العرب . مدار الأمر إذن يدور في مجمله أن الأمي هو الذي لم يطلع على الكتب السماوية ، وهذا لا يكفي لوصف الشريعة بانها امية بمعنى ساذجة سذاجة من نزلت عليهم ، والله تعالى اعلم .

31 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
في شوق لمعرفة الإجابة    كن أول من يقيّم

السلام عليكم ورحمة الله ،
كوني من سراة الوراق ـ ولست من اكابرهم علما وقدرا ـ فقد لزمتني تلبية الدعوة إلى المشاركة ، ولكنني تأنيت في ذلك ، لا خشية من الاتهام بالتخطئة  ، إنما التأني في الإجابة هو مايمكن أن يبعدني عن إجابة بعيدة جدا عن الإجابة المعقولة .
وقد قضيت ساعات عدة ، رغم ضيق الوقت لدي ، في البحث عن الإجابة مسترشدا بما ذكره الأستاذ زهير بقوله : " وأما المؤلف الذي ذكرت أن كتابه منشور في الوراق وأنه فهم من الآية هذا المعنى فلم يكن من رجال الفقه والتفسير، وإنما ، من كبار الأدباء كتاب الدواوين، قرشي صميم، كانت لأسرته مكانة كبيرة عند الخلفاء بني العباس " ، ولكنني لم افلح  ، حتى الساعة ، بالعثور على نص المؤلف المذكور حول الآية محل السؤال ؛ لأنني غير واثق تماما من اسم المؤلف أو كتابه.
وإن قول الأستاذ زهير : " فالآية التي أقصدها هي مثل الشمس في رابعة النهار في تفضيل سيدنا محمد على البشرية جمعاء" ، وقوله : " ليس في القرآن كله آية تدل دلالتها على أن محمدا أفضل البشر عند الله " أوقعاني في شيء من الحيرة سببها ما أصابني من وسواس يتراوح بين الدلالة القطعية للآية ، وبين أن الآية أكثر دلالة من غيرها ، مما جعلني أشك في قطعيتها ، مع أني أثق ثقة كبيرة في سعة علم الأستاذ زهير، وفي دقته في البحث والاستنتاج . وبناء على هذه الثقة فإنني مشوق جدا لمعرفة تلك الآية ذات الدلالة القاطعة . ومشاركة مني مثلما شارك الإخوة الكرام أتقدم بالآتي :
الآية 163 من سورة الأنعام : ( لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) يمكن ان تفيدنا بمعنى الأفضلية . ومع ان هذه الآية لا تبدو قاطعة الدلالة ، إلا انها أقوى دلالة ، فيما ارى ، من كثيرغيرها ، عدا الآية التي هي موضوع المسابقة . والإسلام هنا بمعناه اللغوي .
بقي أن اصرح أنني أجد في نفسي حرجا من البوح بموضوع التفضيل بين الرسل ، وأستريح لكتمانه في قلبي متوكلا على عدل الله وعلمه بخلقه ، وهذا من أسباب عدم اهتمامي في البحث مسبقا في موضوع مثل هذا ، هذا غير الخلاف في معنى التفضيل ، ومعنى الاصطفاء والاختيار ، والتساؤل حول المانع الذي يمنع تحقق الأفضلية وتساويها لأكثر من واحد من الرسل والأنبياء .
 
 

7 - أبريل - 2008
مسابقة الشهر
مبروك يا دكتور عمر خلوف ،    كن أول من يقيّم

أبارك للدكتور عمر خلوف سبقه إلى الإجابة ، وحظا أوفر للباقين في المرات القادمة . وأشكر استاذنا زهير على ما قدمه لنا من خير ، وأرجو له من الله تعالى جزيل الثواب إذ جعلنا نطالع في كتاب الله ونتامل بعض ما فيه من إعجاز . ونرجو الأستاذ زهير وباقي الإخوة الأساتذة أن يفيدونا بنقاش ثري حول دلالة الآية واستنتاج ابن حمدون لمعناها ، وهل هذا الاستنتاج ليس منه بد أم أن هناك استنتاجات أخر تحملها الآية أيضا ، واستنتاجات تحملها آيات غيرها ؟ وإذا كانت الآية تنطوي على أكثر من معنى ، فهل يمكن وصفها بأنها قاطعة الدلالة؟ إن فهمي لمعنى القطع في الأدلة ــ وهو فهم يُحتمل ان اكون مخطئا فيه ــ جعلني لا أجد آية في القرءان كله تدل بشكل واضح وقطعي وصريح على تفضيل النبي الكريم  ، ولكن تضافر الآيات العديدة ، وأسلوب خطاب الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وأنه خاتم النبيين ، وأنه رسول الله إليهم جميعا ، كل ذلك يلهم قلوبنا أكثر من أدمغتنا على الاعتقاد بذلك . أقول ما اقول ، ولم أحس ، يوما ، بأن سيدنا محمد يرضى بأن نفضله على غيره من الرسل والأنبياء ، وهذا من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام .
إن المعنى الذي انفرد به ابن حمدون لهو معنى رائع حقا ، وقد اعتاد الناس على التمثل به حين يواسون أحدا فقد عزيزا عليه بقولهم : إذا النبي مات ألا يموت غيره! ونعجب من حال سيدنا عمر حينما جزع من وفاة النبي وأصابه الذهول حتى تداركه سيدنا ابو بكر وأعاد إليه صوابه . ولم يكن ما حصل لعمر إلا من شدة حبه للنبي الأكرم ، ذلك الحب الذي أنساه آيات كريمات : " إنك ميت وإنهم ميتون " ، " ...أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ..." ، " كل نفس ذائقة الموت ..." ، إلى مثل هذه الآيات التي تقرر حقيقة ان الموت حق على الخلق أجمعين .
تحياتي ومودتي لحضراتكم جميعا .ِ
 

10 - أبريل - 2008
مسابقة الشهر
هل الآية قاطعة في التفضيل وحده؟    كن أول من يقيّم

كان نص سؤال المسابقة واضحا في أن الآية المطلوبة هي آية أكثر دلالة على فضل النبي ، عليه الصلاة والسلام ، من غيرها ، ولكنني كنت ممن توهموا أن الآية المذكورة لا تحتمل إلا معنى المفاضلة لاغير ، وذلك من وصف أستاذنا زهير لها بانها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار في تفضيل سيدنا محمد على البشرية جمعاء مع انه ربما لم يقصد إلى القول بأنها لا تتضمن استنباطا آخر غير المفاضلة . ولما اطلعت على تعقيب الأستاذ زهير على مشاركة الأستاذ محمود الدمنهوري تبين لي ، إن لم اكن مخطئا ، أن استاذنا الكريم يعتقد بأن الآية تعني المفاضلة دون أن تعني شيئا آخر ، لذا ، فقد فكرت في أن اورد استنباطا من الآية لا يتعلق بالمفاضلة ، وهذا هو :
كان المشركون يتمنون موت النبي ليتخلصوا منه ومن دعوته المضادة لما يشتهون ، ولكنهم نسوا ان الموت سوف يدركهم لا محالة ولو بعد حين . ولو كانوا عقلاء لتمنوا أن يحدث  للنبي حادث يعطله عن إكمال دعوته لا ان يتمنوا له ما سوف يصيبهم ويصيبه ويصيب جميع الخلق على وجه القطع . وهذا مما يمكن فهمه من " أفإن مت فهم الخالدون؟! " . وبهذا تكون المفاضلة إحدى التفسيرات أو الاستنباطات التي تتضمنها الآية ، وليست هي الاستنباط الوحيد . أما إن أخذنا المفاضلة مرتكزا فعلينا أن نتتبع كل الآيات القرءانية التي تحتمل الاحتواء على التفضيل لنتبين أقواها دلالة ، وربما تظل قوة الدلالة هذه مدارا للأخذ والردّ . ولنأخذ آية كنت قد شاركت بها في المسابقة وقلت عنها إنها لا تبدو قاطعة الدلالة ، وهي الآية 163 من سورة الأنعام  : " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ  " والتي نفهم منها أن الله تعالى يأمر رسوله بالطاعة وأن يكون اول المسلمين المنقادين لله ، ولا نجد في القرءان آية غيرها مثلها في حق رسول آخر تأمره بأن يكون اول المسلمين وأن يعلن ذلك على الملأ كافة . ومن الطبيعي أن يكون الرسول صادقا في إعلانه . ولكنّ من يريد أن يؤول الآية السابقة ويحمل معناها على الحث على العمل بأقصى درجات الطاعة ، وان هناك رسلا آخرين قاموا بتلك الطاعة دون ان يؤمروا بها بنفس الطريقة ، يكون تأويله صحيحا ولو بمقدار .
ولنتامل قول استاذنا زهير : " بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرنا على نزول القرآن، لا يزال الكثير من حقائقه الكبرى غائبة عن عيون الناس " لنجد أن هذا القول يحمل في طياته أن حقائق القرءان لا تنقضي . وكون  السابقين ومن تبعهم إلى عصرنا لم يفطنوا إلى ما فطن إليه ابن حمدون ، فلا مانع يمنع من أن يفطن واحد من الناس ، أو اكثر ، لمعنى قرءاني في التفضيل ، أو في غيره ، أوضح بيانا ، وأشد سطوعا من استنباط ابن حمدون ، ولو بعد  حين يطول او يقصر . إننا نؤمن بأن الله فضل بعض الرسل على بعضهم الآخر ، وأن سادتنا موسى وعيسى وداود ، عليهم وعلى جميع الرسل والأنبياء السلام ، من الرسل الذين فُضلوا ، ولكننا لا نقطع بأفضليتهم على سيدنا وابينا إبراهيم ، خليل الله ، على سبيل المثال ، بالرغم من أنه لم يُذكر معهم في الآيات . أما المفاضلة بين الرسول وبين الكفار فلا اعتقدها وإن كان الجزء من الآية " فهم خالدون " يعني الكفار ولا يعني كل البشر ، ذلك لأن المفاضلة بين نبي رسول ، وبين فجرة كفرة مشركين لا لزوم لها على الإطلاق . ولو ظن الكفار انهم مخلدون لكان للمفاضلة بينهم وبين النبي لها محل ، ولكنما العبرة في تذكير هؤلاء أنهم ميتون أيضا .
إن كل ما ادليت به لا يقطع عندي انا نفسي بأن استنباط ابن حمدون يعلوه استنباط آخر حتى الآن على الأقل ، إنما أقصد إلى إثبات عدم القطع بأن الآية لا تحتمل في معناها غير المفاضلة .
يبقى ان اتوجه إلى الأستاذ زهير، وإلى الأساتذة المشاركين باستفسار حول نسب ابن حمدون راجيا  الفائدة في معرفة هذا النسب :
لما كان أخونا الأستاذ زهير قد قال عن الذي عرف معنى الآية دون غيره أنه قرشي صميم ، فقد رحت أفتش في كتاب " الأغاني " وفي كتاب " مقاتل الطالبيين " ثم فطنت إلى ان أسرة أبي الفرج لم تكن ذات مكانة عند بني العباس  إنما أسرة بني حمدان هي التي كانت . ولما رحت أتحقق من نسب الحمدانيين تبين لي أنهم من بني تغلب ، وأن التغلبيين ليسوا من نسل قريش الذي اسمه " فهر " ، فوقعت في حيرة لم يكن لي منها مناص إلا ان اكون من القادرين على استخدام خاصية البحث في نصوص الكتب التراثية في الوراق ، وهذه الخاصية لا أملكها . وفي الإصدار الثاني للموسوعة الشعرية لا وجود لاسم ابن حمدون بين مؤلفي كتب مكتبتها . القصد الآن هو معرفة العلاقة في النسب بين التغلبيين وقريش كيف هي ، وهل تُحمل هذه العلاقة على أن اسم قريش يطلق على قبائل عدة تجمعت معا وتكاتفت على إقصاء خزاعة من مكة المكرمة دون ان تكون بينها رابطة القرابة الحقيقية ؟
دمتم بخير .

11 - أبريل - 2008
مسابقة الشهر
 1  2  3  4  5